الحسد بمعناه اللغوي هو تمني زوال النعمة أو الخير من المحسود. وتحوّل هذه النعمة والخير إلي الحاسد
وبهذا المعني يكون الحسد خطية مزدوجة: فتمني زوال النعمة عن المحسود خطية. لأنه ضد المحبة. فالمحبة لا تفرح بالإثم. بل تفرح بالحق. والكتاب يقول : "لا تفرح بسقطة عدوك. ولا يبتهج قلبك إذا عثر". فكم بالأكثر إن كان الشخص الذي تتمني زوال النعمة عنه ليس عدواً. ولم يفعل بك شراً!
هناك نوع آخر من الحسد. وهو الذي قيل فيه:
"لا تحسد أهل الشر. ولا تشتهِ أن تكون معهم".
وهنا يرتبط الحاسد بشهوة الخطية. فيحسد الذين يرتكبونها. حين لا يكون بإمكانه أن يفعل مثلهم. وهذا يدل علي عدم نقاوة القلب. وبأن القلب توجد فيه محبة الخطية.ولا توجد فيه محبة الله التي تقي المؤمن من أن يحسد الأشرار علي شرهم.
وقد يحسد البعض الأشرار لأنه يجدهم متنعمين في الحياة بلا مانع ولا عائق! وفي الواقع كثير من تمتعات الأشرار تكون إما بملاذ الجسد وشهواته. وهذه لا تدوم. ولها ردود فعل عكس ما يتمتعون به. وقد تجلب معها أحيانا الفقر أو المرض أو سوء السمعة..
والبعض قد يحسد الأشرار لأنهم يستطيعون أن يصلوا بطرقهم الخاطئة إلي ما لم يستطع أن يصل هو إليه ببره!!
كمن يستطيع إلي غرضه بالرشوة. أو بالكذب أو بالرياء والنفاق. أو بألوان من الحيلة والطرق الملتوية. مما لا يستطيع الابرار المتمسكون بالقيم والمبادئ السامية.. ولا شك أن ما يصل إليه كل هؤلاء هو أمر لا يباركه الله. وهو أيضاً متع أرضية قد تفقدهم أبديتهم.. وفي نفس الوقت ما أسرع زوالها..
انهم مثل الدخان الذي يرتفع عالياً فوق الأرض. وتتسع رقعته. وفي ارتفاعه واتساعه يضمحل ويتبدد.. هكذا ارتفاع الأشرار! وكم رأينا منهم اسماء لامعة ظهرت حيناً ثم انطفأت. وكما يقول الشاعر:
ما طار طيرى وارتفع .. إلا كما طار وقع.
لا تحسد هؤلاء. فلهم طريق غير طريقك. وسمعة غير سمعتك!
هل النار التي هي تحت. في الموقد. تحسد الدخان الذي ارتفع عالياً إلي فوق؟! وهل الاستاذ الجامعي المتعمق في العلم. يحسد تلك الراقصة التي قد تحصل في يوم واحد علي أكثر من مرتب هذا الأستاذ في شهر؟! كلا. فالارتفاع أيضاً له موازينه وقيمه..
وهل الموسيقي الهادئة العميقة في لحنها. تحسد تلك الطبلة في صوتها العالي وما تحدثه من جلجلة وصخب؟!
إن العمق قد لا يلفت الأنظار مثل المظهر.. ومع ذلك له قيمته التي هي أقوي وأقيم من كل أصحاب المظاهر..
هناك نوع آخر من الحسد. هو حسد الشياطين
الشياطين يحسدون الأبرار علي برهم. بينما هؤلاء الشياطين قد فقدوا البر. وفسدت طبيعتهم. وبعد أن كانوا ملائكة صاروا شياطين..
وهم يحسدون البشر علي رضي الله عليهم. بينما صاروا هم موضع غضب الله الذي طردهم من السماء. ولم يعد لهم مكان فيها..
ويحسدون البشر أيضا علي ما هم فيه من بركة ومن نعمة. بينما هم في لعنة بسبب شرورهم وعنادهم. كذلك هم يحسدون البشر علي المصير الذي سيتمتعون به في النعيم الأبدي. في السماء الملائكية..
لذلك كله. هو - في حسده للبشر - يعمل علي إسقاطهم لكي يكون لهم نفس مصيره. ولا يتمتعون بنعيم قد فقده هو. ولا ببركة هو فقدها..
ولهذا فكلما سار الانسان في طريق الفضيلة. يحاول الشيطان بحسده أن يبعده عنها. وأن يغريه بطريق مضاد. ويصور له شرور الدنيا بأنها ملاذ ومتعة. فإن سرت في طريق الخير. ووجدت عقبات وعوائق تعترضك. ربما تكون هذه من حسد الشياطين وأحقادهم علي الأرض.
إن الحسد بعيد كل البعد عن المحبة. والشيطان لا يحب البشر. بل يعمل علي إيذائهم. وحسده لهم ذو طابع معين.
فهو يعمل علي حرمانهم من نعمة الله التي معهم. ولكنه لا يهدف مطلقاً إلي تحويل هذه النعمة إليه لأنه يعرف تماماً أن هذا مستحيل.
لذلك فحسد الشيطان هو حسد هدّام. وأيضا هو حسد مخادع.
فهو يحاول أن يقنع الإنسان بأنه يعمل لصالحه. وانه دائما يجلب له اللذة والبهجة والمتعة. وأنه يبذل كل حيله الشيطانية لكي يحقق له أغراضه. مما لا يحققه له القانون ولا تكفله له التقاليد فإذا انخدع به الإنسان. وسلّمه قيادة اموره. حينئذ يسقطه. ويفرح بسقطته. ويجعله واحداً من أعوانه..
نقطة أخري هي الفرق بين الغيرة والحسد:
ليس كل غيرة لوناً من الحسد. وليس كل غيرة ضد المحبة فهناك "الغيرة في الحسني" وهي إحدي الفضائل.
إنها الغيرة التي تتحمس لفعل الخير. وتحاول أن تقلّد. حينما تسمع عن فضائل الأبرار. سواء الذين انتقلوا من هذا العالم. أو الذين مازالوا أحياء. فتغار منهم غيرة حارة لكي تتمثل بأعمالهم. لا أن تحسد الحسد الذي يتمني زوال النعمة من الغير.
بل هذه الغيرة المقدسة تفرح بفضائل الآخرين. وتتخذهم قدوة وأحياناً هذه الغيرة تملك علي القلب. حينما تجد مجالاً ينبغي أن يُفعل فيه الخير. فتشعل القلب حماساً. وتدفع الإرادة لكي تعمل.
ولولا هذه الغيرة ما قام المصلحون في شتي العصور. لتغيير أوضاع خاطئة. وإرساء أوضاع سليمة.. ونحن كثيراً ما ندعو أبناءنا أن يغاروا من الناجحين والمتفوقين لكي يكونوا مثلهم..
إن الذي يحب الفضيلة. لا يحسد الفضلاء بل يمجدهم.
والذي يحب الفضلاء. لا يحسدهم بل يقلدهم.
وعموماً فإن كل من يحب إنساناً. يتمني أن تزيد نعمة الله عليه. لا أن تزول النعمة منه. ولهذا فإن المحبة لا تحسد..
إن أحببت إنساناً. فإنك تفضله علي نفسك. وهكذا لا يمكن أن تشتهي أن يتحول الخير منه إليك.. فالمحبة تبني ولا تهدم..
وهكذا فإن الأم التي تحب ابنتها. لا يمكن أن تحسدها علي زواج موفق. بل انها تسعد بسعادتها. وتكون في خدمتها في يوم فرحها: تبذل جهدها أن تكون ابنتها في أجمل صورة وأجمل زينة..
كذلك الأب أيضاً يفرح بنجاح ابنه. ولا يمكن أن يحسده علي نجاحه. بل يفخر بذلك. ويريده أن يزيد نجاحاً علي نجاح.
إن حافظ ابراهيم لم يحسد أحمد شوقي لما أختير أميراً للشعراء. بل في الحفل الذي أقيم لذلك قال في فرح:
أميرَ القوافي قد أتيت مبايعاً... وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
قال حافظ إبراهيم هذا. بينما كان هو وأحمد شوقي يعملان معاً في ميدان واحد هو الشعر. وكانت بينهما مطارحات شعرية كثيرة. ولكن لم تكن بينهما المنافسة التي تجلب الحسد. بل كانا صديقين..
والنساك وآباء البرية ما كانوا يحسدون بعضهم بعضاً في حياة الروح. بل كان ارتفاع الواحد منهم روحياً يشجع الآخرين ويقويهم.
وكانوا يمجدون الله كلما برع أحدهم في حياة الفضيلة. ويشكرون الله بسببه. وتملكهم الغيرة المقدسة. فيفعلون مثلما يفعل. ويطلبون صلواته عنهم وبركته لهم.
كذلك كان الأمر في عصور الاستشهاد. كانت هناك غيرة لنوال اكاليل الشهادة. ولم يكن هناك حسد. كانوا يفرحون كلما استطاع أحدهم أن يكمل جهاده ويقال الأمجاد. ويمجدون شجاعة الشهداء في أعمال بطولتهم. ويطوبونهم ويطلبون بركتهم..
نبحث بعد ذلك نقطة هامة وهي:
هل الحسد يضرّ؟ وهل هناك ما يعرف باسم "ضربة عين" تؤذي؟!
أولاً : الحسد يضرّ الحاسد. وليس المحسود:
الحاسد تتعبه الغيرة المرّة. ومشاعر الحقد الأسود. ويتعبه شعوره بالنقص كلما قارن نفسه
بالمحسود. ويقول الشاعر في ذلك:
اصبر علي كيد الحسود.. فإن صبرك قاتلهْ
فالنار تأكل بعضها.. إن لم تجد ما تأكلهْ
وكذلك فإن الحاسد يتعبه فكره وسعيه في الاضرار بالمحسود. وقد لا يفلح في ذلك. ويزداد المحسود ارتفاعاً.. فيزداد هو غيظاً. وهذا طبيعي. لأن القلب الخالي من المحبة لابد أن يتعب.. وقد يسعي الحاسد إلي التحرش بالمحسود وإهانته. فيقابله المحسود برقة ولطف. حسب سمو طبعه. فيتعب الحاسد من هذه الرقة ومن هذا اللطف. كما يتعبه فشله في إثارة المحسود. فتزداد فيه النار اشتعالاً!!
ثانيا : إن الحسد في حد ذاته لا يضرّ. ولكن المؤامرات التي يدبرها الحاسدون هي التي تضرّ أحياناً..
أخوة يوسف الصديق حسدوه علي محبة أبيه له. وحسدوه علي أحلامه. فلم يضره حسدهم بشئ. ثم جاء دور المؤامرات التي تضر. فاحتالوا لكي يميتوه. ثم باعوه كعبد. ولكن الله كان مع يوسف. فتحولت كل الأمور إلي خيره. وكما قال هو فيما بعد لأخوته: "أنتم أردتم بي شراً. ولكن الله أراد بي خيراً"..
اذن ينبغي ألا نخاف من الحسد. ولا من المؤامرات التي يدبرها الحاسدون. مؤمنين أن يد الله لا بد ستتدخل. وتحوّل الشر إلي خير. ولا تعطي مجالاً للحاسدين أن ينتصروا..
ثالثاً: توجد قصص خرافية تخيف البعض من عين الحسود!!
وللأسف. فإن بعض الناس يتداولون رواية هذه القصص الخيالية فيما بينهم. وكأنها حقيقة! وتمثل في داخلهم واقعاً وخوفاً..!
منها ما يقال من أن شخصاً أراد أن يؤذي منافساً له.. فاستأجر حاسداً مشهوراً من الذي له عين "تفلق الحجر".. وأوصاه بأن يضرب هذا المنافس عيناً ترديه أرضاً. ولما كان الحاسد لا يعرف ذلك المنافس. قال له الرجل الذي أستأجره: "سأريك إياه وأشير لك عليه". ووقف الاثنان في آخر الطريق. فلما ظهر ذلك المنافس في أول الطريق من بعيد. أشار إليه منافسه. وقال للحاسد: "انظر هوذا هذا الرجل القادم من بعيد. يلبس حلّة سمراء. ونظارة علي عينيه. وبيده حقيبة صغيرة. إنه هو"..
وهنا قال له الحاسد: "هل نظرك قوي إلي هذه الدرجة التي رأيت فيها الرجل من ذلك البعد الكبير. بكل هذه التفاصيل؟!" ونظر إليه في تعجب. وإذا سحابة مرت علي عينيه فلم يعد يبصر!!
انها قصة خيالية خرافية. يرويها البعض عن "قوة عين الحاسد"!
رابعاً: إن الحسد هو مشاعر خاطئة. وليس ضربة عين تضر..
ولو كان ضربة عين كما يتخيلون. لكان كل الناجحين والمتفوقين يخفون نجاحهم ونجاح أولادهم. لئلا تصيبهم أعين الحاسدين!!
ثم ماذا عن النجاح الذي لا يمكن اخفاؤه. كأوائل الجامعات وأوائل الثانوية العامة. وأبطال الرياضة الذين ينالون الميداليات الذهبية. والعلماء الذين يحصلون علي جائزة الدولة التقديرية. وماذا أيضاً عن ملكات الجمال كل عام. والحائزين علي جائزة نوبل؟!
هل تصيب كل هؤلاء أعين الحسّاد. فتلقيهم أرضا؟! كلا يا إخوتي. فضربة العين الضارة هي مجرد خرافة..
وبهذا المعني يكون الحسد خطية مزدوجة: فتمني زوال النعمة عن المحسود خطية. لأنه ضد المحبة. فالمحبة لا تفرح بالإثم. بل تفرح بالحق. والكتاب يقول : "لا تفرح بسقطة عدوك. ولا يبتهج قلبك إذا عثر". فكم بالأكثر إن كان الشخص الذي تتمني زوال النعمة عنه ليس عدواً. ولم يفعل بك شراً!
كذلك تمني تحول تلك النعمة بدلا منه إلي الحاسد. يحمل خطية اخري. فهو شهوة خاطئة. لأنها رغبة في الارتفاع علي حطام الغير. لذلك فالحسد شر في كنهه وتفاصيله..
هناك نوع آخر من الحسد. وهو الذي قيل فيه:
"لا تحسد أهل الشر. ولا تشتهِ أن تكون معهم".
وهنا يرتبط الحاسد بشهوة الخطية. فيحسد الذين يرتكبونها. حين لا يكون بإمكانه أن يفعل مثلهم. وهذا يدل علي عدم نقاوة القلب. وبأن القلب توجد فيه محبة الخطية.ولا توجد فيه محبة الله التي تقي المؤمن من أن يحسد الأشرار علي شرهم.
وقد يحسد البعض الأشرار لأنه يجدهم متنعمين في الحياة بلا مانع ولا عائق! وفي الواقع كثير من تمتعات الأشرار تكون إما بملاذ الجسد وشهواته. وهذه لا تدوم. ولها ردود فعل عكس ما يتمتعون به. وقد تجلب معها أحيانا الفقر أو المرض أو سوء السمعة..
والبعض قد يحسد الأشرار لأنهم يستطيعون أن يصلوا بطرقهم الخاطئة إلي ما لم يستطع أن يصل هو إليه ببره!!
كمن يستطيع إلي غرضه بالرشوة. أو بالكذب أو بالرياء والنفاق. أو بألوان من الحيلة والطرق الملتوية. مما لا يستطيع الابرار المتمسكون بالقيم والمبادئ السامية.. ولا شك أن ما يصل إليه كل هؤلاء هو أمر لا يباركه الله. وهو أيضاً متع أرضية قد تفقدهم أبديتهم.. وفي نفس الوقت ما أسرع زوالها..
انهم مثل الدخان الذي يرتفع عالياً فوق الأرض. وتتسع رقعته. وفي ارتفاعه واتساعه يضمحل ويتبدد.. هكذا ارتفاع الأشرار! وكم رأينا منهم اسماء لامعة ظهرت حيناً ثم انطفأت. وكما يقول الشاعر:
ما طار طيرى وارتفع .. إلا كما طار وقع.
لا تحسد هؤلاء. فلهم طريق غير طريقك. وسمعة غير سمعتك!
هل النار التي هي تحت. في الموقد. تحسد الدخان الذي ارتفع عالياً إلي فوق؟! وهل الاستاذ الجامعي المتعمق في العلم. يحسد تلك الراقصة التي قد تحصل في يوم واحد علي أكثر من مرتب هذا الأستاذ في شهر؟! كلا. فالارتفاع أيضاً له موازينه وقيمه..
وهل الموسيقي الهادئة العميقة في لحنها. تحسد تلك الطبلة في صوتها العالي وما تحدثه من جلجلة وصخب؟!
إن العمق قد لا يلفت الأنظار مثل المظهر.. ومع ذلك له قيمته التي هي أقوي وأقيم من كل أصحاب المظاهر..
هناك نوع آخر من الحسد. هو حسد الشياطين
الشياطين يحسدون الأبرار علي برهم. بينما هؤلاء الشياطين قد فقدوا البر. وفسدت طبيعتهم. وبعد أن كانوا ملائكة صاروا شياطين..
وهم يحسدون البشر علي رضي الله عليهم. بينما صاروا هم موضع غضب الله الذي طردهم من السماء. ولم يعد لهم مكان فيها..
ويحسدون البشر أيضا علي ما هم فيه من بركة ومن نعمة. بينما هم في لعنة بسبب شرورهم وعنادهم. كذلك هم يحسدون البشر علي المصير الذي سيتمتعون به في النعيم الأبدي. في السماء الملائكية..
لذلك كله. هو - في حسده للبشر - يعمل علي إسقاطهم لكي يكون لهم نفس مصيره. ولا يتمتعون بنعيم قد فقده هو. ولا ببركة هو فقدها..
ولهذا فكلما سار الانسان في طريق الفضيلة. يحاول الشيطان بحسده أن يبعده عنها. وأن يغريه بطريق مضاد. ويصور له شرور الدنيا بأنها ملاذ ومتعة. فإن سرت في طريق الخير. ووجدت عقبات وعوائق تعترضك. ربما تكون هذه من حسد الشياطين وأحقادهم علي الأرض.
إن الحسد بعيد كل البعد عن المحبة. والشيطان لا يحب البشر. بل يعمل علي إيذائهم. وحسده لهم ذو طابع معين.
فهو يعمل علي حرمانهم من نعمة الله التي معهم. ولكنه لا يهدف مطلقاً إلي تحويل هذه النعمة إليه لأنه يعرف تماماً أن هذا مستحيل.
لذلك فحسد الشيطان هو حسد هدّام. وأيضا هو حسد مخادع.
فهو يحاول أن يقنع الإنسان بأنه يعمل لصالحه. وانه دائما يجلب له اللذة والبهجة والمتعة. وأنه يبذل كل حيله الشيطانية لكي يحقق له أغراضه. مما لا يحققه له القانون ولا تكفله له التقاليد فإذا انخدع به الإنسان. وسلّمه قيادة اموره. حينئذ يسقطه. ويفرح بسقطته. ويجعله واحداً من أعوانه..
نقطة أخري هي الفرق بين الغيرة والحسد:
ليس كل غيرة لوناً من الحسد. وليس كل غيرة ضد المحبة فهناك "الغيرة في الحسني" وهي إحدي الفضائل.
إنها الغيرة التي تتحمس لفعل الخير. وتحاول أن تقلّد. حينما تسمع عن فضائل الأبرار. سواء الذين انتقلوا من هذا العالم. أو الذين مازالوا أحياء. فتغار منهم غيرة حارة لكي تتمثل بأعمالهم. لا أن تحسد الحسد الذي يتمني زوال النعمة من الغير.
بل هذه الغيرة المقدسة تفرح بفضائل الآخرين. وتتخذهم قدوة وأحياناً هذه الغيرة تملك علي القلب. حينما تجد مجالاً ينبغي أن يُفعل فيه الخير. فتشعل القلب حماساً. وتدفع الإرادة لكي تعمل.
ولولا هذه الغيرة ما قام المصلحون في شتي العصور. لتغيير أوضاع خاطئة. وإرساء أوضاع سليمة.. ونحن كثيراً ما ندعو أبناءنا أن يغاروا من الناجحين والمتفوقين لكي يكونوا مثلهم..
إن الذي يحب الفضيلة. لا يحسد الفضلاء بل يمجدهم.
والذي يحب الفضلاء. لا يحسدهم بل يقلدهم.
وعموماً فإن كل من يحب إنساناً. يتمني أن تزيد نعمة الله عليه. لا أن تزول النعمة منه. ولهذا فإن المحبة لا تحسد..
إن أحببت إنساناً. فإنك تفضله علي نفسك. وهكذا لا يمكن أن تشتهي أن يتحول الخير منه إليك.. فالمحبة تبني ولا تهدم..
وهكذا فإن الأم التي تحب ابنتها. لا يمكن أن تحسدها علي زواج موفق. بل انها تسعد بسعادتها. وتكون في خدمتها في يوم فرحها: تبذل جهدها أن تكون ابنتها في أجمل صورة وأجمل زينة..
كذلك الأب أيضاً يفرح بنجاح ابنه. ولا يمكن أن يحسده علي نجاحه. بل يفخر بذلك. ويريده أن يزيد نجاحاً علي نجاح.
إن حافظ ابراهيم لم يحسد أحمد شوقي لما أختير أميراً للشعراء. بل في الحفل الذي أقيم لذلك قال في فرح:
أميرَ القوافي قد أتيت مبايعاً... وهذي وفود الشرق قد بايعت معي
قال حافظ إبراهيم هذا. بينما كان هو وأحمد شوقي يعملان معاً في ميدان واحد هو الشعر. وكانت بينهما مطارحات شعرية كثيرة. ولكن لم تكن بينهما المنافسة التي تجلب الحسد. بل كانا صديقين..
والنساك وآباء البرية ما كانوا يحسدون بعضهم بعضاً في حياة الروح. بل كان ارتفاع الواحد منهم روحياً يشجع الآخرين ويقويهم.
وكانوا يمجدون الله كلما برع أحدهم في حياة الفضيلة. ويشكرون الله بسببه. وتملكهم الغيرة المقدسة. فيفعلون مثلما يفعل. ويطلبون صلواته عنهم وبركته لهم.
كذلك كان الأمر في عصور الاستشهاد. كانت هناك غيرة لنوال اكاليل الشهادة. ولم يكن هناك حسد. كانوا يفرحون كلما استطاع أحدهم أن يكمل جهاده ويقال الأمجاد. ويمجدون شجاعة الشهداء في أعمال بطولتهم. ويطوبونهم ويطلبون بركتهم..
نبحث بعد ذلك نقطة هامة وهي:
هل الحسد يضرّ؟ وهل هناك ما يعرف باسم "ضربة عين" تؤذي؟!
أولاً : الحسد يضرّ الحاسد. وليس المحسود:
الحاسد تتعبه الغيرة المرّة. ومشاعر الحقد الأسود. ويتعبه شعوره بالنقص كلما قارن نفسه
بالمحسود. ويقول الشاعر في ذلك:
اصبر علي كيد الحسود.. فإن صبرك قاتلهْ
فالنار تأكل بعضها.. إن لم تجد ما تأكلهْ
وكذلك فإن الحاسد يتعبه فكره وسعيه في الاضرار بالمحسود. وقد لا يفلح في ذلك. ويزداد المحسود ارتفاعاً.. فيزداد هو غيظاً. وهذا طبيعي. لأن القلب الخالي من المحبة لابد أن يتعب.. وقد يسعي الحاسد إلي التحرش بالمحسود وإهانته. فيقابله المحسود برقة ولطف. حسب سمو طبعه. فيتعب الحاسد من هذه الرقة ومن هذا اللطف. كما يتعبه فشله في إثارة المحسود. فتزداد فيه النار اشتعالاً!!
ثانيا : إن الحسد في حد ذاته لا يضرّ. ولكن المؤامرات التي يدبرها الحاسدون هي التي تضرّ أحياناً..
أخوة يوسف الصديق حسدوه علي محبة أبيه له. وحسدوه علي أحلامه. فلم يضره حسدهم بشئ. ثم جاء دور المؤامرات التي تضر. فاحتالوا لكي يميتوه. ثم باعوه كعبد. ولكن الله كان مع يوسف. فتحولت كل الأمور إلي خيره. وكما قال هو فيما بعد لأخوته: "أنتم أردتم بي شراً. ولكن الله أراد بي خيراً"..
اذن ينبغي ألا نخاف من الحسد. ولا من المؤامرات التي يدبرها الحاسدون. مؤمنين أن يد الله لا بد ستتدخل. وتحوّل الشر إلي خير. ولا تعطي مجالاً للحاسدين أن ينتصروا..
ثالثاً: توجد قصص خرافية تخيف البعض من عين الحسود!!
وللأسف. فإن بعض الناس يتداولون رواية هذه القصص الخيالية فيما بينهم. وكأنها حقيقة! وتمثل في داخلهم واقعاً وخوفاً..!
منها ما يقال من أن شخصاً أراد أن يؤذي منافساً له.. فاستأجر حاسداً مشهوراً من الذي له عين "تفلق الحجر".. وأوصاه بأن يضرب هذا المنافس عيناً ترديه أرضاً. ولما كان الحاسد لا يعرف ذلك المنافس. قال له الرجل الذي أستأجره: "سأريك إياه وأشير لك عليه". ووقف الاثنان في آخر الطريق. فلما ظهر ذلك المنافس في أول الطريق من بعيد. أشار إليه منافسه. وقال للحاسد: "انظر هوذا هذا الرجل القادم من بعيد. يلبس حلّة سمراء. ونظارة علي عينيه. وبيده حقيبة صغيرة. إنه هو"..
وهنا قال له الحاسد: "هل نظرك قوي إلي هذه الدرجة التي رأيت فيها الرجل من ذلك البعد الكبير. بكل هذه التفاصيل؟!" ونظر إليه في تعجب. وإذا سحابة مرت علي عينيه فلم يعد يبصر!!
انها قصة خيالية خرافية. يرويها البعض عن "قوة عين الحاسد"!
رابعاً: إن الحسد هو مشاعر خاطئة. وليس ضربة عين تضر..
ولو كان ضربة عين كما يتخيلون. لكان كل الناجحين والمتفوقين يخفون نجاحهم ونجاح أولادهم. لئلا تصيبهم أعين الحاسدين!!
ثم ماذا عن النجاح الذي لا يمكن اخفاؤه. كأوائل الجامعات وأوائل الثانوية العامة. وأبطال الرياضة الذين ينالون الميداليات الذهبية. والعلماء الذين يحصلون علي جائزة الدولة التقديرية. وماذا أيضاً عن ملكات الجمال كل عام. والحائزين علي جائزة نوبل؟!
هل تصيب كل هؤلاء أعين الحسّاد. فتلقيهم أرضا؟! كلا يا إخوتي. فضربة العين الضارة هي مجرد خرافة..
Comment