لا يصحّ إلا الصحيح

[جوانا]

هول، رعب، ذهول... سمّهِ ما شئت. ولكنْ هذا ما استفاق عليه العالم صبيحة الإثنين الماضي. - ماذا في الخبر؟ سفينة تركيّة تحمل اسم "مرمرة" (هو طبعًا اسم البحر المعروف، ولكن هل مازَجه منذ الإبحار مذاقٌ مسبق لل"مرمرة"؟)، ترافقها خمس سفن أخرى، أطلِقَ على المجموعة كلها اسم أسطول الحرية، تتوجه نحو شواطئ غزة. هذا "الأسطول"، تنادى للتلاقي عليه ما يربو على 700 شخص، فيهم الطبيب والمهندس، والمحامي والبرلماني، والموظف والجامعيّ، ورجل الأعمال ورجل القانون، والطالب والعامل، ورجل الدين والعلماني، والمسلم والمسيحي واليهودي، والعربي والإسرائيلي والأجنبي، والرجل والمرأة، والطفل والشابّ والمسنّ، وجميع شرائح المجتمع البشري من نحو أربعين دولة وعرقًا وجنسية ولغة، لا يجمع بينهم إلا الهدف المعلن الواحد: حمْل المساعدات الإنسانية (من غذاء ودواء وكساء...) إلى محاصَري غزّة، لفكّ الحصار عنهم.

وتعترضهم "على أكثر من 100 كلم" عن الشاطئ، سفن إسرائيلية تطلب منهم التوجه الى أحد موانئ إسرائيل. هل ال"أكثر من 100 كلم" هي مياه إقليمية أم دولية؟ من المعروف دوليا أن المياه الإقليمية هي في حدود ال 12 ميلا بحريا. والميل البحري يساوي 1.852 مترا (وفي دول الكومنولث 1.853،4 مترا). مشهدٌ مضحكٌ مخزٍ أن ترى أحدهم على شاشة التلفزيون، وقد أصابه إسهالٌ كلاميّ حادّ، يؤكد أن نقطة الاعتراض، إذا أخذتَ زوايا وأضلاعَ القياس، يمكن تصنيفها في المياه الإقليمية، لأنها قريبة من خط التماسّ. قلتُ لصاحبي أبو نبيل، وكان إلى جانبي يتابع المشهد: أنا لستُ ضليعًا في الرياضيات، فهل لك أن تشرح لي كيف قياس الأضلاع والزوايا ينقل ما هو في مياهٍ إلى مياهٍ أخرى، فيجعلها على خط التماسّ؟ اكتفى أبو نبيل بالجواب: "بدّك عقل يحمل". ولما اشتدّ الجدال هل العملية قرصنة أم لا، وما هو تحديد القرصنة بالضبط، توجّهتُ ثانية إلى أبو نبيل: "يا صاحبي، خمس عشرة سنة من دراسة الفلسفة واللاهوت لم تفِدْني كثيرا في معرفة القانون الدولي، فهل لك أن تفيدني عن تحديد القرصنة في قاموس هذا القانون؟". فتنهد أبو نبيل واكتفى بالقول: "يا سيدنا، بدّك أعصاب تحمل".

وتسمّرْنا أمام الشاشة، بل الشاشات الإسرائيلية والعربية والعالمية، نتابع، لحظة فلحظة المَشاهد والتعليقات المتناقضة. لم تكن المتابعة سهلة بسبب التعتيم المفروض. ثم ما لبثت التسريبات أن بدأت تكشف هول الواقع: زوارق حربية، إنزال جويّ من طوّافات عسكرية، قتلى، جرحى، أسرى وقيود، ومشاهد أضحت معروفة لدى الجميع. – بعد صمتٍ طويل سألتُ صاحبي: "أمام ما تشاهد، مَن ترى الرابح أو الخاسر؟". قال: "رحم الله الشاعر الفرنسي بول كلوديل مخاطبًا الله: يا أبتاه، يا أبتاه، زمن الإيمان قد انقضى، الإيمانِ بالله الذي له وحده يحق الطاعة والخضوع. الآن تعود عبودية الإنسان للإنسان باسم القوة والقانون، تمامًا كما في أيام طيباريوس، ويسمّون هذا ديمقراطية". وأضاف: "سيادتك تجيد البرتغالية، فهل ذكرتَ قول الزعيم البرتغالي الشهير أوليفيرا سالازار (1889-1970): الحرية والحقيقة توأمان. - وهل لي أنا أن أذكّرك قول السيد المسيح، وأنت أعرَفُ به مني: تعرفون الحق، والحق يحرركم. وعندما ساقوه إلى بيلاطس الوالي الروماني وقال له: جئتُ لأشهد للحق، ألم يسخر منه الوالي المستعمر: "وما هو الحق؟" وتسألني مَن الرابح والخاسر؟ أليس الجواب في مَثَلنا الدارج البسيط: "لا يصحّ إلا الصحيح"؟

وفجأةً قطع كلامه ليقول: سيدنا، سيدنا، أنظر، أنظر، أليس هذا في الصورة المطران كبوجي؟ ولكن الصورة كانت قد اختفت قبل أن أتحقق شيئا. وقلَبَ على قناة ثانية، وإذا هناك أيضا صورة المطران كبوجي. كان جالسا يصلي، وعلى ركبتيه كتاب الصلاة الرسمي في كنيستنا "الأورولوغيون"، الذي كنتُ أنا نفسي، بتكليف من السينودس المقدس، قد ترجمته عن اليونانية سنة 1985. تبينتُ الكتاب جليا على ركبتي المطران، وأحسستُ برعشة غريبة. هذا المطران الجليل (88 سنة)، الذي ما عدنا رأيناه يشارك في اجتماعات السينودس منذ سنوات طويلة، بسبب مشقة السفر عليه، ماذا كان يصلي؟ "الأورولوغيون" كلمة يونانية تعني "كتاب الساعات"، وفيه الصلوات الموزّعة على مختلف ساعات الليل والنهار. نظرتُ الى ساعتي، فإذا هو الوقت الذي تقول فيه كنيستي، في ما تقول: "لنصلِّ لأجل سلام العالم، لأجل من يرحمنا ويخدمنا، لأجل مبغضينا ومحبينا، لأجل الذين أوصونا أن نصلّي لأجلهم، لأجل نجاة الأسرى، لأجل المسافرين برّا ووبحرًا وجوّا..." واختفت صورة المطران ثانية، فأشحتُ بنظري عن مشاهد التلفزيون، وقلت لصاحبي أبو نبيل: أنت ما سمعتَ ما كان المطران يصلّي، فتعالَ نصلِّ معا، أنا وانت في خلوتنا، ما تطلب منا الكنيسة أن نصلّيه في هذه الساعة. وقمنا ففعلنا. وهل أفضل من هذه الصلاة لمثل هذه الساعة؟

بقلم سيادة المطران بطرس المعلم
المطران السابق لابرشية عكا حيفا الناصرة وسائر الجليل للروم الملكيين الكاثوليك

[فيروز]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

تسلم ايديكي

[Abo Michel]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

يسلمو كتير الك ..
هالأيام بدا صلوات من الكل أكتر من أي وقت مضى
وخصوصي لضعاف العقول والنفوس ...إلي ما عندون لا عقيدة ولا دين
لحتى الرب يسوع يهديون ويخلصون
الرب يباركك

[SUHAIB]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

الله يبارك فيك
لك مني كل الاحترام

[فراس السوري]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

[ا . العمر]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

الله يخلي الخونة المصريين (( ام الدنيا ))
(( اقدع ناس )) لسى بنشوف كتير من خبثهن
ودم كل شهيد
نزف برقبتهن هنن واسرائيل
مهنن كل البلا منهن

[جوانا]

رد: لا يصحّ إلا الصحيح

شكرا للكل على مروركم