الصداقة ارتباطك بآخر على وجه التخصيص وهي متبادلة في الصدق وموفورة المودة بلا منفعة في هذه الأرض. وهي سر اي لا تعرف كيف حلت وقد جاء في الأدب الفرنسي: هذا صديقي لأنه هو هو وأنا أنا. وهي متسعة للمحبة الإلهية عند الاثنين وليس الا شرط الفضيلة المستمرة عند الصديقين وما فيها الا الصدق فهي تحمل قوة ديمومتها. بهذا المعنى وان بدت ثنائية الا ان الله سميته ام لم تسمه هو في وسطها ويعززها ويغذيها حتى يبلغ الاثنان بلورية كاملة.
وهي قائمة في البشر لأن احدًا منا لا يعيش في العزلة لكونه يحتاج الى التكامل، الى مشاركة تقويه فيلحظ انه موجود ليس فقط بصفاته ولكن بصفات الآخر الذي يقويه. هي مشاركة حياة وتعاون. انت تحتاج الى ان يرعاك احد وان يقوّيك ويصفيك ويقيمك من الموت الروحي اذا انتابك. هي اذا قوّة قيامية بسبب من الفرح وذاك الذي تتقبّله. الفرح من الكيان الفصحي الكامن في كل إنسان.
والصدق فيه مكاشفة لكونك تلتمس المساعدة وان تتحرر وتعلو وليس فيها نكث لعهد العطاء حتى لا تتقوقع وتعود الى صحرائك ولا تقع في يأس. أرسطو القائل: "يا أصدقائي ليس من صديق”. لا، هناك ناس صادقون يبغون إصلاح نفوسهم ويختارون الأعزة يرفعونهم. ما من شك ان الأصدقاء ليسوا على الود الواحد ولكن هناك من تحتاج اليه احتياجك الى الزوج والود درجات واما من طفح عندهم الود والطهارة معا فهم قلّة لأن الفضيلة قليلة وصعبة. واذا ضعفت في الآخر فتزول العلاقة ويكون اختيارك خاطئا.
اما اذا ثبتت الصداقة فيعني انها نازلة من السماء وما هي بمودة عابرة. وهنا يأتي الكلام عن المحبة التي ليس فيها تخصيص وهي تجمع الشمل كله او هدفها اي انسان أعطاك ام لم يعطك، رد لك خدمتك ام لم يردها. هي مجّانية إطلاقا اي قد لا تؤسس على مقابلة او مبادلة. وتحب فلانا لأنه يحتاج اليك او بالحري لأنه يحتاج الى العطاء الإلهي الذي فيك. وقد تخدمه وتذهب ولا تعود اليه الا اذا عرفت انه في حاجة اليك وانت له لأنه مجرد انسان يبكي او يتوجّع او هو معزول وأنت له مخلص لأن الله انتدبك لعمليّة خلاص في وقت مناسب ثم ينتدبك لإنقاذ غيره. تمشي انت في صحراء الوجود لتفتح يديك لإنسان متروك وانت تفتقر اليه اذا اعطيته وقد تفتقر ماديا بصورة كاملة او شبه كاملة لأن الوجود هو لذاك، عندك لأنك بهذا انت معطي الله او مقرضه كما يقول الكتاب: "هذا هو العطاء الكامل لأنك تمحى وتقيم الاخر حتى هو لا يمحى في قساوة القلوب”. وهنا لا فرق عندك بين أن يكون على دينك او دين آخر او ان يكون مزينا بالبهاء الإلهي او بقباحة الشيطان لأنك قررت ان ترى الله فيه. العقائد مختلفة والمحبة واحدة لكل الناس لأنك بها جعلت نفسك صديق الله.
***
الهبة المجانية كثير الحديث عنها في الأناجيل. نقتطف من لوقا، مثل هذا قوله: "احبوا أعداءكم وأقرضوا غير راجين عوضا، فيكون أجركم عظيما وتكونوا أبناء العليّ، لأنه هو يلطف بناكري الجميل والأشرار" (٣٥:٦). وهنا عندنا نقطة لاهوتية وهي ان العطاء المجاني يرفعكم من مرتبة العبيد الى مرتبة الأبناء. والنقطة التابعة لها ان الأشرار هم ايضا أبناء لأن التساوي في قيمة الناس هو في رؤية الله لهم ووضعهم كأبناء يأتي من مجّانيّته.
وقراءتي هذه راسخة في قوله توا بعد هذا الكلام: "كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم... ستعطَون في أحضانكم كيلا حسنا مركوما مهزهزا طافحا لأنه يكال لكم بما تكيلون فإنكم ان أعطيتم يعطيكم الله بلا حساب”. يعاملكم بما هو أفضل مما عاملتم الآخرين. الانجيل يضرب الحساب.
لذلك يصل الى القول: "الإنسان الطيب من الكنز الطيب في قلبه يخرج ما هو طيب”. انت لا ترى اذًا بعيني الحكمة البشرية القائلة ان انظر الى ثروتك وأعطِ ما استطعت ليبقى لك شيء تقول الحكمة الإلهية فيك انظر الى قلبك المحب وأعطِ لكل ما يأمرك به القلب وليتدفّق قلبك اذًا واذا كنت غير متعلّق بدرهم واحد تدفعه الى الاخر وتعطي لتنجي قلبك من الموت الذي جانب من جوانبه البخل. والبخل هو اعتبار ان كل ما عندك اساسي لك. غير ان لا شيء في الدنيا اساسي الا للآخر ويكافئ الله الحب بالحب واذا كنت في الأساس غير مخصوص بالحب الإلهي لأنك ابن ككل ابناء يخصك الله - ان أعطيت - بمحبة شخصيّة لك والله حرّ بأصدقائه. في هذا المعنى ليس الله معشوق عابديه الأكابر لكنه عاشقهم من دونه وقد يصل محب الله الى درجة لا يراه الله فيها معشوقا فحسب لكنه يراه جوهر العشق على ما قاله القديس أغناطيوس الأنطاكي (+ ١١٧) عن المسيح: "ان عشقي مصلوب”.
لقد استعار الكتاب المقدس لفظة رحمة ولفظة رحيم من رحم المرأة فالجذر واحد والمعقول يؤخذ من المحسوس فرحمة القلب هي السعة التي تنجب اولادا كثرا واذا كنا جميعا أبناء الله بعد ان اعتقنا من عبودية الخطيئة فنحن مرحومون بطبيعة الله بلا كيل ولا تفريق وبلا دينونة. ولذلك يقول آباؤنا النساك الذين جاهدوا جهادا حسنا موصولا متعبا يقولون جميعا انت لا تدخل الى السماء بجهدك ولكن برحمة الله اي انه هو الذي يتقبّلك بعطف منه لأنك صرت بالمحبوبيّة التي نلتها من عائلة الآب.
لذلك لا يعد الله عليك خطاياك لكنك تعدها انت لتتوب اليه ولتخشى وترتدع. اذ ذاك لا تبقى انت بشريا محضا من تراب. الرب يعرف انه خلقك من تراب لكنه لن ينظر الى ترابيّتك بل الى ما صدر منه اليك اي النور المخفي فيك والله يرى ما يريد ان يرى وعيناه عيناه. ويأتي يوم على طريق خلاصك ان تقول له: "بنورك نعاين النور”.
***
أي سر كل هذا؟ الأناجيل تحدثت عن الرحمة واللطف الإلهي والتواضع والوداعة عند يسوع الناصري الذي هو وجه الله الينا. إنسان واحد وهو يوحنا الإنجيلي قال: "الله محبة" وكأنه يقول في قراءة اولى: ان كل صفاته تجمعها او تلخّصها المحبة في قراءة أخيرة عليا أقول ان الله في جوهره وليس فقط في صفاته هو محبة - هو محبة في ذاته او حركته في ذاته - وكل ما عندك انت من محبة للآخرين، للبعيد والقريب، مصب فيك لهذه المحبة وعند ذاك تكون متألها اي الهيا.
قبل ذلك ليس عليك هنا الا ان تحب. تضم الى صدرك عدوك وصديقك بالمحبة الإلهية الواحدة. تستنزل عليهما ربك ويستجيب لك اذ ليس عنده الا ما كان في جوهره ولا يبقى من فرق في قلبك بين السماء والارض، او بالحري جعلت ما كان في قلبك من هذه الأرض اي سماء ويكون ملكوت السموات قد دخلك وعند اعترافك بأن الخالق ملك عليك يمنّ هو عليك بالملك ويجعلك في نعمته جالسا عن يمينه على العرش لأن المسيح لم يجلس عن يمين الآب الا لتجالسه.
هذا يتطلّب منك طاعة ومن الرب حنانا. دعوة من هذا الحنان الى الطاعة ومن الطاعة الى الحنان.
المطران جورج خضر
عن النهار
وهي قائمة في البشر لأن احدًا منا لا يعيش في العزلة لكونه يحتاج الى التكامل، الى مشاركة تقويه فيلحظ انه موجود ليس فقط بصفاته ولكن بصفات الآخر الذي يقويه. هي مشاركة حياة وتعاون. انت تحتاج الى ان يرعاك احد وان يقوّيك ويصفيك ويقيمك من الموت الروحي اذا انتابك. هي اذا قوّة قيامية بسبب من الفرح وذاك الذي تتقبّله. الفرح من الكيان الفصحي الكامن في كل إنسان.
والصدق فيه مكاشفة لكونك تلتمس المساعدة وان تتحرر وتعلو وليس فيها نكث لعهد العطاء حتى لا تتقوقع وتعود الى صحرائك ولا تقع في يأس. أرسطو القائل: "يا أصدقائي ليس من صديق”. لا، هناك ناس صادقون يبغون إصلاح نفوسهم ويختارون الأعزة يرفعونهم. ما من شك ان الأصدقاء ليسوا على الود الواحد ولكن هناك من تحتاج اليه احتياجك الى الزوج والود درجات واما من طفح عندهم الود والطهارة معا فهم قلّة لأن الفضيلة قليلة وصعبة. واذا ضعفت في الآخر فتزول العلاقة ويكون اختيارك خاطئا.
اما اذا ثبتت الصداقة فيعني انها نازلة من السماء وما هي بمودة عابرة. وهنا يأتي الكلام عن المحبة التي ليس فيها تخصيص وهي تجمع الشمل كله او هدفها اي انسان أعطاك ام لم يعطك، رد لك خدمتك ام لم يردها. هي مجّانية إطلاقا اي قد لا تؤسس على مقابلة او مبادلة. وتحب فلانا لأنه يحتاج اليك او بالحري لأنه يحتاج الى العطاء الإلهي الذي فيك. وقد تخدمه وتذهب ولا تعود اليه الا اذا عرفت انه في حاجة اليك وانت له لأنه مجرد انسان يبكي او يتوجّع او هو معزول وأنت له مخلص لأن الله انتدبك لعمليّة خلاص في وقت مناسب ثم ينتدبك لإنقاذ غيره. تمشي انت في صحراء الوجود لتفتح يديك لإنسان متروك وانت تفتقر اليه اذا اعطيته وقد تفتقر ماديا بصورة كاملة او شبه كاملة لأن الوجود هو لذاك، عندك لأنك بهذا انت معطي الله او مقرضه كما يقول الكتاب: "هذا هو العطاء الكامل لأنك تمحى وتقيم الاخر حتى هو لا يمحى في قساوة القلوب”. وهنا لا فرق عندك بين أن يكون على دينك او دين آخر او ان يكون مزينا بالبهاء الإلهي او بقباحة الشيطان لأنك قررت ان ترى الله فيه. العقائد مختلفة والمحبة واحدة لكل الناس لأنك بها جعلت نفسك صديق الله.
***
الهبة المجانية كثير الحديث عنها في الأناجيل. نقتطف من لوقا، مثل هذا قوله: "احبوا أعداءكم وأقرضوا غير راجين عوضا، فيكون أجركم عظيما وتكونوا أبناء العليّ، لأنه هو يلطف بناكري الجميل والأشرار" (٣٥:٦). وهنا عندنا نقطة لاهوتية وهي ان العطاء المجاني يرفعكم من مرتبة العبيد الى مرتبة الأبناء. والنقطة التابعة لها ان الأشرار هم ايضا أبناء لأن التساوي في قيمة الناس هو في رؤية الله لهم ووضعهم كأبناء يأتي من مجّانيّته.
وقراءتي هذه راسخة في قوله توا بعد هذا الكلام: "كونوا رحماء كما أن أباكم رحيم... ستعطَون في أحضانكم كيلا حسنا مركوما مهزهزا طافحا لأنه يكال لكم بما تكيلون فإنكم ان أعطيتم يعطيكم الله بلا حساب”. يعاملكم بما هو أفضل مما عاملتم الآخرين. الانجيل يضرب الحساب.
لذلك يصل الى القول: "الإنسان الطيب من الكنز الطيب في قلبه يخرج ما هو طيب”. انت لا ترى اذًا بعيني الحكمة البشرية القائلة ان انظر الى ثروتك وأعطِ ما استطعت ليبقى لك شيء تقول الحكمة الإلهية فيك انظر الى قلبك المحب وأعطِ لكل ما يأمرك به القلب وليتدفّق قلبك اذًا واذا كنت غير متعلّق بدرهم واحد تدفعه الى الاخر وتعطي لتنجي قلبك من الموت الذي جانب من جوانبه البخل. والبخل هو اعتبار ان كل ما عندك اساسي لك. غير ان لا شيء في الدنيا اساسي الا للآخر ويكافئ الله الحب بالحب واذا كنت في الأساس غير مخصوص بالحب الإلهي لأنك ابن ككل ابناء يخصك الله - ان أعطيت - بمحبة شخصيّة لك والله حرّ بأصدقائه. في هذا المعنى ليس الله معشوق عابديه الأكابر لكنه عاشقهم من دونه وقد يصل محب الله الى درجة لا يراه الله فيها معشوقا فحسب لكنه يراه جوهر العشق على ما قاله القديس أغناطيوس الأنطاكي (+ ١١٧) عن المسيح: "ان عشقي مصلوب”.
لقد استعار الكتاب المقدس لفظة رحمة ولفظة رحيم من رحم المرأة فالجذر واحد والمعقول يؤخذ من المحسوس فرحمة القلب هي السعة التي تنجب اولادا كثرا واذا كنا جميعا أبناء الله بعد ان اعتقنا من عبودية الخطيئة فنحن مرحومون بطبيعة الله بلا كيل ولا تفريق وبلا دينونة. ولذلك يقول آباؤنا النساك الذين جاهدوا جهادا حسنا موصولا متعبا يقولون جميعا انت لا تدخل الى السماء بجهدك ولكن برحمة الله اي انه هو الذي يتقبّلك بعطف منه لأنك صرت بالمحبوبيّة التي نلتها من عائلة الآب.
لذلك لا يعد الله عليك خطاياك لكنك تعدها انت لتتوب اليه ولتخشى وترتدع. اذ ذاك لا تبقى انت بشريا محضا من تراب. الرب يعرف انه خلقك من تراب لكنه لن ينظر الى ترابيّتك بل الى ما صدر منه اليك اي النور المخفي فيك والله يرى ما يريد ان يرى وعيناه عيناه. ويأتي يوم على طريق خلاصك ان تقول له: "بنورك نعاين النور”.
***
أي سر كل هذا؟ الأناجيل تحدثت عن الرحمة واللطف الإلهي والتواضع والوداعة عند يسوع الناصري الذي هو وجه الله الينا. إنسان واحد وهو يوحنا الإنجيلي قال: "الله محبة" وكأنه يقول في قراءة اولى: ان كل صفاته تجمعها او تلخّصها المحبة في قراءة أخيرة عليا أقول ان الله في جوهره وليس فقط في صفاته هو محبة - هو محبة في ذاته او حركته في ذاته - وكل ما عندك انت من محبة للآخرين، للبعيد والقريب، مصب فيك لهذه المحبة وعند ذاك تكون متألها اي الهيا.
قبل ذلك ليس عليك هنا الا ان تحب. تضم الى صدرك عدوك وصديقك بالمحبة الإلهية الواحدة. تستنزل عليهما ربك ويستجيب لك اذ ليس عنده الا ما كان في جوهره ولا يبقى من فرق في قلبك بين السماء والارض، او بالحري جعلت ما كان في قلبك من هذه الأرض اي سماء ويكون ملكوت السموات قد دخلك وعند اعترافك بأن الخالق ملك عليك يمنّ هو عليك بالملك ويجعلك في نعمته جالسا عن يمينه على العرش لأن المسيح لم يجلس عن يمين الآب الا لتجالسه.
هذا يتطلّب منك طاعة ومن الرب حنانا. دعوة من هذا الحنان الى الطاعة ومن الطاعة الى الحنان.
المطران جورج خضر
عن النهار
Comment