"الهي الهي لماذا تركتني؟" (11)
مولد اسحق ووقت الله
بقلم الأب هاني باخوم
الأربعاء 20 يناير 2010 (zenit.org). – "وافتقد الرّبّ سارة كما قال،...فحملت وولدت لابراهيم ابناً في شيخوخته في الوقت الذي وعد الله به" (تك 21: 1- 2). الرّبّ لم ينسَ وعده، بل حققه في الوقت الذي حدّده له. فهناك وقت محدّد لكلّ شيء، هناك سر مقدس، كما ذكرنا من قبل، اسمه "وقت الله"، الوقت المناسب لتحقيق الوعد.
"وقت الانسان" هو الوقت الذي يمتلكه؛ لا يهمّ عدد السّنوات التي سيعيشها ، في النّهاية هناك وقت محدّد سينتهي. لذا يشعر الانسان، في اعماقه، انّ كلّ لحظة تمرّ محسوبة من عمره، لا ولن تعود، وهو سائر إلى النّهاية، فيحتاج ان يردّ على احتياجات اللحظة التي يعيشها، ان يشبعها، ان يحقق ما يرغب به، لانّه يعي ان لديه القليل من الوقت مهما طال. فيمتزج "وقت الانسان" بالقلق، والرّغبة في انجاز الاشياء حالاً. فيحيا الانسان في دائرة مغلقة وهي سدّ الاحتياجات الحالية. وهذا ما يدفعه إلى اتّخاذ قرارات عديدة، منها الصّالح او غير الصّالح، كي يغير وضعاً يؤلمه، او بالاحرى يغير وضعاً لم يعد يسعده، لانه لا يملك الا هذا الوقت، ولا يرى امامه اية امكانية اخرى. وهكذا يصبح الانسان عبداً. نعم عبداً للوقت! ليس لانّه يكرّسه ويعبده، بل لأنّ الوقت يملي عليه ما يجب ان يفعل، يصبح هو المقياس الذي به يقيس مقدار تقدّمه وانجازاته، وبالاحرى سعادته!! امرأة تخطت الاربعين ولم تتزوج قد تعتبر نفسها فاشلة ومصيرها التّعاسة، لان الوقت قد مرّ!! نفس المراة في سن العشرين لم تكن تشعر بالتّعاسة، لان الوقت مازال امامها!! الوقت....رجل يكبر ويرى انّ احلامه لم تتحقق، يشعر بالسّنوات تمرّ ومازال اجيراً، لم يحقق شيئاً لنفسه، يدخل في التّعاسة، لان الوقت قد مرّ!! في حين انّه هو نفسه من قبل لم يكن يشعر بذلك!! الوقت.....نعم الوقت! لأنّ الوقت يمرّ، وكأنّه جرس انذار دائم يقول:"انتبه لم يعد لديك وقتاً كافياً"... عبودية الوقت شيء عميق في قلب الانسان، لان رغبة الانسان الحقيقية هي في ان يحيا إلى الابد، لكن الوقت ينذره دائماً ويقول له:"تلك الرّغبة ما هي الا وهم، وانت ذاهب إلى الموت، وليس لديك الا هذا الوقت". فيجد الانسان نفسه غارقاً في بحرٍ عميقٍ، فيتمسك بأوّل شيء يجده امامه كي يخلصه من هذا الشّعور، اوينسيه ايّاه... هذا هو وقتي، هذا هو وقت الانسان.
هكذا نستطيع ان نفهم لماذا استمع ابراهيم إلى سارة وانجب الابن الاول من هاجر، إذ لم يعد هناك وقت!! هو يكبر!! الوقت..... ليس لأنّه شرير بل لأنّه كغيره، عبد للوقت. نستطيع ان نفهم ايضاً رغبة الخدم في مثل الزؤان، فهم يريدون ان يقلعوه ويفصلوه عن القمح (مت 13: 24- 30)، مخافة ان يتخطى الامر قدرتهم بعد ذلك، ولا يعد باستطاعتهم التحكّم به، لكن السّيد يقول: لا هناك وقت، وقت الحصاد، لأنّه إلى جانب وقت الانسان، هناك وقت آخر، "وقت الله".
وقت الله هو وقت ابدي. الابدية لا تعني ببساطة وقتاً اطول، لكنها تعني وقتاً بلا نهاية، وقتاً لا يحده الموت ولا يمتزج به، فهو ممتلىء بالحياة، صفته الحياة، ممزوج بحياة لا نهاية لها، حياة ابدية.
"وقت الله" لا يمتزج بالقلق والرّغبة في سدّ الاحتياج الوقتي، هو يتميّز بالصّبر الذي يسمح للاشياء والاشخاص بالنّضوج تدريجياً كي يصلوا الى القامة التي يجب ان يكونوا عليها. وهنا يكون الرّبّ هو سيد الوقت لانّه هو الذي يحدّد تلك القامة، فيحدّد هو الوقت. يحدّد الوقت المناسب.
هذا جانب من دعوة ابراهيم، ان يخرج من ارضه ومن عشيرته، وايضاً من وقته، وان يدخل في وقت الله، في بعده الجديد. هذا خبر مفرح، فمن الآن وصاعداً ابراهيم مدعو إلى عدم العيش كعبد للوقت الذي كان يجبره على التّصرّف بطريقة ما، ولكن كسيد له. الرّبّ يُظهر له ذلك؛ الآن وعمره مئة سنة، يعطيه الابن، كدليل على انّه قد تحرّر من الوقت، "وقت الانسان" ودخل في "وقت الله"؛ اي في حياة بلا نهاية، وهنا يشعر ابراهيم بالخلاص. طبعاً، لانّه رأى الابن، لكن الامر اعمق واكبر من الابن. ابراهيم رأى كما سيقول المسيح: رأى يومي ، يوم الخلاص، خلاص من محدوديته وموته. ابراهيم يختبر الحياة، حياة لا يقوى عليها موت، عقم او وقت، لانّه اختبر "وقت الله". نعم، الآن الوعد تحقق فعلاً، الله لم يترك ابراهيم طوال هذه المدّة. الآن اختبر الحياة، لانّه رأى الابن ومعه رأى خلاص الرّبّ الذي حرره من موته العميق، من عبوديته للوقت. رأى حياة تعطى وتخرج من الموت، تخرج من احشاء امراته العاقر، رأى وقتاً مختلفاً عن وقته.
وهنا كان من الممكن ان تنتهي قصة ابراهيم، وتنتهي معها مقالتنا "الهي الهي لماذا تركتني؟" بعد ان رأينا ان تلك الصّرخة، التي هي صرخة المؤمن الذي يثق بالله، وان كان لا يراه في وقت الضّيق، لكنّه في نفس الوقت يشعر بوجوده، كالشّمس التي تحجبها الغيوم، لذا يصرخ اليه لانّه يعلم انّه لم يتركه، وانّه ما تركه ابداً. تلك الصّرخة ليست علامة للشّك، او عدم الايمان، بل هي علامة للثّقة وصدق الايمان، لمن يشعر بالموت يحيط به ولكنّه اختبر ان الله قادر ان يقيمه ويحييه، لذا يصرخ اليه. لانّه الآن يرى الموت ولكنّه يعلم ان هناك وقت لدى الله، وقت للموت ووقت للقيامة.
لكن الكتاب لا يسمح لنا ان ننهي قصة ابراهيم هكذا!!! يحدث ما لم يتوقعه بشر، ولم يخطر على قلب أب، وما لا تسمح به مشاعر أمّ !!!!!!! ماذا حدث؟....
للمرة القادمة.
مولد اسحق ووقت الله
بقلم الأب هاني باخوم
الأربعاء 20 يناير 2010 (zenit.org). – "وافتقد الرّبّ سارة كما قال،...فحملت وولدت لابراهيم ابناً في شيخوخته في الوقت الذي وعد الله به" (تك 21: 1- 2). الرّبّ لم ينسَ وعده، بل حققه في الوقت الذي حدّده له. فهناك وقت محدّد لكلّ شيء، هناك سر مقدس، كما ذكرنا من قبل، اسمه "وقت الله"، الوقت المناسب لتحقيق الوعد.
"وقت الانسان" هو الوقت الذي يمتلكه؛ لا يهمّ عدد السّنوات التي سيعيشها ، في النّهاية هناك وقت محدّد سينتهي. لذا يشعر الانسان، في اعماقه، انّ كلّ لحظة تمرّ محسوبة من عمره، لا ولن تعود، وهو سائر إلى النّهاية، فيحتاج ان يردّ على احتياجات اللحظة التي يعيشها، ان يشبعها، ان يحقق ما يرغب به، لانّه يعي ان لديه القليل من الوقت مهما طال. فيمتزج "وقت الانسان" بالقلق، والرّغبة في انجاز الاشياء حالاً. فيحيا الانسان في دائرة مغلقة وهي سدّ الاحتياجات الحالية. وهذا ما يدفعه إلى اتّخاذ قرارات عديدة، منها الصّالح او غير الصّالح، كي يغير وضعاً يؤلمه، او بالاحرى يغير وضعاً لم يعد يسعده، لانه لا يملك الا هذا الوقت، ولا يرى امامه اية امكانية اخرى. وهكذا يصبح الانسان عبداً. نعم عبداً للوقت! ليس لانّه يكرّسه ويعبده، بل لأنّ الوقت يملي عليه ما يجب ان يفعل، يصبح هو المقياس الذي به يقيس مقدار تقدّمه وانجازاته، وبالاحرى سعادته!! امرأة تخطت الاربعين ولم تتزوج قد تعتبر نفسها فاشلة ومصيرها التّعاسة، لان الوقت قد مرّ!! نفس المراة في سن العشرين لم تكن تشعر بالتّعاسة، لان الوقت مازال امامها!! الوقت....رجل يكبر ويرى انّ احلامه لم تتحقق، يشعر بالسّنوات تمرّ ومازال اجيراً، لم يحقق شيئاً لنفسه، يدخل في التّعاسة، لان الوقت قد مرّ!! في حين انّه هو نفسه من قبل لم يكن يشعر بذلك!! الوقت.....نعم الوقت! لأنّ الوقت يمرّ، وكأنّه جرس انذار دائم يقول:"انتبه لم يعد لديك وقتاً كافياً"... عبودية الوقت شيء عميق في قلب الانسان، لان رغبة الانسان الحقيقية هي في ان يحيا إلى الابد، لكن الوقت ينذره دائماً ويقول له:"تلك الرّغبة ما هي الا وهم، وانت ذاهب إلى الموت، وليس لديك الا هذا الوقت". فيجد الانسان نفسه غارقاً في بحرٍ عميقٍ، فيتمسك بأوّل شيء يجده امامه كي يخلصه من هذا الشّعور، اوينسيه ايّاه... هذا هو وقتي، هذا هو وقت الانسان.
هكذا نستطيع ان نفهم لماذا استمع ابراهيم إلى سارة وانجب الابن الاول من هاجر، إذ لم يعد هناك وقت!! هو يكبر!! الوقت..... ليس لأنّه شرير بل لأنّه كغيره، عبد للوقت. نستطيع ان نفهم ايضاً رغبة الخدم في مثل الزؤان، فهم يريدون ان يقلعوه ويفصلوه عن القمح (مت 13: 24- 30)، مخافة ان يتخطى الامر قدرتهم بعد ذلك، ولا يعد باستطاعتهم التحكّم به، لكن السّيد يقول: لا هناك وقت، وقت الحصاد، لأنّه إلى جانب وقت الانسان، هناك وقت آخر، "وقت الله".
وقت الله هو وقت ابدي. الابدية لا تعني ببساطة وقتاً اطول، لكنها تعني وقتاً بلا نهاية، وقتاً لا يحده الموت ولا يمتزج به، فهو ممتلىء بالحياة، صفته الحياة، ممزوج بحياة لا نهاية لها، حياة ابدية.
"وقت الله" لا يمتزج بالقلق والرّغبة في سدّ الاحتياج الوقتي، هو يتميّز بالصّبر الذي يسمح للاشياء والاشخاص بالنّضوج تدريجياً كي يصلوا الى القامة التي يجب ان يكونوا عليها. وهنا يكون الرّبّ هو سيد الوقت لانّه هو الذي يحدّد تلك القامة، فيحدّد هو الوقت. يحدّد الوقت المناسب.
هذا جانب من دعوة ابراهيم، ان يخرج من ارضه ومن عشيرته، وايضاً من وقته، وان يدخل في وقت الله، في بعده الجديد. هذا خبر مفرح، فمن الآن وصاعداً ابراهيم مدعو إلى عدم العيش كعبد للوقت الذي كان يجبره على التّصرّف بطريقة ما، ولكن كسيد له. الرّبّ يُظهر له ذلك؛ الآن وعمره مئة سنة، يعطيه الابن، كدليل على انّه قد تحرّر من الوقت، "وقت الانسان" ودخل في "وقت الله"؛ اي في حياة بلا نهاية، وهنا يشعر ابراهيم بالخلاص. طبعاً، لانّه رأى الابن، لكن الامر اعمق واكبر من الابن. ابراهيم رأى كما سيقول المسيح: رأى يومي ، يوم الخلاص، خلاص من محدوديته وموته. ابراهيم يختبر الحياة، حياة لا يقوى عليها موت، عقم او وقت، لانّه اختبر "وقت الله". نعم، الآن الوعد تحقق فعلاً، الله لم يترك ابراهيم طوال هذه المدّة. الآن اختبر الحياة، لانّه رأى الابن ومعه رأى خلاص الرّبّ الذي حرره من موته العميق، من عبوديته للوقت. رأى حياة تعطى وتخرج من الموت، تخرج من احشاء امراته العاقر، رأى وقتاً مختلفاً عن وقته.
وهنا كان من الممكن ان تنتهي قصة ابراهيم، وتنتهي معها مقالتنا "الهي الهي لماذا تركتني؟" بعد ان رأينا ان تلك الصّرخة، التي هي صرخة المؤمن الذي يثق بالله، وان كان لا يراه في وقت الضّيق، لكنّه في نفس الوقت يشعر بوجوده، كالشّمس التي تحجبها الغيوم، لذا يصرخ اليه لانّه يعلم انّه لم يتركه، وانّه ما تركه ابداً. تلك الصّرخة ليست علامة للشّك، او عدم الايمان، بل هي علامة للثّقة وصدق الايمان، لمن يشعر بالموت يحيط به ولكنّه اختبر ان الله قادر ان يقيمه ويحييه، لذا يصرخ اليه. لانّه الآن يرى الموت ولكنّه يعلم ان هناك وقت لدى الله، وقت للموت ووقت للقيامة.
لكن الكتاب لا يسمح لنا ان ننهي قصة ابراهيم هكذا!!! يحدث ما لم يتوقعه بشر، ولم يخطر على قلب أب، وما لا تسمح به مشاعر أمّ !!!!!!! ماذا حدث؟....
للمرة القادمة.
Comment