في الجسد والشهوة واللباس
الأب منيف حمصي
في اللباس
حبيت اطرح هالموضوع هاد هلاء بماا انو الاعياد قربت ومشالله عصبايا عنا لبسون ماشاء الله وكان فشروو ممثلات هوليود ولا فشرت اروبا
<DIV align=center>يبدو اللباس في عالم الضعف والخطيئة خدمة ونعمة للإنسان، فهو غطاء الجسد، وستره، في القر والحر. وبالتالي، فكرامة الأجساد هي مع اللباس، لا مع العرّي. التعرّي لا يكشف إلا قبح الأجساد وعورته، أما الجمال والمهابة، الإطلالة الحسنة والوقار، فكلها تعاش في اللباس، لا بدونه.
والحقيقة أن الشعوب منذ أن كانت، اتجهت نحو اللباس. ولم نعرف شعباً عاش العري وكانت له اتصالات بشعوب العالم قاطبة. في الشارع والمدرسة، في العمل وفي الدكان، على البحر، وفي أعالي الجبال، قرر الإنسان أن تكون حياته باللباس، لا بدون اللباس. من هنا فإن القول: "الحشمة حكمة"، يصبح قناعة لا يمكن الإقلاع عنه وإغفالها لنهضة الشعوب ورقي الإنسان.
اللباس ضرورة، فهو يزيد الإنسان مهابة، وأهل الرصانة، رصانة، والتعقّل، تعقّلاً ورزانة، والتقوى، براً وخشوعاً وإجلالاً. أما العابثون بقدسية اللباس، ووقار الحشمة، فيستهلكون ويُستهلكون بآن. في الحقيقة أن المرأة غير المحتشمة لا تعطي إلا جسده، تستعرضه وتقدمه للعيون كي تلتهمه وتفترسه. المرأة المعاصرة (1) تحضّ الناس على التهامها لا أكثر.
واللباس يجمّل الأجساد ويستر قبحها وعورتها. وأول إطلالة لنا على الإنسان في الكتاب المقدس، كانت في تستّر بعد السقوط، فالسقوط فتح عيني الإنسان الأول، فتبين له عريه (تكوين3: 7). ما معنى هذه الكلمات؟
إنها تعني ببساطة، أن العري كان قبل السقوط، قبل تمرد الإنسان الأول على الحب الإلهي. إلا أنه –أي العري- لم يكن مؤذي، وذلك لأن البرارة الأولى كانت تحول دون انسلال مفاسد العري إلى خبايا النفس، فالإنسان لم يكن قد تفكك روحياً بعد.
العري في الأساس هو حقيقة الإنسان منذ أن كان، هو حقيقته عندما يولد، وحقيقته عندما يموت (2). العري هو صورة الكائن البشري الذي لا يملك شيئاً إلا التراب الذي يتألف منه. وبالتالي فاللباس لاحق للسقوط، إنه طارئ على الوجود، وعارض على حياة الإنسان. اللباس شيء مكتسب، أما العري فهو فطري، لأنه حقيقتنا. لكن التعايش معه يستحيل بعد السقوط لا بل إن تبني العري والتعري، يستتبع مشاكل أخلاقية فادحة في هذا الزمان وفي كل الأزمان.
وعليه، فالتستّر هو نتيجة لموت الإنسان روحي، وثمرة لتفككه الداخلي، ذلك لأن العري صار عيباً بعد الموت الروحي، وبعد إبرام القطيعة مع الله من طرف واحد (الإنسان). وهذا ما حاول الكتاب المقدس أن يعبر عنه ببساطة من خلال الكلام عن : "أوراق التين". ورغم "أوراق التين"، فإن النعمة الإلهية تبقى غطاء الإنسان الحقيقي على ما نقوله في صلوات كنيستنا: "الآب رجائي، والابن ملجأي، والروح القدس ستري ووقائي ..."
اللباس في هذه الدنيا الفانية، لا يبدد العري، ولا يلغيه، بل من شأنه فقط أن يستر العورة، وذلك لأن العري الكياني لا يداوى باللباس. واللباس، لم يكن يوماً علامة الفضيلة والنضوج، غير أنه يسدي لنا خدمة مزدوجة: فهو من جهة يدرأ عنا هجمة القر والحر، ومن جهة ثانية يعيننا على اكتساب الطهر والنقاوة إن كنا نطمع بها.
اللباس ضرورة ليس فقط لدرء القر والحر، بل أيضاً لاعتبارات ذات صلة بمعطوبية الإنسان في هذا الوجود. اللباس، من الوجهة المسيحية، ليس أثواباً تزينن، إنما هو أن نرتجي المسيح كي يأتي إلينا ويكون لنا اللباس والمجد والبهاء: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم ..." (كولوسي3: 10)، (أفسس4: 24)، (غلاطية3: 25-27).
في عالم الضعف والخطيئة، يخشى الإنسان التعري، ويخجل كل الخجل إذا أرغم على خلع ثيابه. في الحقيقة ليس من إنسان على الأرض يشعر بالراحة إذا جُرّد من ثيابه عنوة وعن ضرورة. فالتعري يحرج الإنسان ويهزه حتى ولو أمام الطبيب. وبالتالي فإن رغبة المريض بالشفاء، لا تعفيه من اختبار الخجل. وما نقدم عليه في العادة، في حضرة الطبيب، لا يكون عن اختبار الخجل، بل عن إجبار واضطرار، لأن هذا يخدم عندنا هدفاً واحداً هو رغبتنا بالشفاء.
ورغم هذا الإحراج الذي تعرفه الطبيعة البشرية، يقول الرسول الإلهي: "لا شيء يفصلنا عن محبة السيد، لا جوع ولا سيف ولا عري ...." (رومية8: 35). الرسول بولس يعرف أحاسيس الإنسان، وأحوال الإنسان وتقلباته، إلا أنه في رسالته هذه لا يبدو وكأنه يعاكس هذه الأحاسيس، إنما في الحقيقة يتجاوزه، إلى حد أنه مستعد لكل شيء من أجل المسيح.
بيد أن اللباس الذي هو عنصر جوهري لحياتنا في العالم، تحوّل على أيدي التجار، وكل العاملين في قطاع الموضة، إلى مجرد أداة لإطلاق غرائز الجسد، إن التستر بات عنصراً ثانوياً. صار اللباس، ومن خلال الموضة بالذات، جزءاً لا يتجزأ من برنامج الشهوة الجسدية المعاصر، الأمر الذي يعني أن الغواية والإغراء في اللباس ومع اللباس، وأن لا إغراء مع التعري. بكلام آخر، لا إغراء في غياب اللباس. الإغراء يحتاج إلى لباس كي يستشري ويستفحل ويستبد ... بالطبع لا يعني أن نطلب التعري لصد الإغراء واحتوائه، فالتعري خلل في العقل، وخروج على معطيات الإنسان. إنه تنكر صارخ لنداء الصوت الداخلي فينا.
الإغراء يحتاج إلى لباس من نوع معين كي يستعبد الإنسان، ويستبد به، ويفتك بسلامته وتوازنه. ولكن مهما تبدلت الموضة من جيل إلى جيل، مهما تعدّلت، مهما تغيّرت أشكال اللباس والأزياء، مهما قصّرن وأطلن، سيبقى الإغراء ضعيفاً بدون اللباس. سيبقى الكلام عن الإغراء، كلاماً في الهواء لا جدوى منه، إلا إذا جمّلنا الجسد، ولوّنا لباسه، وزركشناه ونمّقناه بالطويل والمشقوق والمخطط من الثياب. والسؤال الآن: ماذا تفعل الموضة، وكيف تؤثر على العين و الجسد؟ كيف نفهم الآلية والجدلية بين الموضة والغرائز؟
تقوم الموضة في الأزياء والملبوسات على قاعدة التكرار والاجترار. وهذا يعني أن الموضة إيقاعية، لا بل موسيقية، ستبقى حتى انتهاء العالم. الموضة تخضع لحركة دائرية لا علاقة لها بالإبداع؟
ولما كانت الموضة تفترض التكرار والاجترار، وذلك لكونها بالتعديل والتبديل والتغيير، تتجدد، وتحلو في عيون الناس، تالياً هي ليست خلق وإبداع و تجديداً. الموضة تغيير لا أكثر. إنها كسر الرتابة خشية الوقوع في الضجر. إنها مجرد اقتحام للرتابة سعياً للخروج من دائرة السأم والضجر والفراغ التي يعاني منها الإنسان المعاصر.
ولما كانت الموضة تقوم على هذه الإيقاعية الدائرية، و هذه الإيقاعية التي تتعاقب ولو بعد حين، فهي دائماً مجرد تكرار رغم أنها بنظر البعض خلق وإبداع. يكفي أن ما تلبسه الأنثى اليوم، لتقلع عنه مع قدوم الموسم القادم، وبعد حين، حتى تترسخ هذه الدائرية، وهذا الاجترار(3).
لا جديد في الموضة، ولا جديد في الأزياء، فدائرية الموضة وإيقاعيتها لا تتوقف. ومصممو الموضة والأزياء يدورون في دوامة لن يخرجوا منها يوماً إلا بالوهم والخيال. وما يجعل الموضة جذابة، هو أنها تدغدغ الحواس وتحرك الغرائز والأهواء. الموضة تجمّل محبيها وتوهمهم وتوهمن أنها تجعلهم الأكثر جمالاً وجاذبية في العالم. الموضة تغيّر الإنسان أمام العين لا أمام العقل.
ومصممو الأزياء النسائية هم في العادة من الرجال، وبالتالي لا غرو أن يوظفوا جسد المرأة ويستغلوه، أولاً كي يثاروا هم أنفسهم، وثاني، كي يثيروا الرجال. من هنا قوة الابتكار (الموضة) وتأثيره على العيون. فالذي يعرف كيف يثار، من البديهي أنه يعرف كيف يثير. وهكذا نأتي ببساطة إلى مقولة مفادها أن المرأة لا تلبس من أجل المرأة، بل من أجل الرجل.
والأزيائيون، والعاملون في قطاع الأزياء، الساهرون على تطوير أزياء المرأة، يعرفون كيف ينظرون كرجال، وكيف يشتهون كرجال، وماذا يريدون من عيونهم كرجال. تالي، فإن أزياء المرأة تتخذ من شهوات الرجال مقياساً له، ومن عيونهم انطلاقة لها. وما إبداع المصممين على هذا الصعيد، إلا ثمرة من ثمار عيون الرجال التي تأبى الرتابة وتطلب التغيير. وعليه، فالموضة هي ثمرة الشهوة من جهة، ورغبة جامحة لكسر رتابة الحياة، كما يقول البعض، من جهة ثانية.
ثم أن مصممي أزياء المرأة لا يستشيرون المرأة في ما يفعلون، إنما يوظفون، إذا شئتم، كل جسدها لمآربهم، بحيث تكون هي الضحية، ويكونون هم، المستفيدين. ومن خلال هكذا توظيف، تنكشف لنا عبوديتان: الأولى عبودية الرجل للمرأة من خلال حاجته إلى جسدها لإطلاق ابتكاره. ومن خلال هذه الحاجة، تنكشف معالم شهوة الرجل ومكامنه، ونظرته إلى المرأة، لا بل جسدها بالذات. ومن جهة ثانية تنكشف لنا عبودية المرأة، وحاجتها النفسية للأضواء المسلَّطة عليها من قبل الرجال.
ويعتقد الكثيرون في العالم، أن الرجل يهيمن على المرأة حق، ويسودها ويتسلط عليها إلى حد الابتزاز والاستعباد والاستهلاك. في الحقيقة تنكشف لنا هاتان العبوديتان المذكورتان عندما نتأمل أزياء المرأة ومواضيع التركيز عليه، وكيفية التعامل مع هذا وذاك من أشكال الموضة. ونحن من خلال المصممين الذكور، نفهم وندرك كيف يكون التعامل مع المرأة، وكيف ينظر إليها.
بيد أن المضحك المبكي أن المرأة تسر لا سيما في عصر الإعلام، بالطابع الاستهلاكي الذي يسلطه الرجل عليها طمعاً في تشييئها واستهلاكها. وسرورها يفهم على أن استهلاكها من قبل الرجل، هو فرصة سانحة تغتنمها المرأة اللعوب للانقضاض على الرجل بالإغراء والغواية. بكلام آخر، يفسر سرور المرأة التي رضيت أن تُستهلك، على أنها لا ترى نصرتها على الرجل، إلا من خلال إطلاق مفاتنها بفعل إضرام نيرات غرائز الرجل. وإذا ثبت هذا التحليل، يصبح التعاطي بين الإنسان والإنسان عموم، وبين الرجل والمرأة خصوصاً شأناً لا يخلو من المخاطر.
اللباس ضرورة، فهو يزيد الإنسان مهابة، وأهل الرصانة، رصانة، والتعقّل، تعقّلاً ورزانة، والتقوى، براً وخشوعاً وإجلالاً. أما العابثون بقدسية اللباس، ووقار الحشمة، فيستهلكون ويُستهلكون بآن. في الحقيقة أن المرأة غير المحتشمة لا تعطي إلا جسده، تستعرضه وتقدمه للعيون كي تلتهمه وتفترسه. المرأة المعاصرة (1) تحضّ الناس على التهامها لا أكثر.
واللباس يجمّل الأجساد ويستر قبحها وعورتها. وأول إطلالة لنا على الإنسان في الكتاب المقدس، كانت في تستّر بعد السقوط، فالسقوط فتح عيني الإنسان الأول، فتبين له عريه (تكوين3: 7). ما معنى هذه الكلمات؟
إنها تعني ببساطة، أن العري كان قبل السقوط، قبل تمرد الإنسان الأول على الحب الإلهي. إلا أنه –أي العري- لم يكن مؤذي، وذلك لأن البرارة الأولى كانت تحول دون انسلال مفاسد العري إلى خبايا النفس، فالإنسان لم يكن قد تفكك روحياً بعد.
العري في الأساس هو حقيقة الإنسان منذ أن كان، هو حقيقته عندما يولد، وحقيقته عندما يموت (2). العري هو صورة الكائن البشري الذي لا يملك شيئاً إلا التراب الذي يتألف منه. وبالتالي فاللباس لاحق للسقوط، إنه طارئ على الوجود، وعارض على حياة الإنسان. اللباس شيء مكتسب، أما العري فهو فطري، لأنه حقيقتنا. لكن التعايش معه يستحيل بعد السقوط لا بل إن تبني العري والتعري، يستتبع مشاكل أخلاقية فادحة في هذا الزمان وفي كل الأزمان.
وعليه، فالتستّر هو نتيجة لموت الإنسان روحي، وثمرة لتفككه الداخلي، ذلك لأن العري صار عيباً بعد الموت الروحي، وبعد إبرام القطيعة مع الله من طرف واحد (الإنسان). وهذا ما حاول الكتاب المقدس أن يعبر عنه ببساطة من خلال الكلام عن : "أوراق التين". ورغم "أوراق التين"، فإن النعمة الإلهية تبقى غطاء الإنسان الحقيقي على ما نقوله في صلوات كنيستنا: "الآب رجائي، والابن ملجأي، والروح القدس ستري ووقائي ..."
اللباس في هذه الدنيا الفانية، لا يبدد العري، ولا يلغيه، بل من شأنه فقط أن يستر العورة، وذلك لأن العري الكياني لا يداوى باللباس. واللباس، لم يكن يوماً علامة الفضيلة والنضوج، غير أنه يسدي لنا خدمة مزدوجة: فهو من جهة يدرأ عنا هجمة القر والحر، ومن جهة ثانية يعيننا على اكتساب الطهر والنقاوة إن كنا نطمع بها.
اللباس ضرورة ليس فقط لدرء القر والحر، بل أيضاً لاعتبارات ذات صلة بمعطوبية الإنسان في هذا الوجود. اللباس، من الوجهة المسيحية، ليس أثواباً تزينن، إنما هو أن نرتجي المسيح كي يأتي إلينا ويكون لنا اللباس والمجد والبهاء: "أنتم الذين بالمسيح اعتمدتم، المسيح قد لبستم ..." (كولوسي3: 10)، (أفسس4: 24)، (غلاطية3: 25-27).
في عالم الضعف والخطيئة، يخشى الإنسان التعري، ويخجل كل الخجل إذا أرغم على خلع ثيابه. في الحقيقة ليس من إنسان على الأرض يشعر بالراحة إذا جُرّد من ثيابه عنوة وعن ضرورة. فالتعري يحرج الإنسان ويهزه حتى ولو أمام الطبيب. وبالتالي فإن رغبة المريض بالشفاء، لا تعفيه من اختبار الخجل. وما نقدم عليه في العادة، في حضرة الطبيب، لا يكون عن اختبار الخجل، بل عن إجبار واضطرار، لأن هذا يخدم عندنا هدفاً واحداً هو رغبتنا بالشفاء.
ورغم هذا الإحراج الذي تعرفه الطبيعة البشرية، يقول الرسول الإلهي: "لا شيء يفصلنا عن محبة السيد، لا جوع ولا سيف ولا عري ...." (رومية8: 35). الرسول بولس يعرف أحاسيس الإنسان، وأحوال الإنسان وتقلباته، إلا أنه في رسالته هذه لا يبدو وكأنه يعاكس هذه الأحاسيس، إنما في الحقيقة يتجاوزه، إلى حد أنه مستعد لكل شيء من أجل المسيح.
بيد أن اللباس الذي هو عنصر جوهري لحياتنا في العالم، تحوّل على أيدي التجار، وكل العاملين في قطاع الموضة، إلى مجرد أداة لإطلاق غرائز الجسد، إن التستر بات عنصراً ثانوياً. صار اللباس، ومن خلال الموضة بالذات، جزءاً لا يتجزأ من برنامج الشهوة الجسدية المعاصر، الأمر الذي يعني أن الغواية والإغراء في اللباس ومع اللباس، وأن لا إغراء مع التعري. بكلام آخر، لا إغراء في غياب اللباس. الإغراء يحتاج إلى لباس كي يستشري ويستفحل ويستبد ... بالطبع لا يعني أن نطلب التعري لصد الإغراء واحتوائه، فالتعري خلل في العقل، وخروج على معطيات الإنسان. إنه تنكر صارخ لنداء الصوت الداخلي فينا.
الإغراء يحتاج إلى لباس من نوع معين كي يستعبد الإنسان، ويستبد به، ويفتك بسلامته وتوازنه. ولكن مهما تبدلت الموضة من جيل إلى جيل، مهما تعدّلت، مهما تغيّرت أشكال اللباس والأزياء، مهما قصّرن وأطلن، سيبقى الإغراء ضعيفاً بدون اللباس. سيبقى الكلام عن الإغراء، كلاماً في الهواء لا جدوى منه، إلا إذا جمّلنا الجسد، ولوّنا لباسه، وزركشناه ونمّقناه بالطويل والمشقوق والمخطط من الثياب. والسؤال الآن: ماذا تفعل الموضة، وكيف تؤثر على العين و الجسد؟ كيف نفهم الآلية والجدلية بين الموضة والغرائز؟
تقوم الموضة في الأزياء والملبوسات على قاعدة التكرار والاجترار. وهذا يعني أن الموضة إيقاعية، لا بل موسيقية، ستبقى حتى انتهاء العالم. الموضة تخضع لحركة دائرية لا علاقة لها بالإبداع؟
ولما كانت الموضة تفترض التكرار والاجترار، وذلك لكونها بالتعديل والتبديل والتغيير، تتجدد، وتحلو في عيون الناس، تالياً هي ليست خلق وإبداع و تجديداً. الموضة تغيير لا أكثر. إنها كسر الرتابة خشية الوقوع في الضجر. إنها مجرد اقتحام للرتابة سعياً للخروج من دائرة السأم والضجر والفراغ التي يعاني منها الإنسان المعاصر.
ولما كانت الموضة تقوم على هذه الإيقاعية الدائرية، و هذه الإيقاعية التي تتعاقب ولو بعد حين، فهي دائماً مجرد تكرار رغم أنها بنظر البعض خلق وإبداع. يكفي أن ما تلبسه الأنثى اليوم، لتقلع عنه مع قدوم الموسم القادم، وبعد حين، حتى تترسخ هذه الدائرية، وهذا الاجترار(3).
لا جديد في الموضة، ولا جديد في الأزياء، فدائرية الموضة وإيقاعيتها لا تتوقف. ومصممو الموضة والأزياء يدورون في دوامة لن يخرجوا منها يوماً إلا بالوهم والخيال. وما يجعل الموضة جذابة، هو أنها تدغدغ الحواس وتحرك الغرائز والأهواء. الموضة تجمّل محبيها وتوهمهم وتوهمن أنها تجعلهم الأكثر جمالاً وجاذبية في العالم. الموضة تغيّر الإنسان أمام العين لا أمام العقل.
ومصممو الأزياء النسائية هم في العادة من الرجال، وبالتالي لا غرو أن يوظفوا جسد المرأة ويستغلوه، أولاً كي يثاروا هم أنفسهم، وثاني، كي يثيروا الرجال. من هنا قوة الابتكار (الموضة) وتأثيره على العيون. فالذي يعرف كيف يثار، من البديهي أنه يعرف كيف يثير. وهكذا نأتي ببساطة إلى مقولة مفادها أن المرأة لا تلبس من أجل المرأة، بل من أجل الرجل.
والأزيائيون، والعاملون في قطاع الأزياء، الساهرون على تطوير أزياء المرأة، يعرفون كيف ينظرون كرجال، وكيف يشتهون كرجال، وماذا يريدون من عيونهم كرجال. تالي، فإن أزياء المرأة تتخذ من شهوات الرجال مقياساً له، ومن عيونهم انطلاقة لها. وما إبداع المصممين على هذا الصعيد، إلا ثمرة من ثمار عيون الرجال التي تأبى الرتابة وتطلب التغيير. وعليه، فالموضة هي ثمرة الشهوة من جهة، ورغبة جامحة لكسر رتابة الحياة، كما يقول البعض، من جهة ثانية.
ثم أن مصممي أزياء المرأة لا يستشيرون المرأة في ما يفعلون، إنما يوظفون، إذا شئتم، كل جسدها لمآربهم، بحيث تكون هي الضحية، ويكونون هم، المستفيدين. ومن خلال هكذا توظيف، تنكشف لنا عبوديتان: الأولى عبودية الرجل للمرأة من خلال حاجته إلى جسدها لإطلاق ابتكاره. ومن خلال هذه الحاجة، تنكشف معالم شهوة الرجل ومكامنه، ونظرته إلى المرأة، لا بل جسدها بالذات. ومن جهة ثانية تنكشف لنا عبودية المرأة، وحاجتها النفسية للأضواء المسلَّطة عليها من قبل الرجال.
ويعتقد الكثيرون في العالم، أن الرجل يهيمن على المرأة حق، ويسودها ويتسلط عليها إلى حد الابتزاز والاستعباد والاستهلاك. في الحقيقة تنكشف لنا هاتان العبوديتان المذكورتان عندما نتأمل أزياء المرأة ومواضيع التركيز عليه، وكيفية التعامل مع هذا وذاك من أشكال الموضة. ونحن من خلال المصممين الذكور، نفهم وندرك كيف يكون التعامل مع المرأة، وكيف ينظر إليها.
بيد أن المضحك المبكي أن المرأة تسر لا سيما في عصر الإعلام، بالطابع الاستهلاكي الذي يسلطه الرجل عليها طمعاً في تشييئها واستهلاكها. وسرورها يفهم على أن استهلاكها من قبل الرجل، هو فرصة سانحة تغتنمها المرأة اللعوب للانقضاض على الرجل بالإغراء والغواية. بكلام آخر، يفسر سرور المرأة التي رضيت أن تُستهلك، على أنها لا ترى نصرتها على الرجل، إلا من خلال إطلاق مفاتنها بفعل إضرام نيرات غرائز الرجل. وإذا ثبت هذا التحليل، يصبح التعاطي بين الإنسان والإنسان عموم، وبين الرجل والمرأة خصوصاً شأناً لا يخلو من المخاطر.
<FONT face="Simplified Arabic"><FONT size=5>ويتقلب مصممو أزياء المرأة بين أقسام جسده، فتارة يركزون على القسم العلوي من جسده، وتارة على القسم السفلي منه. تارة يكون جسدها لباساً ضيق، وطوراً لباساً فضفاضاً. تارة يكثرون من الألوان على أزياء الم%
Comment