وضعُ الرعيّة مقلق! لقد تعلّمنا في نشأتنا أنّ حافظ الكنيسة بامتياز هو الشعب المؤمن. سؤالي هو: أما زال هناك شعب مؤمن؟ طبعاً هناك بعض الشعب المؤمن. هناك، بالأحرى، طائفة! ولكنْ، ألا زال السواد الأعظم يستمدد موقفه من الإيمان الحيّ التراثي الفاعل بالمحبّة عندنا؟ أخشى أن تكون الأمّية، في الإيمان، بيننا، كبيرة لدرجة تبرِّر هذا التسآل. لغة الأرقام، توضيحاً، تقريبيّة جداً في هذا السياق. يقولون إنّ الذين يتردّدون على الخِدَم الكنسيّة لا تتعدّى نسبتهم، كمعدّل عام، السبعة في المائة. في بعض الأمكنة، ربّما، أكثر وفي غيرها أقلّ. في تقديري أنّ نسبة الأمّية الإيمانية في الكنيسة تتخطّى عتبة التسعين في المائة. والكلمة، كلمة البشارة، لا تصل إلاّ إلى القلّة العزيزة. الطابع الطقوسي، ولا أقول العبادي، طاغ، في توجّهنا والممارسة. التمييز بين الأمرَين، الطقس والعبادة، لازم لأنّ العبادة شكل ومضمون، أما الطقوس فشكل عبادة وحسب. الخليّة التراثيّة، بامتياز، في الكنيسة هي العائلة. هذا في المبدأ. تعليم الأسقف والكاهن، والتعليم الديني المنظّم، لا يمكنه أن يكون بديلاً عن العائلة بحال. يُكمِل ما للعائلة. ولكنْ ماذا إذا سقط الأهلون في الجهل؟ ماذا إذا تآكل تراث العائلة الكنسي؟ أين يرتشف الأولاد التقوى؟ في العائلة! أين يقتنون الاتّجاهات القويمة؟ في العائلة! أين يتحسّسون حضرة الله حيّة أولاً؟ في العائلة! ولكنْ، هل ثمّة عائلة مسيحيّة، بالمعنى العميق للكلمة، بعدُ؟! هناك، طبعاً، عائلات فيها قدر من الغيرة الكنسيّة والتقوى الإيمانيّة ذات الشكل المستحدث. ولكنْ، العائلة المسيحيّة التراثيّة التي استمددت التراث المعيش من الآباء والأجداد، جيلاً بعد جيل، وتمدّ به الأجيال الطالعة، ألا زالت في الوجود؟ أخشى أن نكون قد بتنا، عملياً، لا كلّياً، ولكنْ إلى حدّ ما، أو إلى حدّ بعيد، كنيسة بلا تراث معيش! ما يُسمّى بالتراث الأنطاكي جلّه في الكتب! أن تتغنّى بالتراث والفكر الأنطاكي شيء وأن تقيم في التراث شيء آخر!
من المنسيّات المعمودية القويمة. المعموديات، كما تطالعنا، في الممارسة التراثيّة، قديماً، لم تكن، البتّة، من غير تعليم. معمودية الأطفال معروفة منذ القرون الأولى. معمودية البالغين، أيضاً، كانت في الممارسة. من جهة البالغين لم يكن القصد من الانتظار أن يبلغوا من النضج مبلغاً يمكّنهم من إدراك السرّ، كما قد يخطر بالبال. السرّ الإلهي ليس في مستوى الإدراك، في كل حال. البالغون كانوا ينتظرون لأن سرّ الولادة من فوق لا يُقرَب إلاّ بمنتهى الجِدِّية. اقتبال المعمودية كان، لدى الكثيرين، ينطوي على شيء من نَذْر ألا يُسلِم المعتمِد نفسَه، من بعدُ، للخطيئة. أما الأطفال فكانوا يُعمَّدون إلى عائلات مؤمنة. مؤسّسة العرّابية اعتُمدت، في مستوى الصغار، قديماً، تأميناً لاستمرارية تنشئة الأطفال على الإيمان، في حال أصاب الوالدين سوء. أما البالغون فكانوا يُعلَّمون أولاً. العرّابون، بالنسبة لهؤلاء، كان القصد منهم تأمين استمرارية التعليم طالما لزم الأمر. لذلك كان العرّابون يُختارون من بين الموثوق بعلمهم وتقواهم. كان التعليم، أحياناً، يمتدّ أسابيع وأشهر وسنين. لا معمودية من دون تأمين السَنَد التعليمي قبل ذلك وبعده. هذا كان إسّ الممارسة!
كل ذلك، اليوم، صار، عمليّاً، من الماضي، إلاّ لِماماً. لم يعد في الوجدان. نكتفي، اليوم، بإتمام طقس المعمودية. هذا كلّ الهمّ، كأنّه قائم في ذاته. التعليم، بعامة، سقط من المعمودية! أهمية التعليم والحاجة إليه هنا، وكذا لزومه، لم يعد في البال. إذاً، بتنا نعمِّد، في الكنيسة، على جهل. لا سند تربوي تراثي في العائلة ولا تعليم يُذكَر يُعتمد عليهما. نحن مضروبون من الجهتين: من جهة العائلة ومن جهة التعليم المنظّم في الكنيسة. فلا عَجب إذا أضحى شعبُنا، المعتبر مؤمناً، غائراً في الأمّية، قابعاً في الجهل، مستودعاً لكل فكر غريب. ولا عَجب، أيضاً، إذا غَزَت الدهريّة عُقر دار الكنيسة، القلوب والعبادة، على النحو الذي نعهده اليوم.
لا شكّ أنّنا بحاجة إلى عمّال في كل قطاع خدمة في الكنيسة. ولا غرو فإنّه ينقصنا كلُّ شيء. التماعات النهضة في الليل البهيم هذا قليلة ومحدودة. ولكنْ، ثمّة حاجة تفوق، في إلحاحها، كل حاجة. حاجتنا، أولاً، هي إلى إعادة تبشير الرعيّة! الجهل في المسيحيّة قاتل. المسيحيّة قائمة على الوعي والمعرفة والالتزام. مَن ليس له هذه ليس فيها. لا تقوم لا على المشاعر ولا على الأحاسيس والتخيّلات. غير صحيح أنْ "آمن بالحجر تبرأ". المسيحيّة الشكليّة أو الإسميّة أو الموسميّة ليست مسيحيّة بالمرّة. المسيحيّة الطائفيّة أو النفسانيّة نقض للمسيحيّة التي انحدرت إلينا من الرسل والقدّيسين. المسيحيّة، بكل بساطة، كلّها لاهوتيون. غير اللاهوتيّين لا محلّ لهم من الإعراب في الكنيسة. طبعاً، اللاهوت المقصود هنا ليس اللاهوت كنظرية بل أن تكون لنا علاقة شخصيّة حقيقيّة بالله، محبّةً وصلاة. لذا أولى الحاجات وحاجة الحاجات، كما تتراءى لناظرينا، إذا ما دقّقنا، هي إعادة تبشير الرعيّة.
تبشير الرعيّة، من جديد، بحاجة إلى رعاة واعين، أتقياء، تراثيِّين. ثلاث مهام مترابطة يؤدّيها الراعي: التعليم والرعاية والتقديس. هذه حمّالات التراث وهي غير قابلة للاختزال. إعادة التبشير معناه إعادة إحياء هذه الأبعاد الثلاثة في رعاية متكاملة. لذا فوق كل اعتبار، نحن بحاجة إلى الراعي المستنير. مهما فعلنا، إذا لم يكن عندنا الراعي المناسب، المُعَدّ إعداداً مناسباً، لا نكون قد فعلنا ما نحن بحاجة إليه. لذا كل الجهد ينبغي أن ينصبّ على إنتاج الرعاة. كل ما عدا ذلك يُعطى ويُزاد. لا يجوز أن تبقى رعيّة، ولا أي شخص في الرعيّة، مهما كانت صغيرة ونائية، من دون راع. هذا همّ الهموم! شعب على الهامش دينونة لمَن يَعلمون. أعرف رعايا ليس فيها رعاة من سنوات طويلة جداً، فيما البعض منا مأخوذ بالتفكهة الفكرية والأمور الخاصة. إيفاد كاهن لإقامة بعض الخِدَم الإلهيّة في هذه الرعيّة الصغيرة أو تلك لا يكفي. كذلك إقامة كاهن على رعيّة تُعدّ بالآلاف. ليس المؤمنون أرقاماً! سلامة المسير من سلامة الاهتمام بالمنسيّين! الرعاية بحاجة إلى لقاء، إلى وصال، إلى كلام، إلى محبّة، إلى احتضان شخصي إلى وقت... غير صحيح أنّ الموضوع موضوع مال ومعيشة رعاة أكثر من اي شيء آخر. المال، ولو كان يساعد، لا يأتي بالرعاة. الرعاة يأتون بالمال. الغيرة على بيت الله تأتي بكل شيء. المشكلة مشكلة موات في النفوس، مشكلة لا مبالاة بكنيسة المسيح، مشكلة اكتفاء من حلّ العِقد بالكلام. المشكلة أننا لم نعد، عملياً، واحداً، جسداً واحداً. أخشى أن نكون قد بتنا كنيسة تنظير فيما الناس يموتون جوعاً إلى مَن يرعاهم للخلاص ويتابعهم للتقديس ويبذل من أجلهم بالروح والحقّ!
يوم ترتحل أذهاننا إلى أولئك الصغار، يوم تشدّنا الغيرة على بيت الله إليهم، يوم تحتدّ نفوسنا حتى الدمع والأرق عليهم، يومذاك يكون قد لاح أفق النهضة الحقّ جليّاً. قبل ذلك نحن باقون خارجاً ولو زيّنّا الكنيسة، من الخارج، بكل العلم والفكر والمؤسّسات والأنشطة!
من المنسيّات المعمودية القويمة. المعموديات، كما تطالعنا، في الممارسة التراثيّة، قديماً، لم تكن، البتّة، من غير تعليم. معمودية الأطفال معروفة منذ القرون الأولى. معمودية البالغين، أيضاً، كانت في الممارسة. من جهة البالغين لم يكن القصد من الانتظار أن يبلغوا من النضج مبلغاً يمكّنهم من إدراك السرّ، كما قد يخطر بالبال. السرّ الإلهي ليس في مستوى الإدراك، في كل حال. البالغون كانوا ينتظرون لأن سرّ الولادة من فوق لا يُقرَب إلاّ بمنتهى الجِدِّية. اقتبال المعمودية كان، لدى الكثيرين، ينطوي على شيء من نَذْر ألا يُسلِم المعتمِد نفسَه، من بعدُ، للخطيئة. أما الأطفال فكانوا يُعمَّدون إلى عائلات مؤمنة. مؤسّسة العرّابية اعتُمدت، في مستوى الصغار، قديماً، تأميناً لاستمرارية تنشئة الأطفال على الإيمان، في حال أصاب الوالدين سوء. أما البالغون فكانوا يُعلَّمون أولاً. العرّابون، بالنسبة لهؤلاء، كان القصد منهم تأمين استمرارية التعليم طالما لزم الأمر. لذلك كان العرّابون يُختارون من بين الموثوق بعلمهم وتقواهم. كان التعليم، أحياناً، يمتدّ أسابيع وأشهر وسنين. لا معمودية من دون تأمين السَنَد التعليمي قبل ذلك وبعده. هذا كان إسّ الممارسة!
كل ذلك، اليوم، صار، عمليّاً، من الماضي، إلاّ لِماماً. لم يعد في الوجدان. نكتفي، اليوم، بإتمام طقس المعمودية. هذا كلّ الهمّ، كأنّه قائم في ذاته. التعليم، بعامة، سقط من المعمودية! أهمية التعليم والحاجة إليه هنا، وكذا لزومه، لم يعد في البال. إذاً، بتنا نعمِّد، في الكنيسة، على جهل. لا سند تربوي تراثي في العائلة ولا تعليم يُذكَر يُعتمد عليهما. نحن مضروبون من الجهتين: من جهة العائلة ومن جهة التعليم المنظّم في الكنيسة. فلا عَجب إذا أضحى شعبُنا، المعتبر مؤمناً، غائراً في الأمّية، قابعاً في الجهل، مستودعاً لكل فكر غريب. ولا عَجب، أيضاً، إذا غَزَت الدهريّة عُقر دار الكنيسة، القلوب والعبادة، على النحو الذي نعهده اليوم.
لا شكّ أنّنا بحاجة إلى عمّال في كل قطاع خدمة في الكنيسة. ولا غرو فإنّه ينقصنا كلُّ شيء. التماعات النهضة في الليل البهيم هذا قليلة ومحدودة. ولكنْ، ثمّة حاجة تفوق، في إلحاحها، كل حاجة. حاجتنا، أولاً، هي إلى إعادة تبشير الرعيّة! الجهل في المسيحيّة قاتل. المسيحيّة قائمة على الوعي والمعرفة والالتزام. مَن ليس له هذه ليس فيها. لا تقوم لا على المشاعر ولا على الأحاسيس والتخيّلات. غير صحيح أنْ "آمن بالحجر تبرأ". المسيحيّة الشكليّة أو الإسميّة أو الموسميّة ليست مسيحيّة بالمرّة. المسيحيّة الطائفيّة أو النفسانيّة نقض للمسيحيّة التي انحدرت إلينا من الرسل والقدّيسين. المسيحيّة، بكل بساطة، كلّها لاهوتيون. غير اللاهوتيّين لا محلّ لهم من الإعراب في الكنيسة. طبعاً، اللاهوت المقصود هنا ليس اللاهوت كنظرية بل أن تكون لنا علاقة شخصيّة حقيقيّة بالله، محبّةً وصلاة. لذا أولى الحاجات وحاجة الحاجات، كما تتراءى لناظرينا، إذا ما دقّقنا، هي إعادة تبشير الرعيّة.
تبشير الرعيّة، من جديد، بحاجة إلى رعاة واعين، أتقياء، تراثيِّين. ثلاث مهام مترابطة يؤدّيها الراعي: التعليم والرعاية والتقديس. هذه حمّالات التراث وهي غير قابلة للاختزال. إعادة التبشير معناه إعادة إحياء هذه الأبعاد الثلاثة في رعاية متكاملة. لذا فوق كل اعتبار، نحن بحاجة إلى الراعي المستنير. مهما فعلنا، إذا لم يكن عندنا الراعي المناسب، المُعَدّ إعداداً مناسباً، لا نكون قد فعلنا ما نحن بحاجة إليه. لذا كل الجهد ينبغي أن ينصبّ على إنتاج الرعاة. كل ما عدا ذلك يُعطى ويُزاد. لا يجوز أن تبقى رعيّة، ولا أي شخص في الرعيّة، مهما كانت صغيرة ونائية، من دون راع. هذا همّ الهموم! شعب على الهامش دينونة لمَن يَعلمون. أعرف رعايا ليس فيها رعاة من سنوات طويلة جداً، فيما البعض منا مأخوذ بالتفكهة الفكرية والأمور الخاصة. إيفاد كاهن لإقامة بعض الخِدَم الإلهيّة في هذه الرعيّة الصغيرة أو تلك لا يكفي. كذلك إقامة كاهن على رعيّة تُعدّ بالآلاف. ليس المؤمنون أرقاماً! سلامة المسير من سلامة الاهتمام بالمنسيّين! الرعاية بحاجة إلى لقاء، إلى وصال، إلى كلام، إلى محبّة، إلى احتضان شخصي إلى وقت... غير صحيح أنّ الموضوع موضوع مال ومعيشة رعاة أكثر من اي شيء آخر. المال، ولو كان يساعد، لا يأتي بالرعاة. الرعاة يأتون بالمال. الغيرة على بيت الله تأتي بكل شيء. المشكلة مشكلة موات في النفوس، مشكلة لا مبالاة بكنيسة المسيح، مشكلة اكتفاء من حلّ العِقد بالكلام. المشكلة أننا لم نعد، عملياً، واحداً، جسداً واحداً. أخشى أن نكون قد بتنا كنيسة تنظير فيما الناس يموتون جوعاً إلى مَن يرعاهم للخلاص ويتابعهم للتقديس ويبذل من أجلهم بالروح والحقّ!
يوم ترتحل أذهاننا إلى أولئك الصغار، يوم تشدّنا الغيرة على بيت الله إليهم، يوم تحتدّ نفوسنا حتى الدمع والأرق عليهم، يومذاك يكون قد لاح أفق النهضة الحقّ جليّاً. قبل ذلك نحن باقون خارجاً ولو زيّنّا الكنيسة، من الخارج، بكل العلم والفكر والمؤسّسات والأنشطة!
Comment