النصّ الكامل لهذه المقولة هو: "احملوا بعضكم أثقال بعض وهكذا أتمّوا ناموس المسيح" (غلا 6: 2). أيٌّ هو ناموس المسيح هذا؟ "وصيّة جديدة أُعطيكم أن تحبّوا بعضكم بعضاً" (يو 13: 34). هذا التحابب، إذاً، له ترجمة واضحة وبسيطة في مقولتنا أعلاه: أن يحمل كلّ منّا حمل أخيه. سأل أحدهم الشيخ يوسف الهدوئي عن العدالة في تعاطي الإنسان مع أخيه. فكان جوابه ما أوردناه أعلاه بالضبط: أن تحمل حمل أخيك! العدالة عند الله ليست كالعدالة في العالم. العدالة في العالم لها علاقة بحقوق الإنسان، بحقوقي وحقوقك. في العالم أجهزة همّها ضبط العلاقات الحقوقيّة بين الناس. حدّك ألا تتخطّى حدود الآخرين. حقّك ألاّ تتعدّى حقوق الآخرين. ما هو لك تعترف به وتصونه القوانين. عند الله الأمر يختلف. أنت لا حقّ لك تطالب به. فإذا ما عدلت وفيت أخاك حقّه عليك. لذا العدالة عند الله والبرّ واحد. والبرّ هو أن تسلك في ناموس المسيح، أي أن تحبّ أخاك. أنا وأنت في ما نعطي لا في ما نأخذ. بحمل أثقال أخيك تحقّق ذاتك. بالحبّ تصير إنساناً. قبل ذلك أنا وأنت مشروع إنسان! إذاً هوّيتي الأصيلة هي في أن أكون متّجهاً صوبك. نفسي، على حقيقتها، أجدها فيك. لذلك أحملك ولا أتحمّلك. أنت محوري ولستُ أنا محور ذاتي. لا أطلبك لغاية في نفسي ولا أطلب نفسي فيك بل أطلبك أنت من نفسي، عن رغبة منّي. في حركتي المجّانية المحبّية صوبك أنسى ذاتيتي فأجد نفسي فيك. أجد حبّي وأجد فرحي وأجد سلامي. لا فرح إلاّ في الحبّ ولا سلام. كلاهما، الفرح والسلام، ألقاه في تخطّيّ لنفسي إليك.
لكنَّ حمل الآخرين يُكلف. لا أجده تلقائياً في نفسي. أُغنّي الحبّ أبداً لأنّ نفسي مفطورة عليه. هكذا رُكِّبتُ. لكنّ ما تتوق إليه فطرتي لا ألقاه في نفسي لأنّي واجد فيّ ناموساً آخر يحاربني غير ناموس المسيح. حركتي التلقائية هي إلى نفسي. هذه حركتي وحركتك وحركتنا جميعاً. لذا أعاني أنا وتعاني أنت ويعاني العالم كلّه. طالما كلٌّ يطلب ما لنفسه فهناك احتكاك وصدام، حرب وإلغاء. هنا منشأ كل صعوبة وكل مشكلة في العالم. أكنّا نتصارع لو كان كلّ لِيَطلب ما لأخيه؟ لو تحاببنا، لو تحاملنا أثقال بعضنا البعض لما كانت هناك قوانين وقواعد في الدنيا. لما كانت هناك حاجة إليها. كل واحد، إذ ذاك، يحمل الناموس في نفسه. ما تفعله النظم والقوانين في العالم، في الحقيقة، هو حماية الناس في حقوقهم الخاصة بهم أي في أنانياتهم. هذه مهما كانت متطوِّرة تبقى غير كافية وتبقى حياة الناس، بنتيجتها، غير مستقرّة. حتى لو افترضنا جدلاً أنّ النظم والقوانين، مدعومةً بكل التكنولوجيا الحديثة، توصّلت إلى إعطاء كل ذي حقّ حقّه ومنعت تعدّي الناس على حقوق بعضهم البعض، فهل كان ذلك لِيُؤَمِّنَ للإنسان الفرح والسلام؟ ربّما أمّن لهم السلامة. ربّما وفّر لهم الأمن. ولكنْ من أين يأتون بالسلام، سلام القلب، السلام العميق، لا حالة اللاحرب واللاصراع؟ هذا نتاج القلب، نتاج الكيان، نتاج الحبّ. مَن لا يحبّ لا يمكنه أن ينعم بالسلام. سيبقى في اضطراب وقلق! والفرح أيضاً، هل النظم والقوانين والأمن يوفّر الفرح؟ ربّما يؤمِّن التسلية براحة بال. ربّما يؤمِّن المتعة. ربّما يؤمِّن تحقيق بعض الرغبات. ربّما يؤمِّن اللذّة. ولكنْ الفرح!؟ من أين يأتي الفرح؟ الفرح لا يأتي إلاّ من الحب، من العطاء، من حمل أثقال الآخرين. دونك الأمّ مثَلاً. فرحها العميق مرتبط بإرضاعها الطفل بين يديها. لهذا الأمّ مشدودة، عفواً، إليه. كلّما سعيتَ إلى التخفيف من أحمال الآخرين كلّما اكتشفت الفرح ينمو في قلبك. القلق العميق في كيانك، مما يكدِّر عليك عيشك، أتدري مِمَّ هو ناجم؟ من شعورك العميق بأنّك وحيد. أنت، في قرارة نفسك، تعاني الوحدة، وتعانيها مهما أكلت وشربت ومتّعت نفسك واختلطت بالناس، لذا تختبر الموت راسخاً في أعماقك وليس مَن ينقذك. كلٌّ، في نهاية المطاف، لوحده مهما تلاقت متعه وسواه. أليست هذه حقيقة ما تشعر به عميقاً في قلبك؟ الوحدة هي مصدر كل القلق فيك وهي صورة الجحيم. هذه لا خروج لك منها إلاّ بالحبّ. الحبّ ترياق الجحيم. الحبّ أقوى من الموت. الحبّ لا يسقط أبداً. الحبّ هو الحياة. هو نبع الفرح ومنشئ السلام.
أول الحبّ أن تعي أنّ الموت هو أن تقعد في نفسك وأنّ الحياة هي في أن تمتدّ طالباً ما ليسوع وما له في أخيك. ومنتصف الحبّ أن تَعْتَد أن تبذل نفسك من أجل مَن يجعلهم الربّ الإله في دربك ولا تطلب لنفسك شيئاً، ولا مكافأة. لا تدع يمينك تعرف ما تصنعه يسارك. هذا خانق أحياناً لكنّه واعد. هذا تَثبت فيه إلى المنتهى! وآخر الطريق أن تُفرِعَ لك من الموت الذي عانيت حياةٌ جديدة. هذا لن يكون منك بل هبة من الذي مات ثمّ قام. أنت فقط تسلك كما سلك. حتى وأنت على الصليب، على صليب الكفر بذاتك، تعينك نعمة من فوق. لولاها، في كل حال، ما كنت تستطيع شيئاً. إذاً، لن تكون، في كل حال، وحيداً. قال يسوع لتلاميذه، وقال ذلك لهم كإنسان: كلّكم تتركونني وحيداً. لكنّي لست وحيداً لأنّ الآب معي. أنت أيضاً متى شرعت في السير عكس التيّار، متى عزف عنك الجميع إذ ذاك لا تلقاك وحيداً لأنّ روح الربّ يكون معك. يؤازرك بأنعامه ويعزّيك بألطافه. أخيراً تجدك وقد نَمَتْ فيك شجرة الحياة. يمتلئ حقلك قمحاً. تستغرب من أين أتاك كل هذا الحصاد ولمّا تتعب فيه. كنت تظنّك مرتحلاً في الغيب ومقيماً في الصحراء. فجأة اخضوضرت براريك وتدفّقت مآقيك فرحاً فإذا بك في الفرح الأسنى. فقط لأنّك سلكت بالإيمان لا بالعيان. فقط لأنّك قبلت أن تُلقي بشبكتك حيث ظننت أنّه لا سمك يطلع لك. لأنّك اقتبلت أن تسلك على كلمته، لأنّك آمنت، لأنّك اشتهيت أن تحبّ وأن تكون حيث يكون معلّمك. فقط في الأخير فهمت وتفهم. في النهاية تتجلّى لك صحّة الكلام الذي قيل لك أولاً. طبعاً لما كنت على الصليب لم يكن في وسعك أن تذوق القيامة. فقط انطلقت على رجاء القيامة. رصيدك كان يقينك. لأنّك وثقت بكلام معلّمك، لأنّك قلت له: "إلى أين المذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك"، لأنّك ثبتّ عاينت، لأنّك ألقيت بنفسك بين يديه، لأنّك جعلت كلمة معلِّمك مشروع حياتك الأوحد، لأنّك رفعت الكلّ بين يديه، لأنّك آمنت كمرتا رأيت مجد الله، مجداً كما لوحيد من الآب. فالمجد لمَن أعطاك. المجد لمَن اقتبلك. المجد لمَن فرّحك وجعلك إنساناً على صورة ابن الإنسان، حيّاً إلى الأبد على صورة القائم من بين الأموات، على صورة الحيّ إلى الأبد. له السبح والإيمان، له الحمد والشكران إلى دهر الداهرين، آمين.
لكنَّ حمل الآخرين يُكلف. لا أجده تلقائياً في نفسي. أُغنّي الحبّ أبداً لأنّ نفسي مفطورة عليه. هكذا رُكِّبتُ. لكنّ ما تتوق إليه فطرتي لا ألقاه في نفسي لأنّي واجد فيّ ناموساً آخر يحاربني غير ناموس المسيح. حركتي التلقائية هي إلى نفسي. هذه حركتي وحركتك وحركتنا جميعاً. لذا أعاني أنا وتعاني أنت ويعاني العالم كلّه. طالما كلٌّ يطلب ما لنفسه فهناك احتكاك وصدام، حرب وإلغاء. هنا منشأ كل صعوبة وكل مشكلة في العالم. أكنّا نتصارع لو كان كلّ لِيَطلب ما لأخيه؟ لو تحاببنا، لو تحاملنا أثقال بعضنا البعض لما كانت هناك قوانين وقواعد في الدنيا. لما كانت هناك حاجة إليها. كل واحد، إذ ذاك، يحمل الناموس في نفسه. ما تفعله النظم والقوانين في العالم، في الحقيقة، هو حماية الناس في حقوقهم الخاصة بهم أي في أنانياتهم. هذه مهما كانت متطوِّرة تبقى غير كافية وتبقى حياة الناس، بنتيجتها، غير مستقرّة. حتى لو افترضنا جدلاً أنّ النظم والقوانين، مدعومةً بكل التكنولوجيا الحديثة، توصّلت إلى إعطاء كل ذي حقّ حقّه ومنعت تعدّي الناس على حقوق بعضهم البعض، فهل كان ذلك لِيُؤَمِّنَ للإنسان الفرح والسلام؟ ربّما أمّن لهم السلامة. ربّما وفّر لهم الأمن. ولكنْ من أين يأتون بالسلام، سلام القلب، السلام العميق، لا حالة اللاحرب واللاصراع؟ هذا نتاج القلب، نتاج الكيان، نتاج الحبّ. مَن لا يحبّ لا يمكنه أن ينعم بالسلام. سيبقى في اضطراب وقلق! والفرح أيضاً، هل النظم والقوانين والأمن يوفّر الفرح؟ ربّما يؤمِّن التسلية براحة بال. ربّما يؤمِّن المتعة. ربّما يؤمِّن تحقيق بعض الرغبات. ربّما يؤمِّن اللذّة. ولكنْ الفرح!؟ من أين يأتي الفرح؟ الفرح لا يأتي إلاّ من الحب، من العطاء، من حمل أثقال الآخرين. دونك الأمّ مثَلاً. فرحها العميق مرتبط بإرضاعها الطفل بين يديها. لهذا الأمّ مشدودة، عفواً، إليه. كلّما سعيتَ إلى التخفيف من أحمال الآخرين كلّما اكتشفت الفرح ينمو في قلبك. القلق العميق في كيانك، مما يكدِّر عليك عيشك، أتدري مِمَّ هو ناجم؟ من شعورك العميق بأنّك وحيد. أنت، في قرارة نفسك، تعاني الوحدة، وتعانيها مهما أكلت وشربت ومتّعت نفسك واختلطت بالناس، لذا تختبر الموت راسخاً في أعماقك وليس مَن ينقذك. كلٌّ، في نهاية المطاف، لوحده مهما تلاقت متعه وسواه. أليست هذه حقيقة ما تشعر به عميقاً في قلبك؟ الوحدة هي مصدر كل القلق فيك وهي صورة الجحيم. هذه لا خروج لك منها إلاّ بالحبّ. الحبّ ترياق الجحيم. الحبّ أقوى من الموت. الحبّ لا يسقط أبداً. الحبّ هو الحياة. هو نبع الفرح ومنشئ السلام.
أول الحبّ أن تعي أنّ الموت هو أن تقعد في نفسك وأنّ الحياة هي في أن تمتدّ طالباً ما ليسوع وما له في أخيك. ومنتصف الحبّ أن تَعْتَد أن تبذل نفسك من أجل مَن يجعلهم الربّ الإله في دربك ولا تطلب لنفسك شيئاً، ولا مكافأة. لا تدع يمينك تعرف ما تصنعه يسارك. هذا خانق أحياناً لكنّه واعد. هذا تَثبت فيه إلى المنتهى! وآخر الطريق أن تُفرِعَ لك من الموت الذي عانيت حياةٌ جديدة. هذا لن يكون منك بل هبة من الذي مات ثمّ قام. أنت فقط تسلك كما سلك. حتى وأنت على الصليب، على صليب الكفر بذاتك، تعينك نعمة من فوق. لولاها، في كل حال، ما كنت تستطيع شيئاً. إذاً، لن تكون، في كل حال، وحيداً. قال يسوع لتلاميذه، وقال ذلك لهم كإنسان: كلّكم تتركونني وحيداً. لكنّي لست وحيداً لأنّ الآب معي. أنت أيضاً متى شرعت في السير عكس التيّار، متى عزف عنك الجميع إذ ذاك لا تلقاك وحيداً لأنّ روح الربّ يكون معك. يؤازرك بأنعامه ويعزّيك بألطافه. أخيراً تجدك وقد نَمَتْ فيك شجرة الحياة. يمتلئ حقلك قمحاً. تستغرب من أين أتاك كل هذا الحصاد ولمّا تتعب فيه. كنت تظنّك مرتحلاً في الغيب ومقيماً في الصحراء. فجأة اخضوضرت براريك وتدفّقت مآقيك فرحاً فإذا بك في الفرح الأسنى. فقط لأنّك سلكت بالإيمان لا بالعيان. فقط لأنّك قبلت أن تُلقي بشبكتك حيث ظننت أنّه لا سمك يطلع لك. لأنّك اقتبلت أن تسلك على كلمته، لأنّك آمنت، لأنّك اشتهيت أن تحبّ وأن تكون حيث يكون معلّمك. فقط في الأخير فهمت وتفهم. في النهاية تتجلّى لك صحّة الكلام الذي قيل لك أولاً. طبعاً لما كنت على الصليب لم يكن في وسعك أن تذوق القيامة. فقط انطلقت على رجاء القيامة. رصيدك كان يقينك. لأنّك وثقت بكلام معلّمك، لأنّك قلت له: "إلى أين المذهب؟ كلام الحياة الأبدية عندك"، لأنّك ثبتّ عاينت، لأنّك ألقيت بنفسك بين يديه، لأنّك جعلت كلمة معلِّمك مشروع حياتك الأوحد، لأنّك رفعت الكلّ بين يديه، لأنّك آمنت كمرتا رأيت مجد الله، مجداً كما لوحيد من الآب. فالمجد لمَن أعطاك. المجد لمَن اقتبلك. المجد لمَن فرّحك وجعلك إنساناً على صورة ابن الإنسان، حيّاً إلى الأبد على صورة القائم من بين الأموات، على صورة الحيّ إلى الأبد. له السبح والإيمان، له الحمد والشكران إلى دهر الداهرين، آمين.
الأرشمندريت توما (بيطار)
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
رئيس دير القدّيس سلوان الآثوسي – دوما
Comment