بيت لحم موت وحياة
بقلم الأب هاني باخوم*
بيروت، الثلاثاء 22 ديسمبر 2009 (Zenit.org). - مدينة بيت لحم، ومعنى اسمها بالعبرية "بيت الخبز"، هي مدينة ميلاد المسيح. تبعد عشرة كيلومترات عن اورشليم، وترتفع 756 متراً عن سطح البحر. اشتهرت في العهد القديم، لأنّها شهدت ميلاد الملك داود. ما استوقفني هو، ان تلك المدينة الصّغيرة لم تشهد فقط ميلاد هؤلاء وغيرهم من شخصيات الكتاب المقدس، لكنّها شهدت ايضاً موت راحيل؛ "ثم رحلوا (يعقوب وامراته راحيل) من بيت ايل، وبينما هم على مسافة من افراته، ولدت راحيل وكانت ولادتها عسيرة...فماتت هناك ودُفنت في طريق افراته وهي بيت لحم الآن." (تك 35: 16 – 19).
يبدو شيئاً طبيعيًّا، وإن كان مؤلماً بالتأكيد؛ امٌّ تموت عندما تلد، تترك ابنها في المهد وتُحمل هي الى القبر. كثيراً ما يحدث هكذا. هذا حقيقي! لكن في حالة راحيل الامر يختلف ويحمل معنًى ابعد من المعتاد!!! فمن هي راحيل؟
راحيل، زوجة يعقوب الحبيبة، المفضلة، كانت عاقراً. لم تستطع ان تعطي زوجها يعقوب ابناً. وجود الابن في الكتاب المقدس يعني المستقبل، امكانية ان يحيا الاهل بعد موتهم من خلاله، اي امتداد لحياة من يموت. فحياة الوالدين ستستمر في الابن، ومن بعده في ابنه، وابن ابنه، الخ...
العقم اذاً هو موت. موت قبل الموت، او بالاحرى حياة من اجل الموت، حياة تُحضّر للموت، فأية حياة هذه!!! هذا ما كانت راحيل تشعر به ، تشعر بأنها تموت، فتقول لزوجها:"هب لي بنين، وإلا فأني أموت" (تك 30 : 1). فيردّ يعقوب بحكمة:" الَعلّي انا مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟" (تك 30: 2). كانت تشعر بانّها بالفعل مائتة!!
فينظر إليها الرّبّ، ويسمع صراخها، فتحمل راحيل وتلد ابناً تسميه يوسف. وتحمل ثانيةً ويحين وقت ولادتها!!
وبينما تلد ابنها الثّاني، تشعر بأنّها تحتضر فتسميه "بن أوني" ومعناه ابن آلامي. هكذا سمّته، ابن اوجاعي وألمي. ويأتي الأب ويسميه "بنيامين" اي "ابن الخير واليُمن".
راحيل التي كانت تشعر بالفعل أنّها مائتة بسبب عقمها، بعد ان ولدت ابنَيْن، ونالت حظوة في عينيّ الرّبّ، وبدأت تحيا، اصبح من الممكن ان تموت لانها ستحيا باستمرار حتّى وإن ماتت. كانت ترغب في ابن، الله يعطيها اثنين لان عطايا الله تفوق ما يتوقعه الانسان.
تلك المرأة تموت، وان سمح لنا التعبير، بسبب عطية الله. الكتاب يقول ويركز على أنّها ماتت، لأنّ ولادتها كانت عسيرة. تلك المرأة من خلال موتها، تعطي الحياة لابنها، والابن بميلاده يعطي الحياة لأمّه حتّى ولو ماتت، لأنّها كانت من قبل مائتة، عندما لم يكن لها ابناء.
راحيل تسميه ابن ألمي، اي الابن الذي خرج بفضل ألمي واوجاعي، وفي النّهاية موتي. راحيل ومعنى اسمها "النّعجة"، "الحمل"، بكلّ ما يحمل هذا الاسم من معانٍ في الكتاب المقدس، يتحقق اسمها هنا: تموت كحمل يقدم ذاته من اجل ولادة حياة جديدة، حياة مختلفة. ويأتي الأب ويسميه "بنيامين" اي ابن الخير والقوّة. الكتاب لا يقول ان الأب غَيَّر الاسم الذي اعطته له راحيل، لكنّه يقول: امّا ابوه فسماه بنيامين. اي ان هذا الابن يحمل بداخله هذا الكيان؛ ابن للألم، للأوجاع، للموت، وفي نفس الوقت، هو ابن الخير والقوة واليسر. في الابن، يتحول الموت إلى حياة وقوة ونصرة. موت المّ يصبح قوة وغنًى. لا يزول الألم لكنّه يتحوّل.
هذا ما شاهدته بيت لحم، رأت ميلاد شخصٍ، "بنيامين" بفضل موت امّه "راحيل". شاهدت شخصاً، فيه يتحوّل الموت خيراً. وهذا ما ستراه الآن مع ميلاد المسيح. شخص آخر، بل الشّخص، الذي بموته سيعطي الحياة ليس فقط لابن وحيد، بل لكلّ من يرغب في ان يكون ابناً للآب السّماوي. بموته سيعطي الحياة لمن كان بالفعل مائتاً بسبب عقمه، والعقم هو عدم امكانية اعطاء الحياة للآخرين. الآن بسبب موت الابن، يستطيع الانسان ان يعطي حياته للآخرين، ان يحبّ اعداءه، لانّه شُفِيَ من عقمه.
هذا ما رأته بيت لحم. رأت ابناً بميلاده اعطى الحياة لأمّه، وترى الآن الابن الذي بميلاده سيعطي الحياة لكلّ البشر.
ميلاد مبارك.
* نائب مدير اكليريكة امّ الفادي في لبنان
بقلم الأب هاني باخوم*
بيروت، الثلاثاء 22 ديسمبر 2009 (Zenit.org). - مدينة بيت لحم، ومعنى اسمها بالعبرية "بيت الخبز"، هي مدينة ميلاد المسيح. تبعد عشرة كيلومترات عن اورشليم، وترتفع 756 متراً عن سطح البحر. اشتهرت في العهد القديم، لأنّها شهدت ميلاد الملك داود. ما استوقفني هو، ان تلك المدينة الصّغيرة لم تشهد فقط ميلاد هؤلاء وغيرهم من شخصيات الكتاب المقدس، لكنّها شهدت ايضاً موت راحيل؛ "ثم رحلوا (يعقوب وامراته راحيل) من بيت ايل، وبينما هم على مسافة من افراته، ولدت راحيل وكانت ولادتها عسيرة...فماتت هناك ودُفنت في طريق افراته وهي بيت لحم الآن." (تك 35: 16 – 19).
يبدو شيئاً طبيعيًّا، وإن كان مؤلماً بالتأكيد؛ امٌّ تموت عندما تلد، تترك ابنها في المهد وتُحمل هي الى القبر. كثيراً ما يحدث هكذا. هذا حقيقي! لكن في حالة راحيل الامر يختلف ويحمل معنًى ابعد من المعتاد!!! فمن هي راحيل؟
راحيل، زوجة يعقوب الحبيبة، المفضلة، كانت عاقراً. لم تستطع ان تعطي زوجها يعقوب ابناً. وجود الابن في الكتاب المقدس يعني المستقبل، امكانية ان يحيا الاهل بعد موتهم من خلاله، اي امتداد لحياة من يموت. فحياة الوالدين ستستمر في الابن، ومن بعده في ابنه، وابن ابنه، الخ...
العقم اذاً هو موت. موت قبل الموت، او بالاحرى حياة من اجل الموت، حياة تُحضّر للموت، فأية حياة هذه!!! هذا ما كانت راحيل تشعر به ، تشعر بأنها تموت، فتقول لزوجها:"هب لي بنين، وإلا فأني أموت" (تك 30 : 1). فيردّ يعقوب بحكمة:" الَعلّي انا مكان الله الذي منع عنك ثمرة البطن؟" (تك 30: 2). كانت تشعر بانّها بالفعل مائتة!!
فينظر إليها الرّبّ، ويسمع صراخها، فتحمل راحيل وتلد ابناً تسميه يوسف. وتحمل ثانيةً ويحين وقت ولادتها!!
وبينما تلد ابنها الثّاني، تشعر بأنّها تحتضر فتسميه "بن أوني" ومعناه ابن آلامي. هكذا سمّته، ابن اوجاعي وألمي. ويأتي الأب ويسميه "بنيامين" اي "ابن الخير واليُمن".
راحيل التي كانت تشعر بالفعل أنّها مائتة بسبب عقمها، بعد ان ولدت ابنَيْن، ونالت حظوة في عينيّ الرّبّ، وبدأت تحيا، اصبح من الممكن ان تموت لانها ستحيا باستمرار حتّى وإن ماتت. كانت ترغب في ابن، الله يعطيها اثنين لان عطايا الله تفوق ما يتوقعه الانسان.
تلك المرأة تموت، وان سمح لنا التعبير، بسبب عطية الله. الكتاب يقول ويركز على أنّها ماتت، لأنّ ولادتها كانت عسيرة. تلك المرأة من خلال موتها، تعطي الحياة لابنها، والابن بميلاده يعطي الحياة لأمّه حتّى ولو ماتت، لأنّها كانت من قبل مائتة، عندما لم يكن لها ابناء.
راحيل تسميه ابن ألمي، اي الابن الذي خرج بفضل ألمي واوجاعي، وفي النّهاية موتي. راحيل ومعنى اسمها "النّعجة"، "الحمل"، بكلّ ما يحمل هذا الاسم من معانٍ في الكتاب المقدس، يتحقق اسمها هنا: تموت كحمل يقدم ذاته من اجل ولادة حياة جديدة، حياة مختلفة. ويأتي الأب ويسميه "بنيامين" اي ابن الخير والقوّة. الكتاب لا يقول ان الأب غَيَّر الاسم الذي اعطته له راحيل، لكنّه يقول: امّا ابوه فسماه بنيامين. اي ان هذا الابن يحمل بداخله هذا الكيان؛ ابن للألم، للأوجاع، للموت، وفي نفس الوقت، هو ابن الخير والقوة واليسر. في الابن، يتحول الموت إلى حياة وقوة ونصرة. موت المّ يصبح قوة وغنًى. لا يزول الألم لكنّه يتحوّل.
هذا ما شاهدته بيت لحم، رأت ميلاد شخصٍ، "بنيامين" بفضل موت امّه "راحيل". شاهدت شخصاً، فيه يتحوّل الموت خيراً. وهذا ما ستراه الآن مع ميلاد المسيح. شخص آخر، بل الشّخص، الذي بموته سيعطي الحياة ليس فقط لابن وحيد، بل لكلّ من يرغب في ان يكون ابناً للآب السّماوي. بموته سيعطي الحياة لمن كان بالفعل مائتاً بسبب عقمه، والعقم هو عدم امكانية اعطاء الحياة للآخرين. الآن بسبب موت الابن، يستطيع الانسان ان يعطي حياته للآخرين، ان يحبّ اعداءه، لانّه شُفِيَ من عقمه.
هذا ما رأته بيت لحم. رأت ابناً بميلاده اعطى الحياة لأمّه، وترى الآن الابن الذي بميلاده سيعطي الحياة لكلّ البشر.
ميلاد مبارك.
* نائب مدير اكليريكة امّ الفادي في لبنان
Comment