الزواج عند الذهبي الفم
مقدمة:
إن الفريد والمميز في فكر أبينا فم الذهب هو نظرته للنسك بمنظار اسختولوجي، لذلك لا يغدو النسك فنّاً رهبانياً، حصراً، وإنما فضيلة اجتماعية للجميع.
إن أية دراسة حول الزواج في كتابات أبينا القديس ستقدم الكثير، والمفيد لمجتمعنا المعاصر، وإذا كانت النظرة إلى النسك كفنّ اجتماعي تبدو "غريبة" في مجتمعنا، فهذا يعود بالتحديد إلى أن هذا المجتمع متأثر غالباً باللاهوت الغربي ومعتقداته.
في نصوص وكتابات الآباء الشرقيين الأرثوذكسيين، وفي العمق الاستخولوجي، ينتقل مركز الأهمية من "العزوبية" إلى "النسك"، أي إلى الطريق الضيق المؤدي إلى الحياة. هذا ما نراه، مثلاً، عند قديسين كـ أثناسيوس الكبير، وغريغوريوس النيصصي، ويوحنا الذهبي الفم.
هكذا وبفضل هذه النظرة الاستخولوجية تصبح النهاية الواحدة للطريق الضيق وغايتها المشتركة بتعدد الأساليب فيها. في هذا تمايزت المسيحية منذ فجر نشأتها عن الغنوسية. وانطلاقاً من هذا الأساس السليم نجد أنه عبر تاريخ أدبنا المسيحي شدد آباؤنا على مزايا الرهبنة وفضائلها كما شددوا على مزايا الزواج. على عكس الآباء والكتّاب الغربيون مثل كبريانوس وأمبروسيوس وايرونيموس وأفغوسطينوس، حيث ظهر الميل الشديد إلى البتولية مع الانتقاص من قيمة الزواج بشكل ملاحظ وشديد. من هذه المصادر المتطرفة الأخيرة، وللأسف، تنهل أغلب الدراسات الغربية الانثروبولوجية اليوم، وكنتيجة حتمية. لذلك يلغي فيها التوازن الأخلاقي الموجود بين الزواج والبتولية، الذي نراه عند آبائنا الشرقيين، وهكذا يتحور المفهوم المسيحي الحقيقي وتفسد روح الكتاب عينه كما يخان الفهم الآبائي الصحيح.
حكمة الزواج:
إن الزواج -بحسب مفهوم الذهبي الفم- لا يشكل حجة للكسل والتهاون في سبيل الهدف المشترك لكل المسيحيين أو هرباً من الجهاد المطلوب من الجميع، رغم ذلك بسبب التمييز "الدنيوي الفاسد" و "العالمي" يقطع الزواج عن هدفه الاستخولوجي فينقل هدفه، للأسف، من ملكوت الله إلى المجتمع "، لهذا السبب وفي مثل هذه الحالة، يتحول الزواج إلى " عائق " في طريق الكمال الروحي الواحد لكل المسيحيين. القاعدة الأساسية في فكر أبينا القديس هي أن "الحكمة" في الزواج هي بالذات "الفلسفة المسيحية" التي في الرهبنة. التمييز يجب ألا تكون بين الزواج والبتولية ولكن في درجة الحياة الروحية أينما كانت في الشكلين، ما يميز إنساناً عن آخر هو الخُلق وليس الزواج أو عدمه.
بالنسبة للذهبي الفم، فإن أي أسلوب مدخل بعد السقوط (الزواج)، هو حسن وخير ومن حكمة الله وتدبيره، وله بالنهاية هدف تربوي وغايته شفاء الإنسان الساقط ومداواته، وذلك لأن كل هذه التدابير هي من "العناية الإلهية المحبة للبشر" وتقصد بالنهاية إلى تحقيق التدبير الإلهي للإنسان، أي تألهه وخلاصه.
بعد السقوط غدا الزواج "أمراً مفيداً جداً وضرورياً" بعد أن كان غير ضروري في البداية، فقبل السقوط كانت المحبة للآخر والتعايش المنسجم، والمتوافق معه هو الجو العام السائد، أما بعد السقوط، عندما دخلت الخطيئة، فقد هوى الإنسان من علاقاته الشخصية المحبة للآخر إلى مستوى الفردية والأنانية، وانطوى من الشخص إلى الفرد، هكذا كأناني انطوى على حب ذاته بدل حب الآخر. فمزقت روابط الوحدة وتضعضعت أواصر المحبة. عندها أسرع الرب المحب للبشر وأدخل الشهوة ليحافظ على التلاحم والوحدة بين البشر وهكذا أعاد روابط الوحدة بين الذين سبق وتفرقوا. فالجدان الأولان، قبل السقوط، كانت أواصر المحبة بينهما قوية لدرجة أنهما كانا كـ " واحد ". هكذا ظهر الله في الفردوس بحسب النص الكتابي " يكلم الاثنين كأنه يكلم واحداً ". عناية الله المحبة أوجدت تلك الحياة المشتركة الأولى ذات أواصر محبة قوية جداً. حتى أنه لم يكن لدى المرأة حب أعظم من حبها لشريكها. ولم يكن للرجل حب أعظم من حبه لشريكته. ولكن عندما غلب حب الذات وسيطرت الأنانية، صارت الشهوة عاملاً إيجابياً، بالذات لأنه ينظر إليها كواسطة تعيد إصلاح تلك الوحدة القديمة. هذه الوحدة يحققها الزواج بالفعل عندما يلغى منه كل ما هو خاص وذاتي وأناني ولا يعد ما " لي " وما " لك ". وبالتالي ضمن النظرة الاسختولوجية، الشهوة هي حسنة كدواء هادف وشاف يؤول إلى رباط للمحبة وبالتالي يساعد ويقود في درب الكمال الروحي. فمن ناحية أخرى مفهوم " المثال " كلّه يتلخص في المحبة.
الزواج والتقديس:
1. " والتنازل إلى هذا المقدار ليس إلا دلالة على وجود ضعف شديد يفرضه ". على كل قديسنا يفسّر " التقديس " الذي بدونه لا يستطيع أحد أن يرى الرّب. " بالنسك والجهاد الروحي ". لهذا نراه ينصح أن كان أحد غير متزوج فليحاول أن يبقى بتولاً أو أن يتزوج. وإن كان متزوجاً فليحاول ألا يزني البتة. فالقداسة بالنسبة لفم الذهب ليست حصراً في الحياة الزوجية ولا في الحياة الرهبانية. إنما هي ثمرة الجهاد الروحي الممكن عند المتزوجين والرهبان على السواء. إن كانت القداسة تفسّر بالجهاد الروحي والنسك فإن المقارنة بين المتبتلين والمتزوجين يجب ألا تنحصر في العذرية والعفة فقط وإنما أن تشمل مجمل الفضائل الأخرى كلها. النظرة الاسختولوجية والحقيقية لا تقدّر الإنسان ولا تكرّمه حصراً بسبب الحياة التي يختارها، أتزوجا كانت أم ترهبّا وإنما مقياسها الذي لا يخطئ هو " مستوى الحياة الروحية " أ الحياة بحسب الفضائل المسيحية، القداسة الحاصلة بالنسك.
براهين : لهذا السبب نرى قديسنا الذهبي الفم يكرر باستمرار في عظاته أن الزواج ليس على الإطلاق مانعاً للفضائل المسيحية وليبرهن على صحة رأيه هذا يلجأ إلى رجال الكتاب المقدس أمثال " أنوخ "، " أكيلا " و " برسكيللا " الذين لمعوا في الفضائل المسيحية وهو متزوجون.
3- بالطبع، بعد السقوط وإدخال الموت، الزواج يخدم استمرار النسل البشري. اقليمس الإسكندري وآباء كثيرون آخرون يربطون هدف الزواج بواقع الموت والإنجاب. الولادة، عند بعض الآباء مثل اقليمس السابق ذكره، هي " خلق "، أي بالتالي هي من صورة الله التي بالإنسان. آباء مدافعون مثل ايوستينوس وأثيناغوراس يحددون الهدف الأول للزواج والشهوة الجسدية بالإنجاب، الذي يرونه كحل لمشكلة الموت. الإيمان بأن هدف الزواج هو إنجاب الأولاد نجده ونصادفه عند أغلب آباء اللاتين (الذين كتبوا باللغة اللاتينية وليس اليونانية) مثل امبرسيوس وأفغوسطينوس. لكن أبانا فم الذهب له في هذا الموضوع موقف مميز ومتمايز فضلاً عن نظرته العميقة الاسختولوجية لكل الحياة المسيحية. كنه الزواج وهدفه الأساسي مرتبط بموضوع السقوط ليس من حيث الإنجاب والحفاظ على النسل البشري بالقدر ما هو بالحقيقة واسطة كمال خلقي ونمو روحي للبشر . فهو دواء ليس للموت وإنما للسقوط الروحي. الأب القديس يقول إن الإنجاب يعود لقوة الله ومشيئته بالذات ولكلمته " أكثروا وأنموا". رأيه هذا يسنده إلى الكتاب المقدس عينه الذي يذكر متزوجين لم ينجبوا ولم يصيروا آباء، بينما ولادات كثيرة. كما هي ولادة اسحق، تمت فقط بقوة الكلمة الإلهية وليس بقدرة الجسد. لو لم يخطئ الإنسان في الفردوس ما كان سيصعب على الله أن يكثر البشر بأسلوب ما، وهذا ما تؤكده ولادة آدم وحواء. فلا البتولية تهدد استمرار الجنس البشري ولا الزواج يضمنه. فلو أن الخطية لم تدخل " ما كان سيصعب على الله أن يجد الطريقة، التي كان سيتكاثر بها الجنس البشري ".
بحسب الذهبي الفم، الزواج والشهوة أدخلا بعد السقوط حصراً لأسباب روحية ونسكية، أي للحياة بالمسيح وللكمال الروحي للبشر، إيمانه هذا يبرهنه ليس فقط من الحياة الإنسانية الأولى الفردوسية، وإنما من قيامة المسيح، التي هي وحي للحالة الاسختولوجية المرجوة. ويقول قديسنا أنه، قبل قيامة المسيح ساد الخوف من الموت وتسلط هذا الأخير على حياة البشر، عندما كان الإنجاب أشهى ما لدى البشر لأنه كان استمرار حياتهم " وعزاءهم ضد الموت " والجميع بنوا رجاءهم على ذلك، بأن يتركوا " ورثة " و " ذكرى " و " باقي " لهم. بالإنجاب تستمر حياتهم. وانطلاقاً من هذا الاعتقاد توصلوا إلى السماح بتعدد الزوجات. لأن الناس لم يكونوا قد آمنوا فعلاً بحياة القيامة، ولم تكن لديهم بعد فكرة أكيدة وواضحة عنها. وهذا ما تؤكده حوادث جرت مع أناس لمعوا بالفضائل، كأيوب مثلاً. أما الآن فبعد أن لمعت شمس القيامة ، صار هذا الرجاء " غير ضروري " قديسنا يضيف أيضاً أنه، بعد أن امتلأت الأرض اليوم بالبشر ، أصبحت الحاجة الآن أن نشتهي " الولادة الروحية " أكثر من " الإنجاب الطبيعي ". وبالنهاية يقول أن " علة الزواج واحدة وهي أن نتجنب الزنى ". أي الزواج هو دواء بالأساس لشهوة الجسد. في نصوص أخرى نراه يقول أن الزواج أدخل لكي " نتعقل ونتعفف " ولكي نصير آباء، لكنه يتابع وخاتماً يقول " أما العلة الأولى والسبب الأساسي بين السابقين هو أن نتعقل ونتعفف †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† ††††††††††††تستحق الرثاء لا المدح. من جهة أخرى عندما شدد قديسنا على أن الإنجاب ليس هدفاً أولاً للزواج. أراد بذلك أن يخلص البتولية من عيب العقر.
أول ما نستخدمه إذاً من تعاليم القديس أن الزواج هو علاج الشفاء الروحي وواسطة للكمال والقداسة وهدفه المحبة أولاً والتعقل والتعفف وإن كان يتكلم بالأكثر عن فائدة الزواج كواسطة للتعقل وتجنب للزنى فهذا لا يعود إلى أن ذلك هو الهدف الأول والغاية الأساسية وإنما نزولاً إلى حاجات سامعيه. القديس فم الذهب يبقى أبداً أميناً على وصية بولس الرسول (1 كور 7،5)، حيث يتضح أن هدف العفة هو المحبة. الاستنتاج الثاني هو أن الإنجاب ليس الهدف الأساسي في الزواج وإنما هو واسطة للكمال الروحي. القديس يطلب الإنجاب لكن دون أن يحتل المكانة الأولى في أهداف الزواج . هذه النظرة العميقة تعود إلى حجر الأساس في تعليم قديسنا، وهو أنه لا ينطلق في نظرته للإنسان من فلسفة فيزيولوجية وإنما من الإيمان بأن الإنسان هو كائن سيسكن السماء. وعندها يغدو الزواج " سراً ". هذه النظرة السامية للزواج هي رد مباشر على الغنوسية من جهة وعلى المفكرين واللاهوتيين الغربيين من جهة أخرى. فالزواج هو عناية إلهية من ضمن التدبير الإلهي المحب للبشر على كل مواقف الأب السليمة والفريدة بوضوحها وجمالها هي السبب الذي جعل نصوصه الحجر الأساس الأول لأغلب الدراسات والمواضيع المختصة بالزواج، الجميع لا ينهلون منه عظاته وحسب وإنما يعتمدون بالأساس على كلماته. هذا ما قوام به مثلاً " مايندروف ".
ترتيب محبة مخلّصة وطاعة مخلّصة
لا تقل نظرة الذهبي الفم الاسختولوجية أهمية في موضوع العلاقات بين كل من الزوجين عن أهميتها في موضوع هدف الزواج وغايته. المثال الأول للحياة الزوجية وطبيعة علاقتها ليس إلا ذلك المعطى من بولس الرسول، أي علاقة المسيح بالكنيسة. بالطبع من البديهي أن تكون هذه العلاقة ذات مفهوم اسختولوجي أي أنها علاقة خلاصية. أي علاقة المحبة المخلّصة بالطاعة المخلّصة، حيث كل من المحبة والطاعة تصيران الواحدة هدية وثمناً للأخرى ، ولكليهما الهدف نفسه والغاية المنشودة عينها. إنها بكلام آخر علاقة الجسم بالرأس. فإن كان يتوجب على المرأة الطاعة فهذا لا يعني أن حقوق الرجل أولاً هي الرئاسة والسيادة وإنما بالجوهر أن واجبه هو المحبة . فالطاعة إذاً لا تتماشى ولا تترافق مع الرئاسة. الرئاسة في النهاية هي مكافأة المحبة فمن يحمل بالأحمال الأثقال أي بالمحبة تهدى له الرئاسة. إن نظرة الذهبي الفم الاسختولوجية تعكس العثرة الاجتماعية العامة. عثرة رسالة العرس، أي أفسس 5 : 22 - 23، فالقديس هنا يشدد على أن الثقل الملقى في هذا المقطع، ثقل الواجبات، ليس هو طاعة المرأة وإنما المحبة التي يصفها بولس ويحمّلها على عاتق الرجل.
هكذا يقول أبونا، يطلب بولس من الرجل محبة كمحبة المسيح لكنيسته، أي أن يعتني، أن يحب أن يهتم وأن يضحي بنفسه من أجل امرأته. هذه المحبة يمكن أن نفهمها كتصور في الفضيلة.
562 لكلام آخر إن طاعة المرأة تزيد من محبة رجلها لها وتجعل تضحيته، هذه التي يصفها بولس ممكنة أو بشكل عكسي أن محبة الرجل هذه السابق وصفها تجعل طاعة المرأة خفية وجميلة. فالطاعة هي الدواء اللازم لمنع الرياء الذي يمكن أن يهدد محبة الرجل هذه. أما المحبة فهي المضاد الذي يمنع التسلط الذي يمكن أن يهدد الطاعة، فأبونا القديس كما يعبّر عن أخلاقياتنا المسيحية اسخاتولوجيا يفترض طاعة المرأة لرجلها وطاعة الرجل لله ومحبة الرجل لامرأته فإن وحدة الزوجين تتم بواسطة المحبة في الطاعة وبالطاعة في المحبة.
563 عندما يفهم فم الذهب ويفسّر اسختولوجيا رئاسة الرجل بأنها العناية. وبالمحبة بما أن الطاعة دخلت بعد السقوط وبعد اضطراب العلاقة بين الزوجين وبعد تزعزع أواصر المحبة ودخول الخطيئة ولم تكن منذ البداية، إذا لها هدف اسختولوجي. هكذا بما أن المرأة هي أول من عصى وضلّ لهذا منذ ذلك الوقت هي من يخضع ويسمع.
564 أضف إلى ذلك أنه بعد السقوط وبعد غياب المحبة الكافية صار التساوي سبباً للاختلاف والتعارك، لهذا أدخلت الطاعة اسختولوجياً وجوهرياً أن الرئاسة لا ترتبط بالجنس المحدد أي بالرجل ولكن بذلك الذي لا يضل ويطيع الله ويحفظ الإيمان، بينما العبودية كدواء جاء بعد السقوط، فإنه من الممكن أن تخلّص المرأة الرجل كما يذكر بولس ذاته (1 كور 7 - 16): وما أدراك أيتها المرأة " لربما تخلّصين الرجل " أي يتبادل هنا الجنسان الرئاسة.
567 وهذا ما درسناه وحللناه بتفصيل أكثر عندما تطرقنا لعلاقة العبوديات والحرية بالفضيلة فكل عبودية ترتبط بخطيئة وكل فضيلة تجلب لنا حرية. على كل وخارج إطار الضلال بالإيمان فإن المرأة أيضاً تسود على الرجل فهي سيدة جسده.
568 لهذا إن زنى الرجل المتزوج يدان أكثر بكثير من زنى غير المتزوج وندعوه فجوراً لأن هذا الأمر لا يشكل فقط تدنيساً للجسد وإنما استغلال لجسد لا نملكه وإنما هو ملك للآخر أي بشكل آخر سرقة واقتناص واختلاس. هذا الفجور هو أبشع من الزنى العادي لأنه لا يلغي فقط العفّة وإنما أيضاً يقتل المحبة كون الذهبي الفم يرى أن شرط وجود المحبة هو تقديم الطاعة والعكس بالعكس شرط تقديم الطاعة تواجد المحبة هذا لا يعني أنه في حالة غياب أحد الشرطين أن تتزعزع العلاقة وتتفكك الروابط لأن كلا المحبة والطاعة يربطهما اسختولوجيا ليس فقط بالعلاقة المتبادلة بين الزوجين وغير الأكيدة بشكل عام. إنما بالعلاقة اسختولوجيا مع الله والأكيدة دائماً. هكذا في حال اضطراب هذه العلاقة المتبادلة ينصح الأب كأن تقدم المحبة أو الطاعة من الطرفين لله هكذا نظرة الأب العميقة اسختولوجيا لا تشرح لنا معنى الرئاسة والطاعة فقط وإنما أيضاً تربط كليهما برابط أقوى من الروابط الاجتماعية ضمن الأطر الحياتية الحقوقية والواجبية وإنما برابط هو الرب.
569 الذهبي الفم يرفض كل فكر عالمي يقدّم كرامة للرجل وبنفس الوقت يحتقر المرأة هذه الأفكار التي لا تنبع من الكتاب ومن فكرته الاسختولوجية وهذا هو الموجود في مجتمعاتنا حتى المتطورة منها التمييز والفصل أما التعليم الكتابي فهو أسلوب وحده. إن فكر الأب الحي الكتابي هو حل عملي وفعلي للمشاكل العصرية حول حقوق وواجبات كل من الزوجين وكل المشاكل الراهنة الاجتماعية بما يختص بحقوق المرأة وعلاقة الجنسين. الذهبي الفم يشير إلى أن النساء يحملن بعض النواقص لكنه يصنّفها في صنفين: فالنوعية الأولى تحتوي النواقص الأخلاقية فمثلاً الزينة الزائدة، الخوف، وغير ذلك. ولكن هذه النواقص ليست في طبيعة المرأة. وإنما تدخل إليها من التربية.
570 ودليل ذلك أن هذه النواقص تتبدل من امرأة إلى امرأة، وأحياناً من المرأة إلى الرجل. فبرهان ذلك أنه يوجد رجال يخافون أو يحملون تلك النواقص السابق ذكرها.
571 بينما نرى نساء يتمتعن بالرجولة والوعي والبساطة على كل، في هذه النواقص يلعب دوراً كبيراً إعجاب الرجال بها والعكس ليس حالة نادرة حين نرى نساء سبقن الرجال في البساطة وشدة الإيمان وشجاعة التقوى والمحبة الخالصة نحو المسيح.
لا يفتأ الذهبي الفم عن التشديد والتكرار لشروحاته، بأي نساء كنّ متصبرات في الجهاد الروحي والفضائل الكتابية والمسيحية. ويردد الكثيرات منهن: سارة ورفقة وراحيل وسيفورة وحنة، اللواتي صرن بإيمانهن وفضائلهن معلمات فعلاً للرجال. على كل، ينوه الذهبي الفم أن بولس الرسول ذاته يعرف هذه الحالات ويعترف بها، وذلك عندما يذكر بريسكلا قبل رجلها أكيلا وذلك لتقدمها عليه بالتقوى والفضيلة.
572 إذا النساء متساويات فعلاً ويمتلكن نفس القوى من الناحية الأخلاقية ويستطعن على وجه السواء أن يسابقن الرجال في التضحية والتكريس للجهادات الروحية وأن ينجحن بذلك.
573 وفي الصف الثاني، أي النوعية الثانية، يصف كل النواقص الطبيعية كما هي، مثلاً، الضعف الجسدي بمقارنة المرأة بالرجل. لكن نواقص كهذه هي امتيازات طبيعية جسدية اسخاتولوجياً أو أخلاقياً لا قيمة للفرق بها. وهذه الامتيازات التي يعطيها العالم المعلمن أهمية. هي بالواقع لا أهمية لها. فالقوة الجسدية حين توجد أو حين تغيب لا تزيد الإنسان كرامة ولا تنقصه منها.
فعندما يجري الكلام عند آبائنا القديسين يجري الكلام بالأخص على طباع نسائية وعلى رجولة. وهذه الطباع ذات المعنى الأخلاقي تأتي من التربية وليس من الطبيعة. لهذا يشدد فم الذهب أن بولس استطاع أن يقول: لا عبد ولا حرّ، لا رجل أيضاً ولا امرأة. لهذا يتابع أبونا ويقول: فلا الطبيعة ولا الضعف الجسدي يمنعان التقوى أو التقدم بسرعة في طريق الكمال. فالمطلوب إذاً أن نطرح عنّا الطباع النسائية لتشتعل فينا الرغبة والهمة، اليقظة والرجولة.
574 فعندما نفسّر القوة بالرجولة عندها تسقط التمييزات العالمية التي بحسبها تصير المرأة أدنى من الرجل. لكنه واقع أن هذا الطبع النسائي سمي هكذا لأن الناس يربونه بالعموم في بناتهم. ونلاحظ أن هذه الاهتمامات المعاكسة للرجولة بشكل عام عند النساء لكن هذا كما ذكرنا لا يعود إلى طبيعتهن ودليل ذلك أن مثل هذه التمييزات تلغى في الكنيسة لأن التربية هنا تختلف عن التربية العالمية. هذا الطبع هو طبع يختص بالنفس وليس بالجسد.
575 في التربية يتوضح السبب الذي من أجله كان الذهبي يشن حروباً.
مقدمة:
إن الفريد والمميز في فكر أبينا فم الذهب هو نظرته للنسك بمنظار اسختولوجي، لذلك لا يغدو النسك فنّاً رهبانياً، حصراً، وإنما فضيلة اجتماعية للجميع.
إن أية دراسة حول الزواج في كتابات أبينا القديس ستقدم الكثير، والمفيد لمجتمعنا المعاصر، وإذا كانت النظرة إلى النسك كفنّ اجتماعي تبدو "غريبة" في مجتمعنا، فهذا يعود بالتحديد إلى أن هذا المجتمع متأثر غالباً باللاهوت الغربي ومعتقداته.
في نصوص وكتابات الآباء الشرقيين الأرثوذكسيين، وفي العمق الاستخولوجي، ينتقل مركز الأهمية من "العزوبية" إلى "النسك"، أي إلى الطريق الضيق المؤدي إلى الحياة. هذا ما نراه، مثلاً، عند قديسين كـ أثناسيوس الكبير، وغريغوريوس النيصصي، ويوحنا الذهبي الفم.
هكذا وبفضل هذه النظرة الاستخولوجية تصبح النهاية الواحدة للطريق الضيق وغايتها المشتركة بتعدد الأساليب فيها. في هذا تمايزت المسيحية منذ فجر نشأتها عن الغنوسية. وانطلاقاً من هذا الأساس السليم نجد أنه عبر تاريخ أدبنا المسيحي شدد آباؤنا على مزايا الرهبنة وفضائلها كما شددوا على مزايا الزواج. على عكس الآباء والكتّاب الغربيون مثل كبريانوس وأمبروسيوس وايرونيموس وأفغوسطينوس، حيث ظهر الميل الشديد إلى البتولية مع الانتقاص من قيمة الزواج بشكل ملاحظ وشديد. من هذه المصادر المتطرفة الأخيرة، وللأسف، تنهل أغلب الدراسات الغربية الانثروبولوجية اليوم، وكنتيجة حتمية. لذلك يلغي فيها التوازن الأخلاقي الموجود بين الزواج والبتولية، الذي نراه عند آبائنا الشرقيين، وهكذا يتحور المفهوم المسيحي الحقيقي وتفسد روح الكتاب عينه كما يخان الفهم الآبائي الصحيح.
حكمة الزواج:
إن الزواج -بحسب مفهوم الذهبي الفم- لا يشكل حجة للكسل والتهاون في سبيل الهدف المشترك لكل المسيحيين أو هرباً من الجهاد المطلوب من الجميع، رغم ذلك بسبب التمييز "الدنيوي الفاسد" و "العالمي" يقطع الزواج عن هدفه الاستخولوجي فينقل هدفه، للأسف، من ملكوت الله إلى المجتمع "، لهذا السبب وفي مثل هذه الحالة، يتحول الزواج إلى " عائق " في طريق الكمال الروحي الواحد لكل المسيحيين. القاعدة الأساسية في فكر أبينا القديس هي أن "الحكمة" في الزواج هي بالذات "الفلسفة المسيحية" التي في الرهبنة. التمييز يجب ألا تكون بين الزواج والبتولية ولكن في درجة الحياة الروحية أينما كانت في الشكلين، ما يميز إنساناً عن آخر هو الخُلق وليس الزواج أو عدمه.
بالنسبة للذهبي الفم، فإن أي أسلوب مدخل بعد السقوط (الزواج)، هو حسن وخير ومن حكمة الله وتدبيره، وله بالنهاية هدف تربوي وغايته شفاء الإنسان الساقط ومداواته، وذلك لأن كل هذه التدابير هي من "العناية الإلهية المحبة للبشر" وتقصد بالنهاية إلى تحقيق التدبير الإلهي للإنسان، أي تألهه وخلاصه.
بعد السقوط غدا الزواج "أمراً مفيداً جداً وضرورياً" بعد أن كان غير ضروري في البداية، فقبل السقوط كانت المحبة للآخر والتعايش المنسجم، والمتوافق معه هو الجو العام السائد، أما بعد السقوط، عندما دخلت الخطيئة، فقد هوى الإنسان من علاقاته الشخصية المحبة للآخر إلى مستوى الفردية والأنانية، وانطوى من الشخص إلى الفرد، هكذا كأناني انطوى على حب ذاته بدل حب الآخر. فمزقت روابط الوحدة وتضعضعت أواصر المحبة. عندها أسرع الرب المحب للبشر وأدخل الشهوة ليحافظ على التلاحم والوحدة بين البشر وهكذا أعاد روابط الوحدة بين الذين سبق وتفرقوا. فالجدان الأولان، قبل السقوط، كانت أواصر المحبة بينهما قوية لدرجة أنهما كانا كـ " واحد ". هكذا ظهر الله في الفردوس بحسب النص الكتابي " يكلم الاثنين كأنه يكلم واحداً ". عناية الله المحبة أوجدت تلك الحياة المشتركة الأولى ذات أواصر محبة قوية جداً. حتى أنه لم يكن لدى المرأة حب أعظم من حبها لشريكها. ولم يكن للرجل حب أعظم من حبه لشريكته. ولكن عندما غلب حب الذات وسيطرت الأنانية، صارت الشهوة عاملاً إيجابياً، بالذات لأنه ينظر إليها كواسطة تعيد إصلاح تلك الوحدة القديمة. هذه الوحدة يحققها الزواج بالفعل عندما يلغى منه كل ما هو خاص وذاتي وأناني ولا يعد ما " لي " وما " لك ". وبالتالي ضمن النظرة الاسختولوجية، الشهوة هي حسنة كدواء هادف وشاف يؤول إلى رباط للمحبة وبالتالي يساعد ويقود في درب الكمال الروحي. فمن ناحية أخرى مفهوم " المثال " كلّه يتلخص في المحبة.
الزواج والتقديس:
1. " والتنازل إلى هذا المقدار ليس إلا دلالة على وجود ضعف شديد يفرضه ". على كل قديسنا يفسّر " التقديس " الذي بدونه لا يستطيع أحد أن يرى الرّب. " بالنسك والجهاد الروحي ". لهذا نراه ينصح أن كان أحد غير متزوج فليحاول أن يبقى بتولاً أو أن يتزوج. وإن كان متزوجاً فليحاول ألا يزني البتة. فالقداسة بالنسبة لفم الذهب ليست حصراً في الحياة الزوجية ولا في الحياة الرهبانية. إنما هي ثمرة الجهاد الروحي الممكن عند المتزوجين والرهبان على السواء. إن كانت القداسة تفسّر بالجهاد الروحي والنسك فإن المقارنة بين المتبتلين والمتزوجين يجب ألا تنحصر في العذرية والعفة فقط وإنما أن تشمل مجمل الفضائل الأخرى كلها. النظرة الاسختولوجية والحقيقية لا تقدّر الإنسان ولا تكرّمه حصراً بسبب الحياة التي يختارها، أتزوجا كانت أم ترهبّا وإنما مقياسها الذي لا يخطئ هو " مستوى الحياة الروحية " أ الحياة بحسب الفضائل المسيحية، القداسة الحاصلة بالنسك.
براهين : لهذا السبب نرى قديسنا الذهبي الفم يكرر باستمرار في عظاته أن الزواج ليس على الإطلاق مانعاً للفضائل المسيحية وليبرهن على صحة رأيه هذا يلجأ إلى رجال الكتاب المقدس أمثال " أنوخ "، " أكيلا " و " برسكيللا " الذين لمعوا في الفضائل المسيحية وهو متزوجون.
3- بالطبع، بعد السقوط وإدخال الموت، الزواج يخدم استمرار النسل البشري. اقليمس الإسكندري وآباء كثيرون آخرون يربطون هدف الزواج بواقع الموت والإنجاب. الولادة، عند بعض الآباء مثل اقليمس السابق ذكره، هي " خلق "، أي بالتالي هي من صورة الله التي بالإنسان. آباء مدافعون مثل ايوستينوس وأثيناغوراس يحددون الهدف الأول للزواج والشهوة الجسدية بالإنجاب، الذي يرونه كحل لمشكلة الموت. الإيمان بأن هدف الزواج هو إنجاب الأولاد نجده ونصادفه عند أغلب آباء اللاتين (الذين كتبوا باللغة اللاتينية وليس اليونانية) مثل امبرسيوس وأفغوسطينوس. لكن أبانا فم الذهب له في هذا الموضوع موقف مميز ومتمايز فضلاً عن نظرته العميقة الاسختولوجية لكل الحياة المسيحية. كنه الزواج وهدفه الأساسي مرتبط بموضوع السقوط ليس من حيث الإنجاب والحفاظ على النسل البشري بالقدر ما هو بالحقيقة واسطة كمال خلقي ونمو روحي للبشر . فهو دواء ليس للموت وإنما للسقوط الروحي. الأب القديس يقول إن الإنجاب يعود لقوة الله ومشيئته بالذات ولكلمته " أكثروا وأنموا". رأيه هذا يسنده إلى الكتاب المقدس عينه الذي يذكر متزوجين لم ينجبوا ولم يصيروا آباء، بينما ولادات كثيرة. كما هي ولادة اسحق، تمت فقط بقوة الكلمة الإلهية وليس بقدرة الجسد. لو لم يخطئ الإنسان في الفردوس ما كان سيصعب على الله أن يكثر البشر بأسلوب ما، وهذا ما تؤكده ولادة آدم وحواء. فلا البتولية تهدد استمرار الجنس البشري ولا الزواج يضمنه. فلو أن الخطية لم تدخل " ما كان سيصعب على الله أن يجد الطريقة، التي كان سيتكاثر بها الجنس البشري ".
بحسب الذهبي الفم، الزواج والشهوة أدخلا بعد السقوط حصراً لأسباب روحية ونسكية، أي للحياة بالمسيح وللكمال الروحي للبشر، إيمانه هذا يبرهنه ليس فقط من الحياة الإنسانية الأولى الفردوسية، وإنما من قيامة المسيح، التي هي وحي للحالة الاسختولوجية المرجوة. ويقول قديسنا أنه، قبل قيامة المسيح ساد الخوف من الموت وتسلط هذا الأخير على حياة البشر، عندما كان الإنجاب أشهى ما لدى البشر لأنه كان استمرار حياتهم " وعزاءهم ضد الموت " والجميع بنوا رجاءهم على ذلك، بأن يتركوا " ورثة " و " ذكرى " و " باقي " لهم. بالإنجاب تستمر حياتهم. وانطلاقاً من هذا الاعتقاد توصلوا إلى السماح بتعدد الزوجات. لأن الناس لم يكونوا قد آمنوا فعلاً بحياة القيامة، ولم تكن لديهم بعد فكرة أكيدة وواضحة عنها. وهذا ما تؤكده حوادث جرت مع أناس لمعوا بالفضائل، كأيوب مثلاً. أما الآن فبعد أن لمعت شمس القيامة ، صار هذا الرجاء " غير ضروري " قديسنا يضيف أيضاً أنه، بعد أن امتلأت الأرض اليوم بالبشر ، أصبحت الحاجة الآن أن نشتهي " الولادة الروحية " أكثر من " الإنجاب الطبيعي ". وبالنهاية يقول أن " علة الزواج واحدة وهي أن نتجنب الزنى ". أي الزواج هو دواء بالأساس لشهوة الجسد. في نصوص أخرى نراه يقول أن الزواج أدخل لكي " نتعقل ونتعفف " ولكي نصير آباء، لكنه يتابع وخاتماً يقول " أما العلة الأولى والسبب الأساسي بين السابقين هو أن نتعقل ونتعفف †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† †††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††††† ††††††††††††تستحق الرثاء لا المدح. من جهة أخرى عندما شدد قديسنا على أن الإنجاب ليس هدفاً أولاً للزواج. أراد بذلك أن يخلص البتولية من عيب العقر.
أول ما نستخدمه إذاً من تعاليم القديس أن الزواج هو علاج الشفاء الروحي وواسطة للكمال والقداسة وهدفه المحبة أولاً والتعقل والتعفف وإن كان يتكلم بالأكثر عن فائدة الزواج كواسطة للتعقل وتجنب للزنى فهذا لا يعود إلى أن ذلك هو الهدف الأول والغاية الأساسية وإنما نزولاً إلى حاجات سامعيه. القديس فم الذهب يبقى أبداً أميناً على وصية بولس الرسول (1 كور 7،5)، حيث يتضح أن هدف العفة هو المحبة. الاستنتاج الثاني هو أن الإنجاب ليس الهدف الأساسي في الزواج وإنما هو واسطة للكمال الروحي. القديس يطلب الإنجاب لكن دون أن يحتل المكانة الأولى في أهداف الزواج . هذه النظرة العميقة تعود إلى حجر الأساس في تعليم قديسنا، وهو أنه لا ينطلق في نظرته للإنسان من فلسفة فيزيولوجية وإنما من الإيمان بأن الإنسان هو كائن سيسكن السماء. وعندها يغدو الزواج " سراً ". هذه النظرة السامية للزواج هي رد مباشر على الغنوسية من جهة وعلى المفكرين واللاهوتيين الغربيين من جهة أخرى. فالزواج هو عناية إلهية من ضمن التدبير الإلهي المحب للبشر على كل مواقف الأب السليمة والفريدة بوضوحها وجمالها هي السبب الذي جعل نصوصه الحجر الأساس الأول لأغلب الدراسات والمواضيع المختصة بالزواج، الجميع لا ينهلون منه عظاته وحسب وإنما يعتمدون بالأساس على كلماته. هذا ما قوام به مثلاً " مايندروف ".
ترتيب محبة مخلّصة وطاعة مخلّصة
لا تقل نظرة الذهبي الفم الاسختولوجية أهمية في موضوع العلاقات بين كل من الزوجين عن أهميتها في موضوع هدف الزواج وغايته. المثال الأول للحياة الزوجية وطبيعة علاقتها ليس إلا ذلك المعطى من بولس الرسول، أي علاقة المسيح بالكنيسة. بالطبع من البديهي أن تكون هذه العلاقة ذات مفهوم اسختولوجي أي أنها علاقة خلاصية. أي علاقة المحبة المخلّصة بالطاعة المخلّصة، حيث كل من المحبة والطاعة تصيران الواحدة هدية وثمناً للأخرى ، ولكليهما الهدف نفسه والغاية المنشودة عينها. إنها بكلام آخر علاقة الجسم بالرأس. فإن كان يتوجب على المرأة الطاعة فهذا لا يعني أن حقوق الرجل أولاً هي الرئاسة والسيادة وإنما بالجوهر أن واجبه هو المحبة . فالطاعة إذاً لا تتماشى ولا تترافق مع الرئاسة. الرئاسة في النهاية هي مكافأة المحبة فمن يحمل بالأحمال الأثقال أي بالمحبة تهدى له الرئاسة. إن نظرة الذهبي الفم الاسختولوجية تعكس العثرة الاجتماعية العامة. عثرة رسالة العرس، أي أفسس 5 : 22 - 23، فالقديس هنا يشدد على أن الثقل الملقى في هذا المقطع، ثقل الواجبات، ليس هو طاعة المرأة وإنما المحبة التي يصفها بولس ويحمّلها على عاتق الرجل.
هكذا يقول أبونا، يطلب بولس من الرجل محبة كمحبة المسيح لكنيسته، أي أن يعتني، أن يحب أن يهتم وأن يضحي بنفسه من أجل امرأته. هذه المحبة يمكن أن نفهمها كتصور في الفضيلة.
562 لكلام آخر إن طاعة المرأة تزيد من محبة رجلها لها وتجعل تضحيته، هذه التي يصفها بولس ممكنة أو بشكل عكسي أن محبة الرجل هذه السابق وصفها تجعل طاعة المرأة خفية وجميلة. فالطاعة هي الدواء اللازم لمنع الرياء الذي يمكن أن يهدد محبة الرجل هذه. أما المحبة فهي المضاد الذي يمنع التسلط الذي يمكن أن يهدد الطاعة، فأبونا القديس كما يعبّر عن أخلاقياتنا المسيحية اسخاتولوجيا يفترض طاعة المرأة لرجلها وطاعة الرجل لله ومحبة الرجل لامرأته فإن وحدة الزوجين تتم بواسطة المحبة في الطاعة وبالطاعة في المحبة.
563 عندما يفهم فم الذهب ويفسّر اسختولوجيا رئاسة الرجل بأنها العناية. وبالمحبة بما أن الطاعة دخلت بعد السقوط وبعد اضطراب العلاقة بين الزوجين وبعد تزعزع أواصر المحبة ودخول الخطيئة ولم تكن منذ البداية، إذا لها هدف اسختولوجي. هكذا بما أن المرأة هي أول من عصى وضلّ لهذا منذ ذلك الوقت هي من يخضع ويسمع.
564 أضف إلى ذلك أنه بعد السقوط وبعد غياب المحبة الكافية صار التساوي سبباً للاختلاف والتعارك، لهذا أدخلت الطاعة اسختولوجياً وجوهرياً أن الرئاسة لا ترتبط بالجنس المحدد أي بالرجل ولكن بذلك الذي لا يضل ويطيع الله ويحفظ الإيمان، بينما العبودية كدواء جاء بعد السقوط، فإنه من الممكن أن تخلّص المرأة الرجل كما يذكر بولس ذاته (1 كور 7 - 16): وما أدراك أيتها المرأة " لربما تخلّصين الرجل " أي يتبادل هنا الجنسان الرئاسة.
567 وهذا ما درسناه وحللناه بتفصيل أكثر عندما تطرقنا لعلاقة العبوديات والحرية بالفضيلة فكل عبودية ترتبط بخطيئة وكل فضيلة تجلب لنا حرية. على كل وخارج إطار الضلال بالإيمان فإن المرأة أيضاً تسود على الرجل فهي سيدة جسده.
568 لهذا إن زنى الرجل المتزوج يدان أكثر بكثير من زنى غير المتزوج وندعوه فجوراً لأن هذا الأمر لا يشكل فقط تدنيساً للجسد وإنما استغلال لجسد لا نملكه وإنما هو ملك للآخر أي بشكل آخر سرقة واقتناص واختلاس. هذا الفجور هو أبشع من الزنى العادي لأنه لا يلغي فقط العفّة وإنما أيضاً يقتل المحبة كون الذهبي الفم يرى أن شرط وجود المحبة هو تقديم الطاعة والعكس بالعكس شرط تقديم الطاعة تواجد المحبة هذا لا يعني أنه في حالة غياب أحد الشرطين أن تتزعزع العلاقة وتتفكك الروابط لأن كلا المحبة والطاعة يربطهما اسختولوجيا ليس فقط بالعلاقة المتبادلة بين الزوجين وغير الأكيدة بشكل عام. إنما بالعلاقة اسختولوجيا مع الله والأكيدة دائماً. هكذا في حال اضطراب هذه العلاقة المتبادلة ينصح الأب كأن تقدم المحبة أو الطاعة من الطرفين لله هكذا نظرة الأب العميقة اسختولوجيا لا تشرح لنا معنى الرئاسة والطاعة فقط وإنما أيضاً تربط كليهما برابط أقوى من الروابط الاجتماعية ضمن الأطر الحياتية الحقوقية والواجبية وإنما برابط هو الرب.
569 الذهبي الفم يرفض كل فكر عالمي يقدّم كرامة للرجل وبنفس الوقت يحتقر المرأة هذه الأفكار التي لا تنبع من الكتاب ومن فكرته الاسختولوجية وهذا هو الموجود في مجتمعاتنا حتى المتطورة منها التمييز والفصل أما التعليم الكتابي فهو أسلوب وحده. إن فكر الأب الحي الكتابي هو حل عملي وفعلي للمشاكل العصرية حول حقوق وواجبات كل من الزوجين وكل المشاكل الراهنة الاجتماعية بما يختص بحقوق المرأة وعلاقة الجنسين. الذهبي الفم يشير إلى أن النساء يحملن بعض النواقص لكنه يصنّفها في صنفين: فالنوعية الأولى تحتوي النواقص الأخلاقية فمثلاً الزينة الزائدة، الخوف، وغير ذلك. ولكن هذه النواقص ليست في طبيعة المرأة. وإنما تدخل إليها من التربية.
570 ودليل ذلك أن هذه النواقص تتبدل من امرأة إلى امرأة، وأحياناً من المرأة إلى الرجل. فبرهان ذلك أنه يوجد رجال يخافون أو يحملون تلك النواقص السابق ذكرها.
571 بينما نرى نساء يتمتعن بالرجولة والوعي والبساطة على كل، في هذه النواقص يلعب دوراً كبيراً إعجاب الرجال بها والعكس ليس حالة نادرة حين نرى نساء سبقن الرجال في البساطة وشدة الإيمان وشجاعة التقوى والمحبة الخالصة نحو المسيح.
لا يفتأ الذهبي الفم عن التشديد والتكرار لشروحاته، بأي نساء كنّ متصبرات في الجهاد الروحي والفضائل الكتابية والمسيحية. ويردد الكثيرات منهن: سارة ورفقة وراحيل وسيفورة وحنة، اللواتي صرن بإيمانهن وفضائلهن معلمات فعلاً للرجال. على كل، ينوه الذهبي الفم أن بولس الرسول ذاته يعرف هذه الحالات ويعترف بها، وذلك عندما يذكر بريسكلا قبل رجلها أكيلا وذلك لتقدمها عليه بالتقوى والفضيلة.
572 إذا النساء متساويات فعلاً ويمتلكن نفس القوى من الناحية الأخلاقية ويستطعن على وجه السواء أن يسابقن الرجال في التضحية والتكريس للجهادات الروحية وأن ينجحن بذلك.
573 وفي الصف الثاني، أي النوعية الثانية، يصف كل النواقص الطبيعية كما هي، مثلاً، الضعف الجسدي بمقارنة المرأة بالرجل. لكن نواقص كهذه هي امتيازات طبيعية جسدية اسخاتولوجياً أو أخلاقياً لا قيمة للفرق بها. وهذه الامتيازات التي يعطيها العالم المعلمن أهمية. هي بالواقع لا أهمية لها. فالقوة الجسدية حين توجد أو حين تغيب لا تزيد الإنسان كرامة ولا تنقصه منها.
فعندما يجري الكلام عند آبائنا القديسين يجري الكلام بالأخص على طباع نسائية وعلى رجولة. وهذه الطباع ذات المعنى الأخلاقي تأتي من التربية وليس من الطبيعة. لهذا يشدد فم الذهب أن بولس استطاع أن يقول: لا عبد ولا حرّ، لا رجل أيضاً ولا امرأة. لهذا يتابع أبونا ويقول: فلا الطبيعة ولا الضعف الجسدي يمنعان التقوى أو التقدم بسرعة في طريق الكمال. فالمطلوب إذاً أن نطرح عنّا الطباع النسائية لتشتعل فينا الرغبة والهمة، اليقظة والرجولة.
574 فعندما نفسّر القوة بالرجولة عندها تسقط التمييزات العالمية التي بحسبها تصير المرأة أدنى من الرجل. لكنه واقع أن هذا الطبع النسائي سمي هكذا لأن الناس يربونه بالعموم في بناتهم. ونلاحظ أن هذه الاهتمامات المعاكسة للرجولة بشكل عام عند النساء لكن هذا كما ذكرنا لا يعود إلى طبيعتهن ودليل ذلك أن مثل هذه التمييزات تلغى في الكنيسة لأن التربية هنا تختلف عن التربية العالمية. هذا الطبع هو طبع يختص بالنفس وليس بالجسد.
575 في التربية يتوضح السبب الذي من أجله كان الذهبي يشن حروباً.