شالتواضع
هو الفضيلة الأولى
أريد في هذا المقال أن أكلمكم عن فضيلة جميلة وأساسية وهي الاتضاع .
الاتضاع هو الفضيلة الأولى في الحياة الروحية .
الاتضاع هو السور الذي يحمي الفضائل ويحمي المواهب ، وكل فضيلة خالية من التضاع ، عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل ، ويبددها الزهو والفخر والاعجاب بالنفس .
لذلك إذا أعطاك الله موهبة من مواهبه ، ابتهل إليه أن يعطيك معها إتضاعاً ، أو أن يأخذها منك ، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك .
الاتضاع إذن هو الأساس الذي نبني عليه جميع الفضائل .
ليس هو فضيلة قائمة بذاتها ، إنما هو متداخل في جميع الفضائل ، مثله كالخيط الذي يدخل في كل حبات المسبحة .
والله يعطي مواهبه للمتواضعين ، لأنه يعرف أنها لا تؤذيهم . ويقول الكتاب المقدس إن الله يكشف أسراره للمتضعين .. هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجداً ، زادوا هم إنسحاقاً قدامه .
من أجل كل هذا دعانا الله جميعاً أن نكون متضعين . وقد كان الاتضاع والوداعة ، إحدى سمات السيد المسيح البارزة التي حببته إلى الكل .. وقد وصفه الإنجيل المقدس بأنه كان : (( وديعاً ومتواضع القلب )) .
وقد اتقن القديسون الاتضاع بصورة عجيبة ..
ولم يتواضعوا فقط أمام الله والناس ، بل حتى أمام الشياطين ، وهزمهم بهذا الاتضاع .
القديس العظيم الانبا انطونيوس أبو الرهبنة كلها ، عندما كان الشياطين يحاربونه في عنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلاً : ] أيها الأقوياء ، ماذا تريدون مني أنا الضعيف ، وأنا عاجز عن مقاتلة أصغركم [ !! وكان يصلي إلى الله قائلاً : ] انقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء ، وأنا تراب ورماد [ ... فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعاً ، كانوا ينقشعون كالدخان .
وفي إحدى المرات ظهر الشيطان للمتوحد الناسك القديس مقاريوس الكبير وقال له : " ويلاه منك يا مقاره ، أي شيء أنت تعلمه ونحن لا نعمله ؟! أنت تصوم ، ونحن لا نأكل . وأنت تسهر ، ونحن لا ننام ، وأنت تسكن البراري والقفار ، ونحن كذلك ، ولكن بشيء واحد تغلبنا " فسأله عن هذا الشيء . فقال : " بتواضعك تغلبنا " ..
في مرة أخرى أبصر القديس الانبا انطونيوس فخاخ الشياطين منصوبة ، فألقى نفسه على الأرض أمام الله ، وصرخ قائلاً : ] يا رب ، من يستطيع أن يخلص منها ؟ [ فأتاه صوت يقول : ] المتواضعين يخلصون منها [ .
إن كان التواضع بهذه القوة التي تهزم الشياطين ، فما هو التواضع إذن ؟
التواضع هو أن تعرف ضعفك ، وأن تعرف سقطاتك وخطاياك ، وأن تعامل نفسك على هذا الأساس .
ليس التواضع أن تشعر بأنك كبير أو أعظم ، وتحاول أن تتصاغر أو أن تخفي عظمتك .. فشعورك بأنك كبير فيه نوع من الكبرياء . وشعورك بأنك تخفي عظمتك فيه إحساس بالعظمة ، إحساس بعظمة تخفيها عن الناس ، ولكنها واضحة أمام نفسك .
أما التواضع الحقيقي فهو تواضع أمام نفسك أولاً . شعور حقيقي غير زائف ، في داخل نفسك ، إنك ضعيف وخاطيء حتى في عمق قوتك تشعر أن القوة ليست منك ، إنما هي منحة سماوية من الله لك ، أما أنت فبطبيعتك غير ذلك .
اعرف يا أخي من أنت ، فهذه المعرفة تقودك إلى الاتضاع . إنك تراب من الأرض . بل التراب أقدم منك ، وجد قبل أن تكون . خلقه الله أولاً، ثم خلقك من تراب.
أتذكر أنني ناجيت هذا التراب ذات مرة في بضعة أبيات قلت فيها :
يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طرا
أنت أصلي ، أنت يا أقدم من آدم عمراً
ومصيري أنت في القبر ، إذا وسدت قبراً
بل انك يا أخي ، إذا فكرت في الأمر باتضاع ، تجد أن هذا التراب لم يغضب الله كما أغضبته أنت بخطاياك ..
لذلك أقول لك حقيقة هامة وهي :
إن المتواضع الوحيد هو الله .
الله هو الكبير الذي يتنازل و يكلمنا نحن الصغار ، وهو القدوس الذي يتنازل ويعاملنا نحن الخطاة .
أما نحن فالتواضع بالنسبة إلينا . ليس تنازلاً ، وإنما هو مجرد معرفة للذات .
إن عرفت هذا ، فعامل نفسك إذن بما تستوجبه هذه المعرفة ، ولا تطلب من الناس كرامة ولا مجداً . وإن حوربت بهذا الأمر ، رد على نفسك وقل : ] أنا لا أستحق شيئاً بسبب خطاياي .. وإن كان الله من فرط رحمته قد ستر خطاياي عن الناس ، ولكنني أعرفها جيداً ولا أنساها لئلا أتكبر باطلاً [ ..
إحذر من أن تنسى خطاياك ، لئلا تنتفخ ،وتظن في نفسك الظنون ، وتذكر قول ذلك القديس الذي قال :
] إن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله . وإن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله [ .
اعترف بخطايانا أمام نفسك ، وأمام الله ، وإن استطعت فأمام الناس الناس أيضاً.
وإن لم تستطع ، فعلى الأقل لا تمدح ذاتك أمامهم ، ولا تقبل مديحهم لك وإن سمعته أذناك ، فليرفضه قلبك وعقلك ..
ولا تسع وراء الكرامة . هربت منه ، ومن هرب منها بمعرفة ، سعت وراءه [ .
ولا يكن تواضعك مظهرياً ، أو باللسان فقط ، إنما ليكن تواضعاً حقيقياً من عمق القلب ، وبيقين داخلي ، ليكن تواضعاً بالروح .
وإن عشت بالتواضع ، ستحيا باستمرار في حياة الشكر .. ستشكر الله على كل شيء وفي كل حال ، شاعراً على الدوام أن الله يعطيك فوق ما تستحق .
أما غير المتواضع ، فإنه يكون في كثير من الأحيان متذمراً ومتضجراً ، شاعراً أنه لم ينل بعد ما يستحقه ، وأنه يستحق الكثير ، وأنه مظلوم ، من الناس ومن الله !!
والشخص المتواضع يعيش في سلام مع الكل ، لا يغضب من أحد ، ولا يغضب أحداً . لا يغضب من أحد ، لأنه باستمرار يلوم نفسه ، ولا يلوم الناس . ولا يغضب أحداً ، لأنه يطلب بركة كل أحد وصلواته .
فلنكن جميعاً متضعين لكي نكون أهلاً لعمل الله فينا ، الله الذي لا يحد الذي تنازل واهتم بنا ، له المجد الدائم إلى الأبد آمين .
هو الفضيلة الأولى
أريد في هذا المقال أن أكلمكم عن فضيلة جميلة وأساسية وهي الاتضاع .
الاتضاع هو الفضيلة الأولى في الحياة الروحية .
الاتضاع هو السور الذي يحمي الفضائل ويحمي المواهب ، وكل فضيلة خالية من التضاع ، عرضة أن يختطفها شيطان المجد الباطل ، ويبددها الزهو والفخر والاعجاب بالنفس .
لذلك إذا أعطاك الله موهبة من مواهبه ، ابتهل إليه أن يعطيك معها إتضاعاً ، أو أن يأخذها منك ، لئلا تقع بسببها في الكبرياء وتهلك .
الاتضاع إذن هو الأساس الذي نبني عليه جميع الفضائل .
ليس هو فضيلة قائمة بذاتها ، إنما هو متداخل في جميع الفضائل ، مثله كالخيط الذي يدخل في كل حبات المسبحة .
والله يعطي مواهبه للمتواضعين ، لأنه يعرف أنها لا تؤذيهم . ويقول الكتاب المقدس إن الله يكشف أسراره للمتضعين .. هؤلاء الذين كلما زادهم الله مجداً ، زادوا هم إنسحاقاً قدامه .
من أجل كل هذا دعانا الله جميعاً أن نكون متضعين . وقد كان الاتضاع والوداعة ، إحدى سمات السيد المسيح البارزة التي حببته إلى الكل .. وقد وصفه الإنجيل المقدس بأنه كان : (( وديعاً ومتواضع القلب )) .
وقد اتقن القديسون الاتضاع بصورة عجيبة ..
ولم يتواضعوا فقط أمام الله والناس ، بل حتى أمام الشياطين ، وهزمهم بهذا الاتضاع .
القديس العظيم الانبا انطونيوس أبو الرهبنة كلها ، عندما كان الشياطين يحاربونه في عنف، كان يرد عليهم باتضاع قائلاً : ] أيها الأقوياء ، ماذا تريدون مني أنا الضعيف ، وأنا عاجز عن مقاتلة أصغركم [ !! وكان يصلي إلى الله قائلاً : ] انقذني يا رب من هؤلاء الذين يظنون أنني شيء ، وأنا تراب ورماد [ ... فعندما كان الشياطين يسمعون هذه الصلاة الممتلئة اتضاعاً ، كانوا ينقشعون كالدخان .
وفي إحدى المرات ظهر الشيطان للمتوحد الناسك القديس مقاريوس الكبير وقال له : " ويلاه منك يا مقاره ، أي شيء أنت تعلمه ونحن لا نعمله ؟! أنت تصوم ، ونحن لا نأكل . وأنت تسهر ، ونحن لا ننام ، وأنت تسكن البراري والقفار ، ونحن كذلك ، ولكن بشيء واحد تغلبنا " فسأله عن هذا الشيء . فقال : " بتواضعك تغلبنا " ..
في مرة أخرى أبصر القديس الانبا انطونيوس فخاخ الشياطين منصوبة ، فألقى نفسه على الأرض أمام الله ، وصرخ قائلاً : ] يا رب ، من يستطيع أن يخلص منها ؟ [ فأتاه صوت يقول : ] المتواضعين يخلصون منها [ .
إن كان التواضع بهذه القوة التي تهزم الشياطين ، فما هو التواضع إذن ؟
التواضع هو أن تعرف ضعفك ، وأن تعرف سقطاتك وخطاياك ، وأن تعامل نفسك على هذا الأساس .
ليس التواضع أن تشعر بأنك كبير أو أعظم ، وتحاول أن تتصاغر أو أن تخفي عظمتك .. فشعورك بأنك كبير فيه نوع من الكبرياء . وشعورك بأنك تخفي عظمتك فيه إحساس بالعظمة ، إحساس بعظمة تخفيها عن الناس ، ولكنها واضحة أمام نفسك .
أما التواضع الحقيقي فهو تواضع أمام نفسك أولاً . شعور حقيقي غير زائف ، في داخل نفسك ، إنك ضعيف وخاطيء حتى في عمق قوتك تشعر أن القوة ليست منك ، إنما هي منحة سماوية من الله لك ، أما أنت فبطبيعتك غير ذلك .
اعرف يا أخي من أنت ، فهذه المعرفة تقودك إلى الاتضاع . إنك تراب من الأرض . بل التراب أقدم منك ، وجد قبل أن تكون . خلقه الله أولاً، ثم خلقك من تراب.
أتذكر أنني ناجيت هذا التراب ذات مرة في بضعة أبيات قلت فيها :
يا تراب الأرض يا جدي وجد الناس طرا
أنت أصلي ، أنت يا أقدم من آدم عمراً
ومصيري أنت في القبر ، إذا وسدت قبراً
بل انك يا أخي ، إذا فكرت في الأمر باتضاع ، تجد أن هذا التراب لم يغضب الله كما أغضبته أنت بخطاياك ..
لذلك أقول لك حقيقة هامة وهي :
إن المتواضع الوحيد هو الله .
الله هو الكبير الذي يتنازل و يكلمنا نحن الصغار ، وهو القدوس الذي يتنازل ويعاملنا نحن الخطاة .
أما نحن فالتواضع بالنسبة إلينا . ليس تنازلاً ، وإنما هو مجرد معرفة للذات .
إن عرفت هذا ، فعامل نفسك إذن بما تستوجبه هذه المعرفة ، ولا تطلب من الناس كرامة ولا مجداً . وإن حوربت بهذا الأمر ، رد على نفسك وقل : ] أنا لا أستحق شيئاً بسبب خطاياي .. وإن كان الله من فرط رحمته قد ستر خطاياي عن الناس ، ولكنني أعرفها جيداً ولا أنساها لئلا أتكبر باطلاً [ ..
إحذر من أن تنسى خطاياك ، لئلا تنتفخ ،وتظن في نفسك الظنون ، وتذكر قول ذلك القديس الذي قال :
] إن نسينا خطايانا ، يذكرها لنا الله . وإن ذكرنا خطايانا ، ينساها لنا الله [ .
اعترف بخطايانا أمام نفسك ، وأمام الله ، وإن استطعت فأمام الناس الناس أيضاً.
وإن لم تستطع ، فعلى الأقل لا تمدح ذاتك أمامهم ، ولا تقبل مديحهم لك وإن سمعته أذناك ، فليرفضه قلبك وعقلك ..
ولا تسع وراء الكرامة . هربت منه ، ومن هرب منها بمعرفة ، سعت وراءه [ .
ولا يكن تواضعك مظهرياً ، أو باللسان فقط ، إنما ليكن تواضعاً حقيقياً من عمق القلب ، وبيقين داخلي ، ليكن تواضعاً بالروح .
وإن عشت بالتواضع ، ستحيا باستمرار في حياة الشكر .. ستشكر الله على كل شيء وفي كل حال ، شاعراً على الدوام أن الله يعطيك فوق ما تستحق .
أما غير المتواضع ، فإنه يكون في كثير من الأحيان متذمراً ومتضجراً ، شاعراً أنه لم ينل بعد ما يستحقه ، وأنه يستحق الكثير ، وأنه مظلوم ، من الناس ومن الله !!
والشخص المتواضع يعيش في سلام مع الكل ، لا يغضب من أحد ، ولا يغضب أحداً . لا يغضب من أحد ، لأنه باستمرار يلوم نفسه ، ولا يلوم الناس . ولا يغضب أحداً ، لأنه يطلب بركة كل أحد وصلواته .
فلنكن جميعاً متضعين لكي نكون أهلاً لعمل الله فينا ، الله الذي لا يحد الذي تنازل واهتم بنا ، له المجد الدائم إلى الأبد آمين .
Comment