" شرعيّة السلطان"
ماريا قبارة
========
إنّ سلطان الكنيسة على المؤمنين هو سلطان الخدمة العاملة بالمحبة من أجل خلاص الناس كلّ الناس حتى يتم سرور ورضى أبانا الذي في السموات الذي أرسلَ ابنه الوحيد من أجل فدائنا أفلا يهبنا معه كلّ شيء؟!
ومن هذه الحقيقة تنطلق كلّ خدمة منذ أيام الرسل الأولى إلى يومنا هذا منذ أن أرسلهم اثنين اثنين ليشفوا كلّ مرضٍ ويشددوا كلّ ضعف في الشعب "لأنه مجاناً أخذتم".
إذاً خادم الله مديون أبداً لذلك الذي أعطاه مجاناً كرامةَ الكهنوت، و اقتبل من يديه الخدمة لأنَّه متواضع وكليّ المحبة والرأفة لا عن استحقاق لأنّه ما من صالح إلاّ الله.
وبمقدار ما ينتبه الإكليريكي دائماً إلى هذه المنّة العظيمة ويقدرها ويحيا تأمّل الكلمة الإلهية والعيش بمقتضاها قدر ما يمنح الله له وقدر ما يسمح لله أن يعمل فيه ساعياً كي يصلَ إلى ملء قامة المسيح وليس له في فكره إلاّ مشيئة سيده، سيد المحبة وراعي الخلاص لكلّ البشرية.
من هنا يتجسد سلطان الكنيسة ومن هنا فقط يتحقق القصد الإلهي من كلّ تدبير رأيناه منذ بدء الوعد بالخلاص لحواء في الفردوس. ومن هنا أيضاً يفقد سلطان الكنيسة شرعيته حين يبتعد عن تحقيق خلاص الإنسان، كلّ إنسان دعاه الله إلى الوجود.
ربما إدارياً لا يحدث هذا وتبقى القوانين سائدة ومتحكمة إنما لا يعني هذا أنّها شرعية، هذا إن أغفلنا الإشارة إلى الحكم القاسي الذي أصدره السيد على من تأتي العثرة عن طريقه وهنا لا يحقّ للكاهن أن يتعلل بعلل الخطايا ويدّعي التعثر في كلّ آن ليحقق مشيئته الضيقة، فإفشين التقدمة يقول: "من أجل خطايانا (للكهنة) وجهالات الشعب".
فالشعب إذا أعثر فهو جاهل، أمّا الكاهن إن فعل فهو خاطئ لأنّ دعوته هي أن يساهم في خلاص الأخوة ومن أجلهم يقدّس ذاته ويرتفع ويسمو عن كلّ ضعف مقدماً ارتفاع يديه ذبيحة مسائية للسيد كي ينقيه ويعضده من أجل كمال الخدمة وسرور الآب السماوي فتكون صلاته الذبيحة وليس قلوب المؤمنين وكرامتهم.
واحدة من هذه الممارسات اللاشرعية للسلطان المعطى للكهنوت تلك التي تمارس على النساء بشأن غطاء الرأس المنصوص عنها في الرسالة إلى كورنثوس، وربّ قائل لنا من أين أتينا بصفة اللاشرعية؟ الجواب في طيَّات الإنجيل نفسه، إنّ في هذا تسلط لم يمارسه السيد لا على الزانية ولا على السامريّة، وفي التسلط تقزيم للآخر واضطهاده ونبذه عن الوليمة التي أعدَّها السيد بنفسه من أجله.
فعندما خلق الرب الإله حوّاء في الفردوس، خلقها من ضلع آدم، وسمح بوجودهما الخلقي العاري في حضرته، ولم يعطِ الرب الإله حواء غطاء للرأس. وبسبب السقوط في العصيان ستر الربّ العري نتيجة التعدي فصنع لهما أغطية من جلدٍ وغطى عورتهما وليس رؤوسهما "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك25:2، تك21:3)
وفي العهد القديم هناك شخصيات كتابية عظيمة جداً، كدبورة النبيّة وراعوث وأستير، لا يذكر الكتاب أنهنّ كنّ يغطين رؤوسهنّ أو يمتنعن عن التعليم في حضرة الرجال
كما أن العهد القديم بكلّ تشريعه الناموسي لا يوجد فيه تشريع في وضع غطاء الرأس للمرأة في الصلاة، فقط من كانت تقع في خطيئة الزنى تلك تغطي رأسها أمام الكاهن بسبب خطيئتها
أما اليوم فما أكثر الاجتهادات من كهنة ودارسين يستندون بقوة على قول الرسول بولس في كورنثوس (1كور11)، بأن على المرأة أن تلبس غطاء الرأس في الكنيسة وتمتنع عن التعليم والوعظ في حضرة الرجال
بالنسبة لغطاء الرأس علينا العودة للسبب الذي جعلَ بولس الرسول يقول هذا، ومعرفة الدوافع الاجتماعية والليتورجية والتاريخية التي كانت سائدة في كورنثوس في تلك الفترة
يعالج الرسول هنا النظام الواجب في الاجتماعات الليتورجية المسيحيّة في كورنثوس. ويشدّد على ما سبق في تقليد كورنثوس أن يصلي الرجل في الجماعة مكشوف الرأس وأن تصلي المرأة ورأسها مغطى
المبدأ الديني الأساس في نظر بولس الرسول لتكوين الجماعة المسيحية وتنظيمها الزمني ليظهر المسيح صورة ومجداً لله الآب، والرجل صورة ومجداً للمسيح، والمرأة صورة ومجداً للرجل.
ويرى بولس الرسول في غطاء الرأس للمرأة المتزوجة، كما الأقدمون، "سلطان" أيّ علامة لكرامتها الزوجية، وبها تشترك في سلطان الرجل وتتعلق به وحده وتتحرر من جميع الرجال. وبالرغم من قوله أن المرأة هي من الرجل وهي للرجل "لان الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل" (1كور8:11-9)، يعود فيكمل "غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب، لأنه كما أنّ المرأة هي من الرجل هكذا أيضاً هو بالمرأة. ولكن جميع الأشياء هي من الله" (1كور11:11-13)، فيساوي بولس الرسول المرأة بالرجل
هذا المقطع هو المقطع الوحيد للرسول بولس الذي يتكلم فيه عن غطاء رأس المرأة، فهو يتكلم بشكلّ خاص ومحدد لكنيسة كورنثوس. وكلّ هذا مألوفاً في عصر بولس الرسول!
أما اليوم فعلينا أن نتفادى الوقوع في قبضة التطرف الديني والتزمت المرافق بالسلطة على النساء بوضع غطاء الرأس، فهذا الأمر هو حتماً يعود إلى حرية النساء وقبولهن بتعليم بولس الرسول اليوم، وليس بسلطة الكهنوت وباسم الرسول. فإن لعالم اليوم مفاهيم لا يمكننا اجتنابها إذا أردنا أن نبتلع العالم ونحوله إلى السيد.
ومن جهة أخرى لا يعني أن تكون المرأة غير محتشمة اللباس في الكنيسة ولكن لننتبه ألاّ يُفرض الغطاء على لباس غير محتشم، فالمرأة التي تغطي رأسها أمام الرب ولا تغطي قلبها فلا ينفعها شيء سوى التشبث الظاهري بالامور. فالرب موجود بحضرته الإلهية في كلّ زمان ومكان
ومن هنا فإن الحياة في الكنيسة هي حياة يومية و لاتتعلق فقط في أوان الذهاب إلى الكنيسة، لذلك تربية الحشمة ضرورية ومنبثقة من تربية العفة في القلب مع الأخذ بعين الاعتبار أن مقاييس الحشمة اليوم تختلف عما كان سائداً بالأمس، بل وبالأمس القريب جداً، ولأنّ الوصية تقول: "كونوا حكماء كالحيّات"، ولأنّ بولس الرسول نفسه قدوة لنا عندما كان مع اليهودي كيهودي ومع اليوناني كيوناني علينا أن نربح الجميع للمسيح.
((منقول طبعاً))
ماريا قبارة
========
إنّ سلطان الكنيسة على المؤمنين هو سلطان الخدمة العاملة بالمحبة من أجل خلاص الناس كلّ الناس حتى يتم سرور ورضى أبانا الذي في السموات الذي أرسلَ ابنه الوحيد من أجل فدائنا أفلا يهبنا معه كلّ شيء؟!
ومن هذه الحقيقة تنطلق كلّ خدمة منذ أيام الرسل الأولى إلى يومنا هذا منذ أن أرسلهم اثنين اثنين ليشفوا كلّ مرضٍ ويشددوا كلّ ضعف في الشعب "لأنه مجاناً أخذتم".
إذاً خادم الله مديون أبداً لذلك الذي أعطاه مجاناً كرامةَ الكهنوت، و اقتبل من يديه الخدمة لأنَّه متواضع وكليّ المحبة والرأفة لا عن استحقاق لأنّه ما من صالح إلاّ الله.
وبمقدار ما ينتبه الإكليريكي دائماً إلى هذه المنّة العظيمة ويقدرها ويحيا تأمّل الكلمة الإلهية والعيش بمقتضاها قدر ما يمنح الله له وقدر ما يسمح لله أن يعمل فيه ساعياً كي يصلَ إلى ملء قامة المسيح وليس له في فكره إلاّ مشيئة سيده، سيد المحبة وراعي الخلاص لكلّ البشرية.
من هنا يتجسد سلطان الكنيسة ومن هنا فقط يتحقق القصد الإلهي من كلّ تدبير رأيناه منذ بدء الوعد بالخلاص لحواء في الفردوس. ومن هنا أيضاً يفقد سلطان الكنيسة شرعيته حين يبتعد عن تحقيق خلاص الإنسان، كلّ إنسان دعاه الله إلى الوجود.
ربما إدارياً لا يحدث هذا وتبقى القوانين سائدة ومتحكمة إنما لا يعني هذا أنّها شرعية، هذا إن أغفلنا الإشارة إلى الحكم القاسي الذي أصدره السيد على من تأتي العثرة عن طريقه وهنا لا يحقّ للكاهن أن يتعلل بعلل الخطايا ويدّعي التعثر في كلّ آن ليحقق مشيئته الضيقة، فإفشين التقدمة يقول: "من أجل خطايانا (للكهنة) وجهالات الشعب".
فالشعب إذا أعثر فهو جاهل، أمّا الكاهن إن فعل فهو خاطئ لأنّ دعوته هي أن يساهم في خلاص الأخوة ومن أجلهم يقدّس ذاته ويرتفع ويسمو عن كلّ ضعف مقدماً ارتفاع يديه ذبيحة مسائية للسيد كي ينقيه ويعضده من أجل كمال الخدمة وسرور الآب السماوي فتكون صلاته الذبيحة وليس قلوب المؤمنين وكرامتهم.
واحدة من هذه الممارسات اللاشرعية للسلطان المعطى للكهنوت تلك التي تمارس على النساء بشأن غطاء الرأس المنصوص عنها في الرسالة إلى كورنثوس، وربّ قائل لنا من أين أتينا بصفة اللاشرعية؟ الجواب في طيَّات الإنجيل نفسه، إنّ في هذا تسلط لم يمارسه السيد لا على الزانية ولا على السامريّة، وفي التسلط تقزيم للآخر واضطهاده ونبذه عن الوليمة التي أعدَّها السيد بنفسه من أجله.
فعندما خلق الرب الإله حوّاء في الفردوس، خلقها من ضلع آدم، وسمح بوجودهما الخلقي العاري في حضرته، ولم يعطِ الرب الإله حواء غطاء للرأس. وبسبب السقوط في العصيان ستر الربّ العري نتيجة التعدي فصنع لهما أغطية من جلدٍ وغطى عورتهما وليس رؤوسهما "وصنع الرب الإله لآدم وامرأته أقمصة من جلد وألبسهما" (تك25:2، تك21:3)
وفي العهد القديم هناك شخصيات كتابية عظيمة جداً، كدبورة النبيّة وراعوث وأستير، لا يذكر الكتاب أنهنّ كنّ يغطين رؤوسهنّ أو يمتنعن عن التعليم في حضرة الرجال
كما أن العهد القديم بكلّ تشريعه الناموسي لا يوجد فيه تشريع في وضع غطاء الرأس للمرأة في الصلاة، فقط من كانت تقع في خطيئة الزنى تلك تغطي رأسها أمام الكاهن بسبب خطيئتها
أما اليوم فما أكثر الاجتهادات من كهنة ودارسين يستندون بقوة على قول الرسول بولس في كورنثوس (1كور11)، بأن على المرأة أن تلبس غطاء الرأس في الكنيسة وتمتنع عن التعليم والوعظ في حضرة الرجال
بالنسبة لغطاء الرأس علينا العودة للسبب الذي جعلَ بولس الرسول يقول هذا، ومعرفة الدوافع الاجتماعية والليتورجية والتاريخية التي كانت سائدة في كورنثوس في تلك الفترة
يعالج الرسول هنا النظام الواجب في الاجتماعات الليتورجية المسيحيّة في كورنثوس. ويشدّد على ما سبق في تقليد كورنثوس أن يصلي الرجل في الجماعة مكشوف الرأس وأن تصلي المرأة ورأسها مغطى
المبدأ الديني الأساس في نظر بولس الرسول لتكوين الجماعة المسيحية وتنظيمها الزمني ليظهر المسيح صورة ومجداً لله الآب، والرجل صورة ومجداً للمسيح، والمرأة صورة ومجداً للرجل.
ويرى بولس الرسول في غطاء الرأس للمرأة المتزوجة، كما الأقدمون، "سلطان" أيّ علامة لكرامتها الزوجية، وبها تشترك في سلطان الرجل وتتعلق به وحده وتتحرر من جميع الرجال. وبالرغم من قوله أن المرأة هي من الرجل وهي للرجل "لان الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل" (1كور8:11-9)، يعود فيكمل "غير أن الرجل ليس من دون المرأة ولا المرأة من دون الرجل في الرب، لأنه كما أنّ المرأة هي من الرجل هكذا أيضاً هو بالمرأة. ولكن جميع الأشياء هي من الله" (1كور11:11-13)، فيساوي بولس الرسول المرأة بالرجل
هذا المقطع هو المقطع الوحيد للرسول بولس الذي يتكلم فيه عن غطاء رأس المرأة، فهو يتكلم بشكلّ خاص ومحدد لكنيسة كورنثوس. وكلّ هذا مألوفاً في عصر بولس الرسول!
أما اليوم فعلينا أن نتفادى الوقوع في قبضة التطرف الديني والتزمت المرافق بالسلطة على النساء بوضع غطاء الرأس، فهذا الأمر هو حتماً يعود إلى حرية النساء وقبولهن بتعليم بولس الرسول اليوم، وليس بسلطة الكهنوت وباسم الرسول. فإن لعالم اليوم مفاهيم لا يمكننا اجتنابها إذا أردنا أن نبتلع العالم ونحوله إلى السيد.
ومن جهة أخرى لا يعني أن تكون المرأة غير محتشمة اللباس في الكنيسة ولكن لننتبه ألاّ يُفرض الغطاء على لباس غير محتشم، فالمرأة التي تغطي رأسها أمام الرب ولا تغطي قلبها فلا ينفعها شيء سوى التشبث الظاهري بالامور. فالرب موجود بحضرته الإلهية في كلّ زمان ومكان
ومن هنا فإن الحياة في الكنيسة هي حياة يومية و لاتتعلق فقط في أوان الذهاب إلى الكنيسة، لذلك تربية الحشمة ضرورية ومنبثقة من تربية العفة في القلب مع الأخذ بعين الاعتبار أن مقاييس الحشمة اليوم تختلف عما كان سائداً بالأمس، بل وبالأمس القريب جداً، ولأنّ الوصية تقول: "كونوا حكماء كالحيّات"، ولأنّ بولس الرسول نفسه قدوة لنا عندما كان مع اليهودي كيهودي ومع اليوناني كيوناني علينا أن نربح الجميع للمسيح.
((منقول طبعاً))
Comment