الثالوث المقدس عقلا
الثالوث المقدس هو ليس تعددية فى الجوهر و انما تعددية فى داخل الجوهر الواحد فنحن نؤمن ان الاب و الابن و الروح القدس هم واحد و ليسوا ثلاثة و لكن فى الجوهر و ايضا نؤمن انهم ثلاثة و لكن اقنوميا و ليس جوهريا و ذاتيا فالاب ليس هو الابن ليس هو الروح القدس اقنوميا و لكن الاب هو الابن هو الروح القدس ذاتيا و جوهريا و يشرح نيافة الانبا بيشوى هذا الامر قائلا :النار يوجد بها لهب؛ واللهب يخرج منه نور وحرارة. فاللهب يسمى نار، والنور يسمى نار، والحرارة تسمى نار، والدليل على ذلك من الممكن أن نقول إننا نوقد النار، أو إننا نوقد اللهب، أحياناً نقول نحن نستنير بالنار أو نحن نستدفئ على الحرارة أو نحن نستدفئ على النار. فاللهب والنور والحرارة الخارجة منه شئ واحد أى نار واحدة وليسوا ثلاثة نيران. ولكن اللهب غير النور غير الحرارة. ومع أن اللهب غير النور غير الحرارة ولكن اللهب إن لم يلد نوراً ويشع حرارة لا يكون ناراً على الإطلاق. فاللهب بنوره وحرارته يكون ناراً حقيقية.هكذا إذا تأملنا فى الثالوث القدوس نفهم أن الآب هو الله، والابن هو الله، والروح القدس هـو الله. مثل اللهب نـار، والنور نـار، والحرارة نار، فالآب هو الله الآب، والابن هو الله الابن، والروح القدس هو الله الروح القدس، ويمكن أن يُقال الله فقط بدون الآب. كما نقول أن اللهب هو نار فالتسمية ليست مشكلة ولكن إذا لم يوجد الابن لا يوجد الله. لأنه لا يوجد آب بغير ابن ولا توجد نار بغير حرارة؛ حتى لو كان هناك لهب. لأن اللهب بدون حرارة ليس له قيمة، وكذلك أيضاً العقل بدون فكر ليس له قيمة، فالمولد يلد كهرباء، والنور يلد شعاع، والعقل يلد فكر، والزهور تلد رائحة، والمغناطيس يلد مجال مغناطيسى، والنبات يلد براعم، ولا يوجد شئ فى الوجود كله لا يلد غير الحجر والجماد الأصم. فالله أعلن لنا أنه كإله واحد هو آب وابن وروح قدس.
هذا الإله الفاعل ليس مجرد إله ذي قوات، بل هو إله شخصي. وحينما يشترك الإنسان في القوات الإلهية، فلا تأخذه قوة مبهمة مغفلة، بل هو يقف وجهاً لوجه أمام شخص. ثم أن الله ليس شخصاً واحداً، محدداً في كائن واحد، بل هو ثالوث من ثلاثة أقانيم، الآب، والابن، والروح القدس، وكل واحد من هؤلاء (يسكن) في الآخرين بفضل حركة من المحبة المستديمة. فالله ليس وحدة فقط بل اتحاد.
و سنأخذ عدة امثلة من الكتاب المقدس لتبيان كيفية هذه العلاقة بين الاقانيم من خلال ايات الكتاب المقدس.
المثال الاول (لو1 : 26-38)
28 فدخل اليها الملاك وقال سلام لك ايتها المنعم عليها.الرب معك مباركة انت في النساء.29 فلما رأته اضطربت من كلامه وفكرت ما عسى ان تكون هذه التحية.30 فقال لها الملاك لا تخافي يا مريم لانك قد وجدت نعمة عند الله.31 وها انت ستحبلين وتلدين ابنا وتسمينه يسوع.32 هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه.33 ويملك على بيت يعقوب الى الابد ولا يكون لملكه نهاية34 فقالت مريم للملاك كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا.35 فاجاب الملاك وقال لها.الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله.36 وهوذا اليصابات نسيبتك هي ايضا حبلى بابن في شيخوختها وهذا هو الشهر السادس لتلك المدعوة عاقرا.37 لانه ليس شيء غير ممكن لدى الله.38 فقالت مريم هوذا انا أمة الرب.ليكن لي كقولك.فمضى من عندها الملاك.
فالأب هو الله الذي اختار القديسة مريم العذراء وملأها نعمة لتكون أمَّا لابنه: "سلام لك ايتها المنعم عليها.الرب معك" ، "لانك قد وجدت نعمة عند الله" . وهو"وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه" . وهو الذي يرسل روحه القدوس ليحلّ على العذراء ويظلّلها بقدرته لتحبل دون مباشرة رجل ، وهو "الله الذي "ليس شيء غير ممكن لدى الله".
ويسوع الذي يولد من امنا العذراء دون مباشرة رجل هو ابن الله منذ الحبل به، وليس بالتبّني: "يكون عظيماً، وابن العليّ يدعى" . وعلى سؤال مريم: "كيف يكون هذا وانا لست اعرف رجلا"، يجيب الملاك: "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك"، ثم يردف: "القدوس المولود منك يدعى ابن الله". وابن الله هو نفسه المسيح المخلّص ابن داود، الذي "هذا يكون عظيما وابن العلي يدعى ويعطيه الرب الاله كرسي داود ابيه".
والروح القدس هو روح الله وقدرة الله، وهو الذي يظلّل العذراء. وهذا العمل يبدأ منذ الحبل بيسوع فالمولود منها هو ابن الله.
اى اننا يمكننا تلخيص ذلك فى اية واحدة هى "الروح القدس يحل عليك وقوة العلي تظللك فلذلك ايضا القدوس المولود منك يدعى ابن الله" لاحظ هذا التمايز الاقنومى فليس من ولد من السيدة العذراء هو الاب او الروح القدس و انما من ولد من السيدة العذراء هو الابن و الله الاب ظللها و الروح القدس حل عليها , الروح القدس يحلُّ عليها لتقديسها، روحًا وجسدًا، فتتهيَّأ لعمل الآب الذي يُرسل ابنه في أحشائها يتجسّد منها.
المثال الثانى (متى 3: 13- 17)
13 حينئذ جاء يسوع من الجليل الى الاردن الى يوحنا ليعتمد منه.14 ولكن يوحنا منعه قائلا انا محتاج ان اعتمد منك وانت تأتي اليّ.17 فاجاب يسوع وقال له اسمح الآن.لانه هكذا يليق بنا ان نكمل كل بر.حينئذ سمح له.16 فلما اعتمد يسوع صعد للوقت من الماء.واذا السموات قد انفتحت له فرأى روح الله نازلا مثل حمامة وآتيا عليه.17 وصوت من السموات قائلا هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت.
نلاحظ هنا وجود الابن المتجسد فى نهر الاردن يعتمد من يوحنا و فور نزلوه الى الماء و اعتماده انفتحت السماوات و نزل روح الله القدس على هيئة حمامة و تكلم الله الاب من السماء اى اننا امام ثلاثة متمازيين اقنوميا و لكنهم واحد جوهريا و ذاتيا و يعلق القديس اغسطينوس فى هذا الصدد قائلا: بجوار نهر الأردن ننظر ونتأمّل كما في منظر إلهي موضوع أمامنا. لقد أعلن لنا إلهنا نفسه بكونه الثالوث. جاء يسوع اعتمد بواسطة يوحنا، الرب بواسطة العبد، مثالاً للتواضع. أظهر لنا في تواضع أن المحبّة قد كملت.
و يشرح ابانا القمص تادرس يعقوب ملطى قائلا
عندما انفتحت السماوات ونزل الروح القدس في شكل حمامة، تبعه صوت من السماء، قائلاً: "هذا هو ابني الحبيب الذي به سررت". إذن هنا أمامنا الثالوث متمايزًا، الواحد عن الآخر: الآب في الصوت، الابن في الإنسان، والروح القدس في شكل حمامة. إنهم الله الواحد، ومع ذلك فإن الابن غير الآب، والآب غير الابن، والروح القدس ليس بالآب ولا بالابن. نحن نعلم أن هذا الثالوث الذي لا يُنطق به، يسكن في ذاته، يجدّد الكل، يخلق، يدعو، يدين ويخلّص، هذا الثالوث هو كما نعلم لا يُنطق به وغير منفصل.
المثال الثالث
عب 9:14 فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه للّه بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي
نلاحظ هنا تكرار نفس المعتقد بتمايز الاقانيم فمن مات على الصليب هو المسيح و قدم نفسه بروح ازلى هو الروح القدس و قدم نفسه لله الاب بلا عيب.
و يشرح لنا القس انطونيوس فكرى عن الثالوث فيقول :
و يكمل شرحه عن اللوجوس او الكلمة فيقول :
و يشرح ابانا التمايز الاقنومى بين الاقانيم فيقول :
و ننتقل لشروحات الاباء حول طبيعة الثالوث
يقول القديس اثناسيوس:
يجب علينا ألا نتصور وجود ثلاثة جواهر منفصلة عن بعضها البعض فى الله -كما ينتج عن الطبيعة البشرية بالنسبة للبشر- لئلا نصير كالوثنيين الذين يملكون عديداً من الآلهة. ولكن كما أن النهر الخارج من الينبوع لا ينفصل عنه، وبالرغم من ذلك فإن هناك بالفعل شيئين مرئيين واسمين. لأن الآب ليس هو الابن، كما أن الابن ليس هو الآب، فالآب هو أب الابن، والابن هو ابن الآب. وكما أن الينبوع ليس هو النهر، والنهر ليس هو الينبوع، ولكن لكليهما نفس الماء الواحد الذى يسرى فى مجرى من الينبوع إلى النهر، وهكذا فإن لاهوت الآب ينتقل فى الابن بلا تدفق أو انقسام. لأن السيد المسيح يقول "خرجت من الآب" وأتيتُ من عند الآب. ولكنه دائماً أبداً مع الآب، وهو فى حضن الآب. وحضن الآب لا يَخْلُ أبداً من الابن بحسب ألوهيته.
و يعلق نيافة الانبا بيشوى على شرح القديس اثناسيوس فيقول:
الآب هو الحكيم الذى يلد الحكمة ويبثُق روح الحكمة.والآب هو الحقانى الذى يلد الحق (يو14 :6) ويبثُق روح الحق (يو15 :26).الحكمة هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحكيم.والحق هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب الحقانى.والكلمة (اللوغوس LogoV ) أى (العقل منطوقاً به) هو لقب لأقنوم الابن المولود من الآب العاقل
والخواص الجوهرية جميعاً ومن أمثلتها الحكمة والحق والعقل والحياة.. يشترك فيها الأقانيم معاً فالحق مثلاً هو خاصية يشترك فيها الأقانيم جميعاً. فالآب هو حق من حيث الجوهر، والابن هو حق من حيث الجوهر، والروح القدس هو حق من حيث الجوهر.
أما من حيث الأقنوم فالآب هو الحقانى (أى ينبوع الحق)، والابن هو الحق المولود منه، والروح القدس هو روح الحق المنبثق منه.من يستطيع أن يفصل الحقانى عن الحق المولود منه؟!ومن يستطيع أن يفصل الحكيم عن الحكمة ؟.. إن الحكمة تصدر عن الحكيم تلقائياً كإعلان طبيعى عن حقيقته غير المنظورة.
و فى مقالته الثالثة ضد الاريوسية شرح قائلا :
ولأن اللاهوت واحد فى الآب والابن، فإنه نشأ عن ذلك بالضرورة أن كل الصفات التى تقال عن الآب قيلت هى بعينها عن الابن، إلا صفة واحدة وهى أن الآب أب.. لأن الابن نفسه يقول عن ذاته (مخاطباً الآب) "كل ما هو لى فهو لك، وما هو لك فهو لى" (يو17: 10).. ثم لماذا تنسب صفات الآب للابن؟ إلا لكون الابن هو نبع من الآب.
و يشرح يوحنا الدمشقى فيقول:
إذاً تُعلِّمنا الكنيسة الجامعة الرسولية أن مع وجود الآب كان الابن الوحيد الجنس موجوداً منه بلا زمن ولا سيلان ولا انفعال ممّا يفوق الإدراك، الأمر الذي يعلمه إله الجميع وحده. فكما أنه مع وجود النار يكون النور الصادر منها، ولا تكون النار أولاً وبعد ذلك النور، بل يكونان معاً. وكما أن النور الصادر من النار مولود منها دائماً ولا يفارقها البتة، كذلك يولد الابن أيضاً من الآب دون أن يفارقه البتة، بل يكون فيه دائماً. لكنّ النور المولود من النار بلا افتراق والباقي فيها دائماً، ليس له أقنوم خاص به م قِبَل النار، لأنه صفةٌ للنار طبيعية. أما ابن الله الوحيد الجنس المولود من الآب بلا انفصال ولا افتراق، والثابت فيه دائماً، له أقنومه الخاص من قِبَل الله.
و عن اختصاصات الاقانيم قال الدمشقى:
إذاً كل ما كان للابن والروح، كان لهما من الآب، حتى الوجود نفسه. ولو لم يكن الآب، لما كان الابن ولا كان الروح. ولو لم يكن للآب شيئاً، لما كان أيضاً شيءٌ للابن ولا للروح. وبسبب الآب كان للابن والروح القدس كل ما لهما -أي بسبب أن للآب هذا كلّه- ما عدا اللاولادة والولادة والانبثاق. فبهذه الاختصاصات الأقنومية وحدها تتميز أحد الأقانيم الثلاثة القدوسة عن الآخرين. ويتميزون باللانقسام بالجوهر، بل ذلك بميزة الأقنوم الخاص.
و يقول القديس اثيناغوراس :
"إنّ ابن الله هو كلمة الآب بالفكر والقدرة. اذ فيه وبه كوّن كل شيء، لأن الآب والابن هما واحد فالابن هو في الآب، والآب هو في الابن في وحدة الروح وقدرته. إنّ ابن الله هو عقل الآب وكلمته. واذا أردتكم، بحكمتكم السامية، أن تعرفرا ما معنى "الابن"، سأقوله لكم ببضع كلمات: إنه وُلد من الآب، لا بمعنى أنه صُنع. فالله، منذ البدء، هو عقل أزلي، وبمَا أنه عاقل منذ الأزل، كان معه كلمته (الذي هو عقل الله)".
و يشرح القديس ايريناؤس الايمان بالثلاث اقانيم فى كتابه الكرازة الرسولية:
"هوذا تعليم إيماننا المنهجي وأساس خلاصنا وركن بنائه: إنّه الله الآب الذي لم يُخلق ولم يولد ولا يرى، الإله الأوحد، خالق كل شيء، هذا هو البند الأول من إيماننا. أما البند الثاني فهو التالي: إنّه كلمة الله، وابن الله، ربنا يسوع المسيح، الذي ظهر للأنبياء في الشكل الذي وصفوه به في نبؤاتهم ووفق تدبير الآب الخاصّ، الكلمة الذي كوّن كلّ شيء، والذي في ملء الأزمنة، صار إنسانًا ليعيد كلَ شيء ويضبطه، فوُلد من البشر، وسار منظورًا وملموسًا ليبيد الموت ويظهر الحياة، ويعيد الوحدة بين الله والإنسان. أما البند الثالث فهو الروح القدس الذي نطق بالأنبياء، وعلّم آباءنا الأمور الإلهية، وقاد الصديقين في طريق البر. وهو الذي، في ملء الأزمنة، أفيض بشكل جديد على البشرية، فيمَا كان الله يجدّد الإنسان على الأرض كلّها"
و يؤكد ايريناؤس ايضا على وحدانية الجوهر الالهى للثلاث اقانيم فيقول :
"الآب ربّ، والابن ربّ، الآب إله والابن إله، لأن الذي ولد من الله هو إله. وهكذا، وإن كان هناك، حسب تدبير فدائنا، ابن وآب، نبيّن أن ليس إلاّ إله واحد، في جوهر كيانه بالذات وطبيعة هذا الكيان"
و يشرح العلامة ترتيليان وحدانية اللوجوس و الوجود فى رسالته ضد براكسياس فقال :
"أن الله كان وحده... ومع ذلك لم يكن، إذّاك، وحده بالمعنى الحقيقيّ. فقد كان معه العقل الذي فيه. إن الله عاقل، والعقل كان فيه منذ البدء، وبه كان كلّ شيء. هذا العقل يدعوه اليونانيون "لوغوس"
و يقول العلامة اوريجانيوس:
كما أن النور لا يمكن أن يكون دون ضياء، كذلك الابن لا يمكن أن تنظر إليه منفصلاً عن الآب، هو الذي ندعوه ختم الجوهر، والكلمة، والحكمة. فكيف يمكن القول إنه كان زمن لم يكن فيه الابن؟ من يقول هذا القول يؤكّد أنه كان زمن لم تكن فيه حقيقة ولم تكن حكمة ولم تكن حياة. هذا كلّه من جوهر الله الآب، ولا يمكن أن بنزع عنه ولا أن يفصل عن جوهره
جوهر واحد في ثلاثة أقانيم. الله واحد، والله ثلاثة: فالثالوث القدوس هو سر الوحدة في التعدد وسرّ التعدد في الوحدة. والآب والابن والروح القدس هم (واحد في الجوهر) (Homoousios)، إلا أن كلاً منهم يتميّز من الاثنين الباقيين بخصائص أقنومية. (فالإلهي غير قابل للتجزئة في أجزائه) {غريغوريوس النازينزي، Orations، 31، 14} لأن الأقانيم (يتَّحدون بلا التباس، وهم متميزون، لكنهم غير مجزئين) {يوحنا الدمشقي، في الإيمان الأرثوذكسي 8،1}، (والتميّز والوحدة كلاهما أيضاً متضادان) {غريغوريوس النازينزي، Orations، 25و17}.
من هنا قول القديس غريغوريوس اللاهوتي: "إننا نسجد لوحدانية في ثالوث وثالوث في وحدانية تجمع بغرابة بين الوحدة والتمايز".
فالوحدة تعني وحدة الطبيعة وتماثل الصفات والأفعال والإرادة، لأن للأقانيم الثلاثة الجوهر الإلهي الواحد من جهة، ولأن هناك تعايش بالتبادل والتداخل من جهة أخرى، إذ أن كل واحد منهم هو في الآخر بدون تشوّش أو اختلاط كما يعبّر السيد نفسه في إنجيل يوحنا "أنا في الآب والآب فيّ" (يو14: 11).
و أخر نقطة فى بحثنا هذا هو هل يمكن ان يكون هنا تركيب فى الثالوث المقدس؟؟؟
اعلم أن الأشياء القابلة للتجزئة هي التي يمكن تجزئتها بدون ملاشاتها كالحجرة مثلا فإنك تستطيع أن تجزئها إلى شطرين ومع ذلك تظل حجرة كما كانت . وكذلك الآلات الميكانيكية يمكن تجزئتها وتحليل أجزائها بدون ملاشاتها إذ يمكن إعادة تركيبها كما كانت قبلا بدون ملاشاتها أبدا . فترى إذا أن من الأشياء ما يمكن تجزئته بطرق مختلفة بدون ملاشاة جوهرية . أما الأشياء الآلية أو العضوية فإن الحالة فيها تختلف إذ لا يمكن تجزئتها وإنما يستطاع تجزئة مادتها فقط.
إذا بأن من الممكن تجزئة المادة باعتبارها غير آلية أو عضوية أما العضوية فلا يمكن تجزئتها مع حفظ كيانها بل لا بد من ملاشاتها فيجوز القول بأن الأشياء الآلية لا يمكن تجزئتها بالمرة بل تقطيعها فقط وإفناؤها . ونفس الأشياء الأرضية الآلية لا يمكن تجزئتها ولا تقطيعها لو كانت غير مادية . أما باعتبار المادة في حد ذاتها فيمكن تقطيعها كما قلنا . أما جوهر الله فغير مادي فهو إذا غير قابل للتجزئة بأي معنى كان من معاني الكلمة .والأشياء الأرضية الآلية إما أن توجد بكمال طبيعتها أو أن تفنى . وليس هناك حالة ثالثة متوسطة كقبول التجزئة كما قلنا . وبما أن الله غير قابل للفناء فلا يمكن أن يوجد إلا بكمال طبيعته ـ أي أنه آب وابن وروح قدس دائما أبدا
و نختم حديثنا بما قاله قال الفيلسوف الروسي فيدوروف :
لقد كتب برنامجنا الاجتماعي في قلب عقيدة الثالوث. والأرثوذكسية تؤمن بشغف أن عقيدة الثالوث القدوس ليست بمثابة بحث لاهوتي رفيع يقتصر فهمه على اللاهوتيين المحترفين، بل إن للثالوث أهمية فعلية، وواقعية، بالنسبة لكل مسيحي. يعلّمنا الكتاب المقدس أن الإنسان خُلق على صورة الله، أي عند المسيحيين، على صورة الثالوث. ففي ضوء عقيدة الثالوث وحدها إذاً يستطيع الإنسان أن يفهم من هو وما الذي يريد الله له أن يكون. حياتنا الخاصة، وعلاقتنا الشخصية، وجميع مشاريعنا من أجل بناء مجتمع مسيحي، تتعلق كلها بلاهوت صحيح حول الثالوث. (فبين الثالوث والجحيم، ليس ثمة اختيار آخر) {ف. لوسكي، اللاهوت الصوفي للكنيسة الشرقية، ص64}.
ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
مراجع هذه الدراسة :-
مقالات القديس اثناسيوس ضد الاريوسية , المقال الثالث
الثالوث الاقدس للمطران كيرلس
عقيدة الثالوث القويمة , وليم تمبل
الكنيسة الارثوذكسية , ايمان و عقيدة للمطران كاليستوس
تبسيط الايمان , الانبا بيشوى
المائة مقالة فى الايمان الارثوذكسى , يوحنا الدمشقى
تفسيرى القمص تادرس يعقوب ملطى و القس انطونيوس فكرى
Comment