شهداء الكنيسه
شهداء الكنيسة { بعض... }
شهداء المسيحية الذين اضطهدوا وعذبوا وقتلوا لإيمانهم بالمسيح كثيرون. من المعروف أن تعدادهم قد بلغ أكثر من مليون شهيدا مسيحيا في مصر وحدها. كثير من هؤلاء الشهداء استشهدوا في فترة الاضطهاد الروماني. لقد عذبوا وقتلوا لرفضهم ترك المسيحية للوثنية.
وقد استشهد بعض المسيحيين في العصر الإسلامي بعد تعذيبهم بسبب رفضهم للإسلام. كما قد استشهد بعض المسلمين الذين آمنوا بالمسيحية بسبب تركهم للإسلام وإيمانهم بالمسيحية.
( 1 ) القديس اغناطيوس بطريرك أنطاكية
ولد أغناطيس في سورية في حوالي سنة 50م. هو ثالث بطريرك لمدينة أنطاكية. وقد كان راع مثالي لشعبه غيورا على حالتهم الروحية.
أصدر الإمبراطور الروماني تراجان (98-117م) أمرا لشعوب الإمبراطورية الرومانية بأن تعبد آلهته الوثنية وتقدم ذبائحا لها. قام القديس أغناطيوس بجهود كثيرة لتقوية ضعفاء الإيمان من شعبه حتى يثبتوا في إيمان المسيح رغم وحشية الإضطهادات الرومانية للذين خالفوا أمر الإمبراطور. لذلك أمر الإمبراطور بالقبض عليه وإرساله مقيدا بالسلاسل إلى مدينة روما وإلقائه للوحوش الجائعة للفتك به. في أثناء رحلته إلى روما كتب سبعة رسائل للكنائس المسيحية في أفسس وفيلادلفيا وسمرنا وماجنيزيا وتلرالس (بآسيا الصغرى) وروما ولبوليكارب أسقف سمرنا.
بعد وصوله إلى روما طرحوه للوحوش الجائعة فمزقته تمزيقا أمام 87,000 متفرجا في ساحة فلافين، وبذلك نال إكليل الشهادة. فأخذ المؤمنون بقايا جسده القليلة إلى أنطاكية. في القرن الخامس أمرت الإمبراطورة أيودوشيا بنقل بقاياه إلى معبد تم تحويله إلى كنيسة. نقلت بقاياه مرة ثانية في سنة 637 إلى مدينة روما.
( 2 ) القديس سبريانوس أسقف قرطاجنة (تونس)
ولد سبريانوس بين سنة 200 وسنة 210م على الأرجح في مدينة قرطاجنة (تونس) لعائلة وثنية غنية. اعتنق المسيحية متأثرا بتعاليم كاهن متقدم في السن يدعى سسيليوس. وزع ثروته على الفقراء. رسم كاهنا ثم أسقفا لقرطاجنة في سنة 248-249م.
بعد ذلك بقليل اشتعلت نيران الاضطهاد الروماني في سنة 250م في عهد الإمبراطور ديسيوس. التجأ القديس سبريانوس إلى مكان مأمون حيث قام بتقوية وتشجيع المسيحيين المضطهدين على الثبات في الإيمان، وبمدح الشهداء المسيحيين. في الاضطهاد التالي الذي أمر به الإمبراطور فالريان، تم القبض عليه وقطع رأسه في سنة 258م. فكان أول أسقف لقرطاجنة ينال إكليل الشهادة.
كان القديس سبريانوس أول كاتب مسيحي مشهور كتب باللاتينية. فقد كتب كثيرا من الرسائل والمقالات في مواضيع مختلفة عن: المرتدين، وحدة الكنيسة، الصلاة الربانية، الموت، الأعمال والصدقة، مزايا الصبر، الحث على الاستشهاد، ومواضيع أخرى.
( 3 ) القديس بقطر
ولد هذا القديس بإحدى البلاد من أعمال أسيوط شرقي نهر النيل. عين جنديا ببلدة شو جنوبي أسيوط. صدرت مراسيم الإمبراطور دقلديانوس بالسجود للأصنام والتبخير لها في سنة 303-304م. رفض القديس بقطر السجود للأصنام. فاستدعاه والي شو ولاطفه فلم يستطع إغراءه، فألقاه في السجن. زاره والداه وشجعاه على الإستشهاد.
ولما عجز الوالي عن رده عن الإيمان بالسيد المسيح، استشاط غضبا وأرسله إلى والي أسيوط مع بعض الجند ورسالة يعرفه فيها بالأمر. فلما قرأ الوالي الرسالة، قال لبقطر: "لماذا خالفت والي شو؟ أذا سمعت لي رفعت منزلتك، وسأكتب للإمبراطور كي يجعلك واليا على إحدى المدن. فصرخ القديس قائلا: "ممالك العالم تزول، والذهب يفنى، والثياب تبلى، وجمال الجسد يفسد ويأكله الدود في القبور. لذا لا أترك سيدي يسوع المسيح، خالق السموات والأرض ورازق كل ذي جسد ولن أعبد أوثان حجرية يسكنها الشيطان."
فغضب الوالي، وأمر أن يربط خلف الخيل وتسرع في الصعود إلى قرية أبيسيديا. ثم عرض عليه ثانية أن يسجد للأصنام فرفض. فأمر الوالي بإلقائه في مستوقد حمام قرية موشا شرقي قرية أبيسيديا. فلما مضوا به إلى هناك طلب من الجند أن يمهلوه حتى يصلي. بعد أن صلى إلى الرب، ظهر له ملاك الرب وشدده ووعده بالبركات الدائمة لملكوت السموات. فالتفت القديس بقطر إلى الجند وقال لهم: "أكملوا ما قد أمرتم به." فأوثقوه وألقوه في لهيب مستوقد الحمام. فنال إكليل الشهادة.
أتى أناس مسيحيون وأخذوا جسده سرا، وأخفوه حتى انقضى عهد دقلديانوس. وقد شهد الذين رأوه أنهم وجدوا جسده سالما لم تحترق منه شعرة واحدة. وكان يشبه إنسانا نائما. وبنوا على اسمه كنيسة عظيمة مازالت قائمة في قرية موشا بمحافظة أسيوط. وقد ظهرت من جسده آيات وعجائب كثيرة. ومازالت عجائبه تظهر إلى هذا اليوم.
( 4 ) القديسة دميانة
كانت هذه العذراء المجاهدة ابنة مرقس والي البرلس والزعفران ووادي السيسبان. وكانت وحيدة أبويها. ولما بلغت من العمر سنة واحدة، أخذها أبوها إلى كنيسة دير الميمة وقدم النذور والقرابين ليباركها الرب. ولما بلغت من العمر خمس عشرة سنة أراد والدها أن يزوجها فرفضت، وأعلمته أنها قد نذرت نفسها عروسا للسيد المسيح. وإذ رأت أنه قد سر بذلك طلبت منه أن يبني لها مسكنا منفردا تتعبد فيه مع صاحباتها. فبناه لها. فسكنت فيه مع أربعين عذراء. كن يقضين معظم أوقاتهن في قراءة الكتاب المقدس والعبادة الحارة.
وبعد زمن، أرسل الإمبراطور دقلديانوس واستدعى مرقس أبيها وأمره أن يسجد للأوثان. فرفض أولا. لكن بعد أن لاطفه الإمبراطور، أذعن لأمره وسجد للأوثان. ولما عاد إلى مقر ولايته، علمت القديسة دميانة بما فعله. فأسرعت ودخلت إليه بدون سلام أو تحية وقالت له: "ما هذا الذي سمعته عنك؟ كنت أفضل أن يأتيني نبأ موتك من أن أسمع أنك تركت الإله الحقيقي الذي جبلك من العدم وسجدت لمصنوعات الأيادي. إعلم أنك إن لم ترجع عما أنت عليه الآن وإن لم تترك عبادة الحجارة، فلست بوالدي ولا أنا ابنتك." ثم تركته ومضت. فتأثر مرقس من كلام ابنته وبكى بكاء مرا. ثم أسرع إلى دقلديانوس واعترف بإيمانه بالسيد المسيح. فلما عجز الإمبراطور عن إقناعه بالوعد والوعيد، أمر بقطع رأسه.
ولما علم دقلديانوس أن الذي حول مرقس عن عبادة الأوثان هي دميانة ابنته، أرسل إليها أحد أمرائه وأمره أن يلاطفها أولا، فإن لم تطعه يقطع رأسها. فذهب إليها الأمير ومعه مئة جندي وآلات العذاب. حاول أن يغريها بمواعيد كثيرة حتى تعبد الأوثان. فلم يفلح. فغضب جدا، وأمر أن توضع بين لوحي حديد بهما مسامير ويتولى أربعة جنود عصرها بينهما، فجرى دمها على الأرض. وكانت العذارى صاحباتها واقفات يبكين عليها. ثم أودعوها السجن، فظهر لها ملاك الرب وشفاها من جميع جراحاتها. ولقد تفنن الأمير في تعذيبها. فكان تارة يمزق لحمها، وتارة يلقيها في شحم وزيت مغلي. في كل ذلك كان الرب يقيمها سالمة. ولما رأى الأمير أن جميع محاولاته قد باءت بالفشل أمام ثباتها على الإيمان المسيحي، أمر بقطع رأسها هي وجميع من معها من العذارى. فنلن جميعهن إكليل الشهادة.
( 5 ) القديسة أفرونية الناسكة
كان لهذه القديسة خالة تسمى آوريانة رئيسة على دير في العراق به خمسون عذراء، فربتها بخوف الله وعلمتها قراءة الكتب الإلهية. فنذرت نفسها للسيد المسيح، وجاهدت الجهاد الحسن بالنسك والصوم والصلاة بغير انقطاع.
لما أصدر الإمبراطور دقلديانوس أوامره بعبادة الأوثان (303-304م) واستشهد كثيرون من المسيحيين بسببه، سمعت عذارى الدير بذلك، فخفن وتركن الدير واختبأن. ولم يبق فيه سوى القديسة أفرونية وأخت أخرى والرئيسة.
أرسل الإمبراطور إلى الدير، فقبضوا على الرئيسة وأهانوها. فقالت لهم أفرونية: "خذوني أنا واتركوا هذه العجوز." فأخذوها هي أيضا مقيدة بالحبال إلى الوالي. وكانت تبلغ من العمر عشرين سنة. وكانت جميلة المنظر. عرض عليها الوالي عبادة الأوثان ووعدها بخيرات كثيرة. فرفضت. فأمر بضربها بالعصي وتمزيق ثوبها، ثم عصرها بالمعصرة وتمشيط جسدها بأمشاط من حديد. فتهرأ لحمها. وكانت تصلي إلى الرب طالبة منه المعونة. فأمر الوالي بقطع لسانها وكسر أسنانها. وكان الرب يقويها ويصبرها. وأخيرا أمر الوالي بقطع رأسها، فنالت إكليل الشهادة. فأخذ أحد الأتقياء جسدها ولفه بلفائف غالية، ووضعه في صندوق مذهب.
( 6 ) القديس جرجس المعروف بالمزاحم
كان أبوه بدويا مسلما متزوجا من امرأة مسيحية من أهل دميرة القبلية بمصر. رزق منها بثلاثة بنين، أحدهم هذا القديس فسموه "مزاحم." وكان يتردد مع والدته على الكنيسة منذ حداثته. فرأى أولاد المسيحيين يلبسون ملابس بيضاء في أيام تناولهم من الأسرار المقدسة. فاشتاق أن تلبسه أمه مثلهم، وتسمح له أن يأكل مما يأكلونه في الهيكل. فعرفته أن هذا لا يمكن إلا إذا تعمد أولا. وأعطته لقمة بركة من القربان الذي يوزعونه على الشعب. فصارت في فمه مثل العسل. فقال في نفسه: "إذا كان طعم القربان الذي لم يقدس بالصلاة حلوا بهذا المقدار، فكيف يكون طعم القربان المقدس؟" وأخذ شوقه يزداد إلى الإيمان بالمسيح منذ ذلك الحين.
لما كبر تزوج امرأة مسيحية وأعلمها أنه يريد أن يصير مسيحيا. فأشارت عليه أن يعتمد. فمضى إلى برما، ولما اشتهر أمره أتى إلى دمياط واعتمد وتسمى بجرجس. وعرفه المسلمون فقبضوا عليه وعذبوه، فتخلص منهم وذهب إلى مدينة صفط أبي تراب حيث أقام بها ثلاث سنوات. ولما عرف أمره، ذهب إلى مدينة قطور ولبث بها يخدم كنيسة القديس مار جرجس، ثم عاد ألى دميرة.
وسمع به المسلمون فأسلموه للوالي. فأودعه السجن. فاجتمع المسلمون وكسروا باب السجن، وضربوه فشجوا رأسه وتركوه بين الحياة والموت. ولما أتى بعض المؤمنين المسيحيين في الغد ليدفنوه ظنا أنه مات، وجدوه حيا. وعقد المسلمون مجلسا وهددوه، فلم يرجع عن الإيمان المسيحي. فعلقوه على صارية مركب. لكن القاضي أنزله وأودعه السجن.
وكانت زوجته تصبره وتعزيه، وتعلمه أن يعتقد بأن الذي حل به من العذاب إنما هو من أجل خطاياه. لئلا يغريه الشيطان فيفتخر بأنه صار مثل الشهداء. وظهر له ملاك الرب فعزاه وقواه وأنبأه بأنه سينال إكليل الشهادة في اليوم التالي. وفي الصباح، اجتمع المسلمون عند الوالي وطلبوا منه قطع رأسه، فأسلمه لهم. فأخذوه وقطعوا رأسه عند كنيسة الملاك ميخائيل بدميرة في 13 يونيه سنة 959م ثم طرحوه في نار متقدة لمدة يوم وليلة. فلم يحترق جسده. فوضعوه في برميل وطرحوه في النهر. وبتدبير الله، رسا البرميل على جزيرة بها امرأة مسيحية مؤمنة، فأخذته وكفنته وخبأته في منزلها إلى أن بنوا له كنيسة ووضعوه فيها.
( 7 ) القديس يوحنا أبو نجاح الكبير
كان كبير كتاب الديوان في عصره. كما كان مقدم الأراخنة في عهد الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي. وقد عاصر هذا الشيخ البابا فيلوثاؤس البطريرك 63 (979-1003م) للكنيسة القبطية.
كان يوحنا مسيحيا تقيا بارا محسنا للفقراء محبا للكنيسة وغيورا على الإيمان الأرثوذكسي المسيحي. إستدعى الحاكم بأمر الله عشرة من رؤساء الكتاب وعرض عليهم الإسلام، وكان أولهم يوحنا أبو نجاح. ووعدهم بمناصب رفيعة في حكومته. فطلب منه يوحنا أن يمهله إلى الغد حتى يفكر في هذا الأمر. فأجاب طلبه وأطلقه.
مضى يوحنا إلى منزله ودعا أصدقاءه وعائلته وعرفهم بما حدث مع الخليفة وقال لهم: "أنا مستعد أن أموت على اسم السيد المسيح. وهدفي من طلب المهلة لم يكن لمشاورة نفسي بل للاجتماع بكم حتى أودعكم وأوصيكم ألا تطلبوا مجد هذا العالم الفاني فتضيعوا عليكم مجد السيد المسيح الدائم الباقي. فقد أشبع نفوسنا من خيرات الأرض، ولقد دعانا برحمته إلى ملكوت السموات. فلتتشدد قلوبكم." ولقد قوى كلامه المملوء بالحكمة قلوب سامعيه. وعزموا على أن يموتوا على اسم السيد المسيح. وصنع لهم هذا اليوم وليمة عظيمة.
وفي صباح اليوم التالي مضى يوحنا إلى الحاكم بأمر الله وأخبره أنه سيبقى أمينا للمسيح. فاجتهد الحاكم بكل أنواع الترغيب والوعيد أن يجعله يترك المسيحية. لكن ثبت يوحنا على الإيمان المسيحي. فأمر الحاكم بنزع ثيابه وشده في المعصرة وضربه. فضربوه خمسمائة سوط حتى انتثر لحمه وسالت دماءه. وكانت السياط مصنوعة من عروق البقر التي لا تقوى الجبابرة على احتمالها.
ثم أمر الحاكم أن يضرب إلى تمام الألف سوط. فلما ضرب ثلاثمائة سوط أخرى، قال مثل المسيح سيده: "أنا عطشان." فأوقفوا الضرب وأعلموا الحاكم بذلك. فقال: "أسقوه بعد أن تقولوا له أن يرجع عن دينه." فلما جاءوا إليه بالماء وقالوا له ما أمرهم الخليفة، أجابهم يوحنا بكل إباء وشمم قائلا: "أعيدوا له ماءه فإني غير محتاج إليه، لأن سيدي يسوع المسيح قد سقاني وأطفأ ظمئي." وقد شهد قوم ممن كانوا هناك أنهم أبصروا الماء يسقط في هذه اللحظة من لحيته. ولما قال هذا أسلم الروح. وعندما أعلموا الخليفة بموته، أمر أن يضرب وهو جثة هامدة حتى تمام الألف سوط. وهكذا تم استشهاده في 14 أبريل سنة 1003م ونال الإكليل المعد له من ملك الملوك يسوع المسيح له المجد.
( 8 ) القديس سيدهم بشاي الدمياطي
كان هذه الشهيد كاتبا بالديوان بثغر دمياط بمصر في عصر محمد علي باشا والي مصر. حدث شغب من الرعاع وأمسكوه واتهموه زورا أنه سب الدين الإسلامي. شهد ضده زورا أمام القاضي الشرعي بربري وحمّار. فحكم عليه بترك دينه أو القتل. ثم جلده وأرسله إلى محافظ الثغر. بعد أن فحص قضيته حكم عليه بمثل ما حكم به القاضي. تمسك سيدهم بمسيحيته واستهان بالموت. فجلدوه وجروه على وجهه من فوق سلم قصر المحافظ إلى أسفله. ثم طاف به العسكر بعد أن أركبوه جاموسة بالمقلوب في شوارع المدينة. وشرع الرعاع يهزؤون به ويعذبونه بآلات مختلفة إلى أن كاد يسلم الروح. فأتوا به إلى منزله وتركوه على بابه ومضوا. فخرج أهله وأخذوه. وبعد خمسة أيام انتقل إلى السماء في 25 مارس سنة 1844م.
اجتمع المسيحيون على اختلاف مذاهبهم واحتفلوا بجنازته احتفالا لم يسبق له مثيل. فتقلدوا أسلحتهم، ولبس الكهنة وعلى رأسهم القمص يوسف ميخائيل رئيس الأقباط بدمياط ملابسهم الرسمية واشترك معهم كهنة الطوائف المسيحية الأخرى وساروا بجثمانه في شوارع المدينة وأمامه الشمامسة يحملون أعلام الصليب. ثم أتوا بجثمانه إلى الكنيسة حيث أتموا مراسم الجنازة. وصار الناس يستنكرون وحشية هذا الحادث الأليم، ويشيدون بصبر الشهيد سيدهم وتحمله ألوان العذاب بجلد وسكون.
اهتم والي مصر بالأمر، وأرسل مندوبين لفحص القضية. فأعادوا التحقيق وتبين الظلم والجور الذي حل بالشهيد واتضح إدانة القاضي والمحافظ. فنزعوا عنهما علامات الكرامة ونفوهما بعد تجريدهما. وطلبوا، لتهدئة الخواطر، السماح برفع الصليب جهارا في الجنازات المسيحية. فأذن لهم بذلك في ثغر دمياط، إلى أن تعمم في سائر مدن مصر في عهد البطريرك كيرلس الرابع.
__________________
و علي الارض السلام و بالناس المسره
شهداء الكنيسة { بعض... }
شهداء المسيحية الذين اضطهدوا وعذبوا وقتلوا لإيمانهم بالمسيح كثيرون. من المعروف أن تعدادهم قد بلغ أكثر من مليون شهيدا مسيحيا في مصر وحدها. كثير من هؤلاء الشهداء استشهدوا في فترة الاضطهاد الروماني. لقد عذبوا وقتلوا لرفضهم ترك المسيحية للوثنية.
وقد استشهد بعض المسيحيين في العصر الإسلامي بعد تعذيبهم بسبب رفضهم للإسلام. كما قد استشهد بعض المسلمين الذين آمنوا بالمسيحية بسبب تركهم للإسلام وإيمانهم بالمسيحية.
( 1 ) القديس اغناطيوس بطريرك أنطاكية
ولد أغناطيس في سورية في حوالي سنة 50م. هو ثالث بطريرك لمدينة أنطاكية. وقد كان راع مثالي لشعبه غيورا على حالتهم الروحية.
أصدر الإمبراطور الروماني تراجان (98-117م) أمرا لشعوب الإمبراطورية الرومانية بأن تعبد آلهته الوثنية وتقدم ذبائحا لها. قام القديس أغناطيوس بجهود كثيرة لتقوية ضعفاء الإيمان من شعبه حتى يثبتوا في إيمان المسيح رغم وحشية الإضطهادات الرومانية للذين خالفوا أمر الإمبراطور. لذلك أمر الإمبراطور بالقبض عليه وإرساله مقيدا بالسلاسل إلى مدينة روما وإلقائه للوحوش الجائعة للفتك به. في أثناء رحلته إلى روما كتب سبعة رسائل للكنائس المسيحية في أفسس وفيلادلفيا وسمرنا وماجنيزيا وتلرالس (بآسيا الصغرى) وروما ولبوليكارب أسقف سمرنا.
بعد وصوله إلى روما طرحوه للوحوش الجائعة فمزقته تمزيقا أمام 87,000 متفرجا في ساحة فلافين، وبذلك نال إكليل الشهادة. فأخذ المؤمنون بقايا جسده القليلة إلى أنطاكية. في القرن الخامس أمرت الإمبراطورة أيودوشيا بنقل بقاياه إلى معبد تم تحويله إلى كنيسة. نقلت بقاياه مرة ثانية في سنة 637 إلى مدينة روما.
( 2 ) القديس سبريانوس أسقف قرطاجنة (تونس)
ولد سبريانوس بين سنة 200 وسنة 210م على الأرجح في مدينة قرطاجنة (تونس) لعائلة وثنية غنية. اعتنق المسيحية متأثرا بتعاليم كاهن متقدم في السن يدعى سسيليوس. وزع ثروته على الفقراء. رسم كاهنا ثم أسقفا لقرطاجنة في سنة 248-249م.
بعد ذلك بقليل اشتعلت نيران الاضطهاد الروماني في سنة 250م في عهد الإمبراطور ديسيوس. التجأ القديس سبريانوس إلى مكان مأمون حيث قام بتقوية وتشجيع المسيحيين المضطهدين على الثبات في الإيمان، وبمدح الشهداء المسيحيين. في الاضطهاد التالي الذي أمر به الإمبراطور فالريان، تم القبض عليه وقطع رأسه في سنة 258م. فكان أول أسقف لقرطاجنة ينال إكليل الشهادة.
كان القديس سبريانوس أول كاتب مسيحي مشهور كتب باللاتينية. فقد كتب كثيرا من الرسائل والمقالات في مواضيع مختلفة عن: المرتدين، وحدة الكنيسة، الصلاة الربانية، الموت، الأعمال والصدقة، مزايا الصبر، الحث على الاستشهاد، ومواضيع أخرى.
( 3 ) القديس بقطر
ولد هذا القديس بإحدى البلاد من أعمال أسيوط شرقي نهر النيل. عين جنديا ببلدة شو جنوبي أسيوط. صدرت مراسيم الإمبراطور دقلديانوس بالسجود للأصنام والتبخير لها في سنة 303-304م. رفض القديس بقطر السجود للأصنام. فاستدعاه والي شو ولاطفه فلم يستطع إغراءه، فألقاه في السجن. زاره والداه وشجعاه على الإستشهاد.
ولما عجز الوالي عن رده عن الإيمان بالسيد المسيح، استشاط غضبا وأرسله إلى والي أسيوط مع بعض الجند ورسالة يعرفه فيها بالأمر. فلما قرأ الوالي الرسالة، قال لبقطر: "لماذا خالفت والي شو؟ أذا سمعت لي رفعت منزلتك، وسأكتب للإمبراطور كي يجعلك واليا على إحدى المدن. فصرخ القديس قائلا: "ممالك العالم تزول، والذهب يفنى، والثياب تبلى، وجمال الجسد يفسد ويأكله الدود في القبور. لذا لا أترك سيدي يسوع المسيح، خالق السموات والأرض ورازق كل ذي جسد ولن أعبد أوثان حجرية يسكنها الشيطان."
فغضب الوالي، وأمر أن يربط خلف الخيل وتسرع في الصعود إلى قرية أبيسيديا. ثم عرض عليه ثانية أن يسجد للأصنام فرفض. فأمر الوالي بإلقائه في مستوقد حمام قرية موشا شرقي قرية أبيسيديا. فلما مضوا به إلى هناك طلب من الجند أن يمهلوه حتى يصلي. بعد أن صلى إلى الرب، ظهر له ملاك الرب وشدده ووعده بالبركات الدائمة لملكوت السموات. فالتفت القديس بقطر إلى الجند وقال لهم: "أكملوا ما قد أمرتم به." فأوثقوه وألقوه في لهيب مستوقد الحمام. فنال إكليل الشهادة.
أتى أناس مسيحيون وأخذوا جسده سرا، وأخفوه حتى انقضى عهد دقلديانوس. وقد شهد الذين رأوه أنهم وجدوا جسده سالما لم تحترق منه شعرة واحدة. وكان يشبه إنسانا نائما. وبنوا على اسمه كنيسة عظيمة مازالت قائمة في قرية موشا بمحافظة أسيوط. وقد ظهرت من جسده آيات وعجائب كثيرة. ومازالت عجائبه تظهر إلى هذا اليوم.
( 4 ) القديسة دميانة
كانت هذه العذراء المجاهدة ابنة مرقس والي البرلس والزعفران ووادي السيسبان. وكانت وحيدة أبويها. ولما بلغت من العمر سنة واحدة، أخذها أبوها إلى كنيسة دير الميمة وقدم النذور والقرابين ليباركها الرب. ولما بلغت من العمر خمس عشرة سنة أراد والدها أن يزوجها فرفضت، وأعلمته أنها قد نذرت نفسها عروسا للسيد المسيح. وإذ رأت أنه قد سر بذلك طلبت منه أن يبني لها مسكنا منفردا تتعبد فيه مع صاحباتها. فبناه لها. فسكنت فيه مع أربعين عذراء. كن يقضين معظم أوقاتهن في قراءة الكتاب المقدس والعبادة الحارة.
وبعد زمن، أرسل الإمبراطور دقلديانوس واستدعى مرقس أبيها وأمره أن يسجد للأوثان. فرفض أولا. لكن بعد أن لاطفه الإمبراطور، أذعن لأمره وسجد للأوثان. ولما عاد إلى مقر ولايته، علمت القديسة دميانة بما فعله. فأسرعت ودخلت إليه بدون سلام أو تحية وقالت له: "ما هذا الذي سمعته عنك؟ كنت أفضل أن يأتيني نبأ موتك من أن أسمع أنك تركت الإله الحقيقي الذي جبلك من العدم وسجدت لمصنوعات الأيادي. إعلم أنك إن لم ترجع عما أنت عليه الآن وإن لم تترك عبادة الحجارة، فلست بوالدي ولا أنا ابنتك." ثم تركته ومضت. فتأثر مرقس من كلام ابنته وبكى بكاء مرا. ثم أسرع إلى دقلديانوس واعترف بإيمانه بالسيد المسيح. فلما عجز الإمبراطور عن إقناعه بالوعد والوعيد، أمر بقطع رأسه.
ولما علم دقلديانوس أن الذي حول مرقس عن عبادة الأوثان هي دميانة ابنته، أرسل إليها أحد أمرائه وأمره أن يلاطفها أولا، فإن لم تطعه يقطع رأسها. فذهب إليها الأمير ومعه مئة جندي وآلات العذاب. حاول أن يغريها بمواعيد كثيرة حتى تعبد الأوثان. فلم يفلح. فغضب جدا، وأمر أن توضع بين لوحي حديد بهما مسامير ويتولى أربعة جنود عصرها بينهما، فجرى دمها على الأرض. وكانت العذارى صاحباتها واقفات يبكين عليها. ثم أودعوها السجن، فظهر لها ملاك الرب وشفاها من جميع جراحاتها. ولقد تفنن الأمير في تعذيبها. فكان تارة يمزق لحمها، وتارة يلقيها في شحم وزيت مغلي. في كل ذلك كان الرب يقيمها سالمة. ولما رأى الأمير أن جميع محاولاته قد باءت بالفشل أمام ثباتها على الإيمان المسيحي، أمر بقطع رأسها هي وجميع من معها من العذارى. فنلن جميعهن إكليل الشهادة.
( 5 ) القديسة أفرونية الناسكة
كان لهذه القديسة خالة تسمى آوريانة رئيسة على دير في العراق به خمسون عذراء، فربتها بخوف الله وعلمتها قراءة الكتب الإلهية. فنذرت نفسها للسيد المسيح، وجاهدت الجهاد الحسن بالنسك والصوم والصلاة بغير انقطاع.
لما أصدر الإمبراطور دقلديانوس أوامره بعبادة الأوثان (303-304م) واستشهد كثيرون من المسيحيين بسببه، سمعت عذارى الدير بذلك، فخفن وتركن الدير واختبأن. ولم يبق فيه سوى القديسة أفرونية وأخت أخرى والرئيسة.
أرسل الإمبراطور إلى الدير، فقبضوا على الرئيسة وأهانوها. فقالت لهم أفرونية: "خذوني أنا واتركوا هذه العجوز." فأخذوها هي أيضا مقيدة بالحبال إلى الوالي. وكانت تبلغ من العمر عشرين سنة. وكانت جميلة المنظر. عرض عليها الوالي عبادة الأوثان ووعدها بخيرات كثيرة. فرفضت. فأمر بضربها بالعصي وتمزيق ثوبها، ثم عصرها بالمعصرة وتمشيط جسدها بأمشاط من حديد. فتهرأ لحمها. وكانت تصلي إلى الرب طالبة منه المعونة. فأمر الوالي بقطع لسانها وكسر أسنانها. وكان الرب يقويها ويصبرها. وأخيرا أمر الوالي بقطع رأسها، فنالت إكليل الشهادة. فأخذ أحد الأتقياء جسدها ولفه بلفائف غالية، ووضعه في صندوق مذهب.
( 6 ) القديس جرجس المعروف بالمزاحم
كان أبوه بدويا مسلما متزوجا من امرأة مسيحية من أهل دميرة القبلية بمصر. رزق منها بثلاثة بنين، أحدهم هذا القديس فسموه "مزاحم." وكان يتردد مع والدته على الكنيسة منذ حداثته. فرأى أولاد المسيحيين يلبسون ملابس بيضاء في أيام تناولهم من الأسرار المقدسة. فاشتاق أن تلبسه أمه مثلهم، وتسمح له أن يأكل مما يأكلونه في الهيكل. فعرفته أن هذا لا يمكن إلا إذا تعمد أولا. وأعطته لقمة بركة من القربان الذي يوزعونه على الشعب. فصارت في فمه مثل العسل. فقال في نفسه: "إذا كان طعم القربان الذي لم يقدس بالصلاة حلوا بهذا المقدار، فكيف يكون طعم القربان المقدس؟" وأخذ شوقه يزداد إلى الإيمان بالمسيح منذ ذلك الحين.
لما كبر تزوج امرأة مسيحية وأعلمها أنه يريد أن يصير مسيحيا. فأشارت عليه أن يعتمد. فمضى إلى برما، ولما اشتهر أمره أتى إلى دمياط واعتمد وتسمى بجرجس. وعرفه المسلمون فقبضوا عليه وعذبوه، فتخلص منهم وذهب إلى مدينة صفط أبي تراب حيث أقام بها ثلاث سنوات. ولما عرف أمره، ذهب إلى مدينة قطور ولبث بها يخدم كنيسة القديس مار جرجس، ثم عاد ألى دميرة.
وسمع به المسلمون فأسلموه للوالي. فأودعه السجن. فاجتمع المسلمون وكسروا باب السجن، وضربوه فشجوا رأسه وتركوه بين الحياة والموت. ولما أتى بعض المؤمنين المسيحيين في الغد ليدفنوه ظنا أنه مات، وجدوه حيا. وعقد المسلمون مجلسا وهددوه، فلم يرجع عن الإيمان المسيحي. فعلقوه على صارية مركب. لكن القاضي أنزله وأودعه السجن.
وكانت زوجته تصبره وتعزيه، وتعلمه أن يعتقد بأن الذي حل به من العذاب إنما هو من أجل خطاياه. لئلا يغريه الشيطان فيفتخر بأنه صار مثل الشهداء. وظهر له ملاك الرب فعزاه وقواه وأنبأه بأنه سينال إكليل الشهادة في اليوم التالي. وفي الصباح، اجتمع المسلمون عند الوالي وطلبوا منه قطع رأسه، فأسلمه لهم. فأخذوه وقطعوا رأسه عند كنيسة الملاك ميخائيل بدميرة في 13 يونيه سنة 959م ثم طرحوه في نار متقدة لمدة يوم وليلة. فلم يحترق جسده. فوضعوه في برميل وطرحوه في النهر. وبتدبير الله، رسا البرميل على جزيرة بها امرأة مسيحية مؤمنة، فأخذته وكفنته وخبأته في منزلها إلى أن بنوا له كنيسة ووضعوه فيها.
( 7 ) القديس يوحنا أبو نجاح الكبير
كان كبير كتاب الديوان في عصره. كما كان مقدم الأراخنة في عهد الحاكم بأمر الله الخليفة الفاطمي. وقد عاصر هذا الشيخ البابا فيلوثاؤس البطريرك 63 (979-1003م) للكنيسة القبطية.
كان يوحنا مسيحيا تقيا بارا محسنا للفقراء محبا للكنيسة وغيورا على الإيمان الأرثوذكسي المسيحي. إستدعى الحاكم بأمر الله عشرة من رؤساء الكتاب وعرض عليهم الإسلام، وكان أولهم يوحنا أبو نجاح. ووعدهم بمناصب رفيعة في حكومته. فطلب منه يوحنا أن يمهله إلى الغد حتى يفكر في هذا الأمر. فأجاب طلبه وأطلقه.
مضى يوحنا إلى منزله ودعا أصدقاءه وعائلته وعرفهم بما حدث مع الخليفة وقال لهم: "أنا مستعد أن أموت على اسم السيد المسيح. وهدفي من طلب المهلة لم يكن لمشاورة نفسي بل للاجتماع بكم حتى أودعكم وأوصيكم ألا تطلبوا مجد هذا العالم الفاني فتضيعوا عليكم مجد السيد المسيح الدائم الباقي. فقد أشبع نفوسنا من خيرات الأرض، ولقد دعانا برحمته إلى ملكوت السموات. فلتتشدد قلوبكم." ولقد قوى كلامه المملوء بالحكمة قلوب سامعيه. وعزموا على أن يموتوا على اسم السيد المسيح. وصنع لهم هذا اليوم وليمة عظيمة.
وفي صباح اليوم التالي مضى يوحنا إلى الحاكم بأمر الله وأخبره أنه سيبقى أمينا للمسيح. فاجتهد الحاكم بكل أنواع الترغيب والوعيد أن يجعله يترك المسيحية. لكن ثبت يوحنا على الإيمان المسيحي. فأمر الحاكم بنزع ثيابه وشده في المعصرة وضربه. فضربوه خمسمائة سوط حتى انتثر لحمه وسالت دماءه. وكانت السياط مصنوعة من عروق البقر التي لا تقوى الجبابرة على احتمالها.
ثم أمر الحاكم أن يضرب إلى تمام الألف سوط. فلما ضرب ثلاثمائة سوط أخرى، قال مثل المسيح سيده: "أنا عطشان." فأوقفوا الضرب وأعلموا الحاكم بذلك. فقال: "أسقوه بعد أن تقولوا له أن يرجع عن دينه." فلما جاءوا إليه بالماء وقالوا له ما أمرهم الخليفة، أجابهم يوحنا بكل إباء وشمم قائلا: "أعيدوا له ماءه فإني غير محتاج إليه، لأن سيدي يسوع المسيح قد سقاني وأطفأ ظمئي." وقد شهد قوم ممن كانوا هناك أنهم أبصروا الماء يسقط في هذه اللحظة من لحيته. ولما قال هذا أسلم الروح. وعندما أعلموا الخليفة بموته، أمر أن يضرب وهو جثة هامدة حتى تمام الألف سوط. وهكذا تم استشهاده في 14 أبريل سنة 1003م ونال الإكليل المعد له من ملك الملوك يسوع المسيح له المجد.
( 8 ) القديس سيدهم بشاي الدمياطي
كان هذه الشهيد كاتبا بالديوان بثغر دمياط بمصر في عصر محمد علي باشا والي مصر. حدث شغب من الرعاع وأمسكوه واتهموه زورا أنه سب الدين الإسلامي. شهد ضده زورا أمام القاضي الشرعي بربري وحمّار. فحكم عليه بترك دينه أو القتل. ثم جلده وأرسله إلى محافظ الثغر. بعد أن فحص قضيته حكم عليه بمثل ما حكم به القاضي. تمسك سيدهم بمسيحيته واستهان بالموت. فجلدوه وجروه على وجهه من فوق سلم قصر المحافظ إلى أسفله. ثم طاف به العسكر بعد أن أركبوه جاموسة بالمقلوب في شوارع المدينة. وشرع الرعاع يهزؤون به ويعذبونه بآلات مختلفة إلى أن كاد يسلم الروح. فأتوا به إلى منزله وتركوه على بابه ومضوا. فخرج أهله وأخذوه. وبعد خمسة أيام انتقل إلى السماء في 25 مارس سنة 1844م.
اجتمع المسيحيون على اختلاف مذاهبهم واحتفلوا بجنازته احتفالا لم يسبق له مثيل. فتقلدوا أسلحتهم، ولبس الكهنة وعلى رأسهم القمص يوسف ميخائيل رئيس الأقباط بدمياط ملابسهم الرسمية واشترك معهم كهنة الطوائف المسيحية الأخرى وساروا بجثمانه في شوارع المدينة وأمامه الشمامسة يحملون أعلام الصليب. ثم أتوا بجثمانه إلى الكنيسة حيث أتموا مراسم الجنازة. وصار الناس يستنكرون وحشية هذا الحادث الأليم، ويشيدون بصبر الشهيد سيدهم وتحمله ألوان العذاب بجلد وسكون.
اهتم والي مصر بالأمر، وأرسل مندوبين لفحص القضية. فأعادوا التحقيق وتبين الظلم والجور الذي حل بالشهيد واتضح إدانة القاضي والمحافظ. فنزعوا عنهما علامات الكرامة ونفوهما بعد تجريدهما. وطلبوا، لتهدئة الخواطر، السماح برفع الصليب جهارا في الجنازات المسيحية. فأذن لهم بذلك في ثغر دمياط، إلى أن تعمم في سائر مدن مصر في عهد البطريرك كيرلس الرابع.
__________________
و علي الارض السلام و بالناس المسره
Comment