عندما أحبنا المسيح أحبنا إلى المنتهي ,وترجمة هذا الحب العملي هو الفداء ,ولم يفتدينا بفضة او ذهب او مال العالم كله .بل فدانا بماهو اعظم من جميع جواهر وممتلكات العالم اجمع .فهو عندما افتدانا ,افتدانا بذاته ,فلقد صار هو بنفسه حمل الله ,وقدم ذاته كذبيحة عنا كلنا .
وصار دم ذبيحته ذبيحة نفسه الدم الكريم الغالي جدآ هو فدائنا ,دم سفك من حمل بلا عيب ,وهذا الدم معروف في الاخدار السمائية قبل تأسيس العالم ,لانه دم ابن الله الأزلي ,الذي هو فوق الزمان ,ولكن من محبته لنا ورحمته أنه أظهره لنا في الزمان الاخير لاجلنا ومن اجل خلاصنا وتقديسنا :
عالمين انكم افتديتم لا باشياء تفنى بفضة او ذهب من سيرتكم الباطلة التي تقلدتموها من الآباء19 بل بدم كريم كما من حمل بلا عيب ولا دنس دم المسيح 20 معروفا سابقا قبل تأسيس العالم ولكن قد أظهر في الازمنة الاخيرة من اجلكم 1بط 18 _ 20
دم المسيح هو من أجلنا :
لقد قدم يسوع دمه لنا ومن اجلنا ,قدمه كثمن اشترانا لنفسه به ,فالنفس البشرية عروس للمسيح ,يحبها جدآ من كل قلبه ,وعندما اراد ان يُقدم لها مهر خُطبتها لنفسه قدم لها ثمن فائق جدآ لم يُقدمه شخص من قبل ولن يقدمه اخر لمن يُحب.
وهكذا اشترانا يسوع لنفسه بدمه الغالي الثمين وبالتالي لم نصبح ملك أنفسنا بل صرنا بالحقيقة ملك لمن اشترانا :
وانكم لستم لانفسكم.20 لانكم قد اشتريتم بثمن.فمجّدوا الله في اجسادكم وفي ارواحكم التي هي لله 1كو 6 : 20
قد اشتريتم بثمن فلا تصيروا عبيدا للناس. 1كو 7 : 23
والمسيح يسوع سلم الكنيسة عروسه دمه في سر العشاء يوم خميس العهد قدمها لتلاميذه الاطهار ليسلموه للكنيسة جيل بعد جيل وحتي نهاية الدهر:
وكذلك الكاس ايضا بعد العشاء قائلا هذه الكاس هي العهد الجديد بدمي الذي يسفك عنكم. لو 22 : 20
فالمسيح المحب لكنيسته جاء لكي يفديها من الموت والفساد الذي جلبه عليها أدم الاول بحسد ابليس ,وقدم لها دمه كفداء من الموت والفساد ,
ولكي تنتقل الحياة الى داخل الانسان وتكون فيه بذرة الحياة :
واخذ الكاس وشكر واعطاهم قائلا اشربوا منها كلكم. 28 لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا مت 26 :27 : 28
ومازال الرب يُقدم لكل انسان نفس الدم ونفس الجسد الذي قدمه يوم الخميس الكبير ,وهذا خلال سر الافخارستيا ,
لكي تستقر حياته داخل كل انسان يطلب الحياة ,وتستقر الحياة فيه ,وحتى عندما جاء الموت الطبيعي للجسد ,فلابد ان يقوم الانسان بفعل بذرة الحياة التى صارت فيه.
فعل دم المسيح:
دم المسيح هو الذي يُطهر العالم كله من كل خطاياه ,فهو قدمه المسيح من أجل غفران خطايا كل انسان ,فهو دم الهي يتفوق على الزمن ,قدمه يسوع مرة واحدة يسوع بروح ازلي فصنع به الفداء الى الابد ,حيث امتد فعل دم المسيح لما هو قبل الزمان وبداية الخليقة .
فطهر جميع من هم ماتوا على رجاء القيامة وفتح ابواب الجحيم المغلقة وتسبب في خروجهم جميعآ مفديون الى الفردوس.
وأيضآ دم المسيح امتد فعله الى نهاية الزمان لكي يأخذ فعل الفداء كل انسان يأتي الى العالم وحتي نهاية العالم فهو موجود وحاضر على المذبح لكل انسان يشتاق الى الفداء والحياة :
وليس بدم تيوس وعجول بل بدم نفسه دخل مرة واحدة الى الاقداس فوجد فداء ابديا. عب 9 : 12
ففعل دم المسيح للفداء ابدي ومستمر وفعال في نفوس الخطاة بصورة جبارة وعظيمة ,وله فعل تطهير عظيم لضمير الانسان من جميع ما يتعلق بها من أعمال ميته ,ففعل دم المسيح جبار في تطهير الضمير وتنقية النية لكي يُقدم الانسان اى عمل من أعمال الله بنية طاهرة وقلب نقي وأيمان غير مخزي ,وبدالة البنين:
فكم بالحري يكون دم المسيح الذي بروح ازلي قدم نفسه للّه بلا عيب يطهر ضمائركم من اعمال ميتة لتخدموا الله الحي عب 9 :14
والذي قدم دم المسيح هو المسيح بنفسه فهو الذي قدم دمه لتلاميذه في ليلة العشاء الرباني في يوم الخميس الكبير ,قدمه لهم بيده قائلا:
اشربوا منها كلكم. 28 لان هذا هو دمي الذي للعهد الجديد الذي يسفك من اجل كثيرين لمغفرة الخطايا مت 26 : 28
وهو الذي قدمه بكامل ارادته الحرة مسكوبأ على الصليب يوم الجمعة العظيم في وقت الساعة السادسة ,وهو الذي مازال يُقدمه كل يوم في القداسات الالهية لكل انسان يحتاج الى دم المسيح ليحيا به الى الابد.
فعقيدة كنيسة المسيح أن الاسرار التى تُقام ليست من صنع انسان ولا تتوقف على الانسان ,فالمسيح الذي اقام العشاء وقدم فيه دمه وجسده لتلاميذه هو بنفسه الذي يقُدم ايضآ جسده ودمه الى الان .
هذا ما أكد عليه القديس يوحنا ذهبي الفم وكثيرين من الاباء القديسين فهذا قول يؤكد هذا :
إن الاسرار التى تقُام أمامنا ليست من عمل إنسان ,فالذي أقامها في ذلك العشاء الاول ,هو بعينه الذي يقيمها الان,
وأما نحن الاكليروس فلسنا سوي خدام له ,ولكنه هو بنفسه الذي يقدس القرابين وينقلها ,.
فهذه المائدة هي نفسها المائدة التى كانت في ذلك الزمان ولاتنقص عنها شيئ ,ليس أن المسيح أقام تلك والانسان أي الكاهن هو الذي يقيم هذه الان ,ولكن المسيح هو بنفسه الذي يقيم هذه أيضآ بالسوية. فنحن الان في العلية حيث كانوا مجتمعين في ذلك الزمان.
من الذي يستفيد من فعل دم المسيح:
دم المسيح لكل أنسان خاطئ يتمسك به ,فهو قُدم من أجل تطهير خطايا العالم اجمع :
وهو كفارة لخطايانا.ليس لخطايانا فقط بل لخطايا كل العالم ايضا 1يو 2 : 2
ولكن رغم هذا من الممكن أن لايستفيد منه البعض ويمر عمر الانسان دون أن ينتقل فعل دم المسيح وفعله الى داخله .
فالإنسان الذي يحيا بدون تميز فعل دم المسيح ,ولا يضع ضميره بإرادته تحت تأثير فعل دم المسيح وبالتالي لا يتطهر ضميره ابدآ ,
في هذه الحالة يكون هذا الانسان والذي يحيا حياة جسدية ويصنع إرادة الجسد كل حين ,ويُصير على الحياة الجسدية ولا يقبل أن يضبط جسده ,بل يترك له العنان ليفعل ما يشاء اذا استمر على هذه الحياة الى النهاية ,يكون قد داس دم المسيح ,الذي قُدم لأجله , وبهذا يكون قد تخطي تطهيره وفعله :
فكم عقابا اشر تظنون انه يحسب مستحقا من داس ابن الله وحسب دم العهد الذي قدّس به دنسا وازدرى بروح النعمة. عب 10 : 29
ولكن من الذي يستفيد من فعل دم المسيح؟
كل انسان شعر بنفسه وفي نفسه بخطيته ,وحكم على نفسه اولا بأنه غير مستحق ,وشعر انه مستوجب الدينونة فدان هو نفسه اولآ من كل قلبه,
لكل خطية بشوق واجتهاد ارتكبت ,ولكل عذاب وحكم استوجبت "صلاة الاجبية "
ولكن وجد في الله الملجأ ثم تقدم من الله بنفس الروح الذي طالبها الله بنفسه ,أي روح العشار الذي دخل المجمع ليصلي ,حيث لم يجسر ان يرفع عينه الى السماء ,لانه يشعر في نفسه انه فعلآ خاطئ ,بل :
قرع على صدره قائلا اللهم ارحمني انا الخاطئ لو 18 : 13
هذه هي المشاعر التى تؤثر في قلب الله كما أعلن هو ,هذه المشاعر الصادقة الحقيقة من القلب ,شعور بأنني غير مستحق ان اقترب من الله ,وغير مستحق ان ارفع عيني الى السماء ,
حيث ان عيني مفتوحة تماما على نقائصي وخطاياي وعيوبي التى ليس لها حصر ,وليس لي رجاء أو أمل الافي الله وفي شخص المسيح الذي اختفي خلفه واحتمي به من كثرة عيوبي وخطاياي.
فالكنيسة الحية بالمسيح عندما عرفت ان هذه المشاعر هي التى يطلبها الله وهي التى تغلب تحننه على الخطاة ,لهذا رتبت بإرشاد الروح القدس ان تكون كلمات هذا العشار التى طلبها الله ,هي صلاة دائمة لكل انسان طول النهار وطول الليل.
وفي القداس الالهي أيضآ الكنيسة تدعو المؤمنين ان يتقدموا نحو التناول من الاسرار الالهية بنفس روح العشار ,حيث يصرخ الشماس قائلآ:
أحنوا رؤؤسكم امام الرب ........
حينئذآ ننحني جميعآ بنفس روح العشار ونقرع على صدورنا قائلين :
يارب أنا لست مستحق أبدآ أن اشترك في هذه الاسرار الالهية العظيمة ,لست مستحق ان أشترك في دمك ,فهو غالي جدآ بينما أنا رخيص وقد بعت نفسي لشهواتي وأهوائي.
ولكن اقرع صدري مثل العشار وبنفس مشاعره بكل صدق وامانة لاني اشعر انني غير مستحق ان اقترب الى هذه المائدة السمائية ,.
ولكن يارب لاني عرفت كم انت رحيم ورؤف وكثير الرحمة لذلك اجتراء وأطلب منك هذه الرحمة أنا الخاطئ ,
انحني اليوم يارب تحت سلطانك وتحت رحمتك لاني تعبت ولم اجد اخر سواك يمكن أن يقبلني .
انخدعت من شهواتي ولكن اليوم اشعر بأنني محتاج جدآ الى رحمتك وانت الذي تقبل غير المستحقين وانت الوحيد ,القاضي الذي محبته تستطيع ان تبرر المذنبين والفجار ,لانك لاتحكم يارب اليوم علي بل تُعطيني خلاص من خطاياي وذنوبي ,.
هذا هو الانسان غير المستحق بسبب خطاياه ولكنه يصبح مستحق بسبب رحمة الله ,ومعرفته بحقيقة نفسه وثقته في عمل الله .
فيجد هذا الانسان الذي انحني امام الله بكل قلبه ,ووضع كل رجائه فى محبة المسيح ,يجد ان الله يدعوه الى القداسة بالاشترك في دم يسوع المسيح :
كاس البركة التي نباركها أليست هي شركة دم المسيح.الخبز الذي نكسره أليس هو شركة جسد المسيح. 1كو 10 : 16
ويسمع الكاهن يصرخ بقوة قائلآ:
القدسات للقديسين ..........القداس الالهي
فيرتعب لانه خاطئ وغير مستحق ولكن يتعجب اذ يجد المسيح شخصيآ هو الذي يُقدم له دمه ويأمره أن يشرب منه ,خلاصآ وغفرانآ للخطايا بل وحياة ابدية تسري فيه وفي كيانه .
وهذا هو الانسان الذي يستفيد من فعل دم المسيح في حياته ,والعجيب ان هذا الانسان لايستطيع ان يعيش الا بهذه الروح روح العشار والى الابد ,فهذا الاحساس بأنه غير مستحق هو احساس حياته الحقيقي غير المزيف .
يعيش به بصورة طبيعية كل يوم وكل وقت يتلو دائما يارب يسوع المسيح ارحمني أنا الخاطي ,طول النهار في عمله وفي راحته فى سفره او حتي في نزهته قبل نومه فمه وقلبه يصرخ دائمآ بهذه الصلاة حتي يغرق في النوم وعندما يقوم في الصباح تكون نفس الصلاة مازالت على لسانه وفي اعماق قلبه.
هذا هو الانسان الذي يستفيد من فعل دم المسيح وقد شعر ان دم المسيح هو كنزه الحقيقي ,والذي ورثه من محبة يسوع المسيح .
ويعلم أنه اعظم كنوز الارض كلها فلا يتبع قلبه الا هذا الكنز ولايتسع الا له وحده ,فهذا هو كل ما له في هذه الحياة على الارض ,وعندما تنتهي ايامه على الارض ,فيجد المسيح امامه ليأخذه الى ملكوت ابيه ,فيصرخ أنا غير مستحق يارب ان تأتي لي بنفسك.
هل تأتي انت بنفسك من أجلي أنا الخاطي فيجد انه مكسو بثياب ابيض ناصع ويسوع يحتضنه فيكتشف ان الثياب الابيض هذه هي فعل دم المسيح الذي تمسك به طول حياته فيمجد الله بفرح لاينطق به ,اذ يظهر جدآ امام عينه عظمة وقيمة دم المسيح الذي هو اعتبره من كل قلبه كنز حياته الحقيقي ,وقد انفتح هذا الكنز وصار معلن امامه:
فقال لي هؤلاء هم الذين أتوا من الضيقة العظيمة وقد غسلوا ثيابهم وبيّضوا ثيابهم في دم الخروف. رؤ 7 : 14
ويؤكد هذا الكلام القديس يوحنا ذهبي الفم بقوله
هذا هو يا أحبائي الدم الالهي الذي يُجلي فينا صورة المسيح ملكنا
ويعطي نفوسنا بهاء فائقآ لايزول هو يرويها ويغذيها بصورة مستمرة
فهذا الدم يروي نفوسنا وينعشها ويمنحها أعظم قوة ,حينما نتناوله باستحقاق ,فهو يجعل الشياطين تهرب منا
ويستدعي الملائكة والله نفسه رب الملائكة !
إن الشياطين تهرب خائرة اول ما تري فينا الدم الالهي ,وأما الملائكة فتقترب وتسجد.
هذا الدم المسفوك هو الذي غسل المسكونة كلها من أقذارها ,هذا الدم هو تقديس نفوسنا وخلاصها
إنه يزيدها بهاء ويشعلها كالنار ,إنه يعطينا فهمآ مستنيرآ أكثر من لهيب النار
ونفسآلامعه أكثر من الذهب ,أن هذا الدم لما سُفك على الارض ,قد جعل السماء في متناول أيدينا
ق يوحنا ذهبيى الفم
Comment