بقلم بسام درويش
Aug 30, 2001
تختلف الكنيسة الكاثوليكية مع الكنيسة الأرثذوكسية والكنائس البروتستانتية في نظرتها إلى زواج خدام الكنيسة من الكهنة والقسس. وتستند كل من هذه الكنائس إلى تفاسيرها لنصوص العهد الجديد التي تتعلق بهذا الأمر، فبينما تبيح الكنائس البروتستانتية الزواج للقسس بمختلف مناصبهم، لا تمانع الكنائس الأرثذوكسية في قبول المتزوجين في سلك الكهنوت ولكنها لا تسمح لهم بتبوّء المناصب العليا كمنصب المطران أو البطريرك. أما الكنيسة الكاثوليكية فهي على نقيض الكنائس الأخرى، لا تقبل إلاّ غير المتزوجين لكل المناصب الدينية باستثناء حالات معينة سُمِحَ فيها للكنائس الكاثوليكية الشرقية بقبول بعض المتزوجين حين تكون هناك حاجة ماسة لسد النقص في عدد الكهنة وخاصة في القرى.
إن اللجوء إلى الإنجيل للبحث في مدى صحة موقف أي من الفئات من هذه القضية هو بالتأكيد أمر ليس سهلاً لا بل قد يكون عقيماً. فلو كان الأمر على ما يتصوره البعض من سهولة لكان الفرقاء قد توصلوا إلى حل له منذ أمد بعيد. إنه أمر ككل الأمور الأخرى التي تختلف فيها الطوائف الدينية حيث تنظر كل منها إلى نصوص الكتاب بمنظار مختلف.
الإنجيل بفصوله الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا لم يذكر شيئاً من أقوال للمسيح تشير إلى ضرورة عزوبية خدام الكنيسة. لا بل عل العكس، فإننا رغم كوننا لا نعرف الشيء الكثير عن الوضع العائلي لكل من الاثني عشرة الذين اختارهم المسيح تلاميذ له، فإن الإنجيل يشير إلى أن واحداً منهم على الأقل كان متزوجاً وهو بطرس الذي اصبح فيما بعد، حسب التقليد، أول رأس للكنيسة: "وأتى يسوع إلى بيت بطرس فرأى حماته ملقاةً بحمّى فلمس يدها ففارقتها الحمّى فقامت وصارت تخدمهم." ( متى الفصل الثامن 14 – 15 ) وفي هذا النص، نجد ما يشجعنا على الاعتقاد بأن المسيح لم يقتصر في اختياره لتلاميذه على غير المتزوجين.
الرسائل المتبادلة بين الرسل وتلاميذهم حوت أكثر مما حوته كتب الإنجيليين الأربعة من إشارات إلى هذا الموضوع:
· "أما لنا سلطان أن نجول بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسل وإخوة الرب وكيفا، أم أنا وبرنابا وحدنا لا سلطان على ذلك؟ (كورنثوس الأولى 9 : 5 – 6 )
· "أما من جهة ما كتبتم به إليّ فحسن للرجل أن لا يمسّ امرأة ولكن لسبب الزنى فلتكن لكل واحدة امرأته وليكن لكل واحدة رجلها." (كورنثوس الأولى 7 : 1 – 2 )
· "وأنا إنما أقول ذلك على سبيل الإباحة لا على سبيل الأمر فإني أودّ لو يكون جميع الناس مثلي لكن كل أحد له من الله موهبة تخصّه فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا." (كورنثوس الأولى 7 : 6 – 7 )
· "ومِن أصْدَق ما يُقال أنه إن كان أحد يرغب في الأسقفية فقد اشتهى أمراً عظيماً. فينبغي أن يكون الأسقف بغير عيب رجل امرأة واحدة صاحياً عاقلاً مهذباً مضيفاً للغرباء قادراً على التعليم غير مدمنٍ للخمر ولا سريع الضرب بل حليماً غير مخاصم ولا محبّ للمال. يحسن تدبير بيته ويضبط أبناءه في الخضوع بكل عفاف فإنه إذا كان أحد لا يعرف كيف يدبّر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله. (بولس الأولى إلى تيموثاوس الفصل الثالث 1 – 5 )
الغاية من استشهادي بالنصوص التي أتيت على ذكرها لم تكن فتح باب الجدال لإثبات صحة أو خطأ أحد الأطراف إنما كان ذلك للاستئناس بها وأيضاً لإعطاء القارئ فكرة عما تضمنه كتاب العهد الجديد من نصوص تتعلق بهذا الأمر. لِذا، فإني سأترك الجدل حول تفسير الحروف والكلمات لغيري فأناقش الموضوع مع قرّائي من وجهة نظر اجتماعية واقعية وعملية، وعلى ذلك، فإني أستهل نقاشي بالسؤال التالي: ما هي محاسن ومساوئ زواج الكهنة والقسس، حتى بمن فيهم أصحاب المناصب الرفيعة؟
كي لا تكون إجابتي على هذا السؤال منطلقة من رأيٍ شخصيٍّ بحت، فقد قمت بطرحه مراراً وفي مناسبات مختلفة على كاثوليكيين من أتباع الكنيسة التي ربيت أنا نفسي في أحضانها. ولم يكن أمراً مفاجئاً البتة أن أرى كل الذين طرحت عليهم السؤال يتفقون على عدم وجود أية جوانب سيئة لزواج رجال الدين، لا بل ذهب كثيرون منهم إلى أبعد من ذلك ورأوا في هذا الزواج أمراً ليس حسناً فقط إنما ضرورياً ومطلوباً. إذن، تعال معي قارئي العزيز نستعرض محاسن هذا الزواج في غياب ذكر أية مساوئ له.
· الزواج رادع أخلاقي
لرجل الدين المتزوج واجبات أخلاقية تجاه زوجته وأولاده يشعر بضرورة مراعاتها والحفاظ عليها أكثر مما يشعر به رجل علماني متزوج. عندما تكون الفضيحة متعلقة برجل دين فهي دائماً أكبر وأعظم مما هي عليه حين تتعلق برجل علماني، فكيف يكون الأمر إذا كان رجل الدين متزوجاً!.. لا شكّ في أن رجل الدين المتزوّج سيحسب ألف حساب قبل أن يقوم بأي تصرّف لا أخلاقي. إن موقفه لن يكون صعباً فقط أمام أبناء رعيّته الذين قد يتخلّص من مواجهتهم بالانتقال إلى بلد أو مدينة أخرى، بل سوف يواجه العار أمام عائلته التي سوف ترافقه أينما حلّ سواء بقي في سلك الخدمة الدينية أم لم يبقَ.
· الزواج حاجة بشرية
رجل الدين إنسان كأي إنسان آخر معرض للتجارب وغير معصوم عن الخطأ. وهو أيضاً إنسان كأي إنسان له مشاعره وإحساسه الجنسي، والزواج لا ريب في أنه يلبي حاجاته من حيث أنه يمنحه قدرة أكبر على مقاومة مغريات الجنس.
· الزواج مدرسة
رجل الدين المتزوج الذي يعرف كيف يرعى شؤون أسرته ويحافظ على سمعتها ومصالحها هو بدون أدنى شك قد كسب خبرة جيدة لرعاية الأسرة الكبيرة التي تشكلها الرعية. إنه أدرى بمشاكلهم وأحوالهم وطموحاتهم وخلافاتهم. وبذلك يمكنه بواسطة المركز الذي يتمتع به أن يتداخل بينهم ويساعدهم على حل مشاكلهم.
· الزواج مفتاح لعلاقات اجتماعية جيدة:
بناء على ما تقدم، فإن شـعور النـاس بالراحة والاطمئنان، سـيكون شعوراً أفضل لوجود رجل دين، صاحبِ عائلـة، أبٍ وزوجٍ وربما جدٍّ، مع أولادهـم وبناتهم، وفي بيوتهم وفي حفلاتهم وغير ذلك من الأمكنة والمناسـبات. هنا لا بد من الاسـتدراك بالقول أن هذا لا يعني أبداً انتقاصاً لمكانة كل رجال الدين غير المتزوجين، إذ أن هناك منهم من بلغ في عفّـته ومحافظته على نذوره الأخرى مرحلة القداسـة. هؤلاء تمتعوا بالموهبـة التي تحدث عنها بولس الرسـول في رسالته إلى أهل كورنثوس حيث قال: فإني أودّ لو يكون جميع الناس مثلي لكن كل أحد له من الله موهبة تخصّه فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا." (كورنثوس الأولى 7 : 6 – 7 )
ربما كانت عزوبية المبشرين وخدام الكنيسة في مطلع المسيحية وفي العصور اللاحقة أمراً مستحسناً على الأغلب لسبب واحد مهم. ذلك السبب كان سفر هؤلاء المستمر من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر وبالتالي فإنه لم يكن من السهل أن يقوم المبشّر بواجباته في رعاية وخدمة أسرته وهو على ما هو عليه من تنقل دائم. كانت المسافات بعيدة جداً ووسائل النقل بطيئة إضافة إلى الأخطار التي كان يتعرّض لها المسافرون. عزوبية المبشرين لم تكن هي الغاية بحد ذاتها لإرضاء الله بل كانت وسيلة لخدمته، ولكنها رغم ذلك، وحسب ما توحي به نصوص العهد الجديد، لم تكن أمراً مفروضاً بل اختيارياً.
لقد أثبتت وقائع الأحداث أن تصلب السلطة الكنسية في هذا العصر لا يخدم أحداً من الأطراف. إنه تصلب أثبت عدم جدواه وأنه بكل تأكيد لا يؤدي أية خدمة، لا لله، ولا للكنيسة نفسها، ولا للرعية ولا لخادم الكنيسة. فالتصرفات المشينة لبعض رجال الدين ليست سراً خافياً على أحد كما أنه ليس سراً نذيعه إذا قلنا أن وسائل الإعلام لا تنقلها كلها. ربما يقول قائل أن هناك كثيراً من الفضائح التي تناقلتها وسائل الإعلام تتعلق برجال دين متزوجين ينتمون إلى طوائف بروتستانتية، وبالتالي، أفلا يثبت هذا أن الزواج ليس عنصراً فعالاً في ردع رجل الدين أو أي إنسان عن الانحراف؟.. والجواب على هذا بكل بساطة هو "نعم"!.. إنه بالطبع لن يردع من لا يرتدع بشيء وخاصة أولئك الذين يدّعون خدمة الله والدين بينما ليسوا في الحقيقة سوى منافقين مشعوذين. هؤلاء لا ينطبق عليهم قول المسيح بأنهم الملح الذي فسد فاستحق أن يُرمى خارجاً ليدوس عليه الناس، (متى 5 : 13 ) لأنهم في الحقيقة كانوا ملحاً فاسداً من الأساس حيث لم تكن غايتهم من الوعظ والتبشير إلا مهنة وجدوا فيها وسيلة سهلة لخداع البسيطين من الناس وجني الأرباح الطائلة السريعة من ورائهم. ويجدر القول هنا أن هناك على كل حال من البشر من لا ينفع فيهم لا زواج ولا علاج.
إنه لمن المؤكّد بأن السماح بزواج الكهنة لن يأتي بحل نهائي للتصرّفات السيئة التي يقوم بها البعض منهم، ولكن علينا أن نتذكّر هنا أنه حتى الأنبياء لم يسلموا من الوقوع في حبائل المغريات فكان منهم من انحرف عن طريق الأخلاق وأتى بالموبقات التي استحقت غضب الله. رغم ذلك، لا يمكننا إلا أن نقرّ بأن الزواج هو إلى حدّ ما أفضل ضمانةٌ لا يشكّ أحد في فعاليّتها وفائدتها.
Aug 30, 2001
تختلف الكنيسة الكاثوليكية مع الكنيسة الأرثذوكسية والكنائس البروتستانتية في نظرتها إلى زواج خدام الكنيسة من الكهنة والقسس. وتستند كل من هذه الكنائس إلى تفاسيرها لنصوص العهد الجديد التي تتعلق بهذا الأمر، فبينما تبيح الكنائس البروتستانتية الزواج للقسس بمختلف مناصبهم، لا تمانع الكنائس الأرثذوكسية في قبول المتزوجين في سلك الكهنوت ولكنها لا تسمح لهم بتبوّء المناصب العليا كمنصب المطران أو البطريرك. أما الكنيسة الكاثوليكية فهي على نقيض الكنائس الأخرى، لا تقبل إلاّ غير المتزوجين لكل المناصب الدينية باستثناء حالات معينة سُمِحَ فيها للكنائس الكاثوليكية الشرقية بقبول بعض المتزوجين حين تكون هناك حاجة ماسة لسد النقص في عدد الكهنة وخاصة في القرى.
***********
إن اللجوء إلى الإنجيل للبحث في مدى صحة موقف أي من الفئات من هذه القضية هو بالتأكيد أمر ليس سهلاً لا بل قد يكون عقيماً. فلو كان الأمر على ما يتصوره البعض من سهولة لكان الفرقاء قد توصلوا إلى حل له منذ أمد بعيد. إنه أمر ككل الأمور الأخرى التي تختلف فيها الطوائف الدينية حيث تنظر كل منها إلى نصوص الكتاب بمنظار مختلف.
الإنجيل بفصوله الأربعة، متى ومرقس ولوقا ويوحنا لم يذكر شيئاً من أقوال للمسيح تشير إلى ضرورة عزوبية خدام الكنيسة. لا بل عل العكس، فإننا رغم كوننا لا نعرف الشيء الكثير عن الوضع العائلي لكل من الاثني عشرة الذين اختارهم المسيح تلاميذ له، فإن الإنجيل يشير إلى أن واحداً منهم على الأقل كان متزوجاً وهو بطرس الذي اصبح فيما بعد، حسب التقليد، أول رأس للكنيسة: "وأتى يسوع إلى بيت بطرس فرأى حماته ملقاةً بحمّى فلمس يدها ففارقتها الحمّى فقامت وصارت تخدمهم." ( متى الفصل الثامن 14 – 15 ) وفي هذا النص، نجد ما يشجعنا على الاعتقاد بأن المسيح لم يقتصر في اختياره لتلاميذه على غير المتزوجين.
الرسائل المتبادلة بين الرسل وتلاميذهم حوت أكثر مما حوته كتب الإنجيليين الأربعة من إشارات إلى هذا الموضوع:
· "أما لنا سلطان أن نجول بامرأةٍ أختٍ كسائر الرسل وإخوة الرب وكيفا، أم أنا وبرنابا وحدنا لا سلطان على ذلك؟ (كورنثوس الأولى 9 : 5 – 6 )
· "أما من جهة ما كتبتم به إليّ فحسن للرجل أن لا يمسّ امرأة ولكن لسبب الزنى فلتكن لكل واحدة امرأته وليكن لكل واحدة رجلها." (كورنثوس الأولى 7 : 1 – 2 )
· "وأنا إنما أقول ذلك على سبيل الإباحة لا على سبيل الأمر فإني أودّ لو يكون جميع الناس مثلي لكن كل أحد له من الله موهبة تخصّه فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا." (كورنثوس الأولى 7 : 6 – 7 )
· "ومِن أصْدَق ما يُقال أنه إن كان أحد يرغب في الأسقفية فقد اشتهى أمراً عظيماً. فينبغي أن يكون الأسقف بغير عيب رجل امرأة واحدة صاحياً عاقلاً مهذباً مضيفاً للغرباء قادراً على التعليم غير مدمنٍ للخمر ولا سريع الضرب بل حليماً غير مخاصم ولا محبّ للمال. يحسن تدبير بيته ويضبط أبناءه في الخضوع بكل عفاف فإنه إذا كان أحد لا يعرف كيف يدبّر بيته فكيف يعتني بكنيسة الله. (بولس الأولى إلى تيموثاوس الفصل الثالث 1 – 5 )
************
الغاية من استشهادي بالنصوص التي أتيت على ذكرها لم تكن فتح باب الجدال لإثبات صحة أو خطأ أحد الأطراف إنما كان ذلك للاستئناس بها وأيضاً لإعطاء القارئ فكرة عما تضمنه كتاب العهد الجديد من نصوص تتعلق بهذا الأمر. لِذا، فإني سأترك الجدل حول تفسير الحروف والكلمات لغيري فأناقش الموضوع مع قرّائي من وجهة نظر اجتماعية واقعية وعملية، وعلى ذلك، فإني أستهل نقاشي بالسؤال التالي: ما هي محاسن ومساوئ زواج الكهنة والقسس، حتى بمن فيهم أصحاب المناصب الرفيعة؟
كي لا تكون إجابتي على هذا السؤال منطلقة من رأيٍ شخصيٍّ بحت، فقد قمت بطرحه مراراً وفي مناسبات مختلفة على كاثوليكيين من أتباع الكنيسة التي ربيت أنا نفسي في أحضانها. ولم يكن أمراً مفاجئاً البتة أن أرى كل الذين طرحت عليهم السؤال يتفقون على عدم وجود أية جوانب سيئة لزواج رجال الدين، لا بل ذهب كثيرون منهم إلى أبعد من ذلك ورأوا في هذا الزواج أمراً ليس حسناً فقط إنما ضرورياً ومطلوباً. إذن، تعال معي قارئي العزيز نستعرض محاسن هذا الزواج في غياب ذكر أية مساوئ له.
· الزواج رادع أخلاقي
لرجل الدين المتزوج واجبات أخلاقية تجاه زوجته وأولاده يشعر بضرورة مراعاتها والحفاظ عليها أكثر مما يشعر به رجل علماني متزوج. عندما تكون الفضيحة متعلقة برجل دين فهي دائماً أكبر وأعظم مما هي عليه حين تتعلق برجل علماني، فكيف يكون الأمر إذا كان رجل الدين متزوجاً!.. لا شكّ في أن رجل الدين المتزوّج سيحسب ألف حساب قبل أن يقوم بأي تصرّف لا أخلاقي. إن موقفه لن يكون صعباً فقط أمام أبناء رعيّته الذين قد يتخلّص من مواجهتهم بالانتقال إلى بلد أو مدينة أخرى، بل سوف يواجه العار أمام عائلته التي سوف ترافقه أينما حلّ سواء بقي في سلك الخدمة الدينية أم لم يبقَ.
· الزواج حاجة بشرية
رجل الدين إنسان كأي إنسان آخر معرض للتجارب وغير معصوم عن الخطأ. وهو أيضاً إنسان كأي إنسان له مشاعره وإحساسه الجنسي، والزواج لا ريب في أنه يلبي حاجاته من حيث أنه يمنحه قدرة أكبر على مقاومة مغريات الجنس.
· الزواج مدرسة
رجل الدين المتزوج الذي يعرف كيف يرعى شؤون أسرته ويحافظ على سمعتها ومصالحها هو بدون أدنى شك قد كسب خبرة جيدة لرعاية الأسرة الكبيرة التي تشكلها الرعية. إنه أدرى بمشاكلهم وأحوالهم وطموحاتهم وخلافاتهم. وبذلك يمكنه بواسطة المركز الذي يتمتع به أن يتداخل بينهم ويساعدهم على حل مشاكلهم.
· الزواج مفتاح لعلاقات اجتماعية جيدة:
بناء على ما تقدم، فإن شـعور النـاس بالراحة والاطمئنان، سـيكون شعوراً أفضل لوجود رجل دين، صاحبِ عائلـة، أبٍ وزوجٍ وربما جدٍّ، مع أولادهـم وبناتهم، وفي بيوتهم وفي حفلاتهم وغير ذلك من الأمكنة والمناسـبات. هنا لا بد من الاسـتدراك بالقول أن هذا لا يعني أبداً انتقاصاً لمكانة كل رجال الدين غير المتزوجين، إذ أن هناك منهم من بلغ في عفّـته ومحافظته على نذوره الأخرى مرحلة القداسـة. هؤلاء تمتعوا بالموهبـة التي تحدث عنها بولس الرسـول في رسالته إلى أهل كورنثوس حيث قال: فإني أودّ لو يكون جميع الناس مثلي لكن كل أحد له من الله موهبة تخصّه فبعضهم هكذا وبعضهم هكذا." (كورنثوس الأولى 7 : 6 – 7 )
************
ربما كانت عزوبية المبشرين وخدام الكنيسة في مطلع المسيحية وفي العصور اللاحقة أمراً مستحسناً على الأغلب لسبب واحد مهم. ذلك السبب كان سفر هؤلاء المستمر من مدينة إلى أخرى ومن بلد إلى آخر وبالتالي فإنه لم يكن من السهل أن يقوم المبشّر بواجباته في رعاية وخدمة أسرته وهو على ما هو عليه من تنقل دائم. كانت المسافات بعيدة جداً ووسائل النقل بطيئة إضافة إلى الأخطار التي كان يتعرّض لها المسافرون. عزوبية المبشرين لم تكن هي الغاية بحد ذاتها لإرضاء الله بل كانت وسيلة لخدمته، ولكنها رغم ذلك، وحسب ما توحي به نصوص العهد الجديد، لم تكن أمراً مفروضاً بل اختيارياً.
لقد أثبتت وقائع الأحداث أن تصلب السلطة الكنسية في هذا العصر لا يخدم أحداً من الأطراف. إنه تصلب أثبت عدم جدواه وأنه بكل تأكيد لا يؤدي أية خدمة، لا لله، ولا للكنيسة نفسها، ولا للرعية ولا لخادم الكنيسة. فالتصرفات المشينة لبعض رجال الدين ليست سراً خافياً على أحد كما أنه ليس سراً نذيعه إذا قلنا أن وسائل الإعلام لا تنقلها كلها. ربما يقول قائل أن هناك كثيراً من الفضائح التي تناقلتها وسائل الإعلام تتعلق برجال دين متزوجين ينتمون إلى طوائف بروتستانتية، وبالتالي، أفلا يثبت هذا أن الزواج ليس عنصراً فعالاً في ردع رجل الدين أو أي إنسان عن الانحراف؟.. والجواب على هذا بكل بساطة هو "نعم"!.. إنه بالطبع لن يردع من لا يرتدع بشيء وخاصة أولئك الذين يدّعون خدمة الله والدين بينما ليسوا في الحقيقة سوى منافقين مشعوذين. هؤلاء لا ينطبق عليهم قول المسيح بأنهم الملح الذي فسد فاستحق أن يُرمى خارجاً ليدوس عليه الناس، (متى 5 : 13 ) لأنهم في الحقيقة كانوا ملحاً فاسداً من الأساس حيث لم تكن غايتهم من الوعظ والتبشير إلا مهنة وجدوا فيها وسيلة سهلة لخداع البسيطين من الناس وجني الأرباح الطائلة السريعة من ورائهم. ويجدر القول هنا أن هناك على كل حال من البشر من لا ينفع فيهم لا زواج ولا علاج.
إنه لمن المؤكّد بأن السماح بزواج الكهنة لن يأتي بحل نهائي للتصرّفات السيئة التي يقوم بها البعض منهم، ولكن علينا أن نتذكّر هنا أنه حتى الأنبياء لم يسلموا من الوقوع في حبائل المغريات فكان منهم من انحرف عن طريق الأخلاق وأتى بالموبقات التي استحقت غضب الله. رغم ذلك، لا يمكننا إلا أن نقرّ بأن الزواج هو إلى حدّ ما أفضل ضمانةٌ لا يشكّ أحد في فعاليّتها وفائدتها.
**********
Comment