قال يسوع: "ليس كل من يقول: يا ربّ، يا ربّ، يدخل ملكوت السماوات، بل الذي يعمل إرادة أبي الذي في السماوات" (متّى 7: 21). وعن مجيئه الثاني قال: "إن قيل لكم: هوذا المسيح ههنا، أو ههنا، فلا تصدّقوا... إن قيل لكم: ها هو في البرّية، فلا تخرجوا، أو: ها هو في المخادع، فلا تصدّقوا" (متّى 24: 23- 26).
لقد كانت حياة مريم في نظر الناس بسيطة دون أيّ خوارق فلا شيء يظهر في الخارج من عمق إيمانها. ولكن إذا نظرنا الى القلب اكتشفنا استسلامها التامّ لله ولعمله فها وبواسطتها. قال يسوع في نهاية حياته: "يا أبتاه... أنا قد مجّدتك على الأرض، إذ أتممت العمل الذي أعطيتني لأعمله" (يو 17: 4). إنّ الله يتمجّد بالعمل الذي نعمله وفقًا لإرادة الله، وبالثمار التي نحملها: "بهذا يتمجّد أبي وتكونون تلاميذي، إذا أتيتم بثمر كثير" (يو 15: 8).
إنّ مريم، منذ بشارة الملاك جبرائيل لها بأنّها ستصير أمًّا لابن الله، استسلمت لإرادة الله بقولها للملاك: "ها أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1: 38). واستسلمت لعمل الروح القدس يحلّ عليها ولقدرة العلي تظلّلها، لتعطي جسدًا ونفسًا بشريّين لابن الله دون مباشرة رجل. وأنشدت نشيد الفرح بالله: "تعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي... لأنّه نظر الى ضعة أمته، فها منذ الآن تغبّطني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس، ورحمته الى جيل وجيل للذين يتّقونه" (لو 1: 46- 50).
وعندما رأت يسوع يزكها ليعمل عمل الآب محقّقًا ما قاله لها وليوسف، بعد أن وجداه في الهيكل: "لم تطلبانني؟ ألم تعلما أنّي ملتزم بشؤون أبي؟" (لو 1: 49)، أدركت أنّ الله يطلب من الذين يدعوهم الى خدمته تخلّياً وانقطاعًا في حياتهم. وعندما رأت ابنها يموت على الصليب، وهو يسلم روحه بين يدي أبيه، ويغفر لصالبيه، راحت تتأمّل الحياة الإلهيّة التي أعطاها للعالم، كما كانت تتأمّل أحداث طفولة يسوع: "وأمّا مريم فكانت تحفظ هذه الأمور كلّها، وتتأمّل فيها في قلبها" (لو 1: 19).
مسيرة مريم هي مسيرة كل مسيحي يدخل بالإيمان في علاقة مع الله. فالانقطاع عن رغبات الذات الأنانيّة ضروري للانطلاق في أعمال الله. والتأمّل بمحبّة الله يشدّ المؤمن للوصول الى الاتّحاد بالذي يحبّه. إذّاك ينتقل المؤمن من تشتّت الرغبات الأنانيّة، التي تقسم كيان الإنسان اجزاء متناقضة وأشلاء مبعثرة، الى وحدة الرغبة الأساسيّة، رغبة الامتلاء من الله، الذي فيه وحده يحصل الإنسان على السلام والأمان.
إنّ إكرامنا لمريم لا معنى له ما لم يضع حياتنا كلّها في ما بين هذا الانقطاع عن رغبات الذات الأنانيّة والتوجّه التامّ الى الله ليملأنا منه. مريم هي مثال كلّ مؤمن، لأنّ الله فيها اتّحد بالبشر، وهي أعطت ذاتها لتقبل عطيّة الله بتقبّلها الله. دخلت في ألفة معه واشتركت في مجده. الإنسان الذي يميل الى الانطواء على نفسه أو الى تسخير الله لرغباته الذاتيّة، يتعلّم من مريم أن يوسّع نفسه على مدى الله. مريم تقودنا الى ابنها الذي هو ابن الله، الى الكلمة الذي هو كلمة الله. مسيرتها بالإيمان من بيت لحم الى الناصرة انتهت بمشاهدتها ابن الله يولد منها بالجسد. ومسيرتها في نهاية حياتها انتهت بانتقالها الى المجد السماوي.
تقوانا المريميّة في الزيارات الى الأماكن المكرّسة على اسم مريم، أو في الصلوات التي نتلوها ونردّد فيها اسم مريم، أصلاة المدائح كانت أم الباراكليسي أم طلبة العذراء أم المسبحة أم أيّ صلاة أخرى، هي وسيلة لنا لتقديم ذاتنا لله ليؤلّهنا. صلاتنا الى مريم لا تضع حاجزًا بيننا وبين السيّد المسيح. لأنّنا لا نوجّه صلاتنا اليها إلاّ وهي حاملة ابنها أو واقفة الى يمينه تصلّي اليه معنا، فيمَا القدّيس يوحنّا المعمدان يقف عن يساره يمثّلنا جميعًا. ولأنّ مريم هي مثال الإنسان المتّحد بالله، فهي تساعدنا على اتّخاذ الموقف المناسب الذي يجعلنا بدورنا نتّحد بالله، و"نعكس كما في مرآة مجد الربّ، فنتحوّل الى تلك الصورة بعينها، المتزايدة في البهاء، بحسب فعل الربّ الذي هو روح" (2 كو 3: 18).
إنّ إكرامنا الحقيقي لمريم العذراء يقوم على أن نحقّق في ذواتنا ما كان محور حياتها: أن تترك نفسها لعمل الروح القدس لتصير على صورة الابن. مريم هي صلة الوصل بين شعب العهد القديم الذي كان ينتظر الله، وشعب العهد الجديد الذي ظهر له الله الظهور الكامل في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح، وعليه أن يحقّقه في حياته، ويعطي للعالم تعاليمه ونهج حياته. العالم اليوم كما في كل العصور بحاجة الى الله ليحقّق رغبته الأساسيّة، الامتلاء من ملء الله. مريم امتلأت من الله وامتلأت من الفرح. لذلك تبعث فينا الشوق الى الله والرغبة فيه. فالله هو قدرتنا ونصرتنا وملجأنا وخلاصنا، كما نقرأ في صلاة يهوديت:
"ليست قدرتك بالكثرة، ولا سلطتك بالأقوياء،
بل إنّك إله الوضعاء، ومعين المظلومين،
ونصير الضعفاء، وملجأ المهملين،
ومخلّص اليائسين"
(يهوديت 9: 11).
لقد كانت حياة مريم في نظر الناس بسيطة دون أيّ خوارق فلا شيء يظهر في الخارج من عمق إيمانها. ولكن إذا نظرنا الى القلب اكتشفنا استسلامها التامّ لله ولعمله فها وبواسطتها. قال يسوع في نهاية حياته: "يا أبتاه... أنا قد مجّدتك على الأرض، إذ أتممت العمل الذي أعطيتني لأعمله" (يو 17: 4). إنّ الله يتمجّد بالعمل الذي نعمله وفقًا لإرادة الله، وبالثمار التي نحملها: "بهذا يتمجّد أبي وتكونون تلاميذي، إذا أتيتم بثمر كثير" (يو 15: 8).
إنّ مريم، منذ بشارة الملاك جبرائيل لها بأنّها ستصير أمًّا لابن الله، استسلمت لإرادة الله بقولها للملاك: "ها أنا أمة الربّ، فليكن لي بحسب قولك" (لو 1: 38). واستسلمت لعمل الروح القدس يحلّ عليها ولقدرة العلي تظلّلها، لتعطي جسدًا ونفسًا بشريّين لابن الله دون مباشرة رجل. وأنشدت نشيد الفرح بالله: "تعظّم نفسي الربّ وتبتهج روحي بالله مخلّصي... لأنّه نظر الى ضعة أمته، فها منذ الآن تغبّطني جميع الأجيال، لأنّ القدير صنع بي عظائم واسمه قدّوس، ورحمته الى جيل وجيل للذين يتّقونه" (لو 1: 46- 50).
وعندما رأت يسوع يزكها ليعمل عمل الآب محقّقًا ما قاله لها وليوسف، بعد أن وجداه في الهيكل: "لم تطلبانني؟ ألم تعلما أنّي ملتزم بشؤون أبي؟" (لو 1: 49)، أدركت أنّ الله يطلب من الذين يدعوهم الى خدمته تخلّياً وانقطاعًا في حياتهم. وعندما رأت ابنها يموت على الصليب، وهو يسلم روحه بين يدي أبيه، ويغفر لصالبيه، راحت تتأمّل الحياة الإلهيّة التي أعطاها للعالم، كما كانت تتأمّل أحداث طفولة يسوع: "وأمّا مريم فكانت تحفظ هذه الأمور كلّها، وتتأمّل فيها في قلبها" (لو 1: 19).
مسيرة مريم هي مسيرة كل مسيحي يدخل بالإيمان في علاقة مع الله. فالانقطاع عن رغبات الذات الأنانيّة ضروري للانطلاق في أعمال الله. والتأمّل بمحبّة الله يشدّ المؤمن للوصول الى الاتّحاد بالذي يحبّه. إذّاك ينتقل المؤمن من تشتّت الرغبات الأنانيّة، التي تقسم كيان الإنسان اجزاء متناقضة وأشلاء مبعثرة، الى وحدة الرغبة الأساسيّة، رغبة الامتلاء من الله، الذي فيه وحده يحصل الإنسان على السلام والأمان.
إنّ إكرامنا لمريم لا معنى له ما لم يضع حياتنا كلّها في ما بين هذا الانقطاع عن رغبات الذات الأنانيّة والتوجّه التامّ الى الله ليملأنا منه. مريم هي مثال كلّ مؤمن، لأنّ الله فيها اتّحد بالبشر، وهي أعطت ذاتها لتقبل عطيّة الله بتقبّلها الله. دخلت في ألفة معه واشتركت في مجده. الإنسان الذي يميل الى الانطواء على نفسه أو الى تسخير الله لرغباته الذاتيّة، يتعلّم من مريم أن يوسّع نفسه على مدى الله. مريم تقودنا الى ابنها الذي هو ابن الله، الى الكلمة الذي هو كلمة الله. مسيرتها بالإيمان من بيت لحم الى الناصرة انتهت بمشاهدتها ابن الله يولد منها بالجسد. ومسيرتها في نهاية حياتها انتهت بانتقالها الى المجد السماوي.
تقوانا المريميّة في الزيارات الى الأماكن المكرّسة على اسم مريم، أو في الصلوات التي نتلوها ونردّد فيها اسم مريم، أصلاة المدائح كانت أم الباراكليسي أم طلبة العذراء أم المسبحة أم أيّ صلاة أخرى، هي وسيلة لنا لتقديم ذاتنا لله ليؤلّهنا. صلاتنا الى مريم لا تضع حاجزًا بيننا وبين السيّد المسيح. لأنّنا لا نوجّه صلاتنا اليها إلاّ وهي حاملة ابنها أو واقفة الى يمينه تصلّي اليه معنا، فيمَا القدّيس يوحنّا المعمدان يقف عن يساره يمثّلنا جميعًا. ولأنّ مريم هي مثال الإنسان المتّحد بالله، فهي تساعدنا على اتّخاذ الموقف المناسب الذي يجعلنا بدورنا نتّحد بالله، و"نعكس كما في مرآة مجد الربّ، فنتحوّل الى تلك الصورة بعينها، المتزايدة في البهاء، بحسب فعل الربّ الذي هو روح" (2 كو 3: 18).
إنّ إكرامنا الحقيقي لمريم العذراء يقوم على أن نحقّق في ذواتنا ما كان محور حياتها: أن تترك نفسها لعمل الروح القدس لتصير على صورة الابن. مريم هي صلة الوصل بين شعب العهد القديم الذي كان ينتظر الله، وشعب العهد الجديد الذي ظهر له الله الظهور الكامل في شخص ابنه وكلمته يسوع المسيح، وعليه أن يحقّقه في حياته، ويعطي للعالم تعاليمه ونهج حياته. العالم اليوم كما في كل العصور بحاجة الى الله ليحقّق رغبته الأساسيّة، الامتلاء من ملء الله. مريم امتلأت من الله وامتلأت من الفرح. لذلك تبعث فينا الشوق الى الله والرغبة فيه. فالله هو قدرتنا ونصرتنا وملجأنا وخلاصنا، كما نقرأ في صلاة يهوديت:
"ليست قدرتك بالكثرة، ولا سلطتك بالأقوياء،
بل إنّك إله الوضعاء، ومعين المظلومين،
ونصير الضعفاء، وملجأ المهملين،
ومخلّص اليائسين"
(يهوديت 9: 11).
هذا ما تعلّمنا إيّاه مريم العذراء وهي تحمل ابنها وتشير اليه قائلة:
"مهما قال لكم فافعلوه"، هو "معين المظلومين، ونصير الضعفاء، وملجأ المهملين، ومخلص اليائسين". وكلّما نصلّي الى مريم العذراء نفرح بها مجدّدين إيماننا بأنّ الذي تحمله هو ظهور الله بالجسد، الإله الذي قبل الدهور، كما ننشد في الطقس البيزنطي:
"إنّ البرايا بأسرها تفرح بك، يا ممتلئة نعمة. محافل الملائكة، وأجناس البشر، إيّاك يعظّمون. أيّها الهيكل المتقدّس، والفردوس الناطق، وفخر البتولية. التي منها تجسّد الإله وصار طفلاً، وهو إلهنا قبل الدهور، لأنّه صنع مستودعك عرشًا، وجعل أحشاءك أرحب من السماوات. لذلك يا ممتلئة نعمة، تفرح بك كلّ البرايا وتمجّدك
"مهما قال لكم فافعلوه"، هو "معين المظلومين، ونصير الضعفاء، وملجأ المهملين، ومخلص اليائسين". وكلّما نصلّي الى مريم العذراء نفرح بها مجدّدين إيماننا بأنّ الذي تحمله هو ظهور الله بالجسد، الإله الذي قبل الدهور، كما ننشد في الطقس البيزنطي:
"إنّ البرايا بأسرها تفرح بك، يا ممتلئة نعمة. محافل الملائكة، وأجناس البشر، إيّاك يعظّمون. أيّها الهيكل المتقدّس، والفردوس الناطق، وفخر البتولية. التي منها تجسّد الإله وصار طفلاً، وهو إلهنا قبل الدهور، لأنّه صنع مستودعك عرشًا، وجعل أحشاءك أرحب من السماوات. لذلك يا ممتلئة نعمة، تفرح بك كلّ البرايا وتمجّدك
Comment