منذ السنوات الأولى للخليقة ، نشأت الديانات واختلفت المعتقدات ، وسيطرت فكرة الموت على عقل الانسان . منهم من اعتبره نهاية حياة ، ومنهم من اعتبره بداية حياة ، ومنهم من اعتبره طريقة لتقمص في جسد آخر . لهذا ادخلت طرق دفن مختلفة ، مما أدى إلى سؤالات حول الدفن بين تشريع الدفن وتحريم الحرق ـ لقد أدخلت عادات حرق الجثة في أميركا الشمالية لأول مرة سنة 1875 في مدينة نيويورك ، كما أن العادة متبعة في دول آسيا كالصين والهند وغيرهما .
أما طريقة الحرق فتختلف من بلد إلى آخر . لقد مارسه الاغريق منذ العصور القديمة والرومان القدامى ، وكانوا يعتقدون أن احراق الجثة يطهّر الروح ويحرّرها من شكلها الأرضي . كما أن الاهتمام باستخدام الأرض في المناطق الحضارية وتزايد المعارضة لتعاليم الكنيسة ، ساعد على احياء الاهتمام باحراق جثث الموتى في البلدان المسيحية ، فكانت ثاني محرقة افتتحت في ميلانو سنة 1876.
في القرون الماضية كانت الشعوب تهتم بأمواتها كثيرا ، وقد اتيح لهم أن يختاروا بين الدفن أو حرق الجثة . ففي بعض الدول حول المتوسط كان التقليد الغالب هو دفن الميت لأنهم كانوا يؤمنون بأن النفس الغير المدفونة لا تستطيع الدخول إلى الفرح السماوي . وقد تغيرت هذه النظرة اليوم فأخذت كنائس بروتستانتية في أوروبا الغربية تحرق جثة الميت .
أما المسيحية الأصلية فقد كانت دائما مع دفن جثة الميت . ولاهوت الكنيسة يربط بين النفس والجسد ، ويمنع حرق الجسد . يقول الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى ( كورنثوس 3 : 17 ) " ان كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله ".
ما هو الانسان من النظرة اللاهوتية؟
لقد أعطى القديس يوستينيوس التحديد التالي للانسان :" ما الانسان إلا حيوان عاقل مؤلف من نفس وجسد ، والانسان لا يدعى لواحده من هذه ، أي للجسد أو للنفس ، بل من تمازج الاثنين معا ، لأن الاتحاد القوي بين النفس والجسد ينمو في كامل الانسان الذي يتكون من نفس وجسد ".
الانسان اقنوم حيث تتحد النفس والجسد بالكامل ، وبعد انفصال النفس ، لا يبطل الأقنوم. يمكننا أن نحدد هذه الحقيقة اللاهوتية بإشارتين : الأولى : ان النفس المنفصلة من الجسد تحفظ بداخلها الذكريات .
ثانيا : لا يتحطم الاقنوم نتيجة انفصال النفس عن الجسد . لأن النفس بعد انفصالها عن الجسد تعرف وتتعرف على اعضاء الجسد . وستدخل إلى جسدها اللا هيولي بقوة وعمل الله ، وهكذا تتم قيامة الأموات . الانسان لن يتغير وسيكون بلا فساد أو موت أو تبدد في الجسم القائم .
يقول الرسول بولس ( في 1 كورنثوس 15 : 42 ) : " هكذا أيضا قيامة الأموات ، يزرع في فساد ويقام في عدم فساد ، يزرع في هوان ، ويقام في مجد ، يزرع في ضعف ويقام في قوة ، يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحيا ".
يواجه المسيحي هذه الأيام السؤال الذي يشجعه العالم المتعولم :" هل ينبغي أن نحرق جثة المائت ؟ لكن الكتاب المقدس يقول : ان الجسد مقدس وهو هيكل الله " بينما العالم يزدري بالجسد وينكر وجود النفس بعد الموت ، لا شك بأن حرق الجسد سيخلق مشاكل كبيرة في الكنيسة .
ماذا ستفعل الكنيسة ؟ هل ستسمح بحرق الجثة وتدفن الرماد فقط ؟ على الكنيسة أن تتخذ موقفا واضحا تجاه هذه المواضيع الرعائية .
هناك جوابين محتملين :
1. الخدمة الكنسية ترتبط بالنظرة إلى الجسد البشري وليس إلى الرماد .
2. خدمة الجناز ترتبط بالجسد المدفون وليس بالرماد المدفون .
هاتان الاشارتان تقودان إلى نتيجة وهي أنه يجب أن لا تقام خدمة جناز لا قبل ولا بعد حرق الجثة . وعلى الكنيسة أن تبقى منفصلة عن الروح العالمية ، وان تجنز وتدفن الأجساد الراقدة منتظرة القيامة .
حرق الجثة ، وجهة نظر مسيحية انسانية أخلاقية
الموت يشكل التهديد الثابت للحياة البشرية ، وبما ان الكنيسة تؤمن بقيامة الأموات ، وترفض حرق جثثهم لأن هذا مرتبط بإيمان الكنيسة بالانسان وهدف وجوده .
الجسد كما سبق فقلت هو هيكل الروح القدس ، هو الكنيسة الحية التي فيها يدعى الانسان لعبادة خالقه . فنرى الكنيسة تكرّم رفات القديسين . فحرق الجثة يعتبر عبادة وثنية لأن المسيحي ينتظر القيامة التي تتعلق بأقنومه الجسدي والنفسي الكامل وينتظر قيامة الانسان الجديد من داخل الجسد الفاسد .ان حرق الجثة لا ينقض عقيدة القيامة ، لكنه يهاجم الشعور وأخلاقيات هذه العقيدة التي تمس شعور المؤمنين ومبادئهم وحياة الكنيسة. ان اقامة ذكراهم هو الطريق الأفضل لحفظهم أحياء في عقولنا ، ويذكّرنا بأصلنا ، بتقليدنا، وبواجباتنا نحوهم .
الحرق أو الترميد ـ نظرة أورثوذكسية
لم يوافق آباء الكنيسة منذ تأسيسها على الترميد ، لأنه يقلل الاحترام للراقد . والحجج المعاصرة التي تشجعه تستند على اعتبارات بيئية واقتصادية . اذ ان حرق الجثة أقل كلفة من الدفن. والترميد يتخلص من الجثة ولم يعد من امكانية من تسبيبها بنشر الأمراض في المجتمع .
القانون الكنسي والتقليد العقائدي لا يحرمان الترميد ، لكن مؤخرا ظهرت بعض الآراء المناهضة لها ، تحت طائلة حرمان الميت من المراسم الكنسية . المسيح دفن بالجسد وقام بالجسد : " هات يدك يا توما وجس يدي ، وهات اصبعك وضعه في جروحي ..." كما أظهر نوع القيامة عندما اقام صديقه العازر بعد أربعة أيام من دفنه .
ليس من المسموح عدم معرفة الواجبات والارتباطات التي توجب خصوصية الانسان ككائن اجتماعي ، ولكننا نشتكي دائما من ان نسيج مجتمعنا بدء يميل إلى التفكك ، ويجب أن لا نسمح بوجود أسباب لتشريع وتقوية انحلاله . فمطلب حرق الأجساد يمكن أن يكون مقبولا ومحترما ويعبّر عن رغبته وحرية الفرد في المجتمع المعولم ، وفي الوقت نفسه هذا المطلب سيتحرك في اتجاه مناقض وينشئ تصرفا يصبح في نظر المجتمع سليما . هذا التصرف ، وخاصة في الكنيسة التي تؤمن بالحرية الانسانية لا يمكن ان يمنع المطلب الارادي لدى الانسان ، ولا يفرض الايمان طقوسه على الذين هم غرباء عنه ، ولكن الغرباء عن الكنيسة وطقوسها يجب ان لا يطلبوا منا ان نبارك خياراتهم التي تتعارض مع تعاليمنا وتقاليدنا .
أما طريقة الحرق فتختلف من بلد إلى آخر . لقد مارسه الاغريق منذ العصور القديمة والرومان القدامى ، وكانوا يعتقدون أن احراق الجثة يطهّر الروح ويحرّرها من شكلها الأرضي . كما أن الاهتمام باستخدام الأرض في المناطق الحضارية وتزايد المعارضة لتعاليم الكنيسة ، ساعد على احياء الاهتمام باحراق جثث الموتى في البلدان المسيحية ، فكانت ثاني محرقة افتتحت في ميلانو سنة 1876.
في القرون الماضية كانت الشعوب تهتم بأمواتها كثيرا ، وقد اتيح لهم أن يختاروا بين الدفن أو حرق الجثة . ففي بعض الدول حول المتوسط كان التقليد الغالب هو دفن الميت لأنهم كانوا يؤمنون بأن النفس الغير المدفونة لا تستطيع الدخول إلى الفرح السماوي . وقد تغيرت هذه النظرة اليوم فأخذت كنائس بروتستانتية في أوروبا الغربية تحرق جثة الميت .
أما المسيحية الأصلية فقد كانت دائما مع دفن جثة الميت . ولاهوت الكنيسة يربط بين النفس والجسد ، ويمنع حرق الجسد . يقول الرسول بولس في الرسالة الأولى إلى ( كورنثوس 3 : 17 ) " ان كان أحد يفسد هيكل الله فسيفسده الله ".
ما هو الانسان من النظرة اللاهوتية؟
لقد أعطى القديس يوستينيوس التحديد التالي للانسان :" ما الانسان إلا حيوان عاقل مؤلف من نفس وجسد ، والانسان لا يدعى لواحده من هذه ، أي للجسد أو للنفس ، بل من تمازج الاثنين معا ، لأن الاتحاد القوي بين النفس والجسد ينمو في كامل الانسان الذي يتكون من نفس وجسد ".
الانسان اقنوم حيث تتحد النفس والجسد بالكامل ، وبعد انفصال النفس ، لا يبطل الأقنوم. يمكننا أن نحدد هذه الحقيقة اللاهوتية بإشارتين : الأولى : ان النفس المنفصلة من الجسد تحفظ بداخلها الذكريات .
ثانيا : لا يتحطم الاقنوم نتيجة انفصال النفس عن الجسد . لأن النفس بعد انفصالها عن الجسد تعرف وتتعرف على اعضاء الجسد . وستدخل إلى جسدها اللا هيولي بقوة وعمل الله ، وهكذا تتم قيامة الأموات . الانسان لن يتغير وسيكون بلا فساد أو موت أو تبدد في الجسم القائم .
يقول الرسول بولس ( في 1 كورنثوس 15 : 42 ) : " هكذا أيضا قيامة الأموات ، يزرع في فساد ويقام في عدم فساد ، يزرع في هوان ، ويقام في مجد ، يزرع في ضعف ويقام في قوة ، يزرع جسما حيوانيا ويقام جسما روحيا ".
يواجه المسيحي هذه الأيام السؤال الذي يشجعه العالم المتعولم :" هل ينبغي أن نحرق جثة المائت ؟ لكن الكتاب المقدس يقول : ان الجسد مقدس وهو هيكل الله " بينما العالم يزدري بالجسد وينكر وجود النفس بعد الموت ، لا شك بأن حرق الجسد سيخلق مشاكل كبيرة في الكنيسة .
ماذا ستفعل الكنيسة ؟ هل ستسمح بحرق الجثة وتدفن الرماد فقط ؟ على الكنيسة أن تتخذ موقفا واضحا تجاه هذه المواضيع الرعائية .
هناك جوابين محتملين :
1. الخدمة الكنسية ترتبط بالنظرة إلى الجسد البشري وليس إلى الرماد .
2. خدمة الجناز ترتبط بالجسد المدفون وليس بالرماد المدفون .
هاتان الاشارتان تقودان إلى نتيجة وهي أنه يجب أن لا تقام خدمة جناز لا قبل ولا بعد حرق الجثة . وعلى الكنيسة أن تبقى منفصلة عن الروح العالمية ، وان تجنز وتدفن الأجساد الراقدة منتظرة القيامة .
حرق الجثة ، وجهة نظر مسيحية انسانية أخلاقية
الموت يشكل التهديد الثابت للحياة البشرية ، وبما ان الكنيسة تؤمن بقيامة الأموات ، وترفض حرق جثثهم لأن هذا مرتبط بإيمان الكنيسة بالانسان وهدف وجوده .
الجسد كما سبق فقلت هو هيكل الروح القدس ، هو الكنيسة الحية التي فيها يدعى الانسان لعبادة خالقه . فنرى الكنيسة تكرّم رفات القديسين . فحرق الجثة يعتبر عبادة وثنية لأن المسيحي ينتظر القيامة التي تتعلق بأقنومه الجسدي والنفسي الكامل وينتظر قيامة الانسان الجديد من داخل الجسد الفاسد .ان حرق الجثة لا ينقض عقيدة القيامة ، لكنه يهاجم الشعور وأخلاقيات هذه العقيدة التي تمس شعور المؤمنين ومبادئهم وحياة الكنيسة. ان اقامة ذكراهم هو الطريق الأفضل لحفظهم أحياء في عقولنا ، ويذكّرنا بأصلنا ، بتقليدنا، وبواجباتنا نحوهم .
الحرق أو الترميد ـ نظرة أورثوذكسية
لم يوافق آباء الكنيسة منذ تأسيسها على الترميد ، لأنه يقلل الاحترام للراقد . والحجج المعاصرة التي تشجعه تستند على اعتبارات بيئية واقتصادية . اذ ان حرق الجثة أقل كلفة من الدفن. والترميد يتخلص من الجثة ولم يعد من امكانية من تسبيبها بنشر الأمراض في المجتمع .
القانون الكنسي والتقليد العقائدي لا يحرمان الترميد ، لكن مؤخرا ظهرت بعض الآراء المناهضة لها ، تحت طائلة حرمان الميت من المراسم الكنسية . المسيح دفن بالجسد وقام بالجسد : " هات يدك يا توما وجس يدي ، وهات اصبعك وضعه في جروحي ..." كما أظهر نوع القيامة عندما اقام صديقه العازر بعد أربعة أيام من دفنه .
ليس من المسموح عدم معرفة الواجبات والارتباطات التي توجب خصوصية الانسان ككائن اجتماعي ، ولكننا نشتكي دائما من ان نسيج مجتمعنا بدء يميل إلى التفكك ، ويجب أن لا نسمح بوجود أسباب لتشريع وتقوية انحلاله . فمطلب حرق الأجساد يمكن أن يكون مقبولا ومحترما ويعبّر عن رغبته وحرية الفرد في المجتمع المعولم ، وفي الوقت نفسه هذا المطلب سيتحرك في اتجاه مناقض وينشئ تصرفا يصبح في نظر المجتمع سليما . هذا التصرف ، وخاصة في الكنيسة التي تؤمن بالحرية الانسانية لا يمكن ان يمنع المطلب الارادي لدى الانسان ، ولا يفرض الايمان طقوسه على الذين هم غرباء عنه ، ولكن الغرباء عن الكنيسة وطقوسها يجب ان لا يطلبوا منا ان نبارك خياراتهم التي تتعارض مع تعاليمنا وتقاليدنا .
للمتروبوليت بولس صليبا
Comment