ترأس متروبوليت بيروت للروم الارثوذكس المطران الياس عوده خدمة الهجمة وقداس الفصح، عند السادسة من صباح الاحد، في كاتدرائية القديس جاورجيوس في ساحة النجمة. وبعد قراءة الإنجيل المقدس، ألقى عظة قال فيها: المسيح قام - حقا قام، فلنسجد لقيامته ذات الثلاثة الأيام. المسيح قام من بين الأموات ووطئ الموت بالموت ووهب الحياة للذين في القبور. أيها الأحبة، اليوم يوم القيامة. إنه يوم النور بالنسبة للمسيحي الذي يؤمن بالإله المتجسد الذي "كان في البدء عند الله. به كان كل شيء وبغيره ما كان شيء مما كان. فيه كانت الحياة وحياته كانت نور الناس... إلى بيته جاء فما قبله أهل بيته. أما الذين قبلوه، المؤمنون باسمه، فأعطاهم سلطانا أن يصيروا أبناء الله"، أولادا للنور. المسيح إلهنا، الإله قبل الدهور، أتى إلينا ليرفعنا من الحضيض، من حضيض الخطيئة والآلام والتعاسة، من حضيض القلق والشدة والضيق، من حضيض التيهان في هذا العالم. أتى إلينا ليرفعنا فوقها كلها. بدءا اتحد بنا، بكل آلامنا وأوجاعنا، بجوعنا وعطشنا وتعبنا وحزننا، بكل ما فينا ما عدا الخطيئة. اتحد بنا ليميت ضعفاتنا كلها مع الخطيئة، على الصليب، ويعيدنا إلى ما كنا عليه في الفردوس، في وحدة مع الله، في رعاية الله وعنايته، عيوننا شاخصة إليه وقلوبنا متحدة بمشيئته. أتى متجسدا بعدما عصى الإنسان الله وظن نفسه إلها. تواضع الرب أمام الإنسان وسأله أن يأتي إليه، منعما عليه بمحبة لا حدود لها، جوهرها الموت من أجل الحبيب، من أجل إعادته إلى النور والحياة. القيامة هي هذا الفعل الإلهي الذي ورثه كل مؤمن لكي ينتصر على كل ضعف ومرض وألم وحزن، بالمسيح يسوع. كثيرون منا، أولئك الذين يحبون الله، يتألمون بل يختبرون القيامة في كل ساعة وكل يوم. وكما قال الرسول "من أجلك نحن نعاني الموت طول النهار... ولكننا في هذه الشدائد ننتصر كل الإنتصار بالذي أحبنا" (رو 8: 36-37). القيامة بالنسبة للمسيحي هي جوهر حياته. هي قوته. لذلك يقول بولس الرسول إن لم يكن المسيح قد قام فباطلة كرازتنا وباطل إيماننا (1 كور 15: 14).
الإنسان إذاً مدعو إلى العودة إلى الله، إلى العزة الإلهية، إلى القوة الإلهية. كل قوة أرضية زائلة والقوى الأرضية تقهر الإنسان. وهي تقهر أولا القوي ومدعي القوة لأنه يدخل هلاك الكبرياء وعتمتها. القوي إنسان متكبر. لو كان متواضعا لما كنا نرى قوته إلا في المحبة. المتواضع ينحني أمام آلام أخيه ويرفعه إلى الرجاء. الأقوياء متكبرون وهم سبب كل هلاك فيهم وفي الناس. الإنسان مدعو من الله إلى التأله ومعرفة معنى القيامة. في كل يوم نواجه الصعوبات والرب يذكرنا أننا أبناء القيامة. بولس الرسول يقول في رسالته إلى أهل فيليبي إني أحسب كل شيء خسارة، نفاية، ولا أحتاج إلا إلى معرفة ربي يسوع المسيح. أحتاج الى أن أعرف قوة قيامته، أن أشترك في آلامه، أن أتشبه بموته لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات. المؤمن يجب أن يتشبه بالمسيح الذي هو معلمه والقدوة. المسيح حياتي لذا أسعى الى أن أبقى في إثره ولا أنظر إلا إليه ولا ألتفت إلى الوراء بل أنسى ما هو ورائي وأسعى إلى ما هو أمامي. ان خبرة معرفة قيامة المسيح موجودة في من يؤمن به ويحبه. هذا يعرف معنى الرجاء. من كان في المسيح تعمل قوة القيامة فيه. من يعرف المسيح ومعنى آلامه وموته هو دائما مستعد للموت من أجل من يحب، وكل إنسان حبيب بالنسبة الينا. إذا كنت مستعدا أن تختبر الموت أي أن تميت ذاتك والأنا، فتعرف حينئذ ما معنى القيامة. الله قد أقام ابنه وسيقيمنا نحن بقوته لأننا أعضاء في جسده، في جسد المسيح. وإذا كان المسيح قد قام فكل عضو فيه سيقوم. القيامة لا تنحصر في الإنعتاق من الموت إنما هي أيضا التحرر من كل ألم. والألم يلازم المحبة. المسيحي الحقيقي يتألم لأنه يحب. من لا يحب يكفر بالله إذا ذاق الألم. المسيحي لا يكفر بل يشكر الله لأنه يشارك المتألمين آلامهم ويشاطرهم أوجاعهم. الرب دخل آلام الإنسان وموته لأنه يحبه. وقد أظهر لنا يسوع أن آلام المحبة لها نهاية في القيامة.
الإنسان المحب يعرف أن صليبه هو أداة قيامته وأن في الصليب رجاء القيامة. المحبة المصلوبة تتحول إلى الإنتصار، إلى القيامة والإتحاد بحياة الرب. لذلك المؤمن قائم في الرجاء. المؤمن يرجو في كل حين، والرجاء هو أن تؤمن بما سيأتي، لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضا؟ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (روميه 8: 24-25). المؤمن يسلك بالإيمان لا بالعيان (2كور 5: 7)، الإيمان المرتكز على المحبة، محبته ليسوع. هذه المحبة هي لب حياتنا وهي التي تشكل سيرتنا مع الناس لأنها نازلة من فوق، والمخلص يسوع المسيح هو الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، جسد القيامة.
يقول يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا. إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضا (4: 19-21). من لا يحب أهل بيته كيف يستطيع أن يحب الغريب أو البعيد؟ المحبة هي السبيل الوحيد الذي يجعل الإنسان قادرا أن يرى مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة ويتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد (2 كور 3: 18). الله وحده هو ينبوع المحبة والرحمة والرأفات والصلاح والسلام. الله الذي هـو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح ـ بالنعمة أنتم مخلصون ـ وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أفسس 2: 4-6)". نحن سنقوم جميعنا لأن يسوع قد قام. فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم. نحن نخص المسيح وإذا قبلنا المسيح علينا أن نسلك بحسب وصاياه وأن نكون متأصلين فيه ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان كما قال بولس الرسول".
"لا نؤمن بثقافة الموت"
اضاف: "في هذا العيد المبارك علينا إذاً أن نبشر بالحياة لا بالموت، وإن كنا نعيش في جو لا نرى فيه إلا السواد والقتل - نسمع بالقتلى بالعشرات وكأن الإنسان لا معنى له - والمحزن أن هذا يحصل باسم الله أحيانا. أنا لا أفهم كيف يستطيع قاتل أن يقتل إنسانا فكيف إذا كان طفلا؟ حياتنا عابقة بأخبار الموت والحروب والضحايا والإختبارات الذرية - التي يقولون أنها لخير الإنسان لكنها في معظم الأوقات تقضي عليه - وتبادل الإتهامات، ولا أحد يعرف من هو الصادق ومن هو غير الصادق. نحن لا نشعر بالفرح وبالرجاء في بلدنا وهما من صميم إيماننا. يقول الرسول بولس: إفرحوا بالرب كل حين وأيضا أقول لكم إفرحوا (فيليبي 4: 4). والفرح وليد المحبة. المسيحي الحقيقي يحب ولا يقتل. عندما استل أحد الذين كانوا مع يسوع، ليلة تسليمه، سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه قال له يسوع "رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون" (متى 26: 52). نحن لا نحارب لا بالسيف ولا بغيره ولا نقتل ولا نميت الآخرين لكي نعيش بل نموت من أجل الآخرين. نحن لا نؤمن بثقافة الموت. الحرب حرب والموت موت. الموت المبرر هو أن أموت من أجل غيري، لكي يحيا، وعلي أن أدرب نفسي على هذا الأمر. في إيماننا عندما تقتل عليك أن تتوب. لذا أقول لكل من يؤمن بالله أنه علينا أن نبشر بالحياة لا بالموت، بالنور لا بالظلمة، بعدم الفساد لا بالفساد الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا، لذلك من الصعب أن يدين إنسان إنسانا في بلدنا لأن من يدين في معظم الأحيان هو ملطخ أيضا".
وتابع: "علينا أن نبشر بالرجاء. القيامة هي الحرية، هي الإنتصار والفرح وأداتها صليب المحبة. صلاتنا أن ينزل الملاك ويدحرج عن قلوبنا كل قساوة وأن يساعدنا في فتح حواسنا المغلقة. قلوبكم هي مسكن الله، فيها يستقر وفيها يستريح. فيها يسود ويملك. لا تجعلوا قلوبكم قبورا مبيضة ظاهرها جميل وباطنها ممتلئ بعظام الموتى وبكل فساد (متى 23: 27) كما قال الرب يسوع للكتبة والفريسيين، ولا تتظاهروا بالبر والإستقامة لأنكم من داخل مشحونون بالرياء والإثم (متى 23: 28).
عيدنا اليوم يدعونا أن نرجو، أن نحب بعضنا بعضا كما أحبنا المصلوب، أن يبحث كل منا عن مصلحة الآخر، عن مصلحة المواطن الذي هو فرد من العائلة التي شاءها الله لنا. نحن نقطن في بيت واحد هو هذا الوطن الصغير. فليتخط الجميع أنفسهم ومصالحهم وأية مصلحة خارجية من أجل إنقاذ هذا البيت العائلي، هذا الوطن وساكنيه. لنحرر وطننا. لبنان أسير أبنائه فليعملوا جميعهم، يدا بيد، من أجل إنقاذه. العالم مشغول بنا ونحن غافلون عن المحبة التي وحدها تنتشلنا من قعر الهوة التي رمينا وطننا فيها، غافلون عن أولادنا الذين يفارقوننا وهم يحملون النبوغ إلى حيث يذهبون، غافلون عن مصلحة لبناننا الذي نتقاسمه كقطعة حلوى، عوض ترميم أجزائه. في كل مؤتمر في العالم يتحدثون عن لبنان ويبحثون أموره ونحن نتلهى بالشتائم وتحدي الواحد للآخر والشعب يعاني والوقت يضيع".
نتكلم على الحوار ولكن كيف نتحاور ولغة التخاطب التي نسمعها بلغت أدنى الدركات؟ والشك وعدم الثقة والخوف من الآخر متمكنة من النفوس. إسمعوا الأخبار واقرأوا الجرائد تدركوا ما أقول. نحن نمتهن الكلام الرخيص والشتائم ولا نحترم المقامات. لا نريد الإساءة إلى أحد ولكننا بتنا نتساءل في هذا الجو الذي نعيش فيه هل ان كلمة "مسؤولية" ما زالت موجودة في قاموس المسؤولين وربما معظم المواطنين؟ المسؤول المسؤول إنسان لا ينام إن لم يقم بواجبه، وضميره بوصلته في حياته، يؤنبه إذا أخطأ ويوعيه إذا تعثر. وكيف نتساءل عن المسؤولية وقد أصبحنا نشك في انتماء الكثيرين إلى هذا البلد؟ ولا نرى إلا عدم المحبة وعدم الثقة وانعدام الوطنية. شعبنا بحاجة إلى أن يتعلم الوطنية.
صلاتنا أن ينمي الله محبة اللبنانيين بعضهم لبعض وأن يزيدهم فيها سموا، لأن المحبة وحدها تنتشل هذا البلد مما هو فيه وتطلقه إلى مستقبل أفضل. صلاتنا أن يخرج هذا الوطن من قبره، أن يطلق من أسره، أن يشفى من آلامه التي يتخبط فيها. ودعاؤنا أن يحظى بقيامة مباركة مرجوة عند النفوس البارة".
الإنسان إذاً مدعو إلى العودة إلى الله، إلى العزة الإلهية، إلى القوة الإلهية. كل قوة أرضية زائلة والقوى الأرضية تقهر الإنسان. وهي تقهر أولا القوي ومدعي القوة لأنه يدخل هلاك الكبرياء وعتمتها. القوي إنسان متكبر. لو كان متواضعا لما كنا نرى قوته إلا في المحبة. المتواضع ينحني أمام آلام أخيه ويرفعه إلى الرجاء. الأقوياء متكبرون وهم سبب كل هلاك فيهم وفي الناس. الإنسان مدعو من الله إلى التأله ومعرفة معنى القيامة. في كل يوم نواجه الصعوبات والرب يذكرنا أننا أبناء القيامة. بولس الرسول يقول في رسالته إلى أهل فيليبي إني أحسب كل شيء خسارة، نفاية، ولا أحتاج إلا إلى معرفة ربي يسوع المسيح. أحتاج الى أن أعرف قوة قيامته، أن أشترك في آلامه، أن أتشبه بموته لعلي أبلغ إلى قيامة الأموات. المؤمن يجب أن يتشبه بالمسيح الذي هو معلمه والقدوة. المسيح حياتي لذا أسعى الى أن أبقى في إثره ولا أنظر إلا إليه ولا ألتفت إلى الوراء بل أنسى ما هو ورائي وأسعى إلى ما هو أمامي. ان خبرة معرفة قيامة المسيح موجودة في من يؤمن به ويحبه. هذا يعرف معنى الرجاء. من كان في المسيح تعمل قوة القيامة فيه. من يعرف المسيح ومعنى آلامه وموته هو دائما مستعد للموت من أجل من يحب، وكل إنسان حبيب بالنسبة الينا. إذا كنت مستعدا أن تختبر الموت أي أن تميت ذاتك والأنا، فتعرف حينئذ ما معنى القيامة. الله قد أقام ابنه وسيقيمنا نحن بقوته لأننا أعضاء في جسده، في جسد المسيح. وإذا كان المسيح قد قام فكل عضو فيه سيقوم. القيامة لا تنحصر في الإنعتاق من الموت إنما هي أيضا التحرر من كل ألم. والألم يلازم المحبة. المسيحي الحقيقي يتألم لأنه يحب. من لا يحب يكفر بالله إذا ذاق الألم. المسيحي لا يكفر بل يشكر الله لأنه يشارك المتألمين آلامهم ويشاطرهم أوجاعهم. الرب دخل آلام الإنسان وموته لأنه يحبه. وقد أظهر لنا يسوع أن آلام المحبة لها نهاية في القيامة.
الإنسان المحب يعرف أن صليبه هو أداة قيامته وأن في الصليب رجاء القيامة. المحبة المصلوبة تتحول إلى الإنتصار، إلى القيامة والإتحاد بحياة الرب. لذلك المؤمن قائم في الرجاء. المؤمن يرجو في كل حين، والرجاء هو أن تؤمن بما سيأتي، لأننا بالرجاء خلصنا ولكن الرجاء المنظور ليس رجاء، لأن ما ينظره أحد كيف يرجوه أيضا؟ ولكن إن كنا نرجو ما لسنا ننظره فإننا نتوقعه بالصبر (روميه 8: 24-25). المؤمن يسلك بالإيمان لا بالعيان (2كور 5: 7)، الإيمان المرتكز على المحبة، محبته ليسوع. هذه المحبة هي لب حياتنا وهي التي تشكل سيرتنا مع الناس لأنها نازلة من فوق، والمخلص يسوع المسيح هو الذي سيغير شكل جسد تواضعنا ليكون على صورة جسد مجده، جسد القيامة.
يقول يوحنا الحبيب في رسالته الأولى: نحن نحبه لأنه هو أحبنا أولا. إن قال أحد إني أحب الله وأبغض أخاه فهو كاذب لأن من لا يحب أخاه الذي أبصره، كيف يقدر أن يحب الله الذي لم يبصره. ولنا هذه الوصية منه أن من يحب الله يحب أخاه أيضا (4: 19-21). من لا يحب أهل بيته كيف يستطيع أن يحب الغريب أو البعيد؟ المحبة هي السبيل الوحيد الذي يجعل الإنسان قادرا أن يرى مجد الرب بوجه مكشوف كما في مرآة ويتغير إلى تلك الصورة عينها من مجد إلى مجد (2 كور 3: 18). الله وحده هو ينبوع المحبة والرحمة والرأفات والصلاح والسلام. الله الذي هـو غني في الرحمة، من أجل محبته الكثيرة التي أحبنا بها ونحن أموات بالخطايا، أحيانا مع المسيح ـ بالنعمة أنتم مخلصون ـ وأقامنا معه وأجلسنا معه في السماويات في المسيح يسوع" (أفسس 2: 4-6)". نحن سنقوم جميعنا لأن يسوع قد قام. فالذي أقام المسيح من الأموات سيحيي أجسادكم المائتة أيضا بروحه الساكن فيكم. نحن نخص المسيح وإذا قبلنا المسيح علينا أن نسلك بحسب وصاياه وأن نكون متأصلين فيه ومبنيين فيه وموطدين في الإيمان كما قال بولس الرسول".
"لا نؤمن بثقافة الموت"
اضاف: "في هذا العيد المبارك علينا إذاً أن نبشر بالحياة لا بالموت، وإن كنا نعيش في جو لا نرى فيه إلا السواد والقتل - نسمع بالقتلى بالعشرات وكأن الإنسان لا معنى له - والمحزن أن هذا يحصل باسم الله أحيانا. أنا لا أفهم كيف يستطيع قاتل أن يقتل إنسانا فكيف إذا كان طفلا؟ حياتنا عابقة بأخبار الموت والحروب والضحايا والإختبارات الذرية - التي يقولون أنها لخير الإنسان لكنها في معظم الأوقات تقضي عليه - وتبادل الإتهامات، ولا أحد يعرف من هو الصادق ومن هو غير الصادق. نحن لا نشعر بالفرح وبالرجاء في بلدنا وهما من صميم إيماننا. يقول الرسول بولس: إفرحوا بالرب كل حين وأيضا أقول لكم إفرحوا (فيليبي 4: 4). والفرح وليد المحبة. المسيحي الحقيقي يحب ولا يقتل. عندما استل أحد الذين كانوا مع يسوع، ليلة تسليمه، سيفه وضرب عبد رئيس الكهنة فقطع أذنه قال له يسوع "رد سيفك إلى مكانه لأن كل الذين يأخذون بالسيف بالسيف يهلكون" (متى 26: 52). نحن لا نحارب لا بالسيف ولا بغيره ولا نقتل ولا نميت الآخرين لكي نعيش بل نموت من أجل الآخرين. نحن لا نؤمن بثقافة الموت. الحرب حرب والموت موت. الموت المبرر هو أن أموت من أجل غيري، لكي يحيا، وعلي أن أدرب نفسي على هذا الأمر. في إيماننا عندما تقتل عليك أن تتوب. لذا أقول لكل من يؤمن بالله أنه علينا أن نبشر بالحياة لا بالموت، بالنور لا بالظلمة، بعدم الفساد لا بالفساد الذي أصبح جزءا لا يتجزأ من حياتنا، لذلك من الصعب أن يدين إنسان إنسانا في بلدنا لأن من يدين في معظم الأحيان هو ملطخ أيضا".
وتابع: "علينا أن نبشر بالرجاء. القيامة هي الحرية، هي الإنتصار والفرح وأداتها صليب المحبة. صلاتنا أن ينزل الملاك ويدحرج عن قلوبنا كل قساوة وأن يساعدنا في فتح حواسنا المغلقة. قلوبكم هي مسكن الله، فيها يستقر وفيها يستريح. فيها يسود ويملك. لا تجعلوا قلوبكم قبورا مبيضة ظاهرها جميل وباطنها ممتلئ بعظام الموتى وبكل فساد (متى 23: 27) كما قال الرب يسوع للكتبة والفريسيين، ولا تتظاهروا بالبر والإستقامة لأنكم من داخل مشحونون بالرياء والإثم (متى 23: 28).
عيدنا اليوم يدعونا أن نرجو، أن نحب بعضنا بعضا كما أحبنا المصلوب، أن يبحث كل منا عن مصلحة الآخر، عن مصلحة المواطن الذي هو فرد من العائلة التي شاءها الله لنا. نحن نقطن في بيت واحد هو هذا الوطن الصغير. فليتخط الجميع أنفسهم ومصالحهم وأية مصلحة خارجية من أجل إنقاذ هذا البيت العائلي، هذا الوطن وساكنيه. لنحرر وطننا. لبنان أسير أبنائه فليعملوا جميعهم، يدا بيد، من أجل إنقاذه. العالم مشغول بنا ونحن غافلون عن المحبة التي وحدها تنتشلنا من قعر الهوة التي رمينا وطننا فيها، غافلون عن أولادنا الذين يفارقوننا وهم يحملون النبوغ إلى حيث يذهبون، غافلون عن مصلحة لبناننا الذي نتقاسمه كقطعة حلوى، عوض ترميم أجزائه. في كل مؤتمر في العالم يتحدثون عن لبنان ويبحثون أموره ونحن نتلهى بالشتائم وتحدي الواحد للآخر والشعب يعاني والوقت يضيع".
نتكلم على الحوار ولكن كيف نتحاور ولغة التخاطب التي نسمعها بلغت أدنى الدركات؟ والشك وعدم الثقة والخوف من الآخر متمكنة من النفوس. إسمعوا الأخبار واقرأوا الجرائد تدركوا ما أقول. نحن نمتهن الكلام الرخيص والشتائم ولا نحترم المقامات. لا نريد الإساءة إلى أحد ولكننا بتنا نتساءل في هذا الجو الذي نعيش فيه هل ان كلمة "مسؤولية" ما زالت موجودة في قاموس المسؤولين وربما معظم المواطنين؟ المسؤول المسؤول إنسان لا ينام إن لم يقم بواجبه، وضميره بوصلته في حياته، يؤنبه إذا أخطأ ويوعيه إذا تعثر. وكيف نتساءل عن المسؤولية وقد أصبحنا نشك في انتماء الكثيرين إلى هذا البلد؟ ولا نرى إلا عدم المحبة وعدم الثقة وانعدام الوطنية. شعبنا بحاجة إلى أن يتعلم الوطنية.
صلاتنا أن ينمي الله محبة اللبنانيين بعضهم لبعض وأن يزيدهم فيها سموا، لأن المحبة وحدها تنتشل هذا البلد مما هو فيه وتطلقه إلى مستقبل أفضل. صلاتنا أن يخرج هذا الوطن من قبره، أن يطلق من أسره، أن يشفى من آلامه التي يتخبط فيها. ودعاؤنا أن يحظى بقيامة مباركة مرجوة عند النفوس البارة".
Comment