« ها أنا أرسلكم كغنم في وسط ذئاب، فكونوا حكماء كالحيات وبسطاء كالحمام»(مت 10: 16)
بعد ما طمأن الرب تلاميذه على ضروريات حياتهم في إرساليتهم، وبعد ما سلَّحهم بقوة إجراء المعجزات؛ تكلَّم معهم عمَّا هو عتيدٌ أن يصيبهم، هم ومَن سيأتي بعدهم على مر العصور، وأعدَّهم منذ الابتداء للحرب ضد الشيطان مُسبقاً قبل أن يحدث ذلك بوقتٍ طويل، وبهذا حقَّق لهم عدة فوائد: فأولاً، لقد أدرك التلاميذ قوة علمه السابق؛ ثم إنه ثبَّتهم حتى لا يشكَّ أحدٌ أنه بسبب ضعف معلِّمهم أتت عليهم الشرور؛ وثانياً، إنه شدَّدهم حتى لا يُصدموا بهذه الأمور عند حدوثها كما لو كانت غير متوقَّعة وعلى غير ما كانوا يظنون؛ وأخيراً فإنه أعدَّهم حتى لا يضطربوا عندما يسمعون عن الضيقات وعندما يتواجهون مع الصليب، لأنهم كانوا منزعجين حقاً في ذلك الوقت حينما وبَّخهم قائلاً: « لأني قلتُ لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم… وليس أحدٌ منكم يسألني أين تمضي» ( يو 16: 5،6)
ولنلاحظ أنه حتى ذلك الحين لم يكن قد قال لهم شيئاً عن نفسه، مثل أنه سيُوثَق ويُقبض عليه ويموت، وذلك حتى لا ينشغل بالهم، بل أعلن لهم فقط في ذلك الوقت ما يتعلَّق بأنفسهم هم. وقد أراد الرب أن يُعلِّم تلاميذه أنهم بصدد مجال جديد للنضال، وأن أسلوب استعدادهم لهذا المجال ليس مألوفاً لديهم. فها هو يرسلهم مجرَّدين وبلا ثوب (إضافي) ولا أحذية ولا عصا ولا كيساً ولا مذوداً، ويأمرهم أن يقبلوا أن يُعالوا مِمَّن يقبلهم. وهو لم يُقصِر حديثه عند هذا الحد، بل أوضح قوته التي لا يُعبَّر عنها بقوله لهم: وحينما تمضون هكذا، أَظهِروا وداعة الحملان رغم أنكم ذاهبون إلى ذئاب، ليس فقط ذاهبون إلى الذئاب بل أيضاً ستعيشون وسطهم.
إنه يأمرهم، ليس فقط بوداعة الحملان، بل أيضاً ببساطة الحمام. وكأني به يقول: لأني هكذا سأُظهِر قوتي كأعظم ما تكون، حينما تصبح الحملان أفضل من الذئاب حتى وهي وسط الذئاب وتتلقَّى منها آلاف النهشات والذئاب أبعد من أن تلتهمهم؛ بل بالعكس فإن الحملان هي التي ستترك تأثيرها عليها، وهذا أمر أعظم جداً وأكثر عجباً من أن تقتلها. فهي عتيدة أن تغيِّر روحها وأن تقوِّم عقلها، هذا مع كونهم اثني عشر رسولاً فقط وسط العالم كله وهو مليء بالذئاب.
إذن، فليتنا نخزى نحن الذين نفعل العكس، الذين ننطلق كالذئاب على أعدائنا. ولكن طالما نحن حملان فسوف نَغلب، حتى ولو كان هناك عشرة آلاف ذئب يحومون حولنا، فنحن سنغلبهم بالخير والمحبة. أما إذا جعلنا أنفسنا ذئاباً فسوف نصير على حالٍ أسوأ، لأن معونة راعينا ستتخلَّى عنا، لأن الرب لا يعول الذئاب بل الحملان. إنه يتركنا ويعتزل لأننا لا نعطيه الفرصة ليُظهِر قوته معنا. فإن وضعنا في اعتبارنا أن كل النصرة تأتي من لدنه، فإن أصابنا أي سوء، فحينئذ سيُظهر لطفه معنا بقوة. أما إن كنا نرد على الضربات فإننا نُظهر بذلك أننا نتجاهل نصرته.
ولكني أتوسل إليكم أن تسألوا أنفسكم: مَن كان أولئك الذين وُجِّهت إليهم هذه الوصايا الصعبة والشاقة؟ إنهم أولئك الوَجلون الأُمِّيون غير المتعلمين ولا المهذَّبين، خاملو الذكر من كل ناحية، الذين لم يتدربوا قط على شرائع الأمم، الذين لم يتهيَّأوا ليُقدِّموا أنفسهم في المواقف العامة، الصيَّادون والعشَّارون، أُناسٌ ذوو ضعف شديد. لأنه إن كانت هذه الصعوبات كافية لأن تُحبط الأكابر والعظماء، فكم بالأَوْلى تُثني وتُفشِل غير المدرَّبين في أي ناحية، وعلى الأخص مَن لم يتمتعوا قط بأية قدرات ذهنية عظيمة؟ ومع ذلك فلم تثنِ هذه الضيقات عزمهم.
ورُبَّ مَن يقول: “إن ذلك أمر طبيعي جداً، لأنه أعطاهم قوة لتطهير البُرْص وإخراج الشياطين.” ولكني أُجيبه هكذا: إن نفس هذا الأمر كان كافياً ليُحيِّرهم أكثر، لأنه بالرغم من إقامتهم للموتى كان عليهم أن يجوزوا في تلك الشرور المتعبة، عَبْرَ المحاكمات والاضطهادات والحروب التي سيُثيرها الجميع ضدهم، فضلاً عن بغضة العالم لهم بصفة عامة، فكيف تقابلهم كل هذه الفظائع وهم يُجرون كل هذه المعجزات؟ فماذا كانت، إذن، تعزيتهم عِوَض هذه الضيقات جميعاً؟ إنها قوة ذاك الذي أرسلهم. لذا فهو يضع هذه الكلمات أمامهم قبل أي شيء آخر: «ها أنا أُرسلكم». وهذا يكفي لتشجيعكم حتى تأمنوا ولا تخشوا أحداً مِمَّن يعتدي عليكم.
فهل أنت ترى سلطةً أو امتيازاً أو قوةً غير مقهورة؟ إنه يعني بها، كما يُفهم من كلامه، أن لا تضطربوا حينما آمركم أن تكونوا مثل الحملان والحمام، وأنا أُرسلكم وسط الذئاب، لأني بالحقيقة كنتُ أستطيع أن أفعل العكس، فأجعلكم لا تُقاسون أية أهوال، ولا تتعرضون للذئاب. كنتُ أستطيع أن أجعلكم أقوى جداً من الأسود، ولكن كان من المناسب أن تكونوا هكذا، فإن هذا يُمجِّدكم أيضاً أكثر ويُعلن عن قوتي أكثر.
لقد قال الرب هكذا لبولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كو 12: 9)، ولاحظوا الآن أني أنا الذي تسببت في أن تكونوا هكذا، وهو يشير إلى ذلك بقوله: «ها أنا أُرسلكم كغنم». فلا تجزعوا، إذن، لأني أعلم – أعلم يقيناً – أنه بهذه الوسيلة أكثر من أي وسيلة أخرى ستكونون غير مقهورين من الجميع. بعد ذلك فإنْ كان هؤلاء الرسل ينسبون شيئاً لذواتهم أو إن كـانوا يتصوَّرون أن لا شيء يبدو أنه مـن عمل النعمة، أو كأنه بحكمتهم سوف يُكلَّلون، لـذا قال: «كونوا حُكماءَ كالحيَّات، وبسطاءَ كالحمام».
ولكن رُبَّ سائل: هل إن حكمتنا ستُلازمنا عند الأخطار الداهمة؟ لا. بل كيف سيمكننا اقتناء الحكمة أساساً حينما تطغى علينا الأمواج الكثيرة؟ لأنه دَعْ الحَمَل يكون وديعاً دائماً وهو وسط الذئاب الكثيرة جداً، فماذا تُراه يستطيع أن يفعل؟ ودَعْ الحمامة تكون دائماً بسيطة، فماذا تُراها ستنتفع حينما تُصوَّب السهام لتقضي عليها؟ نجيبه: إن هذا في الواقع لا يَصْدُق مطلقاً مع العجماوات، أما معك فسيَصْدُق كثيراً وبلا شك.
بعد ما طمأن الرب تلاميذه على ضروريات حياتهم في إرساليتهم، وبعد ما سلَّحهم بقوة إجراء المعجزات؛ تكلَّم معهم عمَّا هو عتيدٌ أن يصيبهم، هم ومَن سيأتي بعدهم على مر العصور، وأعدَّهم منذ الابتداء للحرب ضد الشيطان مُسبقاً قبل أن يحدث ذلك بوقتٍ طويل، وبهذا حقَّق لهم عدة فوائد: فأولاً، لقد أدرك التلاميذ قوة علمه السابق؛ ثم إنه ثبَّتهم حتى لا يشكَّ أحدٌ أنه بسبب ضعف معلِّمهم أتت عليهم الشرور؛ وثانياً، إنه شدَّدهم حتى لا يُصدموا بهذه الأمور عند حدوثها كما لو كانت غير متوقَّعة وعلى غير ما كانوا يظنون؛ وأخيراً فإنه أعدَّهم حتى لا يضطربوا عندما يسمعون عن الضيقات وعندما يتواجهون مع الصليب، لأنهم كانوا منزعجين حقاً في ذلك الوقت حينما وبَّخهم قائلاً: « لأني قلتُ لكم هذا قد ملأ الحزن قلوبكم… وليس أحدٌ منكم يسألني أين تمضي» ( يو 16: 5،6)
ولنلاحظ أنه حتى ذلك الحين لم يكن قد قال لهم شيئاً عن نفسه، مثل أنه سيُوثَق ويُقبض عليه ويموت، وذلك حتى لا ينشغل بالهم، بل أعلن لهم فقط في ذلك الوقت ما يتعلَّق بأنفسهم هم. وقد أراد الرب أن يُعلِّم تلاميذه أنهم بصدد مجال جديد للنضال، وأن أسلوب استعدادهم لهذا المجال ليس مألوفاً لديهم. فها هو يرسلهم مجرَّدين وبلا ثوب (إضافي) ولا أحذية ولا عصا ولا كيساً ولا مذوداً، ويأمرهم أن يقبلوا أن يُعالوا مِمَّن يقبلهم. وهو لم يُقصِر حديثه عند هذا الحد، بل أوضح قوته التي لا يُعبَّر عنها بقوله لهم: وحينما تمضون هكذا، أَظهِروا وداعة الحملان رغم أنكم ذاهبون إلى ذئاب، ليس فقط ذاهبون إلى الذئاب بل أيضاً ستعيشون وسطهم.
إنه يأمرهم، ليس فقط بوداعة الحملان، بل أيضاً ببساطة الحمام. وكأني به يقول: لأني هكذا سأُظهِر قوتي كأعظم ما تكون، حينما تصبح الحملان أفضل من الذئاب حتى وهي وسط الذئاب وتتلقَّى منها آلاف النهشات والذئاب أبعد من أن تلتهمهم؛ بل بالعكس فإن الحملان هي التي ستترك تأثيرها عليها، وهذا أمر أعظم جداً وأكثر عجباً من أن تقتلها. فهي عتيدة أن تغيِّر روحها وأن تقوِّم عقلها، هذا مع كونهم اثني عشر رسولاً فقط وسط العالم كله وهو مليء بالذئاب.
إذن، فليتنا نخزى نحن الذين نفعل العكس، الذين ننطلق كالذئاب على أعدائنا. ولكن طالما نحن حملان فسوف نَغلب، حتى ولو كان هناك عشرة آلاف ذئب يحومون حولنا، فنحن سنغلبهم بالخير والمحبة. أما إذا جعلنا أنفسنا ذئاباً فسوف نصير على حالٍ أسوأ، لأن معونة راعينا ستتخلَّى عنا، لأن الرب لا يعول الذئاب بل الحملان. إنه يتركنا ويعتزل لأننا لا نعطيه الفرصة ليُظهِر قوته معنا. فإن وضعنا في اعتبارنا أن كل النصرة تأتي من لدنه، فإن أصابنا أي سوء، فحينئذ سيُظهر لطفه معنا بقوة. أما إن كنا نرد على الضربات فإننا نُظهر بذلك أننا نتجاهل نصرته.
ولكني أتوسل إليكم أن تسألوا أنفسكم: مَن كان أولئك الذين وُجِّهت إليهم هذه الوصايا الصعبة والشاقة؟ إنهم أولئك الوَجلون الأُمِّيون غير المتعلمين ولا المهذَّبين، خاملو الذكر من كل ناحية، الذين لم يتدربوا قط على شرائع الأمم، الذين لم يتهيَّأوا ليُقدِّموا أنفسهم في المواقف العامة، الصيَّادون والعشَّارون، أُناسٌ ذوو ضعف شديد. لأنه إن كانت هذه الصعوبات كافية لأن تُحبط الأكابر والعظماء، فكم بالأَوْلى تُثني وتُفشِل غير المدرَّبين في أي ناحية، وعلى الأخص مَن لم يتمتعوا قط بأية قدرات ذهنية عظيمة؟ ومع ذلك فلم تثنِ هذه الضيقات عزمهم.
ورُبَّ مَن يقول: “إن ذلك أمر طبيعي جداً، لأنه أعطاهم قوة لتطهير البُرْص وإخراج الشياطين.” ولكني أُجيبه هكذا: إن نفس هذا الأمر كان كافياً ليُحيِّرهم أكثر، لأنه بالرغم من إقامتهم للموتى كان عليهم أن يجوزوا في تلك الشرور المتعبة، عَبْرَ المحاكمات والاضطهادات والحروب التي سيُثيرها الجميع ضدهم، فضلاً عن بغضة العالم لهم بصفة عامة، فكيف تقابلهم كل هذه الفظائع وهم يُجرون كل هذه المعجزات؟ فماذا كانت، إذن، تعزيتهم عِوَض هذه الضيقات جميعاً؟ إنها قوة ذاك الذي أرسلهم. لذا فهو يضع هذه الكلمات أمامهم قبل أي شيء آخر: «ها أنا أُرسلكم». وهذا يكفي لتشجيعكم حتى تأمنوا ولا تخشوا أحداً مِمَّن يعتدي عليكم.
فهل أنت ترى سلطةً أو امتيازاً أو قوةً غير مقهورة؟ إنه يعني بها، كما يُفهم من كلامه، أن لا تضطربوا حينما آمركم أن تكونوا مثل الحملان والحمام، وأنا أُرسلكم وسط الذئاب، لأني بالحقيقة كنتُ أستطيع أن أفعل العكس، فأجعلكم لا تُقاسون أية أهوال، ولا تتعرضون للذئاب. كنتُ أستطيع أن أجعلكم أقوى جداً من الأسود، ولكن كان من المناسب أن تكونوا هكذا، فإن هذا يُمجِّدكم أيضاً أكثر ويُعلن عن قوتي أكثر.
لقد قال الرب هكذا لبولس: «تكفيك نعمتي لأن قوتي في الضعف تُكمَل» (2كو 12: 9)، ولاحظوا الآن أني أنا الذي تسببت في أن تكونوا هكذا، وهو يشير إلى ذلك بقوله: «ها أنا أُرسلكم كغنم». فلا تجزعوا، إذن، لأني أعلم – أعلم يقيناً – أنه بهذه الوسيلة أكثر من أي وسيلة أخرى ستكونون غير مقهورين من الجميع. بعد ذلك فإنْ كان هؤلاء الرسل ينسبون شيئاً لذواتهم أو إن كـانوا يتصوَّرون أن لا شيء يبدو أنه مـن عمل النعمة، أو كأنه بحكمتهم سوف يُكلَّلون، لـذا قال: «كونوا حُكماءَ كالحيَّات، وبسطاءَ كالحمام».
ولكن رُبَّ سائل: هل إن حكمتنا ستُلازمنا عند الأخطار الداهمة؟ لا. بل كيف سيمكننا اقتناء الحكمة أساساً حينما تطغى علينا الأمواج الكثيرة؟ لأنه دَعْ الحَمَل يكون وديعاً دائماً وهو وسط الذئاب الكثيرة جداً، فماذا تُراه يستطيع أن يفعل؟ ودَعْ الحمامة تكون دائماً بسيطة، فماذا تُراها ستنتفع حينما تُصوَّب السهام لتقضي عليها؟ نجيبه: إن هذا في الواقع لا يَصْدُق مطلقاً مع العجماوات، أما معك فسيَصْدُق كثيراً وبلا شك.
ولكن دعنا نرى أيَّ نوع من الحكمة يتطلَّبها منا الرب، إنه يقول: ”حكمة الحية“، لأنه حتى وإن فَقَدَ هذا الحيوان كل شيء، وإن كان يمكن أن يُقطع كل جسمه، فهذا لا يهمه كثيراً في سبيل أن تُنْقَذ رأسه. فالرب يقول افعلْ أنت أيضاً هكذا. فرِّط في كل شيء عدا الإيمان، فالممتلكات والجسد والحياة ذاتها يمكن أن تخضع لكل هذا. أما الرأس فهي الأساس، وإن حُفظت لك الرأس (أي الإيمان) رغم فقدانك كل شيء، فسوف تسترجع الكلَّ بوفرة، بل وبأعظم جداً مما كانت.
وعلى ذلك فهو لم يأمر أن يكون لنا القلب البسيط سليم النية فقط، ولا مجرد الحكمة فقط، بل قد ربط بين الاثنين حتى ما يصيرا معاً فضيلة. فنتخذ لنا حكمة الحيَّة حتى لا نُصاب في أكثر الأمور حيوية لدينا، وكذا تكون لنا بساطة وسلامة قلب الحمامة حتى لا نثأر من فاعلي الشر معنا فلا ننتقم لأنفسنا مِمَّن يتآمرون علينا، حيث إن الحكمة لا تكون بذي جدوى إلاَّ إذا أُلحقت بها البساطة.
والآن لنتساءل: هل هناك ما هو أقسى من هذه الوصايا؟ أَلاَ يكفي فقط احتمال الشر؟ إنه يجيب: لا، لأني لا أسمح لكم قط أن تكونوا ساخطين، وهذه هي صفة ”الحمامة“. كما لو ألقى إنسان قصبة في النار ويأمرها ألاَّ تحترق بالنار، بل بالحري أن تنطفئ.
وعلى ذلك فهو لم يأمر أن يكون لنا القلب البسيط سليم النية فقط، ولا مجرد الحكمة فقط، بل قد ربط بين الاثنين حتى ما يصيرا معاً فضيلة. فنتخذ لنا حكمة الحيَّة حتى لا نُصاب في أكثر الأمور حيوية لدينا، وكذا تكون لنا بساطة وسلامة قلب الحمامة حتى لا نثأر من فاعلي الشر معنا فلا ننتقم لأنفسنا مِمَّن يتآمرون علينا، حيث إن الحكمة لا تكون بذي جدوى إلاَّ إذا أُلحقت بها البساطة.
والآن لنتساءل: هل هناك ما هو أقسى من هذه الوصايا؟ أَلاَ يكفي فقط احتمال الشر؟ إنه يجيب: لا، لأني لا أسمح لكم قط أن تكونوا ساخطين، وهذه هي صفة ”الحمامة“. كما لو ألقى إنسان قصبة في النار ويأمرها ألاَّ تحترق بالنار، بل بالحري أن تنطفئ.
ومع ذلك فليتنا لا نضطرب. كلاَّ، لأن هذه الأمور قد حدثت فعلاً، وقد تمَّت فعلاً، وقد أُظهِرَت بالحق تماماً، وقد صار الناس حكماء مثل الحيَّات وبسطاء مثل الحمام. وقد تمَّ هذا ليس لأنه قد صارت لهم طبيعة أخرى غير تلك التي لنا، فهُم من نفس طبيعتنا فعلاً.
وليت لا يظن أي واحد أن هذه الوصايا غير عملية، لأن الرب يعرف طبيعة الأمور أكثر من جميع الآخرين. إنه يعرف أن العنف لا يخمده العنف بل الكياسة. وإن كنتَ تريد أن ترى هذه النتيجة مُنفَّذة فعلاً في أعمال الناس أيضاً، فاقرأ سفر أعمال الرسل وسوف ترى كيف أنه كثيراً ما ثار اليهود ضد هؤلاء الرسل وصرُّوا بأسنانهم عليهم؛ أما هم فإذ كانوا يتشبَّهون بالحمامة فيُجيبون بوداعة لائقة أَذْهَبَتْ عن الغاضبين غضبهم، وأخمدت جنونهم، وكسرت حدَّة اندفاعهم. كما حينما قالوا لهم: «أَمَا أوصيناكم وصية أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم» (أع 5: 28). ورغم أنهم كانوا قادرين على أن يجروا المزيد من المعجزات إلاَّ أنهم لم يقولوا ولم يفعلوا أي شيء بعنف؛ بل أجابوا عن أنفسهم بكل وداعة قائلين: «إن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا» (أع 4: 19).
فهلاَّ رأيتَ وداعة الحمامة؟ انظر جيداً إلى حكمة الحيَّة: «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا» (أع 4: 20). أَلاَ ترى كيف يجب أن نكون نحن كاملين في جميع الأمور حتى لا نصغر أمام الخطر فنثور من قبيل الغضب!
وليت لا يظن أي واحد أن هذه الوصايا غير عملية، لأن الرب يعرف طبيعة الأمور أكثر من جميع الآخرين. إنه يعرف أن العنف لا يخمده العنف بل الكياسة. وإن كنتَ تريد أن ترى هذه النتيجة مُنفَّذة فعلاً في أعمال الناس أيضاً، فاقرأ سفر أعمال الرسل وسوف ترى كيف أنه كثيراً ما ثار اليهود ضد هؤلاء الرسل وصرُّوا بأسنانهم عليهم؛ أما هم فإذ كانوا يتشبَّهون بالحمامة فيُجيبون بوداعة لائقة أَذْهَبَتْ عن الغاضبين غضبهم، وأخمدت جنونهم، وكسرت حدَّة اندفاعهم. كما حينما قالوا لهم: «أَمَا أوصيناكم وصية أن لا تُعلِّموا بهذا الاسم» (أع 5: 28). ورغم أنهم كانوا قادرين على أن يجروا المزيد من المعجزات إلاَّ أنهم لم يقولوا ولم يفعلوا أي شيء بعنف؛ بل أجابوا عن أنفسهم بكل وداعة قائلين: «إن كان حقاً أمام الله أن نسمع لكم أكثر من الله فاحكموا» (أع 4: 19).
فهلاَّ رأيتَ وداعة الحمامة؟ انظر جيداً إلى حكمة الحيَّة: «لأننا نحن لا يمكننا أن لا نتكلَّم بما رأينا وسمعنا» (أع 4: 20). أَلاَ ترى كيف يجب أن نكون نحن كاملين في جميع الأمور حتى لا نصغر أمام الخطر فنثور من قبيل الغضب!
Comment