نشأ في عائلة إيطالية نبيلة درس الفنون ثم التحق برهبنة الدومينيكان وانتقل إلى باريس حيث تتلمذ على يدي ألبير الأكبر . حصل على درجة الأستاذية وصار أستاذاً في الحادية والثلاثين علّم في إيطاليا كما في باريس ووضع مؤلفات أهمها: 1. المجمعة الفلسفية ( أو الرد على المناوئين للديانة المسيحية ) 2. الشروح على أرسطو : مزج فيه بين فلسفة أرسـطو و بعض التوجهات المسيحية فقيل أنه نصّر أرسطو . 3. رسالة في وحدة العقل. 3. رسالة في أزلية العالم. 5. المجموعة اللاهوتية : هي أبرز كتبه تتألف من ثلاثة آلاف فصل ومن ردود على عشرة آلاف اعتراض . ينقسم هذا الكتاب إلى ثلاثة أقسام: الأول: في وحدانية الله والثالوث و الخلق ، الثاني: في الأخلاق ، الثالث: في العقيدة .
تشكل المجموعتان اللاهوتية والفلسفية طرحا مفصلا لمذهبه في الفلسفة و اللاهوت , وهما المعتمدتان في شرح مفاهيمه . سنة 1273 , أي السنة التي قبل وفاته وقبل أن ينهي مجموعته اللاهوتية تخلى عن التعليم والكتابة نتيجة أمر طارئ حدث معه خلال القداس قال عنه بعدئذ:"أوحيت إلي بعد الأمور جعلتني أرى كل ما كتبته هشيما".
فـأكمل كـاتبه ورفيقه في الرهبنة الجـزء الأخير في المجموعـة . أقسـام مذهبـه : 1. وجود الله . 2. ماهية الله . 3. الخلق . 4. الإنسان . 5. الأخلاق . 6. السياسة .
1. وجود الله :
يوضح القديس توما خطأ بعض الأدلّة في إثبات وجود الله خصوصاً تلك التي تعتمد على التصور . فلا يكون ما يتصوره الإنسان موجوداً بالضرورة كالقول مثلاً بفكرة الكمال في الذهن لدى القديس أنسيلم . فإن امتلاكنا لفكرة الكمال لا يعني بالتأكيد وجود الكامل كإله خالق للكون . مثل هذه التصورات مبنية في أساسها على الإيمان . لذلك اعتمد الأكويني براهين أخرى هي :
أ. العلم الطبيعي يؤكد وجـود علة سببية للمعلولات . فالواضح أن الرجوع إلى ما لا نهاية له في أسباب الموجودات مستحيل . فلا بد من التوقف عند علة أولى .
ب. تؤكد الحركة في الدنيا أن كل متحرك إنما يحركه كائن آخر . و هكذا ننتهي إلى محرك أول غير متحرك . و هذا المحرك هو علة محركة فاعلة تنقل الكون من القوة إلى الفعل ، ثم تتسلسل العلل الفاعلة منه عبر الموجودات كي يتحقق في كل منها جوهر أو صورة
ج. في العالم كائنات معرضة للزوال ، فهي ممكنة الوجود لأنها قابلة للزوال . فإذا تسلسلت الكائنات كلها من ممكنات فقط لاستوجب هذا الأمر حدوث فراغ أو عدم لم يكن فيه أي موجود ، و لبات إنوجاد الكائنات بعدها مستحيلاً . فلا بد إذاً من وجود كائن واجب الوجود حكماً كي نفسر عملية إنوجاد الكائنات الزمنية التي هي كلها ممكنات .
د. الصفات العامة التي تحمل فيها إمكان أن تكون مطلقة ، كالخير و الجمال و الإرادة و العدل …إلخ . أي الصفات الروحية الملازمة لكثير من الكائنات بنسب متفاوتة تحمل كلها صفة خاصة و هـي أنها تعني غاية بعيدة تشد بها نحو المطلق . هذه الغاية البعيدة هي غاية الغايات لكل الصفات ، أي كمالها المطلق . هـذا الكمال المطلق هو إذاً علة لها . ذلك أن العلة الغائية هي أيضاً سبب سابق . مثلاً : الخير الكامل غاية الخير الجزئي ، فلو لم الخير الكامل قبل الجزئي لما وجد هذا الخير الجزئي .
ه. يتضح لنا من مراقبة نظام الطبيعة أن لكل شيء فيها غاية معينة تؤديها وظيفته في الدنيا بدون أن يدرك هذه الغاية فلا يعرف ماذا يفعل . و هي غاية تضيف دائماً الأفضل إلى الدنيا ، فتكون تأدية العمل إذاً صادرة عن قصد لا دور للمصادفة العمياء فيها . و عدم إدراكه الواعي لعمله الغائي هذا يدل على وجود كائن آخـر عاقل و عارف يوجهه نحو غايته ، كما يوجه سائر الكائنات إلى الأفعال التي تتحقق بها وظائفها و غايتها . كما يتضح لنا أيضاً من هذه المراقبة أن الكائنات الطبيعية منظمة بكليتها . لكي يكون كلٌّ منها نافعاً للكل . و هذا دليل على وجود كائنات منظمة بحيث يكون كلٌّ منها متآلفاً مع سائر الكائنات على الرغم من الفوارق بينها . و لا تتآلف الكائنات المتباينة إلا إذا نظمها كائن آخر عاقل قادر على وضع هذا التنظيم الكلي . إنه الله .
استنتاج عام : نستنتج من كل ما تقدم أن المعرفة الطبيعية يجب أن تسبق الإيمان فقبل الكلام عـن أزلية العالم أو حدوثه كما عن بعض المعطيات الإيمانية الخاصة بماهية الله و صفاته مثلاً ، ينبغي البدء بإثبات وجود الله . لكي يتم الارتقاء إلى الإيمان الديني . فالإيمان أمر يجاوز الطبيعة ، و البدء به محصور بزمـن معين و بأناس معينين قادرين بالإلهام أو سواه على اعتناق المبادئ الدينية مباشرة . هكذا قادت الفرقة الطبيعية توما الأكويني إلى الله . والفرقة هذه قامت كما رأينا على خمسة أدلة : المحرك الأول و الفاعل الأول , الواجد و الوجود بذاته ، الكائن الذي تنبثق عنه كل الكمالات ، و القادر على تنظيم الدنيا و كائناتها .
2. ماهية الله :
أ. ينصرف الأكويني إلى الكلام عن ماهية الله بعد التأكد من وجوده. فيقول: ينبغي التدليل على الفوارق بين الذات الإلهية وسائر الكائنات انطلاقاً من أمرين أساسيين : إثبات بساطتها و كمالها لأن كل الكائنات مركبة وناقصة .
يستحيل أن يكون الله مركباً وإلا صار مادة قابلة للتجزؤ ، فيقع في النقص . إنـه روحٌ محض منزه عن الكثرة في ذاته وعن القابلية للانقسام . وهو بالتالي فعل خالص لا تمييز فيه بين القوة و الفعل كما في المادة حيث يتم الانتقال دائماً، وبفضل الحركة، من القوة إلى الفعل لأن المادة أو الكائنات المادية ناقصة وخاضعة للتبدل. وهو ما لا يصح على الله فنقول إنه ثابت على حاله ، فعل خالص لا تبدل و لا تجزؤ . لأجل هذا يكون الله " واجب وجود " قائماً بذاته كعلة أولى هي أيضاً علة ذاتها ، لذلك قال لموسى : أنا هو الكائن .
وهكذا تكون بساطته و كماله ميزتين تدلان على أن الخصائص الإلهية لا مثيل لها في عالم الزمان ، وبين الذات الإلهية و سائر الكائنات هوّة عميقة .
ب. عندما نقول إنه الموجود القائم بذاته نحصل على ما يلي : هو كامل خير أعظم في ذاته ، لا تناهي له و لا حدود ، علة لكل الموجودات حالة فيها ، ثابت لا تبدل فيه ، سرمدي بحياة كاملة لا تغير فيها و لا تعاقب. هذه كلها تعني أن الله واحد أحد . فلو وجد أمثال له ، أي آلهة ، لوجب تكون بينهم فوارق ، فيكون للواحد ما ليس للآخر ، أي يقع كل واحد في النقص ، عندئذٍ تبطل إمكانية الدلالة على العلة بينهم .
ج. نطلق بعض الصفات على الله كالعناية والقدرة والعلم …إلخ . بعضهم يقول : إنها مترادفة أي العناية تعني القدرة و القدرة تعني العلم و كلٌّ من هذه الصفات تعني الأُخرى ، لأن الصفة التي تطلق على الله هي ذات الله و هذا خطأ لأن كل صفة تحمل دلالة مختلفة عن دلالة أخرى ، و هي ممكنة لدى كل الموجودات أيضاً . فهل يجوز استعمال الصفات نفسها و على سائر الكائنات ؟
بعضهم الآخر يقول ( كأبن ميمون مثلاً في كتابه دلالة الحائرين و هو فيلسوف يهودي ) : إن الصفة عند الله تشير إلى المعنى السلبي ، فكلمة روحاني مثلاً تعني أنه ليس مادياً ، و كلمة علم أنه ليس جاهلاً …إلخ . و هذا أيضاً خطأ لأن المعنى السلبي لا يعين ما هو الله فلا نعرف من هذا المعنى السلبي شيئاً . لابد إذاً من استعمال الصفات حسب مبدأ المماثلة أي استناداً إلى ماهية الكائن الموصوف . فتكون الصفة المطلقة على الله مناسبة لماهية الله، والصفة المطلقة على الإنسان مناسبة . هكذا نعني بكلمة قادر لدى الله ما لا نعنيه لدى الإنسان، فتكون صفة كل كائن حسب ماهيته . هكذا يكون للإنسان علم و لله علـم . و لكن علم الله كامـل في الماضي و الحاضر والمستقبل . ولا نكون قد أضفنا إلى ذاته صفة خارجية فأنقصناه كما يعتقد بعضهم ، لأن العلم هو بذاته حالة من حالات الكمال . و لا يجوز القول مع ابن سينا إن الله يعرف الكليات و لا يعرف الجزئيـات لأنه أسمى من الغموض إلى الكثرة المادية المتحولة الناقصة ، فيلحق به النقص . هذا كلام خاطئ لأن علم الله يكون حاصلاً فيه قبل وقوع شيء وخلال وقوعه و بعد وقوعه ، بدون أن ينقص الله . على أن علمه هذا ليس تفصيلياً تتابعياً مركباً بل هو علم مباشر بسيط و كل مثل ذاته المتعالية البسيطة الكلية .
و لله إرادة لأن صفة تابعة للمعرفة ، و المعرفة عند الله دائماً خيّرة بإرادة تريد الخير . و عندما يريد الخير يريد غيره كي يشركه في خيره . هذه الإرادة عنده حرة مختارة و هي غاية لمحبته . و عندمـا نقول إرادة و حرية ورغبة في الخير نعني بهذه الصفات ما يناسب الماهية الإلهية فقط . هنا يبدأ تفسير فعل الخلق لدى الله .
3. الله الخالق :
لا يكفي أن نقرّ بوجود الله ، بل ينبغي إيضاح العلاقة بينه و بين مخلوقاته لكي يكون فهمنا له صحيحاً . لذلك حاول القديس توما تفصيل الكلام عن هذه العلاقة بين الله و سائر الكائنات .
يعتقد أن كل كائن غير الله عاجز عن أن يكون قائماً بذاته . فهو دائماً كائن بالمشاركة . فلقد وهب الله كل كائن صفة الموجود المرتبط به .
لم تصدر الكائنات عن الله بالفيض أو بالصدور كما يقول أفلوطين و الأفلاطونية المحدثة عامة . فلو صدرت الكائنات بالفيض لصارت مماثلة له و هذا محال . و القول : " لا يصدر عن الواحد إلا الواحد " هو قول خاطئ ، إذ إن الصدور فيضياً يتم بالقدرة الطبيعية لا بالقدرة الإرادية . و لا مشكلة مع خلـق الله للكثرة ، فإن القدرة الإلهية تستطيع أن تخلق الكثرة بدون أن تتعرض للنقص ، وبدون أن تكون هي محلاً لهذه الكثرة . فبما أن خلق الكائنات يستوجب وجود قوة لا متناهية تمارس فعل الخلق ، ينبغي القول إن اللاتناهي هو صفة لله وحده . أما التجادل في مسالة أزلية العالم مع الله أو حدوثه بعده فأمر ينبغي إيقافه . فالقول مثلاً : لماذا تأخر الله في خلق العالم ؟ هل لأنه كان عاجزاً عن خلقه ثم استطاع ، أم إنه لم يكن يريد ثم أراد ، فيكون قد تبدل مـن حالة إلى أخرى وهذا محال ، ثم لماذا ظهرت إرادته متأخرة في الخلق ؟ …إلخ . هذه التساؤلات باطلة كلها لأن الإيمان بالله الخالق يجعلنا نعتبر بقدرته الخارقة وبحريته الإرادية المطلقة، وبدون الوقوع في مثل هذه المتاهات . فللإيمان دور أساسي فاعل في مواجهة المخاطر التي تستولدها المجادلات العقلية .
4. النفس الإنسانية :
خُلِقَ الإنسان ثنائي التركيب أي من روح و من جسد لذلك يشارك الكائنات العلوية في بعض صفاتها ، كما يشارك الكائنات الحسية في بعض صفاتها أيضاً .
إن وجود الحياة في الكائنات الحية هو الدليل الأول على أن كلاً منها يتحلى بنفس . مبدأ الحياة هذا ليس جسماً ، وإلا صارت كل الأجسام حية هذا المبدأ متميز إذن عن الجسم، وهو موجود في الإنسان كما في الحيوان و النبات .لكن النفس الإنسانية متمايزة في أنها ذات إدراك عقلي مجرد غير جسمي أي ليس آلة جسمية . فلو كان آلة جسمية لمنعه تركيبه المادي من إدراك الماهيات المجردة ، و هو ما نلاحظه في عجز الحواس الظاهرة عن ضبط الحقائـق المجردة . فالإدراك العقلي مختلف إذاً بطبيعته عن القدرات الجسدية . فإذا كـانت قدرات الحس و النمو ملازمة للجسد ، فإن القدرة العقلية الخاصة بالإنسان وحده ، هي حالة روحية مجردة تدعى النفس .
هذه النفس الروحانية تكون حكماً خالية ، لأنها غير قابلة للفساد كما تفسد المركبات الجسدية العائدة إلى الحواس أو تلك القابلة للنمو . فالمركبات الجسدية قابلة للتجزؤ ، إذاً هي قابلة للانحلال . بينما النفس روحانية بسيطة غير قابلة للتجزؤ للانحلال. هذا إلى كون الإدراك العقلي الروحي قدرة مطلقة من حدود المحسوس ذات نزعة طبيعية إلى البقاء ، أي إلى الخلود الذي يجاوز المحدودات الحسية . لذلك يعتبر هذا النزوع لديها دليلاً على كونها معدة في الأساس كي تبقى ، فتخلد و لا تتعرض للفناء .
كما إن بعض إمكانات النفس تؤدي أفعالها من دون آلات جسمية عضوية كالتعقل و الإرادة مثلاً . و البعض الآخر يؤدي أفعاله عبر الأعضاء كالحس و النمو مثلاً لذلك لا يعود الخلود إلى هذه القوة المرتبطة بالأعضاء و التي تكون فانية ، بل يعود إلى القدرات التي تعمل وحدها أي إلى العقل و الإرادة .
أما كيف تحصل النفس المعرفة فأمر لا يعود إلى تذكر المثل كما يقول أفلاطون ، أو إلى اشتراك المعقولات من العقل الكلي عبر النفس الكلية كما يقول أفلوطين، أو من العقل العاشر الفعال كما يقول الفارابي وابن سينا . بل إن المعرفة تحصل بالاجتهاد العقلي عبر عمل الحواس و المتخيلة و ذلك استناداً إلى التجربة و الاستدلال . هكذا يركب العقل القضايا المنطقية بقواه الذاتية و بالتجربة و الاستدلال معاً . إن العقل يلتقط الماهيات المطلقة للكائنات أي الأجناس و الأنواع فيكون عقلاً فاعلاً . ثم يدرك تفصيلاتها الجزئية فيكون عقلاً منفعلاً . و هنا يحدث أمر مهم و هو أن العقل الفاعل يتلقى الإشراق من الله لكي تتم له معرفة المعقولات أي الماهيات المجردة . هكذا إن الإنسان يدرك الأفكار الروحانية بواسطة التذكر لأن هذه الأفكار موجودة فيه أصلاً إذ كانت النفس تعرفها قبل سقوطها إلى الأرض . كما يعارض الحسيين الذين ينفون عن العقل القدرة على إدراك المعقولات .
توما الأكويني جعل العقل ، الذي يخصبه الإشراق الإلهي ، قادراً على إدراك كل المعقولات ، شرط أن يجتهد للحصول عليها عبر الاحتكاك المباشر بالعالم أي عبر التجربة و الاستدلال .
الإنسان كائن حر لأنه عاقل ، ينزع إلى الخير الكلّي عـبر الفضيلة . و تشكل الخيرات الجزئية حوافز له فيطلبها . لكنه يستطيع تجاوزها سعياً إلى الخير الكلي و هذا أيضاً دليل تمتعه بالحرية . لذلك تشكل محبة النفس لله حالة فضلى أي أنها خير من معرفتها له . و هذا الأمر يعاكس وضع المادة حيث تكون معرفة النفس لها خير من محبتها للمادة .
لذلك تصح المسؤولية هنا و في الآخرة ، خصوصاً و أن الله يهب الإرادة قدرة على التحرك بحرية ، كما يهب العقل القدرة على الإدراك بجهده الحر الخاص . فيكون الإنسان مسؤولاً لأنه مخير و ليس مسيراً .
5. الخير و الشر ( الأخلاق ) :
ينبغي النظر إلى السلوك الأخلاقي الإنساني عبر الأعمال التي يؤديها الإنسان ، أي الأعمال التي يدرك بعقله كيف تجري و من أجل ماذا تجري ، متخذين من إرادته التي تسعى إلى غاية بعيدة مرجعاً إضافياً . أي إن العقل المدرك و الإرادة الغائية هما مقياسان للمسؤولية و بالتالي لكيفية نظرنا و تقديرنا للسلوك الأخلاقي .
عندما يشدد الأكويني على غايات الإرادة يكون بالطبع قد شدد على أهمية الغاية البعيدة التي يقصدها الإنسان و يرى فيها كماله . لذلك ينبغي أن تكون الأفعال مطابقة للخصوصيات الإنسانية المميزة عن خصوصيات سائر الكائنات و تحديداً خاصتي العقل و الإرادة . فبالنسبة إلى هذين العقل و الإرادة يحكم على الإنسان في أنه مسؤول أم لا ، أي إنهما معيار التقييم الإنساني .
إن ما تسعى إليه الإرادة من غاية نهائية هو الخير الكلي ، و ما يسعى إليه العقل من منتهى لإدراكه هو الحق الكلّي و الله هو الخير الكلّي و الحق الكلّي معاً . إذاً هو الغاية القصوى للإنسان ، وهو مرجعية فهمه لكماله الشخصي كما إنه سعادته القصوى . إن الأفراح الجزئية على الأرض هي سعادة ناقصة . فتكون ممارسة الفضائل وفق معرفة الإنسان لله وللواجبات التي يفرضها ، درب عبور إلى السعادة الحقة في الآخرة . للخير والشر في الحياة الزمنية ثلاث توجهات : 1ً. أن يكون الفعل مطابقاً لأوامر العقل أو مخالفاً لها، لأن العقل ملتزم بالخير كحد أقصى . 2ً. أن يحسن الإنسان معرفة التفاصيل الجزئية لأعماله كي يحقق في النهاية ما يكون العقل قد رسمه . 3ً. أن تكون النية الحسنة مرافقة لكل هذه التفاصيل والأفعال ، ومعبرة بالظاهر عن رغبات الخير الباطنة . وأهمية النية هنا عميقة ، مثلاً : إذا كانت الغاية من الغضب تحقيق خير ما صار الغضب خيراً ، و إذا كانت غايته تحقيق منفعة ذاتية فردية لا غاية خيرة فيها للحياة صار هذا الغضب عملاً شريراً . هذه الأمور وسواها يدركها العقل الطبيعي من دون رجوع إلى الوحي الديني . فلكل كائن ماهيته ، و أفعاله تعبر دوماً عن ماهيته . و بما أن ماهية الإنسان هي التعقل ، والتعقل يعني فعل الخير واجتناب الشر ، صار العمل الحسن بروزاً طبيعياً للماهية الإنسانية ، أي تعبيراً خارجياً عن ماهية باطنة خيّرة. وهذا الإدراك الطبيعي مشترك بين البشر أجمعين، لذلك يتفقون في قواعد الخير الأساسية ، كالامتناع عن الكذب و السرقة و التعدي …إلخ . و إن كانوا يختلفون في تفاصيل أخرى عائدة إلى ظروف الحياة و طوارئها .
و للعزة الإلهية دور محوري في هذه الأمور . فالعقل الإنساني الطبيعي ليس إلا الصورة التي شائها الله وجعلها تطلب الخير بسجية طبيعية كيانية . إن الوعي الأخلاقي عطية إلهية ، إشراق إلهي في الخليقة . لذلك تتخذ القواعد الأخلاقية الأساسية صفة الإلزام عبر قوة الضمير . لذلك يكون للإنسان المطيع ثواب وللمخالف عقاب ، لأن الإرادة الإنسانية مخيرة في احترام رؤية العقل للخير و السعي إليه أو عدم احترامه و الامتناع عن السعي إليه .
6. المجتمع و الحكم السياسي :
لكل نوع من أنواع الكائنات الحية نظام يرتب حياته . و يبرز هذا النظام بشكل جلي لدى بعض منها كالنمل و النحل . لكن خضوع هذه الكائنات للنظام يصدر عن الغريزة ، فلا معرفة واعية لديها أو إرادة حرّة في التقيد بها . أما في المجتمعات الإنسانية فالأنظمة مرتبطة بالعقل و الإرادة ، أي أنها نوع من التعاقد بين الناس .
يرى القديس توما أن نشوء الاجتماع الإنساني تمّ وفق قانون طبيعي يجسر "القانون الأزلي" للحياة ، لأن الله خلق الإنسان مدنياً بطبعه و مالكاً بالفطرة لمبادئ الحق و الخير الأساسية . و لا يقر مع القديس أوغسطينوس بأن غاية الاجتماع هي " استمتاع الناس بما يحبون " ، بل إنها سعي الإنسان إلى تحقيق طبيعته الإنسانية أي تحقيق غايته كإنسان .
وعلى الدولة أن توفر له العون الذي يمكنه من ذلك . وبالرغم من أن التشريع و ممارسة الحكم يعودان إلى الدولة فإن الكنيسة تكون مسؤولة عن المبادئ الأخلاقية و الدينية فتأتي تشريعات الدولة متناغمة مع هذه المبادئ لأن الغية الزمنية التي تنشدها القوانين يجب أن تكون موجهة نحو غاية أبدية لا زمنية عائدة للإرادة الإلهية .
و كما أن النفس تدبر الجسد و الأب يدبر الأسرة و الله يدبر العالم ، كذلك على الحكم أن يتولى تدبير الحياة المدنية .
إن حكم الفرد الفاضل خير من الحكم الأرستقراطي ، و الحكم الأرستقراطي خير من الديمقراطية . فكل من حصر الحكم في يدي قوة واحدة كان أفضل للناس شرط أن تكون هذه القوة فاضلة تسعى إلى الخير . لذلك من الأفضل أن يتم تعيين هذا الحاكم الفرد استناداً إلى الانتخاب الذي يطلب الفضيلة لدى الحاكم لا استناداً إلى النسب العائلي .
و لأن الأنظمة قابلة للتغيير و قابلة للفساد وفق طبيعة الحياة التي تخترقها طبيعياً جرثومـة الشر ، فإن خير الأنظمة التي تكفل التوازن و الخلاص من الطغيان فهو الملكية المعدلة بشيء من الأرستقراطية و الديمقراطية معاً ، أي مجلس أرستقراطي ينتخبه الشعب شبيه بذلك النظام الذي وضعه الله لموسى : كان موسى يحكم بمعونة مجلس مؤلفاً من 72 رجلاً من الحكماء ليحكموا الشعب ، يكون الشعب قد اختارهم .
مهمات الدولة حماية الناس من الأخطار الداخلية و الخارجية . الخطر الداخلي : تتم الحماية استناداً إلى القانون الطبيعي للحياة الذي يقضي بضمان حق الإنسان في العيش استناداً إلى مبدأ العدالة ، و بضمان حقه في إنشاء علاقته بالآخرين استناداً إلى مبدأ المساواة . هذا الخير في العدل و المساواة يقرّه العقل الطبيعي و القانون السرمدي الإلهي معاً . لذلك يجب أن يكون هذا القانون السرمدي ، الذي ينص على كلّ المبادئ الخيّرة ، مصدراً للتشريع إذ لا يحق للحاكم و ضع القوانين التي تتعارض و إرادة العزة الإلهية .
مسؤولية المواطن أمام الدولة هي مسؤولية كاملة يعينها القضاة وفق معيارين : 1. تطبيق الفرد للقانون . 2. نواياه الخفية الكامنة وراء أعماله . فإن النية في العمل أساس المسؤولية . المسؤولية تتبع العقاب على الذنوب . فالعقاب رادع للإنسان عن اقتراف الشر ، و تأديب لسلوكه ، حتى ولو وصل هذا العقاب إلى حد إصدار حكم بالإعدام على الجناة الذين يتصرفون كالحيوانات ، فبكون الحكم إبطالاً لحيوانيتهم و أمثولة للمجتمع .
أما الخطر الخارجي : فتردّه الدولة بوسائلها التي يقرها العقل الطبيعي ، و منها الدفاع عن حق المجتمع في العيش حتى ولو وصل الأمر إلى إعلان الحرب ، شرط أن تكون هذه الحرب عادلة استناداً إلى مسوغات واضحة، وللعدالة في الحرب ثلاثة شروط :
1ً. أن تقررها السلطة الشرعية .
2ً. أن يكون القرار مبنياً على أساس صريح وهو رد الظلم .
3ً. أن تمارس الحرب بنية حسنة و بهدف دفع العدو إلى السلم ، فلا يكون الهدف منها إيذاء الآخرين أو فرض التسلط عليهم .
إذا جاءت الحرب الدفاعية أيام الأعياد ، و المسيح كان يشفي المرضى يوم السبت ، فإن مساهمة رجال الدين في الحرب أمر غير مرغوب فيه . بل عليهم ممارسة الكفاح الروحي الأخلاقي لتوطيد العدالة عن طريق الوعظ و ما إليه فوظائف الناس في الحالة الدفاعية متنوعة و نوع وظيفة رجل الدين ينبغي أن يتناسب مع مهمته الروحية في الحياة . و يطيع المواطنون عدالة الحكام ، لكنهم لا يطيعون جورهم (ظلمهم) . فيحق لهم أن يعترضوا على هذا الجور . ولكن لا يجوز أن يؤدي هذا الاعتراض إلى اضطرا بات قد تنشب من جرائها ثورة . فالثورة تؤدي إلى الدمار و إلى أن يتسلم الحكم مستبد طاغية بحجة إعادة النظام ، فيسوء كل شيء . و الشر الأكبر هو أن يتعدى على القوانين الطبيعية للحياة ، كأن يغتصب المُلك ، فساعة إذٍ يصبح التمرد على سلطانه واجباً. فالذي يعاند إرادة الشعب يحق للشعب عزله بواسطة ممثليه كما كان يفعل مجلس الشيوخ في روما مثلاً . و عندما تنقطع السبل أمام الشعب فليتوجه إلى الله ، فالله يعاقب المستبد . فهو لا يبيح الاستبداد إلا عندما يشاء معاقبة أناس على خطاياهم . أما حق الملكية فهو صالح للخير العام عكس ما يقوله أفلاطون في الجمهورية . فالملكية الخاصة تنمي الشخصية و المسؤولية و روح الكفاح من أجل الرفاهية . علماً أن قانون الخير الطبيعي يدعو إلى شراكة في الملكية على غرار الأنظمة الرهبانية . لكن اصطلاح الناس على الملكيات الفردية يؤدي أيضاً إلى الخير العام فيكون ممكناً إذاً اعتبار الملكية قانوناً طبيعياً .
وينبغي الإيضاح أن الشرور لا تنتج عن الملكية الخاصة، بل عن استعمالها وعن الاستئثار بخيراتها . وللفقراء المعوزين حقوق طبيعية يجب توفيرها من ملكيات الآخرين ، فيخضع القانون الوضعي هذا ، أي الذي أجاز الملكية الخاصة ، إلى القانون الطبيعي الذي يكفل لكل إنسان حاجات حياته .
عام 1318 م اعتبرت البابوية مذهب توما الأكويني معجزة ، داعية إلى النظر إليه على أنه التفسير الأوضح للعقيدة الكاثوليكية . ثم طوّب قديساً عام 1323 م .
تشكل المجموعتان اللاهوتية والفلسفية طرحا مفصلا لمذهبه في الفلسفة و اللاهوت , وهما المعتمدتان في شرح مفاهيمه . سنة 1273 , أي السنة التي قبل وفاته وقبل أن ينهي مجموعته اللاهوتية تخلى عن التعليم والكتابة نتيجة أمر طارئ حدث معه خلال القداس قال عنه بعدئذ:"أوحيت إلي بعد الأمور جعلتني أرى كل ما كتبته هشيما".
فـأكمل كـاتبه ورفيقه في الرهبنة الجـزء الأخير في المجموعـة . أقسـام مذهبـه : 1. وجود الله . 2. ماهية الله . 3. الخلق . 4. الإنسان . 5. الأخلاق . 6. السياسة .
1. وجود الله :
يوضح القديس توما خطأ بعض الأدلّة في إثبات وجود الله خصوصاً تلك التي تعتمد على التصور . فلا يكون ما يتصوره الإنسان موجوداً بالضرورة كالقول مثلاً بفكرة الكمال في الذهن لدى القديس أنسيلم . فإن امتلاكنا لفكرة الكمال لا يعني بالتأكيد وجود الكامل كإله خالق للكون . مثل هذه التصورات مبنية في أساسها على الإيمان . لذلك اعتمد الأكويني براهين أخرى هي :
أ. العلم الطبيعي يؤكد وجـود علة سببية للمعلولات . فالواضح أن الرجوع إلى ما لا نهاية له في أسباب الموجودات مستحيل . فلا بد من التوقف عند علة أولى .
ب. تؤكد الحركة في الدنيا أن كل متحرك إنما يحركه كائن آخر . و هكذا ننتهي إلى محرك أول غير متحرك . و هذا المحرك هو علة محركة فاعلة تنقل الكون من القوة إلى الفعل ، ثم تتسلسل العلل الفاعلة منه عبر الموجودات كي يتحقق في كل منها جوهر أو صورة
ج. في العالم كائنات معرضة للزوال ، فهي ممكنة الوجود لأنها قابلة للزوال . فإذا تسلسلت الكائنات كلها من ممكنات فقط لاستوجب هذا الأمر حدوث فراغ أو عدم لم يكن فيه أي موجود ، و لبات إنوجاد الكائنات بعدها مستحيلاً . فلا بد إذاً من وجود كائن واجب الوجود حكماً كي نفسر عملية إنوجاد الكائنات الزمنية التي هي كلها ممكنات .
د. الصفات العامة التي تحمل فيها إمكان أن تكون مطلقة ، كالخير و الجمال و الإرادة و العدل …إلخ . أي الصفات الروحية الملازمة لكثير من الكائنات بنسب متفاوتة تحمل كلها صفة خاصة و هـي أنها تعني غاية بعيدة تشد بها نحو المطلق . هذه الغاية البعيدة هي غاية الغايات لكل الصفات ، أي كمالها المطلق . هـذا الكمال المطلق هو إذاً علة لها . ذلك أن العلة الغائية هي أيضاً سبب سابق . مثلاً : الخير الكامل غاية الخير الجزئي ، فلو لم الخير الكامل قبل الجزئي لما وجد هذا الخير الجزئي .
ه. يتضح لنا من مراقبة نظام الطبيعة أن لكل شيء فيها غاية معينة تؤديها وظيفته في الدنيا بدون أن يدرك هذه الغاية فلا يعرف ماذا يفعل . و هي غاية تضيف دائماً الأفضل إلى الدنيا ، فتكون تأدية العمل إذاً صادرة عن قصد لا دور للمصادفة العمياء فيها . و عدم إدراكه الواعي لعمله الغائي هذا يدل على وجود كائن آخـر عاقل و عارف يوجهه نحو غايته ، كما يوجه سائر الكائنات إلى الأفعال التي تتحقق بها وظائفها و غايتها . كما يتضح لنا أيضاً من هذه المراقبة أن الكائنات الطبيعية منظمة بكليتها . لكي يكون كلٌّ منها نافعاً للكل . و هذا دليل على وجود كائنات منظمة بحيث يكون كلٌّ منها متآلفاً مع سائر الكائنات على الرغم من الفوارق بينها . و لا تتآلف الكائنات المتباينة إلا إذا نظمها كائن آخر عاقل قادر على وضع هذا التنظيم الكلي . إنه الله .
استنتاج عام : نستنتج من كل ما تقدم أن المعرفة الطبيعية يجب أن تسبق الإيمان فقبل الكلام عـن أزلية العالم أو حدوثه كما عن بعض المعطيات الإيمانية الخاصة بماهية الله و صفاته مثلاً ، ينبغي البدء بإثبات وجود الله . لكي يتم الارتقاء إلى الإيمان الديني . فالإيمان أمر يجاوز الطبيعة ، و البدء به محصور بزمـن معين و بأناس معينين قادرين بالإلهام أو سواه على اعتناق المبادئ الدينية مباشرة . هكذا قادت الفرقة الطبيعية توما الأكويني إلى الله . والفرقة هذه قامت كما رأينا على خمسة أدلة : المحرك الأول و الفاعل الأول , الواجد و الوجود بذاته ، الكائن الذي تنبثق عنه كل الكمالات ، و القادر على تنظيم الدنيا و كائناتها .
2. ماهية الله :
أ. ينصرف الأكويني إلى الكلام عن ماهية الله بعد التأكد من وجوده. فيقول: ينبغي التدليل على الفوارق بين الذات الإلهية وسائر الكائنات انطلاقاً من أمرين أساسيين : إثبات بساطتها و كمالها لأن كل الكائنات مركبة وناقصة .
يستحيل أن يكون الله مركباً وإلا صار مادة قابلة للتجزؤ ، فيقع في النقص . إنـه روحٌ محض منزه عن الكثرة في ذاته وعن القابلية للانقسام . وهو بالتالي فعل خالص لا تمييز فيه بين القوة و الفعل كما في المادة حيث يتم الانتقال دائماً، وبفضل الحركة، من القوة إلى الفعل لأن المادة أو الكائنات المادية ناقصة وخاضعة للتبدل. وهو ما لا يصح على الله فنقول إنه ثابت على حاله ، فعل خالص لا تبدل و لا تجزؤ . لأجل هذا يكون الله " واجب وجود " قائماً بذاته كعلة أولى هي أيضاً علة ذاتها ، لذلك قال لموسى : أنا هو الكائن .
وهكذا تكون بساطته و كماله ميزتين تدلان على أن الخصائص الإلهية لا مثيل لها في عالم الزمان ، وبين الذات الإلهية و سائر الكائنات هوّة عميقة .
ب. عندما نقول إنه الموجود القائم بذاته نحصل على ما يلي : هو كامل خير أعظم في ذاته ، لا تناهي له و لا حدود ، علة لكل الموجودات حالة فيها ، ثابت لا تبدل فيه ، سرمدي بحياة كاملة لا تغير فيها و لا تعاقب. هذه كلها تعني أن الله واحد أحد . فلو وجد أمثال له ، أي آلهة ، لوجب تكون بينهم فوارق ، فيكون للواحد ما ليس للآخر ، أي يقع كل واحد في النقص ، عندئذٍ تبطل إمكانية الدلالة على العلة بينهم .
ج. نطلق بعض الصفات على الله كالعناية والقدرة والعلم …إلخ . بعضهم يقول : إنها مترادفة أي العناية تعني القدرة و القدرة تعني العلم و كلٌّ من هذه الصفات تعني الأُخرى ، لأن الصفة التي تطلق على الله هي ذات الله و هذا خطأ لأن كل صفة تحمل دلالة مختلفة عن دلالة أخرى ، و هي ممكنة لدى كل الموجودات أيضاً . فهل يجوز استعمال الصفات نفسها و على سائر الكائنات ؟
بعضهم الآخر يقول ( كأبن ميمون مثلاً في كتابه دلالة الحائرين و هو فيلسوف يهودي ) : إن الصفة عند الله تشير إلى المعنى السلبي ، فكلمة روحاني مثلاً تعني أنه ليس مادياً ، و كلمة علم أنه ليس جاهلاً …إلخ . و هذا أيضاً خطأ لأن المعنى السلبي لا يعين ما هو الله فلا نعرف من هذا المعنى السلبي شيئاً . لابد إذاً من استعمال الصفات حسب مبدأ المماثلة أي استناداً إلى ماهية الكائن الموصوف . فتكون الصفة المطلقة على الله مناسبة لماهية الله، والصفة المطلقة على الإنسان مناسبة . هكذا نعني بكلمة قادر لدى الله ما لا نعنيه لدى الإنسان، فتكون صفة كل كائن حسب ماهيته . هكذا يكون للإنسان علم و لله علـم . و لكن علم الله كامـل في الماضي و الحاضر والمستقبل . ولا نكون قد أضفنا إلى ذاته صفة خارجية فأنقصناه كما يعتقد بعضهم ، لأن العلم هو بذاته حالة من حالات الكمال . و لا يجوز القول مع ابن سينا إن الله يعرف الكليات و لا يعرف الجزئيـات لأنه أسمى من الغموض إلى الكثرة المادية المتحولة الناقصة ، فيلحق به النقص . هذا كلام خاطئ لأن علم الله يكون حاصلاً فيه قبل وقوع شيء وخلال وقوعه و بعد وقوعه ، بدون أن ينقص الله . على أن علمه هذا ليس تفصيلياً تتابعياً مركباً بل هو علم مباشر بسيط و كل مثل ذاته المتعالية البسيطة الكلية .
و لله إرادة لأن صفة تابعة للمعرفة ، و المعرفة عند الله دائماً خيّرة بإرادة تريد الخير . و عندما يريد الخير يريد غيره كي يشركه في خيره . هذه الإرادة عنده حرة مختارة و هي غاية لمحبته . و عندمـا نقول إرادة و حرية ورغبة في الخير نعني بهذه الصفات ما يناسب الماهية الإلهية فقط . هنا يبدأ تفسير فعل الخلق لدى الله .
3. الله الخالق :
لا يكفي أن نقرّ بوجود الله ، بل ينبغي إيضاح العلاقة بينه و بين مخلوقاته لكي يكون فهمنا له صحيحاً . لذلك حاول القديس توما تفصيل الكلام عن هذه العلاقة بين الله و سائر الكائنات .
يعتقد أن كل كائن غير الله عاجز عن أن يكون قائماً بذاته . فهو دائماً كائن بالمشاركة . فلقد وهب الله كل كائن صفة الموجود المرتبط به .
لم تصدر الكائنات عن الله بالفيض أو بالصدور كما يقول أفلوطين و الأفلاطونية المحدثة عامة . فلو صدرت الكائنات بالفيض لصارت مماثلة له و هذا محال . و القول : " لا يصدر عن الواحد إلا الواحد " هو قول خاطئ ، إذ إن الصدور فيضياً يتم بالقدرة الطبيعية لا بالقدرة الإرادية . و لا مشكلة مع خلـق الله للكثرة ، فإن القدرة الإلهية تستطيع أن تخلق الكثرة بدون أن تتعرض للنقص ، وبدون أن تكون هي محلاً لهذه الكثرة . فبما أن خلق الكائنات يستوجب وجود قوة لا متناهية تمارس فعل الخلق ، ينبغي القول إن اللاتناهي هو صفة لله وحده . أما التجادل في مسالة أزلية العالم مع الله أو حدوثه بعده فأمر ينبغي إيقافه . فالقول مثلاً : لماذا تأخر الله في خلق العالم ؟ هل لأنه كان عاجزاً عن خلقه ثم استطاع ، أم إنه لم يكن يريد ثم أراد ، فيكون قد تبدل مـن حالة إلى أخرى وهذا محال ، ثم لماذا ظهرت إرادته متأخرة في الخلق ؟ …إلخ . هذه التساؤلات باطلة كلها لأن الإيمان بالله الخالق يجعلنا نعتبر بقدرته الخارقة وبحريته الإرادية المطلقة، وبدون الوقوع في مثل هذه المتاهات . فللإيمان دور أساسي فاعل في مواجهة المخاطر التي تستولدها المجادلات العقلية .
4. النفس الإنسانية :
خُلِقَ الإنسان ثنائي التركيب أي من روح و من جسد لذلك يشارك الكائنات العلوية في بعض صفاتها ، كما يشارك الكائنات الحسية في بعض صفاتها أيضاً .
إن وجود الحياة في الكائنات الحية هو الدليل الأول على أن كلاً منها يتحلى بنفس . مبدأ الحياة هذا ليس جسماً ، وإلا صارت كل الأجسام حية هذا المبدأ متميز إذن عن الجسم، وهو موجود في الإنسان كما في الحيوان و النبات .لكن النفس الإنسانية متمايزة في أنها ذات إدراك عقلي مجرد غير جسمي أي ليس آلة جسمية . فلو كان آلة جسمية لمنعه تركيبه المادي من إدراك الماهيات المجردة ، و هو ما نلاحظه في عجز الحواس الظاهرة عن ضبط الحقائـق المجردة . فالإدراك العقلي مختلف إذاً بطبيعته عن القدرات الجسدية . فإذا كـانت قدرات الحس و النمو ملازمة للجسد ، فإن القدرة العقلية الخاصة بالإنسان وحده ، هي حالة روحية مجردة تدعى النفس .
هذه النفس الروحانية تكون حكماً خالية ، لأنها غير قابلة للفساد كما تفسد المركبات الجسدية العائدة إلى الحواس أو تلك القابلة للنمو . فالمركبات الجسدية قابلة للتجزؤ ، إذاً هي قابلة للانحلال . بينما النفس روحانية بسيطة غير قابلة للتجزؤ للانحلال. هذا إلى كون الإدراك العقلي الروحي قدرة مطلقة من حدود المحسوس ذات نزعة طبيعية إلى البقاء ، أي إلى الخلود الذي يجاوز المحدودات الحسية . لذلك يعتبر هذا النزوع لديها دليلاً على كونها معدة في الأساس كي تبقى ، فتخلد و لا تتعرض للفناء .
كما إن بعض إمكانات النفس تؤدي أفعالها من دون آلات جسمية عضوية كالتعقل و الإرادة مثلاً . و البعض الآخر يؤدي أفعاله عبر الأعضاء كالحس و النمو مثلاً لذلك لا يعود الخلود إلى هذه القوة المرتبطة بالأعضاء و التي تكون فانية ، بل يعود إلى القدرات التي تعمل وحدها أي إلى العقل و الإرادة .
أما كيف تحصل النفس المعرفة فأمر لا يعود إلى تذكر المثل كما يقول أفلاطون ، أو إلى اشتراك المعقولات من العقل الكلي عبر النفس الكلية كما يقول أفلوطين، أو من العقل العاشر الفعال كما يقول الفارابي وابن سينا . بل إن المعرفة تحصل بالاجتهاد العقلي عبر عمل الحواس و المتخيلة و ذلك استناداً إلى التجربة و الاستدلال . هكذا يركب العقل القضايا المنطقية بقواه الذاتية و بالتجربة و الاستدلال معاً . إن العقل يلتقط الماهيات المطلقة للكائنات أي الأجناس و الأنواع فيكون عقلاً فاعلاً . ثم يدرك تفصيلاتها الجزئية فيكون عقلاً منفعلاً . و هنا يحدث أمر مهم و هو أن العقل الفاعل يتلقى الإشراق من الله لكي تتم له معرفة المعقولات أي الماهيات المجردة . هكذا إن الإنسان يدرك الأفكار الروحانية بواسطة التذكر لأن هذه الأفكار موجودة فيه أصلاً إذ كانت النفس تعرفها قبل سقوطها إلى الأرض . كما يعارض الحسيين الذين ينفون عن العقل القدرة على إدراك المعقولات .
توما الأكويني جعل العقل ، الذي يخصبه الإشراق الإلهي ، قادراً على إدراك كل المعقولات ، شرط أن يجتهد للحصول عليها عبر الاحتكاك المباشر بالعالم أي عبر التجربة و الاستدلال .
الإنسان كائن حر لأنه عاقل ، ينزع إلى الخير الكلّي عـبر الفضيلة . و تشكل الخيرات الجزئية حوافز له فيطلبها . لكنه يستطيع تجاوزها سعياً إلى الخير الكلي و هذا أيضاً دليل تمتعه بالحرية . لذلك تشكل محبة النفس لله حالة فضلى أي أنها خير من معرفتها له . و هذا الأمر يعاكس وضع المادة حيث تكون معرفة النفس لها خير من محبتها للمادة .
لذلك تصح المسؤولية هنا و في الآخرة ، خصوصاً و أن الله يهب الإرادة قدرة على التحرك بحرية ، كما يهب العقل القدرة على الإدراك بجهده الحر الخاص . فيكون الإنسان مسؤولاً لأنه مخير و ليس مسيراً .
5. الخير و الشر ( الأخلاق ) :
ينبغي النظر إلى السلوك الأخلاقي الإنساني عبر الأعمال التي يؤديها الإنسان ، أي الأعمال التي يدرك بعقله كيف تجري و من أجل ماذا تجري ، متخذين من إرادته التي تسعى إلى غاية بعيدة مرجعاً إضافياً . أي إن العقل المدرك و الإرادة الغائية هما مقياسان للمسؤولية و بالتالي لكيفية نظرنا و تقديرنا للسلوك الأخلاقي .
عندما يشدد الأكويني على غايات الإرادة يكون بالطبع قد شدد على أهمية الغاية البعيدة التي يقصدها الإنسان و يرى فيها كماله . لذلك ينبغي أن تكون الأفعال مطابقة للخصوصيات الإنسانية المميزة عن خصوصيات سائر الكائنات و تحديداً خاصتي العقل و الإرادة . فبالنسبة إلى هذين العقل و الإرادة يحكم على الإنسان في أنه مسؤول أم لا ، أي إنهما معيار التقييم الإنساني .
إن ما تسعى إليه الإرادة من غاية نهائية هو الخير الكلي ، و ما يسعى إليه العقل من منتهى لإدراكه هو الحق الكلّي و الله هو الخير الكلّي و الحق الكلّي معاً . إذاً هو الغاية القصوى للإنسان ، وهو مرجعية فهمه لكماله الشخصي كما إنه سعادته القصوى . إن الأفراح الجزئية على الأرض هي سعادة ناقصة . فتكون ممارسة الفضائل وفق معرفة الإنسان لله وللواجبات التي يفرضها ، درب عبور إلى السعادة الحقة في الآخرة . للخير والشر في الحياة الزمنية ثلاث توجهات : 1ً. أن يكون الفعل مطابقاً لأوامر العقل أو مخالفاً لها، لأن العقل ملتزم بالخير كحد أقصى . 2ً. أن يحسن الإنسان معرفة التفاصيل الجزئية لأعماله كي يحقق في النهاية ما يكون العقل قد رسمه . 3ً. أن تكون النية الحسنة مرافقة لكل هذه التفاصيل والأفعال ، ومعبرة بالظاهر عن رغبات الخير الباطنة . وأهمية النية هنا عميقة ، مثلاً : إذا كانت الغاية من الغضب تحقيق خير ما صار الغضب خيراً ، و إذا كانت غايته تحقيق منفعة ذاتية فردية لا غاية خيرة فيها للحياة صار هذا الغضب عملاً شريراً . هذه الأمور وسواها يدركها العقل الطبيعي من دون رجوع إلى الوحي الديني . فلكل كائن ماهيته ، و أفعاله تعبر دوماً عن ماهيته . و بما أن ماهية الإنسان هي التعقل ، والتعقل يعني فعل الخير واجتناب الشر ، صار العمل الحسن بروزاً طبيعياً للماهية الإنسانية ، أي تعبيراً خارجياً عن ماهية باطنة خيّرة. وهذا الإدراك الطبيعي مشترك بين البشر أجمعين، لذلك يتفقون في قواعد الخير الأساسية ، كالامتناع عن الكذب و السرقة و التعدي …إلخ . و إن كانوا يختلفون في تفاصيل أخرى عائدة إلى ظروف الحياة و طوارئها .
و للعزة الإلهية دور محوري في هذه الأمور . فالعقل الإنساني الطبيعي ليس إلا الصورة التي شائها الله وجعلها تطلب الخير بسجية طبيعية كيانية . إن الوعي الأخلاقي عطية إلهية ، إشراق إلهي في الخليقة . لذلك تتخذ القواعد الأخلاقية الأساسية صفة الإلزام عبر قوة الضمير . لذلك يكون للإنسان المطيع ثواب وللمخالف عقاب ، لأن الإرادة الإنسانية مخيرة في احترام رؤية العقل للخير و السعي إليه أو عدم احترامه و الامتناع عن السعي إليه .
6. المجتمع و الحكم السياسي :
لكل نوع من أنواع الكائنات الحية نظام يرتب حياته . و يبرز هذا النظام بشكل جلي لدى بعض منها كالنمل و النحل . لكن خضوع هذه الكائنات للنظام يصدر عن الغريزة ، فلا معرفة واعية لديها أو إرادة حرّة في التقيد بها . أما في المجتمعات الإنسانية فالأنظمة مرتبطة بالعقل و الإرادة ، أي أنها نوع من التعاقد بين الناس .
يرى القديس توما أن نشوء الاجتماع الإنساني تمّ وفق قانون طبيعي يجسر "القانون الأزلي" للحياة ، لأن الله خلق الإنسان مدنياً بطبعه و مالكاً بالفطرة لمبادئ الحق و الخير الأساسية . و لا يقر مع القديس أوغسطينوس بأن غاية الاجتماع هي " استمتاع الناس بما يحبون " ، بل إنها سعي الإنسان إلى تحقيق طبيعته الإنسانية أي تحقيق غايته كإنسان .
وعلى الدولة أن توفر له العون الذي يمكنه من ذلك . وبالرغم من أن التشريع و ممارسة الحكم يعودان إلى الدولة فإن الكنيسة تكون مسؤولة عن المبادئ الأخلاقية و الدينية فتأتي تشريعات الدولة متناغمة مع هذه المبادئ لأن الغية الزمنية التي تنشدها القوانين يجب أن تكون موجهة نحو غاية أبدية لا زمنية عائدة للإرادة الإلهية .
و كما أن النفس تدبر الجسد و الأب يدبر الأسرة و الله يدبر العالم ، كذلك على الحكم أن يتولى تدبير الحياة المدنية .
إن حكم الفرد الفاضل خير من الحكم الأرستقراطي ، و الحكم الأرستقراطي خير من الديمقراطية . فكل من حصر الحكم في يدي قوة واحدة كان أفضل للناس شرط أن تكون هذه القوة فاضلة تسعى إلى الخير . لذلك من الأفضل أن يتم تعيين هذا الحاكم الفرد استناداً إلى الانتخاب الذي يطلب الفضيلة لدى الحاكم لا استناداً إلى النسب العائلي .
و لأن الأنظمة قابلة للتغيير و قابلة للفساد وفق طبيعة الحياة التي تخترقها طبيعياً جرثومـة الشر ، فإن خير الأنظمة التي تكفل التوازن و الخلاص من الطغيان فهو الملكية المعدلة بشيء من الأرستقراطية و الديمقراطية معاً ، أي مجلس أرستقراطي ينتخبه الشعب شبيه بذلك النظام الذي وضعه الله لموسى : كان موسى يحكم بمعونة مجلس مؤلفاً من 72 رجلاً من الحكماء ليحكموا الشعب ، يكون الشعب قد اختارهم .
مهمات الدولة حماية الناس من الأخطار الداخلية و الخارجية . الخطر الداخلي : تتم الحماية استناداً إلى القانون الطبيعي للحياة الذي يقضي بضمان حق الإنسان في العيش استناداً إلى مبدأ العدالة ، و بضمان حقه في إنشاء علاقته بالآخرين استناداً إلى مبدأ المساواة . هذا الخير في العدل و المساواة يقرّه العقل الطبيعي و القانون السرمدي الإلهي معاً . لذلك يجب أن يكون هذا القانون السرمدي ، الذي ينص على كلّ المبادئ الخيّرة ، مصدراً للتشريع إذ لا يحق للحاكم و ضع القوانين التي تتعارض و إرادة العزة الإلهية .
مسؤولية المواطن أمام الدولة هي مسؤولية كاملة يعينها القضاة وفق معيارين : 1. تطبيق الفرد للقانون . 2. نواياه الخفية الكامنة وراء أعماله . فإن النية في العمل أساس المسؤولية . المسؤولية تتبع العقاب على الذنوب . فالعقاب رادع للإنسان عن اقتراف الشر ، و تأديب لسلوكه ، حتى ولو وصل هذا العقاب إلى حد إصدار حكم بالإعدام على الجناة الذين يتصرفون كالحيوانات ، فبكون الحكم إبطالاً لحيوانيتهم و أمثولة للمجتمع .
أما الخطر الخارجي : فتردّه الدولة بوسائلها التي يقرها العقل الطبيعي ، و منها الدفاع عن حق المجتمع في العيش حتى ولو وصل الأمر إلى إعلان الحرب ، شرط أن تكون هذه الحرب عادلة استناداً إلى مسوغات واضحة، وللعدالة في الحرب ثلاثة شروط :
1ً. أن تقررها السلطة الشرعية .
2ً. أن يكون القرار مبنياً على أساس صريح وهو رد الظلم .
3ً. أن تمارس الحرب بنية حسنة و بهدف دفع العدو إلى السلم ، فلا يكون الهدف منها إيذاء الآخرين أو فرض التسلط عليهم .
إذا جاءت الحرب الدفاعية أيام الأعياد ، و المسيح كان يشفي المرضى يوم السبت ، فإن مساهمة رجال الدين في الحرب أمر غير مرغوب فيه . بل عليهم ممارسة الكفاح الروحي الأخلاقي لتوطيد العدالة عن طريق الوعظ و ما إليه فوظائف الناس في الحالة الدفاعية متنوعة و نوع وظيفة رجل الدين ينبغي أن يتناسب مع مهمته الروحية في الحياة . و يطيع المواطنون عدالة الحكام ، لكنهم لا يطيعون جورهم (ظلمهم) . فيحق لهم أن يعترضوا على هذا الجور . ولكن لا يجوز أن يؤدي هذا الاعتراض إلى اضطرا بات قد تنشب من جرائها ثورة . فالثورة تؤدي إلى الدمار و إلى أن يتسلم الحكم مستبد طاغية بحجة إعادة النظام ، فيسوء كل شيء . و الشر الأكبر هو أن يتعدى على القوانين الطبيعية للحياة ، كأن يغتصب المُلك ، فساعة إذٍ يصبح التمرد على سلطانه واجباً. فالذي يعاند إرادة الشعب يحق للشعب عزله بواسطة ممثليه كما كان يفعل مجلس الشيوخ في روما مثلاً . و عندما تنقطع السبل أمام الشعب فليتوجه إلى الله ، فالله يعاقب المستبد . فهو لا يبيح الاستبداد إلا عندما يشاء معاقبة أناس على خطاياهم . أما حق الملكية فهو صالح للخير العام عكس ما يقوله أفلاطون في الجمهورية . فالملكية الخاصة تنمي الشخصية و المسؤولية و روح الكفاح من أجل الرفاهية . علماً أن قانون الخير الطبيعي يدعو إلى شراكة في الملكية على غرار الأنظمة الرهبانية . لكن اصطلاح الناس على الملكيات الفردية يؤدي أيضاً إلى الخير العام فيكون ممكناً إذاً اعتبار الملكية قانوناً طبيعياً .
وينبغي الإيضاح أن الشرور لا تنتج عن الملكية الخاصة، بل عن استعمالها وعن الاستئثار بخيراتها . وللفقراء المعوزين حقوق طبيعية يجب توفيرها من ملكيات الآخرين ، فيخضع القانون الوضعي هذا ، أي الذي أجاز الملكية الخاصة ، إلى القانون الطبيعي الذي يكفل لكل إنسان حاجات حياته .
عام 1318 م اعتبرت البابوية مذهب توما الأكويني معجزة ، داعية إلى النظر إليه على أنه التفسير الأوضح للعقيدة الكاثوليكية . ثم طوّب قديساً عام 1323 م .
Comment