إعداد: الأب حبيب دانيال
قصة ميشال غوفير
جو بزمال هرايدي يدمغُ الزائر دمغاً بليغاً، ولاسيما إن منحت له فرصة خدمةٍ للنزلاء، والواقع أن من يعمل في كاليغات بين المحتضرين يأخذ أكثر بكثيرٍ مما يعطي، وما انفكت الأم تريزا تقول "إننا مدينون للفقراء، لأنهم بإيمانهم وتسليمهم وصبرهم في المعاناة يلقوننا أعظم درس. إنهم يبيحون لنا أن نلمس المسيح. ونحن بسببهم نستطيع أن نحب الله أكثر".
وكثيرون يتطوعون للعمل ولو مؤقتاً في بزمال هرايدي فيقومون بكل الأعمال الوضيعة.
ويعبرون بطرقٍ بسيطةٍ وصادقةٍ عن حبهم، وفي ذلك ليسوا الأقل ربحاً، فالتجربة عميقة، تبدل النظرة وتوسع القلب.
هؤلاء المتطوعون يأتون من كل أنحاء العالم ن يتركون درسهم، أعمالهم وعائلاتهم ليقدموا ليس فقط من كالهم بل من ذواتهم لأفقر الفقراء في مدينة العيش فيها صعب، وهم لا يقصدون فيها الأماكن السياحية بل الأحياء حيث يتعلمون الحب ويعيشون فترة شديدة الكثافة فيها يكتنزون زاداً يعودون به إلى موطنهم .
يأتي المتطوعون لفترات متفاوتة، المهم أن يساعدوا، أن يخدموا، أن يختبروا الحب المجاني، المتواضع، الذي يعود بالخير على مُعطيه والحاصل عليه، فالحب من الأمور التي يصح فيها قول حكماء الهند "كل مالا يُعطى مفقود" ومنهم من لا يبخل بسنين عديدة من عمره يقضيها مع المسيح يلمسه ويطعمه ويواسيه في إخوته، مثل هذا الشاب الألماني AUDY وكان اليد اليمنى للمسئولةِ في يزمال هرايدي الأخت لوك وكم من دعوات رهبانية نبتت بين أسرة القلب الطاهر فنيرمال هرايدي حَسَب قول أديب مصلح هو مدرسة صبرٍ وتفانٍ وحبٍ وقداسة وتجربةٍ خصبةٍ مَعَ الموت .
تَعُدُ الأم تريزا من أجمل أيام حياتها، زار البابا يوحنا كاليغات عام ألفٍ وتسعمايةٍ وستةٍ وثمانين، كان يؤكد للنزلاء حّبه لهم وخاصة أن الله يحبهم حباً أبدياً وأنهم ثمينون في نظره.
غصت الطبقة الثالثة في آل غومير بالوافدات للانضمام إلى الأم تريزا وكان عددهن يزداد بلا توقف .
فبحث الأب فان إكزيم مرشد الأم تريزا الروحي والأب هنري مرشد الجماعة الفتية عن مركز يستوعبُ الأخوات ودبر الله الأمر وحصلت الأم تريزا على بناءٍ كبيرٍ لقاضىٍ مسلم بمبلغ مئة ألف روبية بالكاد يساوي قيمة الأرض المشاد عليها.
هذه الدار أصبحت منذئذ المركز الأم لمرسلات المحبة في العالم أجمع.
يقع البيت الأم MATHER HOUSE كما يُعرف في كلكتا LOWER CUALAS ROAD وكثيرٌ من سائقي التاكسي يتخذونه كمرجعٍ للشارع الذي هو فيه.
مؤلف من ثلاثة أبنية بينها فناء في إحدى زواياه مزارٌ لسيدة لورد تجتمع الراهبات أمامه لتلاوة الصلاة للعذراء مريم التي تشربن حبها وتكريمها الخالصين من أمهنّ .
أحد الأبنية الثلاثة وهو صوب الشارع العام مؤلفٌ من طبقتين، في الأولى موجود الآن قبر الأم تريزا يعلوه تمال لآم الإله مريم العذراء،وهذا المقر هو مكان حجٍ ليس فقط للمرسلات يطلبن شفاعة مؤسستهن وأمهن، بل لكل من يأتي للاشتراك معهن بالصلاة وللتضرع للام تريزا حتى لو كان غير مسيحي
هناك أيضاًُ الصليب والمصلوب وعن يمنيه صرخة الحب الدائمة " أنا عطشان" وصرخة يسوع هذه مكتوبة في جميع مقرات المرسلات والمرسلين في العالم ومطبوعةٌ في قلبِ كلَّ من الأخوات والإخوة.
يشغل كل الطبقة الثانية المصلي يتوسطه مذبح بسيط وراءه بيت القربان وعن يساره تمثال للقديسة مريم وكل زينهُ هذا المصلى.
بعض الصور الصغيرة هي شرحٌ لمراحل فروع جمعيه مرسلات المحبة وبعض العبارات مما قالتها الأم تريزا ويلفت انتباه المرء قرب الباب المواجه للمذبح تمثال الأم المؤسسة في جلستها المعهودة في سنواتها الأخيرة وضع على أريكة.
هناك قرب أمها تقبع الأخت نيرمالا الرئيسة العامة الحالية. وخارج أحدى أبواب المصلى لوحٌ اسودٌ تدون عليه يومياً إحدى الراهبات مناوبة اليوم، الصلوات، وأسماء من يطلبون الصلاة من أي معتقدٍ كانوا.
لم نستطيع الذهاب إلى الأبنية الأخرى من المركز ولكن من المقدر أنها تضم غرف الراهبات الناذرات والمبتدئات إلى جانب الطالبات ومن يقين فترة "تعال وانظر" ولكننا استرقنا تحت أنظار الأخت KRISTIE المعاتبة بلطف قليلاً من المكتب الوضيع حيث تنجزُ كل الشؤون الإدارية بفعاليةٍ وسرعةٍ بوسائل تقنيةٍ اقتصرت على آلة كاتبة قديمة وهاتف كانت للأم تريزا قد ترددت قبل جلبه.
فالتجرد واضحٌ في البيت الأم وإلاّ تقول الأم تريزا " كيف لي أن أواجه الفقراء وأقول لهم أحبكم وأفهمكم، إن لم أعش على غرارهم "
" أجل أعلى ضوء العقل وحده، حياتنا أكثر من مهدورة، ولا مبرر لوجودنا خارج يسوع.
ما الذي يدفع بالشابات من عائلات فقيرةٍ كنّ أم غنيةٍ أن يتركن كلَّ شئ من هذا العالم ويتلفحن بالساري القطني.
ليتمكن مرسلو ومرسلات المحبة من عيش حياةٍ تنقسم بين الصلاة والخدمة يقومون بأربعة نذور، يقدمون حبهم غير المجتزئ ليسوع بنذر العفة، يحصلون على الحرية من خلال نذر الفقر.
" الفقر حرية لآن ما لا أملكه لا يؤرقني، ولا يحد من حريتي في المشاركة والعطاء وبذل الذات " المسيح أختار الفقر وإن نحن ابتغينا أن نكون له، علينا أن نكون نحن أيضاً فقراء ".
يطيعون بحب ويتميزون بنذرهم الرابع وهو "خدمة أفقر الفقراء، مجاناً وبعطفٍ نابعٍ من أعماق القلب وكلياً".
هاكم النذر القليل من حياة وروحانية مرسلات ومرسلين المحبة وكما قال الكتاب أديب مصلح ببلاغة كبيرة ضمن شأن حياتهم أن تكون شديدة الوعورة والقسوة، عميقة التقشفِ والتجرد، وهى مستحيلةٌ لو لم تقع على صلاةٍ كثيفةٍ متواصلة.
قد برعت الأم تريزا في ترسيخ توازنٍ صلبٍ بينت التأمل والصلاة من جهة والعمل من جهة أخرى، حتى ليخيل لمن يعترف إليها أنها عملاقة قدماها دائمة الالتصاقِ بالأرض ولو كانت هي وأولادها حاثي الخطى لئلا يفرطوا بأية هنيهه وقد دُعيت أخوتها " الراهبات الراكضات وأفكارها وقلبها متجهة إلى العُلى لتملي صلاة توسع صدرها ليستوعب هبة الله إلا وهى هو ذاته وإخوتهُ .
يوم مرسلات المحبة يبدأ عند الرابعة ونصف فجراً وينتهي عند الثانية والعشرين مساءً تأخذ الصلاة من حيزه ما لا يقل عن أربع ساعات من التأمل بصمتٍ إلى القداس يتخلله الوعظ، صلبُ أيمان مرسلات المحبة ومرسلينها الافخارستيا، فهم يقضون قسماً كبيراً من يومهم مع يسوع في القربان ويتنالونه ليدخروا قوةً ويعطونه للآخرين وكأنهم مريمات يحملن البشرى، والقسم الآخر معه من إخوته الفقراء فكلام يسوع قانون حياتهم .
" كنت جائعاً فأطعمتموني، مريضاً فزرتموني، مشرداً فآويتموني، والفقر الروحي والنفسي والعاطفي غالباً أشد إيلاماً من الفقر المادي .
ومن البرنامج اليومي ساعة سجود أمام القربان الأقدس يفرغون ذواتهم من كل الأثقال ويعبون من نعم حبيبهم الإلهي قوةً ونعمة وذخيرةً لليوم التالي. الصلاة لمرسلات ومرسلين المحبة حاجة لا مفر عنها تقول الأم تريزا " إن الصلاة تجعلنا واحداً مع المسيح كما كان هو واحداً مع أبيه وهكذا نتمكن من أن نكون رُسلاً حقيقين له نعمل عمله فيكون هذا الأخير سببُ خلاصٍ لنا وللآخرين "
والصلاة تّولد المحبة
المحبة تبذلُ ذاتها في خدمةٍ متفانيةٍ وعطاءٍ حتى الوجع فما من حب أعظم من أن يبذل المرء حياته عن أصدقائه ولو أردنا التبحر بروحانية جمعية مرسلات المحبة لطال بنا الحديث طويلاً وحسبُنا أن نبرزُ بطاعةٍ عمل مؤسستها :
ثمرة الصمت الصلاة
ثمرة الصلاة الإيمان
ثمرة الإيمان المحبة
ثمرة المحبة الخدمة
ثمرة الخدمة السلام
ويقول الأخ JETSU DAS الخادم العام لفرع مرسلين المحبة يحدثنا عن يومٍ كمرسل محبة أثناء تجوالها في مكان الفقرِ والبؤس مع أخواتها، عثرت الأم تريزا على عدد من الأطفال المهملين، متروكين عُزّل على الأرصفة أو إلى جانب الطريق على مقاعد أو حتى في أكوام من القِمامة. أطفالٌ أيتام أو غير مرغوبٍ فيهم أو لا قدرة لأهلهم على النهوض بتربيتهم. وكانت الحاجة ماسة إلى بيتٍ لهم، مثلما تعودت، وثقت الأم تريزا بعناية الله وقالت إن هذا العمل هو لله وهو قادر على أن يعطينا ما نحتاج إليه من منازل. هي وأخواتها لم يكنَّ سوى أدوات طيعاتٍ يبن يدي الله الخالق والواهب كل إنسان احتاجه.
تمكنّ من استئجار منزل أو بناءٍ قديم على مقربةٍ من البيت الأم يصلح للغاية المنشودة، دُعي nuniala Shishu Bhouan أي بيت الطفل المُهمل .
هنا أيضاً تبذل الأخوات قُصارىّ جَهدهِنّ لَيِقُمنَ بشيٍ جميلٍ لله. فمنذ افتتاحه ناشدت الأم تريزا الجميع أن يُحضروا كلَّ طفلٍ مصيره أن يُترك وحَده حتىّ لو كان على آخرِ رمقٍ من حياته .
وضج البيت بالأصوات والضحكات والثغاء وامتدت الأيدي الصغيرة، نحو أمُهاتٍ عديداتٍ وامتلأت الأسرةُ بدل الأرصفة ولبس الأطفال ثياباً جميلةً نظيفةً بدلاً عن ورق الجرائد والنفايات، كما أنهم تنعموا بنسائم عليلة تحركها مراوحٌ عّوض أن تضيقَ أنفاسهم الفتية بفعل حرِّ ورطوبةِ كلكتا الشهيرين. النساء اللواتي لم يتزوجن ولم يُرزقنَ بأطفال أصبحن أمهاتٍ لعشراتٍ من الأطفال يُغدِقن عليهم مما تختلُج عليه كل واحدةٍ منهن، قلوبهن من حُبّ ودفء .
وقد أصبح قسمٌ من البيت الذي يضم الأطفال المعَدين للتبني مشهوراً عالمياً وفيه أطفال تتراوح أعمارهم مابين السنة والتسع سنوات، صبياناً وبنات، من كافة الأديان والطوائف.
وقد أحدثت الأم تريزا ومرسلاتها انقلاباً كبيراً في تقاليد الطبقات الهندية فبدل من أن تعتبر الأُسر الرفيعة المستوى الطفل المهمل منبوذاً أخذت تطلب التبني الذي أصبح يتم جهاراً ويطال كل الأطفال حتى المصابين منهم بالإعاقة. وهنا يمكنا أن نقول " بمجانية التبني " .ثورةٍ أخرى شهدتها الأم تريزا وأخواتها بفضل مشروع التبني وهي كأنها صاحب الثورة أو قائدتها. ثورة على منع الإجهاض وقد قالت يوم أن استلمت جائزة نوبل للسلام في أوسلو " إن الله هو الذي يطالب بهذا الطفل لأنه على صورته ومثاله، ولأنه خلقه ليكون موضوع حُبهُ، وعَطفهّ، وطيبته في العالم. إن كل طفلٍ أودى به الإجهاض كان قد خُلقَ من اجل أهدافٍ جليلةٍ .... إن الربَّ يطالبنا بأن يستعيد الطفلُ مكانته في حياة الأسرة والعائلة البشرية، وبأن يُعترف به، وأن تتحولَ بيوتنا إلى ناصرات أخرى "
ومواقف الأم تريزا من الإجهاض كانت صريحةٌ وثاقبة الرؤية وتعتبره مدمر للسلام في العالم، فإن كانت أمٌ قادرة على القضاء على ابنها، فما الذي يَحولُ دون أن يدمرَ البشرُ بعضهم بعضاً ؟، حتى لو استطاعت امرأة أن تنسى ابنها، فأنا لن أنساك يقول الرب، لقد وشمتك على يدي ولك قيمةٌ في عيني، وقد دعوتك باسمِك ". من بين الفقراء ربما كان البُرص هم الأكثر فقراً، هذا المرض يسبب تشويهات عديدة في الأنف والرجلين، والأصابع وتجويفات في كل أجزاء الجسم.
البُرص فئاتٌ ثلاث، واحدة منها وهي الأندر والأقل انتشاراً خطيرة، وسريعة العدوى، في حين أنّ معظم الحالات الأخرى غير مُعدية إلاّ في فترة معيّنةٍ ولمن يملكون المناعة الطبيعية، ومن السهل جداً العلاج والقضاء على البرص في مراحله الأولى بعقاقير قريبة المنال. قد أحيط البرص منذ تَعَرف عليه الإنسان بموقفٍ لعنةٍ ونبذ وأُعتبر قصاصاً على الخطايا .
في الهند زادت المعتقدات الهندوسية عند المجزومين لأنها تؤمن وتُعَلم أنَّ البرص هو عقاب السماء على أخطاءٍ ارتُكبت في حياةٍ سابقة ولا يسوع مقاومة إرادة الآلهة بمحاولة التخلص منه بالرغم من هذه العقلية السائدة تجاه الُبرص ومرض البَرص، نهض عدد من الأشخاص ليكرسوا ذواتهم لقضية البُرص ويعبّروا بطريقةٍ بطوليةٍ عن حبهم لله والبشر عبر خدمة أكثر عدداً مما يعدون منبوذين بسبب مرض البرص .
كانت الأم تريزا أول من قادة هذه القافلة من البشر الذين امتلأت قلوبهم من محبة الإنسان، وبعد أن استقبلت المجزومين بمرض البَرص أو مرض الجزام الخمس الأوائل وكانوا قد أصبحوا بالفعل منبوذين من المحيط الذي يعيشون فيه وحتى من عائلاتهم وموقع عملهم ومجتمعهم، وإذ قد ظهرت على أجسامهم البقع البيضاء، وباتخاذ موقفٍ سريعٍ كالعادة مع تدبير الله المرافق لتحركات الأم تريزا سُخرت سيارة إسعاف ومستوصفاً نقالاً، وثم تطور الأمر وانتشر، وفي عام ألفٍ وتسعمائة وثمانٍ وخمسين ظهرت في فيتاغار في ضاحية كلكتا، أولى قريةٍ للبُرص وقد دعيت هذه القرية باسم " غاندبجي بيرسم بنفاس" أي "بيت غاندي للمحبة " تيمناً بالمهاتما غاندي الذي يتورع عن استقبال بُرصٍ في أشرمه. ومن بعد هذه القرية تبعتها قرية أخرى سُميت شانتي ناغار أي " قلعة السلام ".
في عام الفٍ وتسعمائة وأربعٍ وسبعين سلمت الأم تريزا مستوطنة تيتاغار إلى إخوتِها مرسلين المحبة الذين بذلوا قصارى جهدهم وقواهم متخطين كل الظروف والمواقف الصعبة ومناوأة شديدةٍ من المجموعات المتواجدة هناك. ولكن الأخوة ظلّوا أمنيين على ما انتدبوا عليه، وهاكم حال قرية البرص حالياً : تقع المستوطنةُ قرب سكةٍ حديديةٍ مهمّة، بناءٌ متمادٍ في الطول والعرض، وهو مركزٌ للإنتاج والتأهيل، يُمارِس فيه البُرص الذين يستطيعون العمل مهناً مختلفةٍ تلبية لحاجاتهم في المركز ووسيلة للعيش الكريم. فهنا نجد أصحاب المهن، السكافون وهم يصنعون الصنادل والأحذية من إطارات السيارات، والنجارون وهم يخرجون من أيديهم عكازات تسند من هم بحاجة إليها في سيرهم. كما إننا نجد مشغلاً طويلاً للحياكة وهو بهجةٌ بكل معني الكلمة للقلب والعين، حتى أصوات المغازلِ ومكينات الحياكة كأنها موسيقى صاخبة تطرب الآذان، فمن يعملون عليها سعيدون جداً بما يقومون بهِ، يضعون من ذواتهم في كل برمةِ مغزلٍ أو حركةِ يدٍ أو رِجلٍ. الجو حنا بالرغم من ضجيج القطارات من حين إلى آخر تنهشُ السكَّة نهشاً، يعبقُ بالسلام والهدوء، والاستقرار .
يبدو أنّ هؤلاء القوم قبلوا بمرضهم وكأن آفاقَ قلوبهم وأذهانهم توسعت إلى حدّ تخطوا فيه النزاعُ والقلقَ، مَثلهُم في ذلك مثّلُ أيوب الصديق، وهم يتابعون حياتهم مؤدين دورهم بملئه. هنا نُغزل سواري مرسلات المحبة في العالم أجمع، وكل القطنيات المستعملة في مختلف المراكز التي تخدُمها الجمعية.
قرب المشغل مجمعُ بيوت يقطنها قِسمٌ من عائلات المصابين بالبَرص. لقد تمكنت جمعيةُ مرسلات ومرسلين المحبة مجدداً من قلب مفاهيمٍ مشوهة تعزلُ الإنسان وتجرده من كرامته وتنشب فيه حربات ألمٍ موجعةٍ من الوحدة والنبذ .
هنا يتم دبغ خيوط المعّدة لمشغل الحياكة الحلقةُ متكاملة والعمل من أروع ما يمكن .
هذا هو مصنع الجلديات وهذا المركز يوجد فيه أيضاً شيشوباثان يُبقي أطفال المجزومين قرب ذويهم. وأننا نرى أمام أعيوننا الكهربائي الذي يعمل بدون ملل أو كلل بالرغم ما يعانيه من مشاكل صحية وجسدية فهو رجل بدون أصابع ولكن ما همه ؟ هو تقني كهرباء القرية كلها يُعنىّ بكل عطلٍ موجود أو حاجة لإنسانٍ ما .
في قرية النزلاء نجد أشخاص عددين وكأنهم فقدوا الإحساس [أي نوع من الألم نظراً للمرض الذي يعانون منه فمن الممكن أن يُجرحوا أو يحترقوا دون أن يشعروا بألم .
في مستوطنةِ تياغار أربعُ مئةِ وخمسون نزيلاً ونزيلاً يُعاد تأهيلهم والعدد في ازدياد مستمر. كثير من المجزومين والمصابين يحلون نزلاء على هذا المنزل بفضل النعمة الإلهية وتطوع المرسلين والمرسلات يتم تأهيلهم والعمل قدر المستطاع على إعادتهم إلى الحياة أو أقله إحساسهم بأنهم غير منبوذين .
تحتوي قرية النزلاء على مسرحٍ للعمليات تُبتَر فيه الأطراف المصابة حتى مستوى القسم الصحيح من جسمهم ثم يوضع للمصاب الطرفُ الاصطناعي، وهذا الأخير يصنعُ أيضاً داخل المستوطنة في مشغلٍ خاص، بعد ذلك يُعاد تأهيل المجزوم على المشي في غرفةٍ خاصةٍ مجهزة للقيام بمثل هذا العمل. في المركز الرئيسي الذي نتحدث عنه نجد ملحقات الدار ومن بين هذه الملحقات موزعةُ دواجن ومزرعة ماعز وخنازير وحوض كبير للماء يسد كافة الاحتياجات بالإضافة أيضاً إلى مزرعة خضار وفاكهة وشتولٍ للزينة .
Comment