أو القديس جاورجيوس
في 23 نيسان من كل عام تحتفل شعوب شتى، ولا سيما في المشرق العربي، بعيد سان جورج كما في أوروبا، او عيد مار جاورجيوس في روسيا، او مار جريس في بلاد الشام. و23 نيسان هو تقويم فلكي زراعي يطابق عيد الربيع في التقويمات القديمة، لكنه تحوَّل الى عيد الفصح لدى بعض الطوائف المسيحية. أما مار جريس فهو القديس الأكثر شعبية في العالم المسيحي، خصوصاً في سوريا القديمة. وتُصوره الأيقونات شاباً بهي الطلعة يغرز رمحه في جسد التنين ذي الرؤوس السبعة، بينما تقف الى جانب حصانه الجامح فتاة خائفة ورائعة الجمال. وبحسب الرواية المسيحية فإن جريس ولد في مدينة اللد في فلسطين سنة 275 ميلادية. والتحق بجيش القيصر الروماني دوقليانوس وصار اسمه جاورجيوس القبادوقي نسبة الى قبادوقيا في شمال سوريا. ولما بدأ هذا القيصر يضطهد المسيحيين رفض جاورجيوس ممارسة التعذيب بحقهم، واعتنق المسيحية، واستبسل في الدفاع عنها، فاعتُقل وعُذب حتى الموت وقطع رأسه في 23 نيسان سنة ,303 ودفن في اللد، وصار، في ما بعد، شفيعاً لجيش قسطنطين. أما الفتاة فتحوّلت إلى رمز للكنيسة التي استشهد مار جريس في سبيلها.
البطل والشرير
ترمز قصة مار جريس الى انتصار الخير على الشر، والى انتصار القيامة على الموت. وبهذا المعنى فهي محصلة دمج حكايتين: حكاية مصرع التنين رمز الشر، وحكاية القيامة بعد انتصار الحياة على الموت، أي مجيء الربيع بعد موت الطبيعة في الشتاء. تقول الأسطورة الأوغاريتية: «في ذلك الوقت ستُقتل لوتان الحية الهاربة، وتوضع نهاية للحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة». وتسرق التوراة من الأدب الأوغاريتي هذه القصة فتقول: «في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياتان الحية الهاربة، لوياتان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر» (أشعيا ـ 27:1). وبدوره يصرع يهوه لوياتان التنين الذي «من فمه يُخرج مصابيح (...). شرار نار تتطاير منه. من منخريه يخرج دخان» (سفر أيوب ـ 41:23,14). وفي أسطورة «إينوما إليش» (بينما في الأعالي) يصارع الإله مردوخ الأفعوان لابو ويقتله بالزوابع والبروق. واللافت ان المعتقدات الشعبية المسيحية في سوريا تعزو إلى مار جريس الرعد والبرق (مثل الإله مردوخ)؛ فالبرق ينجم عن احتكاك حوافر حصان مار جريس بالصخور، والرعد هو صوت السوط الذي يسوم به الأشرار (قارن ذلك بالمعتقدات الشعبية التي تقول عن الإمام علي إن البرق سوطه والرعد صوته).
يلوح لي ان مار جريس الذي تحوّل لدى المسلمين إلى «الخضر» الأخضر هو نفسه الإله «تموز» البابلي ابن عشتار الذي يُعدّ، في المعتقدات القيامية القديمة، تجسيداً لروح النبات؛ إنه إله زراعي تماماً. وحتى اليوم ما زال الكاهن الروسي يخرج في عيد مار جاورجيوس مع جمهور من الناس إلى الحقول ليباركها، ثم يتقدم المتزوجون حديثاً فيتدحرجون على الأرض في طقس إخصابي واضح يشبه كثيراً ما كانت تفعله نساء العريش وغزة وبيروت في «أربعاء أيوب» الذي هو الرديف الإسلامي لعيد الفصح المسيحي ولطقوس الخصوبة القديمة، فترتمي النساء على أمواج البحر سبع مرات لطرد الشرور السبعة ويطلبن نعمة الزواج للعانسات والحَبَل للعاقرات.
يمثل موت الإله الآرامي «بعل» أفضل تمثيل قصة مار جريس في دلالاتها الأسطورية لا إن المسيحية، باعتبارها عقيدة فداء وخلاص ورثت هذه المعتقدات كلها، ومعها الطقوس الجميلة، واستوعبت ديانات الأسرار القديمة التي سبقت نشوءها؛ ويبدو ذلك، بوضوح، في الأيقونات التي تزين البيوت والكنائس حيث يظهر مارجريس وهو يقاتل التنين ذا الرؤوس السبعة، والى جانب المشهد امرأة جميلة هي، في الأصل، الإلهة «عناة» الأوغاريتية، لكنها صارت ترمز الى النساء اللواتي تخلصن من مذلة الموت بغايا او قرابين بشرية. وهي في الأيقونة، رمز للكنيسة التي قاتل في سبيلها القديس جاورجيوس.
الخضر ومار جريس: قصة متنافرة
عاش الخضر، بحسب الرواية الإسلامية، في زمن النبي موسى، أي قبل المسيح. بينما وُلد مار جريس بعد المسيح بثلاثة قرون تقريباً. فلا علاقة، إذاً، بين الشخصيتين. لكن الخيال الشعبي، الديني تحديداً، دمج القصتين في حكاية واحدة. وقصة الخضر تندرج في نطاق الأدب العجائبي، فهو يدعى «إيليا بن ملكان»، وسُمّي الخضر، لأنه حي كشجرة دائمة الخضرة لا تعرف اليباس. وقيل لأنه إذا جلس على أرض جافة أو يابسة اخضرّت وأزهرت (لاحظ الاسم ايليا بن ملكان واسم النبي الياس الحي). والخضر في الروايات الإسلامية لا يقتل التنين، وإنما يقوم بالمخاريق. فهو يقيم في كربلاء ويطير مساء كل ثلاثاء إلى مكة. وعن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله إن الخضر في البحر وأليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويجتمعان كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل»، أي إلى العام المقبل.
من غير المعروف على وجه الدقة متى دُمجت حكاية الخضر (غير الواردة في القرآن) بحكاية مار جريس. وعلى الرغم من ان الحكايتين تفترقان كثيراً، ومع أن علي جمعة، مفتي الديار الإسلامية، يقول في كتابه «البيان لما يشغل الأذهان» إن الخضر ما زال حياً الى اليوم، إلا أن الناس تعتقد غير ذلك. ففي فلسطين قرية تدعى «الخضر» تقع جنوبي القدس، وفيها كنيسة باسم القديس جاورجيوس، ويعتقد أهلها أن الخضر مات ودفن في هذه البلدة. ويعتقد الناس في درعا أن الخضر مدفون بالقرب من مدينتهم، وله فيها مقام يُزار. وتردد الفتيات في زيارة المقام ما يلي:
يا خضر جيتك زايرة
وأنا بأموري حايرة
كل البنات تجوزن
وأنا ظليت بايرة
هذا الدعاء يطابق تماماً ما كانت تردده فتيات بيروت في «أربعاء أيوب»، وهو الرديف الإسلامي لعيد الفصح المسيحي، حينما كن يرتمين على أمواج البحر في منطقة «حنتوس» (الأوزاعي لاحقاً) ويهزجن:
يا بحر جيتك زايرة
من كثر ما أنا بايرة
كل البنات اتجوزت
وأنا على شطك دايرة
وفي دير الزور يحتفلون بعيد «الخضر» في ليلة النصف من شعبان، فيوقدون الشموع ويضعونها في أوان من قش أو قصب، ويرسلونها طافية في نهر الفرات. وأصل هذا الاحتفال قديم جداً تسرّب إلى بعض الروايات الشعبية المسيحية التي تعتقد ان مار جريس هو سلطان المياه ولا يخرج إلى اليابسة (راجع حكايته عند أنس بن مالك التي استعارها من الروايات الشعبية المسيحية). وإرسال الشموع إليه في النهر إنما هي أمنيات ليحققها.
شفيع العيون
في مدينة حماه يحتفلون بـ«خميس الخضر»، وهو عيد قديم يحتفل الأطفال به بالطواف ليلاً على المنازل لجمع الأزهار التي يضعونها في أوعية خاصة. وفي الصباح يستيقظون ويغسلون عيونهم بنقيع الزهر، ثم يقوم الجميع، كباراً وصغاراً، بالذهاب إلى البساتين للتنزه. وهذا الطقس إنما هو احتفال بمقدم الربيع الذي يحمل معه الرمد الربيعي المعروف حتى يومنا هذا. وفي بيروت في احتفال «أربعاء أيوب» الذي يصادف أول أربعاء من كل نيسان أو الأربعاء الذي يسبق الفصح الشرقي، ينقع البيروتيون أزهاراً في الماء ويغسلون عيونهم بالنقيع في اليوم التالي، ثم يذهبون الى البحر ويغسلون عيونهم بماء البحر إذا كانت مرمدة، ويأكلون «المفتقة» و«أم قليبانة» والبيض المسلوق. وهذا ما يفعله المصريون أيضاً في شم النسيم، فيستعدون لهذا اليوم بتجهيز البيض الملون والحمص الأخضر (أم قليبانة) والبصل والفسيخ (السمك القديد المملح[ [ [
في النهاية مارجريس او الخضر قديس مسيحي وولي إسلامي محترم من قبل الديانتين المسيحية والاسلامية و تختلف التفاسير والمراجع بسرد المعلومات عنه لا بل إن بعضها يربط فكرة الفارس المتعلقة بمار جريس بالديانات القديمة . وفي النهاية هذا الموضوع محاولة صغيرة لمعرفة شخصية القديس جاورجيوس عن قرب .
البطل والشرير
ترمز قصة مار جريس الى انتصار الخير على الشر، والى انتصار القيامة على الموت. وبهذا المعنى فهي محصلة دمج حكايتين: حكاية مصرع التنين رمز الشر، وحكاية القيامة بعد انتصار الحياة على الموت، أي مجيء الربيع بعد موت الطبيعة في الشتاء. تقول الأسطورة الأوغاريتية: «في ذلك الوقت ستُقتل لوتان الحية الهاربة، وتوضع نهاية للحية الملتوية ذات الرؤوس السبعة». وتسرق التوراة من الأدب الأوغاريتي هذه القصة فتقول: «في ذلك اليوم يعاقب الرب بسيفه القاسي العظيم الشديد لوياتان الحية الهاربة، لوياتان الحية الملتوية، ويقتل التنين الذي في البحر» (أشعيا ـ 27:1). وبدوره يصرع يهوه لوياتان التنين الذي «من فمه يُخرج مصابيح (...). شرار نار تتطاير منه. من منخريه يخرج دخان» (سفر أيوب ـ 41:23,14). وفي أسطورة «إينوما إليش» (بينما في الأعالي) يصارع الإله مردوخ الأفعوان لابو ويقتله بالزوابع والبروق. واللافت ان المعتقدات الشعبية المسيحية في سوريا تعزو إلى مار جريس الرعد والبرق (مثل الإله مردوخ)؛ فالبرق ينجم عن احتكاك حوافر حصان مار جريس بالصخور، والرعد هو صوت السوط الذي يسوم به الأشرار (قارن ذلك بالمعتقدات الشعبية التي تقول عن الإمام علي إن البرق سوطه والرعد صوته).
يلوح لي ان مار جريس الذي تحوّل لدى المسلمين إلى «الخضر» الأخضر هو نفسه الإله «تموز» البابلي ابن عشتار الذي يُعدّ، في المعتقدات القيامية القديمة، تجسيداً لروح النبات؛ إنه إله زراعي تماماً. وحتى اليوم ما زال الكاهن الروسي يخرج في عيد مار جاورجيوس مع جمهور من الناس إلى الحقول ليباركها، ثم يتقدم المتزوجون حديثاً فيتدحرجون على الأرض في طقس إخصابي واضح يشبه كثيراً ما كانت تفعله نساء العريش وغزة وبيروت في «أربعاء أيوب» الذي هو الرديف الإسلامي لعيد الفصح المسيحي ولطقوس الخصوبة القديمة، فترتمي النساء على أمواج البحر سبع مرات لطرد الشرور السبعة ويطلبن نعمة الزواج للعانسات والحَبَل للعاقرات.
يمثل موت الإله الآرامي «بعل» أفضل تمثيل قصة مار جريس في دلالاتها الأسطورية لا إن المسيحية، باعتبارها عقيدة فداء وخلاص ورثت هذه المعتقدات كلها، ومعها الطقوس الجميلة، واستوعبت ديانات الأسرار القديمة التي سبقت نشوءها؛ ويبدو ذلك، بوضوح، في الأيقونات التي تزين البيوت والكنائس حيث يظهر مارجريس وهو يقاتل التنين ذا الرؤوس السبعة، والى جانب المشهد امرأة جميلة هي، في الأصل، الإلهة «عناة» الأوغاريتية، لكنها صارت ترمز الى النساء اللواتي تخلصن من مذلة الموت بغايا او قرابين بشرية. وهي في الأيقونة، رمز للكنيسة التي قاتل في سبيلها القديس جاورجيوس.
الخضر ومار جريس: قصة متنافرة
عاش الخضر، بحسب الرواية الإسلامية، في زمن النبي موسى، أي قبل المسيح. بينما وُلد مار جريس بعد المسيح بثلاثة قرون تقريباً. فلا علاقة، إذاً، بين الشخصيتين. لكن الخيال الشعبي، الديني تحديداً، دمج القصتين في حكاية واحدة. وقصة الخضر تندرج في نطاق الأدب العجائبي، فهو يدعى «إيليا بن ملكان»، وسُمّي الخضر، لأنه حي كشجرة دائمة الخضرة لا تعرف اليباس. وقيل لأنه إذا جلس على أرض جافة أو يابسة اخضرّت وأزهرت (لاحظ الاسم ايليا بن ملكان واسم النبي الياس الحي). والخضر في الروايات الإسلامية لا يقتل التنين، وإنما يقوم بالمخاريق. فهو يقيم في كربلاء ويطير مساء كل ثلاثاء إلى مكة. وعن أنس بن مالك قال: «قال رسول الله إن الخضر في البحر وأليسع في البر يجتمعان كل ليلة عند الردم الذي بناه ذو القرنين بين الناس وبين يأجوج ومأجوج، ويحجان ويجتمعان كل عام ويشربان من زمزم شربة تكفيهما إلى قابل»، أي إلى العام المقبل.
من غير المعروف على وجه الدقة متى دُمجت حكاية الخضر (غير الواردة في القرآن) بحكاية مار جريس. وعلى الرغم من ان الحكايتين تفترقان كثيراً، ومع أن علي جمعة، مفتي الديار الإسلامية، يقول في كتابه «البيان لما يشغل الأذهان» إن الخضر ما زال حياً الى اليوم، إلا أن الناس تعتقد غير ذلك. ففي فلسطين قرية تدعى «الخضر» تقع جنوبي القدس، وفيها كنيسة باسم القديس جاورجيوس، ويعتقد أهلها أن الخضر مات ودفن في هذه البلدة. ويعتقد الناس في درعا أن الخضر مدفون بالقرب من مدينتهم، وله فيها مقام يُزار. وتردد الفتيات في زيارة المقام ما يلي:
يا خضر جيتك زايرة
وأنا بأموري حايرة
كل البنات تجوزن
وأنا ظليت بايرة
هذا الدعاء يطابق تماماً ما كانت تردده فتيات بيروت في «أربعاء أيوب»، وهو الرديف الإسلامي لعيد الفصح المسيحي، حينما كن يرتمين على أمواج البحر في منطقة «حنتوس» (الأوزاعي لاحقاً) ويهزجن:
يا بحر جيتك زايرة
من كثر ما أنا بايرة
كل البنات اتجوزت
وأنا على شطك دايرة
وفي دير الزور يحتفلون بعيد «الخضر» في ليلة النصف من شعبان، فيوقدون الشموع ويضعونها في أوان من قش أو قصب، ويرسلونها طافية في نهر الفرات. وأصل هذا الاحتفال قديم جداً تسرّب إلى بعض الروايات الشعبية المسيحية التي تعتقد ان مار جريس هو سلطان المياه ولا يخرج إلى اليابسة (راجع حكايته عند أنس بن مالك التي استعارها من الروايات الشعبية المسيحية). وإرسال الشموع إليه في النهر إنما هي أمنيات ليحققها.
شفيع العيون
في مدينة حماه يحتفلون بـ«خميس الخضر»، وهو عيد قديم يحتفل الأطفال به بالطواف ليلاً على المنازل لجمع الأزهار التي يضعونها في أوعية خاصة. وفي الصباح يستيقظون ويغسلون عيونهم بنقيع الزهر، ثم يقوم الجميع، كباراً وصغاراً، بالذهاب إلى البساتين للتنزه. وهذا الطقس إنما هو احتفال بمقدم الربيع الذي يحمل معه الرمد الربيعي المعروف حتى يومنا هذا. وفي بيروت في احتفال «أربعاء أيوب» الذي يصادف أول أربعاء من كل نيسان أو الأربعاء الذي يسبق الفصح الشرقي، ينقع البيروتيون أزهاراً في الماء ويغسلون عيونهم بالنقيع في اليوم التالي، ثم يذهبون الى البحر ويغسلون عيونهم بماء البحر إذا كانت مرمدة، ويأكلون «المفتقة» و«أم قليبانة» والبيض المسلوق. وهذا ما يفعله المصريون أيضاً في شم النسيم، فيستعدون لهذا اليوم بتجهيز البيض الملون والحمص الأخضر (أم قليبانة) والبصل والفسيخ (السمك القديد المملح[ [ [
في النهاية مارجريس او الخضر قديس مسيحي وولي إسلامي محترم من قبل الديانتين المسيحية والاسلامية و تختلف التفاسير والمراجع بسرد المعلومات عنه لا بل إن بعضها يربط فكرة الفارس المتعلقة بمار جريس بالديانات القديمة . وفي النهاية هذا الموضوع محاولة صغيرة لمعرفة شخصية القديس جاورجيوس عن قرب .
Comment