كان اسكندر شاباً مسيحياً أرثوذكسياً من مدينة تسالونيكية حين أرسله أبوه إلى أزمير بقصد حمايته من المسلمين المحليّين. لكن اسكندر وقع تحت تأثير الإسلام فاقتبله. ثم حجّ، بعد ذلك، إلى مكّة وصار واحداً من الدراويش.
لم يمضَ على ذلك وقت طويل حتى وخز اسكندر ضميره. تعذر عليه أن يحتمل الوضع الذي كان فيه وملّ الصمت فيما كان المسيحيون الأرثوذكسيون، الذين كان لا يزال يشعر بالانتماء إليهم، معرّضين للاضطهاد. ولكي يخفّف عن نفسه حدّة ذنبه أخذ يدّعي الجنون. على هذا شرع يقرّع المسلمين، بلا هوادة، على المظالم التي ارتكبوها في حقّ المسيحيّين.
انتقل إلى مصر. هناك تآمر عليه بعض المسلمين من جزيرة كريت لأنهم قالوا إنه، بمرور الوقت، يزداد تشبّهاً بالمسيحيّين وغربة عن المسلمين. ولكن قبل أن يتسنى لهم أن ينفذّوا مأربهم غادر الكسندروس مصر وعاد إلى تسالونيكية.
توجّه، فيما بعد، إلى جزيرة خيوس حيث أخذ، وهو في حلّة الدراويش، يحضر الخدم الليتورجية، في الكنيسة الأرثوذكسية، ويطالب المسلمين بأن يكونوا أكثر عدلاً في تعاملهم مع الأرثوذكسيين.
من خيوس عاد اسكندر إلى أزمير حيث كان قد نبذ إيمانه القويم أولاً، فإن الوقت آن ليشهد ليسوع المسيح. دخل على قاضي المدينة وصرّح لديه بما يلي:
"أيها الملا! لقد سبق لي أن كنت مسيحياً أرثوذكسياً، ولغباوتي أنكرت إيماني وصرت مسلماً. وما لبثت أن أدركت أن إيماني الأول كان نوراً أضعته، فيما كان إيمانكم الذي اقتبلته ظلمة. لذا تراني أقف اليوم أمامك لأعترف لديك أني أخطأت بإنكاري النور واقتبالي الظلمة. مسيحياً أرثوذكسياً ولدت! ومسيحياً أرثوذكسياً أريد أن أموت! ها قد سمعت قراراي، يا ملا، والآن افعل بي ما ترغب فيه فإني مستعد أن أكابد كل عذاب وحتى أن أبذل دمي من أجل محبّة مسيحي يسوع الذي جحدته خطأ".
بعد أن تلفّظ اسكندر بهذه الكلمات نزع غطاء رأسه المسلم واستبدله بغطاء رأس مسيحي. لم يصدّق الحاضرون في القاعة آذانهم. لا بل حسبوا أنهم ينصتون إلى رجل معتوه.
ثم أنهم، الواحد بعد الآخر، بدءاً بالملا، أخذوا، بلهجة لطيفة، يخبرونه بأنه يأتي إلى مسامعهم بأمور لا يسوغ سماعها. لعلّه في حال سيّئة وعليه أن يثّوب إلى رشده. كيف يمكن لأحد مثله، وهو من الدراويش، أن يسيء إلى دينه وإلى استقامته على هذا النحو.
جواب اسكندر على كل هذه الاعتراضات كان: "صحيح أني كنت قد فقدت صوابي، لكني، الآن، بصراحة، عدت إلى رشدي وأنا أعترف بذنبي. تقولون لأني أحد الدراويش فكيف أتفوّه بمثل هذا الكلام؟ ولكني أقول الصدق، لأني ذهبت حتى إلى مكّة وتفحّصت كل إيمانكم، وعرفت كم كنت على ضلال وكم كان إيماني بالمسيح حقاً".
ردّ فعل المسلمين الحاضرين على تصريحات اسكندر كان أنه، بلا شك، سكران. لذا ألقوه في السجن.
في اليوم التالي اجتمع المزيد من المسلمين حول الملا. استُجوب اسكندر مرة أخرى فكانت أجوبته على الأسئلة المطروحة كما في اليوم السابق. شعر المسلمون بالحرج أن يكفر درويش بالإسلام فعملوا جهدهم لاسترداده.
حاولوا استمالته بالحسنى، بالكلام الملق، مذكّرين إيّاه بمقامه كدرويش، وبمصداقيته كدرويش وكيف أنه سيكون من المؤسف حقاً أن يضحّي بشبابه وبحياته. عرضوا عليه مالاً وألبسة وكل ما يمكن أن ترغب فيه نفسه. لكن شيئاً مما عرضوه لم يؤثر فيه لأنه كان قد صمّم على الشهادة ليسوع المسيح مهما كان الثمن. كذلك لم يُعر اسكندر تهديداتهم له بالتعذيب والموت أي اهتمام، تماماً كما لم يُعر، من قبل، تملّقهم اهتماماً. لهذا أجابهم قائلاً:
"من الحماقة أن تحدّثوني عن الموت لأني أتيت إلى هنا من أجل هذا الأمر بالذات، لكي أموت محبّة بالرب يسوع المسيح. عبثاً تحاولون أن تغيّروا رأيي بتهديداتكم الخدّاعة ووعودكم التافهة. أما ما يختص بي فإني أفكر في الموت من أجل الإيمان المقدّس الذي جحدته خطأ، أن أموت لهذه الحياة الزائفة وأن أظفر بالحياة الآخرة، الحياة الأبدية. لقد ولدت أرثوذكسياً وأرغب في أن أموت أرثوذكسياً. هذا ما تشتهيه نفسي. هذا ما أتوق إليه. لذا افعلوا ما تشاؤون، فإني مستعد لأن أكابد كل شيء من أجل سيّدي يسوع المسيح.
رُدّ اسكندر إلى السجن حيث بقي إلى يوم الجمعة. فلما أُتي به إلى القاضي سمع، مرّة أخرى، كلاماً فيه التملّق والوعود وفيه الوعيد والتهديد. جواب اسكندر المتكرّر كان: أن أرثوذكسي المولد وأرغب في أن أكون أرثوذكسي الممات. لن أقايض النور بالظلمة. أعبد الآب والابن والروح القدس، ثالوثاً متساوي في الجوهر، غير منقسم". وإذ قال ذلك رسم على نفسه إشارة الصليب.
هذه كانت القشّة الأخيرة للقاضي والمسلمين الحاضرين. للحال حُكم على اسكندر بالموت. أوثقوه واستاقوه إلى منصّة الإعدام. ورافقه عدد من المسلمين استمرّوا في محاولتهم إقناعه بالعدول عن موقفه. أيضاً وأيضاً أجابهم اسكندر: "أرثوذكسي أنا وأرثوذكسي أموت".
اجتمع إلى إعدامه مسلمون عديدون ومسيحيون أرثوذكسيون وأقوام غربيون وأرمن. وقف اسكندر في الوسط. أبرز الجلاد سيفه لعيني شهيد المسيح عساه يرتعب. أما هو فحافظ على هدوئه، بنعمة الله، ولم يتزحزح.
أمر اسكندر بالركوع وجاءت كلمة من الملا أن يعطى المزيد من الوقت لعلّه يرتد. استفاد رجل الله من السانحة ليصلي. ولما لم تَبن عليه آية علامة من علامات الارتداد نُفِّذ الحكم وقُطع رأس شهيد المسيح.
هكذا قضى اسكندر الدرويش الذي من تسالونيكية للمسيح في مدينة أزمير، في آسيا الصغرى، في السادس والعشرين من شهر أيار من العام 1794م.
شهيدك يا رب بجهادهِ، نال منكَ الإكليل غير البالي يا إلهنا، لأنهُ أحرز قوَّتك فحطم المغتصبين، وسحق بأسَ الشياطينَ التي لا قوَّة لها. فبتوسلاتهِ أيها المسيح الإله خلصْ نفوسنا
لم يمضَ على ذلك وقت طويل حتى وخز اسكندر ضميره. تعذر عليه أن يحتمل الوضع الذي كان فيه وملّ الصمت فيما كان المسيحيون الأرثوذكسيون، الذين كان لا يزال يشعر بالانتماء إليهم، معرّضين للاضطهاد. ولكي يخفّف عن نفسه حدّة ذنبه أخذ يدّعي الجنون. على هذا شرع يقرّع المسلمين، بلا هوادة، على المظالم التي ارتكبوها في حقّ المسيحيّين.
انتقل إلى مصر. هناك تآمر عليه بعض المسلمين من جزيرة كريت لأنهم قالوا إنه، بمرور الوقت، يزداد تشبّهاً بالمسيحيّين وغربة عن المسلمين. ولكن قبل أن يتسنى لهم أن ينفذّوا مأربهم غادر الكسندروس مصر وعاد إلى تسالونيكية.
توجّه، فيما بعد، إلى جزيرة خيوس حيث أخذ، وهو في حلّة الدراويش، يحضر الخدم الليتورجية، في الكنيسة الأرثوذكسية، ويطالب المسلمين بأن يكونوا أكثر عدلاً في تعاملهم مع الأرثوذكسيين.
من خيوس عاد اسكندر إلى أزمير حيث كان قد نبذ إيمانه القويم أولاً، فإن الوقت آن ليشهد ليسوع المسيح. دخل على قاضي المدينة وصرّح لديه بما يلي:
"أيها الملا! لقد سبق لي أن كنت مسيحياً أرثوذكسياً، ولغباوتي أنكرت إيماني وصرت مسلماً. وما لبثت أن أدركت أن إيماني الأول كان نوراً أضعته، فيما كان إيمانكم الذي اقتبلته ظلمة. لذا تراني أقف اليوم أمامك لأعترف لديك أني أخطأت بإنكاري النور واقتبالي الظلمة. مسيحياً أرثوذكسياً ولدت! ومسيحياً أرثوذكسياً أريد أن أموت! ها قد سمعت قراراي، يا ملا، والآن افعل بي ما ترغب فيه فإني مستعد أن أكابد كل عذاب وحتى أن أبذل دمي من أجل محبّة مسيحي يسوع الذي جحدته خطأ".
بعد أن تلفّظ اسكندر بهذه الكلمات نزع غطاء رأسه المسلم واستبدله بغطاء رأس مسيحي. لم يصدّق الحاضرون في القاعة آذانهم. لا بل حسبوا أنهم ينصتون إلى رجل معتوه.
ثم أنهم، الواحد بعد الآخر، بدءاً بالملا، أخذوا، بلهجة لطيفة، يخبرونه بأنه يأتي إلى مسامعهم بأمور لا يسوغ سماعها. لعلّه في حال سيّئة وعليه أن يثّوب إلى رشده. كيف يمكن لأحد مثله، وهو من الدراويش، أن يسيء إلى دينه وإلى استقامته على هذا النحو.
جواب اسكندر على كل هذه الاعتراضات كان: "صحيح أني كنت قد فقدت صوابي، لكني، الآن، بصراحة، عدت إلى رشدي وأنا أعترف بذنبي. تقولون لأني أحد الدراويش فكيف أتفوّه بمثل هذا الكلام؟ ولكني أقول الصدق، لأني ذهبت حتى إلى مكّة وتفحّصت كل إيمانكم، وعرفت كم كنت على ضلال وكم كان إيماني بالمسيح حقاً".
ردّ فعل المسلمين الحاضرين على تصريحات اسكندر كان أنه، بلا شك، سكران. لذا ألقوه في السجن.
في اليوم التالي اجتمع المزيد من المسلمين حول الملا. استُجوب اسكندر مرة أخرى فكانت أجوبته على الأسئلة المطروحة كما في اليوم السابق. شعر المسلمون بالحرج أن يكفر درويش بالإسلام فعملوا جهدهم لاسترداده.
حاولوا استمالته بالحسنى، بالكلام الملق، مذكّرين إيّاه بمقامه كدرويش، وبمصداقيته كدرويش وكيف أنه سيكون من المؤسف حقاً أن يضحّي بشبابه وبحياته. عرضوا عليه مالاً وألبسة وكل ما يمكن أن ترغب فيه نفسه. لكن شيئاً مما عرضوه لم يؤثر فيه لأنه كان قد صمّم على الشهادة ليسوع المسيح مهما كان الثمن. كذلك لم يُعر اسكندر تهديداتهم له بالتعذيب والموت أي اهتمام، تماماً كما لم يُعر، من قبل، تملّقهم اهتماماً. لهذا أجابهم قائلاً:
"من الحماقة أن تحدّثوني عن الموت لأني أتيت إلى هنا من أجل هذا الأمر بالذات، لكي أموت محبّة بالرب يسوع المسيح. عبثاً تحاولون أن تغيّروا رأيي بتهديداتكم الخدّاعة ووعودكم التافهة. أما ما يختص بي فإني أفكر في الموت من أجل الإيمان المقدّس الذي جحدته خطأ، أن أموت لهذه الحياة الزائفة وأن أظفر بالحياة الآخرة، الحياة الأبدية. لقد ولدت أرثوذكسياً وأرغب في أن أموت أرثوذكسياً. هذا ما تشتهيه نفسي. هذا ما أتوق إليه. لذا افعلوا ما تشاؤون، فإني مستعد لأن أكابد كل شيء من أجل سيّدي يسوع المسيح.
رُدّ اسكندر إلى السجن حيث بقي إلى يوم الجمعة. فلما أُتي به إلى القاضي سمع، مرّة أخرى، كلاماً فيه التملّق والوعود وفيه الوعيد والتهديد. جواب اسكندر المتكرّر كان: أن أرثوذكسي المولد وأرغب في أن أكون أرثوذكسي الممات. لن أقايض النور بالظلمة. أعبد الآب والابن والروح القدس، ثالوثاً متساوي في الجوهر، غير منقسم". وإذ قال ذلك رسم على نفسه إشارة الصليب.
هذه كانت القشّة الأخيرة للقاضي والمسلمين الحاضرين. للحال حُكم على اسكندر بالموت. أوثقوه واستاقوه إلى منصّة الإعدام. ورافقه عدد من المسلمين استمرّوا في محاولتهم إقناعه بالعدول عن موقفه. أيضاً وأيضاً أجابهم اسكندر: "أرثوذكسي أنا وأرثوذكسي أموت".
اجتمع إلى إعدامه مسلمون عديدون ومسيحيون أرثوذكسيون وأقوام غربيون وأرمن. وقف اسكندر في الوسط. أبرز الجلاد سيفه لعيني شهيد المسيح عساه يرتعب. أما هو فحافظ على هدوئه، بنعمة الله، ولم يتزحزح.
أمر اسكندر بالركوع وجاءت كلمة من الملا أن يعطى المزيد من الوقت لعلّه يرتد. استفاد رجل الله من السانحة ليصلي. ولما لم تَبن عليه آية علامة من علامات الارتداد نُفِّذ الحكم وقُطع رأس شهيد المسيح.
هكذا قضى اسكندر الدرويش الذي من تسالونيكية للمسيح في مدينة أزمير، في آسيا الصغرى، في السادس والعشرين من شهر أيار من العام 1794م.
شهيدك يا رب بجهادهِ، نال منكَ الإكليل غير البالي يا إلهنا، لأنهُ أحرز قوَّتك فحطم المغتصبين، وسحق بأسَ الشياطينَ التي لا قوَّة لها. فبتوسلاتهِ أيها المسيح الإله خلصْ نفوسنا
Comment