الأصجاح التاسع والأربعون عشر
هذا الأصحاح يعد نبوة، فيعقوب وهو على فراش الموت، وضع وصيته. وأبناء يعقوب الاثنا عشر، كانوا في أيامهم، من الرجال البارزين، غير أن أسباط إسرائيل الاثني الذين انحدروا منهم وسموا بأسمائهم كانوا أكثر شهرة. وتطلعا إلى هذا قال أبوهم وهو على فراش الموت كلمة أثيرة بالنسبة لكل ابن، أو بالنسبة للسبط الذي يحمل اسمه. ويتضمن هذا الأصحاح: أولا: المقدمة ( ع ١ و ٢ ).
ثانيا : النبوة الخاصة بكل سبط ( ع ۳ - ۲۸ ). ثالثا : كرر تكليفه لهم بخصوص دفنه ( ع ۲۹ : رابعا: موته ( ع ٣٣ ). ۳۳ عدد ۱ - 4 أولا : مقدمة النبوة، وجاء بها: ( ۱ ) دعى الجميع ليجتمعوا معا. وكان مما يعزي يعقوب وهو على فراش الموت أن يرى أولاده حوله. ودعوته لهم جميعا بين آونة وأخرى وجمعهم معا، يشير إلى أنه يريد أن يغرس فيهم أن يتحدوا في محبة وأن يكونوا من مجموعهم شعبا واحدا. ( ٢ ) أعطاهم فكرة عامة عن الموضوع الذي سيتناوله ( ع ١ ): « لأنبئكم بما يصيبكم ( ليس بالنسبة لأشخاصكم، بل لنسلكم ) في آخر الأيام». الانتباه ( ع ٢ ): « وأصغوا إلى إسرائيل أبيكم»، وعسى إسرائيل الذي جاهد الله وقدر، يقدر معكم أنتم أيضا.
ثانيا : النبوة الخاصة برأوبين: فقد بدأ به ( ع 3 و 4 ) لأنه بكره، غير أنه إذ ارتكب نجاسة أبيه فقد خسر امتيازات البكورية. وسوف يتمتع بكل امتیازات الابن، ولكن ليس الابن البكر. ولم يوجد في هذا السبط قاض أو نبي، أو ملك، ولا أي شخص له شهرة سوى دائان وأبيرام اللذان غرفا بعصيانهم الشرير ضد موسى. ويبدو أن رأوبين نفسه فقد كل تأثير له على إخوته مما يخوله له كونه البكر، لأنه حين كلمهم لم يسمعوا ( تك ٤٢ : ٢٢ )، والصفة التي وصف بها رأوبين، والتي لحقت به كعلامة عار هي كونه « فائرا كالماء». ( ۱ ) سمته أنه كان فائرا، لا يتحكم في نفسه، أو في شهواته. ولا ينجح كل الذين لا يتمتعون بالثبات والاتزان. ( ۲ ) كذلك كانت كرامته فائرة، ومن ثم فارقته، وأصبحت كالماء المهراق على الأرض. والذين يستهينون بفضيلتهم عليهم ألا يتوقعوا سلامة سمعتهم.
عدد 5 - 7 كانا من فلقد ربی ( ۱ ) سمة شمعون ولاوي: وكانا أخوين حتى في ميولهما، غير أنهما على النقيض من أبيهما، سريعي الغضب، ميالين إلى الانتقام، عنيفين، الصعب التحكم فيهما، وسيوفهما التي كان من المفترض أن تستخدم في الدفاع، تحولت إلى «آلات ظلم». وليس بمقدور الوالدين -بل ولا حتى التعليم- أن يشكلا طباع أولادهم. يعقوب ابنيه هذين على كل ما هو هادئ ومعتدل، ومع ذلك ثبت أنهما على هذا القدر من الشدة والعنف. ( ۲ ) وكان قيامهما بقتل أهل شكيم دليلا وهو الأمر الذي امتعض منه يعقوب للغاية ( تك 34 : 30 ) ولا يزال ممتعضا من ذلك العمل. ولم يقبل كل من شمعون ولاوي نصيحة والدهما على هذا، الشيخ المجرب، بل كانا يندفعان وراء غضبهما وليس وراء فطنته. ( ۳ ) احتجاج يعقوب على عملهما البربري « في مجلسهما لا تدخل نفسي». وهو بهذا لا يعلن بغضه الشديد لممارستهما بصفة عامة فقط، بل يعلن براءته التامة من هذا الموضوع بصفة خاصة. ( 4 ) مقته لهذه الشهوات الوحشية التي أدت بهما إلى هذا الشر: «ملعون غضبهما». لم يلعن شخصياتهما، بل نزواتهما البغيضة. وعلينا أن نفرق بحرص بين الخاطئ والخطية، بحيث لا نحب الخطية من أجل الشخص، أو نكره الشخص من أجل الخطية. ( 5 ) علامة عدم رضائه أنه تنبأ بأن ذريتهما ستعاني تحت هذه اللعنة «أقسمهما». ولقد تشتت اللاويون بين كل الأسباط، ولم يكن نصيب شمعون مماثلا. ولقد تحولت هذه اللعنة بعد ذلك إلى بركة بالنسبة للاويين، أما بالنسبة للشمعونيين فقد ظلوا تحت هذه اللعنة نتيجة خطية زمري ( عد ٢٥ : ١٤ ).
عدد ۸ - ۱۲ ذكرت هنا أشياء مجيدة عن يهوذا، واسم يهوذا «حمد»، وإشارة إلى ذلك يقول: «إياك يحمد إخوتك» ( ع ٨ ). وتضمنت النبوة: يعني ( ۱ ) سيكون سبط يهوذا ناجحا ومنتصرا في الحرب. ( ۲ ) سيكون أسمى من بقية الأسباط، ليس من جهة الكثرة والامتياز والشهرة فقط، بل سيسود عليهم: «يهوذا صولجاني» ( مز 60 : 7 ). وهذا السبط هو الذي قاد مقدمة الجيش في البرية وفي غزو كنعان ( قض ۱ : ۲ ).
9 ). والأسد هو ( ۳ ) سوف يكون سبطا يتسم بالقوة والشجاعة، ومؤهلا تماما للقيادة والغزو: « يهوذا جرو أ ملك الوحوش، وإذا ما تملك من فريسته لا يمكن لأحد مقاومته. وبهذا جاءت النبوة أن سبط يهوذا سيكون مرعبا، ولن يحقق انتصارات عظيمة فقط، بل إنه سيتمتع أيضا بما حصل عليه من غزواته في سلام وهدوء- وأنهم سيشنون حروبا، ليس من أجل الحرب، بل سعيا وراء السلام. ولم يشبه يهوذا بأسد مزمجر، يميل دائما إلى التمزيق والغضب والتجوال، بل كأسد « ربض»، يتمتع بما حققه بقوته ونجاحه، دون أن يضايق الآخرين: وهذه العظمة الحقيقية.
( 4 ) سيكون السبط الملكي، والسبط الذي منه المسيح، الملك الآتي: «لا يزول قضيب من يهوذا... حتى يأتي شيلون» ( ع ١٠ ). ويتنبأ يعقوب هنا بالآتي:
أ. يجب أن يأتي صولجان الملك في سبط يهوذا، وقد تحقق هذا في داود، الذي انتقل التاج إلى عائلته.
ب. وأن شيلون سيكون من هذا السبط. نسله، نسله الموعود، الذي به تتبارك كل الأرض. المسيح المخلص، الذي يأتى من يهوذا.
ج. بعد مجيء الملك من سبط يهوذا سوف يستمر في هذا السبط، وحتى السبي ومنذ عهد داود، كان الملك في يهوذا، وبناء على ذلك، كان حكام اليهودية هذا السبط، أو من سبط اللاويين الذين التصقوا به إلى أن أصبحت اليهودية جزءا من الإمبراطورية الرومانية، وذلك عند ولادة مخلصنا، حيث تم فرض الضرائب عليها كإحدى المقاطعات التابعة للإمبراطورية ( لو ۲ : ١ ). وعند موته صرخ اليهود معترفين صراحة « ليس لنا ملك إلا قيصر». ومن هذا جاء الاستدلال الذي لا يمكن إنكاره ضد اليهود بأن ربنا يسوع هو الملك الآتي. ( 5 ) سيكون سبطا مثمرا، وسوف يمتلئ بصفة خاصة باللبن للأطفال، وبالخمر ليسعد قلب الرجال الأقوياء ( ع ١١ ). وكثيرا مما قيل هنا عن يهوذا يجب تطبيقه على ربنا يسوع المسيح. ففيه وحده الكفاية مما يعزي النفس وينعشها، ومما يدعم ويبهج الحياة الروحية، لنا فيه خمرا ولبنا، من ثروات سبط يهوذا بلا فضة ولا ذهب، وبدون ثمن ( إش 55 : 1 ).
عدد 13-21
أولا نبوة يعقوب من جهة ستة من أبنائه. : بالنسبة لزبولون ( ع ۱۳ ): سيكون نصيب نسله على ساحل البحر، وسيكونون تجارا وبخارة ولهم سفنهم في البحر. وقد تحقق هذا بعد مائتي أو ثلاثمائة سنة، حين قسمت أرض كنعان بالقرعة، وكانت حدود زبولون تصل إلى البحر ( پش ۱۹ : ۱۱ ). ثانيا: بالنسبة ليساكر ( ع 14 و 15 ): سيكون رجال هذا السبط أقوياء مثابرين، لائقين للعمل ويحبونه، ولاسيما الكد في الزراعة، مثل الحمار الذي يحمل أثقاله بصبر، وإذ يعود نفسه على ذلك، يسهل الأمر عليه. ولقد خضع يساكر لعبئين: فلاحة الأرض والجزية. كان سبطا يتحمل المشاق، وإذ كان ناجحا هكذا ومزدهرا، طلب منه سداد الضرائب والإيجارات.
والإيجارات. ثالثا : بالنسبة لدان ( ع 16 و 17 ): ما قيل بالنسبة لدان إما أنه إشارة إلى ذلك السبط بصفة عامة، أو إشارة إلى «دان» الذي هو ابن سرية، إلا أنه بمهارته وحيلته، ستكون له اليد العليا على أعدائه، مثل الحية التي تلدغ على حين غرة عقب أحد المسافرين. وسوف يدمج سبط دان في العهد مثل الأسباط الأخرى. والبعض، مثل دان، قد يبرزون في الحكمة كالحية، وآخرون مثل يهوذا قد يتفوقون في الشجاعة كالأسد، وكلاهما سيكونان نافعين لمقاصد الله ضد الكنعانيين. على هذا النمط كان يعقوب يواصل كلامه، ولكنه يخفف عن نفسه بهذه العبارة التي وردت وكأنها بين قوسين:
«لخلاصك انتظرت یا رب» ( ع ۱۸ ). الأردن رابعا : بالنسبة لجاد ( ع ١٩ ). وهو يشير إلى اسمه الذي يعني «جند»، ويتنبأ بسمة هذا السبط، بأنه سيكون سبطا محاربا، وهكذا نجده في 1 أخبار ۱۲ : ۸ « جبابرة البأس رجال جيش للحرب». وتنبأ بأن موقع هذا السبط على الجانب الآخر من سيعرضه لغارات جيرانه الموآبيين والعمونيين، وأن جيوش أعدائهم في حالات كثيرة ستتغلب عليهم، ومع ذلك يؤكد لهـم « ولكنه يزحم مؤخره»، الأمر الذي تحقق أيام شاول وداود حين دحر الموآبيون والعمونيون
( انظر ١ أخ 5 : ۱۸ - ۲۲ )، خسرنا معركة ولم نخسر الحرب. والنعمة في النفس كثيرا ما تهزم في معاركها، ولكن القضية لله والنعمة ستظهر في النهاية منتصرة، نعم « يعظم انتصارنا» ( رو ۸ : ۳۷ ). هي خامسا: بالنسبة لأشير ( ع ٢٠ ): بأنه سيكون سبطا غنيا جدا، مليئا ليس بالخبز الذي يكفي الضرورة فقط، بل بالدسم والسمين، وكانت هذه تُصدر من أشير إلى الأسباط الأخرى، وربما لبلدان أخرى. سادسا: بالنسبة لنفتالي ( ع ٢١ ): وهو سبط يحمل في اسمه ما يشير إلى الكفاح وهو يعني « مصارعتي». والبركة التي كانت من نصيبه تعني أنه يسود، «أيلة مسيبة». وكان هذا السبط: ( ۱ ) كالأيلة ( الظبية ) المحبوبة، ودودة ولطيفة. ( ۲ ) مثل الأيلة المسيبة، متحمسة لحريتها. ( ۳ ) مثل الأيلة السريعة ( مز ۱۸ : ۳۳ )، سريعة أداء العمل. ويلاحظ أنه بين شعب الله نجد طباعا متباينة للغاية، تتعارض بعضها مع بعض، غير أنها كلها تسهم في جمال وقوة الجسد، فيهوذا مثل أسد، ويساكر مثل حمار، ودان مثل حية، ونفتالي مثل أيلة.
عدد ۲۲ - ۲۷
اختتم حديثه بمباركة أحب أبنائه إليه وهما يوسف وبنيامين، وبعدهما يسلم الروح. أولا : مباركة يوسف، وهي بركة كبيرة وعامرة. وقد شبه بغصن «شجرة مثمرة» ( ع ٢٢ )، لأن الله جعله مثمرا في أرض مذلته، وقد اعترف هو بذلك ( تك ٤١ : ٥٢ ). وكان ابناه كفروع كرمة، أو أية نباتات أخرى ممتدة « قد ارتفعت فوق حائط».
( 1 ) أعمال العناية الإلهية بالنسبة ليوسف ( ع ٢٣ و ٢٤ )، ومما تجدر ملاحظته: أ. محنة يوسف ومتاعبه ( ع ٢٣ )، وعلى الرغم أنه يعيش الآن في يسر وكرامة، إلا أن يعقوب يذكره بالمصاعب التي اجتازها في السابق. كان له أعداء كثيرون، أشير إليهم هنا بعبارة «أرباب السهام» إذ كانوا ماهرين في الأذى. أما إخوته، حين كان في بيت أبيه « فقد اعتقدوا أنهم قتلوه». سيدته في بيت فوطيفار، بكل وقاحة هاجمته في عفته، وأطلقت أسهما لم يكن لديه أي دفاع ضدها سوى سيطرة الله على ضمائر أسوأ الناس. ولا ريب أنه كان له أعداء في حاشية فرعون، حسدوه على مركزه الرفيع، وسعوا إلى إضعافه. شبه بغصن « شجرة مثمرة» ( ع ۲۲ )، لأن الله جعله ب. قوة يوسف والمساعدة التي ساندته خلال كل هذه المتاعب: «ثبتت بمتانة قوسه» ( ع ٢٤ )، أي إن إيمانه لم يهن. « وتشددت سواعد يديه» أي إن فضائله الأخرى كان لها دورها: حكمته وشجاعته وصبره وهي أسلحة الحرب. أفضل من "
ج. مصدر هذه القوة ونبعها مرده « القادر على كل شيء». وكل ما لدينا من قوة لمقاومة التجارب، وتحمل الشدائد تأتينا من الله، ونعمته كافية وقوته تكمل في ضعفنا. د. حالة الكرامة ونفع الآخرين التي ارتقى إليها بناء على ذلك. كان يوسف في هذا يرمز إلى: ه المسيح. ه والكنيسة بصفة عامة. ( ۲ ) مواعيد الله ليوسف: اختباراتنا لقوة الله وصلاحه في تقويتنا إلى هذا اليوم، هي المشجع لنا في أن نظل نرجو معونته لنا دائما. فنحن يمكننا أن نتكل دائما على حجر معونتنا. ونلاحظ هنا البركات التي أعطيت ليوسف. « بركات السماء من فوق» ( الأمطار في موسمها والطقس المعتدل في أوانه، والتأثيرات الكريمة للأجرام السمائية )، « وبركات الغمر الرابض تحت» هذه الأرض، والتي إذا ما قورنت بالعالم العلوي، لا تعد سوى عمقا عظيما حيث مناجم وينابيع تحتها. بركات سامية فائقة « بركات أبيك فاقت على بركات أبوي» ( ع ٢٦ ). وبركات دائمة وممتدة: «إلى منية الآكام الدهرية»، متضمنة منتجات أكثر الآكام خصبا، لا تزول أبدا ( إش 54 : 10 ). ۲۷ هو ell ثانيا : بركات بنيامين ( ع « ذئب يفترس»، وواضح من هذا أن يعقوب كان مقودا بروح النبوة فيما كان يقوله، وليس بدافع من محبة طبيعية، وإلا لكان قد تكلم بأكثر رقة عن ابنه المحبوب بنيامين الذي يتنبأ عنه بقوله أن نسله سيكون سبطا محاربا قويا وجريئا، وأنهم سيثرون عن طريق ما يغتنمونه من أعدائهم، وأنهم سيكونون نشيطين ومنهمكين في أعمالهم، وسيشكلون سبطا يخشاه جيرانه والآخرون أيضا. وكان الرسول بولس المبارك من هذا السبط ( رو 11 : 1 ؛ في 3 : 5 ) وأنه في الصباح يلتهم فريسته
كظالم، لكنه في المساء يقسم الغنيمة كواعظ. عدد ۲۸ - ۳۳ ۲۸ أولا : موجز لبركات أبناء يعقوب ( ع ٢٨ ). وعلى الرغم من أن رأوبين وشمعون ولاوي قد ذكرت عنهم عبارات تنم عن عدم رضاء أبيهم عنهم، إلا أنه قال:
«كل واحد بحسب برکته باركهم». وليس من بينهم من رفض على غرار عيسو.
ثانيا: المهمة التي كلفهم يعقوب بها بالنسبة وهي تكرار لما سبق أن طلبه من يوسف. ولنر هنا كيف يتكلم عن الموت: «أنا أنضم إلى قومي» ( ع ۲۹ ). فعلى الرغم من أن الموت يفصلنا عن أولادنا وأهلنا في هذا العالم، إلا أنه يجمعنا بآبائنا وقومنا في
العالم الآخر.
ثالثا : موت يعقوب ( ع 33 ): وكشخص بكل سرور یهیئ نفسه للراحة، إذ كان متعبا: « بسلامة أضطجع بل أيضا أنام» ( مز 4 : 8 ). وبكل ارتياح «أسلم الروح». وروحه التي انفصلت ذهبت إلى مجمع أرواح المؤمنين، والتي بعد أن تخلصت أثقال الجسد، أصبحت في فرح وسعادة عظيمة: « وانضم إلى قومه».
هذا الأصحاح يعد نبوة، فيعقوب وهو على فراش الموت، وضع وصيته. وأبناء يعقوب الاثنا عشر، كانوا في أيامهم، من الرجال البارزين، غير أن أسباط إسرائيل الاثني الذين انحدروا منهم وسموا بأسمائهم كانوا أكثر شهرة. وتطلعا إلى هذا قال أبوهم وهو على فراش الموت كلمة أثيرة بالنسبة لكل ابن، أو بالنسبة للسبط الذي يحمل اسمه. ويتضمن هذا الأصحاح: أولا: المقدمة ( ع ١ و ٢ ).
ثانيا : النبوة الخاصة بكل سبط ( ع ۳ - ۲۸ ). ثالثا : كرر تكليفه لهم بخصوص دفنه ( ع ۲۹ : رابعا: موته ( ع ٣٣ ). ۳۳ عدد ۱ - 4 أولا : مقدمة النبوة، وجاء بها: ( ۱ ) دعى الجميع ليجتمعوا معا. وكان مما يعزي يعقوب وهو على فراش الموت أن يرى أولاده حوله. ودعوته لهم جميعا بين آونة وأخرى وجمعهم معا، يشير إلى أنه يريد أن يغرس فيهم أن يتحدوا في محبة وأن يكونوا من مجموعهم شعبا واحدا. ( ٢ ) أعطاهم فكرة عامة عن الموضوع الذي سيتناوله ( ع ١ ): « لأنبئكم بما يصيبكم ( ليس بالنسبة لأشخاصكم، بل لنسلكم ) في آخر الأيام». الانتباه ( ع ٢ ): « وأصغوا إلى إسرائيل أبيكم»، وعسى إسرائيل الذي جاهد الله وقدر، يقدر معكم أنتم أيضا.
ثانيا : النبوة الخاصة برأوبين: فقد بدأ به ( ع 3 و 4 ) لأنه بكره، غير أنه إذ ارتكب نجاسة أبيه فقد خسر امتيازات البكورية. وسوف يتمتع بكل امتیازات الابن، ولكن ليس الابن البكر. ولم يوجد في هذا السبط قاض أو نبي، أو ملك، ولا أي شخص له شهرة سوى دائان وأبيرام اللذان غرفا بعصيانهم الشرير ضد موسى. ويبدو أن رأوبين نفسه فقد كل تأثير له على إخوته مما يخوله له كونه البكر، لأنه حين كلمهم لم يسمعوا ( تك ٤٢ : ٢٢ )، والصفة التي وصف بها رأوبين، والتي لحقت به كعلامة عار هي كونه « فائرا كالماء». ( ۱ ) سمته أنه كان فائرا، لا يتحكم في نفسه، أو في شهواته. ولا ينجح كل الذين لا يتمتعون بالثبات والاتزان. ( ۲ ) كذلك كانت كرامته فائرة، ومن ثم فارقته، وأصبحت كالماء المهراق على الأرض. والذين يستهينون بفضيلتهم عليهم ألا يتوقعوا سلامة سمعتهم.
عدد 5 - 7 كانا من فلقد ربی ( ۱ ) سمة شمعون ولاوي: وكانا أخوين حتى في ميولهما، غير أنهما على النقيض من أبيهما، سريعي الغضب، ميالين إلى الانتقام، عنيفين، الصعب التحكم فيهما، وسيوفهما التي كان من المفترض أن تستخدم في الدفاع، تحولت إلى «آلات ظلم». وليس بمقدور الوالدين -بل ولا حتى التعليم- أن يشكلا طباع أولادهم. يعقوب ابنيه هذين على كل ما هو هادئ ومعتدل، ومع ذلك ثبت أنهما على هذا القدر من الشدة والعنف. ( ۲ ) وكان قيامهما بقتل أهل شكيم دليلا وهو الأمر الذي امتعض منه يعقوب للغاية ( تك 34 : 30 ) ولا يزال ممتعضا من ذلك العمل. ولم يقبل كل من شمعون ولاوي نصيحة والدهما على هذا، الشيخ المجرب، بل كانا يندفعان وراء غضبهما وليس وراء فطنته. ( ۳ ) احتجاج يعقوب على عملهما البربري « في مجلسهما لا تدخل نفسي». وهو بهذا لا يعلن بغضه الشديد لممارستهما بصفة عامة فقط، بل يعلن براءته التامة من هذا الموضوع بصفة خاصة. ( 4 ) مقته لهذه الشهوات الوحشية التي أدت بهما إلى هذا الشر: «ملعون غضبهما». لم يلعن شخصياتهما، بل نزواتهما البغيضة. وعلينا أن نفرق بحرص بين الخاطئ والخطية، بحيث لا نحب الخطية من أجل الشخص، أو نكره الشخص من أجل الخطية. ( 5 ) علامة عدم رضائه أنه تنبأ بأن ذريتهما ستعاني تحت هذه اللعنة «أقسمهما». ولقد تشتت اللاويون بين كل الأسباط، ولم يكن نصيب شمعون مماثلا. ولقد تحولت هذه اللعنة بعد ذلك إلى بركة بالنسبة للاويين، أما بالنسبة للشمعونيين فقد ظلوا تحت هذه اللعنة نتيجة خطية زمري ( عد ٢٥ : ١٤ ).
عدد ۸ - ۱۲ ذكرت هنا أشياء مجيدة عن يهوذا، واسم يهوذا «حمد»، وإشارة إلى ذلك يقول: «إياك يحمد إخوتك» ( ع ٨ ). وتضمنت النبوة: يعني ( ۱ ) سيكون سبط يهوذا ناجحا ومنتصرا في الحرب. ( ۲ ) سيكون أسمى من بقية الأسباط، ليس من جهة الكثرة والامتياز والشهرة فقط، بل سيسود عليهم: «يهوذا صولجاني» ( مز 60 : 7 ). وهذا السبط هو الذي قاد مقدمة الجيش في البرية وفي غزو كنعان ( قض ۱ : ۲ ).
9 ). والأسد هو ( ۳ ) سوف يكون سبطا يتسم بالقوة والشجاعة، ومؤهلا تماما للقيادة والغزو: « يهوذا جرو أ ملك الوحوش، وإذا ما تملك من فريسته لا يمكن لأحد مقاومته. وبهذا جاءت النبوة أن سبط يهوذا سيكون مرعبا، ولن يحقق انتصارات عظيمة فقط، بل إنه سيتمتع أيضا بما حصل عليه من غزواته في سلام وهدوء- وأنهم سيشنون حروبا، ليس من أجل الحرب، بل سعيا وراء السلام. ولم يشبه يهوذا بأسد مزمجر، يميل دائما إلى التمزيق والغضب والتجوال، بل كأسد « ربض»، يتمتع بما حققه بقوته ونجاحه، دون أن يضايق الآخرين: وهذه العظمة الحقيقية.
( 4 ) سيكون السبط الملكي، والسبط الذي منه المسيح، الملك الآتي: «لا يزول قضيب من يهوذا... حتى يأتي شيلون» ( ع ١٠ ). ويتنبأ يعقوب هنا بالآتي:
أ. يجب أن يأتي صولجان الملك في سبط يهوذا، وقد تحقق هذا في داود، الذي انتقل التاج إلى عائلته.
ب. وأن شيلون سيكون من هذا السبط. نسله، نسله الموعود، الذي به تتبارك كل الأرض. المسيح المخلص، الذي يأتى من يهوذا.
ج. بعد مجيء الملك من سبط يهوذا سوف يستمر في هذا السبط، وحتى السبي ومنذ عهد داود، كان الملك في يهوذا، وبناء على ذلك، كان حكام اليهودية هذا السبط، أو من سبط اللاويين الذين التصقوا به إلى أن أصبحت اليهودية جزءا من الإمبراطورية الرومانية، وذلك عند ولادة مخلصنا، حيث تم فرض الضرائب عليها كإحدى المقاطعات التابعة للإمبراطورية ( لو ۲ : ١ ). وعند موته صرخ اليهود معترفين صراحة « ليس لنا ملك إلا قيصر». ومن هذا جاء الاستدلال الذي لا يمكن إنكاره ضد اليهود بأن ربنا يسوع هو الملك الآتي. ( 5 ) سيكون سبطا مثمرا، وسوف يمتلئ بصفة خاصة باللبن للأطفال، وبالخمر ليسعد قلب الرجال الأقوياء ( ع ١١ ). وكثيرا مما قيل هنا عن يهوذا يجب تطبيقه على ربنا يسوع المسيح. ففيه وحده الكفاية مما يعزي النفس وينعشها، ومما يدعم ويبهج الحياة الروحية، لنا فيه خمرا ولبنا، من ثروات سبط يهوذا بلا فضة ولا ذهب، وبدون ثمن ( إش 55 : 1 ).
عدد 13-21
أولا نبوة يعقوب من جهة ستة من أبنائه. : بالنسبة لزبولون ( ع ۱۳ ): سيكون نصيب نسله على ساحل البحر، وسيكونون تجارا وبخارة ولهم سفنهم في البحر. وقد تحقق هذا بعد مائتي أو ثلاثمائة سنة، حين قسمت أرض كنعان بالقرعة، وكانت حدود زبولون تصل إلى البحر ( پش ۱۹ : ۱۱ ). ثانيا: بالنسبة ليساكر ( ع 14 و 15 ): سيكون رجال هذا السبط أقوياء مثابرين، لائقين للعمل ويحبونه، ولاسيما الكد في الزراعة، مثل الحمار الذي يحمل أثقاله بصبر، وإذ يعود نفسه على ذلك، يسهل الأمر عليه. ولقد خضع يساكر لعبئين: فلاحة الأرض والجزية. كان سبطا يتحمل المشاق، وإذ كان ناجحا هكذا ومزدهرا، طلب منه سداد الضرائب والإيجارات.
والإيجارات. ثالثا : بالنسبة لدان ( ع 16 و 17 ): ما قيل بالنسبة لدان إما أنه إشارة إلى ذلك السبط بصفة عامة، أو إشارة إلى «دان» الذي هو ابن سرية، إلا أنه بمهارته وحيلته، ستكون له اليد العليا على أعدائه، مثل الحية التي تلدغ على حين غرة عقب أحد المسافرين. وسوف يدمج سبط دان في العهد مثل الأسباط الأخرى. والبعض، مثل دان، قد يبرزون في الحكمة كالحية، وآخرون مثل يهوذا قد يتفوقون في الشجاعة كالأسد، وكلاهما سيكونان نافعين لمقاصد الله ضد الكنعانيين. على هذا النمط كان يعقوب يواصل كلامه، ولكنه يخفف عن نفسه بهذه العبارة التي وردت وكأنها بين قوسين:
«لخلاصك انتظرت یا رب» ( ع ۱۸ ). الأردن رابعا : بالنسبة لجاد ( ع ١٩ ). وهو يشير إلى اسمه الذي يعني «جند»، ويتنبأ بسمة هذا السبط، بأنه سيكون سبطا محاربا، وهكذا نجده في 1 أخبار ۱۲ : ۸ « جبابرة البأس رجال جيش للحرب». وتنبأ بأن موقع هذا السبط على الجانب الآخر من سيعرضه لغارات جيرانه الموآبيين والعمونيين، وأن جيوش أعدائهم في حالات كثيرة ستتغلب عليهم، ومع ذلك يؤكد لهـم « ولكنه يزحم مؤخره»، الأمر الذي تحقق أيام شاول وداود حين دحر الموآبيون والعمونيون
( انظر ١ أخ 5 : ۱۸ - ۲۲ )، خسرنا معركة ولم نخسر الحرب. والنعمة في النفس كثيرا ما تهزم في معاركها، ولكن القضية لله والنعمة ستظهر في النهاية منتصرة، نعم « يعظم انتصارنا» ( رو ۸ : ۳۷ ). هي خامسا: بالنسبة لأشير ( ع ٢٠ ): بأنه سيكون سبطا غنيا جدا، مليئا ليس بالخبز الذي يكفي الضرورة فقط، بل بالدسم والسمين، وكانت هذه تُصدر من أشير إلى الأسباط الأخرى، وربما لبلدان أخرى. سادسا: بالنسبة لنفتالي ( ع ٢١ ): وهو سبط يحمل في اسمه ما يشير إلى الكفاح وهو يعني « مصارعتي». والبركة التي كانت من نصيبه تعني أنه يسود، «أيلة مسيبة». وكان هذا السبط: ( ۱ ) كالأيلة ( الظبية ) المحبوبة، ودودة ولطيفة. ( ۲ ) مثل الأيلة المسيبة، متحمسة لحريتها. ( ۳ ) مثل الأيلة السريعة ( مز ۱۸ : ۳۳ )، سريعة أداء العمل. ويلاحظ أنه بين شعب الله نجد طباعا متباينة للغاية، تتعارض بعضها مع بعض، غير أنها كلها تسهم في جمال وقوة الجسد، فيهوذا مثل أسد، ويساكر مثل حمار، ودان مثل حية، ونفتالي مثل أيلة.
عدد ۲۲ - ۲۷
اختتم حديثه بمباركة أحب أبنائه إليه وهما يوسف وبنيامين، وبعدهما يسلم الروح. أولا : مباركة يوسف، وهي بركة كبيرة وعامرة. وقد شبه بغصن «شجرة مثمرة» ( ع ٢٢ )، لأن الله جعله مثمرا في أرض مذلته، وقد اعترف هو بذلك ( تك ٤١ : ٥٢ ). وكان ابناه كفروع كرمة، أو أية نباتات أخرى ممتدة « قد ارتفعت فوق حائط».
( 1 ) أعمال العناية الإلهية بالنسبة ليوسف ( ع ٢٣ و ٢٤ )، ومما تجدر ملاحظته: أ. محنة يوسف ومتاعبه ( ع ٢٣ )، وعلى الرغم أنه يعيش الآن في يسر وكرامة، إلا أن يعقوب يذكره بالمصاعب التي اجتازها في السابق. كان له أعداء كثيرون، أشير إليهم هنا بعبارة «أرباب السهام» إذ كانوا ماهرين في الأذى. أما إخوته، حين كان في بيت أبيه « فقد اعتقدوا أنهم قتلوه». سيدته في بيت فوطيفار، بكل وقاحة هاجمته في عفته، وأطلقت أسهما لم يكن لديه أي دفاع ضدها سوى سيطرة الله على ضمائر أسوأ الناس. ولا ريب أنه كان له أعداء في حاشية فرعون، حسدوه على مركزه الرفيع، وسعوا إلى إضعافه. شبه بغصن « شجرة مثمرة» ( ع ۲۲ )، لأن الله جعله ب. قوة يوسف والمساعدة التي ساندته خلال كل هذه المتاعب: «ثبتت بمتانة قوسه» ( ع ٢٤ )، أي إن إيمانه لم يهن. « وتشددت سواعد يديه» أي إن فضائله الأخرى كان لها دورها: حكمته وشجاعته وصبره وهي أسلحة الحرب. أفضل من "
ج. مصدر هذه القوة ونبعها مرده « القادر على كل شيء». وكل ما لدينا من قوة لمقاومة التجارب، وتحمل الشدائد تأتينا من الله، ونعمته كافية وقوته تكمل في ضعفنا. د. حالة الكرامة ونفع الآخرين التي ارتقى إليها بناء على ذلك. كان يوسف في هذا يرمز إلى: ه المسيح. ه والكنيسة بصفة عامة. ( ۲ ) مواعيد الله ليوسف: اختباراتنا لقوة الله وصلاحه في تقويتنا إلى هذا اليوم، هي المشجع لنا في أن نظل نرجو معونته لنا دائما. فنحن يمكننا أن نتكل دائما على حجر معونتنا. ونلاحظ هنا البركات التي أعطيت ليوسف. « بركات السماء من فوق» ( الأمطار في موسمها والطقس المعتدل في أوانه، والتأثيرات الكريمة للأجرام السمائية )، « وبركات الغمر الرابض تحت» هذه الأرض، والتي إذا ما قورنت بالعالم العلوي، لا تعد سوى عمقا عظيما حيث مناجم وينابيع تحتها. بركات سامية فائقة « بركات أبيك فاقت على بركات أبوي» ( ع ٢٦ ). وبركات دائمة وممتدة: «إلى منية الآكام الدهرية»، متضمنة منتجات أكثر الآكام خصبا، لا تزول أبدا ( إش 54 : 10 ). ۲۷ هو ell ثانيا : بركات بنيامين ( ع « ذئب يفترس»، وواضح من هذا أن يعقوب كان مقودا بروح النبوة فيما كان يقوله، وليس بدافع من محبة طبيعية، وإلا لكان قد تكلم بأكثر رقة عن ابنه المحبوب بنيامين الذي يتنبأ عنه بقوله أن نسله سيكون سبطا محاربا قويا وجريئا، وأنهم سيثرون عن طريق ما يغتنمونه من أعدائهم، وأنهم سيكونون نشيطين ومنهمكين في أعمالهم، وسيشكلون سبطا يخشاه جيرانه والآخرون أيضا. وكان الرسول بولس المبارك من هذا السبط ( رو 11 : 1 ؛ في 3 : 5 ) وأنه في الصباح يلتهم فريسته
كظالم، لكنه في المساء يقسم الغنيمة كواعظ. عدد ۲۸ - ۳۳ ۲۸ أولا : موجز لبركات أبناء يعقوب ( ع ٢٨ ). وعلى الرغم من أن رأوبين وشمعون ولاوي قد ذكرت عنهم عبارات تنم عن عدم رضاء أبيهم عنهم، إلا أنه قال:
«كل واحد بحسب برکته باركهم». وليس من بينهم من رفض على غرار عيسو.
ثانيا: المهمة التي كلفهم يعقوب بها بالنسبة وهي تكرار لما سبق أن طلبه من يوسف. ولنر هنا كيف يتكلم عن الموت: «أنا أنضم إلى قومي» ( ع ۲۹ ). فعلى الرغم من أن الموت يفصلنا عن أولادنا وأهلنا في هذا العالم، إلا أنه يجمعنا بآبائنا وقومنا في
العالم الآخر.
ثالثا : موت يعقوب ( ع 33 ): وكشخص بكل سرور یهیئ نفسه للراحة، إذ كان متعبا: « بسلامة أضطجع بل أيضا أنام» ( مز 4 : 8 ). وبكل ارتياح «أسلم الروح». وروحه التي انفصلت ذهبت إلى مجمع أرواح المؤمنين، والتي بعد أن تخلصت أثقال الجسد، أصبحت في فرح وسعادة عظيمة: « وانضم إلى قومه».