التفسير الكامل للكتاب المقدس / متي هنري / سفر التكوين

[youssiph]

الإصحاح الخمسون

نجد في هذا الأصحاح: أولا : الاستعداد لمراسم دفن يعقوب ( ع ١ - ٦ ). ثانيا : المراسم نفسها ( ع 7 - 14 ). ثالثا : رسوخ التفاهم والود بين يوسف وإخوته بعد موت يعقوب ( ع ١٥ - ٢١ ). رابعا: موت يوسف وعمره ( ع ٢٢ - ٢٦ ). وهكذا فإن سفر التكوين الذي بدأ بأصل النور والحياة، لم ينته بشيء سوى الموت والظلام، ويا له من تغيير حزين ذاك الذي ولدته الخطية.
عدد ۱ - 6 .( يوسف يقدم الإجلال والتوقير لأبيه الميت: ( ۱ ) بدموع وقبلات، وكل تعبيرات الوفاء البنوي ودع جسد أبيه ( ع ١ ). والروح التي خرجت لا تفيدها الدموع والقبلات، غير أنه من اللائق أن نبدي احترامنا للجسد الميت، الذي ننتظر له قيامة مجيدة سعيدة. ( ٢ ) أمر بتحنيط الجسد ( ع ٢ ) ليس لأنه مات مصر فحسب، بل ليتسنى نقله إلى كنعان. ( ۳ ) اهتم بعمل مناحة له ( ع ٣ ). بل إن كثيرين
من المصريين بدافع احترامهم العظيم ليوسف، اشتركوا في البكاء على أبيه.
( 4 ) حصل على موافقة فرعون على الذهاب إلى كنعان لحضور جنازة أبيه ( ع 4 - 6 ). ووعده بالعودة: « وأرجع». وحين نعود إلى بيوتنا بعد دفن أجساد أقاربنا نقول: لقد تركناهم وراءنا، غير أنه إذا كانت أرواحهم قد صعدت إلى بيت أبينا السماوي، هنا يكون لنا مبرر للقول: لقد تركونا هم وراءهم.
عدد 7 - 14 تتضمن هذه الفقرة نبذة عن جنازة يعقوب. لقد مات في كرامة، وشيعه أبناؤه إلى مثواه الأخير.
( 1 ) كانت جنازة مهيبة: فقد شيعه إلى قبره، ليس أفراد عائلته فقط، بل رجال البلاط، وجميع عظماء المملكة، وكتعبير منهم عن الاعتراف بجميل يوسف أظهروا احترامهم لأبيه، وشيعوه بإكرام إلى قبره. ثم أن يعقوب الطيب أحسن سلوكه بينهم ولذلك أولوه تقديرا كبيرا. ويلاحظ أنه يجب على المؤمنين، وعن طريق الحكمة والمحبة، أن يحاولوا إزالة إية تحاملات قد يكنها كثيرون ضدهم لأنهم لا يعرفونهم. ( ۲ ) كانت جنازة حزينة ( ع ١٠ و ١١ ). والبكاء بحرارة على يعقوب أكسب المكان اسما جديدا هو «آبل مصرايم»، أي مناحة المصريين، والذي كان يعد شهادة ضد الجيل التالي من المصريين، الذين اضطهدوا نسل يعقوب هذا الذي أولاه أسلافهم كل تبجيل واحترام. الأبناء حتى نقرأ هنا عن رسوخ الصلة الودية الحميمة بين يوسف وإخوته بعد وفاة والدهم. وحين يغيب الوالدان بالموت، يجب اتخاذ أفضل الوسائل للحفاظ على المحبة المتبادلة حتى تستمر الوحدة بين وإن غاب مركزها: عدد 15 - ۲۱ أولا : بكل خشوع يتقدم إخوة يوسف إليه طالبين رضاءه وعفوة: ( ۱ ) فيما كان والدهم على قيد الحياة، حسبوا أنفسهم في أمان تحت رعايته، أما وقد مات فقد توقعوا
أن ينتقم منهم يوسف. والضمير الآثم يعرض صاحبه لخوف دائم. والذين لا يريدون أن يعرفوا الخوف، أن يحفظوا ضمائرهم دون إثم. ( ۲ ) تذللوا أمامه واعترفوا بخطيتهم والتمسوا عطفه: «اصفح عن ذنب إخوتك... نحن عبيدك». ( 3 ) واستندوا إلى صلة القربي التي تربطهم بیعقوب، وبإله يعقوب. أ. بالنسبة ليعقوب فقد قالوا إنه أرشدهم قائلا : « هكذا تقولون ليوسف...».
ب. بالنسبة لإله يعقوب: توسلوا قائلين: نحن « عبيد إله أبيك» ( ع ١٧ ). ليسوا أبناء يعقوب فحسب، بل وعبيد نفس الإله أيضا. ثانيا : أما يوسف، وبعطف عظيم أكد لهم مصالحته وحبه لهم. وقد ظهرت محبته ورقة قلبه في أنه « بكى يوسف حين كلموه» ( ع ١٧ ). كانت هذه دموع الحزن لشكهم فيه، ودموع المحبة لخضوعهم. . ونلاحظ إجابته: ( ۱ ) طلب منهم أن يتطلعوا إلى الله في توبتهم: «هل أنا مكان الله؟» ( ع ١٩ ) ليكن لكم سلام مع الله، وبعدئذ تجدون أنه من السهولة بمكان أن يكون سلام، لكم معي الله ذلك أنه منشئ ( ۲ ) خفف من شرهم، على أساس الخير العظيم الذي ولده الله منه، ولو أن ذلك لا يجب أن يقلل من ضرورة أسفهم على خطيتهم، إلا أن ذلك يزيده رغبة في العفو عنهم ( ع ٢٠ ). وكثيرا ما يخرج من الشر خيرا، ويحقق مقاصد عنايته الإلهية حتى عن طريق خطايا الناس، وليس معنى الخطية- حاشا لنا أن نظن ذلك، بل إن حكمته غير المحدودة تتحكم في الأحداث، حتى تنتهي أ أخيرا إلى مجده مع أنها كانت في طبيعتها تميل بصفة مباشرة إلى الإساءة إليه، مثلما كان الحال عندما صلبوا المسيح حتى الموت ( أع ٢ : ٢٣ ). ( 3 ) أكد لهم استمرارية عطفه عليهـم: « لا تخافوا. أنا أعولكم» ( ع ٢١ ). عدد ٢٢ - ٢٦ أولا : امتداد حياة يوسف في مصر: فقد عاش «مئة وعشر سنين» ( ع ۲۲ ). ثانيا: إقامة عائلة يوسف: لقد عاش حتى رأى أولاده حتى الجيل الثالث ( ع ٢٣ )، ولعله رأى ابناه كرئيسين لسبطين بين أسباط إخوته. ثالثا: آخر رغبة أبداها يوسف في حضور إخوته، عندما رأى موته يقترب، وفي حضور من كانوا على قيد الحياة من الأبناء الذين حلوا محل الآباء ومن آبائهم الذين رحلوا، قال الآتي: ( ۱ ) لقد عزاهم بتأكيده أنهم سيعودون إلى كنعان في الوقت المناسب: « أنا أموت. ولكن الله سيفتقدكم» (ع ٢٤ )، وطالبهم بأن يكونوا على ثقة بأن الله « يصعدكم من هذه الأرض» ولذلك: أ. عليهم ألا يعتبروها مكان إقامتهم إلى الأبد، عليهم أن يتوقوا إلى أرض الموعد، ويسمونها وطنهم.
ب. عليهم ألا يخافوا من أن يهلكوا هناك: «الله سيفتقدكم ويصعدكم من هذه الأرض» إلى الأرض التي حلف لإبراهيم وإسحاق ويعقوب.
( ٢ ) واعترافا بإيمانه هو، ولكي يثبت إيمانهم، طلب منهم ألا يدفنوه إلا بعد أن يستقروا في أرض الموعد ( ع ٢٥ ). وطلب أن يعدوه بحلف أنهم سيدفنوه في أرض كنعان. رابعا : موت يوسف، وحفظ جسده لدفنه في كنعان (ع ٢٦ ). « فحنطوه ووضع في تابوت في مصر»، ولكنه لم يدفن حتى تسلم أولاده ميراثهم في أرض کنعان ( يش ٢٤ : ٣٢ ).