أعلن مشروع جزر الصحراء عن افتتاح الدير المسيحي الوحيد المكتشف حتى الآن في دولة الإمارات والذي يعود إلى القرن السابع الميلادي أمام زوار جزيرة صير بني ياس.
ويمثل مشروع الصحراء الوجهة السياحية البيئية الفريدة من نوعها والتي تقوم بتطويرها شركة التطوير والاستثمار السياحي.
ويعد هذا الموقع من المواقع التاريخية التي تكتسب أهمية كبيرة في دولة الإمارات حيث يلقي الضوء على المجموعات البشرية التي استوطنت الجزيرة منذ آلاف السنين.
كما أنه يسلط الضوء على صير بني ياس الجزيرة الطبيعية الممتدة على مساحة 87 كيلومترا مربعا إحدى الوجهات العالمية النادرة التي تقدم تجربة سياحية شاملة تغطي الجوانب البيئية والترفيهية والرياضية والأثرية أيضا. وعبر معالي الشيخ سلطان بن طحنون آل نهيان رئيس مجلس إدارة شركة التطوير والاستثمار السياحي عن السرور في افتتاح هذا الموقع الأثري أمام الجمهور مما يتيح للزوار الاطلاع عن كثب على التاريخ الغني لجزيرة صير بني ياس ودولة الإمارات بشكل عام.
وقال “إننا فخورون بتراثنا العريق وهذا ما دفعنا إلى تركيز جهودنا على تأسيس وجهة سياحية متكاملة تمكن الزوار من التمتع بالطبيعية والحياة البرية في جزيرة صير بني ياس مع ضمان حماية المعالم التاريخية والأثرية والحفاظ عليها”.
ويأتي افتتاح هذا الموقع الأثري الجديد والذي جرى اكتشافه للمرة الأولى في العام 1992 بالتزامن مع بدء مرحلة جديدة من عمليات التنقيب عن مواقع أثرية جديدة بالغة الأهمية في جزيرة صير بني ياس والتي يتوقع لها أن تبرز بشكل أكثر تاريخ المنطقة.
ويعتقد العلماء أن هذا الدير بني في القرن السابع الميلادي من قبل كنيسة الشرق المعروفة أيضا باسم الكنيسة السريانية الشرقية.
ويحاط بالكتلة الرئيسية للموقع سورٌ خارجي يحتضن صوامع للكهنة ومطابخ ومخازن وحظائر للحيوانات تتوزع جميعها حول فناء مركزي يتوسطه مبنى الكنيسة ، وتزخر جدرانها بالكثير من الزخارف الجصية مع تصاميم وزخارف .
وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، ولا سيما إلى الشمال والشمال الغربي من الموقع، توجد عدة مبانٍ أصغر حجماً قد تكون منازل لكبار الرهبان، إضافة إلى خزان كبير للمياه موصول بقناة.
ويتولى مهام التنقيب في الموقع فريق من علماء الآثار بقيادة الدكتور جوزيف إلديرز وهو الذي أدار أعمال المسح الأثري الأولي في الجزيرة خلال التسعينات، كما أنه يشغل حاليا منصب رئيس الآثار في الكنيسة الإنجليزية.
ويقول باحثو الاثار إن جزيرة صير بني ياس ظلت مأهولة بالسكان على مدى أكثر من 7500 عام وعثر حتى الآن على أكثر من 36 موقعا أثريا منذ أن بدأت أعمال المسح والتنقيب الأثرية في الجزيرة.
وتتضمن هذه المكتشفات مدفنا دائريا يعتقد أنه يعود لأربعة آلاف عام وبرج مراقبة ومسجدا وأدلة على صناعة اللؤلؤ القديمة في الجزيرة.
وكشف الدكتور جوزيف ان أول مرة ذكرت اسم جزيرة صير بن ياس كان عام 1590 مما يعني وجود قبيلة بني ياس قبل هذه الحقبة.
واوضح في لقاء صحفي ان بعض المواقع الأثرية فيها يعود للعصر الحجري قبل 7000 سنة ومنها ما يعود إلى العصر البرونزي أي قبل 4000 سنة ثم الحقبة التي تعود إلى 600 ميلادي حيث بني الدير الكنسي المكتشف.
ونوه إلى أن الجزيرة تكون مأهولة بالسكان خلال موسم صيد اللؤلؤ وكذلك بحكم موقعها الاستراتيجي على خط تجار اللؤلؤ من الخليج إلى الهند والصين.
وقال الدكتور جوزيف إلديرز : أن العثور على هذه المكتشفات بمثابة الدليل على نشاط التجارة في ذلك الموقع من خلال موقع جزيرة صير بني ياس الإستراتيجي والذي جعل منها مركزا هاما للتبادل التجاري مع دول عدة مثل البصرة في العراق والهند ، وقال إنه كان يتوفر مصدر للماء يأتي من الجانب الشرقي للدير.
من جانبها قالت نوف تهلك مديرة التسويق في شركة التطوير والاستثمار السياحي ان هذا الحدث يأتي تعزيزا لجهود شركة التطوير والاستثمار السياحي الهادفة إلى خلق وجهة سياحية لا نظير لها في المنطقة.
ويتضمن تصميم الدير صحن الكنيسة والأجنحة الجانبية “الهيكل، الجص، المدفن، البرج، بيت الصلاة، غرف الرهبان”، اضافة الى مسكن “الأباتي” رئيس الدير.
وأكدت نوف تهلك خلال جولة للصحفيين على موقع الدير، أن هذا الحدث يأتي تعزيزاً لجهود الشركة الهادفة إلى إيجاد وجهة سياحية لا نظير لها في المنطقة.
وقالت إن الموقع الأثري الفريد من نوعه في الإمارات يجعل من صير بني ياس إحدى الوجهات العالمية النادرة التي تقدم تجربة سياحية شاملة تغطي الجوانب البيئية والترفيهية والرياضية والتاريخية والأثرية .
وقالت تهلك إنه سيتم عرض معظم هذه المكتشفات الأثرية الثمينة في مركز الزوار المقرر تشييده في المستقبل والذي يتيح للضيوف فرصة رائعة للاطلاع على المواقع الأثرية المختلفة في جزيرة صير بني ياس من خلال وسائل تثقيفية وتفاعلية مختلفة.
وأضافت : “سيتمكن الزوار من الاستمتاع بالهياكل التمثيلية ثلاثية الأبعاد، والتعرف على التاريخ التفصيلي للمنطقة وبعض أجزاء الدير التي أعيد ترميمها”.
وتتضمن الأنواع الرئيسية المكتشفة من الأوعية والجرار من الفخار البني Buff Ware التي تعد من أكثر أنواع الفخاريات شيوعا، حيث عثر على فخاريات مشابهة في أمكنة أخرى تعود إلى القرن الثامن الميلادي وما بعده، ما يشير إلى أن الدير ظل مستخدماً لفترة لا بأس بها خلال العصور الإسلامية. وتضم الأنواع الأخرى أوعية وجرارا وأوانيٍ أخرى متوسطة الحجم من الفخار الفيروزي المزخرف. وتعود هذه الآنية إلى القرنين السابع والثامن الميلاديين، رغم العثور على هذا النوع من الفخار تعود إلى أزمنة أقدم من ذلك.
أما الأمفورات Torpedo Jars فهي نوع من الجرار الخزفية بيضوية الشكل لها قبضتان وعنق طويل ضيق، وشكلها مناسب للتخزين في عنابر السفن حيث تستخدم لنقل السوائل وتخزينها وتُدهن بالقار لمنع رشح الماء والسوائل منها، ومن المرجح أنها كانت تملأ بالنبيذ المستخدم في طقوس تناول القربان المقدس في كنيسة صير بني ياس. ويوجد قطع فخارية أخرى جاءت من الهند، مثل قدور الطبخ البسيطة والفخار الأحمر الرقيق الجدران ذي الخطوط السوداء، والتي كانت شائعة في منطقة الخليج في القرنين السابع والثامن الميلاديين. وعثر في الدير على عدد قليل من الأواني الزجاجية عالية الجودة والمصابيح الزيتية التي كانت تستخدم لإنارة الكنيسة وصوامع الرهبان وغيرها من الغرف. وكانت الإنارة ضرورية لأن أبنية الدير كانت معتمة للغاية، حيث النوافذ صغيرة ودون زجاج، ولها درفات تغلق في الطقس السيئ.
كما عثر على بقايا مصابيح معلّقة، تتألف من طاسات زجاجية قليلة العمق محمولة بأشرطة من البرونز المعلقة بواسطة سلسلة،
وتتألف الآنية الطقوسية المكتشفة من كؤوس وقوارير صغيرة تستخدم في القرابين ومسح الزيت، وهي شعائر دينية أساسية عند المسيحيين. كما تم اكتشاف قاعدة قارورة زجاجية مكتشفة في الكنيسة كانت تستعمل في هذه الشعائر.
36 موقعاً أثرياً جديداً قيد البحث
مع افتتاح موقع “الدير المسيحي الأثري” أمام الجمهور، تصبح جزيرة صير بني ياس أحد الوجهات العالمية النادرة التي تقدم تجربة سياحية شاملة تغطي الجوانب البيئية والترفيهية والرياضية إلى جانب الأثرية. كما جاء هذا الافتتاح بعد أن تم العثور على نحو 36 موقعاً أثريًا آخر في جزيرة صير بني ياس لا تزال قيد الدراسة والبحث في سبيل دراسة هذه المواقع وطبيعة المراحل التاريخية التي بنيت خلالها. وتشتمل المواقع الأثرية الجديدة على مستوطنات بشرية تعود للعصر الحجري والبرونزي، ومبنى يقارب عمره 4 آلاف عام قد يكون مدفناً جماعياً، إضافة إلى مواقع أثرية من العصور الإسلامية تتضمن برج مراقبة محصن ومسجداً ومقابر ودلائل تشهد على صناعة صيد اللؤلؤ القديمة، ومواصلة عمليات التنقيب فيها .
موقع الدير وتاريخ التشييد
يُعتقد أن الدير بني في نهاية القرن السادس الميلادي، وتم هجره حوالي العام 750 ميلادية، ويقع الدير في الجانب الشرقي من جزيرة صير بني ياس، وتتجه بوابته الرئيسية نحو الشرق بالقرب من خور صغير على الشاطئ الذي يبعد بضع مئات من الأمتار. وكان سكان هذه الرهبانية ينتمون إلى كنيسة الشرق ، حيث كان لهم دور فاعل في حركة التجارة البحرية الممتدة من أقصى شمال الخليج إلى الهند، كما أسهموا في تجارة اللؤلؤ التاريخية في منطقة الخليج العربي. وكان الرهبان من أتباع المعلم نسطور (نسطوريوس)، رئيس أساقفة القسطنطينية (إسطنبول حالياً) في النصف الأول من القرن الخامس، والذي كان على خلاف مع بابا روما حول مسائل عقائدية حيث كانوا على الأرجح خليطاً من السكان المحليين ومن شعوب بلاد الرافدين وغيرها من المناطق، وكانوا يتكلمون السريانية والعربية وربما غيرها من لغات المنطقة. ويعتقد أنهم بدأوا ببناء الكنيسة حوالي العام 600 ميلادي.
تحف نفيسة ضمن المكتشفات
تتضمن المكتشفات الأثرية الثمينة في موقع الدير الأثري المسيحي الوحيد بالإمارات حتى الآن أكثر من 15 نوعا من الفخاريات، إضافة إلى الزجاجيات والأواني المستخدمة في الاحتفالات والشعائر الكنسية وقطع من الجص المزخرف بعناية مما يوفر لعلماء الآثار كنزا ثمينا من المعلومات عن سكان جزيرة صير بني ياس في القرن السابع الميلادي وأنماط حياتهم. وقد تم حفظ هذه التحف الأثرية النفيسة بعناية شديدة لضمان حمايتها حيث سيتاح عرضها أمام الزوار في المستقبل.
تصميم الدير ومرافقه
يمثل صحن الكنيسة والأجنحة الجانبية جناح غربي متصل أو ما يعرف برواق الكنيسة، حيث يجتمع الناس قبل إقامة الشعائر الدينية.
أما الهيكل ، فيقع في الطرف الشرقي من الكنيسة، وكان يحتوي على المذبح “منصة عليها طاولة لأداء طقوس تناول القربان المقدس” ويحيط به برج وعدة مصليات، وكان الجدار الشرقي للكنيسة فيما مضى مغطى بلوحات جصية مزخرفة بتصاميم تتضمن صلباناً وسعف نخيل وعناقيد عنب. ويضم الدير أيضا المدفن، ويحتمل أن يكون قبراً لمؤسس الدير ذاته، إضافة إلى البرج الذي كان يتيح للرهبان إمكانية مشاهدة الزوار وكذلك مراقبة القادمين غير المرغوب بهم كالقراصنة.
ويحتوي الدير على بيت الصلاة, إضافة الى غرف للرهبان, فضلا عن مسكن رئيس الدير الذي يضم الصليب الذي كان يحمله الأباتي بيده .