القراءة الأولى
1اش 52: 13- 15؛ 53: 1-12
نبوة اشعيا:
هُوَذا عبدي يعمَلُ بالحَزْمِ ويتعالى ويرتفعُ ويتسامى جِدّاً، كما أنَّ كثيرين سيَدْهَشون منهُ هكذا يتشوَّهُ منظرُهُ أكثرَ من الانسان وصورتُهُ أكثرَ من بني البشر؟ هذا يُطَهِّرُ أُمماً كثيرةً وعليهِ يسُدُّ الملوكُ أفواهَهُم لأَنّهم رأوا ما لم يُخبَروا بهِ وفهموا ما لم يسمَعوا بهِ، من آمنَ بما سمِع مِنَّا ولِمَن أُعْلِنت ذِراعُ الربّ، نَبَتَ كفرخٍ قُدّامَهُ وكَجُرثُومةٍ من أرضٍ عَطْشى لم يكُنْ لهُ منظَرٌ ولا بهاءٌ وإِذْ رأيناهُ أنْ لا منظَرَ لهُ أنكَرْناهُ، مُهانٌ ومخذُولٌ مِنَ النّاس رجُلُ أوجاعٍ وخبيرٌ بالآلام. صَرَفْنا وُجُوهَنا عنهُ وازدريناهُ فلم نَعْبأ بهِ، يقيناً هو أخذ آلامنا، وأوجاعَنا هو حَملها ونحنُ حسِبناهُ معتوهاً ومضروباً من اللهِ ومُذَلَّلاً. هو يُقتَلُ لأجل خطايانا ويُذلَّل لأجل آثامنا تأديبُ سلامِنا عليهِ وبجراحِهِ نُشْفى، جميعُنا كالغَنَمِ ضَلَلْنا كلُّ واحدٍ مِنّا مال إلى جانبهِ فألقى الربُّ عليهِ خطايا جميعِنا تقدَّمَ وتذلَّلَ ولم يفتَحْ فاهُ كحمَلِ سيق إلى الذّبحِ وكنَعْجةٍ أمامَ الجَزّازِ كان صامِتاً ولم يفتَحْ فاهُ، من الحَبْسِ والقضاءِ أُخِذ وجيلَهُ من يَصِفُهُ لأَنّهُ انقطَع مِن أرضِ الأحياءِ ولأجلِ أَثمةِ شعبي دَنَوا إليهِ. أعطى المنافِقُ قبرَهُ والغنيُّ في موتِهِ على أنّهُ لم يصنَعْ إثماً وليس غِشٌّ في فمِهِ، والربُّ شاءَ ان يُواضِعَهُ ويؤَلّمِهُ. جعَل نفسَهُ ذبيحةَ إثمٍ ليرى ذُرِّيّةً وتطولَ أيَّامُهُ ومَرضاةُ الربِّ تنجحُ على يدِهِ، ومن عناءِ نفسِهِ يرى ويُشْبِعُ بالعِلْمِ ويبرّرُ الصدّيقين. هو عبدٌ لكثيرين وهو يحمِلُ خطاياهم، فلذلك أجعلُ لهُ نصيباً في كثيرين وللأعزّاءِ يَقسِمُ الغنيمةَ لأنه ألقى الى الموتِ نفسَهُ. ومع الأثمةِ أُحصي وهو حمَلَ خطايا كثيرين ولاقى الأثمَةَ.
القراءة الثانية
2 دانيال 9: 2- 27
نبوة دانيال:
وفيما أنا أُصلّي وأعترفُ بذنوبي وذنوبِ شعبي إسرائيلَ وأُلقي تضرُّعي أمامَ الربِّ الإله لأجلِ جبَلِ إلهي المقدَّس، وفيما أنا أتكلَّمُ بالصّلاةِ إذا بالرّجُلِ جبرائيلَ الذي رأيتُهُ في الرؤيا عند البِداءَةِ قد طار وجاءَ من السماءِ ولمَسني في وقتِ قُربانِ المساء، وجاءَ وكلَّمني وقال لي: يا دانيالُ إنّي خرجتُ الآنَ لأُعْلِمك فتفهَمَ، عندَ بِداءَةِ صلاتك خرجَ الكلامُ وأتيتُ أنا لأُخبِرَك لأنّك راغبٌ فتبَيَّنِ الكلامَ وافهمِ الرؤيا. إنّ سبعين أُسبوعاً ستنتهي على شعبِك وعلى مدينةِ قُدسِك لإفناءِ الذُّنوبِ وإزالة الخطايا ومغفرةِ الإثمِ والاتيانِ بالبِّرِ الأبديِّ واختتام الرُّؤيا والأنبياءِ والمسيحِ قُدسِ القديسين، فاعْلَمْ وافْهَم. إنّهُ من صُدورِ الكلمةِ بإعادةِ بناءِ أورشليم إلى مَجيْ المسيحِ الملِك سبعةُ أسابيعَ واثنان وسِتون أُسبوعاً. يعودُ فيبني أُورَشليمَ أسواقَها وساحاتِها إلى منتهى الأوقات، وبعدَ الاثنين والسِتين أُسبوعاً يٌُقتَلُ المسيحُ ولا يكونُ لها ومدينةُ القُدْسٍ تخرَبُ بالملكِ الآتي وعاقِبتُها بسَيْلٍ وإلى انقضاءِ القِتالِ يكونُ التَّخريبُ المَقضِيُّ، ويُثبِّتُ العهدَ لكثيرين في اسبوعٍ واحدٍ ونصفِ اسبوعٍ ويُبَطِّلُ الذّبيحةَ والقُربانَ وفي جناحيِ الرِّجْسِ الخرابُ إلى الفَناءِ المَقضيِّ تستقرُّ على الخرابِ.
العهد الجديد
القراءة الثالثة
3غل 2: 17- 21؛ 3: 1-14
من رسالة بولس الرسول الى اهل غلاطية:
فإن كُنّا ونحن طالِبون التّبرير بالمسيحِ قد وُجدِنا نحنُ أيضاً خَطَأةً أفيسوعُ المسيحُ إذن خادمٌ للخطيئةِ. حاشى، لأَنّي إن عُدتُّ أبني ما قد هَدَمتُ فقد أظهرتُ على نفسي أنّي متجاوزٌ الوصيّةَ، لأنّي بالنّاموسِ قد متُّ للنّاموسِ لكي أحيا لله، ومع المسيحِ صُلِبتُ ومِن ثَمَّ لستُ أنا حيّاً بلِ المسيحُ حيٌّ فيَّ. وما ليَ الآنَ من الحياةِ في الجسدِ إنَّما أنا حيٌ بهِ بإيمان ابنِ اللهِ الذي أحبَّني وبذل نفسَهُ لأجلي، ولستُ أجحدُ نعمةَ اللهِ لأنّه إن كان البِرُّ من النّاموسِ فالمسيحُ إذن ماتَ عبثاً، أيّها الغلاطيُّون النّاقِصو الرأي مَنِ الذي حَسَدَكم. فقد كان يسوعُ المسيحُ كأنهُ مصوَّرٌ تصويراً أمامَ عيونِكم مصلوباً، أُريدُ أن أعرِفَ منكم هذا فقط أمِن أعمال النّاموسِ أخذتمُ الرّوحَ أم مِن سَماعِ الإيمان، أهكذا أنتم جُهلاءُ. حتّى إنّكم بعدَ أنِ ابتدأتم بالرُّوحِ تُتِمِّون الآنَ بالجسد، أفاحتملتم كلَّ هذا عبثاً. ويا ليتَهُ كان عبثاً، والذي أعطاكم الرُّوحَ ويصنَعُ فيكم القوّاتِ أمِن أعمالِ الناموس أم مِن سَماعِ الإيمان، كما آمن إبراهيمُ بالله فحُسب لهُ ذلك براً، فاعلموا إذن أنَّ الّذين من الايمان أولئك هم أبناءُ إبراهيم، لأنّ اللهَ إذ سبَق فعرف أنَّ الشُّعوبَ تتبرَّر بالإيمان سبَق فبشَّر إبراهيمَ كما قالَ الكتابُ المقدَّسُ: أنْ بك تتباركُ جميعُ الشُّعوب. فالمؤمنون إذن هم المتبارِكون بإبراهيم المؤمن، لأنَّ الّذين من أعمالِ النّاموس هم تحتَ اللّعنةِ لأنّهُ مكتوبٌ: ملعونٌ كلُّ من لا يعملُ بجميعِ ما كُتِب في هذا النّاموس. أمّا أنّهُ لا يتبرَّرُ أحدٌ بالنّاموسِ عند اللهِ فظاهِرٌ لأنّهُ مكتوبٌ: إنّ البارَّ بالإيمان يحيا، وليس النّاموسُ من الإيمان ولكنَّ مَن يعملُ الأشياءَ المكتوبة فيهِ يحيا بها، أمّا نحنُ فالمسيحُ اشترانا من لعنةِ النّاموس وهو الذي صار لعنةً لأجلِنا لأَنّهُ مكتوبٌ: ملعونٌ كلُّ مَن يُعلَّقُ على خشبةٍ، لكي تكونَ بركةُ إبراهيمَ في الشُّعوبِ بيسوعَ المسيحِ وننالَ نحنُ موعِدَ الرُّوحِ بالإيمان.
القراءة الرابعة
مُجمَّع من إنجيل متى ولوقا ويوحنا
وكان الرّجال الذين قبَضوا على يسوعَ يهزأَون به وكانوا يُغطّونهُ ويَلطموهُ على وجههِ قائلين: تنبّأْ مَن الذي ضرَبَك، وأَشياءُ أُخر كثيرةٌ كانوا يقولونها عليهِ مجدِّفين، ولما كان النّهارُ اجتمع الشُّيوخُ ورؤساءُ الكهنةِ والكتبةُ وأَصعدوهُ الى مجمعِهم، وقالوا لهُ: إن كنت أنت المسيحَ فقُل لنا. قال لهم: إنْ قلتُ لكم لا تؤمنون بي، وإن سألتكم لا تُجيبوني ولا تُطلِقوني، فمِنَ الآنَ يكونُ ابنُ البشر جالساً عن يمينِ قُدرةِ الله، فقال جميعُهم: أفأنت إذن ابنُ الله. قال لهم يسوعُ: أنتم تقولون إنّي أنا هو، فقالوا: ما حاجتُنا الى شهودٍ لأنّنا قد سمِعنا من فمِهِ. فقام جَمعُهم كلُّهُ وجآوا بهِ الى بيلاطس، وشرَعوا يقرِّفونهُ قائلين: إنّا وجدنا هذا يُضِلُّ شعبَنا ويمنَعُ من أن نُعطيَ الجزْيَةَ لقيصر ويدَّعي أنّهُ هو المسيحُ الملكُ، فسألهُ بيلاطُسُ وقال لهُ: هل أنتَ ملكُ اليهود قال لهُ: أنتَ قُلتَ، فقال بيلاطُسُ لرؤساءَ الكهنةِ وللجمعِ: إني لم أجد علَّةً على هذا الرَّجُل. أمّا هم فكانوا يصرُخون قائلين: قد هيّج شعبَنا إذ يُعلِّمُ في اليهوديّةِ كلِّها مبتدئاً من الجليل الى ههنا، فلمّا سمِع بيلاطس اسمَ الجليل سأل هل الرَّجُلُ جليليٌّ. ولمّا علِم أنّهُ من ولايةِ هيرودس أرسلهُ الى هيرودس لأَنّهُ كان في أُورشليم في تلك الأيام، فلمّا رأى هيرودُسُ يسوعَ فرح جدّاً لأنهُ كان يشتهي أن يراهُ من زمانٍ طويل لسَماعهِ عنهُ أشياءَ كثيرةً وكان يرجو أن يرى منهُ آيةً ما، فسألهُ بكلامٍ كثير فلم يُجِبْهُ يسوعُ بشيءٍ. وكان رؤساءُ الكهنةِ والكتبةُ واقفين يقرّفونهُ بشدّة، فاحتقرهُ هيرودُسُ مع جنودهِ وألبَسَهُ ثياباً قرمزيّة مستهزئاً بهِ وأرسلهُ الى بيلاطس، وفي ذلك اليوم صار بيلاطُسُ وهيرودس صديقَين بعضُهما مع بعضٍ لأنهُ كان بينهما عاداوةٌ من قبل. ولمّا جلس الوالي على مِنبرهِ أرسَلت اليه امرأتُهُ قائلةً لهُ: إيّاك وذاك الصِّدّيق فإنّي قد توجّعتُ اليومَ كثيراً من أجلهِ في حُلمي. فدعا بيلاطُس رؤساءَ الكهنةِ وأراكنةَ الشّعبِ، وقال لهم: قدَّمتم اليَّ هذا الرَّجُلَ كأنّهُ يرُدُّ شعبَكم وها أنا قد فحصتُهُ أمامكم فلم أجِدْ علَّةً في هذا الرَّجُل من جميعِ ما تُقَرّفونهُ بهِ، ولا هيرودُسُ أيضاً لأني أرسلتهُ اليهِ وهوذا لم يَصْنَعْ شيئاً يستوجبُ الموتَ، فأنا أؤَدّبُهُ وأطلِقُهُ. لأنها كانت عادةٌ ان يُطلِقَ لهم واحداً في العيد، فصاح الجمعُ كُلُّهُ وقالوا: ارفَع هذا وأَطلِق لنا برأَبّا، ذاك الذي كان من أجل فتنةٍ وقتلٍ حَدث في المدينة قد أُلقي في السّجن. فكلّمهم بيلاطُس أيضاً وهو يُريد أن يُطلِقَ يسوع، أمّا هم فكانوا يصرخون قائلين اصلُبْهُ اصلُبْهُ، فقال لهم مرةً ثالثةً وأيَّ شرٍ صنع هذا إنّي لم أجِد فيهِ علَّةً تستوجبُ الموتَ فأنا أؤَدّبه وأُطْلِقُهُ، أمّا هم فكانوا يُلِّحون عليهِ بصوتٍ عالٍ ويسألونهُ أن يصلبوهُ واشتدّت اصواتُهم وأصواتُ رؤساءِ الكهنةِ. فلمّا رأى بيلاطُس أنّهُ لا ينتفعُ شيئاً بل يزدادُ الشَّغَبُ أخذ ماءً وغسَل يديهِ أمام الجمعِ وقال: إنّي بريٌّ من دمِ هذا الصّدّيق أنتم تعرِفون، فأجاب جميعُ الشَّعبِ وقالوا: دمُهُ علينا وعلى أولادنا. فأمر بيلاطُس أن تكونَ طلبتهُم، فأطلق لهم الذي طلبوهُ ذاك الذي كان من أجلِ فتنةٍ وقتلٍ قد أُلقي في السِّجنِ وأَسلم يسوعَ لإرادتهم. وفيما هم منطلقون بهِ أمسكوا سمعانَ القيروانّي الذي كان آتياً من الحَقْلِ وجعلوا عليهِ الصّليبَ ليحمِلَهُ خَلْفَ يسوع، وكان يتبعُهُ كثيرٌ من الشّعبِ والنساءِ اللواتي كُنَّ يندُبنَهُ وينُحن عليهِ، فالتَفتَ يسوعُ إليهنّ وقال: يا بناتِ أُورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكِين على أنفُسِكُنَّ وعلى بنيكُنَّ، فها إنّها تأتي أيامٌ يُقالُ فيها: طوبى للعواقِر والبطونِ التي لم تلِدْ والثُّدِيِّ التي لم تُرضِعِ، حينئذٍ تبتدئون تقولون للجبالِ قَعي علينا وللإِكامِ غطّينا، فإن كانوا يصنعون هذا بالعودِ الرَّطبِ فماذا يكونُ باليابس. وكان آتياً معهُ اثنانِ آخرانِ عاملا شرٍّ ليُقتَلا، ولمّا جاءُوا الى الموضعِ المسمّى الجُمجُمة صلبوهُ هناك هو وذَينِك عاملَي الشّرّ أحدهما عن يمينِه والآخر عن يسارهِ، فقال يسوع: يا أبتاهُ اغفِرْ لهم لأَنَّهم لا يدرون ما يعملون. وأقتسموا ثيابَهُ واقترَعوا عليها، وكان الشّعبُ واقِفاً ينظرُ ويسخَرُ منهُ حتّى الأراكنةُ قائلين: قد خلَّص آخرين فليخلِّص نفسَهُ إن كان هو المسيحَ مختارَ الله. وكان الجندُ ايضاً يهزأُون بهِ وهم يتقدّمون اليهِ ويقدّمون لهُ خلاًّ، ويقولون لهُ: إن كنتَ أنتَ ملكَ اليهودِ فخلِّصْ نفسك، وكان ايضاً عُنوانٌ فوقَهُ مكتوباً بالحروفِ اليونانيّةِ والرّوميّةِ والعِبرانيّةِ: هذا هو ملكُ اليهود، وكان أحدُ ذَيْنَك العاملَي الشرّ المصلوبَين معهُ يجدّفُ عليهِ قائلاً: إن كنتَ المسيح فنجِّ نفسَك ونجّنا أيضاً فانتهرَهُ رفيقُهُ وقال لهُ: أَفلا تخشى اللهَ أيضاً إذ كنتَ انت أيضاً تحت هذا الحكمِ بعينهِ، أمّا نحنُ فعَدْلاً لأَنّا كما كنّا نستحقُّ وكما عمِلْنا جُوزينا أَمّا هذا فلم يصنَع شيئاً رديّاً، ثم قال ليسوع: اذكُرْني يا ربُّ متى جئتَ في ملكوتك، فقال لهُ يسوعُ: الحقَّ أقولُ لك إنّك اليومَ تكونُ معي في الفِرْدَوس. وكان نحو السّاعةِ السّادسةِ فحدَث ظلامٌ على الأرض كلِّها الى السّاعةِ التاسعة، والشّمسُ أظلَمتْ. وللوقتِ انشقَّ حجاب الهيكل الى اثنينِ من فوقُ الى اسفلُ والأرضُ تزلزلت والصُّخورُ تشقّقّت، والقبورُ تفتَّحت وكثيرٌ من أجسادِ القدّيسين الرّاقدين قاموا، وخرجوا ومن بعدِ قيامتهِ دخلوا المدينةَ المقدَّسة وترآءَوا لكثيرين، أمّا قائدُ المئةِ والذين كانوا معهُ يحرُسون يسوع فلمّا رأوا الزّلزَلةَ وما حدثَ خافوا جدّاً وقالوا: في الحقيقةِ كان هذا ابنُ الله. وأمّا الجُندُ فلمّا صلَبوا يسوع أخذوا ثيابَهُ وجعلوها أربعةَ أجزاءٍ لكلٍّ من الجُندِ جُزءٌ وكان قميصُهُ غير مَخِيطٍ منسوجاً كلُّهُ من فوقُ، فقالوا فيما بينَهم: لا نشُقُّهُ لكن لنقترعْ عليهِ اقتراعاً لمن يكونُ. فتمَّ الكتابُ القائلُ: اقتسموا ثيابي بينَهم وعلى لباسي اقترعوا. هذا ما فعلهُ الجُند. وكانت واقفةً عند صليب يسوع أُمُّهُ وأُختُ أُمِّه ومريمُ التي لقليوفا ومريمُ المجدلية، فلمّا رأى يسوعُ أُمَّهُ والتِّلميذَ الذي كان يُحبُّهُ واقفاً قال لأُمّهِ: يا امرأةُ هذا ابنكِ، ثمّ قال لذلك التِّلميذ هذهْ أُمُّك ومن تلك السّاعةِ أخذها ذلك التّلميذُ عندَهُ. وبعد هذا علم يسوعُ أَنَّ كلَّ شيءٍ قد تَمَّ فلكي يتِمَّ الكتابُ قال أنا عطشانُ، وكان إناءٌ موضوعاً مملوءاً خلاًّ فملأُوا إسفنجةً من الخلِّ ووضعوها على زوفى وأدنوها من فيهِ، فلمّا أخذ يسوعُ ذلك الخلَّ قال: ها قد تمَّ وأَمال رأْسَهُ وأسلم روحَهُ، أمّا اليهودُ فلأَنَّها كانت الجمعة قالوا: لا تباتُ هذه الأجسادُ على صُلبانِها من أجلِ أنَّ السَّبْتَ مُصبحٍ لأنَّ يومَ ذلك السّبتِ كان عظيماً فطلبوا الى بيلاطُسَ أَن يكسِروا سيقانَ أولئك المصلوبين وينزِّلوهم، فجاءَ الجُندُ فكسَروا ساقيِ الأوَّلِ والآخرِ الذي صُلبَ معهُ، ولمّا جاءُوا الى يسوع رأوهُ قد ماتَ فلم يكسِروا ساقَيهِ، لكنَّ واحداً من الجندِ طعَنهُ بحربةٍ في جنبهِ فخرج للوقتِ دمٌ وماءٌ، ومَن عاين شَهِد وشهادتُهُ حقٌّ وهو يعلَمُ أنّهُ قال الحقَّ لتُؤمنوا أَنتم أيضاً. لأَن هذا كان ليتِمَّ الكتابُ الذي قال: لا يُكسَرُ فيه عَظمٌ، وايضاً الكتابُ الآخَرُ الذي قال: سينظرون الى الذي طعنوا، ثمّ إنَّ يوسفَ الذي من الرّامةِ سأل بيلاطُسَ، لأَنّهُ كان تلميذاً ليسوع وكان يُخفي ذلك خوفاً من اليهودِ، أن يأخُذَ جسدَ يسوع فأَذِن لهُ بيلاطُسُ فجاءَ وأخذَ جسدَ يسوع، وجاءَ ايضاً نيقادِموس الذي كان قد جاءَ من قبلُ الى يسوعَ ليلاً وحمَل معهُ حَنوط مُرٍّ وصَبرٍ نحوَ مئةِ رَطلٍ، فأخذا جسدَ يسوع ولفّاهُ في كَتّانٍ مع الأطيابِ كما هي عادةُ اليهودِ في دفنِهم، وكان في الموضعِ الذي صُلِبَ فيهِ يسوعُ بُستانٌ وفي البُستانِ قبرٌ جديدٌ لم يوضَعْ فيهِ أحدٌ بعدُ، فوضعا يسوعَ هناك لأنَّ السَّبْتَ أوشك أن يدخُلَ ولأنَّ القبرَ كان قريباً.
أفكار للتأمل والكرازة
موت يسوع على الصليب
الموت عريان على الصليب كان يعني لكل يهودي لعنة، لان المصلوب يعتبر متروكاً من قبل الله. العري يعني التجريد عن الهوية. يقول الكتاب: "ملعون كل من عُلق على خشبة" (تث 21: 23/ غلا 3: 13). هكذا كان يبدو ظاهريا موت يسوع امام عيون بعض اليهود في وقته: انه المتروك من قبل الله، ولهذا فانه ملعون.
في العهد القديم كانت لحظة تقديم الذبيحة تعني لحظة اللقاء مع الله، ولهذا فان موت يسوع على الصليب يتم تفسيره على اساس ذبيحة. من وجهة نظر تاريخية يبدو لاول وهلة غريب هذا التفسير: لا شيء يؤدي الى التفكير على ان موت يسوع ممكن ان يكون له بعد ذبائحي، لان الذبائح كانت تقدم في الهيكل، بينما موت يسوع ليس في الهيكل، والاكثر من ذلك لا يتم عن طريق كاهن كما كانت الذبائح تقدم من قبل كهنة. وكذلك فان موت شخص في العهد القديم لم يعتبر ابدا كانه ذبيحة. ولكن موت يسوع على الصليب يقدم على اساس دم العهد الجديد (1 قور 11: 25، لو 22: 20)، مع اشارة واضحة الى نص خر 24: 8 و ار 31: 31-34، ومن جهة اخرى فان موت يسوع يشير الى موت "واحد من اجل الجميع" في 2 قور 5: 14.
ان موت يسوع ياخذ مكان الليتورجيا العبرانية (عبر 9): لانها تفتتح فترة الخيمة الجديدة (عبر 9: 11) والتي سوف تاخذ مكان تلك الخيمة المعمولة في الصحراء (خر 25-30). وعلى نفس الخط ممكن تفسير معنى نص الرسالة الى رومية 3: 25 التي فيها يقدم يسوع "هيلاستريون"، الذي كان يشكل الجزء الاعلى لتابوت العهد الذي في يوم "كيبور" اي يوم الذبيحة السنوية، كان رئيس الكهنة يدخل ويرش دم الذبائح، لكي يمسح خطايا الشعب، مرة واحدة في السنة (لا 16: 16).
يعتبر فصح الخروج كاساس فصح يسوع، وهكذا فان مصطلح دم العهد يرتبط بنص خر 24: 8 بحيث ان دم الذبائح كان يبني العلاقة ما بين الله والانسان، تلك العلاقة التي كانت قد انتهت بخطيئة ادم، ولهذا فان دم الذبيحة كان يعوض ويمسح الخطيئة ويعيد العلاقة مع الله. كما ان المصطلح "الذي يراق" يرتبط بنصوص اللاويين في حالة ذبيحة الفداء (لا 4: 7-34). هكذا فان "الذي يراق لاجل الكل" يشير ايضا الى اش 53: 11-12.
موت يسوع يعوض نظام ذبائح الفداء في العهد القديم، تلك الذبيحة التي كان الغرض منها اعادة بناء العلاقة المفقودة مع الله، فكانت عاجزة عن ذلك. بينما موت يسوع يعيد هذه العلاقة ويصبح موت يسوع لحظة لقاء الانسان مع الله.
ولهذ ا فان يسوع على الصليب يختبر ايضا تلك اللحظة التي كان فيها الانسان بعيدا عن الله، بدون علاقة " الهي الهي لماذا تركتني". في اخر تجربة من تجارب يسوع في الصحراء يقول لوقا بان المجرب ابتعد عنه لكي يعود في الوقت المحدد (لو 4: 13) تلك اللحظة هي لحظة الالام والمعاناة. التجربة الاخيرة ليسوع هي تجربته مع الالم والمعاناة، هذه التجربة تاتي ايضا في صحراء الصليب حيث صمتُ الله يخيم على كل شيء، يسوع يشعر بوحدة قاتلة اقوى من وحدة الجوع التي شعر بها في البرية.
ساعة الالام هي ساعة الصمت. ولكن الاب لا يترك الابن وحيدا ولكنه يتركه كي يقرر هو بحريته. كل شيء يعتمد في تلك اللحظة على يسوع كي يعطي معنى لموته. انه ليس موت العبد، ولكن موت الابن. وحدة يسوع هي تلك الوحدة المتعلقة بحريته والتي يحترمها الاب كثيرا. بهذا الاطار فان كلمات يسوع في العشاء الاخير يكتمل معناها الحقيقي: "اخذ خبزا وبارك وقسمه واعطاه لتلاميذه قائلا: خذو كلو منه كلكم، هذا هو جسدي الذي يعطى للجميع "(متى 26: 26). تقسيم الخبز يرمز هنا الى موت يسوع على الصليب. صرخة يسوع على الصليب في اللحظة التي يشعر بها بصمت الله تشير الى صرخة العبد المتالم في اشعيا. انها لم تكن صرخة الانسان اليائس بل كانت صلاة يرفعها يسوع باسم كل المتالمين. هكذا فان صمت الله يتحول الى صرخة صلاة لكل متالم وموت يسوع على الصليب يتحول الى حياة جديدة تعطى لكل مؤمن من خلال الدم والماء الذي يجري من جنب المصلوب. هذا هو ينبوع الماء الحي، من يشرب منه لا بعطش ابدا، بل لا يموت ابدا لانه يشترك في موت يسوع الذي بموته انتصر على الموت وكسر قيود الظلام ليعطي الحياة الجديدة بنور جديد.
منقول
1اش 52: 13- 15؛ 53: 1-12
نبوة اشعيا:
هُوَذا عبدي يعمَلُ بالحَزْمِ ويتعالى ويرتفعُ ويتسامى جِدّاً، كما أنَّ كثيرين سيَدْهَشون منهُ هكذا يتشوَّهُ منظرُهُ أكثرَ من الانسان وصورتُهُ أكثرَ من بني البشر؟ هذا يُطَهِّرُ أُمماً كثيرةً وعليهِ يسُدُّ الملوكُ أفواهَهُم لأَنّهم رأوا ما لم يُخبَروا بهِ وفهموا ما لم يسمَعوا بهِ، من آمنَ بما سمِع مِنَّا ولِمَن أُعْلِنت ذِراعُ الربّ، نَبَتَ كفرخٍ قُدّامَهُ وكَجُرثُومةٍ من أرضٍ عَطْشى لم يكُنْ لهُ منظَرٌ ولا بهاءٌ وإِذْ رأيناهُ أنْ لا منظَرَ لهُ أنكَرْناهُ، مُهانٌ ومخذُولٌ مِنَ النّاس رجُلُ أوجاعٍ وخبيرٌ بالآلام. صَرَفْنا وُجُوهَنا عنهُ وازدريناهُ فلم نَعْبأ بهِ، يقيناً هو أخذ آلامنا، وأوجاعَنا هو حَملها ونحنُ حسِبناهُ معتوهاً ومضروباً من اللهِ ومُذَلَّلاً. هو يُقتَلُ لأجل خطايانا ويُذلَّل لأجل آثامنا تأديبُ سلامِنا عليهِ وبجراحِهِ نُشْفى، جميعُنا كالغَنَمِ ضَلَلْنا كلُّ واحدٍ مِنّا مال إلى جانبهِ فألقى الربُّ عليهِ خطايا جميعِنا تقدَّمَ وتذلَّلَ ولم يفتَحْ فاهُ كحمَلِ سيق إلى الذّبحِ وكنَعْجةٍ أمامَ الجَزّازِ كان صامِتاً ولم يفتَحْ فاهُ، من الحَبْسِ والقضاءِ أُخِذ وجيلَهُ من يَصِفُهُ لأَنّهُ انقطَع مِن أرضِ الأحياءِ ولأجلِ أَثمةِ شعبي دَنَوا إليهِ. أعطى المنافِقُ قبرَهُ والغنيُّ في موتِهِ على أنّهُ لم يصنَعْ إثماً وليس غِشٌّ في فمِهِ، والربُّ شاءَ ان يُواضِعَهُ ويؤَلّمِهُ. جعَل نفسَهُ ذبيحةَ إثمٍ ليرى ذُرِّيّةً وتطولَ أيَّامُهُ ومَرضاةُ الربِّ تنجحُ على يدِهِ، ومن عناءِ نفسِهِ يرى ويُشْبِعُ بالعِلْمِ ويبرّرُ الصدّيقين. هو عبدٌ لكثيرين وهو يحمِلُ خطاياهم، فلذلك أجعلُ لهُ نصيباً في كثيرين وللأعزّاءِ يَقسِمُ الغنيمةَ لأنه ألقى الى الموتِ نفسَهُ. ومع الأثمةِ أُحصي وهو حمَلَ خطايا كثيرين ولاقى الأثمَةَ.
القراءة الثانية
2 دانيال 9: 2- 27
نبوة دانيال:
وفيما أنا أُصلّي وأعترفُ بذنوبي وذنوبِ شعبي إسرائيلَ وأُلقي تضرُّعي أمامَ الربِّ الإله لأجلِ جبَلِ إلهي المقدَّس، وفيما أنا أتكلَّمُ بالصّلاةِ إذا بالرّجُلِ جبرائيلَ الذي رأيتُهُ في الرؤيا عند البِداءَةِ قد طار وجاءَ من السماءِ ولمَسني في وقتِ قُربانِ المساء، وجاءَ وكلَّمني وقال لي: يا دانيالُ إنّي خرجتُ الآنَ لأُعْلِمك فتفهَمَ، عندَ بِداءَةِ صلاتك خرجَ الكلامُ وأتيتُ أنا لأُخبِرَك لأنّك راغبٌ فتبَيَّنِ الكلامَ وافهمِ الرؤيا. إنّ سبعين أُسبوعاً ستنتهي على شعبِك وعلى مدينةِ قُدسِك لإفناءِ الذُّنوبِ وإزالة الخطايا ومغفرةِ الإثمِ والاتيانِ بالبِّرِ الأبديِّ واختتام الرُّؤيا والأنبياءِ والمسيحِ قُدسِ القديسين، فاعْلَمْ وافْهَم. إنّهُ من صُدورِ الكلمةِ بإعادةِ بناءِ أورشليم إلى مَجيْ المسيحِ الملِك سبعةُ أسابيعَ واثنان وسِتون أُسبوعاً. يعودُ فيبني أُورَشليمَ أسواقَها وساحاتِها إلى منتهى الأوقات، وبعدَ الاثنين والسِتين أُسبوعاً يٌُقتَلُ المسيحُ ولا يكونُ لها ومدينةُ القُدْسٍ تخرَبُ بالملكِ الآتي وعاقِبتُها بسَيْلٍ وإلى انقضاءِ القِتالِ يكونُ التَّخريبُ المَقضِيُّ، ويُثبِّتُ العهدَ لكثيرين في اسبوعٍ واحدٍ ونصفِ اسبوعٍ ويُبَطِّلُ الذّبيحةَ والقُربانَ وفي جناحيِ الرِّجْسِ الخرابُ إلى الفَناءِ المَقضيِّ تستقرُّ على الخرابِ.
العهد الجديد
القراءة الثالثة
3غل 2: 17- 21؛ 3: 1-14
من رسالة بولس الرسول الى اهل غلاطية:
فإن كُنّا ونحن طالِبون التّبرير بالمسيحِ قد وُجدِنا نحنُ أيضاً خَطَأةً أفيسوعُ المسيحُ إذن خادمٌ للخطيئةِ. حاشى، لأَنّي إن عُدتُّ أبني ما قد هَدَمتُ فقد أظهرتُ على نفسي أنّي متجاوزٌ الوصيّةَ، لأنّي بالنّاموسِ قد متُّ للنّاموسِ لكي أحيا لله، ومع المسيحِ صُلِبتُ ومِن ثَمَّ لستُ أنا حيّاً بلِ المسيحُ حيٌّ فيَّ. وما ليَ الآنَ من الحياةِ في الجسدِ إنَّما أنا حيٌ بهِ بإيمان ابنِ اللهِ الذي أحبَّني وبذل نفسَهُ لأجلي، ولستُ أجحدُ نعمةَ اللهِ لأنّه إن كان البِرُّ من النّاموسِ فالمسيحُ إذن ماتَ عبثاً، أيّها الغلاطيُّون النّاقِصو الرأي مَنِ الذي حَسَدَكم. فقد كان يسوعُ المسيحُ كأنهُ مصوَّرٌ تصويراً أمامَ عيونِكم مصلوباً، أُريدُ أن أعرِفَ منكم هذا فقط أمِن أعمال النّاموسِ أخذتمُ الرّوحَ أم مِن سَماعِ الإيمان، أهكذا أنتم جُهلاءُ. حتّى إنّكم بعدَ أنِ ابتدأتم بالرُّوحِ تُتِمِّون الآنَ بالجسد، أفاحتملتم كلَّ هذا عبثاً. ويا ليتَهُ كان عبثاً، والذي أعطاكم الرُّوحَ ويصنَعُ فيكم القوّاتِ أمِن أعمالِ الناموس أم مِن سَماعِ الإيمان، كما آمن إبراهيمُ بالله فحُسب لهُ ذلك براً، فاعلموا إذن أنَّ الّذين من الايمان أولئك هم أبناءُ إبراهيم، لأنّ اللهَ إذ سبَق فعرف أنَّ الشُّعوبَ تتبرَّر بالإيمان سبَق فبشَّر إبراهيمَ كما قالَ الكتابُ المقدَّسُ: أنْ بك تتباركُ جميعُ الشُّعوب. فالمؤمنون إذن هم المتبارِكون بإبراهيم المؤمن، لأنَّ الّذين من أعمالِ النّاموس هم تحتَ اللّعنةِ لأنّهُ مكتوبٌ: ملعونٌ كلُّ من لا يعملُ بجميعِ ما كُتِب في هذا النّاموس. أمّا أنّهُ لا يتبرَّرُ أحدٌ بالنّاموسِ عند اللهِ فظاهِرٌ لأنّهُ مكتوبٌ: إنّ البارَّ بالإيمان يحيا، وليس النّاموسُ من الإيمان ولكنَّ مَن يعملُ الأشياءَ المكتوبة فيهِ يحيا بها، أمّا نحنُ فالمسيحُ اشترانا من لعنةِ النّاموس وهو الذي صار لعنةً لأجلِنا لأَنّهُ مكتوبٌ: ملعونٌ كلُّ مَن يُعلَّقُ على خشبةٍ، لكي تكونَ بركةُ إبراهيمَ في الشُّعوبِ بيسوعَ المسيحِ وننالَ نحنُ موعِدَ الرُّوحِ بالإيمان.
القراءة الرابعة
مُجمَّع من إنجيل متى ولوقا ويوحنا
وكان الرّجال الذين قبَضوا على يسوعَ يهزأَون به وكانوا يُغطّونهُ ويَلطموهُ على وجههِ قائلين: تنبّأْ مَن الذي ضرَبَك، وأَشياءُ أُخر كثيرةٌ كانوا يقولونها عليهِ مجدِّفين، ولما كان النّهارُ اجتمع الشُّيوخُ ورؤساءُ الكهنةِ والكتبةُ وأَصعدوهُ الى مجمعِهم، وقالوا لهُ: إن كنت أنت المسيحَ فقُل لنا. قال لهم: إنْ قلتُ لكم لا تؤمنون بي، وإن سألتكم لا تُجيبوني ولا تُطلِقوني، فمِنَ الآنَ يكونُ ابنُ البشر جالساً عن يمينِ قُدرةِ الله، فقال جميعُهم: أفأنت إذن ابنُ الله. قال لهم يسوعُ: أنتم تقولون إنّي أنا هو، فقالوا: ما حاجتُنا الى شهودٍ لأنّنا قد سمِعنا من فمِهِ. فقام جَمعُهم كلُّهُ وجآوا بهِ الى بيلاطس، وشرَعوا يقرِّفونهُ قائلين: إنّا وجدنا هذا يُضِلُّ شعبَنا ويمنَعُ من أن نُعطيَ الجزْيَةَ لقيصر ويدَّعي أنّهُ هو المسيحُ الملكُ، فسألهُ بيلاطُسُ وقال لهُ: هل أنتَ ملكُ اليهود قال لهُ: أنتَ قُلتَ، فقال بيلاطُسُ لرؤساءَ الكهنةِ وللجمعِ: إني لم أجد علَّةً على هذا الرَّجُل. أمّا هم فكانوا يصرُخون قائلين: قد هيّج شعبَنا إذ يُعلِّمُ في اليهوديّةِ كلِّها مبتدئاً من الجليل الى ههنا، فلمّا سمِع بيلاطس اسمَ الجليل سأل هل الرَّجُلُ جليليٌّ. ولمّا علِم أنّهُ من ولايةِ هيرودس أرسلهُ الى هيرودس لأَنّهُ كان في أُورشليم في تلك الأيام، فلمّا رأى هيرودُسُ يسوعَ فرح جدّاً لأنهُ كان يشتهي أن يراهُ من زمانٍ طويل لسَماعهِ عنهُ أشياءَ كثيرةً وكان يرجو أن يرى منهُ آيةً ما، فسألهُ بكلامٍ كثير فلم يُجِبْهُ يسوعُ بشيءٍ. وكان رؤساءُ الكهنةِ والكتبةُ واقفين يقرّفونهُ بشدّة، فاحتقرهُ هيرودُسُ مع جنودهِ وألبَسَهُ ثياباً قرمزيّة مستهزئاً بهِ وأرسلهُ الى بيلاطس، وفي ذلك اليوم صار بيلاطُسُ وهيرودس صديقَين بعضُهما مع بعضٍ لأنهُ كان بينهما عاداوةٌ من قبل. ولمّا جلس الوالي على مِنبرهِ أرسَلت اليه امرأتُهُ قائلةً لهُ: إيّاك وذاك الصِّدّيق فإنّي قد توجّعتُ اليومَ كثيراً من أجلهِ في حُلمي. فدعا بيلاطُس رؤساءَ الكهنةِ وأراكنةَ الشّعبِ، وقال لهم: قدَّمتم اليَّ هذا الرَّجُلَ كأنّهُ يرُدُّ شعبَكم وها أنا قد فحصتُهُ أمامكم فلم أجِدْ علَّةً في هذا الرَّجُل من جميعِ ما تُقَرّفونهُ بهِ، ولا هيرودُسُ أيضاً لأني أرسلتهُ اليهِ وهوذا لم يَصْنَعْ شيئاً يستوجبُ الموتَ، فأنا أؤَدّبُهُ وأطلِقُهُ. لأنها كانت عادةٌ ان يُطلِقَ لهم واحداً في العيد، فصاح الجمعُ كُلُّهُ وقالوا: ارفَع هذا وأَطلِق لنا برأَبّا، ذاك الذي كان من أجل فتنةٍ وقتلٍ حَدث في المدينة قد أُلقي في السّجن. فكلّمهم بيلاطُس أيضاً وهو يُريد أن يُطلِقَ يسوع، أمّا هم فكانوا يصرخون قائلين اصلُبْهُ اصلُبْهُ، فقال لهم مرةً ثالثةً وأيَّ شرٍ صنع هذا إنّي لم أجِد فيهِ علَّةً تستوجبُ الموتَ فأنا أؤَدّبه وأُطْلِقُهُ، أمّا هم فكانوا يُلِّحون عليهِ بصوتٍ عالٍ ويسألونهُ أن يصلبوهُ واشتدّت اصواتُهم وأصواتُ رؤساءِ الكهنةِ. فلمّا رأى بيلاطُس أنّهُ لا ينتفعُ شيئاً بل يزدادُ الشَّغَبُ أخذ ماءً وغسَل يديهِ أمام الجمعِ وقال: إنّي بريٌّ من دمِ هذا الصّدّيق أنتم تعرِفون، فأجاب جميعُ الشَّعبِ وقالوا: دمُهُ علينا وعلى أولادنا. فأمر بيلاطُس أن تكونَ طلبتهُم، فأطلق لهم الذي طلبوهُ ذاك الذي كان من أجلِ فتنةٍ وقتلٍ قد أُلقي في السِّجنِ وأَسلم يسوعَ لإرادتهم. وفيما هم منطلقون بهِ أمسكوا سمعانَ القيروانّي الذي كان آتياً من الحَقْلِ وجعلوا عليهِ الصّليبَ ليحمِلَهُ خَلْفَ يسوع، وكان يتبعُهُ كثيرٌ من الشّعبِ والنساءِ اللواتي كُنَّ يندُبنَهُ وينُحن عليهِ، فالتَفتَ يسوعُ إليهنّ وقال: يا بناتِ أُورشليم لا تبكين عليَّ بل ابكِين على أنفُسِكُنَّ وعلى بنيكُنَّ، فها إنّها تأتي أيامٌ يُقالُ فيها: طوبى للعواقِر والبطونِ التي لم تلِدْ والثُّدِيِّ التي لم تُرضِعِ، حينئذٍ تبتدئون تقولون للجبالِ قَعي علينا وللإِكامِ غطّينا، فإن كانوا يصنعون هذا بالعودِ الرَّطبِ فماذا يكونُ باليابس. وكان آتياً معهُ اثنانِ آخرانِ عاملا شرٍّ ليُقتَلا، ولمّا جاءُوا الى الموضعِ المسمّى الجُمجُمة صلبوهُ هناك هو وذَينِك عاملَي الشّرّ أحدهما عن يمينِه والآخر عن يسارهِ، فقال يسوع: يا أبتاهُ اغفِرْ لهم لأَنَّهم لا يدرون ما يعملون. وأقتسموا ثيابَهُ واقترَعوا عليها، وكان الشّعبُ واقِفاً ينظرُ ويسخَرُ منهُ حتّى الأراكنةُ قائلين: قد خلَّص آخرين فليخلِّص نفسَهُ إن كان هو المسيحَ مختارَ الله. وكان الجندُ ايضاً يهزأُون بهِ وهم يتقدّمون اليهِ ويقدّمون لهُ خلاًّ، ويقولون لهُ: إن كنتَ أنتَ ملكَ اليهودِ فخلِّصْ نفسك، وكان ايضاً عُنوانٌ فوقَهُ مكتوباً بالحروفِ اليونانيّةِ والرّوميّةِ والعِبرانيّةِ: هذا هو ملكُ اليهود، وكان أحدُ ذَيْنَك العاملَي الشرّ المصلوبَين معهُ يجدّفُ عليهِ قائلاً: إن كنتَ المسيح فنجِّ نفسَك ونجّنا أيضاً فانتهرَهُ رفيقُهُ وقال لهُ: أَفلا تخشى اللهَ أيضاً إذ كنتَ انت أيضاً تحت هذا الحكمِ بعينهِ، أمّا نحنُ فعَدْلاً لأَنّا كما كنّا نستحقُّ وكما عمِلْنا جُوزينا أَمّا هذا فلم يصنَع شيئاً رديّاً، ثم قال ليسوع: اذكُرْني يا ربُّ متى جئتَ في ملكوتك، فقال لهُ يسوعُ: الحقَّ أقولُ لك إنّك اليومَ تكونُ معي في الفِرْدَوس. وكان نحو السّاعةِ السّادسةِ فحدَث ظلامٌ على الأرض كلِّها الى السّاعةِ التاسعة، والشّمسُ أظلَمتْ. وللوقتِ انشقَّ حجاب الهيكل الى اثنينِ من فوقُ الى اسفلُ والأرضُ تزلزلت والصُّخورُ تشقّقّت، والقبورُ تفتَّحت وكثيرٌ من أجسادِ القدّيسين الرّاقدين قاموا، وخرجوا ومن بعدِ قيامتهِ دخلوا المدينةَ المقدَّسة وترآءَوا لكثيرين، أمّا قائدُ المئةِ والذين كانوا معهُ يحرُسون يسوع فلمّا رأوا الزّلزَلةَ وما حدثَ خافوا جدّاً وقالوا: في الحقيقةِ كان هذا ابنُ الله. وأمّا الجُندُ فلمّا صلَبوا يسوع أخذوا ثيابَهُ وجعلوها أربعةَ أجزاءٍ لكلٍّ من الجُندِ جُزءٌ وكان قميصُهُ غير مَخِيطٍ منسوجاً كلُّهُ من فوقُ، فقالوا فيما بينَهم: لا نشُقُّهُ لكن لنقترعْ عليهِ اقتراعاً لمن يكونُ. فتمَّ الكتابُ القائلُ: اقتسموا ثيابي بينَهم وعلى لباسي اقترعوا. هذا ما فعلهُ الجُند. وكانت واقفةً عند صليب يسوع أُمُّهُ وأُختُ أُمِّه ومريمُ التي لقليوفا ومريمُ المجدلية، فلمّا رأى يسوعُ أُمَّهُ والتِّلميذَ الذي كان يُحبُّهُ واقفاً قال لأُمّهِ: يا امرأةُ هذا ابنكِ، ثمّ قال لذلك التِّلميذ هذهْ أُمُّك ومن تلك السّاعةِ أخذها ذلك التّلميذُ عندَهُ. وبعد هذا علم يسوعُ أَنَّ كلَّ شيءٍ قد تَمَّ فلكي يتِمَّ الكتابُ قال أنا عطشانُ، وكان إناءٌ موضوعاً مملوءاً خلاًّ فملأُوا إسفنجةً من الخلِّ ووضعوها على زوفى وأدنوها من فيهِ، فلمّا أخذ يسوعُ ذلك الخلَّ قال: ها قد تمَّ وأَمال رأْسَهُ وأسلم روحَهُ، أمّا اليهودُ فلأَنَّها كانت الجمعة قالوا: لا تباتُ هذه الأجسادُ على صُلبانِها من أجلِ أنَّ السَّبْتَ مُصبحٍ لأنَّ يومَ ذلك السّبتِ كان عظيماً فطلبوا الى بيلاطُسَ أَن يكسِروا سيقانَ أولئك المصلوبين وينزِّلوهم، فجاءَ الجُندُ فكسَروا ساقيِ الأوَّلِ والآخرِ الذي صُلبَ معهُ، ولمّا جاءُوا الى يسوع رأوهُ قد ماتَ فلم يكسِروا ساقَيهِ، لكنَّ واحداً من الجندِ طعَنهُ بحربةٍ في جنبهِ فخرج للوقتِ دمٌ وماءٌ، ومَن عاين شَهِد وشهادتُهُ حقٌّ وهو يعلَمُ أنّهُ قال الحقَّ لتُؤمنوا أَنتم أيضاً. لأَن هذا كان ليتِمَّ الكتابُ الذي قال: لا يُكسَرُ فيه عَظمٌ، وايضاً الكتابُ الآخَرُ الذي قال: سينظرون الى الذي طعنوا، ثمّ إنَّ يوسفَ الذي من الرّامةِ سأل بيلاطُسَ، لأَنّهُ كان تلميذاً ليسوع وكان يُخفي ذلك خوفاً من اليهودِ، أن يأخُذَ جسدَ يسوع فأَذِن لهُ بيلاطُسُ فجاءَ وأخذَ جسدَ يسوع، وجاءَ ايضاً نيقادِموس الذي كان قد جاءَ من قبلُ الى يسوعَ ليلاً وحمَل معهُ حَنوط مُرٍّ وصَبرٍ نحوَ مئةِ رَطلٍ، فأخذا جسدَ يسوع ولفّاهُ في كَتّانٍ مع الأطيابِ كما هي عادةُ اليهودِ في دفنِهم، وكان في الموضعِ الذي صُلِبَ فيهِ يسوعُ بُستانٌ وفي البُستانِ قبرٌ جديدٌ لم يوضَعْ فيهِ أحدٌ بعدُ، فوضعا يسوعَ هناك لأنَّ السَّبْتَ أوشك أن يدخُلَ ولأنَّ القبرَ كان قريباً.
أفكار للتأمل والكرازة
موت يسوع على الصليب
الموت عريان على الصليب كان يعني لكل يهودي لعنة، لان المصلوب يعتبر متروكاً من قبل الله. العري يعني التجريد عن الهوية. يقول الكتاب: "ملعون كل من عُلق على خشبة" (تث 21: 23/ غلا 3: 13). هكذا كان يبدو ظاهريا موت يسوع امام عيون بعض اليهود في وقته: انه المتروك من قبل الله، ولهذا فانه ملعون.
في العهد القديم كانت لحظة تقديم الذبيحة تعني لحظة اللقاء مع الله، ولهذا فان موت يسوع على الصليب يتم تفسيره على اساس ذبيحة. من وجهة نظر تاريخية يبدو لاول وهلة غريب هذا التفسير: لا شيء يؤدي الى التفكير على ان موت يسوع ممكن ان يكون له بعد ذبائحي، لان الذبائح كانت تقدم في الهيكل، بينما موت يسوع ليس في الهيكل، والاكثر من ذلك لا يتم عن طريق كاهن كما كانت الذبائح تقدم من قبل كهنة. وكذلك فان موت شخص في العهد القديم لم يعتبر ابدا كانه ذبيحة. ولكن موت يسوع على الصليب يقدم على اساس دم العهد الجديد (1 قور 11: 25، لو 22: 20)، مع اشارة واضحة الى نص خر 24: 8 و ار 31: 31-34، ومن جهة اخرى فان موت يسوع يشير الى موت "واحد من اجل الجميع" في 2 قور 5: 14.
ان موت يسوع ياخذ مكان الليتورجيا العبرانية (عبر 9): لانها تفتتح فترة الخيمة الجديدة (عبر 9: 11) والتي سوف تاخذ مكان تلك الخيمة المعمولة في الصحراء (خر 25-30). وعلى نفس الخط ممكن تفسير معنى نص الرسالة الى رومية 3: 25 التي فيها يقدم يسوع "هيلاستريون"، الذي كان يشكل الجزء الاعلى لتابوت العهد الذي في يوم "كيبور" اي يوم الذبيحة السنوية، كان رئيس الكهنة يدخل ويرش دم الذبائح، لكي يمسح خطايا الشعب، مرة واحدة في السنة (لا 16: 16).
يعتبر فصح الخروج كاساس فصح يسوع، وهكذا فان مصطلح دم العهد يرتبط بنص خر 24: 8 بحيث ان دم الذبائح كان يبني العلاقة ما بين الله والانسان، تلك العلاقة التي كانت قد انتهت بخطيئة ادم، ولهذا فان دم الذبيحة كان يعوض ويمسح الخطيئة ويعيد العلاقة مع الله. كما ان المصطلح "الذي يراق" يرتبط بنصوص اللاويين في حالة ذبيحة الفداء (لا 4: 7-34). هكذا فان "الذي يراق لاجل الكل" يشير ايضا الى اش 53: 11-12.
موت يسوع يعوض نظام ذبائح الفداء في العهد القديم، تلك الذبيحة التي كان الغرض منها اعادة بناء العلاقة المفقودة مع الله، فكانت عاجزة عن ذلك. بينما موت يسوع يعيد هذه العلاقة ويصبح موت يسوع لحظة لقاء الانسان مع الله.
ولهذ ا فان يسوع على الصليب يختبر ايضا تلك اللحظة التي كان فيها الانسان بعيدا عن الله، بدون علاقة " الهي الهي لماذا تركتني". في اخر تجربة من تجارب يسوع في الصحراء يقول لوقا بان المجرب ابتعد عنه لكي يعود في الوقت المحدد (لو 4: 13) تلك اللحظة هي لحظة الالام والمعاناة. التجربة الاخيرة ليسوع هي تجربته مع الالم والمعاناة، هذه التجربة تاتي ايضا في صحراء الصليب حيث صمتُ الله يخيم على كل شيء، يسوع يشعر بوحدة قاتلة اقوى من وحدة الجوع التي شعر بها في البرية.
ساعة الالام هي ساعة الصمت. ولكن الاب لا يترك الابن وحيدا ولكنه يتركه كي يقرر هو بحريته. كل شيء يعتمد في تلك اللحظة على يسوع كي يعطي معنى لموته. انه ليس موت العبد، ولكن موت الابن. وحدة يسوع هي تلك الوحدة المتعلقة بحريته والتي يحترمها الاب كثيرا. بهذا الاطار فان كلمات يسوع في العشاء الاخير يكتمل معناها الحقيقي: "اخذ خبزا وبارك وقسمه واعطاه لتلاميذه قائلا: خذو كلو منه كلكم، هذا هو جسدي الذي يعطى للجميع "(متى 26: 26). تقسيم الخبز يرمز هنا الى موت يسوع على الصليب. صرخة يسوع على الصليب في اللحظة التي يشعر بها بصمت الله تشير الى صرخة العبد المتالم في اشعيا. انها لم تكن صرخة الانسان اليائس بل كانت صلاة يرفعها يسوع باسم كل المتالمين. هكذا فان صمت الله يتحول الى صرخة صلاة لكل متالم وموت يسوع على الصليب يتحول الى حياة جديدة تعطى لكل مؤمن من خلال الدم والماء الذي يجري من جنب المصلوب. هذا هو ينبوع الماء الحي، من يشرب منه لا بعطش ابدا، بل لا يموت ابدا لانه يشترك في موت يسوع الذي بموته انتصر على الموت وكسر قيود الظلام ليعطي الحياة الجديدة بنور جديد.
منقول
Comment