مسيحيو سوريا والخوف من الطريق الى الديمقراطية
الجزء الأول
كتب الدكتور (منير محمد الغضبان)- وهو من التيار الإسلامي السوري المعارض في الخارج- مقالاً بعنوان ( يا مسيحيي سوريا لا تخافوا على مصيركم من الديمقراطية)، نشر في موقع أخبار الشرق بتاريخ 26-11 -2006، (المقال جاء رداً على مقال كتبته ونشر بتاريخ 22 أكتوبر الماضي في جريدة (إيلاف) الإلكترونية بعنوان ( مسيحيو سوريا والخوف على المصير) يمكن قراءته على الرابط www. elaphh. com/elaphwebform/showbanner. aspx?page=hon
بداية أود أن أشير بأنني لا أتحدث باسم الآشوريين أو المسيحيين السوريين وإنما كواحد منهم لديه هواجس وتوجسات مستقبلية، أعتقد بأن الكثير من الأوساط والشرائح الآشورية(سريان/كلدان) والمسيحية عامة في سوريا تشاركني هذه الهواجس. أما فيما كتبه الدكتور منير الغضبان تعقيباً على مقالي، وهو الباحث الإسلامي والأكاديمي، أدهشني جداً، بسبب ما وقع فيه من مغالطات سياسية وفكرية وقراءته الغير دقيقة، أو بالأحرى المؤدلجة، لما كتبته واجتزائه لبعض الأفكار والجمل وإخراجها من السياق العام للموضوع وتأويلها بطريقة تناقضت كلياً مع مقاصدي، لا بل أساءت الى الرسالة التي أردت إيصالها لمفكري السلطة والمعارضة معاً. لذا استوجب مقاله الرد لتوضيح الصورة والموقف كما أردتهما للقارئ الكريم لا كما أراد الباحث منير، الذي بدأ مقاله( واجدني مساقاً للجواب على كل المخاوف التي اثارها الكاتب- سليمان يوسف- حول قدوم المد الإسلامي وقيام الدولة الإسلامية في سوريا التي ستقضي على المسيحيين وتسلبهم حقوقهم مهما ادعى الإسلاميون غير ذلك. ولا يجد حلاً إلا الهجرة عن البلاد قبل قدوم هذا البعبع)). وهنا أعيد ما كتبته بالحرف حول المخاوف والموقف من الأصولية الإسلامية وأدعو القارئ للتدقيق فيه ومطابقته مع ما ذهب اليه الدكتور في تحليله وقراءته لما كتبته: ((... لأن المشروع النهائي للإسلام السياسي هو إقامة (الحكم والشرع الإسلامي) مهما حاول الادعاء غير ذلك وتطعيم خطابه بتعابير الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان. بالإضافة الى المخاوف السياسية العامة من وصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا، هناك مخاوف، (فوق سياسية)، تسود الشارع المسيحي. الخوف من فقدان الهامش المقبول للحريات الدينية والشخصية الذي نعمت بها سوريا طيلة الحقبة الماضية،...، هذه الأوضاع الخطيرة ستدفع بالمسيحيين في سوريا الى المزيد من الانكفاء والانطواء على الذات والتفكير بالهجرة لمن استطاع لها سبيلاً بحثاً عن حياة من غير قلق. كما قد تدفع بالبعض الى تأسيس أحزاب و(تنظيمات مسيحية) تحسباً لتطورات محتملة قد تشهدها سوريا وتكرار المشهد العراقي الأليم فيها)). فهل حقاً في هذا الكلام ما يشير أو يوحي بأن (الدولة الإسلامية)، إذا ما قامت في سوريا، ستقضي على المسيحيين، أو فيه دعوة، صريحة أو مبطنة، للمسيحيين ليهجروا البلاد؟. أم أنه كلام يعكس مخاوف حقيقية تسود قطاعات واسعة في الشارع السوري، ولا أقول فقط المسيحي، من الأصولية الإسلامية، لما تحمله في عقيدتها وايديولوجيتها من رفض لقيم الحداثة والعصرنة وعداء للديمقراطية الحقيقية والحريات الشخصية والدينية؟. وهل يوجد من يشكك بأن إذا ما حكمت سوريا من قبل الإسلاميين سترتفع وتيرة الهجرة من سوريا وبشكل أكثر في أوساط المسيحيين، خاصة وقد ارتبط اسم حركة (الأخوان المسلمين) في ذاكرة (الإنسان السوري) بالعنف والإرهاب الذي مارسته في الثمانينات من القرن الماضي؟. كما إن معظم أعمال العنف والقتل والإرهاب التي تمارس في هذه الأيام في جميع مجتمعات المنطقة والعالم تقوم بها مجموعات إسلامية. ثم أنني اشرت في مقالي المذكور الى احتمال أن تدفع، تطورات الحالة السورية وصعود الإسلاميين الى السلطة، ليس فقط الى الهجرة، وإنما الى بروز (أحزاب مسيحية) في سوريا، لكن السيد منير لم يعلق على هذا الخيار. ربما الدكتور معذور في عدم ملامسته أو معايشته لمخاوف الشارع السوري من الأصولية الإسلامية لأنه يعيش منذ سنوات طويلة منفياً خارج وطنه بعيداً عن الواقع السوري. جدير بالذكر في رمضان عام 2005 أودع مواطن سوري في جرمانا (ريف دمشق) السجن بسبب إفطاره علناً وأمام العامة، حصل هذا في ظل حكم حزب (البعث) الذي وضع منطلقاته النظرية مسترشداً بالماركسية اللينينية وجعل من سورية دولة (نصف علمانية) في بدايات حكمه، فكيف سيكون حال السوريين والمسيحيين لو حكمت البلاد من قبل الإسلاميين، خاصة من حيث الحريات الاجتماعية والدينية التي تميزت بها سوريا منذ نشأتها كدولة مستقلة في أربعينات القرن الماضي. أن رفضي لأي نظام أو حكم اسلامي في سوريا، قطعاً لا يعني بأنني متمسك بهذا النظام القائم في سوريا وحزبه (البعث) أو أنني من المدافعين عنه. وليطمئن الدكتور غضبان وغيره من الإسلاميين أن اقصر طريق لوصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا هو بقاء حزب البعث على راس السلطة(قائداً للدولة والمجتمع)، الذي بات أقرب الى الإسلام من العروبة، هذا ما أعتقده، ذلك بإقفاله باب التغيير الديمقراطي وتداول السلطة في البلاد، فقد ثبت أن (العروبة) هي الوجه الآخر (للإسلام) وهذا يفسر عزوف المسيحيين والليبراليين عن (الحركة القومية العربية) والعودة الى الأحزاب والحركات الوطنية. وقد بدأ النظام السوري يغازل الإسلاميين، وإن المعتدلين منهم، وركب حزبه (البعث) الموجة الإسلامية الصاعدة في المنطقة لقطع الطريق امام التيارات الإسلامية المتشددة وربما لاحتوائهم وكسبهم في مواجهته الراهنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، مما أعطى مد وقوة لـ(التيار الإسلامي) في المجتمع و داخل البعث الحاكم، الذي لن يتردد(التيار الإسلامي) بالانقلاب على النظام في اقرب فرصة سانحة تمكنه من ذلك مستفيداً من الضغوط الخارجية المتزايدة على النظام وتململ الشعب السوري بسبب سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية وتفشي ظاهرة الفساد في البلاد.
لقد أوحى الدكتور غضبان للقارئ بأنني أخشى الديمقراطية وأرفض التغير الديمقراطي في سوريا خوفاً من مجيء الإسلاميين الى السلطة وهو يرى بأن مثل هذه التوجهات والمواقف تخدم سياسات النظام وتبرر له رفضه للتغير الديمقراطي في البلاد والإمعان في الاستبداد، قطعاً أنا لا أخشى الديمقراطية الصحيحة حتى لو جاءت بالإسلاميين الى السلطة- وإن كنت استبعد هذا بسبب تركيبة وطبيعة المجتمع السوري- بالطبع لست مع ديمقراطية الأغلبية الطائفية فهذه ليست ديمقراطية وإنما إجهاض للديمقراطية الصحيحة التي تقوم على أغلبية سياسية تجمع وتضم من كل الطيف السوري. لكن مخاوفي قطعاً هي ليست من الديمقراطية السليمة، وإنما من الديمقراطية المشوهة أولاً، ومن الطريق الى الديمقراطية ثانياً، أو بالأحرى من (ثمن الديمقراطية). لا جدال ولا خلاف على أن لا ديمقراطية ولا حريات من دون ثمن، لكن في سوريا يخشى أن يكون الثمن باهظاً جداً الى درجة تفوق قدرة الشعب السوري على تحمله نظراً للخصوصية الشديدة للنظام القائم في سوريا، خاصة في هذه المناخات الطائفية والمذهبية المخيمة على المنطقة والتي بدأت تلقي بظلالها على المجتمع السوري الذي يتصف بالتعددية الدينية والمذهبية والقومية. إذ يخشى أن تكون دعوة، الإخوان المسلمين وجبهة الخلاص ومن غيرهم من قوى المعارضة في الخارج والداخل، الشعب السوري الى الاعتصام والنزول الى الشارع قفزة في المجهول تدخل البلاد في الفوضى. فمن المؤكد ان النظام لن يتخلى عن الحكم طواعية و لن يقدم سورية هدية على طبق من ذهب الى الإخوان المسلمين ولا إلى أي جهة أخرى تريد انتزاع السلطة منه. وقد رأى العالم في التاسع من شهر آذار الماضي كيف واجهت فرق المجموعات الطلابية البعثية المسلحة (الاعتصام الرمزي) السلمي، الذي دعت اليه قوى المعارضة المنضوية في (إعلان دمشق) وشاركت فيه احتجاجاً على استمرار قانون الطوارئ في البلاد، أمام أنظار كبار القضاة وضباط الشرطة في القصر العدلي بدمشق حيث أقيم الاعتصام، بالعصي والهراوات ودممت رؤوس البعض واعتقل البعض الآخر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقوة حفظ النظام، فكيف ستكون ردة فعل النظام على المعارضة فيما إذا تحركت لإسقاطه. أعتقد بان الدكتور منير يدرك جيداً بان النظام السوري لن يسقط ولن يتغير بتلاوة (الفاتحة) عبر الفضائيات من قبل قادة (الإخوان المسلمين) أو من قبل(جبهة الخلاص) من إحدى العواصم الأوربية حيث هم متواجدون، أو بنشر وتوزيع بيان أو (بلاغ سياسي) عبر الانترنيت من قوى (إعلان دمشق) الذي ثبت، بعد عام من انطلاقته، أن قوى المعارضة، لأسباب ذاتية وموضوعية، هي أعجز من أن تحرك (الشارع السوري) الذي أدخله النظام، عبر عقود من الاستبداد والقمع وتخويف الناس من السياسة ومن العمل في الشأن العام، أدخله في (سبات سياسي وثوري) لأجل غير مسمى، مما أصاب المعارضة الوطنية في سوريا بخيبة أمل كبيرة ودخلت في كآبة سياسية، لا يبدو أنها ستخرج منها على المدى المنظور، خاصة بعد أن فشلت، في تغيير النظام، حتى الآن، آلهة الأرض(أمريكا وحلفائها الغربيين)، مثلما فشلت من قبل آلهة السماء بـ(وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد). إذ كانت تتوقع، أو بالأحرى تتأمل، بعض الأطراف الداخلية والخارجية، أن تكون نهاية النظام السوري مع رحيل( الرئيس حافظ الأسد) مؤسس هذا النظام، لكن يبدو أنه (النظام) مازال قوياً ومتماسكاً، أو أنه أقوى الضعفاء، بحسب تعبير الصحفي السوري (شعبان عبود).
الجزء الأول
كتب الدكتور (منير محمد الغضبان)- وهو من التيار الإسلامي السوري المعارض في الخارج- مقالاً بعنوان ( يا مسيحيي سوريا لا تخافوا على مصيركم من الديمقراطية)، نشر في موقع أخبار الشرق بتاريخ 26-11 -2006، (المقال جاء رداً على مقال كتبته ونشر بتاريخ 22 أكتوبر الماضي في جريدة (إيلاف) الإلكترونية بعنوان ( مسيحيو سوريا والخوف على المصير) يمكن قراءته على الرابط www. elaphh. com/elaphwebform/showbanner. aspx?page=hon
بداية أود أن أشير بأنني لا أتحدث باسم الآشوريين أو المسيحيين السوريين وإنما كواحد منهم لديه هواجس وتوجسات مستقبلية، أعتقد بأن الكثير من الأوساط والشرائح الآشورية(سريان/كلدان) والمسيحية عامة في سوريا تشاركني هذه الهواجس. أما فيما كتبه الدكتور منير الغضبان تعقيباً على مقالي، وهو الباحث الإسلامي والأكاديمي، أدهشني جداً، بسبب ما وقع فيه من مغالطات سياسية وفكرية وقراءته الغير دقيقة، أو بالأحرى المؤدلجة، لما كتبته واجتزائه لبعض الأفكار والجمل وإخراجها من السياق العام للموضوع وتأويلها بطريقة تناقضت كلياً مع مقاصدي، لا بل أساءت الى الرسالة التي أردت إيصالها لمفكري السلطة والمعارضة معاً. لذا استوجب مقاله الرد لتوضيح الصورة والموقف كما أردتهما للقارئ الكريم لا كما أراد الباحث منير، الذي بدأ مقاله( واجدني مساقاً للجواب على كل المخاوف التي اثارها الكاتب- سليمان يوسف- حول قدوم المد الإسلامي وقيام الدولة الإسلامية في سوريا التي ستقضي على المسيحيين وتسلبهم حقوقهم مهما ادعى الإسلاميون غير ذلك. ولا يجد حلاً إلا الهجرة عن البلاد قبل قدوم هذا البعبع)). وهنا أعيد ما كتبته بالحرف حول المخاوف والموقف من الأصولية الإسلامية وأدعو القارئ للتدقيق فيه ومطابقته مع ما ذهب اليه الدكتور في تحليله وقراءته لما كتبته: ((... لأن المشروع النهائي للإسلام السياسي هو إقامة (الحكم والشرع الإسلامي) مهما حاول الادعاء غير ذلك وتطعيم خطابه بتعابير الديمقراطية ومفاهيم حقوق الإنسان. بالإضافة الى المخاوف السياسية العامة من وصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا، هناك مخاوف، (فوق سياسية)، تسود الشارع المسيحي. الخوف من فقدان الهامش المقبول للحريات الدينية والشخصية الذي نعمت بها سوريا طيلة الحقبة الماضية،...، هذه الأوضاع الخطيرة ستدفع بالمسيحيين في سوريا الى المزيد من الانكفاء والانطواء على الذات والتفكير بالهجرة لمن استطاع لها سبيلاً بحثاً عن حياة من غير قلق. كما قد تدفع بالبعض الى تأسيس أحزاب و(تنظيمات مسيحية) تحسباً لتطورات محتملة قد تشهدها سوريا وتكرار المشهد العراقي الأليم فيها)). فهل حقاً في هذا الكلام ما يشير أو يوحي بأن (الدولة الإسلامية)، إذا ما قامت في سوريا، ستقضي على المسيحيين، أو فيه دعوة، صريحة أو مبطنة، للمسيحيين ليهجروا البلاد؟. أم أنه كلام يعكس مخاوف حقيقية تسود قطاعات واسعة في الشارع السوري، ولا أقول فقط المسيحي، من الأصولية الإسلامية، لما تحمله في عقيدتها وايديولوجيتها من رفض لقيم الحداثة والعصرنة وعداء للديمقراطية الحقيقية والحريات الشخصية والدينية؟. وهل يوجد من يشكك بأن إذا ما حكمت سوريا من قبل الإسلاميين سترتفع وتيرة الهجرة من سوريا وبشكل أكثر في أوساط المسيحيين، خاصة وقد ارتبط اسم حركة (الأخوان المسلمين) في ذاكرة (الإنسان السوري) بالعنف والإرهاب الذي مارسته في الثمانينات من القرن الماضي؟. كما إن معظم أعمال العنف والقتل والإرهاب التي تمارس في هذه الأيام في جميع مجتمعات المنطقة والعالم تقوم بها مجموعات إسلامية. ثم أنني اشرت في مقالي المذكور الى احتمال أن تدفع، تطورات الحالة السورية وصعود الإسلاميين الى السلطة، ليس فقط الى الهجرة، وإنما الى بروز (أحزاب مسيحية) في سوريا، لكن السيد منير لم يعلق على هذا الخيار. ربما الدكتور معذور في عدم ملامسته أو معايشته لمخاوف الشارع السوري من الأصولية الإسلامية لأنه يعيش منذ سنوات طويلة منفياً خارج وطنه بعيداً عن الواقع السوري. جدير بالذكر في رمضان عام 2005 أودع مواطن سوري في جرمانا (ريف دمشق) السجن بسبب إفطاره علناً وأمام العامة، حصل هذا في ظل حكم حزب (البعث) الذي وضع منطلقاته النظرية مسترشداً بالماركسية اللينينية وجعل من سورية دولة (نصف علمانية) في بدايات حكمه، فكيف سيكون حال السوريين والمسيحيين لو حكمت البلاد من قبل الإسلاميين، خاصة من حيث الحريات الاجتماعية والدينية التي تميزت بها سوريا منذ نشأتها كدولة مستقلة في أربعينات القرن الماضي. أن رفضي لأي نظام أو حكم اسلامي في سوريا، قطعاً لا يعني بأنني متمسك بهذا النظام القائم في سوريا وحزبه (البعث) أو أنني من المدافعين عنه. وليطمئن الدكتور غضبان وغيره من الإسلاميين أن اقصر طريق لوصول الإسلاميين الى السلطة في سوريا هو بقاء حزب البعث على راس السلطة(قائداً للدولة والمجتمع)، الذي بات أقرب الى الإسلام من العروبة، هذا ما أعتقده، ذلك بإقفاله باب التغيير الديمقراطي وتداول السلطة في البلاد، فقد ثبت أن (العروبة) هي الوجه الآخر (للإسلام) وهذا يفسر عزوف المسيحيين والليبراليين عن (الحركة القومية العربية) والعودة الى الأحزاب والحركات الوطنية. وقد بدأ النظام السوري يغازل الإسلاميين، وإن المعتدلين منهم، وركب حزبه (البعث) الموجة الإسلامية الصاعدة في المنطقة لقطع الطريق امام التيارات الإسلامية المتشددة وربما لاحتوائهم وكسبهم في مواجهته الراهنة مع الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها الغربيين، مما أعطى مد وقوة لـ(التيار الإسلامي) في المجتمع و داخل البعث الحاكم، الذي لن يتردد(التيار الإسلامي) بالانقلاب على النظام في اقرب فرصة سانحة تمكنه من ذلك مستفيداً من الضغوط الخارجية المتزايدة على النظام وتململ الشعب السوري بسبب سوء الأوضاع السياسية والاقتصادية وتفشي ظاهرة الفساد في البلاد.
لقد أوحى الدكتور غضبان للقارئ بأنني أخشى الديمقراطية وأرفض التغير الديمقراطي في سوريا خوفاً من مجيء الإسلاميين الى السلطة وهو يرى بأن مثل هذه التوجهات والمواقف تخدم سياسات النظام وتبرر له رفضه للتغير الديمقراطي في البلاد والإمعان في الاستبداد، قطعاً أنا لا أخشى الديمقراطية الصحيحة حتى لو جاءت بالإسلاميين الى السلطة- وإن كنت استبعد هذا بسبب تركيبة وطبيعة المجتمع السوري- بالطبع لست مع ديمقراطية الأغلبية الطائفية فهذه ليست ديمقراطية وإنما إجهاض للديمقراطية الصحيحة التي تقوم على أغلبية سياسية تجمع وتضم من كل الطيف السوري. لكن مخاوفي قطعاً هي ليست من الديمقراطية السليمة، وإنما من الديمقراطية المشوهة أولاً، ومن الطريق الى الديمقراطية ثانياً، أو بالأحرى من (ثمن الديمقراطية). لا جدال ولا خلاف على أن لا ديمقراطية ولا حريات من دون ثمن، لكن في سوريا يخشى أن يكون الثمن باهظاً جداً الى درجة تفوق قدرة الشعب السوري على تحمله نظراً للخصوصية الشديدة للنظام القائم في سوريا، خاصة في هذه المناخات الطائفية والمذهبية المخيمة على المنطقة والتي بدأت تلقي بظلالها على المجتمع السوري الذي يتصف بالتعددية الدينية والمذهبية والقومية. إذ يخشى أن تكون دعوة، الإخوان المسلمين وجبهة الخلاص ومن غيرهم من قوى المعارضة في الخارج والداخل، الشعب السوري الى الاعتصام والنزول الى الشارع قفزة في المجهول تدخل البلاد في الفوضى. فمن المؤكد ان النظام لن يتخلى عن الحكم طواعية و لن يقدم سورية هدية على طبق من ذهب الى الإخوان المسلمين ولا إلى أي جهة أخرى تريد انتزاع السلطة منه. وقد رأى العالم في التاسع من شهر آذار الماضي كيف واجهت فرق المجموعات الطلابية البعثية المسلحة (الاعتصام الرمزي) السلمي، الذي دعت اليه قوى المعارضة المنضوية في (إعلان دمشق) وشاركت فيه احتجاجاً على استمرار قانون الطوارئ في البلاد، أمام أنظار كبار القضاة وضباط الشرطة في القصر العدلي بدمشق حيث أقيم الاعتصام، بالعصي والهراوات ودممت رؤوس البعض واعتقل البعض الآخر بالتنسيق مع الأجهزة الأمنية وقوة حفظ النظام، فكيف ستكون ردة فعل النظام على المعارضة فيما إذا تحركت لإسقاطه. أعتقد بان الدكتور منير يدرك جيداً بان النظام السوري لن يسقط ولن يتغير بتلاوة (الفاتحة) عبر الفضائيات من قبل قادة (الإخوان المسلمين) أو من قبل(جبهة الخلاص) من إحدى العواصم الأوربية حيث هم متواجدون، أو بنشر وتوزيع بيان أو (بلاغ سياسي) عبر الانترنيت من قوى (إعلان دمشق) الذي ثبت، بعد عام من انطلاقته، أن قوى المعارضة، لأسباب ذاتية وموضوعية، هي أعجز من أن تحرك (الشارع السوري) الذي أدخله النظام، عبر عقود من الاستبداد والقمع وتخويف الناس من السياسة ومن العمل في الشأن العام، أدخله في (سبات سياسي وثوري) لأجل غير مسمى، مما أصاب المعارضة الوطنية في سوريا بخيبة أمل كبيرة ودخلت في كآبة سياسية، لا يبدو أنها ستخرج منها على المدى المنظور، خاصة بعد أن فشلت، في تغيير النظام، حتى الآن، آلهة الأرض(أمريكا وحلفائها الغربيين)، مثلما فشلت من قبل آلهة السماء بـ(وفاة الرئيس الراحل حافظ الأسد). إذ كانت تتوقع، أو بالأحرى تتأمل، بعض الأطراف الداخلية والخارجية، أن تكون نهاية النظام السوري مع رحيل( الرئيس حافظ الأسد) مؤسس هذا النظام، لكن يبدو أنه (النظام) مازال قوياً ومتماسكاً، أو أنه أقوى الضعفاء، بحسب تعبير الصحفي السوري (شعبان عبود).
Comment