لعنة الصبيّ الباكي
ترى ما الذي يمكن أن يجذب الإنسان إلى هذه اللوحة؟ هل هو جمال الصبيّ؟ أم عيناه الدامعتان وملامحه الحزينة التي تستدرّ الرحمة والشفقة؟
هذه اللوحة تحوّلت مع مرور الأيّام إلى ما يشبه الأسطورة وأصبحت أكثر شهرة من الفنّان الذي رسمها والذي بقي اسمه إلى اليوم محلّ خلاف وجدل.
وجزء مهمّ من أسباب شهرة اللوحة يعود إلى حقيقة أنها أصبحت مرتبطة بقصص الفلكلور وبالثقافة الشعبية التي تميل إلى ربط بعض الصور بظواهر السحر والأشباح والحظ السيئ، إلى غير ذلك من الظواهر الميتافيزيقية والغامضة.
بداية القصّة تعود إلى العام 1985م الذي شهد اندلاع سلسلة من الحرائق المفاجئة والغامضة في بعض أرجاء بريطانيا. الأمر المحيّر هو انه بعد كلّ حادث حريق، يتبيّن أن الشيء الوحيد الذي لم تلتهمه النيران هو لوحة تصوّر صبيّا صغيرا دامع العينين.
هل يمكن أن تكون هذه مصادفة؟
في كلّ حالة من هذه الحالات، كانت النار تلتهم كلّ موجودات البيت باستثناء لوحة الصبيّ الباكي التي لم يظهر عليها أيّ علامة تدلّ على أنها تأثّرت بالحريق.
إحدى صحف التابلويد البريطانية بدأت تستقبل اتصالات هاتفية من العديد من الناس الذين كانوا ينقلون قصصا مماثلة. احد الأشخاص الذين اتصلوا بالجريدة كان سيّدة تدعى دورا مان وقد نُقل عنها قولها: بعد أن اشتريت اللوحة بستّة أشهر اندلعت النار في بيتنا ودمّرت كلّ شيء تماما عدا تلك اللوحة".
بعد أشهر من سماع كافّة الروايات، اقترحت الجريدة على قرّائها أن يأتوا إليها ويحضروا معهم لوحاتهم التي تحمل صورة الصبيّ. ثم وافقوا على إشعال حريق كبير يتخلّصون فيه من جميع تلك "اللوحات الملعونة" التي جلبت لهم الشؤم والنحس.
وبالفعل تمّ إحضار جميع اللوحات إلى الجريدة وأحرقت وسط ابتهاج وفرح الجميع. ومع ذلك، لم تنته القصّة عند هذا الحدّ. فقد ظهرت تقارير صحفية أخرى يعود آخرها إلى العام 1988 تشير إلى أن لوحة الصبيّ الباكي وُجدت في بيوت متفحّمة بينما اللوحة لم تُمسّ.
والى اليوم، لا احد يعرف على وجه التحديد من يكون الفنّان الذي رسم هذه اللوحات ولا من أين استقى فكرة رسم صبيّ يبكي. الشائعات كثيرة والقصّة ما تزال متداولة حتى الآن.
وقبل الإعلان في الصحافة عن ما اُسمي بلعنة الصبيّ الباكي، كانت اللوحة تتمتّع بشعبية كبيرة. وقد قيل انه بيع منها في بريطانيا وحدها حوالي ربع مليون نسخة كانت تحمل توقيع فنّان يُدعى جيوفاني براغولين.
بعض الصحف شعرت أن القصّة لها قدمان، أي أنها يمكن أن تصبح موضوعا لتغطية صحفية طويلة وجاذبة للقرّاء. لذا بعثت بعض مراسليها كي يبحثوا عن إجابة على السؤال الذي كان يشغل الجميع: ما سرّ هذه اللوحة وما حكاية الحرائق التي تثيرها؟
وأثناء ذلك تمّ الإبلاغ عن المزيد من ضحايا لعنة الصبيّ الباكي وتواترت روايات أخرى عن وجه ذلك الصبيّ الحزين الذي ظلّ يطلّ من بين أنقاض البيوت المتفحّمة دون أن يلحقه أيّ أذى.
وراجت نظريّة تقول إن الفنّان الذي رسم اللوحة الأصلية ربّما يكون أساء معاملة ذلك الصبيّ وأن اللعنة قد تكون انتقاما من الصبيّ ضدّ أولئك الذين جعلوا معلّمه، أي الرسّام، شخصا ثريّا.
لكن هذا بدوره أثار أسئلة أخرى تتعلّق بهويّة الصبيّ الباكي والرسّام جيوفاني براغولين.
احد الباحثين زعم أن محقّقا غامضا يدعى جورج مولروي اكتشف أن براغولين كان في الواقع رسّاما اسبانيا اسمه الحقيقي برونو اماديو وانه كان يستخدم أسماء مستعارة أخرى من بينها فرانكو سيفيل.
كما قيل إن مولروي استطاع أيضا جمع بعض الأجزاء المفقودة من القصّة..
في العام 1969م، وذات يوم مترب حارّ في مدريد، كان اماديو على وشك الانتهاء من رسم إحدى لوحاته عندما سمع في الشارع الواقع أسفل محترفه صوت نشيج متقطّع. وعندما نظر من الشرفة رأى صبيّا يرتدي أسمالا بالية وهو يجلس خارج حانة قريبة ويبكي. نادى الرسّام على الصبيّ وسأله عن المشكلة، فنظر إليه بصمت وكان ما يزال يبكي.
اماديو الذي أخذته الشفقة على الصبيّ اصطحبه إلى محترفه وأطعمه ثم رسم له بورتريها. وقد زاره الولد بعد ذلك مرارا ورسم له بورتريهات عديدة. وطوال تلك الزيارات لم يتوقّف الصبيّ عن البكاء كما لم يتفوّه بكلمة.
وبعد وقت قصير من لقائه الأوّل مع الصبيّ، زار الرسّام في بيته كاهن محلّي كان في حالة ارتباك واضح. كان الكاهن قد رأى الصورة التي رسمها الفنّان للصبيّ واخبره أن اسمه دون بونيللو وانه هرب ليهيم على وجهه في الشوارع بعد أن رأى والده يتفحّم حتى الموت عندما التهم حريق بيتهم. وقد نصح الكاهن الرسّام بأن لا يفعل المزيد من اجل الصبيّ لأنه أينما ذهب كانت النار تشبّ في إثره. ارتعب اماديو من حقيقة أن رجلا متديّنا ومن أهل الله ينصحه بأن يدير ظهره لصبيّ يتيم وضعيف. وفي النهاية تجاهل الرسّام نصيحة الكاهن وبادر إلى تبنّي الصبيّ بعد ذلك بوقت قصير.
وفي الأشهر التالية بيعت نسخ كثيرة من البورتريه على نطاق واسع في طول وعرض أوربّا وأصبح الرسّام ثريّا جدّا. ويقال إن الرسّام والصبيّ عاشا حياة مريحة بفضل نجاح اللوحة. واستمرّ كلّ شيء على ما يرام إلى أن عاد الرسّام إلى بيته ذات يوم ليفاجأ بأن بيته ومحترفه احترقا عن آخرهما وسُوّيا بالأرض. ونتيجة لذلك تدمّرت حياة الفنّان ثم لم تلبث أصابع الاتهام أن وُجّهت إلى الصبيّ بونيللو الذي اتّهمه الرسّام بإشعال حريق متعمّد في بيته. غير أن الصبيّ هرب من البيت ولم يره أحد بعد ذلك أبدا.
اماديو نفسه لم يسمع عن الصبيّ ثانية. لكن في احد الأيّام من عام 1976 تناقلت الأخبار نبأ حادث سيّارة رهيب وقع في احد ضواحي برشلونة. ويبدو أن السيّارة ارتطمت بجدار خرساني بينما كانت تسير بسرعة جنونية لتتحوّل إلى كرة من نار. وداخل الحطام احترقت جثّة السائق وتشوّهت لدرجة انه كان من الصعب التعرّف على هويّته.
غير انه أمكن استنقاذ جزء من رخصة قيادته التي كانت في حجرة القفّازات بالسيّارة. وتبيّن أن السائق كان شابّا يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وكان اسمه دون بونيللو.
وبعد مرور فترة قصيرة على الحادث تواترت تقارير صحفية عديدة عن حوادث اشتعال نار غريبة في العديد من أنحاء أوربّا.
المفارقة الغريبة هي انه لم يُعثر على أيّ سجلات في برشلونة تشير إلى موت شابّ باسم دون بونيللو في حادث سيّارة. كما لم يُعثر على أيّ سجلات عن فنّان احترق بيته باسم برونو اماديو أو جيوفاني براغولين أو حتى فرانكو سيفيل.
وحتى على افتراض وجود شخص باسم دون بونيللو وانه هو الموديل الذي استُخدم في رسم لوحة الصبيّ الباكي، فإن هذا لوحده لا يكفي للإجابة على أيّ من الأسئلة المتعلّقة باللعنة التي ارتبطت باللوحة.
ولا بدّ وأن الكثيرين لاحظوا أن البورتريهات المنسوبة لـ اماديو والتي صوّر فيها أطفالا يبكون هي لأطفال مختلفي الأعمار والملامح. ويمكن أن يكون بونيللو احدهم وقد لا يكون أيّا منهم. ويقال إن هناك ثمانا وعشرين صورة مختلفة وكلّها تحمل نفس الاسم، أي الصبيّ الباكي.
لكن هذا كلّه لم يؤثّر في شعبيّة القصّة. بل لقد انتشرت كألسنة اللهب مع بدايات القرن الحادي والعشرين بفضل انتشار ورواج الانترنت. وبدأت قصص الصبيّ الباكي في الظهور في عدد آخر من مناطق العالم البعيدة كالبرازيل واليابان.
وفي عام 2006 أسسّت مجموعة من الطلاب الهولنديين ناديا للمعجبين بالصبيّ الباكي. وكانت غايتهم جمع نسخ اللوحات الثمان والعشرين المعروفة ووضعها في موقع اليكتروني أنشئوه لهذه الغاية. لكن المحزن أن الموقع سرعان ما اختفى ولا أحد يعرف ما الذي حلّ بأصحابه. وثمّة احتمال بأنهم سينضمّون الآن إلى أسطورة اللعنة بالرغم من أنهم قد يكونون كبروا وعرفوا أن هناك في الحياة أشياء أخرى أكثر نفعا وجدوى.
ويقال اليوم إن السبب في نجاة اللوحات من حوادث الحريق له علاقة بطبيعة الموادّ التي كانت تُستخدم في صنعها. فقد جرت العادة على استنساخ اللوحات التي تُنتج عادة بأعداد ضخمة وذلك بطباعتها على أسطح قويّة تلبية لمتطلّبات وشروط المصنع. وفي حالة الصبيّ الباكي، كانت اللوحات تُصنع من ألواح مضغوطة وهي مادّة يتفق معظم خبراء الحرائق على صعوبة اشتعالها، مع أن ذلك ليس بالأمر المستحيل تماما.
إذن، أمكن إثبات أن الصور يمكن أن تحترق، لكن بصعوبة. وبالنتيجة، أصبح ممكنا تفسير وجود بعض الصور سليمة في مسرح الحريق. الجزء الوحيد من قصّة دون بونيللو وبرونو اماديو الذي يمكن التحقّق منه بشكل قاطع هو أن في اسبانيا مدينة اسمها مدريد وأخرى تُسمّى برشلونة.
وبناءً عليه، فإن الأثر الوحيد المتبقّي من قصّة الصبيّ الباكي لا يعدو كونه مجرّد كومة من رماد.
ترى ما الذي يمكن أن يجذب الإنسان إلى هذه اللوحة؟ هل هو جمال الصبيّ؟ أم عيناه الدامعتان وملامحه الحزينة التي تستدرّ الرحمة والشفقة؟
هذه اللوحة تحوّلت مع مرور الأيّام إلى ما يشبه الأسطورة وأصبحت أكثر شهرة من الفنّان الذي رسمها والذي بقي اسمه إلى اليوم محلّ خلاف وجدل.
وجزء مهمّ من أسباب شهرة اللوحة يعود إلى حقيقة أنها أصبحت مرتبطة بقصص الفلكلور وبالثقافة الشعبية التي تميل إلى ربط بعض الصور بظواهر السحر والأشباح والحظ السيئ، إلى غير ذلك من الظواهر الميتافيزيقية والغامضة.
بداية القصّة تعود إلى العام 1985م الذي شهد اندلاع سلسلة من الحرائق المفاجئة والغامضة في بعض أرجاء بريطانيا. الأمر المحيّر هو انه بعد كلّ حادث حريق، يتبيّن أن الشيء الوحيد الذي لم تلتهمه النيران هو لوحة تصوّر صبيّا صغيرا دامع العينين.
هل يمكن أن تكون هذه مصادفة؟
في كلّ حالة من هذه الحالات، كانت النار تلتهم كلّ موجودات البيت باستثناء لوحة الصبيّ الباكي التي لم يظهر عليها أيّ علامة تدلّ على أنها تأثّرت بالحريق.
إحدى صحف التابلويد البريطانية بدأت تستقبل اتصالات هاتفية من العديد من الناس الذين كانوا ينقلون قصصا مماثلة. احد الأشخاص الذين اتصلوا بالجريدة كان سيّدة تدعى دورا مان وقد نُقل عنها قولها: بعد أن اشتريت اللوحة بستّة أشهر اندلعت النار في بيتنا ودمّرت كلّ شيء تماما عدا تلك اللوحة".
بعد أشهر من سماع كافّة الروايات، اقترحت الجريدة على قرّائها أن يأتوا إليها ويحضروا معهم لوحاتهم التي تحمل صورة الصبيّ. ثم وافقوا على إشعال حريق كبير يتخلّصون فيه من جميع تلك "اللوحات الملعونة" التي جلبت لهم الشؤم والنحس.
وبالفعل تمّ إحضار جميع اللوحات إلى الجريدة وأحرقت وسط ابتهاج وفرح الجميع. ومع ذلك، لم تنته القصّة عند هذا الحدّ. فقد ظهرت تقارير صحفية أخرى يعود آخرها إلى العام 1988 تشير إلى أن لوحة الصبيّ الباكي وُجدت في بيوت متفحّمة بينما اللوحة لم تُمسّ.
والى اليوم، لا احد يعرف على وجه التحديد من يكون الفنّان الذي رسم هذه اللوحات ولا من أين استقى فكرة رسم صبيّ يبكي. الشائعات كثيرة والقصّة ما تزال متداولة حتى الآن.
وقبل الإعلان في الصحافة عن ما اُسمي بلعنة الصبيّ الباكي، كانت اللوحة تتمتّع بشعبية كبيرة. وقد قيل انه بيع منها في بريطانيا وحدها حوالي ربع مليون نسخة كانت تحمل توقيع فنّان يُدعى جيوفاني براغولين.
بعض الصحف شعرت أن القصّة لها قدمان، أي أنها يمكن أن تصبح موضوعا لتغطية صحفية طويلة وجاذبة للقرّاء. لذا بعثت بعض مراسليها كي يبحثوا عن إجابة على السؤال الذي كان يشغل الجميع: ما سرّ هذه اللوحة وما حكاية الحرائق التي تثيرها؟
وأثناء ذلك تمّ الإبلاغ عن المزيد من ضحايا لعنة الصبيّ الباكي وتواترت روايات أخرى عن وجه ذلك الصبيّ الحزين الذي ظلّ يطلّ من بين أنقاض البيوت المتفحّمة دون أن يلحقه أيّ أذى.
وراجت نظريّة تقول إن الفنّان الذي رسم اللوحة الأصلية ربّما يكون أساء معاملة ذلك الصبيّ وأن اللعنة قد تكون انتقاما من الصبيّ ضدّ أولئك الذين جعلوا معلّمه، أي الرسّام، شخصا ثريّا.
لكن هذا بدوره أثار أسئلة أخرى تتعلّق بهويّة الصبيّ الباكي والرسّام جيوفاني براغولين.
احد الباحثين زعم أن محقّقا غامضا يدعى جورج مولروي اكتشف أن براغولين كان في الواقع رسّاما اسبانيا اسمه الحقيقي برونو اماديو وانه كان يستخدم أسماء مستعارة أخرى من بينها فرانكو سيفيل.
كما قيل إن مولروي استطاع أيضا جمع بعض الأجزاء المفقودة من القصّة..
في العام 1969م، وذات يوم مترب حارّ في مدريد، كان اماديو على وشك الانتهاء من رسم إحدى لوحاته عندما سمع في الشارع الواقع أسفل محترفه صوت نشيج متقطّع. وعندما نظر من الشرفة رأى صبيّا يرتدي أسمالا بالية وهو يجلس خارج حانة قريبة ويبكي. نادى الرسّام على الصبيّ وسأله عن المشكلة، فنظر إليه بصمت وكان ما يزال يبكي.
اماديو الذي أخذته الشفقة على الصبيّ اصطحبه إلى محترفه وأطعمه ثم رسم له بورتريها. وقد زاره الولد بعد ذلك مرارا ورسم له بورتريهات عديدة. وطوال تلك الزيارات لم يتوقّف الصبيّ عن البكاء كما لم يتفوّه بكلمة.
وبعد وقت قصير من لقائه الأوّل مع الصبيّ، زار الرسّام في بيته كاهن محلّي كان في حالة ارتباك واضح. كان الكاهن قد رأى الصورة التي رسمها الفنّان للصبيّ واخبره أن اسمه دون بونيللو وانه هرب ليهيم على وجهه في الشوارع بعد أن رأى والده يتفحّم حتى الموت عندما التهم حريق بيتهم. وقد نصح الكاهن الرسّام بأن لا يفعل المزيد من اجل الصبيّ لأنه أينما ذهب كانت النار تشبّ في إثره. ارتعب اماديو من حقيقة أن رجلا متديّنا ومن أهل الله ينصحه بأن يدير ظهره لصبيّ يتيم وضعيف. وفي النهاية تجاهل الرسّام نصيحة الكاهن وبادر إلى تبنّي الصبيّ بعد ذلك بوقت قصير.
وفي الأشهر التالية بيعت نسخ كثيرة من البورتريه على نطاق واسع في طول وعرض أوربّا وأصبح الرسّام ثريّا جدّا. ويقال إن الرسّام والصبيّ عاشا حياة مريحة بفضل نجاح اللوحة. واستمرّ كلّ شيء على ما يرام إلى أن عاد الرسّام إلى بيته ذات يوم ليفاجأ بأن بيته ومحترفه احترقا عن آخرهما وسُوّيا بالأرض. ونتيجة لذلك تدمّرت حياة الفنّان ثم لم تلبث أصابع الاتهام أن وُجّهت إلى الصبيّ بونيللو الذي اتّهمه الرسّام بإشعال حريق متعمّد في بيته. غير أن الصبيّ هرب من البيت ولم يره أحد بعد ذلك أبدا.
اماديو نفسه لم يسمع عن الصبيّ ثانية. لكن في احد الأيّام من عام 1976 تناقلت الأخبار نبأ حادث سيّارة رهيب وقع في احد ضواحي برشلونة. ويبدو أن السيّارة ارتطمت بجدار خرساني بينما كانت تسير بسرعة جنونية لتتحوّل إلى كرة من نار. وداخل الحطام احترقت جثّة السائق وتشوّهت لدرجة انه كان من الصعب التعرّف على هويّته.
غير انه أمكن استنقاذ جزء من رخصة قيادته التي كانت في حجرة القفّازات بالسيّارة. وتبيّن أن السائق كان شابّا يبلغ من العمر تسعة عشر عاما وكان اسمه دون بونيللو.
وبعد مرور فترة قصيرة على الحادث تواترت تقارير صحفية عديدة عن حوادث اشتعال نار غريبة في العديد من أنحاء أوربّا.
المفارقة الغريبة هي انه لم يُعثر على أيّ سجلات في برشلونة تشير إلى موت شابّ باسم دون بونيللو في حادث سيّارة. كما لم يُعثر على أيّ سجلات عن فنّان احترق بيته باسم برونو اماديو أو جيوفاني براغولين أو حتى فرانكو سيفيل.
وحتى على افتراض وجود شخص باسم دون بونيللو وانه هو الموديل الذي استُخدم في رسم لوحة الصبيّ الباكي، فإن هذا لوحده لا يكفي للإجابة على أيّ من الأسئلة المتعلّقة باللعنة التي ارتبطت باللوحة.
ولا بدّ وأن الكثيرين لاحظوا أن البورتريهات المنسوبة لـ اماديو والتي صوّر فيها أطفالا يبكون هي لأطفال مختلفي الأعمار والملامح. ويمكن أن يكون بونيللو احدهم وقد لا يكون أيّا منهم. ويقال إن هناك ثمانا وعشرين صورة مختلفة وكلّها تحمل نفس الاسم، أي الصبيّ الباكي.
لكن هذا كلّه لم يؤثّر في شعبيّة القصّة. بل لقد انتشرت كألسنة اللهب مع بدايات القرن الحادي والعشرين بفضل انتشار ورواج الانترنت. وبدأت قصص الصبيّ الباكي في الظهور في عدد آخر من مناطق العالم البعيدة كالبرازيل واليابان.
وفي عام 2006 أسسّت مجموعة من الطلاب الهولنديين ناديا للمعجبين بالصبيّ الباكي. وكانت غايتهم جمع نسخ اللوحات الثمان والعشرين المعروفة ووضعها في موقع اليكتروني أنشئوه لهذه الغاية. لكن المحزن أن الموقع سرعان ما اختفى ولا أحد يعرف ما الذي حلّ بأصحابه. وثمّة احتمال بأنهم سينضمّون الآن إلى أسطورة اللعنة بالرغم من أنهم قد يكونون كبروا وعرفوا أن هناك في الحياة أشياء أخرى أكثر نفعا وجدوى.
ويقال اليوم إن السبب في نجاة اللوحات من حوادث الحريق له علاقة بطبيعة الموادّ التي كانت تُستخدم في صنعها. فقد جرت العادة على استنساخ اللوحات التي تُنتج عادة بأعداد ضخمة وذلك بطباعتها على أسطح قويّة تلبية لمتطلّبات وشروط المصنع. وفي حالة الصبيّ الباكي، كانت اللوحات تُصنع من ألواح مضغوطة وهي مادّة يتفق معظم خبراء الحرائق على صعوبة اشتعالها، مع أن ذلك ليس بالأمر المستحيل تماما.
إذن، أمكن إثبات أن الصور يمكن أن تحترق، لكن بصعوبة. وبالنتيجة، أصبح ممكنا تفسير وجود بعض الصور سليمة في مسرح الحريق. الجزء الوحيد من قصّة دون بونيللو وبرونو اماديو الذي يمكن التحقّق منه بشكل قاطع هو أن في اسبانيا مدينة اسمها مدريد وأخرى تُسمّى برشلونة.
وبناءً عليه، فإن الأثر الوحيد المتبقّي من قصّة الصبيّ الباكي لا يعدو كونه مجرّد كومة من رماد.
Comment