محتال أم راهب؟
ولد غريغوري يافيموفيتش راسبوتين في العاشر من يناير 1869 في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا، بعيدا عنصالونات العائلة الملكية البراقة في سان بطرسبرغ. وفي طفولته، ظهرت لدى راسبوتينرؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات الشفاء الخارقة، إذ كان باستطاعته مثلا أن يبرئحصانا بمجرد لمسه. لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين ( أي الفاجر) بسببعلاقاته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كانزوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقضوأصول الحياة العائلية التقليدية. وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحولفي حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التيلازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية ، رحلراسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء روسيا وخارجها. وخلال هذه الرحلاتلم يغتسل أو يبدل ملابسة لفترات بلغت عدة أشهر، وكان يرتدي قيودا حديدية زادت منالمعاناة. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل اثوس باليونان وساعدتهعلى اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل " هيرموجن، أسقف ساراتوي".
وأثناء فترةتجواله، أصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزعإلى الجلد والممارسات الجنسية. ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والأفعال الجنسيةغير الشرعية، وخاصة الفاضح منها، هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارساتراسبوتين الدينية فيما بعد. فلم تفارقه أبدا فكرة أن الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربامن الله إذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوح.
نفوذ وشهرة
ومثلما ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها إعجابالأرستقراطيين ورجال الدين، ازدادت أيضا قوة يصيرته. ففي إحدى المناسبات، ظهرت لهالسيدة مريم العذراء وحثته على الذهاب إلى سان بطرسبرغ لمساعدة العائلة الملكية. وفي عام آلف وتسعمائة واثنين كان أول تحرك لراسبوتين باتجاه العاصمة، حينما زارمدينة كازان الواقعة بالقرب من نهر فولجا. وبدأ سريعا في تكوين أكبر مجموعة منالحواريين والمعارف على مستوى الطبقات العليا. ولم يعوقه عن ذلك عيناهالمغناطيسيتان، ولحيته الطويلة القذرة،وشخصيته المشبوهة. إذ نظر"مجتمع موسكوالمهذب" إلى راسبوتين باعتباره "مرشدا روحيا" أو (رجلا مقدسا).
جاهزللجني
وبحلول عام آلف وتسعمائة وثلاثة وصل إلى سان بطرسبرغ كلاما عنقوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة، ونظرة مجنونة. وبدا أن راسبوتينكان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب،. وقد ساهم في ذلك أنالطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، و كانت عمليات تحضيرالأرواح أمرا مألوفا.
وفي عام آلف وتسعمائة وخمسة قابل راسبوتين عالم لاهوتكان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة، إلكسندرا فيودوروفونا. وقدم للبلاط من خلال تزكية مسئولي الكنيسة العليا وراهبتان سوداوتان الشعر – كانتاتعرفان باسم الغرابان- كانتا فعالتان بإمداد البلاط بالصوفيين. وكان للأسرة الملكيةالروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق ،خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.
حبيب ملكة روسيا
سجل القيصر نيقولا الثاني في مذكراته اللقاء الأول براسبوتين في الرابععشر من نوفمبر عام آلف وتسعمائة وخمسة، قائلا "تعرفنا على غريغوري، رجل الرب، منأبراشية توبولساك". وبنجاحه المعهود مع النساء، ترك راسبوتين انطباعا عميقا لدىالإمبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا. إذ اقتنعت تماما بقدراته حين استطاع بإعجاز أنيخفف من المعاناة والنزيف الذي أصاب أليكسيس نيكوليافبتش، وريث عرش روسيا المريضبسيلان الدم. ولم يمضي وقت طويل منذ أثبت راسبوتين قوته الخارقة للأكسندرا، حتىأصبح مستشارها الشخصي المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
حياة غير مقدسة
وبذيوع شهرة راسبوتين، نجح في جذبالمزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية. وقد تطوع هؤلاء " البلهاء" كما كانيطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمامجاذبيته.
تحت المراقبة
يزغ نجم الراهب راسبوتين في سانبطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه. إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكروالعربدة، وغالبا ما يكون بصحبة العاهرات. وحين علم مسؤولون سياسيون كبار بهذهالشائعات، كلفوا شرطة سرية بتعقبه.
تحالف الأعداء
وكان اثنينمن أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان أسقفساراتوف، على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان. وفي عام آلفوتسعمائة وإحدى عشر استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيامبمعجزاته وضرباه بصليب. وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولاقتله، ومن ثم تم نفي الرجلين. وفي السابع والعشرين من يونيو عام آلف وتسعمائةوأربعة عشر عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا. وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينماكان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف، تدعى شيونياجاسيايا، بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
الموت وإبليس
مدينة الشيطان
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفىمن الطعنات التي أوصى بها ليودور، كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحربالعالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسيأرواحهم. وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيدوالمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي علىقرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانتمنها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
نبؤته بالقتل
وفي ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشركتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول" إذاقتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي منأولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذهالحياة. صلي أرجوك، صلي، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".
وبعد ثلاثةوعشرين يوم فقط، قتل اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين. وبعد مرور تسعةعشر شهرا على مقتله، أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين. فقد تزامن معنبوءته أن حضر راسبوتين لمقابلة الأمير فيليكس يوسوبوي، الزوج لإيرينا ابنة أخالقيصر. وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين، شأنه شأن ابنا عم القيصر الغراندوق ديميرتيبافالويتش، والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش. وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتينوالحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
كعك وخمر
وفي ليلةالسادس عشر من ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر دعا يوسوبوي راسبوتين إلى قصرمويكا بحجة أن إيرينا التي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته. وبينما كان ينتظر ظهورها، قدم رجل لراسبوتين كعك وخمر مدسوس بهما سما مميتا. وقدأصيب المتآمر بالهلع لما بدا من حصانة راسبوتين ضد السم، ولم يستطع يوسوبوي السيطرةعلى نفسه فنزع مسدسه وأطلق النيران على راسبوتين. وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتينخارجا إلى ساحة القصر حيث كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فأطلقيرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، وضرباه بهراوة وقيداه قبل أن يلقيابجسده في نهر نيفا. وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عنوجود مياه في الرئتين أن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر. وكانتنهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا. فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته، أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام آلف وتسعمائةوسبعة عشر بأخر جيل من سلالة رومانوي. وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولةبإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا. وبعد حوالي قرن ما زال السؤالمطروحا، هل كان راسبوتين معجزة حقيقية، أم نصاب بارع؟ سواء كان فلاح غامض، أم شيطانفي جسد إنسان، فما زال إرث راسبوتين الأسود موجودا حتى الآن.
راسبوتين: حقائق
راسبوتين راهب روسي، " فاجر".
ألكسندرا كانت إحدى الحفيداتالمفضلات للملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، ابنة العم الثالثة للقيصر نيقولا. وكانت ألكسندرا واحدة من عدة حفيدات قضين بمرض سيلان الدم الذي توارث في العائلةووصل إلى الأبناء.
كان القيصران نيقولا الثاني ووليم قيصر ألمانيا، الذيحاربت ضده روسيا، أبناء عمومة.
دارت الشائعات بأن راسبوتين ووأكسندرافيدوريونا زوجة القيصر كانا قائدين للمجموعة المؤيدة لألمانيا وكانا يسعيان لسلاممنفصل مع قوى مركزية لمساعدة الناجين من الحكم الاستبدادي الروسي.
فيالسبعينيات قدمت فرقة البوني إم الشهيرة عملا كوميديا جمعت فيه مآثر راسبوتين، " نظر إليه معظم الناس من خلاله بخوف ورعب، ولكنه كان بالنسبة لأطفال موسكو، شخصامحبوبا".
تقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذيأصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثمتقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
تداول البعض حقيقة أنراسبوتين لم يتأثر بالسم الذي دسه له قتلته نتيجة التهاب مزمن في معدته، وهي حالةتنتج عن الإفراط في الشراب وربما تعني أن السم المدسوس لم يكن فتاكا.
تمالاحتفال بنبأ موت راسبوتين ونظر إلى القتلة على أنهم أبطال أنقذوا روسيا من نفوذألكساندرا الألمانية و الراهب المجنون راسبوتين.
نفي نيقولا قتلة راسبوتين،ومن العجب أن هذه العقوبة أنقذتهم في النهاية من السجن أو الاغتيال بأيديالبلشفيين.
قام الناس خلال ثورة فبراير عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بإخراججثة راسبوتين وحرقها
ولد غريغوري يافيموفيتش راسبوتين في العاشر من يناير 1869 في قرية بوكروفسكوي الريفية الواقعة في سيبريا، بعيدا عنصالونات العائلة الملكية البراقة في سان بطرسبرغ. وفي طفولته، ظهرت لدى راسبوتينرؤى مستمرة عن القوى الإلهية وقدرات الشفاء الخارقة، إذ كان باستطاعته مثلا أن يبرئحصانا بمجرد لمسه. لكنه اكتسب في فترة مراهقته اسم راسبوتين ( أي الفاجر) بسببعلاقاته الجنسية الفاضحة.
وحين بلغ راسبوتين الثلاثين من عمره كانزوجا وأبا لأربعة أطفال، إلا أن ولعه بالشراب وسرقة الجياد كان دائما ما يتناقضوأصول الحياة العائلية التقليدية. وكان حادث اتهامه ذات مرة بسرقة حصان نقطة تحولفي حياته، هرب على أثرها من القرية ولاذ بأحد الأديرة حيث اتخذ صفة الرهبانية التيلازمته بعد ذلك طيلة حياته.
ومع تأثره بتجاربه الروحانية ، رحلراسبوتين عن قريته ليصبح مسافرا جوالا في أنحاء روسيا وخارجها. وخلال هذه الرحلاتلم يغتسل أو يبدل ملابسة لفترات بلغت عدة أشهر، وكان يرتدي قيودا حديدية زادت منالمعاناة. وقد شملت هذه الرحلات الدينية الشاقة رحلة إلى جبل اثوس باليونان وساعدتهعلى اكتساب أنصار ذوي نفوذ مثل " هيرموجن، أسقف ساراتوي".
وأثناء فترةتجواله، أصبح راسبوتين تحت تأثير طائفة متطرفة غير شرعية تعرف باسم خاليستي، وتنزعإلى الجلد والممارسات الجنسية. ولعل سمة الجمع الشاذ بين الورع والأفعال الجنسيةغير الشرعية، وخاصة الفاضح منها، هي التي شكلت القاعدة التي ارتكزت عليها ممارساتراسبوتين الدينية فيما بعد. فلم تفارقه أبدا فكرة أن الفرد يمكن أن يصبح أكثر قربامن الله إذا ارتكب عمدا ذنبا شهوانيا ثم تاب توبة نصوح.
نفوذ وشهرة
ومثلما ذاع صيت راسبوتين، خلال جولاته التي استقطب فيها إعجابالأرستقراطيين ورجال الدين، ازدادت أيضا قوة يصيرته. ففي إحدى المناسبات، ظهرت لهالسيدة مريم العذراء وحثته على الذهاب إلى سان بطرسبرغ لمساعدة العائلة الملكية. وفي عام آلف وتسعمائة واثنين كان أول تحرك لراسبوتين باتجاه العاصمة، حينما زارمدينة كازان الواقعة بالقرب من نهر فولجا. وبدأ سريعا في تكوين أكبر مجموعة منالحواريين والمعارف على مستوى الطبقات العليا. ولم يعوقه عن ذلك عيناهالمغناطيسيتان، ولحيته الطويلة القذرة،وشخصيته المشبوهة. إذ نظر"مجتمع موسكوالمهذب" إلى راسبوتين باعتباره "مرشدا روحيا" أو (رجلا مقدسا).
جاهزللجني
وبحلول عام آلف وتسعمائة وثلاثة وصل إلى سان بطرسبرغ كلاما عنقوى صوفية قادمة من سيبريا ذات عيون وحشية مضيئة، ونظرة مجنونة. وبدا أن راسبوتينكان قد حدد موعدا لدخوله المجتمع الراقي في الوقت المناسب،. وقد ساهم في ذلك أنالطبقة الأرستقراطية كانت مولعة بمسائل السحر والتنجيم، و كانت عمليات تحضيرالأرواح أمرا مألوفا.
وفي عام آلف وتسعمائة وخمسة قابل راسبوتين عالم لاهوتكان يعمل رئيسا لأكاديمية دينية وكاهن اعتراف للإمبراطورة، إلكسندرا فيودوروفونا. وقدم للبلاط من خلال تزكية مسئولي الكنيسة العليا وراهبتان سوداوتان الشعر – كانتاتعرفان باسم الغرابان- كانتا فعالتان بإمداد البلاط بالصوفيين. وكان للأسرة الملكيةالروسية في الماضي تقليد استقبال الرجال المقدسين من أجل مناشدة تدخلهم بعدة طرق ،خاصة تلك التي تؤمن مولد ذكر يرث عرش روسيا.
حبيب ملكة روسيا
سجل القيصر نيقولا الثاني في مذكراته اللقاء الأول براسبوتين في الرابععشر من نوفمبر عام آلف وتسعمائة وخمسة، قائلا "تعرفنا على غريغوري، رجل الرب، منأبراشية توبولساك". وبنجاحه المعهود مع النساء، ترك راسبوتين انطباعا عميقا لدىالإمبراطورة ألكسندرا فيوديوروفونا. إذ اقتنعت تماما بقدراته حين استطاع بإعجاز أنيخفف من المعاناة والنزيف الذي أصاب أليكسيس نيكوليافبتش، وريث عرش روسيا المريضبسيلان الدم. ولم يمضي وقت طويل منذ أثبت راسبوتين قوته الخارقة للأكسندرا، حتىأصبح مستشارها الشخصي المؤتمن على أسرارها، يزورها في القصر في موعد أسبوعي محدد.
حياة غير مقدسة
وبذيوع شهرة راسبوتين، نجح في جذبالمزيد من الأنصار من جميع الطوائف الاجتماعية. وقد تطوع هؤلاء " البلهاء" كما كانيطلق عليهم "لارتكاب الخطيئة من أجل التطهر من آثامهم" مع رجل بدوا عاجزين أمامجاذبيته.
تحت المراقبة
يزغ نجم الراهب راسبوتين في سانبطرسبرغ، وبالمثل زاد عدد أعدائه. إذ رآه كثيرون خارج حدود البلاط يحيا حياة السكروالعربدة، وغالبا ما يكون بصحبة العاهرات. وحين علم مسؤولون سياسيون كبار بهذهالشائعات، كلفوا شرطة سرية بتعقبه.
تحالف الأعداء
وكان اثنينمن أنصار راسبوتين السابقين هما راهب يميني متعصب يدعى ليودور، وهيرموجان أسقفساراتوف، على اقتناع تام بأن راسبوتين ما هو إلا تجسيدا للشيطان. وفي عام آلفوتسعمائة وإحدى عشر استدرجاه إلى طابق سفلي حيث اتهماه باستخدام قوى الشيطان للقيامبمعجزاته وضرباه بصليب. وأبلغ راسبوتين الإمبراطورة بالواقعة وادعى أنهما حاولاقتله، ومن ثم تم نفي الرجلين. وفي السابع والعشرين من يونيو عام آلف وتسعمائةوأربعة عشر عاد راسبوتين إلى قريته في سيبريا. وفي اليوم التالي تلقى برقية، وبينماكان في طريقه لإرسال الرد هاجمته عاهرة سابقة مشوهة مجدوعة الأنف، تدعى شيونياجاسيايا، بوحشية مستخدمة سكينا، دفعها ليودور لقتل راسبوتين.
الموت وإبليس
مدينة الشيطان
وبينما كان راسبوتين يتعافى في المستشفىمن الطعنات التي أوصى بها ليودور، كان القيصر نيقولا يحشد قواته استعدادا للحربالعالمية الأولى، التي جلبت كارثة على وطنه، حيث فقد أكثر من أربع ملايين روسيأرواحهم. وبالعودة إلى سان بطرسبرغ ومع غياب القيصر، استطاع راسبوتين اكتساب المزيدوالمزيد من القوى السياسية، وساهم في تعيين وطرد الوزراء. وبنفوذه الطاغي علىقرارات القيصر السياسية، زاد اللوم الموجه للراهب السيبيري على المشاكل التي عانتمنها البلاد، حتى أن مدينة سان بطرسبرغ أصبحت تعرف باسم " مدينة إبليس".
نبؤته بالقتل
وفي ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشركتب راسبوتين خطابا للقيصر يتنبأ فيه بقتله. وعن قتلته المحتملين، كتب يقول" إذاقتلني أقاربك فلن يبقى أي فرد من عائلتك حيا لأكثر من عامين، وتستطيع أن تقول أي منأولادك أو أقاربك، فسوف يقتلهم الشعب الروسي.. سأُقتل، لم يعد لي وجود في هذهالحياة. صلي أرجوك، صلي، وكن قويا، وفكر في عائلتك المصونة".
وبعد ثلاثةوعشرين يوم فقط، قتل اثنان من أقارب القيصر نيقولا الثاني راسبوتين. وبعد مرور تسعةعشر شهرا على مقتله، أعدم قيصر روسيا وعائلته بأيدي الثوار البلشفيين. فقد تزامن معنبوءته أن حضر راسبوتين لمقابلة الأمير فيليكس يوسوبوي، الزوج لإيرينا ابنة أخالقيصر. وأراد يوسوبوي قتل راسبوتين، شأنه شأن ابنا عم القيصر الغراندوق ديميرتيبافالويتش، والسياسي فلاديمير بيرشيكفيتش. وتآمر الثلاثة معا على قتل راسبوتينوالحفاظ على سلالة العائلة المالكة.
كعك وخمر
وفي ليلةالسادس عشر من ديسمبر عام آلف وتسعمائة وستة عشر دعا يوسوبوي راسبوتين إلى قصرمويكا بحجة أن إيرينا التي يشاع عنها أنها أجمل امرأة في سان بطرسبرغ تريد مقابلته. وبينما كان ينتظر ظهورها، قدم رجل لراسبوتين كعك وخمر مدسوس بهما سما مميتا. وقدأصيب المتآمر بالهلع لما بدا من حصانة راسبوتين ضد السم، ولم يستطع يوسوبوي السيطرةعلى نفسه فنزع مسدسه وأطلق النيران على راسبوتين. وبصعوبة بالغة ترنح راسبوتينخارجا إلى ساحة القصر حيث كان بفالوفيتش وبيرشيكفيتش يستعدان للمغادرة، فأطلقيرشيكفيتش النيران ثانية على راسبوتين المترنح، وضرباه بهراوة وقيداه قبل أن يلقيابجسده في نهر نيفا. وعندما تم العثور على الجثة بعد يومين دل تشريحها الذي كشف عنوجود مياه في الرئتين أن راسبوتين كان ما زال حيا عندما ألقى به في النهر. وكانتنهاية راسبوتين علامة على بداية النهاية للقيصر نيقولا والإمبراطورة ألكساندرا. فبعد عشر أسابيع فقط من وفاته، أطاحت الثورة الروسية التي اندلعت عام آلف وتسعمائةوسبعة عشر بأخر جيل من سلالة رومانوي. وبعد مرور أقل من عامين قامت فرقة معزولةبإعدام القيصر نيقولا وعائلته بأكملها في سيبريا. وبعد حوالي قرن ما زال السؤالمطروحا، هل كان راسبوتين معجزة حقيقية، أم نصاب بارع؟ سواء كان فلاح غامض، أم شيطانفي جسد إنسان، فما زال إرث راسبوتين الأسود موجودا حتى الآن.
راسبوتين: حقائق
راسبوتين راهب روسي، " فاجر".
ألكسندرا كانت إحدى الحفيداتالمفضلات للملكة فيكتوريا ملكة بريطانيا العظمى، ابنة العم الثالثة للقيصر نيقولا. وكانت ألكسندرا واحدة من عدة حفيدات قضين بمرض سيلان الدم الذي توارث في العائلةووصل إلى الأبناء.
كان القيصران نيقولا الثاني ووليم قيصر ألمانيا، الذيحاربت ضده روسيا، أبناء عمومة.
دارت الشائعات بأن راسبوتين ووأكسندرافيدوريونا زوجة القيصر كانا قائدين للمجموعة المؤيدة لألمانيا وكانا يسعيان لسلاممنفصل مع قوى مركزية لمساعدة الناجين من الحكم الاستبدادي الروسي.
فيالسبعينيات قدمت فرقة البوني إم الشهيرة عملا كوميديا جمعت فيه مآثر راسبوتين، " نظر إليه معظم الناس من خلاله بخوف ورعب، ولكنه كان بالنسبة لأطفال موسكو، شخصامحبوبا".
تقول إحدى النظريات المتعلقة بقدرة راسبوتين على وقف النزيف الذيأصيب به أليكسيس، ابن القيصر، بأنه استخدم التنويم المغناطيسي لإبطاء النبض، ومن ثمتقليل القوة التي تدفع الدم إلى الدوران في جسده.
تداول البعض حقيقة أنراسبوتين لم يتأثر بالسم الذي دسه له قتلته نتيجة التهاب مزمن في معدته، وهي حالةتنتج عن الإفراط في الشراب وربما تعني أن السم المدسوس لم يكن فتاكا.
تمالاحتفال بنبأ موت راسبوتين ونظر إلى القتلة على أنهم أبطال أنقذوا روسيا من نفوذألكساندرا الألمانية و الراهب المجنون راسبوتين.
نفي نيقولا قتلة راسبوتين،ومن العجب أن هذه العقوبة أنقذتهم في النهاية من السجن أو الاغتيال بأيديالبلشفيين.
قام الناس خلال ثورة فبراير عام آلف وتسعمائة وسبعة عشر بإخراججثة راسبوتين وحرقها
Comment