سر البيلون الحلبي
كتب المرحوم الدكتور عبد الرحمن الكيالي مقالة في مجلة الحديث الحلبية تساءل فيها : هل كلمة ( بيلون) عربية أم سريانية ؟
و أجاب عن هذا التساؤل قائلا في مقالته :
سألني أحدهم عن كلمة ( بيلون) هل هي لفظة عربية أم أعجمية ، و إذا كانت عربية فلماذا لم يرد ذكرها في أمهات المعاجم اللغوية العربية كالصحاح و النهاية ، و القاموس ، و لسان العرب ، والمخصص و غيرها ؟
و إذا كانت أعجمية فإلى أي اللغات تنتسب ؟
و للإجابة على سؤاله وجدت من الضروري مراجعة المعان التاريخية ، و الجغرافية ، و الطبية ثم اللغوية و هذا ما وجدته و اعتقد أن فيه الجواب الكافي .
(( البيلون)) كلمة يستعملها الحلبيون كثيراً لأنها مادة لها استعمال أهلي في البيوت و في الحمامات وفي دكاكين العطارين ، و في دكاكين الكوايين و تدخل في تداوي بعض أمراض الجلد ، وهي غضارية ، لونها يميل إلى السمرة الحمراء ، و ملمسها ناعم ، و فيها خاصية الامتصاص للماء فتذوب فيه و تتحول إلى رسوب طيني ( قلوي التعامل) .
أما خواصه : فإن قطعة منه إذا ذوبت في الماء تطير طيناً ثم وضع جزء منه على بقع الزيت والسمن أو الدهن ، سواء أكان محل البقع صوفاً و قطناً أو حريراً أو كتاناً و ترك الطين حتى ينشف و ييبس ثم يفرك ترابه أزال آثار البقع المذكورة تماماً .
و علاوة على هذه الفائدة فإن النساء و الرجال يستعملون طينة في الحمام ، النساء لتنظيف شعورهن و تطرية أجسامهم ، وإزالة ما قد يصاب به الجلد من احمرار ، أو حكة ، أو بثور ، والرجال يستعملونه لتنظيف قشرة جلد الرأس و ترطيب البدن ، و تستعمله الحبالى أكلا نيئاً أثناء الوحام ، و بعض الأطفال يأكلونه أيضاً لسد حاجاتهم من المواد القلوية ، إذا أصيبوا بنقصها ، لضعف ناشئ عن وجود الديدان في أمعائهم .
و البيلون يشكل حجراً غضارياً ، طينياً ، من نوع الصلصال الثقيل الوزن ، و لكن لا يصلح لعمل الفخار ، و يستخرج من طبقة أرضية عميقة كثافتها لم تسبر ، وهي واقعة في قرب منطقة دير الجمال ونبل ، و كعشتار التابعة لقضاء إعزاز و تبعد عن حلب مقدار أربعين كيلو متراً .
و لخواصه الجلدية الكثيرة ، يتفنن الحلبيون في تصنيعه ، فيطحنون أحجاره دقا ناعماً و يجبلون ترابه بماء الورد و يضيفون إليه قشر الورد و الدريرة و يعجنونه و يعملون منه كعكات مستديرة و اسطوانية و ييبسونها و يعدونها للاستعمال .
ولتعطير الجسم و الشعر و ترطيبه تنقع الكعكة في الماء قبل ساعة حتى تذوب و يدهن بها البدن ويحشى شعر الرأس مدة ساعة أو ساعتين ثم تزال بالماء ، و يكون ذلك غالباً في الحمام و بعد أن يغسل البدن و الشعر بالصابون مرات عديدة .
و أما خواصه في الطبابة فلا يدخل في الطب الحديث ، ولكن بعض الكتب القديمة أشارت إلى استعماله في بعض أمراض الجلد كالانجريه ، و الاكزيما و البثور ، وفي الحصف المعدي .
فما أصل هذه الكلمة ؟
إن المعاجم اللغوية العربية لا تذكر عن لفظة ( بيلون) شيئاً ، و قد فتشت عنها بالقاموس و في لسان العرب ، و في المخصص ، و في النهاية ، و في الصحاح ، و في كتاب الأسماء المعربة فلم أجد من بحث عنها .
فمن أين جاءت ؟
ذُكر الشيخ محمود بن محمد البيلوني المتوفي 1150 وهو الواقف لحمام ( موغان) المعروفة بحمام البيلوني وله أوقاف كثيرة .
إذاً يتضح مما تقدم أن البيلوني و لفظة البيلون كانت معروفتين في عام 99 هـ ومن ذلك الحين حتى وقتنا الحاضر .
و يخطر على البال سؤال آخر وهو : أن البيلون موجود في طبقات ارض منذ أن تكونت هذه الطبقة الغضارية من أقدم العصور الجيولوجية ولا يعقل ، أن العرب لم يعرفوه بعد فتح مصر و سوريا والعراق .
فلماذا لم يرد لفظه في كتبهم اللغوية و لا كتبهم الأدبية مع العلم بأن الحمّام وجدت في صدر الإسلام ، و أيام بني أمية و أيام بني العباس ، وورد ذكرها في الكتب المذكورة و في الاخبار المنقولة ؟
وقد يكون أن لفظة ( بيلون) آتية من ( بلاّن) وهي الحمام و الكلمة سريانية الأصل .
وذكر الزبيدي في كتابه تاج العروس ان البلانات واحدها ( بلاّن) وهو الحمّام من ( بلّ) بزيادة الألف و النون لأنه قبيل بمائه أو بعرق من دخله .
و يقال دخلنا البلانات أي الحمامات . و البلان هو خادم الحمام أيضاً .
ثم أن الكلمة قد تكون تحورت و تحولت فأضيف إلى جذرها وهو ( البل ) الياء و الألف و الواو والنون فصارت ( بيلون) على وزن ( جيحون) وهو النهر المعروف و ( بيلون) وهو اسم الجبل في قضاء إعزاز و كلها سريانية .
و يثبت ذلك ما كتبه سيادة مطران الارثوذكس بحلب في رسالته المؤرخة ـا 15 أيلول عام 1958 إذ يقول :
( إن كلمة بيلون سريانية ، وقد تكون آتية من لفظة ( بالونو - Balano)
بمعنى حمام استعارها السريان من أصل إغريقي ،و جمعها بالاني Balannos أو بالاناس - Balanas) وقد تكون من تصحيف آبوللون – Apolon ( آبولون – الآلة الاغريقي المعلوم) .
وقد تأتي من كلمة ( بيت ابيلونا – Beth Abulune ) ومعناه بيت الناسك أو بيت الرهبان المتعبدين .
و في العربية (الابيل) وهي دخيلة من الارامية أصلها ( أبيلو - Abilo) ثم أضيفت إليها الواو و النون فصارت (أبيلون) للتصغير .
و على هذا التخريج الذي حوى الآراء المتعددة فإن لفظة ( بيلون) قد تكون آتية من اللفظة الآرامية ( ابيلوني) و حذفت منها الألف للخفيف فصارت بيلوني ، و قد تكون آتية من لفظة ( بالونو –Baluno) وهي الحمام أو من لفظة ( بلان) و هي الحمام أيضاً سميت بذلك لأنها من البل ، و قد تكون من لفظة ( بولوني - Bulune) أي الخواتيم المقدسة و ذلك مما يتفق مع اسم الطين المسمى خواتيم .
و قد يكون عرف بهذا الاسم قبل هذا التاريخ و لكن لم أعثر على مرجع لغوي ذكره .
و أنا مع رجال الاكليروس السرياني الارثوذكس بأن الكلمة أصلها سرياني صيغته و اشتقاقاً و العرب قد يكونوا عربوها من لفظة ( بلان) أو من لفظة (الابيل) أو من لفظة ( بل) .
و بين العربية والسريانية و الآرامية قرابة كبرى و توافق في الجذور الثلاثية و الضمائر و أسماء الإشارة وأسماء الأشهر ، و أسماء أعضاء البدن ، و كثير من الأسماء الدالة على البيت و متعلقاته و أسماء الحيوانات الأهلية و أسماء الأنهر و الجبال و بعض الأفعال كما هو معلوم لدى علماء اللغات السامية .
كتب المرحوم الدكتور عبد الرحمن الكيالي مقالة في مجلة الحديث الحلبية تساءل فيها : هل كلمة ( بيلون) عربية أم سريانية ؟
و أجاب عن هذا التساؤل قائلا في مقالته :
سألني أحدهم عن كلمة ( بيلون) هل هي لفظة عربية أم أعجمية ، و إذا كانت عربية فلماذا لم يرد ذكرها في أمهات المعاجم اللغوية العربية كالصحاح و النهاية ، و القاموس ، و لسان العرب ، والمخصص و غيرها ؟
و إذا كانت أعجمية فإلى أي اللغات تنتسب ؟
و للإجابة على سؤاله وجدت من الضروري مراجعة المعان التاريخية ، و الجغرافية ، و الطبية ثم اللغوية و هذا ما وجدته و اعتقد أن فيه الجواب الكافي .
(( البيلون)) كلمة يستعملها الحلبيون كثيراً لأنها مادة لها استعمال أهلي في البيوت و في الحمامات وفي دكاكين العطارين ، و في دكاكين الكوايين و تدخل في تداوي بعض أمراض الجلد ، وهي غضارية ، لونها يميل إلى السمرة الحمراء ، و ملمسها ناعم ، و فيها خاصية الامتصاص للماء فتذوب فيه و تتحول إلى رسوب طيني ( قلوي التعامل) .
أما خواصه : فإن قطعة منه إذا ذوبت في الماء تطير طيناً ثم وضع جزء منه على بقع الزيت والسمن أو الدهن ، سواء أكان محل البقع صوفاً و قطناً أو حريراً أو كتاناً و ترك الطين حتى ينشف و ييبس ثم يفرك ترابه أزال آثار البقع المذكورة تماماً .
و علاوة على هذه الفائدة فإن النساء و الرجال يستعملون طينة في الحمام ، النساء لتنظيف شعورهن و تطرية أجسامهم ، وإزالة ما قد يصاب به الجلد من احمرار ، أو حكة ، أو بثور ، والرجال يستعملونه لتنظيف قشرة جلد الرأس و ترطيب البدن ، و تستعمله الحبالى أكلا نيئاً أثناء الوحام ، و بعض الأطفال يأكلونه أيضاً لسد حاجاتهم من المواد القلوية ، إذا أصيبوا بنقصها ، لضعف ناشئ عن وجود الديدان في أمعائهم .
و البيلون يشكل حجراً غضارياً ، طينياً ، من نوع الصلصال الثقيل الوزن ، و لكن لا يصلح لعمل الفخار ، و يستخرج من طبقة أرضية عميقة كثافتها لم تسبر ، وهي واقعة في قرب منطقة دير الجمال ونبل ، و كعشتار التابعة لقضاء إعزاز و تبعد عن حلب مقدار أربعين كيلو متراً .
و لخواصه الجلدية الكثيرة ، يتفنن الحلبيون في تصنيعه ، فيطحنون أحجاره دقا ناعماً و يجبلون ترابه بماء الورد و يضيفون إليه قشر الورد و الدريرة و يعجنونه و يعملون منه كعكات مستديرة و اسطوانية و ييبسونها و يعدونها للاستعمال .
ولتعطير الجسم و الشعر و ترطيبه تنقع الكعكة في الماء قبل ساعة حتى تذوب و يدهن بها البدن ويحشى شعر الرأس مدة ساعة أو ساعتين ثم تزال بالماء ، و يكون ذلك غالباً في الحمام و بعد أن يغسل البدن و الشعر بالصابون مرات عديدة .
و أما خواصه في الطبابة فلا يدخل في الطب الحديث ، ولكن بعض الكتب القديمة أشارت إلى استعماله في بعض أمراض الجلد كالانجريه ، و الاكزيما و البثور ، وفي الحصف المعدي .
فما أصل هذه الكلمة ؟
إن المعاجم اللغوية العربية لا تذكر عن لفظة ( بيلون) شيئاً ، و قد فتشت عنها بالقاموس و في لسان العرب ، و في المخصص ، و في النهاية ، و في الصحاح ، و في كتاب الأسماء المعربة فلم أجد من بحث عنها .
فمن أين جاءت ؟
ذُكر الشيخ محمود بن محمد البيلوني المتوفي 1150 وهو الواقف لحمام ( موغان) المعروفة بحمام البيلوني وله أوقاف كثيرة .
إذاً يتضح مما تقدم أن البيلوني و لفظة البيلون كانت معروفتين في عام 99 هـ ومن ذلك الحين حتى وقتنا الحاضر .
و يخطر على البال سؤال آخر وهو : أن البيلون موجود في طبقات ارض منذ أن تكونت هذه الطبقة الغضارية من أقدم العصور الجيولوجية ولا يعقل ، أن العرب لم يعرفوه بعد فتح مصر و سوريا والعراق .
فلماذا لم يرد لفظه في كتبهم اللغوية و لا كتبهم الأدبية مع العلم بأن الحمّام وجدت في صدر الإسلام ، و أيام بني أمية و أيام بني العباس ، وورد ذكرها في الكتب المذكورة و في الاخبار المنقولة ؟
وقد يكون أن لفظة ( بيلون) آتية من ( بلاّن) وهي الحمام و الكلمة سريانية الأصل .
وذكر الزبيدي في كتابه تاج العروس ان البلانات واحدها ( بلاّن) وهو الحمّام من ( بلّ) بزيادة الألف و النون لأنه قبيل بمائه أو بعرق من دخله .
و يقال دخلنا البلانات أي الحمامات . و البلان هو خادم الحمام أيضاً .
ثم أن الكلمة قد تكون تحورت و تحولت فأضيف إلى جذرها وهو ( البل ) الياء و الألف و الواو والنون فصارت ( بيلون) على وزن ( جيحون) وهو النهر المعروف و ( بيلون) وهو اسم الجبل في قضاء إعزاز و كلها سريانية .
و يثبت ذلك ما كتبه سيادة مطران الارثوذكس بحلب في رسالته المؤرخة ـا 15 أيلول عام 1958 إذ يقول :
( إن كلمة بيلون سريانية ، وقد تكون آتية من لفظة ( بالونو - Balano)
بمعنى حمام استعارها السريان من أصل إغريقي ،و جمعها بالاني Balannos أو بالاناس - Balanas) وقد تكون من تصحيف آبوللون – Apolon ( آبولون – الآلة الاغريقي المعلوم) .
وقد تأتي من كلمة ( بيت ابيلونا – Beth Abulune ) ومعناه بيت الناسك أو بيت الرهبان المتعبدين .
و في العربية (الابيل) وهي دخيلة من الارامية أصلها ( أبيلو - Abilo) ثم أضيفت إليها الواو و النون فصارت (أبيلون) للتصغير .
و على هذا التخريج الذي حوى الآراء المتعددة فإن لفظة ( بيلون) قد تكون آتية من اللفظة الآرامية ( ابيلوني) و حذفت منها الألف للخفيف فصارت بيلوني ، و قد تكون آتية من لفظة ( بالونو –Baluno) وهي الحمام أو من لفظة ( بلان) و هي الحمام أيضاً سميت بذلك لأنها من البل ، و قد تكون من لفظة ( بولوني - Bulune) أي الخواتيم المقدسة و ذلك مما يتفق مع اسم الطين المسمى خواتيم .
و قد يكون عرف بهذا الاسم قبل هذا التاريخ و لكن لم أعثر على مرجع لغوي ذكره .
و أنا مع رجال الاكليروس السرياني الارثوذكس بأن الكلمة أصلها سرياني صيغته و اشتقاقاً و العرب قد يكونوا عربوها من لفظة ( بلان) أو من لفظة (الابيل) أو من لفظة ( بل) .
و بين العربية والسريانية و الآرامية قرابة كبرى و توافق في الجذور الثلاثية و الضمائر و أسماء الإشارة وأسماء الأشهر ، و أسماء أعضاء البدن ، و كثير من الأسماء الدالة على البيت و متعلقاته و أسماء الحيوانات الأهلية و أسماء الأنهر و الجبال و بعض الأفعال كما هو معلوم لدى علماء اللغات السامية .