أيقونة الفسق الملكي
في زمن الثورة الفرنسية، تحولت ماري أنطوانيت إلى أيقونة تجسّد فساد العهد البائد وانحلاله.
على مدى عقود من الزمن، تبارى الكتّاب والرسّامون والمغنّون في تصوير فسق الملكة وغطرستها، مما ساهم في تكريس هذه الصورة في الذاكرة الجماعية. في القرن العشرين، بدأ الفرنسيون ينظرون إلى العهد الملكي بنوع من التجرد، ووجدت ماري أنطوانيت من ينظر إليها بشكل حيادي.
في العام الماضي، عادت ماري أنطوانيت إلى الواجهة وكأن شعبها لم "يسأم" بعد من قصصها. ظهرت الملكة في شريط سينمائي يروي سيرتها بشكل جديد، وتزامن عرض هذا الفيلم مع صدور كتب عدة تبحث في "وجوهها" المختلفة.
من جهة أخرى، قدّم "مركز الوثائق الوطنية" معرضا أعاد فتح التحقيق الذي أوصل ماري أنطوانيت إلى المقصلة، بينما أحيا قصر فرساي ذكرى ملكته في معرض عنوانه "ماري أنطوانيت، امرأة حقيقية، امرأة أسطورية".
بدوره، يفتح "القصر الكبير" اليوم أبوابه للملكة في معرض كبير يستمر حتى نهاية شهر حزيران (2008).
هي ماريا أنطونيا جوزيفا يوهانا فون هايسبورغ لوتريغن. والدها ملك اللورين فرنسوا الأول. والدتها امبراطورة النمسا ماريا تيريزا. وُلدت في عام 1755 ونشأت بين قصر هولفبورغ وقصر شونبرون مع إخوتها الخمسة عشر، وأُرسلت في عام 1770 إلى فرنسا كي تقترن بأمير فرنسا، وكان الغرض من هذا الزفاف المدبّر تمتين العلاقات بين السلطتين الفرنسية والنمسوية.
بحسب أخبار أهل التاريخ، لم تكن الأميرة تجيد الفرنسية يوم قدمت من فيينّا، وقيل إنها كانت تتحدث باللغة الألمانية بشكل سيئ. تلقّت الأميرة آداب السلوك الملكي على يد فريق من المعلّمين، ووجت نفسها ملكة وهي لم تزل صبية، وعُرفت باسم ماري أنطوانيت.
كانت في الرابعة عشرة حين عُقد قرانها، وكان عريسها يُكبرها ببضعة أشهر.
بعد أربع سنوات، توفي الملك لويس الخامس عشر، فخلفه لويس السادس عشر، وتُوّجت ماري أنطوانيت ملكة فرنسا ونافار وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
ظلّت الملكة "غريبة" في أعين الفرنسيين، وظهرت الأغاني المعادية لها بسرعة في باريس، ووصل مسمعها إلى فرساي، غير أن الملكة لم تأبه لها.
تمرّدت ماري أنطوانيت على العادات الملكية الفرنسية، وأحاطت نفسها بحلقة من المقرّبين غير مكترثة بانتقادات أهل القصر، وعاشت على سجيّتها، وسحرت بنزقها قلوب حاشيتها.
الشباب الدائم
يؤرخ معرض "القصر الكبير" تلك الحقبة من تاريخ الملكة عبر مجموعة كبيرة من اللوحات الزيتية التي تصوّرها في أحلى ثيابها.
في الثانية عشرة من عمرها، تبدو دوقة النمسا الكبرى صبية جميلة تواجه الناظر إليها وهي تلقي ذراعها على أريكة أرجوانية فاخرة، وفي الرابعة عشرة، تظهر أميرة المجر وبوهيميا الملكية في صورة شقراء يافعة تعقد حول عنقها "بابيّوناً" فيروزياً بلون فستانها يكشف عن أعلى صدرها. نتعرّف الى الملكة في قصرها عبر زيتيات عدة تحمل توقيع الرسامة إليزابيت لويز فيجيه لو بران، وتقابل هذه اللوحات مجموعة من التماثيل أشهرها تلك التي نحتها لوي سيمون بوازو.
تبدو هذه الأعمال أشبه بعرض أزياء تقوم به عارضة واحدة.
تتجلى عبادة الذات في هذه الحلقة المتسلسلة من اللوحات والمنحوتات التي تحتل جدران قاعات "القصر الكبير".
تقف ماري أنطوانيت وهي تمسك بوردة، ثم تجلس بفستانها الفضفاض وهي تلقي بيمناها فوق كرة دائرية تمثّل العالم.
في القسم الأكبر من هذه الزيتيات الأكاديمية بامتياز، يظهر الأثاث الملكي في أدق تفاصيله في محيط اللوحة. في عرض موازٍ، تحضر قطع من الأثاث الملكي إلى جانب هذه الزيتيات، وكأنها تقارب بين الصور والمثال المادي الذي شكّل أساسا لها. تشهد هذه القطع المختلفة لتاريخ صاحبتها التي أدمنت الرفاه والبذخ والدلال، والمعروف أن ماري أنطوانيت لم ترع الفنون "الكبرى" في حياتها، غير أنها كانت من أكبر مشجعي الصناعات التزيينية في زمنها، وكان لها ذائقة مميزة في هذا الميدان، حتى أن أسلوب بعض الأثاث الفاخر يُعرَف اليوم باسمها.
وقد سحر هذا الأسلوب أغنياء عصرها، كما سحر بورجوازيي الشرق منذ القرن التاسع عشر، على رغم التحوّل الكبير الذي عرفته الذائقة الغربية في تلك الفترة.
ويمكن القول من دون مبالغة إن هذا النوع من الأثاث عاش في الشرق بعد موته في أرض منشئه، وهو بلغة نقّاد العصر الحديث أسلوب ثقيل متكلّف يخلو من أي روحانية شفافة.
عاشت ماري أنطوانيت على سجيتها، وكان لها مزرعة خاصة في منطقة هامو حيث عمدت الى إقامة الحفلات الخاصة بعيدا عن رقابة أهل القصر. راجت الأقاويل التي تحكي عن عشّاقها، وأشهر هؤلاء العشاق الكونت آرتوا شارل العاشر، شقيق زوجها، والكونت الأسوجي هانس آكسيل دو فارسين، وقيل إن الكونتيسة يولاند دو بولينياك كانت عشيقتها. شكلت هذه الحكايات مادة لمجموعة من القصص الخلاعية انتشرت سرياً في ما بعد، مما جعل ماري أنطوانيت بطلة لسلسلة بورنوغرافية طويلة يعرفها إلى اليوم هواة هذا النوع من "الأدب".
نتعرف الى الملكة الأم في لوحات تمثلها برفقة أطفالها في القصر كما في النزهات والرحلات. تحافظ الملكة على شبابها في اللوحات التي مع أطفالها، وليس في ذلك أيّ خدعة لدى الرسّامين الذين صوّروها، فقد أنجبت ماري أنطوانيت أولادها الأربعة بين 1778 و1787.
هي في هذه الصور سيدة شقراء لها عينان زرقاوان تميلان إلى شيء من الجحوظ ووجنتان بلون الورد. وجهها بيضوي يتميّز بجبهته العريضة، وشعرها مرفوع إلى الأعلى في تسريحات مختلفة. كما في أيام صباها، تحضر ملكة فرنسا النمسوية في فساتين مطرّزة بالريش والشرائط والأحجار الكريمة. لم تغيّر ماري أنطوانيت من أسلوبها في الحياة بعدما أصبحت أماً، وأدمنت الإسراف والترف من دون قيد،
وقد انتشرت أخبارها في الوسط العام مع اندلاع ما يُعرف بـ"قضية العقد" حيث طالب أحد كبار صنّاع المجوهرات ملك فرنسا بمبلغ مليون ونصف مليون ليرة ثمنا لعقد ماسي اشترته منه ماري أنطوانيت.
بُرّئت الملكة، واتضح أن أصل هذه القضية مؤامرة دُبّرت على غفلة منها، إلا أن ماري أنطوانيت بقيت مُدانة من شعبها، وشاعت في الأسواق رواية هزلية بعنوان "غراميات شارلو وطاونيت" تتعرض لحياة القصر بأسماء مستعارة.
زمن الثورة
لم تحلم ماري أنطوانيت بالسلطة، ولم يكن لها مشاركة فعلية في الحكم، بخلاف غالبية زوجات الملوك في ذلك الزمن.
أسرفت سيدة القصور في البذخ بينما كانت خزانة الدولة تعاني الإفلاس بعد سلسلة الحروب المتواصلة من القرن السابع عشر إلى القرن الثامن عشر.
ساهم قصور النظام الضريبي في إفقار الدولة والشعب، وبدأت الرأسمالية الحديثة تتهيأ لضرب السلطة الملكية الإقطاعية. عصفت الثورة الفرنسية بالأسرة الحاكمة في عام 1789 بعد تظاهرات هائجة عمّت باريس تنادي بـ"الحرية والمساواة والإخاء".
تقول الرواية الشائعة إن ماري انطوانيت سألت عن سبب هذه التظاهرات، وعندما قيل لها بأن الجماهير تطلب الخبز المفقود من الأسواق، أجابت: "ما عليهم سوى أن يأكلوا البسكويت". اقتيد لويس السادس عشر مع عائلته إلى الأسر، وجرى إعدامه في عام 1793.
عُزلت زوجته بعيدا عن أولادها في انتظار محاكمتها.
في الثالث من شهر تشرين الأول، اتُّهمت ماري أنطوانيت بـ"امتصاص دم الشعب الفرنسي منذ وصولها إلى فرنسا"، وبأنها أصل البلاء الذي ينهك البلاد منذ أربع سنوات.
إثر صدور الحكم عليها بالإعدام، اقتيدت الملكة المخلوعة في عربة مكشوفة في شوارع باريس حيث رمتها العامة بكل ما يقع تحت يدها، ونُفِّذ فيها الحكم بعد مرور تسعة أشهر على إعدام زوجها.
يقدّم "القصر الكبير" رسوما عدة تصوّر مشهد محاكمة الملكة المخلوعة.
تتجرد ماري أنطوانيت من زينتها وتظهر في هيئة إمرأة معدمة زائغة النظر تقف في ثوب بال في جلسة المحاكمة.
تشكل الرسوم في تسلسل الأحداث التي تنقلها ما يشبه الشريط المصوّر. تظهر مرةً في سجنها الانفرادي في مبنى "الكونسجيري"، ثم تظهر مرةً أخرى وهي تواجه وحيدةً الحكم الصادر في حقها. نراها مقيّدة اليدين في رسم تخطيطي يٌنسب إلى رسام الثورة الأول جاك لوي دافيد.
هي هنا في جلستها الأخيرة تستسلم عاجزةً لقدرها.
إلى جوار هذا الرسم، يُعرض الرداء الذي لبسته المرأة يوم اقتيدت إلى المقصلة التي جزّت رأسها، وهو عبارة عن خرقة بيضاء بالية لا يتجاوز طولها المئة والستين سنتيمترا.
نقرأ على بطاقة تحمل توقيع ماري أنطوانيت:
"يا إلهي ارحمني! لم يعد لعيني دموع كي أبكي لأجلكم يا أطفالي المساكين".
في زمن الثورة الفرنسية، تحولت ماري أنطوانيت إلى أيقونة تجسّد فساد العهد البائد وانحلاله.
على مدى عقود من الزمن، تبارى الكتّاب والرسّامون والمغنّون في تصوير فسق الملكة وغطرستها، مما ساهم في تكريس هذه الصورة في الذاكرة الجماعية. في القرن العشرين، بدأ الفرنسيون ينظرون إلى العهد الملكي بنوع من التجرد، ووجدت ماري أنطوانيت من ينظر إليها بشكل حيادي.
في العام الماضي، عادت ماري أنطوانيت إلى الواجهة وكأن شعبها لم "يسأم" بعد من قصصها. ظهرت الملكة في شريط سينمائي يروي سيرتها بشكل جديد، وتزامن عرض هذا الفيلم مع صدور كتب عدة تبحث في "وجوهها" المختلفة.
من جهة أخرى، قدّم "مركز الوثائق الوطنية" معرضا أعاد فتح التحقيق الذي أوصل ماري أنطوانيت إلى المقصلة، بينما أحيا قصر فرساي ذكرى ملكته في معرض عنوانه "ماري أنطوانيت، امرأة حقيقية، امرأة أسطورية".
بدوره، يفتح "القصر الكبير" اليوم أبوابه للملكة في معرض كبير يستمر حتى نهاية شهر حزيران (2008).
هي ماريا أنطونيا جوزيفا يوهانا فون هايسبورغ لوتريغن. والدها ملك اللورين فرنسوا الأول. والدتها امبراطورة النمسا ماريا تيريزا. وُلدت في عام 1755 ونشأت بين قصر هولفبورغ وقصر شونبرون مع إخوتها الخمسة عشر، وأُرسلت في عام 1770 إلى فرنسا كي تقترن بأمير فرنسا، وكان الغرض من هذا الزفاف المدبّر تمتين العلاقات بين السلطتين الفرنسية والنمسوية.
بحسب أخبار أهل التاريخ، لم تكن الأميرة تجيد الفرنسية يوم قدمت من فيينّا، وقيل إنها كانت تتحدث باللغة الألمانية بشكل سيئ. تلقّت الأميرة آداب السلوك الملكي على يد فريق من المعلّمين، ووجت نفسها ملكة وهي لم تزل صبية، وعُرفت باسم ماري أنطوانيت.
كانت في الرابعة عشرة حين عُقد قرانها، وكان عريسها يُكبرها ببضعة أشهر.
بعد أربع سنوات، توفي الملك لويس الخامس عشر، فخلفه لويس السادس عشر، وتُوّجت ماري أنطوانيت ملكة فرنسا ونافار وهي في الثامنة عشرة من عمرها.
ظلّت الملكة "غريبة" في أعين الفرنسيين، وظهرت الأغاني المعادية لها بسرعة في باريس، ووصل مسمعها إلى فرساي، غير أن الملكة لم تأبه لها.
تمرّدت ماري أنطوانيت على العادات الملكية الفرنسية، وأحاطت نفسها بحلقة من المقرّبين غير مكترثة بانتقادات أهل القصر، وعاشت على سجيّتها، وسحرت بنزقها قلوب حاشيتها.
الشباب الدائم
يؤرخ معرض "القصر الكبير" تلك الحقبة من تاريخ الملكة عبر مجموعة كبيرة من اللوحات الزيتية التي تصوّرها في أحلى ثيابها.
في الثانية عشرة من عمرها، تبدو دوقة النمسا الكبرى صبية جميلة تواجه الناظر إليها وهي تلقي ذراعها على أريكة أرجوانية فاخرة، وفي الرابعة عشرة، تظهر أميرة المجر وبوهيميا الملكية في صورة شقراء يافعة تعقد حول عنقها "بابيّوناً" فيروزياً بلون فستانها يكشف عن أعلى صدرها. نتعرّف الى الملكة في قصرها عبر زيتيات عدة تحمل توقيع الرسامة إليزابيت لويز فيجيه لو بران، وتقابل هذه اللوحات مجموعة من التماثيل أشهرها تلك التي نحتها لوي سيمون بوازو.
تبدو هذه الأعمال أشبه بعرض أزياء تقوم به عارضة واحدة.
تتجلى عبادة الذات في هذه الحلقة المتسلسلة من اللوحات والمنحوتات التي تحتل جدران قاعات "القصر الكبير".
تقف ماري أنطوانيت وهي تمسك بوردة، ثم تجلس بفستانها الفضفاض وهي تلقي بيمناها فوق كرة دائرية تمثّل العالم.
في القسم الأكبر من هذه الزيتيات الأكاديمية بامتياز، يظهر الأثاث الملكي في أدق تفاصيله في محيط اللوحة. في عرض موازٍ، تحضر قطع من الأثاث الملكي إلى جانب هذه الزيتيات، وكأنها تقارب بين الصور والمثال المادي الذي شكّل أساسا لها. تشهد هذه القطع المختلفة لتاريخ صاحبتها التي أدمنت الرفاه والبذخ والدلال، والمعروف أن ماري أنطوانيت لم ترع الفنون "الكبرى" في حياتها، غير أنها كانت من أكبر مشجعي الصناعات التزيينية في زمنها، وكان لها ذائقة مميزة في هذا الميدان، حتى أن أسلوب بعض الأثاث الفاخر يُعرَف اليوم باسمها.
وقد سحر هذا الأسلوب أغنياء عصرها، كما سحر بورجوازيي الشرق منذ القرن التاسع عشر، على رغم التحوّل الكبير الذي عرفته الذائقة الغربية في تلك الفترة.
ويمكن القول من دون مبالغة إن هذا النوع من الأثاث عاش في الشرق بعد موته في أرض منشئه، وهو بلغة نقّاد العصر الحديث أسلوب ثقيل متكلّف يخلو من أي روحانية شفافة.
عاشت ماري أنطوانيت على سجيتها، وكان لها مزرعة خاصة في منطقة هامو حيث عمدت الى إقامة الحفلات الخاصة بعيدا عن رقابة أهل القصر. راجت الأقاويل التي تحكي عن عشّاقها، وأشهر هؤلاء العشاق الكونت آرتوا شارل العاشر، شقيق زوجها، والكونت الأسوجي هانس آكسيل دو فارسين، وقيل إن الكونتيسة يولاند دو بولينياك كانت عشيقتها. شكلت هذه الحكايات مادة لمجموعة من القصص الخلاعية انتشرت سرياً في ما بعد، مما جعل ماري أنطوانيت بطلة لسلسلة بورنوغرافية طويلة يعرفها إلى اليوم هواة هذا النوع من "الأدب".
نتعرف الى الملكة الأم في لوحات تمثلها برفقة أطفالها في القصر كما في النزهات والرحلات. تحافظ الملكة على شبابها في اللوحات التي مع أطفالها، وليس في ذلك أيّ خدعة لدى الرسّامين الذين صوّروها، فقد أنجبت ماري أنطوانيت أولادها الأربعة بين 1778 و1787.
هي في هذه الصور سيدة شقراء لها عينان زرقاوان تميلان إلى شيء من الجحوظ ووجنتان بلون الورد. وجهها بيضوي يتميّز بجبهته العريضة، وشعرها مرفوع إلى الأعلى في تسريحات مختلفة. كما في أيام صباها، تحضر ملكة فرنسا النمسوية في فساتين مطرّزة بالريش والشرائط والأحجار الكريمة. لم تغيّر ماري أنطوانيت من أسلوبها في الحياة بعدما أصبحت أماً، وأدمنت الإسراف والترف من دون قيد،
وقد انتشرت أخبارها في الوسط العام مع اندلاع ما يُعرف بـ"قضية العقد" حيث طالب أحد كبار صنّاع المجوهرات ملك فرنسا بمبلغ مليون ونصف مليون ليرة ثمنا لعقد ماسي اشترته منه ماري أنطوانيت.
بُرّئت الملكة، واتضح أن أصل هذه القضية مؤامرة دُبّرت على غفلة منها، إلا أن ماري أنطوانيت بقيت مُدانة من شعبها، وشاعت في الأسواق رواية هزلية بعنوان "غراميات شارلو وطاونيت" تتعرض لحياة القصر بأسماء مستعارة.
زمن الثورة
لم تحلم ماري أنطوانيت بالسلطة، ولم يكن لها مشاركة فعلية في الحكم، بخلاف غالبية زوجات الملوك في ذلك الزمن.
أسرفت سيدة القصور في البذخ بينما كانت خزانة الدولة تعاني الإفلاس بعد سلسلة الحروب المتواصلة من القرن السابع عشر إلى القرن الثامن عشر.
ساهم قصور النظام الضريبي في إفقار الدولة والشعب، وبدأت الرأسمالية الحديثة تتهيأ لضرب السلطة الملكية الإقطاعية. عصفت الثورة الفرنسية بالأسرة الحاكمة في عام 1789 بعد تظاهرات هائجة عمّت باريس تنادي بـ"الحرية والمساواة والإخاء".
تقول الرواية الشائعة إن ماري انطوانيت سألت عن سبب هذه التظاهرات، وعندما قيل لها بأن الجماهير تطلب الخبز المفقود من الأسواق، أجابت: "ما عليهم سوى أن يأكلوا البسكويت". اقتيد لويس السادس عشر مع عائلته إلى الأسر، وجرى إعدامه في عام 1793.
عُزلت زوجته بعيدا عن أولادها في انتظار محاكمتها.
في الثالث من شهر تشرين الأول، اتُّهمت ماري أنطوانيت بـ"امتصاص دم الشعب الفرنسي منذ وصولها إلى فرنسا"، وبأنها أصل البلاء الذي ينهك البلاد منذ أربع سنوات.
إثر صدور الحكم عليها بالإعدام، اقتيدت الملكة المخلوعة في عربة مكشوفة في شوارع باريس حيث رمتها العامة بكل ما يقع تحت يدها، ونُفِّذ فيها الحكم بعد مرور تسعة أشهر على إعدام زوجها.
يقدّم "القصر الكبير" رسوما عدة تصوّر مشهد محاكمة الملكة المخلوعة.
تتجرد ماري أنطوانيت من زينتها وتظهر في هيئة إمرأة معدمة زائغة النظر تقف في ثوب بال في جلسة المحاكمة.
تشكل الرسوم في تسلسل الأحداث التي تنقلها ما يشبه الشريط المصوّر. تظهر مرةً في سجنها الانفرادي في مبنى "الكونسجيري"، ثم تظهر مرةً أخرى وهي تواجه وحيدةً الحكم الصادر في حقها. نراها مقيّدة اليدين في رسم تخطيطي يٌنسب إلى رسام الثورة الأول جاك لوي دافيد.
هي هنا في جلستها الأخيرة تستسلم عاجزةً لقدرها.
إلى جوار هذا الرسم، يُعرض الرداء الذي لبسته المرأة يوم اقتيدت إلى المقصلة التي جزّت رأسها، وهو عبارة عن خرقة بيضاء بالية لا يتجاوز طولها المئة والستين سنتيمترا.
نقرأ على بطاقة تحمل توقيع ماري أنطوانيت:
"يا إلهي ارحمني! لم يعد لعيني دموع كي أبكي لأجلكم يا أطفالي المساكين".
Comment