عاش زينون وتوفي في مدينة إليا اليونانية في القرن الخامس قبل الميلاد، وتعود له أول إشارة إلى فكرة التقطع في الحركة، وإذا كان اسمه وأعماله قد أهملا في سياق مسيرة العلم إلا أن الأفكار الثورية التي طرحها ميكانيك الكم والجدل بين نيلز بور وآينشتاين قد ذكر بجدل حصل قبل أكثر من ألفي عام بين زينون وأرسطو.
وضع أرسطو كتابه Physica بعد حوالي مئة عام من وفاة زينون وفيه أورد أفكار الفلاسفة الذين سبقوه (ومنهم زينون) لا ليبين أهمية مساهمتهم بل ليدحض أفكارهم ويقدم أفكاره بديلاً وحيداً!!
عرض زينون ثلاث مفارقات حول حركة الجسم عبر الزمان والمكان:
مفارقة زينون الأولى:
تخيل عداءً يقف عند نقطة بداية السباق، فلكي يصل هذا العداء نقطة النهاية يجب عليه أن يبلغ أولاً منتصف المسافة بين النقطتين، طبعاً.. وأيضاً كي يبلغ العداء منتصف السباق يجب عليه أن يبلغ منتصف هذه المسافة أي ربع المسافة الكلية، وأيضاً ليقطع ربع المسافة الكلية عليه أن يقطع ثمنها، وهكذا.. إذن يوجد عدد لا نهائي من أنصاف المسافات قبل إنهاء السباق، وكل منتصف يحدد مسافة يجب على العداء أن يقطع نصفها قبل أن يبلغ نهايتها.. أي لا توجد مسافة أولى على العداء أن يقطعها لأن نصفها هو الأول وبالتالي يبقى العداء مسمراً عند نقطة البداية.. ولا يمكن للحركة أن توجد!!!
قبل أن نحكم على أفكار زينون بالسخف بحجة أن العداء سيبلغ نقطة النهاية، وهو أمر يعلمه زينون! دعونا نستعرض مفارقتيه التاليتين..
مفارقة زينون الثانية:
إن العداء السريع لن يستطيع تجاوز سلحفاة بدأت قبله بالتقدم!! فبالرغم من بطئ حركة السلحفاة وسرعة العداء إلا أن اللحاق بها يفرض عليه أن يقطع أولاً المسافة التي تفصلها عنه، وكما بين زينون في مفارقته الأولى سيتوجب على عدائنا السريع أن يبلغ عدداً لا نهائياً من النقاط قبل لحاقه بالسلحفاة، طالما أنها مثابرة على التقدم ولو بسرعة بطيئة!!
ربما نجد تشابهاً بين المفارقتين السابقتين، لكن الثانية تعرض مفهوم الحركة بالنسبة لجسمين متحركين.
مفارقة زينون الثالثة:
تعتمد هذه المفارقة على فكرة آمن بها اليونان وهي أن الجسم إما أن يكون ساكناً باستمرار أو متحركاً باستمرار! وهنا يقول زينون أن السهم لا يمكن أن يطير!
فبمراقبتنا للسهم المنطلق نجد أنه يشغل موضعاً محددا ً في لحظة محددة، ولكن الجسم الذي يحتل موضعاً محدداً لا بد أن يكون ساكناًً فيه.. وبما أننا نستطيع أن نختار أية لحظة على مسار حركة السهم ويكون ثابتاً فيها، فسيكون السهم ساكناً دوماً ولا يمكنه أن يطير!!!
يمكن أن ندعي اليوم أن الجسم المتحرك يمكن أن يشغل موضعاً محدداً في لحظة محددة، لكن فكرة السكون المطلق آمن بها جميع اليونان ومنهم أرسطو الذي ادعى أنه دحض أفكار زينون!
اعتمد أرسطو على فكرة المكان والزمان اللانهائيين ليحل مفارقات زينون، فقال أننا لا نستطيع الاستمرار في عملية جمع قطع صغيرة من المكان (أو فترات من الزمان) إلى ما لانهاية، لكننا نستطيع إذا كنا إزاء منطقة محدودة من المكان أو فترة محدودة من الزمان أن نستمر في تقسيمها إلى ما لانهاية، وهكذا ففي المفارقة الأولى يكون أمام العداء مسافة يمكن أن تقسم إلى ما لانهاية لأنها مسافة محدودة وكذلك مدة السباق يمكن أن تقسم إلى ما لانهاية، لكن العداء سيصل إلى نهاية السباق لأن المسافة المحدودة تتطلب فترة محدودة لقطعها. وكذلك يرى أرسطو في المفارقة الثانية أن العداء سيسبق السلحفاة لأن المسافة بينهما محدودة وبالتالي تتطلب زمناً محدداً ليلحق بالسلحفاة ومن ثم يتجاوزها.
أما لجهة المفارقة الثالثة فيقول أرسطو أن السهم سيطير بالتأكيد! فعندما نأخذ لحظتين زمنيتين يكون فيهما السهم ساكناً نستطيع تقسيم المدة الزمنية بين هاتين اللحظتين إلى عدد لانهائي من الفترات الصغيرة، وإذا مثلنا هذا العدد الغير محدود من اللحظات سنحصل على تواصل واستمرار من لحظة إلى أخرى مما يبين الحركة الاستمرارية للسهم.
يتضح لنا أن الفرضية الأساسية التي استند إليها أرسطو غير منسجمة! لكن حركة السهم التي تبدو مستمرة بررت الاعتقاد بأن هذه الاستمرارية مصنوعة من عدد لانهائي من الصور السكونية، وهكذا انتصرت أفكار أرسطو لأكثر من ألفي عام.. لكننا نعلم اليوم أن زينون هو من كان محقاً! فمبدأ الارتياب لهايزنبرغ يؤكد أن الجسم لا يمكن أن يشغل موضعاً محدداً ويكون في نفس الوقت متحركاً، ففي حين اعتقد أرسطو أن الرصد الحيادي يمكن الاستمرار به بغض النظر عن كيفية تقسيم الزمان والمكان بيّن هايزنبرغ أن عملية الرصد لا تتيح لنا مواصلة تحليل الحركة إلى ما لانهاية فممارستنا تدخل تقطعات في كل ما نرصد!
كما قلنا كان زينون يعلم طبعاً أن السهم يطير والعداء يسبق السلحفاة ويبلغ نهاية السباق! إلا أن زينون كان يقصد فهم الحركة وتحليلها، لذا قدم حججاً منطقية ليبين لمعصريه أن الحركة لا تحدث بالأسلوب الذي
يعتقدونه، وهذا ما أثبته العلم حديثاً!
هذا المقال منقول عن الجمعية الكونية السورية للأستاذ ناصر منذر
وضع أرسطو كتابه Physica بعد حوالي مئة عام من وفاة زينون وفيه أورد أفكار الفلاسفة الذين سبقوه (ومنهم زينون) لا ليبين أهمية مساهمتهم بل ليدحض أفكارهم ويقدم أفكاره بديلاً وحيداً!!
عرض زينون ثلاث مفارقات حول حركة الجسم عبر الزمان والمكان:
مفارقة زينون الأولى:
تخيل عداءً يقف عند نقطة بداية السباق، فلكي يصل هذا العداء نقطة النهاية يجب عليه أن يبلغ أولاً منتصف المسافة بين النقطتين، طبعاً.. وأيضاً كي يبلغ العداء منتصف السباق يجب عليه أن يبلغ منتصف هذه المسافة أي ربع المسافة الكلية، وأيضاً ليقطع ربع المسافة الكلية عليه أن يقطع ثمنها، وهكذا.. إذن يوجد عدد لا نهائي من أنصاف المسافات قبل إنهاء السباق، وكل منتصف يحدد مسافة يجب على العداء أن يقطع نصفها قبل أن يبلغ نهايتها.. أي لا توجد مسافة أولى على العداء أن يقطعها لأن نصفها هو الأول وبالتالي يبقى العداء مسمراً عند نقطة البداية.. ولا يمكن للحركة أن توجد!!!
قبل أن نحكم على أفكار زينون بالسخف بحجة أن العداء سيبلغ نقطة النهاية، وهو أمر يعلمه زينون! دعونا نستعرض مفارقتيه التاليتين..
مفارقة زينون الثانية:
إن العداء السريع لن يستطيع تجاوز سلحفاة بدأت قبله بالتقدم!! فبالرغم من بطئ حركة السلحفاة وسرعة العداء إلا أن اللحاق بها يفرض عليه أن يقطع أولاً المسافة التي تفصلها عنه، وكما بين زينون في مفارقته الأولى سيتوجب على عدائنا السريع أن يبلغ عدداً لا نهائياً من النقاط قبل لحاقه بالسلحفاة، طالما أنها مثابرة على التقدم ولو بسرعة بطيئة!!
ربما نجد تشابهاً بين المفارقتين السابقتين، لكن الثانية تعرض مفهوم الحركة بالنسبة لجسمين متحركين.
مفارقة زينون الثالثة:
تعتمد هذه المفارقة على فكرة آمن بها اليونان وهي أن الجسم إما أن يكون ساكناً باستمرار أو متحركاً باستمرار! وهنا يقول زينون أن السهم لا يمكن أن يطير!
فبمراقبتنا للسهم المنطلق نجد أنه يشغل موضعاً محددا ً في لحظة محددة، ولكن الجسم الذي يحتل موضعاً محدداً لا بد أن يكون ساكناًً فيه.. وبما أننا نستطيع أن نختار أية لحظة على مسار حركة السهم ويكون ثابتاً فيها، فسيكون السهم ساكناً دوماً ولا يمكنه أن يطير!!!
يمكن أن ندعي اليوم أن الجسم المتحرك يمكن أن يشغل موضعاً محدداً في لحظة محددة، لكن فكرة السكون المطلق آمن بها جميع اليونان ومنهم أرسطو الذي ادعى أنه دحض أفكار زينون!
اعتمد أرسطو على فكرة المكان والزمان اللانهائيين ليحل مفارقات زينون، فقال أننا لا نستطيع الاستمرار في عملية جمع قطع صغيرة من المكان (أو فترات من الزمان) إلى ما لانهاية، لكننا نستطيع إذا كنا إزاء منطقة محدودة من المكان أو فترة محدودة من الزمان أن نستمر في تقسيمها إلى ما لانهاية، وهكذا ففي المفارقة الأولى يكون أمام العداء مسافة يمكن أن تقسم إلى ما لانهاية لأنها مسافة محدودة وكذلك مدة السباق يمكن أن تقسم إلى ما لانهاية، لكن العداء سيصل إلى نهاية السباق لأن المسافة المحدودة تتطلب فترة محدودة لقطعها. وكذلك يرى أرسطو في المفارقة الثانية أن العداء سيسبق السلحفاة لأن المسافة بينهما محدودة وبالتالي تتطلب زمناً محدداً ليلحق بالسلحفاة ومن ثم يتجاوزها.
أما لجهة المفارقة الثالثة فيقول أرسطو أن السهم سيطير بالتأكيد! فعندما نأخذ لحظتين زمنيتين يكون فيهما السهم ساكناً نستطيع تقسيم المدة الزمنية بين هاتين اللحظتين إلى عدد لانهائي من الفترات الصغيرة، وإذا مثلنا هذا العدد الغير محدود من اللحظات سنحصل على تواصل واستمرار من لحظة إلى أخرى مما يبين الحركة الاستمرارية للسهم.
يتضح لنا أن الفرضية الأساسية التي استند إليها أرسطو غير منسجمة! لكن حركة السهم التي تبدو مستمرة بررت الاعتقاد بأن هذه الاستمرارية مصنوعة من عدد لانهائي من الصور السكونية، وهكذا انتصرت أفكار أرسطو لأكثر من ألفي عام.. لكننا نعلم اليوم أن زينون هو من كان محقاً! فمبدأ الارتياب لهايزنبرغ يؤكد أن الجسم لا يمكن أن يشغل موضعاً محدداً ويكون في نفس الوقت متحركاً، ففي حين اعتقد أرسطو أن الرصد الحيادي يمكن الاستمرار به بغض النظر عن كيفية تقسيم الزمان والمكان بيّن هايزنبرغ أن عملية الرصد لا تتيح لنا مواصلة تحليل الحركة إلى ما لانهاية فممارستنا تدخل تقطعات في كل ما نرصد!
كما قلنا كان زينون يعلم طبعاً أن السهم يطير والعداء يسبق السلحفاة ويبلغ نهاية السباق! إلا أن زينون كان يقصد فهم الحركة وتحليلها، لذا قدم حججاً منطقية ليبين لمعصريه أن الحركة لا تحدث بالأسلوب الذي
يعتقدونه، وهذا ما أثبته العلم حديثاً!
هذا المقال منقول عن الجمعية الكونية السورية للأستاذ ناصر منذر