العالم عام 2100 - الجزء الثاني
تابع الجزء الأول من هنا
في عام 1863 قدم الكاتب الرائع "جول فيرن" روايته التنبؤية "باريس في القرن العشرين" و وضع فيها كل طاقاته الإبداعية لكي يتخيل القرن القادم.و نشرت الرواية عام 1994 أي بعد مرور 130 عام على كتابتها عندما وجدها حفيد فيرن مخبأه بعناية في خزانة.
بعيدا في عام 1863 حينما عاش فيرن ،كان الملوك و الأباطرة مازالوا يحكمون الإمبراطوريات الغابرة، و كانت الولايات المتحدة الأمريكية غارقة في أتون الحروب الأهلية التي كانت تمزقها،و قوة البخار إكتشفت لتوها لتبدأ في إحداث ثورة علمية عالمية. لكن فيرن تخيل ان باريس في عام 1960 تمتلك ناطحات السحاب الزجاجية، مكيفات الهواء، التلفاز، المصاعد الكهربائية، القطارات الفائقة السرعة ، السيارات التي تعمل بالجازولين، أجهزة الفاكس و حتى شئ يشبه الإنترنت!! بدقة متناهية إستطاع فيرن أن يتخيل باريس الحديثة! هذا لم يكن شئ من الحظ، فبعدها بعدة أعوام قام فيرن بتنبؤ أخر مثير للدهشة.في 1865 كتب فيرن روايته "من الأرض إلى القمر" ، التى تنبأ فيها بتفاصيل رحلة مهمة أبوللو إلى القمر بعد نشر الرواية بأكثر من 100 عام في 1969 .إستطاع التكهن بحجم الكبسولة الفضائية بنسبة ضئيلة من الخطأ كما تكهن بموقع إطلاقها بالقرب من فلوريدا و عدد رواد الفضاء في الرحلة و عدد الساعات التي سوف تستغرقها، أيضا توقع إنعدام الجاذبية الذي سوف يتعرض له الرواد كذلك نهاية الرحلة بإرتطام الكبسولة في المحيط. الخطأ التنبؤى الوحيد الذى وقع فيه فيرن هو إستخدامه للبارود بدلا من وقود الصواريخ السائل ليأخذ الرواد في رحلة من الأرض إلى القمر، إلا أن الوقود السائل لم يكن ليخترع قبل 70 سنة من تاريخ كتابة الرواية!
كيف إستطاع فيرن أن يتخيل أحداث 100 عام في المستقبل بهذه الدقة؟ فيرن لم يكن عالما بشخصه، و لكنه سعى وراء العلماء و امطرهم بأسئلته عن رؤيتهم للمستقبل.و كون لديه قاعدة بيانات كاملة بكل الإنجازات العلمية و المخترعات الخاصة بعصره. أدرك فيرن علاوة على أي شخص آخر ان العلم هو المحرك للحضارة التي يدفعها إلى قرن جديد من المعجزات و الأعاجيب.
ليوناردو دافنشي الرسام و المفكر،متنبئ آخر بتكنولوجيا المستقبل.فى أواخر عام 1400 رسم دافنشي مخططات جميلة و دقيقة لأجهزة سوف تملأ السماء يوما ما . مناطيد و طائرات مروحية و حتى الطائرات الهوائية! لكن مخططاته كان ينقصها مكون بسيط...موتور بقوة 1 حصان ، و هو شئ لم يكن متاح حتى بعد 400 عام من عصره.
و مثلما فعل فيرن كان دافنشي أيضا يستشير العقول المفكرة آنذاك،و كان محاطاً بدائرة من مبدعي هذا العصر. أجرى التجارب و قام بالبناء و رسم النماذج الأولية ،كانت تلك طريقة دافنشي لكي يترجم أفكاره إلى حقيقة و التي يجب أن يتبعها من هم مثله.
اعتذار جريدة نيويورك تايمز
حتى أننا نستطيع أن نتبين بخس كتاب الخيال العلمي لقدر الإكتشافات العلمية.عندما تشاهد حلقات السلسلة التليفزيونية الشهيرة ستار تريك"Star Trek" في بداياتها عام 1960 ، تلاحظ أن معظم تكنولوجيا القرن الـ32 الذي كانت تدور فيه أحداث السلسلة،هي تكنولوجيا موجودة لدينا بالفعل! كان المشاهدون آنذاك لهم حق الدهشة لرؤية التليفون المحمول و الكمبيوترالمحمول أيضا و الاجهزة التي يمكنها أن تتحدث...و لكن اذا شاهدتها الآن فلن تتملكك الدهشة على الإطلاق.
فهم قوانين الطبيعة
لكي نتفادى كل تلك الأخطاء السابقة في التوقعات المستقبلية، لابد و أن نسأل ما هي القواعد العلمية التي ترتكز عليها التنبؤ بتكنولوجيا المستقبل؟
نحن الآن نمتلك ميزة لم يمتلكها فيرن أو دافنشي آنذاك، و هي اننا نقف على قاعدة علمية و فهم واثق للقوانين التي تحكم الطبيعة.دوما ما تكون التنبؤات معطوبة، و لكنها لن تكون كذلك إذا استطعت ان تفهم القوانين الأربعة المحركة للكون كله. كل مرة فهم فيها الإنسان أحد تلك القوانين الأربعة ، تغير على إثره تاريخ البشرية جمعاء.
القوة الأولى التى شُرحت هي "قوة الجاذبية" ، فقد أعطانا نيوتن مجموعة من القوانين الميكانيكية التي تحكم حركة أي جسم نتيجة تأثير قوة ما عليه . وهو ما ساعد بالتبعية في شق الطريق إلى الثورة الصناعية و تفعيل قوة البخار.
أما القوة الثانية التي تمكن الإنسان من فهمها هى"القوة الكهرومغناطيسية"، التي تنير المدن و الأجهزة الكهربائية بالطاقة.عندما تكاتفت جهود كل من توماس أديسون و مايكل فاراداي و جيمس ماكسويل و آخرين لشرح الكهربية و المغناطيسية، أشعلوا الثورة الإلكترونية التي خلقت كم لا بأس به من المخترعات العلمية. يمكننا أن نشعر بذلك في كل مرة تنقطع فيها الكهرباء،و كأننا فجأة عدنا بالزمن 100 سنة إلى الوراء!
القوى الثالثة و الرابعة هما القوتين النوويتين، القوة النووية الضعيفة و القوة النووية القوية.حينما تفتق ذهن أينشتين عن معادلته السحرية E=MC^2 و عندما إنشطرت الذرة عام 1930 ،بدأ العلماء في فهم القوى التي تنير السماء. إنكشف الستار عن سر النجوم ، ليس ذلك فحسب بل فجرت قوة الأسلحة الذرية، و أعطت آمالا واعدة بإمكانية تطويع هذه الطاقة على الأرض.
لدينا اليوم معرفة لا بأس بها عن هذه القوى الأربعة ، القوة الأولى الجاذبية تشرحها النظرية النسبية العامة لآينشتين، أما القوى الثلاثة الأخرى فقد شرحتها نظرية الكم و التي سمحت لنا بفك شفرة عالم الذرة. و كان نتاج تلك النظرية إختراع الترانزيستور و الليزر و الثورة الرقمية التي تمثل المجتمع الحديث الآن، كما أستخدم العلماء قوة نظرية الكم لكشف أسرار جزئ الحمض النووى DNA. سرعة إنجازات التكنولوجيا الحيوية و الطبية راجعة إلى تكنولوجيا الحواسيب، لأن قراءة جزئ الـ DNA تتم بإستخدام اللآلات و الروبوتات و الحواسيب.
و بناءا على ذلك فإننا نستطيع أن نرى بشكل أفضل إلى أين يتجه علم و تقنية المستقبل خلال القرن القادم.بالطبع سوف ما يكون دوما هناك إبداعات و مخترعات غير متوقعة و لم تخطر لنا ببال و لكننا على الأقل لا نتوقع في المستقبل القريب أي تغيير في المعارف الأساسية التي تقود للمستقبل، لذلك نستطيع القول بشئ من الثقة إمكانية وضع الخطوط العريضة التي تحدد معالم المستقبل في عام 2100 ، لأن كتاب"فيزياء المستقبل" قائم على مقابلات مع 300 من العلماء تخرج من تحت أيديهم المخترعات و المكتشافات، التي بنيت نماذجها الأولية بالفعل كما أنها قائمة على القوانين الأربعة التي تحكم الكون،أي انها ليست محض خيال خصب.
يتبع
تابع الجزء الأول من هنا
في عام 1863 قدم الكاتب الرائع "جول فيرن" روايته التنبؤية "باريس في القرن العشرين" و وضع فيها كل طاقاته الإبداعية لكي يتخيل القرن القادم.و نشرت الرواية عام 1994 أي بعد مرور 130 عام على كتابتها عندما وجدها حفيد فيرن مخبأه بعناية في خزانة.
بعيدا في عام 1863 حينما عاش فيرن ،كان الملوك و الأباطرة مازالوا يحكمون الإمبراطوريات الغابرة، و كانت الولايات المتحدة الأمريكية غارقة في أتون الحروب الأهلية التي كانت تمزقها،و قوة البخار إكتشفت لتوها لتبدأ في إحداث ثورة علمية عالمية. لكن فيرن تخيل ان باريس في عام 1960 تمتلك ناطحات السحاب الزجاجية، مكيفات الهواء، التلفاز، المصاعد الكهربائية، القطارات الفائقة السرعة ، السيارات التي تعمل بالجازولين، أجهزة الفاكس و حتى شئ يشبه الإنترنت!! بدقة متناهية إستطاع فيرن أن يتخيل باريس الحديثة! هذا لم يكن شئ من الحظ، فبعدها بعدة أعوام قام فيرن بتنبؤ أخر مثير للدهشة.في 1865 كتب فيرن روايته "من الأرض إلى القمر" ، التى تنبأ فيها بتفاصيل رحلة مهمة أبوللو إلى القمر بعد نشر الرواية بأكثر من 100 عام في 1969 .إستطاع التكهن بحجم الكبسولة الفضائية بنسبة ضئيلة من الخطأ كما تكهن بموقع إطلاقها بالقرب من فلوريدا و عدد رواد الفضاء في الرحلة و عدد الساعات التي سوف تستغرقها، أيضا توقع إنعدام الجاذبية الذي سوف يتعرض له الرواد كذلك نهاية الرحلة بإرتطام الكبسولة في المحيط. الخطأ التنبؤى الوحيد الذى وقع فيه فيرن هو إستخدامه للبارود بدلا من وقود الصواريخ السائل ليأخذ الرواد في رحلة من الأرض إلى القمر، إلا أن الوقود السائل لم يكن ليخترع قبل 70 سنة من تاريخ كتابة الرواية!
كيف إستطاع فيرن أن يتخيل أحداث 100 عام في المستقبل بهذه الدقة؟ فيرن لم يكن عالما بشخصه، و لكنه سعى وراء العلماء و امطرهم بأسئلته عن رؤيتهم للمستقبل.و كون لديه قاعدة بيانات كاملة بكل الإنجازات العلمية و المخترعات الخاصة بعصره. أدرك فيرن علاوة على أي شخص آخر ان العلم هو المحرك للحضارة التي يدفعها إلى قرن جديد من المعجزات و الأعاجيب.
ليوناردو دافنشي الرسام و المفكر،متنبئ آخر بتكنولوجيا المستقبل.فى أواخر عام 1400 رسم دافنشي مخططات جميلة و دقيقة لأجهزة سوف تملأ السماء يوما ما . مناطيد و طائرات مروحية و حتى الطائرات الهوائية! لكن مخططاته كان ينقصها مكون بسيط...موتور بقوة 1 حصان ، و هو شئ لم يكن متاح حتى بعد 400 عام من عصره.
و مثلما فعل فيرن كان دافنشي أيضا يستشير العقول المفكرة آنذاك،و كان محاطاً بدائرة من مبدعي هذا العصر. أجرى التجارب و قام بالبناء و رسم النماذج الأولية ،كانت تلك طريقة دافنشي لكي يترجم أفكاره إلى حقيقة و التي يجب أن يتبعها من هم مثله.
نموذج للمنطاد كما تخيله دافنشي
هذا الإستخفاف الغير متعمد بقوة العلم و الإبداع إمتد إلى مكتب تسجيل براءات الإختراع، في عام 1899 أقر المسئول عن المكتب "تشارلز دويل" أن كل ما يمكن أن يخترع قد إخترع بالفعل !حتى بعض الخبراء في تخصصاتهم إستخفوا بما يمكن أن يحدث تحت أنوفهم! فى عام 1927 ، "هارى وارنر" و هو أحد مؤسسي "Warner Brothers" أكبر شركات الإنتاج الإعلامي الهوليوودية بداية من عصر الأفلام الصامتة سأل وارنر يوما بإستخفاف:من يريد فعلا أن يسمع الممثلين يتحدثوا؟ كانت جريدة نيويورك تايمز هي الأخرى باخسة لقدر التقدم العلمي، في 1903 أقرت الجريدة بأن الآلات الطائرة ما هي إلا مضيعة للوقت ، و ذلك قبل أسبوع فقط من نجاح الأخوان رايت في الطيران بشمال كارولينا! أما في 1920 ، أنتقدت نيويورك تايمز محاولات "روبرت جودارد" عالم الصواريخ بشدة و رأت انها ليست ذات معنى ،لأن الصواريخ لا تستطيع الحركة في الفراغ!بعد 49 عام من هذا النقد اللاذع، نشرت نيويورك تايمز إعتذارها الرسمي عن هذا الخطأ فمن الواضح أن الصواريخ يمكنها الحركة في الفراغ و إلا ما أستطاعت رحلة أبوللو الهبوط على سطح القمر!
نموذج للمروحية كما تخيله دافنشي
نموذج الطائرة الهوائية كما تخيله دافنشي
بعد أن رأينا هذا الكم الهائل من التوقعات و التنبؤات التي أطلعها فيرن و دافنشي إلى العالم، هل من الممكن أن نتنبأ بالعالم في عام 2100؟ و على عادة فيرن و دافنشي، يقوم كتاب"فيزياء المستقبل" بإلقاء نظرة عن قرب إلى عصارة أفكار علماء نابغين يبنون نماذجهم الأولية من تقنياتهم التي سوف تغير مستقبلنا. هذا الكتاب ليس درب من الخيال الجامح بل هو مبني على علم قاطع مستقى من المختبرات الكبرى حول العالم. التنبؤ بالعالم عام 2100 مهمة شاقة للغاية،خاصة أن عجلة مكتشفات هذا العصر متسارعة على الدوام، و المعارف العلمية التي تراكمت فوق بعضها البعض فقط في العقود القليلة الماضية أكبر بكثير من تلك المتراكمة على مر التاريخ الإنساني كله و بحلول عام 2100 سوف تصبح تلك المعارف أضعافاً مضاعفة.
أفضل طريقة لكي نتخيل مدى صعوبة التنبؤ بـ 100 فى المستقبل علينا أن نتذكر كيف كانت حياة أجدادنا عام 1900.بعيدا في عام 1900 لم يكن هناك وجود للراديو و لم تعرف الأفلام و لم يستخدم الفلاحون الجرارت يوما أما السيارات فكانت مخترعة للتو و كان يطلق عليها آنذاك "عربة مقطورة بلا حصان"! لكي نفهم مدى صعوبة ذلك التنبؤ فيجب أن نقدر صعوبة ذلك على من عاشوا فى عام 1900 لكي يتنبئوا بما يمكن أن يكون عليه المستقبل في عام 2000 .في شيكاجو عام 1893 تم إختيار 74 من الأشخاص المعروفين جيدا بين الناس و طُلب منهم التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل بعد 100 عام . المشكلة أنهم دوما ما إستخفوا في توقعاتهم بمعدل التقدم العلمي، كمثال على ذلك كثير منهم توقع بشكل صحيح أن يوم ما سوف يصبح لدينا طائرات ركاب ضخمة عابرة للمحيطات إلا أنهم تنبئوا بأنها سوف تكون مناطيد! رأى السيناتور"جون انجيلز" أن كل شخص سوف يمتلك منطاده الخاص، و لم يخطر بباله قط بزوغ فكرة السيارات. أيضا أقر الجنرال "جون واناميكر" أن وسيلة توصيل البريد الأمريكي سوف تظل على ظهور الأحصنة حتى بعد 100 سنة في المستقبل!
بعد أن رأينا هذا الكم الهائل من التوقعات و التنبؤات التي أطلعها فيرن و دافنشي إلى العالم، هل من الممكن أن نتنبأ بالعالم في عام 2100؟ و على عادة فيرن و دافنشي، يقوم كتاب"فيزياء المستقبل" بإلقاء نظرة عن قرب إلى عصارة أفكار علماء نابغين يبنون نماذجهم الأولية من تقنياتهم التي سوف تغير مستقبلنا. هذا الكتاب ليس درب من الخيال الجامح بل هو مبني على علم قاطع مستقى من المختبرات الكبرى حول العالم. التنبؤ بالعالم عام 2100 مهمة شاقة للغاية،خاصة أن عجلة مكتشفات هذا العصر متسارعة على الدوام، و المعارف العلمية التي تراكمت فوق بعضها البعض فقط في العقود القليلة الماضية أكبر بكثير من تلك المتراكمة على مر التاريخ الإنساني كله و بحلول عام 2100 سوف تصبح تلك المعارف أضعافاً مضاعفة.
أفضل طريقة لكي نتخيل مدى صعوبة التنبؤ بـ 100 فى المستقبل علينا أن نتذكر كيف كانت حياة أجدادنا عام 1900.بعيدا في عام 1900 لم يكن هناك وجود للراديو و لم تعرف الأفلام و لم يستخدم الفلاحون الجرارت يوما أما السيارات فكانت مخترعة للتو و كان يطلق عليها آنذاك "عربة مقطورة بلا حصان"! لكي نفهم مدى صعوبة ذلك التنبؤ فيجب أن نقدر صعوبة ذلك على من عاشوا فى عام 1900 لكي يتنبئوا بما يمكن أن يكون عليه المستقبل في عام 2000 .في شيكاجو عام 1893 تم إختيار 74 من الأشخاص المعروفين جيدا بين الناس و طُلب منهم التنبؤ بما يمكن أن يكون عليه المستقبل بعد 100 عام . المشكلة أنهم دوما ما إستخفوا في توقعاتهم بمعدل التقدم العلمي، كمثال على ذلك كثير منهم توقع بشكل صحيح أن يوم ما سوف يصبح لدينا طائرات ركاب ضخمة عابرة للمحيطات إلا أنهم تنبئوا بأنها سوف تكون مناطيد! رأى السيناتور"جون انجيلز" أن كل شخص سوف يمتلك منطاده الخاص، و لم يخطر بباله قط بزوغ فكرة السيارات. أيضا أقر الجنرال "جون واناميكر" أن وسيلة توصيل البريد الأمريكي سوف تظل على ظهور الأحصنة حتى بعد 100 سنة في المستقبل!
هذا الإستخفاف الغير متعمد بقوة العلم و الإبداع إمتد إلى مكتب تسجيل براءات الإختراع، في عام 1899 أقر المسئول عن المكتب "تشارلز دويل" أن كل ما يمكن أن يخترع قد إخترع بالفعل !حتى بعض الخبراء في تخصصاتهم إستخفوا بما يمكن أن يحدث تحت أنوفهم! فى عام 1927 ، "هارى وارنر" و هو أحد مؤسسي "Warner Brothers" أكبر شركات الإنتاج الإعلامي الهوليوودية بداية من عصر الأفلام الصامتة سأل وارنر يوما بإستخفاف:من يريد فعلا أن يسمع الممثلين يتحدثوا؟ كانت جريدة نيويورك تايمز هي الأخرى باخسة لقدر التقدم العلمي، في 1903 أقرت الجريدة بأن الآلات الطائرة ما هي إلا مضيعة للوقت ، و ذلك قبل أسبوع فقط من نجاح الأخوان رايت في الطيران بشمال كارولينا! أما في 1920 ، أنتقدت نيويورك تايمز محاولات "روبرت جودارد" عالم الصواريخ بشدة و رأت انها ليست ذات معنى ،لأن الصواريخ لا تستطيع الحركة في الفراغ!بعد 49 عام من هذا النقد اللاذع، نشرت نيويورك تايمز إعتذارها الرسمي عن هذا الخطأ فمن الواضح أن الصواريخ يمكنها الحركة في الفراغ و إلا ما أستطاعت رحلة أبوللو الهبوط على سطح القمر!
اعتذار جريدة نيويورك تايمز
حتى أننا نستطيع أن نتبين بخس كتاب الخيال العلمي لقدر الإكتشافات العلمية.عندما تشاهد حلقات السلسلة التليفزيونية الشهيرة ستار تريك"Star Trek" في بداياتها عام 1960 ، تلاحظ أن معظم تكنولوجيا القرن الـ32 الذي كانت تدور فيه أحداث السلسلة،هي تكنولوجيا موجودة لدينا بالفعل! كان المشاهدون آنذاك لهم حق الدهشة لرؤية التليفون المحمول و الكمبيوترالمحمول أيضا و الاجهزة التي يمكنها أن تتحدث...و لكن اذا شاهدتها الآن فلن تتملكك الدهشة على الإطلاق.
فهم قوانين الطبيعة
لكي نتفادى كل تلك الأخطاء السابقة في التوقعات المستقبلية، لابد و أن نسأل ما هي القواعد العلمية التي ترتكز عليها التنبؤ بتكنولوجيا المستقبل؟
نحن الآن نمتلك ميزة لم يمتلكها فيرن أو دافنشي آنذاك، و هي اننا نقف على قاعدة علمية و فهم واثق للقوانين التي تحكم الطبيعة.دوما ما تكون التنبؤات معطوبة، و لكنها لن تكون كذلك إذا استطعت ان تفهم القوانين الأربعة المحركة للكون كله. كل مرة فهم فيها الإنسان أحد تلك القوانين الأربعة ، تغير على إثره تاريخ البشرية جمعاء.
القوة الأولى التى شُرحت هي "قوة الجاذبية" ، فقد أعطانا نيوتن مجموعة من القوانين الميكانيكية التي تحكم حركة أي جسم نتيجة تأثير قوة ما عليه . وهو ما ساعد بالتبعية في شق الطريق إلى الثورة الصناعية و تفعيل قوة البخار.
أما القوة الثانية التي تمكن الإنسان من فهمها هى"القوة الكهرومغناطيسية"، التي تنير المدن و الأجهزة الكهربائية بالطاقة.عندما تكاتفت جهود كل من توماس أديسون و مايكل فاراداي و جيمس ماكسويل و آخرين لشرح الكهربية و المغناطيسية، أشعلوا الثورة الإلكترونية التي خلقت كم لا بأس به من المخترعات العلمية. يمكننا أن نشعر بذلك في كل مرة تنقطع فيها الكهرباء،و كأننا فجأة عدنا بالزمن 100 سنة إلى الوراء!
القوى الثالثة و الرابعة هما القوتين النوويتين، القوة النووية الضعيفة و القوة النووية القوية.حينما تفتق ذهن أينشتين عن معادلته السحرية E=MC^2 و عندما إنشطرت الذرة عام 1930 ،بدأ العلماء في فهم القوى التي تنير السماء. إنكشف الستار عن سر النجوم ، ليس ذلك فحسب بل فجرت قوة الأسلحة الذرية، و أعطت آمالا واعدة بإمكانية تطويع هذه الطاقة على الأرض.
لدينا اليوم معرفة لا بأس بها عن هذه القوى الأربعة ، القوة الأولى الجاذبية تشرحها النظرية النسبية العامة لآينشتين، أما القوى الثلاثة الأخرى فقد شرحتها نظرية الكم و التي سمحت لنا بفك شفرة عالم الذرة. و كان نتاج تلك النظرية إختراع الترانزيستور و الليزر و الثورة الرقمية التي تمثل المجتمع الحديث الآن، كما أستخدم العلماء قوة نظرية الكم لكشف أسرار جزئ الحمض النووى DNA. سرعة إنجازات التكنولوجيا الحيوية و الطبية راجعة إلى تكنولوجيا الحواسيب، لأن قراءة جزئ الـ DNA تتم بإستخدام اللآلات و الروبوتات و الحواسيب.
و بناءا على ذلك فإننا نستطيع أن نرى بشكل أفضل إلى أين يتجه علم و تقنية المستقبل خلال القرن القادم.بالطبع سوف ما يكون دوما هناك إبداعات و مخترعات غير متوقعة و لم تخطر لنا ببال و لكننا على الأقل لا نتوقع في المستقبل القريب أي تغيير في المعارف الأساسية التي تقود للمستقبل، لذلك نستطيع القول بشئ من الثقة إمكانية وضع الخطوط العريضة التي تحدد معالم المستقبل في عام 2100 ، لأن كتاب"فيزياء المستقبل" قائم على مقابلات مع 300 من العلماء تخرج من تحت أيديهم المخترعات و المكتشافات، التي بنيت نماذجها الأولية بالفعل كما أنها قائمة على القوانين الأربعة التي تحكم الكون،أي انها ليست محض خيال خصب.
يتبع