نوال السعداوي تثير الجدل و الضجيج :
" أنا أهم من العقاد و طه حسين و أعلم في القرآن من الشيخ الشعراوي و كتبي تجاوزت قاسم أمين " عمرو خالد و خالد الجندي مثل النساء القبيحات
" (الحجاب) مفروض للجواري و لا أدري لما لا أتزوج أربعة
" الدين ليس نصا .. و الله ليس كتابا يخرج من المطبعة
" (ربنا) لا دخل له بالسياسة لأنني لا أستطيع أن أعارضه
" تعلمت أول درس في الدين من جدتي الأمية و كدت أتزوج في العاشرة
" يجب أن لا نمشي خلف الرسول في الخطأ
" (الحج) و (الصلاة) بالطريقة الحالية (غلط) .. و تقبيل الحجر الأسود (وثنية)
" لا أريد من زوجي هدية ليخونني بعدها
" لا يوجد عندنا مبدعون لأننا دائما (موافقون)
" في الوطن الواحد ليس مفترضا أن يعيش أحد في كنف أحد لأننا شركاء متساوون
" لم تفشل الاشتراكية أو الوحدة العربية لأنهما لم تقوما من الأساس
" (السادات) حرر السيناء مقابل بيع قضيتنا و القضاء على الجامعة العربية
" الاختلاف على (العراق) هو صراع على النفط في البداية و النهاية
أجرى الحوار - أحمد عدنان: بهرني هذا السلام النفسي الذي تحياه هذه السيدة ، و تجاوزا لما تسببه آراؤها من ضجيج، فإنها و لا شك علامة بارزة في المشهد الفكري العربي لا يمكن المرور عليه مر الكرام و بالتحديد لو تطرقنا إلى قضايا (المرأة)، ولا أشك لحظة بأن رصيدها من البحث العلمي خصوصا في فترة السبعينيات ضرب شوطا كبيرا من حيث الكم و الكيف في مرامي التنوير، أما ما قد نختلف معها حوله اليوم .. فهو لا يلغي العطاء الثري المرتبط باسم (نوال السعداوي)، و التي أبت إلا أن يكون اللقاء معها صاخبا و مثيرا إلى أبعد درجة.
" فلنتحدث بدءا عن حدث الساعة.. في هذه الأيام يتقدم مجموعة من الساسة و المثقفين بطلب تأسيس حزب مصري جديد يرأسهم حفيد الرائد / أحمد لطفي السيد رحمه الله، أهم ما في بنوده الدعوة إلى إسقاط المادة المتعلقة بالدين من الدستور و إلى انسلاخ مصر من بعدها العربي .. ما هو رأيك في هذا التوجه ؟
- أنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري " الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر "، لأن بيننا أقباط، و لأن الدين مسألة متعلقة بين العبد و ربه و ليس لأحد أن يفرض دينه و ربه و طريقة عبادته على الناس، و لهذا أنا من أشد المعارضين للدولة الدينية لأن ربنا لا دخل له بالسياسة.
" و لكن الأقباط عاشوا في كنف الإسلام في منتهى السعادة و الإنصاف .. فلم المعارضة ؟
- نحن أبناء وطن واحد و شركاء فيه، و ليس المفروض أن يعيش أحد في كنف أحد.
" ما بالك إذا في جماعات الإسلام السياسي التي تطالب مصر بالعودة للإسلام لأنها ليست إسلامية أو دينية لفظا أدق ؟
- بغض النظر عن كونها جماعات متطرفة ورجعية، فإذا لم نكن دولة دينية فالأولى و الأجدى أن نحذف المادة المتعلقة بالدين من الدستور أساسا دون أن نكذب و نناقض نفسنا.
" و في الناحية المقابلة ما تعليقك على الدعوة للانسلاخ من البعد العربي و في هذا الوقت بالتحديد ؟
- لا بد من أن تتمسك مصر بموقعها و دورها في العالمين العربي و الإفريقي لنحمي أنفسنا، أوربا قامت بالوحدة لتحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية، لا بد من أن يكون لنا العرب سند عربي و إفريقي و آسيوي نحتمي به. و لعلمك إن قانون الأحزاب في مصر يمنع تكوين و تأسيس الأحزاب، و أن ينادى بحزب بهذه الدعوة في هذا الوقت يعني أنه مدعوم من أمريكا و إسرائيل المستفيدان الوحيدان من تشتيت العرب.
" لم أشتم رائحة " الوحدة العربية " في ثنايا كلامك و قد أثبتت الأيام و التجارب أنها فكرة مثالية و فاشلة ؟
- لم تفشل الوحدة العربية لأنه لم يكن هناك أصلا وحدة عربية، حتى في أيام عبد الناصر، ويقولون فشلت الاشتراكية، هي أيضا لم تفشل لأنها لم تطبق أساسا.
" ألا يمكن أن تكون هناك وحدة إسلامية ؟
- لا .. أنا ضد إقحام الدين في الدولة و التحالفات.
" و لكن .. كانت هناك حضارة إسلامية ؟
- هي جزء من حضارة عامة ، مبنية على الحضارات المسيحية و اليهودية و الفرعونية ، لا توجد حضارة نقية ، جميع الحضارات متداخلة ، و أنا ضد التقسيم إلى حضارة غربية أو شرقية ، نحن نعيش في حضارة واحدة .. هي حضارة رأسمالية أبوية طبقية متدينة و بكل أسف ، تستخدم الدين مخلبا للسيطرة .
نوال السعداوي !!
" سأمر على أغلب النقاط التي ذكرتها بتفصيل أكبر في ثنايا اللقاء ، و استنادا على الحديث عن أحمد لطفي السيد .. لماذا توقفت مصر عن إنجاب المفكرين العظماء الذين شغلوا الدنيا و الناس على غرار قاسم أمين و طه حسين و العقاد رحمهم الله ؟
- إذا و أين هي نوال السعداوي ؟!
أنا أهم من طه حسين ، لقد كان رحمه الله وزيرا ، و لعب دورا سياسيا و ثقافيا سليما ، أنا أيضا لعبت دورا ثقافيا و سياسيا و طبيا مؤثرا من دون وزارة و تصديت للمحرمات الاجتماعية، طه حسين لم يقم بهذا ، طه حسين تحسب له الريادة و الأولوية ، و لكن هذا لا يعني أن مصر توقفت عن إنجاب الرواد ، و أنا منهم ، و لكن الفرق أنني لست في السلطة و لا أتزلف لها ، لذلك تجد أن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم و الحظر ، و هذه للأسف الشديد سنة ابتدعتها ثورة يوليو ، لذا علك تلحظ ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري و الثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم .
" و لمصلحة من هذا التعتيم و الحظر ؟
- لمصلحة النظام الذي يحكم ، أيا كان هذا النظام ، و لهذا يضطهد المفكرون و يعذبون و يهددون بالاغتيال و ينفون ، و أغلب المفكرين و المفكرات تعرض لهذا ، و بالتالي هم موجودون و يقاومون ، و لكن أن تأت و تقول أن مصر لم تنجب بعد طه حسين و قاسم أمين ، هنا أختلف معك ، أنا كتبي أهم مليون مرة من كتب قاسم أمين .
" كلامك عن العلاقة بين السلطة و المثقف يطرح السؤال التقليدي / المعضلة : لماذا تظل العلاقة بين المثقف و السلطة علاقة توافق أو تنافر ، أليس هناك مفر أو سبيل يخرجنا من هذه الحدية ؟
- صعب .. في ظل حكم ديكتاتوري يحارب الشعب لا بد أن تعارض و تنتمي إلى الشعب و الناس و تقف في صفهم ضد الاستبداد ، و هذا ينطبق على كل العالم ، أنا ألقي محاضرات و أدرس في جامعات أمريكية و بريطانية ، و أقولها عن تجربة .. ليست هناك ديمقراطية لا في أمريكا و لا في بريطانيا ، هم يتفوقون علينا برلمانيا ، و من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية انتخابات و برلمان ، الديمقراطية الحقيقية هي أن يتاح لكل فئات الشعب بمختلف شرائحه و توجهاته القدرة على التنظيم السياسي و المشاركة في الحكم .
تكوين
" لا شك أن هذه الآراء المغايرة سواء التي أدليت بها هنا أو في كتبك تعبر بشكل ما عن تجربة مغايرة .. هل من الممكن بإيجاز أن تصفيها لنا ؟
- أنا من الريف المصري ، و شققت طريقي من القاع إلى العالم و ليس إلى مصر فقط ، حيث أن كتبي مترجمة إلى أكثر من 30 لغة ، أول العوامل التي أثرت في تكويني كان أبي رحمه الله،و جدتي العظيمة والدته التي اجتهدت و علمت ابنها في الأزهر و دار العلوم و القضاء الشرعي ،حتى أصبح أزهريا متعلما مؤمنا بالمساواة بين الولد و البنت إلا في مسائل طفيفة و مؤمنا بأهمية التعليم للجنسين ، كان لديه 9 بين بنات و أولاد علمهم جميعا تعليما جامعيا و كنت أكثرهم تفوقا ، لذا أكثر من تشجيعي و بالتفاخر بي ، والدتي كانت من الثوار ، شاركت في العمل الوطني ضد الإنجليز و دخلت السجن بسبب ذلك ، فأخرجها والدها - كان عسكريا - من المدرسة و زوجها بوالدي ، هذا باختصار هو أثر البيئة التي نشأت فيها علي ، نأت إلى أثر التعليم ، لقد درست الطب و أصبحت طبيبة ثم تمردت على التعليم الطبي مطالبة بتغييره ، بعدها فهمت المجتمع و تمردت عليه ، و تلحظ هنا أن تمردي على الأشياء نابع من فهمي و ممارستي ، لأنه لا يمكن أن تكشف مساوئ الشيء دون أن تعيه لتتعرف عيوبه ، بإيجاز .. كنت محظوظة ببيئتي و أسرتي و تعليمي ، تخيل كانوا سيزوجونني و أنا في العاشرة لولا معارضتي و وقوف والدتي بجانبي .
" و لكن لا يمكننا أن نتجاهل الظرف الزمني الذي عاشوه
- لا شك أنهم رواد ، و نحن اليوم أيضا رواد .
" والدي الذي تحدثت عنه هنا و في كتبك و لقاءاتك بكثير من الإيجابية ، توجهين للمؤسسة التي ينتم لها (الأزهر) دائما الصفعات واحدة تلو الأخرى ، أليس في هذا شيء من التناقض ؟
- من الأساس كان أبي ثائرا على الأزهر و وزارة المعارف و له مصادمات كثيرة معهما ، لذا نفوه في 10 سنوات في (منوف) ، و هكذا ليس مستغربا أن ينجب المتمرد على الأزهر و المؤسسة الأبوية من تتمرد عليهما هي الأخرى .
تخصص
" في كتابك الأخير (كسر الحدود) ... نوال السعداوي كتبت في الدين و الثقافة و الإبداع و السياسة .. أليس هذا (التشعب) يفقدك المصداقية في زمن (التخصص) الذي يترادف فيه بين الاحتيال و بين (بتاع كله) ؟
- غير صحيح ، نحن في ذيل العالم الذي يقفز قفزا نحو الإبداع و الابتكار بتجاوز التخصص ، كليات الطب المتقدمة اليوم تدرس الأدب و التاريخ و الموسيقى ، رواياتي مثلا تدرس في كليات الطب في أمريكا ، الحكمة .. أن يتخرج متعلم الطب متثقفا موسيقيا و أدبيا و تاريخيا و سياسيا ، و علم (الكون) يكسر التخصصات بين العلوم ، على المرء في البداية أن يتخصص و لكن بعد ذلك عليه أن يتعمق في العلوم الأخرى حتى يكتسب النظرة الكلية و الشمولية الفاحصة و المعالجة للأمور .
" الكلام في الدين تحديدا له في عيون الكثيرين بعض الخصوصية لحساسيته .. ؟
- هذا غير صحيح ، أنا ممكن أدرس و أكون أفقه من الشيخ الشعراوي ، و أنا أعلم في القرآن أكثر من الشيخ الشعراوي رحمه الله ، لقد درست الأديان و قارنت بين القرآن و التوراة و الإنجيل ، هو لم يفعل ذلك ، كان متخصصا في القرآن الذي لا يمكن أن يفهم دون أن تقارنه بالكتب الأخرى ، لأن العلم يبدأ بالمقارنة و التجربة و التجريب .
" هكذا .. إذا نحن نميع العلوم و لا أظن أنه ستكون هناك جدوى من العلماء ؟
- أنا لم اقل ذلك ، أنا لم أنف التخصص ، دعني أضرب لك مثالا يوضح فكرتي ، هناك من تخصص في جراحة و علاج القلب ، عليه أيضا أن يدرس الموسيقى ، عليه أن يفهم كيف يمرض القلب ، القلب كامن في جسم كامن في مجتمع ، المجتمع يؤثر على الجسم الذي يؤثر على القلب فيؤثر على الجسم ، و بالتالي إذا لم يفهم المجتمع قبل أن يفهم الجسم فلن يستطيع علاج القلب ، أنا طبيبة نفسية ، شرحت الجسد و النفس ، و بعدها شرحت المجتمع ، لأن الأمراض النفسية تأت تأثرا من الأمراض السياسية و الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لا أستطيع أن أقوم بالعلاج إلا بالتعمق و التشعب في القراءات ، ما الفائدة من طبيب قلب ليس ملما حتى بأبجديات مجتمعه ؟ لا شيء ! ما الفائدة من طبيب نفسي لا يفهم في السياسة و الاقتصاد ؟ أيضا لا شيء ! (بتاع كله) الذي تتحدث عنه لم يدرس شيئا و لا يفعل شيئا و هو مرفوض ، أما المتخصص في علم و مطلع و متثقف من بحور العلوم الأخرى فهذا ما أنادي به و أفعله . لماذا أدرس في جامعات أمريكا و أحوز أعلى أجر على محاضراتي هناك ؟ أدرس لديهم مادة (الإبداع و التمرد) و هي مادة غير موجودة في أي جامعة عربية ، و أقول لهم إنني أتمنى أن يسمعني الشباب المصري و العربي مثلكم ، أنا لا أدرس في أي جامعة عربية لأنهم يعيبوني بالتخصص ، و لكن هناك حين يسمعون ما أقوله و أدرسه للطلبة يتهافتون علي و يعطونني أعلى أجر . و هنا دلالة واضحة على أن هزيمتنا الفكرية أنجبت هزيمتنا السياسية و الاقتصادية .
" هل هذه هي الحقيقة .. نحن مهزومون فكريا ؟
- نعم ، لأنه لا يوجد لدينا مبدعون ، دوما ثمة علاقة بين الإبداع و التمرد ، بين الإبداع و المعارضة ، و لكننا نولد و نعيش و نموت في خوف ، و بالتالي ليس عندنا لا تمرد و لا معارضة . موافقون موافقون !
" أزمتنا إذا سياسية و ليست ثقافية ؟
- لا .. أزمتنا سياسية و ثقافية ، أنا لا أفصل بين السياسة و الاقتصاد و الثقافة و المرأة و الجنس ، كلهم مترابطون ، و حين يقع ركن واحد يتهاوى المبنى بأكمله .
السادات
" لماذا ألحظ أن الرئيس الراحل أنور السادات (بطل الحرب و السلام) يمثل عندك ذروة سقوط الركن السياسي ؟
- طبعا ، أود أن أشير بداية أنني لا متحيزة لعبد الناصر و لا متحاملة على السادات ، و لكنني سررت بالتغييرات التي أنجزها عبد الناصر في فترة حكمه و أبرزها تذويب الفوارق بين الطبقات و المساواة و دفع المرأة للعمل بأجر و مقاومة الإمبريالية الغربية المتمثلة وقتها في الصلف البريطاني و الأمريكي بعدها ، و هذا ما دفع الغرب حينها للتآمر عليه و هزيمته و ساعدهم في ذلك أن سياسة عبد الناصر الداخلية كانت قائمة على القمع لا الحوار و هذه هي أكبر عيوبه و أخطائه بالإضافة إلى فساد عبد الحكيم عامر و زبانيته في القوات المسلحة .
" ألا ترين أن عبد الناصر لو كان وليدا لليوم لما اختلف كثيرا عن صدام حسين الرئيس العراقي المخلوع ؟
- لا يمكن أن تساوي بين صدام و عبد الناصر ، صدام قام بأعمال جليلة كثيرة للعراق ، لكنه كان قاتلا و عبد الناصر لم يكن كذلك .
" أين أنت من السجون و المعتقلات التي فتحت للأخوان و المعارضين ؟
- زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر و خرج دون خدش ، عبد الناصر لم يكن دمويا مثل صدام ، و رغم ما قلته عنه في البداية إلا أنني عارضت حرب الخليج ، و مع هذا في رأيي أن جورج بوش الأب و الابن أكثر دموية من صدام حسين .
" لماذا مثل عندك أنور السادات رمز السقوط ، لماذا لا يكون رمزا للنهضة ، أليس هو من حرر سيناء ؟
- لم يحررها ، و إن حررها فبأي ثمن ؟ ببيعه القضية العربية و قضائه على الجامعة العربية!! ، و أصبحنا نسمى (الشرق الأوسط) بعد أن كنا نسمى (العالم العربي) .
" إن أطراف القضية اليوم يتمنون لو كانوا في صف أنور السادات .. فلم تشنعين عليه ؟
- هذا جهل سياسي خطير ، و هناك منافقة للسادات لأن عهد اليوم امتداد له .
" حين اعتقل (السادات) محمد حسنين هيكل خرج و كتب (خريف الغضب) .. و أحسب أن هجومك الضاري على السادات عائد لنفس المشكلة ، لأنك سجنت في عهده .. أليس في هذا طرف من صحة ؟
- ليس هناك مسألة شخصية بيني و بين السادات و لا مع مبارك و لا مع عبد الناصر الذي اضطهدت في عهده أيضا ، لقد اضطهدت في كل العهود لأنني أنتمي دائما إلى الشعب و ليس إلى الحاكم .
" (السادات) هو أول من وضع بذور الديمقراطية في مصر و ربما في العالم العربي .. ألا يحسب هذا له أيضا ؟
- هذه أكبر أكذوبة سمعتها في حياتي ، ليس يعني شيئا أبدا أنه اصدر قرارا جمهوريا عدد الأحزاب ، ماذا كانت النتيجة ؟ أن الأحزاب التي عندنا ليست أحزابا حقيقية إنما أحزاب ورقية ، لأن الأحزاب الحقة هي التي تنجبها الديمقراطية من رحم المجتمع و ليس من قصر الرئاسة ، هل من الديمقراطية أن تغلق جمعيتي سنة 1991م لأننا عارضنا حرب الخليج ، حدثان قضيا على العالم العربي : كامب ديفيد أنور السادات و حرب الخليج ، بسببهما اليوم نحن في الحضيض ، لو تابعت مشهد القضية الفلسطينية لوجدت الأنظمة تتوسل أمريكا للتدخل .. بالله أي عار بعد هذا على شعوبنا ؟
" ألاحظ اعتراضك على مقولة أن العرب يعملون ضد أنفسهم .. على الرغم من الأيام دوما تؤكد صدق المقولة ؟
- لابد أن نفرق بين الشعوب و الأنظمة في العالم العربي ، المستبد العربي دوما كان عميلا للاستعمار البريطاني ثم الأمريكي و الإسرائيلي و الوحيد الذي شذ قليلا كان جمال عبد الناصر .
" كان يؤخذ معونة من أمريكا مثله مثل غيره ..فلم نميزه عنهم ؟
- خطأ .. هذا لم يحدث إلا في عهد السادات ، أمريكا حاربت عبد الناصر لأنه رفض مساوماتها على تمويل السد العالي و لم يفرط في السيادة و حرر قناة السويس و ذهب إلى روسيا، فاتهموه بالشيوعية ، و المعونة / العار علينا التي تتحدث عنها تعود إلى أمريكا مرة أخرى أضعافا مضاعفة . هذه التصورات المغلوطة نتيجة طبيعية لتضليل الساسة و الإعلاميين العرب للشعوب العربية .
" إذا 3 معضلات في الحالة السياسية : المستبد - إسرائيل - التبعية لأمريكا ، هل تجدين علاقة بين (المستبد) و إسرائيل ؟
- طبعا .. نحن نعيش في عالم واحد على شكل هرم ، يحكمه شرذمة من أصحاب الأموال و السلع في واشنطن ، و إسرائيل هي اليد اليمنى للولايات المتحدة و الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة ، السياسة الدولية تؤثر في السياسة الإقليمية التي تؤثر في المحلية المؤثرة في العائلة ، و الاستبداد العربي صنيعة و حماية السياسة الدولية ، (السادات) مثلا كان محميا من أمريكا و حين لبى مطالبها كلها رفعت عنه الحماية فقتل، وما ينطبق على السادات ينسحب على غيره .
مزاح
" كيف تفسرين مشروع باول و غيره من المبادرات المنادية لترسيخ و إدخال الديمقراطية في المنطقة العربية ؟
- من الممكن أن تقول عنها أنها (مزاح) .
" كيف ؟
- هل سنظل نتسول من الغرب كل شيء ؟ أمريكا لن تحل مشاكلنا ، و كولين باول و كونداليزا رايس لن يجلبوا لنا الديمقراطية .
" و لكن منذ سقط النظام الطاغية في (بغداد) و هناك متغيرات إيجابية في العالم العربي .. لا يمكن أن نتجاهلها .. كيف تفسرينها ؟
- كلام فارغ ، كل هذا قطرات أو حقن مخدرة ، هل تتصور أنت أن الاحتلال الأمريكي للعراق سيجلب الديمقراطية ؟
" أنا مجرد صحفي محايد يطرح الأسئلة ، ألم تبدأ النهضة الاقتصادية و السياسية في كل من اليابان و ألمانيا بسقوط الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمها على يد أمريكا ؟
- لا .. أنت تقلب التاريخ و تؤيد الاحتلال ، لا يمكن أبدا لأي شعب و أي دولة أن تحقق الديمقراطية في ظل الاحتلال ، هناك (منطق) فلماذا نلغيه ؟ كيف تتحقق الديمقراطية في العراق على يد الأمريكان خاصة و أن أول ما فعلوه حين دخلوها أن استولوا على أموال نفطه و بعدها استولوا على النفط نفسه .
" و لكن النفط في أي حال يأت لأمريكا في آخر المطاف ؟
- غير صحيح ، لا تنس منافسة فرنسا و ألمانيا و روسيا ، الذين تصنعوا البطولة في مجلس الأمن لا من أجل عين العراق بل من أجل عيون النفط .. الذي أصبح مرتعا للشركات الأمريكية التي بدورها أغلقت الباب في وجه الشركات الأوربية ، هو صراع من أجل النفط في البداية و النهاية .
" لقد وضعت أزمة العراق الأخيرة المثقف العربي في معضلة أنه إذا لم يعارض الاحتلال فهو يؤيد الاستبداد أو العكس .. كيف كان من الممكن أن يخرج من مأزقه ؟
- لم يكن هناك تناقض ، و هي معضلة مزيفة ، لأن صدام كان عميلا لأمريكا، و اختلف معها على جزئية احتلال الكويت التي قضت على ما بينهما بتخطيط أمريكا نفسها ، و تذكر معي اجتماعه بالسفيرة الأمريكية قبل الحرب ، و هنا مؤشر مهم على أن الديكتاتور دائما ما يكون غبيا ، أمريكا هي التي تصنع الطغاة و تحميهم و ينتهون حين ترفع يدها عنهم ، لذا صنعت لنا المعضلة التي تحدثت عنها حتى يصمت المثقفون خوفا من أن يتهموا بأنهم مع صدام ، أنا لست مع صدام و لا مع أمريكا ، أنا مع شعب العراق الذي يموت كل يوم سواء بيد الاستبداد أو بيد الاحتلال.
" نوال السعداوي تهاجم السائد من الاستبداد و الرجعية في العالم العربي من ناحية ، و من ناحية أخرى تهاجم النموذج الغربي، الأمر الذي وضع المتلقي في حيرة ما تريده نوال السعداوي ؟
- و هل الخيار لا يكون إلا بين الاستبداد المحلي و بين الاستعمارية الرأسمالية الغربية ؟ أريد حرية الناس و الشعب ، انظر إلى مثال كاسترو ، هو ليس مع الاستبداد و لا مع الاستعمار ، "مطلع عين أمريكا" وهو يجاورها في دويلة صغيرة جدا ، و رغم الدعاية التي وجهوها ضده و محاولات اغتياله ظل كما هو لالتفات الشعب حوله ، و هذا يدل على أنه من الممكن أن ترفض المستعمر الخارجي و المستبد الداخلي ، و أمريكا كلما وجدت تكرارا لهذا النموذج في آسيا أو أفريقيا سعت لإسقاطه ، عبد الناصر قتل قتلا لهذا .
" يبدو يا دكتورة أن نفي تهمة (الناصرية) لن يكون سهلا بالنسبة لك ؟!
- هذا هو التفكير الديني الذي أرفضه ، حدية الأبيض أو الأسود ، عبد الناصر إما أن يكون ملكا أو شيطانا ، أنا ضد تقسيم الناس إلى ملائكة و شياطين ، عبد الناصر كان وطنيا حاول أن يرتقي ببلاده نزيها لم يتقاض راتبا من أمريكا مثل السادات ، عيب عبد الناصر أنه كان ديكتاتورا ، و الفرد الواحد لا يفعل شيئا كما أن اليد الواحدة لا تصفق ، لقد طالبنا بالتغيير في عهد عبد الناصر فاضطهدنا من أعوانه و عزلوه عن الناس ، عبد الناصر لم يكن أبدا مثل السادات ، لقد فتح الأخير للتيارات الإسلامية الباب على مصرعه أما عبد الناصر فحرص على محاربتها و القضاء عليها .
" و لكن أليس من حقها أن تسع للوصول للحكم .. أليست هذه هي الديمقراطية ؟
- لا ليس من حقها .. إنهم سفاحون مجرمون .. وضعوا اسمي و غيري من المثقفين و المفكرين الشرفاء و المخلصين على قوائم الموت ، و لو مررنا على جرائمهم فإنها لا تعد و لا تحص ، إذا كان رأيي يخالف رأيك فهذا ليس دافعا لقتلي ، حاربني بالتجاهل أو بالرد علي و لكن ليس بالتكفير و سفك الدماء كما تفعل هذه الجماعات . لهذا أنا أعارض الدولة الدينية ، (ربنا) يجب أن نبعده عن السياسة لأنني لا أستطيع أن أناقش أو أعارض (ربنا) ، اعبد الإله الذي يرضيك و يحقق مصالحك و مطالبك ، لكن لا تفرضه علي أو على الدولة ، لأن كل المواطنين في الدولة سواء ، على اختلاف حالتهم المادية أو شريحتهم الاجتماعية و انتمائهم الديني ، لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ، لماذا يتزوج الرجل 4 و أنا لا ، هذه إهانة لي .
زواج
" هذا هو حقه !
- من قال هذا ؟
" القرآن !
- أنا درست القرآن ، لقد وضع العدل شرطا ثم قال " و لن تعدلوا " أظن أنه ليس هناك ما هو أوضح ، الرجال و استنادا على فسقهم يدعون و يكذبون على القرآن و يقولون أنه نادى بالتعدد ، كيف يتزوج الرجل 4 ؟ هذا فساد أخلاق و إساءة للقرآن و الإسلام ! كيف ينتقل من فراش امرأة إلى فراش امرأة أخرى ! (إخي)! و الله لو ذهب زوجي لامرأة أخرى لطردته ، هل يرضى الرجل أن تتنقل امرأته بين فرش الرجال ، هو أيضا سيطردها ، أنا أيضا تملي علي كرامتي الإنسانية نفس الفعل و ردة الفعل ، تونس منعت التعدد و غيرها من الدول الإسلامية .. هل ستكفر هذه الدول ؟ تعدد الزوجات وصمة عار على العرب و على أي دولة تسمح بهذا الفعل الشائن ، و القانون الذي ترتكز عليه قانون فاسد و غير أخلاقي .
" دعيني أرتدي العباءة الإسلامية و أقول لك أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان متزوجا بـ 9 و بعض الصحابة رضوان الله عليهم من بعده كان نصابهم من الزوجات كاملا؟
- و لماذا تجعل الرسول صلى الله عليه و سلم مثلك ؟ و هو لم يقل لك أن تفعل مثله . و هناك حديث مهم أن إحدى زوجاته وجدته في ليلتها على فراشها مع زوجة أخرى ، فقالت له مستنكرة " في ليلتي و في فراشي يا رسول الله ؟!" فقال بعد اتعاظ و اعتبار " اسكتي و لا تذكريه لن أعود لمثلها أبدا " لأنه نبي و رسول يجب أن يكون مثلا للعدل ، و الفعل الذي فعله مناف للعدل ، و هو حديث موجود في " الطبقات الكبرى " ، إذا كان النبي محمد قد أخطأ لأنه بشر يخطئ و يصيب فكيف تريدني أن أمشي خلفه في الخطأ ، مرة أخرى أقول لك أن الرجل بسبب فساد أخلاقه و يفسر و ينتقي من الإسلام ما يشاء .
ما رأيك في حجة القضاء على العنوسة ؟
- هذا تبرير لفساد الرجال الأخلاقي ، و التعددية الجنسية ليست وسيلة للقضاء على العنوسة المزعومة ، و المرأة التي ترضى أن تتزوج رجلا متزوج من 3 قبلها هي جارية و لا تستحق أن تكون امرأة .
و بحكم اختصاصك في علم النفس ، ثمة حجة قرأناها تقول أن الرجل بفطرته يميل إلى 4 و أن المرأة تخلص لرجل واحد فقط ؟
- العكس هو الصحيح ، و من الناحية البيولوجية فقط لا تحتمل قدرة الرجل أكثر من واحدة ، على الرغم من أنني لا أفصل بين البيولوجيا و السياسة و الاقتصاد كما أخبرتك ، أنا مع الأخلاق و الاستقامة وعدم الازدواجية ، كما يجب أن تكون هناك أخلاق للرجل تكون كذلك للمرأة ، الأخلاق للأغنياء و للفقراء أيضا ، و ليس طرفا واحدا دون آخر .
" لقد قلت في كتاب لك يجب أن تنطبق المعايير الأخلاقية على الرجل و المرأة ضاربة بـ (المرأة شرفها مثل عود الكبريت) و (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق) ، هوجمت لأنه فهم أنك تريدين أن تطلقي العنان على آخره للمرأة فكيف تردين ؟
- و هل الرجل ليس له شرف ؟ و هل الأب ليس مدرسة هو الآخر ؟ أين مسؤولية الأبوة ؟ كل شيء على عاتق الأم و بعد هذا كله يهينوها و يحتقروها و لا يسم المولود باسمها إنما باسم الأب ، أنا أنادي بأن ينتسب المواليد للأم ، لأن اسم الأم مشرف ، لماذا لا يتسم أولادي و بناتي باسم نوال السعداوي ، اسم الأم ليس عورة و ليس عيبا .
" و لكنه العرف ؟
- العرف غلط ، و لا بد من تغييره ، العالم كله يغير و يتقدم إلا نحن ، و لهذا نحن مهزومون ، ثلاثة أرباع العالم يحترم اسم الأم ، الأطفال كلهم يتسمون باسم الأب و الأم ما عدا بلداننا .
" و أين أنت من نظرية أن الرجل خلق ليعمل و الأم خلقت لتربي ؟
- خطأ ، أنا امرأة و طبيبة و أديبة و مفكرة و تزوجت و أنجبت و ربيت ، الأمومة مثل الأبوة ، و المرأة مثل الرجل ، أنا لم أخلق لأربي فقط ، بل لأفكر ، أفكر لأنه عندي عقل ، عقل المرأة مثل عقل الرجل بالضبط و ربما يفوقه بحسب البيئة و الظروف ، أين هو الرجل المصري الذي حقق ما حققته ؟ حتى نجيب محفوظ لم تترجم كتبه مثل كتبي إلى أكثر من 30 لغة ، أنا امرأة و عندي عقل ، و الإنسان هو العقل و ليس الأعضاء التناسلية التي خلقت للإنجاب ، و يجب أن تكون الأبوة مسؤولة مثل الأمومة ، و اسم الأم يجب أن يكون مشرفا مثل اسم الأب ، يجب أن تتعدل مجتمعاتنا لأنها مجتمعات لا أخلاقية .
" ترفضين إذا نظرية مسؤولية الأم عن الأخلاق ؟!
- و لماذا لا يكون الأب مسؤولا هو الآخر !! أمرك غريب .
" الأب مشغول في مزاحم العمل و جني المال ؟
- و الأم أيضا ، حتى التي لم تتعلم تطبخ و تكنس و تغسل في البيت و الرجل يأكل أجرها على ذلك ، أين هي أخلاق الرجل ؟ الرجال يريدون أن يعفوا أنفسهم دوما من المسؤولية الأخلاقية .
تحرير المرأة
" لو تعمقنا في مشروعك (تحرير المرأة) و هو أول ما يلتصق بالأذهان فور ورود اسمك ، نلحظ انه في أواخر القرن 19 و أوائل العشرين و تحديدا في قاسم أمين و من بعده هدى شعراوي ، ثم أنت في نهايات القرن العشرين و أول القرن الحالي نلحظ اختلافا بين المدرستين : قاسم أمين لم يرد أن يهدم البناء .. أراد فقط ان يرمم مواطن الضعف و الخلل فيه ، نوال السعداوي على عكسه تريد هدم البناء و البناء محله ، قاسم أمين اعتمد (النص) أداة له و نوال السعدواي اعتمدت العقل و المنطق ، كيف تقرئين هذا الاختلاف ؟
- أنا لست امتدادا لقاسم أمين أو هدى شعراوي على الإطلاق ، آمنت بتحرير المرأة لأنني ولدت امرأة في بيئة فقيرة و بدأت أشعر بظلم المجتمع لي ، مشروع قاسم أمين كان مشروعا سطحيا جدا ، ليس هناك معنى لأن تضع المرأة (مكياجا) و تذهب إلى الجامعة و تتزوج و بعدها تتحجب و ترضى أن تضرب من زوجها حين يقول المجتمع لها ذلك ، هذا ليس تحررا .
" ما هو (تحرير المرأة) في مفهومك ؟
- هو أن تكون المرأة إنسانة كاملة الإنسانية ، تشعر بمسؤولية تامة و كاملة إزاء نفسها أولا ثم المجتمع ، و هذه هي خلاصة مشروعي للمرأة في العالم و ليس في العالم العربي فقط .
" لماذا لا تستندي للمرجعية النصية / القرآن في هذا المشروع ؟
- أنا آسفة جدا ، الدين ليس نصا ، و الله ليس كتابا ، لقد تعلمت أول درس ديني على يد جدتي الفلاحة الأمية : " ربنا هو العدل عرفوه بالعقل " ،إذا .. الله هو العدل و ليس نصا يخرج من المطبعة ، هو هذا الدين بالنسبة لي ، هذا هو الإسلام ، هذه هي الأخلاق .
" تفسيرات العدل تتفاوت ؟
- هنا تتدخل السياسة ، و ليس لربنا دخل بها ، ربنا هو العدل و النور و الجمال و الصدق ، هذا ما تعلمته من أبي الأزهري الثائر على الفكر النصي ، لذا يقول المفسرون المتقدمون أن المصلحة تقدم على النص إذا تعارضا لأن المصلحة متغيرة و النص ثابت ، هذه فلسفة الإسلام ، و هي فلسفة متقدمة ، و الإسلام نفسه متقدم لأنه متغير ، إسلام اليوم ليس هو الإسلام قبل قرن ، و حتى اليوم ، إسلام السعودية يختلف عن إسلام إيران عن إسلام ليبيا عن إسلام طالبان عن إسلام مصر ، كل مجتمع و له ظروفه .
" قال أحد المفكرين : " ارتكزت الحضارة الإسلامية دوما على النص ، لذا أي رغبة تجنح نحو التغيير في أي مجتمع إسلامي لا بد أن تمر من تحت عباءة النص " ، كيف تعلقين على هذه المقولة ؟
- غلط ، العجز و التخلف هما من يحيلان للنص ، الإنسان هو الذي يصنع النص و ليس العكس ، و كأننا صنعنا صنما اسمه (النص) بيدنا ثم عبدناه ، الإنسان هو الذي خلق القانون ثم كسره للصالح العام و لم يجعل القانون سيفا مسلطا على رقبته ، وهنا الإبداع .
و أين الضابط ؟
- لا بد أن يكون (نظام) ، هناك نظام حالي ، و من المستحيل أن تتبع النظام القديم ، إبداعك يزيل القديم و يخلق نظاما جديدا ، مثلا انا غيرت مفهوم ارتباط الشرف بغشاء البكارة ، و ربطت الشرف بالعدل و العقل و الصدق ، إذا لا بد من هدم النظام القديم بشرط تقديم النظام الجديد ، هناك خطأ في تفكيرنا أننا نخاف من كلمة (هدم) ، انظر إلى عملية بناء الإنسان ، هناك خلايا تهدم و خلايا تبنى ، لا يوجد (بناء) فقط و لا يوجد (هدم) فقط ، هناك بناء و هدم أيضا في الفكر كما في الجسد .
إنكار
" دعيني أنتقل معك إلى محور (الزواج) و قد أثرت بنفسك قضية الشرف ، سبق و صرحت أنك تعارضين فكرة الزواج و أنك لا تمانعين من أن تكون ثمة علاقة كاملة بين الجنسين دون عقد يربطهما، فهل هذا صحيح ؟
أنا عارضت الزواج بوثيقة، بالضبط كما أستلف من أحدهم مبلغ و قدره 1000 جنيه و يكتبني عليها كمبيالة ، ما يحدث بالنسبة للزواج أن المرأة تتزوج و تكتبه أن الرجل " اشتراها " بدفعه مبلغ و قدره كمقدم ، و عند الطلاق يدفع لها مبلغ آخر ، ورقة الزواج أو عقد الزواج هي أكبر امتهان للزواج .
" و ماذا عن حفظ الحقوق ؟
إذا الرجل لم يحافظ على حقوق المرأة بلا ورقة أو عقد فهو لا يستحق أن يعيش معها ، لا يعقل من وجهة نظري الشخصية أن يخلص الرجل لزوجته لأجل " ورقة" . حفظ حقوق الزوجة أو الزوج يكون في الضمير و الأخلاق قبل أي شيء.
" إذا .. هو ليس اعتراضا على مشروع الزواج بذاته ؟!
- أبدا .. أنا نفسي متزوجة و لدي أولاد .
" و ماذا عن إنكارك لفريضة الحج يا دكتورة ؟
- أنا لم أنكره ، لقد قلت نصا أن (الحج) و (تقبيل الحجر الأسود) عادة وثنية .
" و لكنه ركن خامس ؟
- أبدا .. هو (اختياري) (لمن استطاع إليه سبيلا) ، أبي توفى و لم يحج و هذا لا يعني أن إسلامه ناقص ، هناك من يصلي دون أن تنفعه صلاته ، و هذا ينطبق على الذي يذهب الحج ليقوم بعمل ، أو يقبل الحجر الأسود !! إنني أسأل هل تقبيل الحجر الأسود من الإسلام ؟ هذه وثنية !!! الإسلام أتي ليقضي على الوثنية و أنا أحارب عبادة الأوثان .
" و هل يمثلها الحج ؟
- بالطريقة التي يقومون بها ، نعم . و أنا أيضا ضد الطريقة التي يصلون بها ، لقد ذهب جمع من الصحابة لرسول الله و قالوا له فلان يصلي الليل و النهار ، فقال لهم : و من يعول أسرته ، قالوا : كلنا يا رسول الله ، فقال : أنتم خير منه . يا أخي رعاية الأولاد صلاة و عبادة ، الصدق صلاة وعبادة ، التعامل الإنساني صلاة و عبادة ، ليس أن يذهب إلى الحج ليسرق أو يتاجر أو يصلي و هو أفسق خلق الله ، أنا مع المفهوم الصحيح للإسلام ، الصلاة ليست مجرد حركة رياضية كما أصبحت حالا ، الصلاة هي إحياء الضمير ، الحج كذلك ليس زيارة لقبر أو تقبيل لحجر، لأن الإسلام حارب الوثنية ، الحج هو التأمل، اسمع الكلام الجميل لرابعة العدوية التي حاربت مع الصوفية (الطقوسية) : " لا أعبد الله لأنني أخاف النار أو أطمع في الجنة فأكون أمة أو جارية ، إنما أعبده لأنني أحبه" ، انظر إلى هذا الجمال .
" و هذا ما يفسر غضبتك حين يقول أحدهم لكي يا " حجة" ؟
- نعم .. لا أحب أن يناديني أحد بهذا اللقب ، لأنني لم أحج و لن أحج ، بإمكاني أن أحج و أنا في شرفة بيتي ، و عملي و كتبي هي صلاتي ، تقربي لله هو تقربي للعدل و الحرية ، و ليس بالنصوص و التفسيرات ، هذه سياسة .
" و لكن أنت أيضا تطرقين باب السياسة بقوة فين تكتبين ، فلم تزعجك ؟
- لقد قصدت السياسة بمفهوم التآمر للاستحواذ على السلطة أو التملق لها ، أي .. السياسة كما توارثناها و عرفناها في العالم العربي.
" باختصار شديد ، ماذا تعني لكي هاتين الكلمتين : الرجل و الدين ؟
- الرجل يستغل الدين ليتزوج و يمارس أهواءه الجنسية .
" هذا الهجوم الشرس على الرجل ، هل هو أساس لموقف شخصي ؟
- أنا ليس لي موقف شخصي من الرجل ، أنا متزوجة من د/ شريف حتاتة ، و لدي ابني عاطف حتاتة ، و أصدقائي الرجال أكثر من أصدقائي النساء ، أنا لست ضد الرجل ، إنما أنا ضد النظام الذي يفسد الرجال .
" و هل (الدين) هو هذا النظام ؟
- نعم .. الدين كما تتبعه البلاد و الأنظمة العربية، نعم .. الدين الذي يدرسونه في المدارس ، و ليس الدين الذي تعلمته من أبي و جدتي " ربنا هو العدل عرفوه بالعقل" .
" و لكنك قلت في كتبك صراحة أن الإسلام و المسيحية و على الرغم مما أحدثاه من تطور اجتماعي كبير زادت القيود على المرأة ؟
- لقد قلت أن الأديان السماوية و غير السماوية مراحل تقدمية من التاريخ البشري إذا أخذت لصالح المقهورين و النساء و الفقراء ، لكن إذا أخذت لصالح الحكومات و الأسياد تصبح معادية للإنسان، هل تعلم أن إسرائيل احتلت فلسطين و قتلت النساء و الأطفال بحجة آية في التوراة تعدهم بالأرض إذا ختنوا ذكورهم ؟! من جهة أخرى على وجه العموم يجب أن يتطور الكتاب الديني مع البشرية ، أنا ضد الثوابت و مع المتغيرات " إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة" لصالح الشعب ، لماذا تسجنني بـ " قال الكتاب الديني" ، ألم يقل المصطفى " أنتم أعلم بأمور دنياكم" ، لقد فوضنا في تصريف أمور حياتنا فلماذا نقيد أنفسنا ؟ لماذا نستجيب للحاكم الذي يكبلنا ؟
حجاب
" أريد أن أستوضح منك هذه العبارة التي وردت في أحد كتبك أيضا : " تحجيب المرأة باسم الإسلام يوازي تعريتها باسم التجارة " ؟
- نعم .. أنا ضد أن تتعرى المرأة و ضد أن تتغطى ، أنا إنسانة و لست جسدا يغطى أو يعرى ، ما مشكلة (الشعر)؟ إنهن يغطين شعورهن و يغمزن بأعينهن للرجال! لا علاقة بين الأخلاق و الحجاب ، و لقد ذكرت أيضا أن (الماكياج) حجاب و هاجمته ، و قلت أنني ضد العري و هاجمته أيضا ، تغطى المرأة لأنها بضاعة جسدية و تعرى لأنها بضاعة جسدية ، لذلك في الناحية المقابلة لا يعرى الرجل لا يغطى .
" ما هو الحجاب ؟
- الحجاب مفروض للجواري و العبيد ، و الأسوأ منه حجاب العقل ، لأنه لا يمكن لقلة أن تتحكم في الأغلبية دون حجاب العقل ، و ينطبق نفس الشيء على حجاب الوجه .
" هذه الإجابات الصارخة تتنافى كلية مع الخطاب الديني السائد ، ما تفسيرك لهذا ؟
- و هذا يفسر العزلة المفروضة علي .
" و لكن ما هو المقابل لخطابك ؟
- خطاب الحكومات ، و خطابي هو البديل .
" و لكنك لا تمثلي مرجعا دينيا ؟
- هذا لا يهم ، لأن الدين موجود في بيت كل واحد ، ليس له علاقة لا بالسياسة و لا بالاقتصاد لأنه علاقة شخصية بين العبد و ربه ، يختار الإله الذي يريد و يعبده بالطريقة الذي يريد دون فرض .
" نعود إلى تحرير المرأة بعد هذه التفرعات و التي لا أظنها أخرجتنا عن السياق ، ألا ترين أن (حركة) تحرير المرأة لو صح المصطلح تراجعت قياسا بفترة الستينيات و السبعينيات، و حتى أن أبرز رموزها انسحبوا إلى الصحافة و النقد الأدبي بل و الأمومة و العودة إلى البيت في أحيان أخرى ، فهل هذه هزيمة لنوال السعداوي ؟
- لا ، هذه أكبر هزيمة للنظام الذي أحاربه .
" كيف ؟
- هؤلاء ليسوا من قرائي أو تلامذتي ، إنما هم أذيال الخطاب الرسمي السائد .
" لقد كانوا معك يوما ما ؟
- أبدا ، (المعرفة) عندي ليست قابلة للانتكاسة ، من قرأ كتبي و استوعبها يسترد إنسانيته ، تذوق الإنسانية إحساس جميل مثل تحرر العبيد ، غير قابل للانتكاسة ، فمن تنفس هواء الحرية لا يمكن أن يتراجع عنه، المتراجعون هم أذيال الخطاب الرسمي ، أنا لي شعبية كبيرة جدا في مصر و العالم العربي ، اسأل نفسك لماذا تجري حوارا معي !! حتى جريدة (عكاظ) جاءتني من قبلك و كذبت على لساني و تقولت علي .
تراجع
في محور الإبداع .. كتبت معترضة على الرواية الشهيرة (وليمة أعشاب البحر) لحيدر حيدر لأن خيالها مبتور لا لأنها تمس المقدسات ، و في تناقض صارخ هاجمت الفنان التشكيلي المصري / محمود سعيد رحمه الله لأنه رسم المرأة عارية ، هل أسمي هذا تعنصرا إبداعيا ؟
- أنت لم تقرأ بالضبط ما كتبته عن محمود سعيد ، لقد قلت لماذا تتعرى المرأة / الموديل أمام الرسام ليرسمها ، ألا يستطيع أن يرسم امرأة بملابسها ، أنا ضد الفساد الأخلاقي ، محمود سعيد رسام من الطبقة العليا الفاسدة أخلاقيا التي تعري المرأة أو تحجبها ، هو نفسه رسم المرأة إما محجبة أو عارية ، بالنسبة للوليمة، فهي رواية سيئة ، لا لقولهم أنها مست الدين بل لدونية النظرة للمرأة فيها ، و هذا في تصوري ليس مستغربا لأن كاتب الرواية (يساري) أو أن بطلها يمثل اليسار مصطلحا أدق ، و حقيقة إن التيار اليساري انتهى و مات في العالم العربي ، و حدا أدنى أقول أنه أصبح لا قيمة له بسبب واحد : أنه لم يتطور إنسانيا و اقترن بشكل أو بآخر بالفساد الأخلاقي .
" لو كانت الرواية من الناحية الأدبية رفيعة و أساءت للمقدس هل كنت ستقبلينها ؟
- لا يوجد شيء اسمه رواية رفيعة تسيء للمقدس أو المدنس ، أنا لا أقسم الأشياء إلى مقدس أو مدنس ، أو آلهة و شياطين، أنا ضد هذه الثنائيات أو الازدواجيات التي توارثناها منذ العبودية ، لأن الإنسان يجمع بين الخير و الشر ، ليس ملاكا و لا شيطانا ، الإنسان ممكن أن يقتل أو يسرق ، لذا أنا ضد أن يعاقب القاتل بالقتل أو تقطع يد السارق ، أنا طبيبة نفسية ، علينا أن نسأل نفسنا : لماذا ارتكب الإنسان هذه الجريمة ؟ و بعدها نعالج الأسباب ، أنا ضد العقوبات و الجوائز .
و كيف ربيت أطفالك دون مبدأ الثواب و العقاب ؟
ربيتهم بمبدأ " الجائزة هي ما تعمل " ، لا تهمني جائزة نوبل ، و حين رشحت لجائزة الدولة التقديرية رفضتها ، جائزتي هي عملي ، و هي أن يجيئني أمثالك ، و اعتمدت في مبدئي على الكتب و القراءة ، لأن الكتابة التي من القلب تدخل القلب ، و تستشعر هذا و أنت تقرأ لي ،تشعر أنك تقرأ لفلاحة تكتب من واقعها و ليست أكاديمية تتقعر الألفاظ و تعيش في برج عاجي ، أنا كتبي يقرأها فتيان و فتيات لم يتجاوز عمرهم 13 سنة ، و لعلمك ، إن الرجال المتنورين في العالم العربي مثلك يحبون كتاباتي، غير صحيح أن الرجل يحاربني أو أنني أحارب الرجال ، لقد جاءني رجل من الصعيد ليقبل يدي ، قال لي : " كدت أقتل ابنتي لأنها لم تنزف ليلة الزفاف لولا أنني قرأت كتابك (المرأة و الجنس) " .
أشكرك على إطرائك الذي لا أستحقه ، و حديثنا عن عائلتك يدفعني إلى سؤالك عن سبب رفضك أن يهديك زوجك أي هدية كما ذكرت في حوار فضائي لك ؟
هديتي هي الإنسانية ، أكبر هدية عندي هي المعاملة بحنان وإخلاص ، أنا لا أرتدي عقدا أو حتى خاتما للزواج و لا أصبغ شعري و لا أضع الماكياج ، لأنني واثقة من نفسي جدا ، و أحب أن أكون على طبيعتي ، من أرادني كما أنا فأهلا و سهلا ، لماذا يجلب لي هدية ؟! ماذا أفعل بها ؟ ابتسامته في وجهي هدية ، وقفته بجانبي في الأزمات هدية ، دفاعه عني في غيابي هدية ، هذا هو الحب ، و ليس أن يجلب لي هدية ثم يخونني ، أنا لم اقبل مهرا ، و زوجي لا ينفق علي لأنني لست عالة ، نحن ننفق على البيت مناصفة ، ليس عدلا أن يكدح الرجل و يتعب و أنا أجلس في البيت دون أن أعمل شيء ، ماذا أفعل في وقتي؟ و كما قلت لك أنا لست عالة .قوامة
ما هو شعورك و أنت تسمعين من يقول أو من تقول : " طاعة الزوج من طاعة الله " و " الرجال قوامون على النساء" ؟
- هي عبدة و جارية ، و لا تفهم القرآن أو الإسلام .
ما هو تفسيرك إذا لقول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء " ؟
" بما أنفقوا من أموالهم " ، للرجل حق القوامة لو أنفق علي ، حين تجلب أنت الخادمة ألست تطعمها و تعطيها المال ، نفس الأمر ينطبق على المرأة و الرجل ، أما لو كانت المرأة مستقلة فهذا لا ينطبق .استعاذة
و أنت - كما تقولين - تمثلين خطابا جديدا ، هل يمثله ذاته المشايخ الجدد كعمرو خالد و خالد الجندي ؟
لا .. أعوذ بالله ، هؤلاء قوم يخدعون الشباب و الشابات و يكذبون على الناس ، هم كالنساء اللاتي يضعن الماكياج ثم يدعين أنهن جميلات و هن لسن كذلك .
هل العمل على التزام الناس و تقريبهم على الله من وجهة نظرك يعد كذبا و خداعا ؟
نحن نعيش في كذب ، عالمنا اليوم يقوم على الكذب ، رئيس أكبر دولة في العالم جورج بوش الابن يكذب كل يوم ، توني بلير يكذب كل يوم ، لقد قال ماركس و لو أنني لست ماركسية : " الدين أفيون الشعوب" و هي مقولة الصحيحة ، السياسة في العالم العربي معناها فن الكذب ، و رجال الدين عندنا يقومون بنفس الدور أو يجملونه ، لأنهم يشغلون الشعب عن قضيته الأساسية " الاستبداد السياسي" عبر تخديرهم بقضايا سطحية و فرعية للغاية .
" أختتم معك في المحور الإبداعي مستفهما : كيف نحمي ؟ و من يمنع ؟
خطأ ، أنا كتبت عن ذات الموضوع ، يقولون لا بد من الرقابة على الثقافة و وسائل الإعلام ، وكأن الشعب قاصر ، و هي نظرية تربوية خاطئة ، لأن الضابط هو ما يختاره الشعب لنفسه و يمارسه من تلقائها نفسه دون فرض أو وصاية ، و هنا تناقض صارخ مع الديمقراطية التي يزعمها العرب ، الديمقراطية أساسها حرية الشعب و أن يختار ممثليه ، فإذا كان قادرا على التصويت للمرشح فكيف يعجز عن انتقاء الرواية التي يقرأها ؟!
ختام
" ماذا عملت في النهاية .. بقي كل شيء كما هو ، و لم نستفد منك سوى أن يقولوا حين تسافرين في المؤتمرات الغربية .. انظروا كم هناك من ظلم و تخلف لديهم حتى أن نوال السعداوي تأت و تتحدث عندنا ؟
- أريد أن أقول أنه تحققت أشياء كثيرة حتى و إن تجاهلها البعض ، منها أنك أتيت إلي اليوم ، فالعيار الذي لا يصيب يدوش ، هناك آلاف مؤلفة من العالم و مصر تراسلني لتقول لي : كتابك الفلاني غير حياتي ، نعم .. حصل تنوير في الأجيال الجديدة من قبل المثقفين الحقيقيين ، و في المقابل حصل تضليل أودى بكثيرين في أحضان و براثن التيارات الأصولية ، و لكنني مؤمنة و متفائلة بأن تيار التقدم هو الذي سينتصر ، لهذا أعيش في سعادة و طمأنينة داخلية رغم أن حياتي هي التعب بعينه ، العقل و المنطق هو من سينتصر في النهاية و ليس الجهالة و التضليل ، و في كل حال كما أسلفت لك هناك (هدم) و هناك (بناء) و لكن المحصلة النهائية غالبا أو دائما ما تصب لصالح البناء و التقدم .
" فلنتحدث بدءا عن حدث الساعة.. في هذه الأيام يتقدم مجموعة من الساسة و المثقفين بطلب تأسيس حزب مصري جديد يرأسهم حفيد الرائد / أحمد لطفي السيد رحمه الله، أهم ما في بنوده الدعوة إلى إسقاط المادة المتعلقة بالدين من الدستور و إلى انسلاخ مصر من بعدها العربي .. ما هو رأيك في هذا التوجه ؟
- أنا مع الدعوة إلى إسقاط البند المتعلق بالدين من الدستور المصري " الإسلام هو الدين الرسمي أو الرئيسي لمصر "، لأن بيننا أقباط، و لأن الدين مسألة متعلقة بين العبد و ربه و ليس لأحد أن يفرض دينه و ربه و طريقة عبادته على الناس، و لهذا أنا من أشد المعارضين للدولة الدينية لأن ربنا لا دخل له بالسياسة.
" و لكن الأقباط عاشوا في كنف الإسلام في منتهى السعادة و الإنصاف .. فلم المعارضة ؟
- نحن أبناء وطن واحد و شركاء فيه، و ليس المفروض أن يعيش أحد في كنف أحد.
" ما بالك إذا في جماعات الإسلام السياسي التي تطالب مصر بالعودة للإسلام لأنها ليست إسلامية أو دينية لفظا أدق ؟
- بغض النظر عن كونها جماعات متطرفة ورجعية، فإذا لم نكن دولة دينية فالأولى و الأجدى أن نحذف المادة المتعلقة بالدين من الدستور أساسا دون أن نكذب و نناقض نفسنا.
" و في الناحية المقابلة ما تعليقك على الدعوة للانسلاخ من البعد العربي و في هذا الوقت بالتحديد ؟
- لا بد من أن تتمسك مصر بموقعها و دورها في العالمين العربي و الإفريقي لنحمي أنفسنا، أوربا قامت بالوحدة لتحمي نفسها من الهيمنة الأمريكية، لا بد من أن يكون لنا العرب سند عربي و إفريقي و آسيوي نحتمي به. و لعلمك إن قانون الأحزاب في مصر يمنع تكوين و تأسيس الأحزاب، و أن ينادى بحزب بهذه الدعوة في هذا الوقت يعني أنه مدعوم من أمريكا و إسرائيل المستفيدان الوحيدان من تشتيت العرب.
" لم أشتم رائحة " الوحدة العربية " في ثنايا كلامك و قد أثبتت الأيام و التجارب أنها فكرة مثالية و فاشلة ؟
- لم تفشل الوحدة العربية لأنه لم يكن هناك أصلا وحدة عربية، حتى في أيام عبد الناصر، ويقولون فشلت الاشتراكية، هي أيضا لم تفشل لأنها لم تطبق أساسا.
" ألا يمكن أن تكون هناك وحدة إسلامية ؟
- لا .. أنا ضد إقحام الدين في الدولة و التحالفات.
" و لكن .. كانت هناك حضارة إسلامية ؟
- هي جزء من حضارة عامة ، مبنية على الحضارات المسيحية و اليهودية و الفرعونية ، لا توجد حضارة نقية ، جميع الحضارات متداخلة ، و أنا ضد التقسيم إلى حضارة غربية أو شرقية ، نحن نعيش في حضارة واحدة .. هي حضارة رأسمالية أبوية طبقية متدينة و بكل أسف ، تستخدم الدين مخلبا للسيطرة .
نوال السعداوي !!
" سأمر على أغلب النقاط التي ذكرتها بتفصيل أكبر في ثنايا اللقاء ، و استنادا على الحديث عن أحمد لطفي السيد .. لماذا توقفت مصر عن إنجاب المفكرين العظماء الذين شغلوا الدنيا و الناس على غرار قاسم أمين و طه حسين و العقاد رحمهم الله ؟
- إذا و أين هي نوال السعداوي ؟!
أنا أهم من طه حسين ، لقد كان رحمه الله وزيرا ، و لعب دورا سياسيا و ثقافيا سليما ، أنا أيضا لعبت دورا ثقافيا و سياسيا و طبيا مؤثرا من دون وزارة و تصديت للمحرمات الاجتماعية، طه حسين لم يقم بهذا ، طه حسين تحسب له الريادة و الأولوية ، و لكن هذا لا يعني أن مصر توقفت عن إنجاب الرواد ، و أنا منهم ، و لكن الفرق أنني لست في السلطة و لا أتزلف لها ، لذلك تجد أن هذه الفئة المبدعة تعاني من التعتيم و الحظر ، و هذه للأسف الشديد سنة ابتدعتها ثورة يوليو ، لذا علك تلحظ ، أن (نجوم) العهود المختلفة بعد الثورة يختلفون من عهد لآخر لا وفق العطاء الفكري و الثقافي للأمة بل برضا السلطة عنهم .
" و لمصلحة من هذا التعتيم و الحظر ؟
- لمصلحة النظام الذي يحكم ، أيا كان هذا النظام ، و لهذا يضطهد المفكرون و يعذبون و يهددون بالاغتيال و ينفون ، و أغلب المفكرين و المفكرات تعرض لهذا ، و بالتالي هم موجودون و يقاومون ، و لكن أن تأت و تقول أن مصر لم تنجب بعد طه حسين و قاسم أمين ، هنا أختلف معك ، أنا كتبي أهم مليون مرة من كتب قاسم أمين .
" كلامك عن العلاقة بين السلطة و المثقف يطرح السؤال التقليدي / المعضلة : لماذا تظل العلاقة بين المثقف و السلطة علاقة توافق أو تنافر ، أليس هناك مفر أو سبيل يخرجنا من هذه الحدية ؟
- صعب .. في ظل حكم ديكتاتوري يحارب الشعب لا بد أن تعارض و تنتمي إلى الشعب و الناس و تقف في صفهم ضد الاستبداد ، و هذا ينطبق على كل العالم ، أنا ألقي محاضرات و أدرس في جامعات أمريكية و بريطانية ، و أقولها عن تجربة .. ليست هناك ديمقراطية لا في أمريكا و لا في بريطانيا ، هم يتفوقون علينا برلمانيا ، و من الخطأ الاعتقاد أن الديمقراطية انتخابات و برلمان ، الديمقراطية الحقيقية هي أن يتاح لكل فئات الشعب بمختلف شرائحه و توجهاته القدرة على التنظيم السياسي و المشاركة في الحكم .
تكوين
" لا شك أن هذه الآراء المغايرة سواء التي أدليت بها هنا أو في كتبك تعبر بشكل ما عن تجربة مغايرة .. هل من الممكن بإيجاز أن تصفيها لنا ؟
- أنا من الريف المصري ، و شققت طريقي من القاع إلى العالم و ليس إلى مصر فقط ، حيث أن كتبي مترجمة إلى أكثر من 30 لغة ، أول العوامل التي أثرت في تكويني كان أبي رحمه الله،و جدتي العظيمة والدته التي اجتهدت و علمت ابنها في الأزهر و دار العلوم و القضاء الشرعي ،حتى أصبح أزهريا متعلما مؤمنا بالمساواة بين الولد و البنت إلا في مسائل طفيفة و مؤمنا بأهمية التعليم للجنسين ، كان لديه 9 بين بنات و أولاد علمهم جميعا تعليما جامعيا و كنت أكثرهم تفوقا ، لذا أكثر من تشجيعي و بالتفاخر بي ، والدتي كانت من الثوار ، شاركت في العمل الوطني ضد الإنجليز و دخلت السجن بسبب ذلك ، فأخرجها والدها - كان عسكريا - من المدرسة و زوجها بوالدي ، هذا باختصار هو أثر البيئة التي نشأت فيها علي ، نأت إلى أثر التعليم ، لقد درست الطب و أصبحت طبيبة ثم تمردت على التعليم الطبي مطالبة بتغييره ، بعدها فهمت المجتمع و تمردت عليه ، و تلحظ هنا أن تمردي على الأشياء نابع من فهمي و ممارستي ، لأنه لا يمكن أن تكشف مساوئ الشيء دون أن تعيه لتتعرف عيوبه ، بإيجاز .. كنت محظوظة ببيئتي و أسرتي و تعليمي ، تخيل كانوا سيزوجونني و أنا في العاشرة لولا معارضتي و وقوف والدتي بجانبي .
" ماذا عن أهم المفكرين الذين أثروا فيك ؟
- كثير جدا ، لأنني أقرأ بالعربية و الفرنسية و الإنجليزية التي درست لها ، عدد لا يحصى ، أتذكر أنني تأثرت كثيرا و أنا مراهقة بسيرة طه حسين (الأيام) ، و لكننا اليوم تجاوزنا ذلك الجيل بمراحل، حتى قاسم أمين و هدى شعراوي فقد تجاوزتهم كتبي ببون شاسع . " و لكن لا يمكننا أن نتجاهل الظرف الزمني الذي عاشوه
- لا شك أنهم رواد ، و نحن اليوم أيضا رواد .
" والدي الذي تحدثت عنه هنا و في كتبك و لقاءاتك بكثير من الإيجابية ، توجهين للمؤسسة التي ينتم لها (الأزهر) دائما الصفعات واحدة تلو الأخرى ، أليس في هذا شيء من التناقض ؟
- من الأساس كان أبي ثائرا على الأزهر و وزارة المعارف و له مصادمات كثيرة معهما ، لذا نفوه في 10 سنوات في (منوف) ، و هكذا ليس مستغربا أن ينجب المتمرد على الأزهر و المؤسسة الأبوية من تتمرد عليهما هي الأخرى .
تخصص
" في كتابك الأخير (كسر الحدود) ... نوال السعداوي كتبت في الدين و الثقافة و الإبداع و السياسة .. أليس هذا (التشعب) يفقدك المصداقية في زمن (التخصص) الذي يترادف فيه بين الاحتيال و بين (بتاع كله) ؟
- غير صحيح ، نحن في ذيل العالم الذي يقفز قفزا نحو الإبداع و الابتكار بتجاوز التخصص ، كليات الطب المتقدمة اليوم تدرس الأدب و التاريخ و الموسيقى ، رواياتي مثلا تدرس في كليات الطب في أمريكا ، الحكمة .. أن يتخرج متعلم الطب متثقفا موسيقيا و أدبيا و تاريخيا و سياسيا ، و علم (الكون) يكسر التخصصات بين العلوم ، على المرء في البداية أن يتخصص و لكن بعد ذلك عليه أن يتعمق في العلوم الأخرى حتى يكتسب النظرة الكلية و الشمولية الفاحصة و المعالجة للأمور .
" الكلام في الدين تحديدا له في عيون الكثيرين بعض الخصوصية لحساسيته .. ؟
- هذا غير صحيح ، أنا ممكن أدرس و أكون أفقه من الشيخ الشعراوي ، و أنا أعلم في القرآن أكثر من الشيخ الشعراوي رحمه الله ، لقد درست الأديان و قارنت بين القرآن و التوراة و الإنجيل ، هو لم يفعل ذلك ، كان متخصصا في القرآن الذي لا يمكن أن يفهم دون أن تقارنه بالكتب الأخرى ، لأن العلم يبدأ بالمقارنة و التجربة و التجريب .
" هكذا .. إذا نحن نميع العلوم و لا أظن أنه ستكون هناك جدوى من العلماء ؟
- أنا لم اقل ذلك ، أنا لم أنف التخصص ، دعني أضرب لك مثالا يوضح فكرتي ، هناك من تخصص في جراحة و علاج القلب ، عليه أيضا أن يدرس الموسيقى ، عليه أن يفهم كيف يمرض القلب ، القلب كامن في جسم كامن في مجتمع ، المجتمع يؤثر على الجسم الذي يؤثر على القلب فيؤثر على الجسم ، و بالتالي إذا لم يفهم المجتمع قبل أن يفهم الجسم فلن يستطيع علاج القلب ، أنا طبيبة نفسية ، شرحت الجسد و النفس ، و بعدها شرحت المجتمع ، لأن الأمراض النفسية تأت تأثرا من الأمراض السياسية و الثقافية و الاقتصادية و الاجتماعية ، لا أستطيع أن أقوم بالعلاج إلا بالتعمق و التشعب في القراءات ، ما الفائدة من طبيب قلب ليس ملما حتى بأبجديات مجتمعه ؟ لا شيء ! ما الفائدة من طبيب نفسي لا يفهم في السياسة و الاقتصاد ؟ أيضا لا شيء ! (بتاع كله) الذي تتحدث عنه لم يدرس شيئا و لا يفعل شيئا و هو مرفوض ، أما المتخصص في علم و مطلع و متثقف من بحور العلوم الأخرى فهذا ما أنادي به و أفعله . لماذا أدرس في جامعات أمريكا و أحوز أعلى أجر على محاضراتي هناك ؟ أدرس لديهم مادة (الإبداع و التمرد) و هي مادة غير موجودة في أي جامعة عربية ، و أقول لهم إنني أتمنى أن يسمعني الشباب المصري و العربي مثلكم ، أنا لا أدرس في أي جامعة عربية لأنهم يعيبوني بالتخصص ، و لكن هناك حين يسمعون ما أقوله و أدرسه للطلبة يتهافتون علي و يعطونني أعلى أجر . و هنا دلالة واضحة على أن هزيمتنا الفكرية أنجبت هزيمتنا السياسية و الاقتصادية .
" هل هذه هي الحقيقة .. نحن مهزومون فكريا ؟
- نعم ، لأنه لا يوجد لدينا مبدعون ، دوما ثمة علاقة بين الإبداع و التمرد ، بين الإبداع و المعارضة ، و لكننا نولد و نعيش و نموت في خوف ، و بالتالي ليس عندنا لا تمرد و لا معارضة . موافقون موافقون !
" أزمتنا إذا سياسية و ليست ثقافية ؟
- لا .. أزمتنا سياسية و ثقافية ، أنا لا أفصل بين السياسة و الاقتصاد و الثقافة و المرأة و الجنس ، كلهم مترابطون ، و حين يقع ركن واحد يتهاوى المبنى بأكمله .
السادات
" لماذا ألحظ أن الرئيس الراحل أنور السادات (بطل الحرب و السلام) يمثل عندك ذروة سقوط الركن السياسي ؟
- طبعا ، أود أن أشير بداية أنني لا متحيزة لعبد الناصر و لا متحاملة على السادات ، و لكنني سررت بالتغييرات التي أنجزها عبد الناصر في فترة حكمه و أبرزها تذويب الفوارق بين الطبقات و المساواة و دفع المرأة للعمل بأجر و مقاومة الإمبريالية الغربية المتمثلة وقتها في الصلف البريطاني و الأمريكي بعدها ، و هذا ما دفع الغرب حينها للتآمر عليه و هزيمته و ساعدهم في ذلك أن سياسة عبد الناصر الداخلية كانت قائمة على القمع لا الحوار و هذه هي أكبر عيوبه و أخطائه بالإضافة إلى فساد عبد الحكيم عامر و زبانيته في القوات المسلحة .
" ألا ترين أن عبد الناصر لو كان وليدا لليوم لما اختلف كثيرا عن صدام حسين الرئيس العراقي المخلوع ؟
- لا يمكن أن تساوي بين صدام و عبد الناصر ، صدام قام بأعمال جليلة كثيرة للعراق ، لكنه كان قاتلا و عبد الناصر لم يكن كذلك .
" أين أنت من السجون و المعتقلات التي فتحت للأخوان و المعارضين ؟
- زوجي د/ شريف حتاتة مكث 10 سنوات في السجن في عهد عبد الناصر و خرج دون خدش ، عبد الناصر لم يكن دمويا مثل صدام ، و رغم ما قلته عنه في البداية إلا أنني عارضت حرب الخليج ، و مع هذا في رأيي أن جورج بوش الأب و الابن أكثر دموية من صدام حسين .
" لماذا مثل عندك أنور السادات رمز السقوط ، لماذا لا يكون رمزا للنهضة ، أليس هو من حرر سيناء ؟
- لم يحررها ، و إن حررها فبأي ثمن ؟ ببيعه القضية العربية و قضائه على الجامعة العربية!! ، و أصبحنا نسمى (الشرق الأوسط) بعد أن كنا نسمى (العالم العربي) .
" إن أطراف القضية اليوم يتمنون لو كانوا في صف أنور السادات .. فلم تشنعين عليه ؟
- هذا جهل سياسي خطير ، و هناك منافقة للسادات لأن عهد اليوم امتداد له .
" حين اعتقل (السادات) محمد حسنين هيكل خرج و كتب (خريف الغضب) .. و أحسب أن هجومك الضاري على السادات عائد لنفس المشكلة ، لأنك سجنت في عهده .. أليس في هذا طرف من صحة ؟
- ليس هناك مسألة شخصية بيني و بين السادات و لا مع مبارك و لا مع عبد الناصر الذي اضطهدت في عهده أيضا ، لقد اضطهدت في كل العهود لأنني أنتمي دائما إلى الشعب و ليس إلى الحاكم .
" (السادات) هو أول من وضع بذور الديمقراطية في مصر و ربما في العالم العربي .. ألا يحسب هذا له أيضا ؟
- هذه أكبر أكذوبة سمعتها في حياتي ، ليس يعني شيئا أبدا أنه اصدر قرارا جمهوريا عدد الأحزاب ، ماذا كانت النتيجة ؟ أن الأحزاب التي عندنا ليست أحزابا حقيقية إنما أحزاب ورقية ، لأن الأحزاب الحقة هي التي تنجبها الديمقراطية من رحم المجتمع و ليس من قصر الرئاسة ، هل من الديمقراطية أن تغلق جمعيتي سنة 1991م لأننا عارضنا حرب الخليج ، حدثان قضيا على العالم العربي : كامب ديفيد أنور السادات و حرب الخليج ، بسببهما اليوم نحن في الحضيض ، لو تابعت مشهد القضية الفلسطينية لوجدت الأنظمة تتوسل أمريكا للتدخل .. بالله أي عار بعد هذا على شعوبنا ؟
" ألاحظ اعتراضك على مقولة أن العرب يعملون ضد أنفسهم .. على الرغم من الأيام دوما تؤكد صدق المقولة ؟
- لابد أن نفرق بين الشعوب و الأنظمة في العالم العربي ، المستبد العربي دوما كان عميلا للاستعمار البريطاني ثم الأمريكي و الإسرائيلي و الوحيد الذي شذ قليلا كان جمال عبد الناصر .
" كان يؤخذ معونة من أمريكا مثله مثل غيره ..فلم نميزه عنهم ؟
- خطأ .. هذا لم يحدث إلا في عهد السادات ، أمريكا حاربت عبد الناصر لأنه رفض مساوماتها على تمويل السد العالي و لم يفرط في السيادة و حرر قناة السويس و ذهب إلى روسيا، فاتهموه بالشيوعية ، و المعونة / العار علينا التي تتحدث عنها تعود إلى أمريكا مرة أخرى أضعافا مضاعفة . هذه التصورات المغلوطة نتيجة طبيعية لتضليل الساسة و الإعلاميين العرب للشعوب العربية .
" إذا 3 معضلات في الحالة السياسية : المستبد - إسرائيل - التبعية لأمريكا ، هل تجدين علاقة بين (المستبد) و إسرائيل ؟
- طبعا .. نحن نعيش في عالم واحد على شكل هرم ، يحكمه شرذمة من أصحاب الأموال و السلع في واشنطن ، و إسرائيل هي اليد اليمنى للولايات المتحدة و الشركات متعددة الجنسيات في المنطقة ، السياسة الدولية تؤثر في السياسة الإقليمية التي تؤثر في المحلية المؤثرة في العائلة ، و الاستبداد العربي صنيعة و حماية السياسة الدولية ، (السادات) مثلا كان محميا من أمريكا و حين لبى مطالبها كلها رفعت عنه الحماية فقتل، وما ينطبق على السادات ينسحب على غيره .
مزاح
" كيف تفسرين مشروع باول و غيره من المبادرات المنادية لترسيخ و إدخال الديمقراطية في المنطقة العربية ؟
- من الممكن أن تقول عنها أنها (مزاح) .
" كيف ؟
- هل سنظل نتسول من الغرب كل شيء ؟ أمريكا لن تحل مشاكلنا ، و كولين باول و كونداليزا رايس لن يجلبوا لنا الديمقراطية .
" و لكن منذ سقط النظام الطاغية في (بغداد) و هناك متغيرات إيجابية في العالم العربي .. لا يمكن أن نتجاهلها .. كيف تفسرينها ؟
- كلام فارغ ، كل هذا قطرات أو حقن مخدرة ، هل تتصور أنت أن الاحتلال الأمريكي للعراق سيجلب الديمقراطية ؟
" أنا مجرد صحفي محايد يطرح الأسئلة ، ألم تبدأ النهضة الاقتصادية و السياسية في كل من اليابان و ألمانيا بسقوط الأنظمة الديكتاتورية التي تحكمها على يد أمريكا ؟
- لا .. أنت تقلب التاريخ و تؤيد الاحتلال ، لا يمكن أبدا لأي شعب و أي دولة أن تحقق الديمقراطية في ظل الاحتلال ، هناك (منطق) فلماذا نلغيه ؟ كيف تتحقق الديمقراطية في العراق على يد الأمريكان خاصة و أن أول ما فعلوه حين دخلوها أن استولوا على أموال نفطه و بعدها استولوا على النفط نفسه .
" و لكن النفط في أي حال يأت لأمريكا في آخر المطاف ؟
- غير صحيح ، لا تنس منافسة فرنسا و ألمانيا و روسيا ، الذين تصنعوا البطولة في مجلس الأمن لا من أجل عين العراق بل من أجل عيون النفط .. الذي أصبح مرتعا للشركات الأمريكية التي بدورها أغلقت الباب في وجه الشركات الأوربية ، هو صراع من أجل النفط في البداية و النهاية .
" لقد وضعت أزمة العراق الأخيرة المثقف العربي في معضلة أنه إذا لم يعارض الاحتلال فهو يؤيد الاستبداد أو العكس .. كيف كان من الممكن أن يخرج من مأزقه ؟
- لم يكن هناك تناقض ، و هي معضلة مزيفة ، لأن صدام كان عميلا لأمريكا، و اختلف معها على جزئية احتلال الكويت التي قضت على ما بينهما بتخطيط أمريكا نفسها ، و تذكر معي اجتماعه بالسفيرة الأمريكية قبل الحرب ، و هنا مؤشر مهم على أن الديكتاتور دائما ما يكون غبيا ، أمريكا هي التي تصنع الطغاة و تحميهم و ينتهون حين ترفع يدها عنهم ، لذا صنعت لنا المعضلة التي تحدثت عنها حتى يصمت المثقفون خوفا من أن يتهموا بأنهم مع صدام ، أنا لست مع صدام و لا مع أمريكا ، أنا مع شعب العراق الذي يموت كل يوم سواء بيد الاستبداد أو بيد الاحتلال.
" نوال السعداوي تهاجم السائد من الاستبداد و الرجعية في العالم العربي من ناحية ، و من ناحية أخرى تهاجم النموذج الغربي، الأمر الذي وضع المتلقي في حيرة ما تريده نوال السعداوي ؟
- و هل الخيار لا يكون إلا بين الاستبداد المحلي و بين الاستعمارية الرأسمالية الغربية ؟ أريد حرية الناس و الشعب ، انظر إلى مثال كاسترو ، هو ليس مع الاستبداد و لا مع الاستعمار ، "مطلع عين أمريكا" وهو يجاورها في دويلة صغيرة جدا ، و رغم الدعاية التي وجهوها ضده و محاولات اغتياله ظل كما هو لالتفات الشعب حوله ، و هذا يدل على أنه من الممكن أن ترفض المستعمر الخارجي و المستبد الداخلي ، و أمريكا كلما وجدت تكرارا لهذا النموذج في آسيا أو أفريقيا سعت لإسقاطه ، عبد الناصر قتل قتلا لهذا .
" يبدو يا دكتورة أن نفي تهمة (الناصرية) لن يكون سهلا بالنسبة لك ؟!
- هذا هو التفكير الديني الذي أرفضه ، حدية الأبيض أو الأسود ، عبد الناصر إما أن يكون ملكا أو شيطانا ، أنا ضد تقسيم الناس إلى ملائكة و شياطين ، عبد الناصر كان وطنيا حاول أن يرتقي ببلاده نزيها لم يتقاض راتبا من أمريكا مثل السادات ، عيب عبد الناصر أنه كان ديكتاتورا ، و الفرد الواحد لا يفعل شيئا كما أن اليد الواحدة لا تصفق ، لقد طالبنا بالتغيير في عهد عبد الناصر فاضطهدنا من أعوانه و عزلوه عن الناس ، عبد الناصر لم يكن أبدا مثل السادات ، لقد فتح الأخير للتيارات الإسلامية الباب على مصرعه أما عبد الناصر فحرص على محاربتها و القضاء عليها .
" و لكن أليس من حقها أن تسع للوصول للحكم .. أليست هذه هي الديمقراطية ؟
- لا ليس من حقها .. إنهم سفاحون مجرمون .. وضعوا اسمي و غيري من المثقفين و المفكرين الشرفاء و المخلصين على قوائم الموت ، و لو مررنا على جرائمهم فإنها لا تعد و لا تحص ، إذا كان رأيي يخالف رأيك فهذا ليس دافعا لقتلي ، حاربني بالتجاهل أو بالرد علي و لكن ليس بالتكفير و سفك الدماء كما تفعل هذه الجماعات . لهذا أنا أعارض الدولة الدينية ، (ربنا) يجب أن نبعده عن السياسة لأنني لا أستطيع أن أناقش أو أعارض (ربنا) ، اعبد الإله الذي يرضيك و يحقق مصالحك و مطالبك ، لكن لا تفرضه علي أو على الدولة ، لأن كل المواطنين في الدولة سواء ، على اختلاف حالتهم المادية أو شريحتهم الاجتماعية و انتمائهم الديني ، لماذا أكون كامرأة أقل مواطنة من الرجل لأن الدين الرسمي للدولة هو الإسلام ، لماذا يتزوج الرجل 4 و أنا لا ، هذه إهانة لي .
زواج
" هذا هو حقه !
- من قال هذا ؟
" القرآن !
- أنا درست القرآن ، لقد وضع العدل شرطا ثم قال " و لن تعدلوا " أظن أنه ليس هناك ما هو أوضح ، الرجال و استنادا على فسقهم يدعون و يكذبون على القرآن و يقولون أنه نادى بالتعدد ، كيف يتزوج الرجل 4 ؟ هذا فساد أخلاق و إساءة للقرآن و الإسلام ! كيف ينتقل من فراش امرأة إلى فراش امرأة أخرى ! (إخي)! و الله لو ذهب زوجي لامرأة أخرى لطردته ، هل يرضى الرجل أن تتنقل امرأته بين فرش الرجال ، هو أيضا سيطردها ، أنا أيضا تملي علي كرامتي الإنسانية نفس الفعل و ردة الفعل ، تونس منعت التعدد و غيرها من الدول الإسلامية .. هل ستكفر هذه الدول ؟ تعدد الزوجات وصمة عار على العرب و على أي دولة تسمح بهذا الفعل الشائن ، و القانون الذي ترتكز عليه قانون فاسد و غير أخلاقي .
" دعيني أرتدي العباءة الإسلامية و أقول لك أن الرسول صلى الله عليه و سلم كان متزوجا بـ 9 و بعض الصحابة رضوان الله عليهم من بعده كان نصابهم من الزوجات كاملا؟
- و لماذا تجعل الرسول صلى الله عليه و سلم مثلك ؟ و هو لم يقل لك أن تفعل مثله . و هناك حديث مهم أن إحدى زوجاته وجدته في ليلتها على فراشها مع زوجة أخرى ، فقالت له مستنكرة " في ليلتي و في فراشي يا رسول الله ؟!" فقال بعد اتعاظ و اعتبار " اسكتي و لا تذكريه لن أعود لمثلها أبدا " لأنه نبي و رسول يجب أن يكون مثلا للعدل ، و الفعل الذي فعله مناف للعدل ، و هو حديث موجود في " الطبقات الكبرى " ، إذا كان النبي محمد قد أخطأ لأنه بشر يخطئ و يصيب فكيف تريدني أن أمشي خلفه في الخطأ ، مرة أخرى أقول لك أن الرجل بسبب فساد أخلاقه و يفسر و ينتقي من الإسلام ما يشاء .
ما رأيك في حجة القضاء على العنوسة ؟
- هذا تبرير لفساد الرجال الأخلاقي ، و التعددية الجنسية ليست وسيلة للقضاء على العنوسة المزعومة ، و المرأة التي ترضى أن تتزوج رجلا متزوج من 3 قبلها هي جارية و لا تستحق أن تكون امرأة .
و بحكم اختصاصك في علم النفس ، ثمة حجة قرأناها تقول أن الرجل بفطرته يميل إلى 4 و أن المرأة تخلص لرجل واحد فقط ؟
- العكس هو الصحيح ، و من الناحية البيولوجية فقط لا تحتمل قدرة الرجل أكثر من واحدة ، على الرغم من أنني لا أفصل بين البيولوجيا و السياسة و الاقتصاد كما أخبرتك ، أنا مع الأخلاق و الاستقامة وعدم الازدواجية ، كما يجب أن تكون هناك أخلاق للرجل تكون كذلك للمرأة ، الأخلاق للأغنياء و للفقراء أيضا ، و ليس طرفا واحدا دون آخر .
" لقد قلت في كتاب لك يجب أن تنطبق المعايير الأخلاقية على الرجل و المرأة ضاربة بـ (المرأة شرفها مثل عود الكبريت) و (الأم مدرسة إذا أعددتها أعددت شعبا طيب الأعراق) ، هوجمت لأنه فهم أنك تريدين أن تطلقي العنان على آخره للمرأة فكيف تردين ؟
- و هل الرجل ليس له شرف ؟ و هل الأب ليس مدرسة هو الآخر ؟ أين مسؤولية الأبوة ؟ كل شيء على عاتق الأم و بعد هذا كله يهينوها و يحتقروها و لا يسم المولود باسمها إنما باسم الأب ، أنا أنادي بأن ينتسب المواليد للأم ، لأن اسم الأم مشرف ، لماذا لا يتسم أولادي و بناتي باسم نوال السعداوي ، اسم الأم ليس عورة و ليس عيبا .
" و لكنه العرف ؟
- العرف غلط ، و لا بد من تغييره ، العالم كله يغير و يتقدم إلا نحن ، و لهذا نحن مهزومون ، ثلاثة أرباع العالم يحترم اسم الأم ، الأطفال كلهم يتسمون باسم الأب و الأم ما عدا بلداننا .
" و أين أنت من نظرية أن الرجل خلق ليعمل و الأم خلقت لتربي ؟
- خطأ ، أنا امرأة و طبيبة و أديبة و مفكرة و تزوجت و أنجبت و ربيت ، الأمومة مثل الأبوة ، و المرأة مثل الرجل ، أنا لم أخلق لأربي فقط ، بل لأفكر ، أفكر لأنه عندي عقل ، عقل المرأة مثل عقل الرجل بالضبط و ربما يفوقه بحسب البيئة و الظروف ، أين هو الرجل المصري الذي حقق ما حققته ؟ حتى نجيب محفوظ لم تترجم كتبه مثل كتبي إلى أكثر من 30 لغة ، أنا امرأة و عندي عقل ، و الإنسان هو العقل و ليس الأعضاء التناسلية التي خلقت للإنجاب ، و يجب أن تكون الأبوة مسؤولة مثل الأمومة ، و اسم الأم يجب أن يكون مشرفا مثل اسم الأب ، يجب أن تتعدل مجتمعاتنا لأنها مجتمعات لا أخلاقية .
" ترفضين إذا نظرية مسؤولية الأم عن الأخلاق ؟!
- و لماذا لا يكون الأب مسؤولا هو الآخر !! أمرك غريب .
" الأب مشغول في مزاحم العمل و جني المال ؟
- و الأم أيضا ، حتى التي لم تتعلم تطبخ و تكنس و تغسل في البيت و الرجل يأكل أجرها على ذلك ، أين هي أخلاق الرجل ؟ الرجال يريدون أن يعفوا أنفسهم دوما من المسؤولية الأخلاقية .
تحرير المرأة
" لو تعمقنا في مشروعك (تحرير المرأة) و هو أول ما يلتصق بالأذهان فور ورود اسمك ، نلحظ انه في أواخر القرن 19 و أوائل العشرين و تحديدا في قاسم أمين و من بعده هدى شعراوي ، ثم أنت في نهايات القرن العشرين و أول القرن الحالي نلحظ اختلافا بين المدرستين : قاسم أمين لم يرد أن يهدم البناء .. أراد فقط ان يرمم مواطن الضعف و الخلل فيه ، نوال السعداوي على عكسه تريد هدم البناء و البناء محله ، قاسم أمين اعتمد (النص) أداة له و نوال السعدواي اعتمدت العقل و المنطق ، كيف تقرئين هذا الاختلاف ؟
- أنا لست امتدادا لقاسم أمين أو هدى شعراوي على الإطلاق ، آمنت بتحرير المرأة لأنني ولدت امرأة في بيئة فقيرة و بدأت أشعر بظلم المجتمع لي ، مشروع قاسم أمين كان مشروعا سطحيا جدا ، ليس هناك معنى لأن تضع المرأة (مكياجا) و تذهب إلى الجامعة و تتزوج و بعدها تتحجب و ترضى أن تضرب من زوجها حين يقول المجتمع لها ذلك ، هذا ليس تحررا .
" ما هو (تحرير المرأة) في مفهومك ؟
- هو أن تكون المرأة إنسانة كاملة الإنسانية ، تشعر بمسؤولية تامة و كاملة إزاء نفسها أولا ثم المجتمع ، و هذه هي خلاصة مشروعي للمرأة في العالم و ليس في العالم العربي فقط .
" لماذا لا تستندي للمرجعية النصية / القرآن في هذا المشروع ؟
- أنا آسفة جدا ، الدين ليس نصا ، و الله ليس كتابا ، لقد تعلمت أول درس ديني على يد جدتي الفلاحة الأمية : " ربنا هو العدل عرفوه بالعقل " ،إذا .. الله هو العدل و ليس نصا يخرج من المطبعة ، هو هذا الدين بالنسبة لي ، هذا هو الإسلام ، هذه هي الأخلاق .
" تفسيرات العدل تتفاوت ؟
- هنا تتدخل السياسة ، و ليس لربنا دخل بها ، ربنا هو العدل و النور و الجمال و الصدق ، هذا ما تعلمته من أبي الأزهري الثائر على الفكر النصي ، لذا يقول المفسرون المتقدمون أن المصلحة تقدم على النص إذا تعارضا لأن المصلحة متغيرة و النص ثابت ، هذه فلسفة الإسلام ، و هي فلسفة متقدمة ، و الإسلام نفسه متقدم لأنه متغير ، إسلام اليوم ليس هو الإسلام قبل قرن ، و حتى اليوم ، إسلام السعودية يختلف عن إسلام إيران عن إسلام ليبيا عن إسلام طالبان عن إسلام مصر ، كل مجتمع و له ظروفه .
" قال أحد المفكرين : " ارتكزت الحضارة الإسلامية دوما على النص ، لذا أي رغبة تجنح نحو التغيير في أي مجتمع إسلامي لا بد أن تمر من تحت عباءة النص " ، كيف تعلقين على هذه المقولة ؟
- غلط ، العجز و التخلف هما من يحيلان للنص ، الإنسان هو الذي يصنع النص و ليس العكس ، و كأننا صنعنا صنما اسمه (النص) بيدنا ثم عبدناه ، الإنسان هو الذي خلق القانون ثم كسره للصالح العام و لم يجعل القانون سيفا مسلطا على رقبته ، وهنا الإبداع .
و أين الضابط ؟
- لا بد أن يكون (نظام) ، هناك نظام حالي ، و من المستحيل أن تتبع النظام القديم ، إبداعك يزيل القديم و يخلق نظاما جديدا ، مثلا انا غيرت مفهوم ارتباط الشرف بغشاء البكارة ، و ربطت الشرف بالعدل و العقل و الصدق ، إذا لا بد من هدم النظام القديم بشرط تقديم النظام الجديد ، هناك خطأ في تفكيرنا أننا نخاف من كلمة (هدم) ، انظر إلى عملية بناء الإنسان ، هناك خلايا تهدم و خلايا تبنى ، لا يوجد (بناء) فقط و لا يوجد (هدم) فقط ، هناك بناء و هدم أيضا في الفكر كما في الجسد .
إنكار
" دعيني أنتقل معك إلى محور (الزواج) و قد أثرت بنفسك قضية الشرف ، سبق و صرحت أنك تعارضين فكرة الزواج و أنك لا تمانعين من أن تكون ثمة علاقة كاملة بين الجنسين دون عقد يربطهما، فهل هذا صحيح ؟
أنا عارضت الزواج بوثيقة، بالضبط كما أستلف من أحدهم مبلغ و قدره 1000 جنيه و يكتبني عليها كمبيالة ، ما يحدث بالنسبة للزواج أن المرأة تتزوج و تكتبه أن الرجل " اشتراها " بدفعه مبلغ و قدره كمقدم ، و عند الطلاق يدفع لها مبلغ آخر ، ورقة الزواج أو عقد الزواج هي أكبر امتهان للزواج .
" و ماذا عن حفظ الحقوق ؟
إذا الرجل لم يحافظ على حقوق المرأة بلا ورقة أو عقد فهو لا يستحق أن يعيش معها ، لا يعقل من وجهة نظري الشخصية أن يخلص الرجل لزوجته لأجل " ورقة" . حفظ حقوق الزوجة أو الزوج يكون في الضمير و الأخلاق قبل أي شيء.
" إذا .. هو ليس اعتراضا على مشروع الزواج بذاته ؟!
- أبدا .. أنا نفسي متزوجة و لدي أولاد .
" و ماذا عن إنكارك لفريضة الحج يا دكتورة ؟
- أنا لم أنكره ، لقد قلت نصا أن (الحج) و (تقبيل الحجر الأسود) عادة وثنية .
" و لكنه ركن خامس ؟
- أبدا .. هو (اختياري) (لمن استطاع إليه سبيلا) ، أبي توفى و لم يحج و هذا لا يعني أن إسلامه ناقص ، هناك من يصلي دون أن تنفعه صلاته ، و هذا ينطبق على الذي يذهب الحج ليقوم بعمل ، أو يقبل الحجر الأسود !! إنني أسأل هل تقبيل الحجر الأسود من الإسلام ؟ هذه وثنية !!! الإسلام أتي ليقضي على الوثنية و أنا أحارب عبادة الأوثان .
" و هل يمثلها الحج ؟
- بالطريقة التي يقومون بها ، نعم . و أنا أيضا ضد الطريقة التي يصلون بها ، لقد ذهب جمع من الصحابة لرسول الله و قالوا له فلان يصلي الليل و النهار ، فقال لهم : و من يعول أسرته ، قالوا : كلنا يا رسول الله ، فقال : أنتم خير منه . يا أخي رعاية الأولاد صلاة و عبادة ، الصدق صلاة وعبادة ، التعامل الإنساني صلاة و عبادة ، ليس أن يذهب إلى الحج ليسرق أو يتاجر أو يصلي و هو أفسق خلق الله ، أنا مع المفهوم الصحيح للإسلام ، الصلاة ليست مجرد حركة رياضية كما أصبحت حالا ، الصلاة هي إحياء الضمير ، الحج كذلك ليس زيارة لقبر أو تقبيل لحجر، لأن الإسلام حارب الوثنية ، الحج هو التأمل، اسمع الكلام الجميل لرابعة العدوية التي حاربت مع الصوفية (الطقوسية) : " لا أعبد الله لأنني أخاف النار أو أطمع في الجنة فأكون أمة أو جارية ، إنما أعبده لأنني أحبه" ، انظر إلى هذا الجمال .
" و هذا ما يفسر غضبتك حين يقول أحدهم لكي يا " حجة" ؟
- نعم .. لا أحب أن يناديني أحد بهذا اللقب ، لأنني لم أحج و لن أحج ، بإمكاني أن أحج و أنا في شرفة بيتي ، و عملي و كتبي هي صلاتي ، تقربي لله هو تقربي للعدل و الحرية ، و ليس بالنصوص و التفسيرات ، هذه سياسة .
" و لكن أنت أيضا تطرقين باب السياسة بقوة فين تكتبين ، فلم تزعجك ؟
- لقد قصدت السياسة بمفهوم التآمر للاستحواذ على السلطة أو التملق لها ، أي .. السياسة كما توارثناها و عرفناها في العالم العربي.
" باختصار شديد ، ماذا تعني لكي هاتين الكلمتين : الرجل و الدين ؟
- الرجل يستغل الدين ليتزوج و يمارس أهواءه الجنسية .
" هذا الهجوم الشرس على الرجل ، هل هو أساس لموقف شخصي ؟
- أنا ليس لي موقف شخصي من الرجل ، أنا متزوجة من د/ شريف حتاتة ، و لدي ابني عاطف حتاتة ، و أصدقائي الرجال أكثر من أصدقائي النساء ، أنا لست ضد الرجل ، إنما أنا ضد النظام الذي يفسد الرجال .
" و هل (الدين) هو هذا النظام ؟
- نعم .. الدين كما تتبعه البلاد و الأنظمة العربية، نعم .. الدين الذي يدرسونه في المدارس ، و ليس الدين الذي تعلمته من أبي و جدتي " ربنا هو العدل عرفوه بالعقل" .
" و لكنك قلت في كتبك صراحة أن الإسلام و المسيحية و على الرغم مما أحدثاه من تطور اجتماعي كبير زادت القيود على المرأة ؟
- لقد قلت أن الأديان السماوية و غير السماوية مراحل تقدمية من التاريخ البشري إذا أخذت لصالح المقهورين و النساء و الفقراء ، لكن إذا أخذت لصالح الحكومات و الأسياد تصبح معادية للإنسان، هل تعلم أن إسرائيل احتلت فلسطين و قتلت النساء و الأطفال بحجة آية في التوراة تعدهم بالأرض إذا ختنوا ذكورهم ؟! من جهة أخرى على وجه العموم يجب أن يتطور الكتاب الديني مع البشرية ، أنا ضد الثوابت و مع المتغيرات " إذا تعارض النص مع المصلحة غلبت المصلحة" لصالح الشعب ، لماذا تسجنني بـ " قال الكتاب الديني" ، ألم يقل المصطفى " أنتم أعلم بأمور دنياكم" ، لقد فوضنا في تصريف أمور حياتنا فلماذا نقيد أنفسنا ؟ لماذا نستجيب للحاكم الذي يكبلنا ؟
حجاب
" أريد أن أستوضح منك هذه العبارة التي وردت في أحد كتبك أيضا : " تحجيب المرأة باسم الإسلام يوازي تعريتها باسم التجارة " ؟
- نعم .. أنا ضد أن تتعرى المرأة و ضد أن تتغطى ، أنا إنسانة و لست جسدا يغطى أو يعرى ، ما مشكلة (الشعر)؟ إنهن يغطين شعورهن و يغمزن بأعينهن للرجال! لا علاقة بين الأخلاق و الحجاب ، و لقد ذكرت أيضا أن (الماكياج) حجاب و هاجمته ، و قلت أنني ضد العري و هاجمته أيضا ، تغطى المرأة لأنها بضاعة جسدية و تعرى لأنها بضاعة جسدية ، لذلك في الناحية المقابلة لا يعرى الرجل لا يغطى .
" ما هو الحجاب ؟
- الحجاب مفروض للجواري و العبيد ، و الأسوأ منه حجاب العقل ، لأنه لا يمكن لقلة أن تتحكم في الأغلبية دون حجاب العقل ، و ينطبق نفس الشيء على حجاب الوجه .
" هذه الإجابات الصارخة تتنافى كلية مع الخطاب الديني السائد ، ما تفسيرك لهذا ؟
- و هذا يفسر العزلة المفروضة علي .
" و لكن ما هو المقابل لخطابك ؟
- خطاب الحكومات ، و خطابي هو البديل .
" و لكنك لا تمثلي مرجعا دينيا ؟
- هذا لا يهم ، لأن الدين موجود في بيت كل واحد ، ليس له علاقة لا بالسياسة و لا بالاقتصاد لأنه علاقة شخصية بين العبد و ربه ، يختار الإله الذي يريد و يعبده بالطريقة الذي يريد دون فرض .
" نعود إلى تحرير المرأة بعد هذه التفرعات و التي لا أظنها أخرجتنا عن السياق ، ألا ترين أن (حركة) تحرير المرأة لو صح المصطلح تراجعت قياسا بفترة الستينيات و السبعينيات، و حتى أن أبرز رموزها انسحبوا إلى الصحافة و النقد الأدبي بل و الأمومة و العودة إلى البيت في أحيان أخرى ، فهل هذه هزيمة لنوال السعداوي ؟
- لا ، هذه أكبر هزيمة للنظام الذي أحاربه .
" كيف ؟
- هؤلاء ليسوا من قرائي أو تلامذتي ، إنما هم أذيال الخطاب الرسمي السائد .
" لقد كانوا معك يوما ما ؟
- أبدا ، (المعرفة) عندي ليست قابلة للانتكاسة ، من قرأ كتبي و استوعبها يسترد إنسانيته ، تذوق الإنسانية إحساس جميل مثل تحرر العبيد ، غير قابل للانتكاسة ، فمن تنفس هواء الحرية لا يمكن أن يتراجع عنه، المتراجعون هم أذيال الخطاب الرسمي ، أنا لي شعبية كبيرة جدا في مصر و العالم العربي ، اسأل نفسك لماذا تجري حوارا معي !! حتى جريدة (عكاظ) جاءتني من قبلك و كذبت على لساني و تقولت علي .
تراجع
في محور الإبداع .. كتبت معترضة على الرواية الشهيرة (وليمة أعشاب البحر) لحيدر حيدر لأن خيالها مبتور لا لأنها تمس المقدسات ، و في تناقض صارخ هاجمت الفنان التشكيلي المصري / محمود سعيد رحمه الله لأنه رسم المرأة عارية ، هل أسمي هذا تعنصرا إبداعيا ؟
- أنت لم تقرأ بالضبط ما كتبته عن محمود سعيد ، لقد قلت لماذا تتعرى المرأة / الموديل أمام الرسام ليرسمها ، ألا يستطيع أن يرسم امرأة بملابسها ، أنا ضد الفساد الأخلاقي ، محمود سعيد رسام من الطبقة العليا الفاسدة أخلاقيا التي تعري المرأة أو تحجبها ، هو نفسه رسم المرأة إما محجبة أو عارية ، بالنسبة للوليمة، فهي رواية سيئة ، لا لقولهم أنها مست الدين بل لدونية النظرة للمرأة فيها ، و هذا في تصوري ليس مستغربا لأن كاتب الرواية (يساري) أو أن بطلها يمثل اليسار مصطلحا أدق ، و حقيقة إن التيار اليساري انتهى و مات في العالم العربي ، و حدا أدنى أقول أنه أصبح لا قيمة له بسبب واحد : أنه لم يتطور إنسانيا و اقترن بشكل أو بآخر بالفساد الأخلاقي .
" لو كانت الرواية من الناحية الأدبية رفيعة و أساءت للمقدس هل كنت ستقبلينها ؟
- لا يوجد شيء اسمه رواية رفيعة تسيء للمقدس أو المدنس ، أنا لا أقسم الأشياء إلى مقدس أو مدنس ، أو آلهة و شياطين، أنا ضد هذه الثنائيات أو الازدواجيات التي توارثناها منذ العبودية ، لأن الإنسان يجمع بين الخير و الشر ، ليس ملاكا و لا شيطانا ، الإنسان ممكن أن يقتل أو يسرق ، لذا أنا ضد أن يعاقب القاتل بالقتل أو تقطع يد السارق ، أنا طبيبة نفسية ، علينا أن نسأل نفسنا : لماذا ارتكب الإنسان هذه الجريمة ؟ و بعدها نعالج الأسباب ، أنا ضد العقوبات و الجوائز .
و كيف ربيت أطفالك دون مبدأ الثواب و العقاب ؟
ربيتهم بمبدأ " الجائزة هي ما تعمل " ، لا تهمني جائزة نوبل ، و حين رشحت لجائزة الدولة التقديرية رفضتها ، جائزتي هي عملي ، و هي أن يجيئني أمثالك ، و اعتمدت في مبدئي على الكتب و القراءة ، لأن الكتابة التي من القلب تدخل القلب ، و تستشعر هذا و أنت تقرأ لي ،تشعر أنك تقرأ لفلاحة تكتب من واقعها و ليست أكاديمية تتقعر الألفاظ و تعيش في برج عاجي ، أنا كتبي يقرأها فتيان و فتيات لم يتجاوز عمرهم 13 سنة ، و لعلمك ، إن الرجال المتنورين في العالم العربي مثلك يحبون كتاباتي، غير صحيح أن الرجل يحاربني أو أنني أحارب الرجال ، لقد جاءني رجل من الصعيد ليقبل يدي ، قال لي : " كدت أقتل ابنتي لأنها لم تنزف ليلة الزفاف لولا أنني قرأت كتابك (المرأة و الجنس) " .
أشكرك على إطرائك الذي لا أستحقه ، و حديثنا عن عائلتك يدفعني إلى سؤالك عن سبب رفضك أن يهديك زوجك أي هدية كما ذكرت في حوار فضائي لك ؟
هديتي هي الإنسانية ، أكبر هدية عندي هي المعاملة بحنان وإخلاص ، أنا لا أرتدي عقدا أو حتى خاتما للزواج و لا أصبغ شعري و لا أضع الماكياج ، لأنني واثقة من نفسي جدا ، و أحب أن أكون على طبيعتي ، من أرادني كما أنا فأهلا و سهلا ، لماذا يجلب لي هدية ؟! ماذا أفعل بها ؟ ابتسامته في وجهي هدية ، وقفته بجانبي في الأزمات هدية ، دفاعه عني في غيابي هدية ، هذا هو الحب ، و ليس أن يجلب لي هدية ثم يخونني ، أنا لم اقبل مهرا ، و زوجي لا ينفق علي لأنني لست عالة ، نحن ننفق على البيت مناصفة ، ليس عدلا أن يكدح الرجل و يتعب و أنا أجلس في البيت دون أن أعمل شيء ، ماذا أفعل في وقتي؟ و كما قلت لك أنا لست عالة .قوامة
ما هو شعورك و أنت تسمعين من يقول أو من تقول : " طاعة الزوج من طاعة الله " و " الرجال قوامون على النساء" ؟
- هي عبدة و جارية ، و لا تفهم القرآن أو الإسلام .
ما هو تفسيرك إذا لقول الله تعالى : " الرجال قوامون على النساء " ؟
" بما أنفقوا من أموالهم " ، للرجل حق القوامة لو أنفق علي ، حين تجلب أنت الخادمة ألست تطعمها و تعطيها المال ، نفس الأمر ينطبق على المرأة و الرجل ، أما لو كانت المرأة مستقلة فهذا لا ينطبق .استعاذة
و أنت - كما تقولين - تمثلين خطابا جديدا ، هل يمثله ذاته المشايخ الجدد كعمرو خالد و خالد الجندي ؟
لا .. أعوذ بالله ، هؤلاء قوم يخدعون الشباب و الشابات و يكذبون على الناس ، هم كالنساء اللاتي يضعن الماكياج ثم يدعين أنهن جميلات و هن لسن كذلك .
هل العمل على التزام الناس و تقريبهم على الله من وجهة نظرك يعد كذبا و خداعا ؟
نحن نعيش في كذب ، عالمنا اليوم يقوم على الكذب ، رئيس أكبر دولة في العالم جورج بوش الابن يكذب كل يوم ، توني بلير يكذب كل يوم ، لقد قال ماركس و لو أنني لست ماركسية : " الدين أفيون الشعوب" و هي مقولة الصحيحة ، السياسة في العالم العربي معناها فن الكذب ، و رجال الدين عندنا يقومون بنفس الدور أو يجملونه ، لأنهم يشغلون الشعب عن قضيته الأساسية " الاستبداد السياسي" عبر تخديرهم بقضايا سطحية و فرعية للغاية .
" أختتم معك في المحور الإبداعي مستفهما : كيف نحمي ؟ و من يمنع ؟
خطأ ، أنا كتبت عن ذات الموضوع ، يقولون لا بد من الرقابة على الثقافة و وسائل الإعلام ، وكأن الشعب قاصر ، و هي نظرية تربوية خاطئة ، لأن الضابط هو ما يختاره الشعب لنفسه و يمارسه من تلقائها نفسه دون فرض أو وصاية ، و هنا تناقض صارخ مع الديمقراطية التي يزعمها العرب ، الديمقراطية أساسها حرية الشعب و أن يختار ممثليه ، فإذا كان قادرا على التصويت للمرشح فكيف يعجز عن انتقاء الرواية التي يقرأها ؟!
ختام
" ماذا عملت في النهاية .. بقي كل شيء كما هو ، و لم نستفد منك سوى أن يقولوا حين تسافرين في المؤتمرات الغربية .. انظروا كم هناك من ظلم و تخلف لديهم حتى أن نوال السعداوي تأت و تتحدث عندنا ؟
- أريد أن أقول أنه تحققت أشياء كثيرة حتى و إن تجاهلها البعض ، منها أنك أتيت إلي اليوم ، فالعيار الذي لا يصيب يدوش ، هناك آلاف مؤلفة من العالم و مصر تراسلني لتقول لي : كتابك الفلاني غير حياتي ، نعم .. حصل تنوير في الأجيال الجديدة من قبل المثقفين الحقيقيين ، و في المقابل حصل تضليل أودى بكثيرين في أحضان و براثن التيارات الأصولية ، و لكنني مؤمنة و متفائلة بأن تيار التقدم هو الذي سينتصر ، لهذا أعيش في سعادة و طمأنينة داخلية رغم أن حياتي هي التعب بعينه ، العقل و المنطق هو من سينتصر في النهاية و ليس الجهالة و التضليل ، و في كل حال كما أسلفت لك هناك (هدم) و هناك (بناء) و لكن المحصلة النهائية غالبا أو دائما ما تصب لصالح البناء و التقدم .
Comment