وتتكشف أحداث هذه الحكاية الأسطورية في وادي تيسالي حيث تستلقي يوريديس ميتة ولم يمض إلا وقت قصير على وفاتها، ويحيط بها الحوريات والرعاة الذين كانوا بصحبتها سابقا. والآن يحيطون بقبرها ليشيعوها بالتكريم والحزن اللائقين بها.
إنهم يشكلون موكبا حزينا يلقي بالزهور على قبرها، وهم ينادونها طالبين منها، إن كانت لا تزال قادرة على سماعهم، أن تبدي ما يشير إلى حضورها.
ترتفع صرخة أورفيوس المفجوعة، صرخة حبيب فقد حبيبته مناديا: (يوريديس! يوريديس): ثم يطلب من الجميع أن يغادروا المكان ليتركوه وحيدا مع أحزانه. وحين يصبح وحيدا مع زوجته المتوفاة، يسعى لاستحضار ظلها الغالي على قلبه مستخدما كلماته العاطفية المرنمة، ومتوسلا الأشجار والجداول وكل مافي الطبيعة أن تشهد على حبه الخالد عبر مقطع غنائي فجائي يكرره ثلاث مرات، يصل في نهايته إلى شيء من العزاء المريح في حديث مع الحورية إيكو، التي تواسيه بتحويل اسم محبوبته إلى نغم موسيقى.
وفي النهاية يدفعه حبه المتعاظم للقيام بواحدة من أخطر المغامرات، فقد قرر أن ينزل بنفسه إلى (هيدز) أي إلى العالم السفلي الذي يقيم فيه الموتى ليستعيد زوجته. فهو على ثقة أن حبا مثل حبه قادر على استثارة الشفقة حتى في عالم الجماد القاسي.
وفعلا، لا يخذله الحب. فقد ظهر له آمور، إله الحب، وسمعت الآلهة صرخاته واستحسنت شجاعته. يخاطبه آمور: (إذهب، إذن، بقيثارتك إلى بوابات هيدز، لا بد لإغنياتك وحبك العظيم أن تؤثر حتى في هذه الأرواح المخيفة). لكن الآلهة تفرض عليه شرطا واحدا: «وأنت تقود حبيبتك يوريديس عائدا بها إلى موطنك، يمكنك أن تتحدث إليها، ولكن إياك أن تنظر إليها، وإن فعلت ستفقد حياتك وحياتها... هيا استمتع بتنفيذ أوامر السماء».
منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها أورفيوس يشعر بالسعادة والامتنان، أخذ يدرك ما يهدده من إمكانية الفشل: فكيف يمكنه أن يضم حبه المستعاد بين ذراعيه، دون أن ينظر إليه؟ وكيف له أن يتحمل ذلك؟ وماذا سيكون موقفها؟ لكن مع ذلك لا بد من إطاعة أوامر الآلهة - ومن المؤكد أن الحب سينتصر في نهاية المطاف.
عالم الأموات وما فيه من ظلام ودخان وألسنة لهب تتصاعد من النيران المتأججة، وهناك أيضا أمهات الانتقام، وهي عبارة عن وحوش ضفائرها من الأفاعي، ومهمتها حراسة تلك البوابات تقف مستنفرة لأنها على علم مسبق بأن هناك شخصا غريبا يقترب. ولذلك تتحرك في حالة من القلق، ومع اقتراب أورفيوس تقفز بشراسة نحوه لتخويفه،
ولكن ما من شيء يرهبه وهو يستعيد أحزانه التي تستحضر المزيد من الشجاعة والجرأة فيغني:
«لا أخشى عذاب جهنم. حتى أنتن ستعتبرنه شيئا زهيدا، لو كنتن تعرفن آلام الحبيب المفجوع».
وحين تفشل قوة الأغنية في إحداث التأثير المطلوب، ينجح اسم الحب العظيم في ذلك.
فبعد الخوف والرعب في المشهد السابق، ينتقل الحدث إلى عالم من الهدوء الجميل في حقول الجنة بعيدا عن عالم الأحزان والخوف. عالم يغمره الضوء والفرح وأنهار الجنة وأشجار ليست أرضية تغني عليها العصافير.
لكن سرعان ما يعود الشوق القديم لتحريك مشاعره فما دام بعيدا عن حبيبته، لن تكون هناك قيمة للجمال مهما كان - إذن لن يهنأ بالراحة إلى أن يحقق الهدف الذي جاء من أجله.
هنا يعبر كورس من الأرواح اللامرئية عن تعاطفه معه، ويخبره أن هدفه بات قريب المنال.
وتظهر يوريديس، بعد مشاهد من الرقص الجميل، محاطة بأخواتها من الأرواح وهي تتلألأ جمالا.
تنطلق هذه الأرواح بأغنية الوداع: «لا تخافي فراقنا وعودتك إلى الأرض. زوجك سوف يستعيدك. وحيث يكون الحب، يكون إليسيوم».
وهكذا يجتمع أورفيوس ويوريديس.
يبدأ الاستعداد لرحلة العودة من العالم السفلي إلى الأرض، لكن أورفيوس يعرف الأخطار التي تترتب على أي تأخير، ولذلك هو قلق كي يغادر. ولأنه متلهف للمغادرة بسرعة، يفلت يدها من يده ويطلب منها اللحاق به... تشعر يوريدس بالصدمة من هذا التصرف القاسي: «كيف يتحمل أن يبتعد عني بهذه السرعة؟! كلماته قليلة وباردة، ولم ينظر إلى نظرة حب واحدة. ما معنى هذا كله؟! هل تغيرت أنا إلى هذه الدرجة؟! ألم أعد جميلة؟! عد إلى الأرض دون أن أكون معك إذن! فأية سعادة تنتظرني هناك، إن كنت ما عدت تحبني؟». وفي حالة من اليأس والألم والشك، تقرر يوريديس أن تتوقف عن متابعة الرحلة.
لكن أورفيوس، وفي حالة من التشتت الذهني، يحثها على اللحاق به دون أن ينظر إليها، فلا تزال نظراته موجهة بعيدا عنها. ولذلك تتوسل إليه: «انظر إلي ولو مرة واحدة ياحبيبي»، لكنه لا يجرؤ على ذلك ويسعى يائسا لدفعها إلى فهم السبب. وينشأ بينهما حوار تتخلله الأغنيات، لكنه حوار غير متكافئ، ومع ذلك تستمر يوريديس في البكاء وتوجيه اللوم والتوسلات بحرارة لا يستطيع حتى الأبطال القساة تجاهلها، فيستدير أورفيوس نحوها ويمسك بذراعها ثم ينظر في عينيها بكل الشوق الذي يختزنه عاشق مثله، وفي الحال تسترخي وتقع في حضنه. لقد خرجت من عالمه، عالم الأحياء. وهكذا فقد حبيبته مرة أخرى.
إنهم يشكلون موكبا حزينا يلقي بالزهور على قبرها، وهم ينادونها طالبين منها، إن كانت لا تزال قادرة على سماعهم، أن تبدي ما يشير إلى حضورها.
ترتفع صرخة أورفيوس المفجوعة، صرخة حبيب فقد حبيبته مناديا: (يوريديس! يوريديس): ثم يطلب من الجميع أن يغادروا المكان ليتركوه وحيدا مع أحزانه. وحين يصبح وحيدا مع زوجته المتوفاة، يسعى لاستحضار ظلها الغالي على قلبه مستخدما كلماته العاطفية المرنمة، ومتوسلا الأشجار والجداول وكل مافي الطبيعة أن تشهد على حبه الخالد عبر مقطع غنائي فجائي يكرره ثلاث مرات، يصل في نهايته إلى شيء من العزاء المريح في حديث مع الحورية إيكو، التي تواسيه بتحويل اسم محبوبته إلى نغم موسيقى.
وفي النهاية يدفعه حبه المتعاظم للقيام بواحدة من أخطر المغامرات، فقد قرر أن ينزل بنفسه إلى (هيدز) أي إلى العالم السفلي الذي يقيم فيه الموتى ليستعيد زوجته. فهو على ثقة أن حبا مثل حبه قادر على استثارة الشفقة حتى في عالم الجماد القاسي.
وفعلا، لا يخذله الحب. فقد ظهر له آمور، إله الحب، وسمعت الآلهة صرخاته واستحسنت شجاعته. يخاطبه آمور: (إذهب، إذن، بقيثارتك إلى بوابات هيدز، لا بد لإغنياتك وحبك العظيم أن تؤثر حتى في هذه الأرواح المخيفة). لكن الآلهة تفرض عليه شرطا واحدا: «وأنت تقود حبيبتك يوريديس عائدا بها إلى موطنك، يمكنك أن تتحدث إليها، ولكن إياك أن تنظر إليها، وإن فعلت ستفقد حياتك وحياتها... هيا استمتع بتنفيذ أوامر السماء».
منذ اللحظات الأولى التي بدأ فيها أورفيوس يشعر بالسعادة والامتنان، أخذ يدرك ما يهدده من إمكانية الفشل: فكيف يمكنه أن يضم حبه المستعاد بين ذراعيه، دون أن ينظر إليه؟ وكيف له أن يتحمل ذلك؟ وماذا سيكون موقفها؟ لكن مع ذلك لا بد من إطاعة أوامر الآلهة - ومن المؤكد أن الحب سينتصر في نهاية المطاف.
عالم الأموات وما فيه من ظلام ودخان وألسنة لهب تتصاعد من النيران المتأججة، وهناك أيضا أمهات الانتقام، وهي عبارة عن وحوش ضفائرها من الأفاعي، ومهمتها حراسة تلك البوابات تقف مستنفرة لأنها على علم مسبق بأن هناك شخصا غريبا يقترب. ولذلك تتحرك في حالة من القلق، ومع اقتراب أورفيوس تقفز بشراسة نحوه لتخويفه،
ولكن ما من شيء يرهبه وهو يستعيد أحزانه التي تستحضر المزيد من الشجاعة والجرأة فيغني:
«لا أخشى عذاب جهنم. حتى أنتن ستعتبرنه شيئا زهيدا، لو كنتن تعرفن آلام الحبيب المفجوع».
وحين تفشل قوة الأغنية في إحداث التأثير المطلوب، ينجح اسم الحب العظيم في ذلك.
فبعد الخوف والرعب في المشهد السابق، ينتقل الحدث إلى عالم من الهدوء الجميل في حقول الجنة بعيدا عن عالم الأحزان والخوف. عالم يغمره الضوء والفرح وأنهار الجنة وأشجار ليست أرضية تغني عليها العصافير.
لكن سرعان ما يعود الشوق القديم لتحريك مشاعره فما دام بعيدا عن حبيبته، لن تكون هناك قيمة للجمال مهما كان - إذن لن يهنأ بالراحة إلى أن يحقق الهدف الذي جاء من أجله.
هنا يعبر كورس من الأرواح اللامرئية عن تعاطفه معه، ويخبره أن هدفه بات قريب المنال.
وتظهر يوريديس، بعد مشاهد من الرقص الجميل، محاطة بأخواتها من الأرواح وهي تتلألأ جمالا.
تنطلق هذه الأرواح بأغنية الوداع: «لا تخافي فراقنا وعودتك إلى الأرض. زوجك سوف يستعيدك. وحيث يكون الحب، يكون إليسيوم».
وهكذا يجتمع أورفيوس ويوريديس.
يبدأ الاستعداد لرحلة العودة من العالم السفلي إلى الأرض، لكن أورفيوس يعرف الأخطار التي تترتب على أي تأخير، ولذلك هو قلق كي يغادر. ولأنه متلهف للمغادرة بسرعة، يفلت يدها من يده ويطلب منها اللحاق به... تشعر يوريدس بالصدمة من هذا التصرف القاسي: «كيف يتحمل أن يبتعد عني بهذه السرعة؟! كلماته قليلة وباردة، ولم ينظر إلى نظرة حب واحدة. ما معنى هذا كله؟! هل تغيرت أنا إلى هذه الدرجة؟! ألم أعد جميلة؟! عد إلى الأرض دون أن أكون معك إذن! فأية سعادة تنتظرني هناك، إن كنت ما عدت تحبني؟». وفي حالة من اليأس والألم والشك، تقرر يوريديس أن تتوقف عن متابعة الرحلة.
لكن أورفيوس، وفي حالة من التشتت الذهني، يحثها على اللحاق به دون أن ينظر إليها، فلا تزال نظراته موجهة بعيدا عنها. ولذلك تتوسل إليه: «انظر إلي ولو مرة واحدة ياحبيبي»، لكنه لا يجرؤ على ذلك ويسعى يائسا لدفعها إلى فهم السبب. وينشأ بينهما حوار تتخلله الأغنيات، لكنه حوار غير متكافئ، ومع ذلك تستمر يوريديس في البكاء وتوجيه اللوم والتوسلات بحرارة لا يستطيع حتى الأبطال القساة تجاهلها، فيستدير أورفيوس نحوها ويمسك بذراعها ثم ينظر في عينيها بكل الشوق الذي يختزنه عاشق مثله، وفي الحال تسترخي وتقع في حضنه. لقد خرجت من عالمه، عالم الأحياء. وهكذا فقد حبيبته مرة أخرى.
Comment