راجت في بعض المواقع الألكترونية التي تتبع لإدارة جهات متطرفة غير مسيحية ومنذ فترة لا بأس بها قصص على شكل دراسات تشير إلى تقارب أو تشابه أو تآخٍ بين حياة المسيح يسوع وبعض الآلهة القديمة من العالم قبل المسيح، أو بعض الشخصيات الحقيقية والأسطورية من أساطير وىداب واديان الشعوب الأخرى. ولا يخفى على أحد أن مروجيها يريدون بوضوح نسف أهم أركان الإيمان المسيحي القائم على ان يسوع المسيح هو ابن الله المتجسد ، وبعث الشك بحقيقة وجوده أو على الأقل اعتباره مجرد رمز أسطوري ليس سوى امتداداً لأديان وأساطير وميثولوجيا وثيولوجيا الشعوب الأخرى.
إن احد أهم وأوضح ثغرات تلك التشبيهات المفتعلة والمُفبركة كان غباء مفبركيها عبر جعل يسوع مشابهاً لقصص عدد كبير من الشخصيات تواجدوا على مساحات جغرافية هائلة تمتد من مصر القديمة حتى أقصى جبال التيبت في الصين. وهذا الإدعاء الغريب هو ما دفع بالبعض للبحث بتدقيق في صحة هذه التشابهات بدافع المعرفة، وكانت النتيجة هي عكس ما أراد أولئك المشككون.
كما أن أحد أهم العناصر التي يعتمد عليها المشككون أن إنسان اليوم لا يقرأ المزيد لكي يقف على حقيقة ما يقرأ. بمعنى أنه لو أن شخصاً قرأ كتاباً وأعجبه وفي هذا الكتاب معلومة معينة حساسة وتمس شخصية هامة فإن القاريء يصدق ما قيل في هذا الكتاب في معظم الأحيان دون العودة إلى مصادر محايدة ومتعددة للوقوف على صحة ما ذكر من عدة مصادر لا تتعلق ببعضها البعض.
سنقف اليوم على حقيقة " التشابه المزعوم " بين السيد المسيح وبين أحد الآلهة السورية " البعل " ..
من هو البعل ؟
" بعل " باللغة العربية تعني الزوج، وبعل في اللغات السامية تأتي على شكل لقب أو تأتي كاسم نكرة و يستدل من أنها تعني: السيد أو الملك ويؤنث إلى ( بعلة بت ) أي سيدة البيت، إلا أن نصوص أوغاريت تبين أن (بعل) المقصود فيها إله محدد الصفات هو هداد، وهذا ليس مقصوراً على كلمة بعل، فكلمة ( إيل) تستعمل أيضاً كاسم علم (إيل أبو الآلهة) واسم نكرة ليعني إله، ويؤنث( إيله) أي إلهه ويجمع (إيلم) هذا يستعدي التعامل مع كل حالة ورود كلمة بعل وفق سياقها.
يشبه ذلك استعمالنا كلمة رب المستعملة عادةً للدلالة على( الله ) بمعنى السيد، كقولنا رب المنزل.
وبعل هو أهم إله لدى الكنعانيين. وكانوا يعتبرونه الإله المحارب، لهذا صوروه مسلحا. وكان الفينيقيون يعتبرونه إله الشمس وقد نقلوا معهم عبادته لقرطاجة. وكان بعل إله الزوابع والأمطار والخصوبة، وهو اله العاصفة والخصب والقوة، راكب الغيوم ومنزل المطر ومصدر الخصب لكل الكائنات الحية . ويبدو ان هذا الإسم ارتبط بالزراعة البعلية أي المعتمدة على الإله بعل أي على مياه الأمطار وتستخدم إلى يومنا هذا.
يرمز اليه أحياناً بالثور الذي يمثل القوة والخصب .
في الأسطورة الأوغاريتية أهم وظائفه الدفاع عن البشر والآلهة ، فهو بطل الآلهة وقاتل التنين يم( قوى المياه العاتية وخصم بعل في الأسطورة : وهي تعبر عن تنظيم القوى المائية للطبيعة تلك القوى التي لها قدرة تدميرية كالبحر لدى هيجانه فالصراع بين بعل ويم هو صراع بين الخير والشر وتعبير عن تنظيم الطبيعة لمصلحة البشر)، وبعل هو الرزاق واهب المطر وصوته الرعد وعد الخصب، وهو المخلص الذي يحكم من جبل صافون (الأقرع) ويرد اسمه بصيغ عدة، (عليان بعل) القدير، (زبل بعل أرض) أمير بعل الأرض و(بعل عنت محرثت) بعل الأرض المحروثة،(إيل هدد) الإله ،أو (صغر هدد ) الصغير، ويوصف بعل بابن (دجن)، أما (عنات) فهي أخته.
من هذه الاسطورة أقتبس :
بعد انتصاره في هذه المعركة يشرع بعل في تنظيم أمور العالم ، ويدعو الألهة عناة التي تمثل روح الخصوبة الكونية لتلتحق به في مقر حكمه في أعالي جبل صفون ( الأقرع )، ومن لقائهما تنتعش مظاهر الطبيعة والحياة الزراعية. يقول بعل لعناة حسب الأسطورة:
وإليّ فلتسرع قدماك اهرعي إليّ تحملك ساقاك فعندي كلمة أقولها لك عندي قصة أسردها عليك إنها كلمة الشجر ووشوشة الحجر همسة السماء إلى الأرض ونجوى البحار إلى النجوم فأنا عليم بالبرق الذي لاتدرك السماء كنهه وعندي من الأسرار ما لايفهمه البشر هلمي إلى فاكشف لك كل أسراري
استمرت عبادة( بعل هدّاد) في العهدين الإغريقي وروماني، واعتبر موازياً للإله (زفس جوبيتر) وانتشرت عبادته حتى وصلت روما نفسها.
بدايتها من سومر دموزي وانتهت بأدونيس باليونان:
دوموزي، هو الإله الراعي السومري المسكين, الذي اختارته إلهة الخصب أنانا زوجا لها مفضلة إياه على الإله المزارع إنكمدو.
تقوم أنانا تلك بالتضحية بنفسها و النزول إلى عالم الأموات لمدة ثلاثة أيام, ثم تقوم ببعث نفسها من جديد مجددة دورة الخصب الزراعية و مؤكدة قوتها الإخصابية الذاتية. و لكن صعودها مجددا كان مشروطا بإرسال شخص آخر لينوب عنها في العالم الأسفل.فتصعد مع عفاريت الأرض و تشير لهم بأخذ دوموزي الراعي. يحاول دوموزي الهرب ثلاث مرات بدون جدوى حيث أن العفاريت تحاصره آخر مرة في حظيرته و تقوم بقتله بطريقة تخلع الأفئدة:
تنتقل الأسطورة إلى بلاد بابل و يصبح دوموزي هو تموز و تعطى أنانا اسما أكاديا هو عشتار. أما عشتار هنا، فتقوم بالهبوط إلى عالم الأموات لتحرر حبيبها القتيل تموز، بعد أن كانت قد أرسلت به بنفسها في الأسطورة السومرية. تنجح في ذلك و تصعد به إلى السماء لتستمر دورة الخصب و الحياة.
إن موت الإلهة الأم لا يقل أهمية عن انبعاثها من جديد. و لجميع هذه الأساطير أعياد و احتفالات صاخبة و هستيرية جدا، فهي بكاء و نوح على تموز القتيل يتبعها فرح و احتفالات يشاركون بها عشتار لعودة حبيبها. و كانت تتخلها الممارسات الجنسية للإيحاء للأرض بالخصب و التجديد.
في سوريا، تختلف الأدوار قليلا, فدوموزي او تموز ما عاد ضحية مغلوبا على أمرها, لقد أصبح بعل ابن الإله داجون " دجن "، و أصبحت عشتار اسمها عناة. و هنا لا يتوقف الخصب على عناة فقط بل هو اتحاد بين إله المطر بعل و إلهة الخصب و الحب عناة. و هذا ليس بالمستغرب حيث أن الزراعة السورية تعتمد على الامطار أكثر مما كانت تعتمد عليه زراعة حوض الرافدين التي تسقى من دجلة و الفرات. في أسطورة بعل و عناة الاوغاريتية, يقوم بعل بالرضوخ للموت إله العالم الأسفل الجبارالذي كان لا بد من مواجهته لأنه يهدد الإنسان ويفسد النظام البعلي وينزل بعل عند رغبته فيسلم نفسه له مضحيا بذاته و السبب هو نفس السبب الذي دفع أنانا من قبله بالتضحية بذاتها ( تجديد دورة الخصوبة ). خاف بعل من الإله موت وقال له:
وبينما هو يستعد للرحلة، تأتيه تعليمات جديدة من موت:
نقل الرسل خبر موت بعل الى كبير الالهة إيل:
فقام إيل ثم تهاوى واقعاً على الارض ورش التراب على رأسه، ومرغ نفسه بالأديم ورفع صوته وصاح:
وعندما تراه عناة يصرخ و ينوح تعرف أن بعلها قد قضة نحبه ، وهي تعرف بأن زوجة إيل عشيرة سوف تفرح لموت بعل، لأن ذلك سوف يعطيها فرصة لتنصيب احد اولادها مكانه:
فنادى إيل عشيرة سيدة البحر:
فتقوم عناة وتبحث عن بعل بكل أسى و تجد جثته في الحقول، وهي :
و لكن أساها يتفاقم و تتحدى الإله موت و تطلب منه أن يعيد لها بعل و لكنه يرفض فتقرر مواجهته:
وبعدها تعثر على بعل حيا يقتص من باقي أعدائه، فيلتقيان و يقومان بفعل الحب باشتياق شديد... آلاف المرات... حسب ما يروي النص الأوغاريتي.
و لكن الحب لا يدوم، إذ بعد سبع سنوات يعود الإله موت لمصارعة الإله بعل. فأسطورة بعل ليست تراجيديا سنوية كما يحدث مع أنانا و عشتار، إنما هي سنين خصب تليها سنين قحط، كما هو مناخ سوريا.
و قد كان يسبق اسم بعل بكلمة آدون أي السيد. و قد ناب آدون أو آدوناي عن الاسم عند فينيقيي الجنوب في بيبلوس و قبرص. و أصبحت عناة هي عشتاروت. أما قصة آدوني عندهم فتختلف قليلا. فهو لا يموت على يد إله الموت، بل يفترسه خنزير بري أثناء تجواله في غابات لبنان للصيد، فيصبغ لون دمه الأحمر ورود شقاق النعمان إلى يومنا هذا!
حمل الفينيقيون معهم إلههم المحبب آدوني إلى اليونان و هناك أصبح اسمه أدونيس و أغرم به اليونانيون و زوجوه من الإلهة الإغريقية أفروديت.
و تتحور القصة قليلا و هي طويلة و لكن في نهايتها يُكتب لأدونيس أن يعيش حياته مقسمة إلى ثلاثة أقسام: فصلا مع برسيفوني إلهة العالم الأسفل. و فصلا مع أفروديت و فصلا مع ذاته. فكان يتكرر هبوطه إلى عالم الاموات كل ثمانية شهور لأربعة أشهر، إلى أن صرعه خنزير بري في إحدى الأيام. والغريب في الأمر ان الخنزير البري هو أحد تحولات الإلهة أفروديت، فكأنها هي التي قتلته و هي التي تحييه، تماما كما قتلت أنانا دوموزي في سومر وأنقذته لاحقا في بابل.
معظم هذه الديانات كانت تمارس عادة "شبيهة بالعشاء السري في المسيحية" حيث يؤتى بالحيوان الذي هو رمز الإله القتيل فيُقتل و يؤكل لحمه و يشرب دمه كنوع من إحياء ذكرى موته. وفي غير هذه المناسبة فإن قتل هذا الحيوان و أكله يحرم تحريما باتا. كما أنه يُعتقد أن هذا هو سبب تحريم أكل حيوان الخنزير المحرم لدى السوريين وكذلك المصريين . و قد تبنى اليهود هذا التحريم اقتداءا بأسيادهم المصريين و جيرانهم السوريين دونما سبب واضح. والإسلام أيضا قد استمر من بعدهم بهذا التحريم، بينما تخلت عنه المسيحية.
هل من شبه مع المسيح ؟
أبداً وليس اكثر من بعض السطحيات التي قد تتشابه في أي قصتين.
فالإله دموزي، تموز، بعل ، ادونيس ... إلخ تجليات لإله أسطوري واحد تقريباً يمثل الخصوبة في مجتمع يقوم أساساً على الزراعة، وهو في حالة صراع مع القوى المعادية للإنسان المزارع ( الطوفان والجفاف ) وهما ممثلان في الإلهين يم وموت على التوالي. يصرع بعل إله الطوفان وينظم الحياة الزراعية ولكنه يدخل في معركة موت وحياة متكررة في صراعه مع إله الجفاف .. تفسير ذلك بسيط جداً : ففي المجتمع الزراعي القديم لم تكن الحياة الزراعية لتنتظم إلا بعد أن سيطر الإنسان القديم على الموارد المائية وسخّرها لخدمة زراعته، ولكنه لم يستطع تسخير الجفاف ومواسم القحط لأنها خارجة عن سيطرته وقدراته ، وكما هو معروف من مناخ حوض المتوسط تتوالى دورات مناخية من الخصوبة إلى التجفاف ، وربما كانت واضحة في تلك الأيام بسبع سنوات خصب يليها سبع عجاف ( حتى هذا يرد في التوراة في حلم فرعون الذي فسره له يوسف ) ، ولهذا يدخل بعل في دورة حياة وموت متكررة ..
قصة الخنزير البري الذي قتله حسب التطور الذي أصاب الأسطورة بالتأثير اليوناني ، وقصة الخوف من إله الموت الذي تصوره الأسطورة فاتحاً فمه لابتلاعه : شفة في السماء وشفة في الأرض .. ورضوخ بعل له وقوله أنه عبد له ؟! وقصة الحب مع عشتار وممارسة الجنس بشدة وباستمرار بعد خروج بعل من الموت " فتكثر الخصوبة " ، وبأن عناة هي من ينتصر على إله الموت وتقتله وتقطعه وتحرقه لكي تخلص حبيبها البعل ، وقصة عشيرة زوجة إيل كبير الآلهة التي تفرح لموته وترسل احد أبنائها ليملك مكانه، وحزن إيل الشديد واعتقاده بأن بعل هلك ومات إلى غير رجعة ، وقصة إنانا السومرية التي ترسل حبيبها دموزاي بنفسها للموت وتقتله العفاريت شر قتلة ولا يقوم بعدها إلا على أيدي ومخيّلة البابليين ... إلخ
القصة كما هي واضحة امامكم : فأين هو التشابه " العجيب " بين حياة بعل وموته وبعثه حياً ، مع قصة يسوع المسيح وحياته وموته وقيامته ؟؟؟
لا يوجد شبه إلا بنقاط صغيرة اختصرها بالتالي:
- بعل هو إله الحياة ( الخصب يعني الحياة )
- بعل يجب أن يموت لكي تستمر الحياة
- بعل يموت طوعا
- بعل يقوم ولكن بعد أن تقتل حبيبته عشتار أو عناة إله الموت وتحرره من داخله.
إذا كان هذا هو التشابه المزعوم فيا سلام كم هو عجيب حقاً ...
يسوع الإله المتجسد ؟
لا شك أن فكرة موت الإله وقيامته ليست غريبة عن معتقدات الشعوب القديمة قبل المسيح ، والكنيسة الأرثوذكسية تحديداً تؤمن بوضوح وتذكر علناً أن الله هيّأ سرياً جميع الشعوب لقبول فكرة أنه سيأتي بالجسد وأنه سيموت لكي يخلص الناس ويعيد لهم المجد الذي أراده لهم، وهذه التهيئة أخذت أشكالاً متفاوتة بين شعوب وأخرى، ولاقت قبولاً متبايناً كذلك كما توضح الأساطير، وكانت أبرز تجلياتها وأوضح قبول لها هو لدى العبرانيين.
ولكن عقيدة التجسد والفداء والخلاص والقيامة في المسيحية لا علاقة لها بكل عقائد الخصب والحب والجنس الإلهي وصراع الآلهة ودورات الحياة الزراعية كما في العالم القديم .. هناك بلا شك فكرة ضبابية لدى الأمم قبل المسيح عن هذا الشيء ولكن لا يشبه الحقيقة المسيحية في شيء يذكر ..
ولا بد من الإشارة إلى أن تلك الفكرة التي سادت جميع البلاد السورية وعلى عدة ألفيات من السنين لا تجد صدىً ولا قبولاً في اليهودية ، ولا تذكر التوراة عنها شيئاً ولا تتبنى أياً من أفكارها مما جعل اليهودية تتميز عن كافة الديانات من حولها في بيئتها وزمنها.
وعلى العكس من ذلك حفلت التوراة بإشارات واضحة للإله المخلص الذي سيأتي، فهو نفسه " يهوه " الإله الوحد الذي لا إله آخر سواه - التوحيد - هو نفسه سيأتي للعالم ليخلص شعبه " ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب" ( أشعيا ) و " أنا أنا الرب وليس غيري مخلص" ( أشعيا43: 11 ) و " الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض قولوا لابنة صهيون: «هوذا مخلصك آت. ها أجرته معه وجزاؤه أمامه» " ( أشعيا ) .. وهذه الفكرة الخلاصية لا نراها في غير الأدب التوراتي وهي بعيدة عن صراعات الآلهة .
جاء المسيح وعلّم ومات طوعاً وقام بقوته الذاتية الأزلية ، لم يقيمه أحد ولم يبحث عنه احد ولم يقتل أحد إله الموت سواه - لو اعتبرنا أن للموت إلهاً - ونحن نقول أنه " قهر سلطة الموت على الإنسان بموته لأن الإنسان صار واثقاً بقيامته " . الإله في المسيحية ارتدى جسداً ليثبت لنا أن جسدنا سيقوم أيضاً، وليُجَرَّب في كل شيء كما أخوته حتى يعين المجرَّبين ( الرسالة إلى العبرانيين 2: 18 ). والخلاص في المسيحية لا علاقة له لا بحياة أرضية ولا بزراعة ولا بخصب، الخلاص في المسيحية هو عودة الإنسان الخاطيء إلى نقاء صورته وإلى خلوده المخلوق عليه منذ البدء والذي شوّهته الخطيئة ودمرته.
هناك بعض خفافيش الظلام تحاول إشاعة أن هناك شبهاً رهيباً بين " تموز - بعل - أدونيس " والمسيح يسوع ، في محاولة ساذجة للإيحاء أن يسوع ما هو إلى تطوّر آخر لتلك الأسطورة المتجولة من أعماق سومر إلى رحاب اليونان الإغريقية..
كذبة كبرى تفضحها كل المراجع العالمية المحايدة .. مشكلتنا أننا نقرأ لنستهلك ونجادل ونثرثر ولا نقرأ لنطّلع ونفهم
بعض المراجع :
- قصة الحضارة : للكاتب ويل ديورانت
- فراس السواح: جريدة الثورة الثقافي
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة
- الموسوعة البريطانية Britannica
الموضوع منقول من شبكة القديس سيرافيم ساروفسكي الارثوذكسية
إن احد أهم وأوضح ثغرات تلك التشبيهات المفتعلة والمُفبركة كان غباء مفبركيها عبر جعل يسوع مشابهاً لقصص عدد كبير من الشخصيات تواجدوا على مساحات جغرافية هائلة تمتد من مصر القديمة حتى أقصى جبال التيبت في الصين. وهذا الإدعاء الغريب هو ما دفع بالبعض للبحث بتدقيق في صحة هذه التشابهات بدافع المعرفة، وكانت النتيجة هي عكس ما أراد أولئك المشككون.
كما أن أحد أهم العناصر التي يعتمد عليها المشككون أن إنسان اليوم لا يقرأ المزيد لكي يقف على حقيقة ما يقرأ. بمعنى أنه لو أن شخصاً قرأ كتاباً وأعجبه وفي هذا الكتاب معلومة معينة حساسة وتمس شخصية هامة فإن القاريء يصدق ما قيل في هذا الكتاب في معظم الأحيان دون العودة إلى مصادر محايدة ومتعددة للوقوف على صحة ما ذكر من عدة مصادر لا تتعلق ببعضها البعض.
سنقف اليوم على حقيقة " التشابه المزعوم " بين السيد المسيح وبين أحد الآلهة السورية " البعل " ..
من هو البعل ؟
" بعل " باللغة العربية تعني الزوج، وبعل في اللغات السامية تأتي على شكل لقب أو تأتي كاسم نكرة و يستدل من أنها تعني: السيد أو الملك ويؤنث إلى ( بعلة بت ) أي سيدة البيت، إلا أن نصوص أوغاريت تبين أن (بعل) المقصود فيها إله محدد الصفات هو هداد، وهذا ليس مقصوراً على كلمة بعل، فكلمة ( إيل) تستعمل أيضاً كاسم علم (إيل أبو الآلهة) واسم نكرة ليعني إله، ويؤنث( إيله) أي إلهه ويجمع (إيلم) هذا يستعدي التعامل مع كل حالة ورود كلمة بعل وفق سياقها.
يشبه ذلك استعمالنا كلمة رب المستعملة عادةً للدلالة على( الله ) بمعنى السيد، كقولنا رب المنزل.
وبعل هو أهم إله لدى الكنعانيين. وكانوا يعتبرونه الإله المحارب، لهذا صوروه مسلحا. وكان الفينيقيون يعتبرونه إله الشمس وقد نقلوا معهم عبادته لقرطاجة. وكان بعل إله الزوابع والأمطار والخصوبة، وهو اله العاصفة والخصب والقوة، راكب الغيوم ومنزل المطر ومصدر الخصب لكل الكائنات الحية . ويبدو ان هذا الإسم ارتبط بالزراعة البعلية أي المعتمدة على الإله بعل أي على مياه الأمطار وتستخدم إلى يومنا هذا.
يرمز اليه أحياناً بالثور الذي يمثل القوة والخصب .
في الأسطورة الأوغاريتية أهم وظائفه الدفاع عن البشر والآلهة ، فهو بطل الآلهة وقاتل التنين يم( قوى المياه العاتية وخصم بعل في الأسطورة : وهي تعبر عن تنظيم القوى المائية للطبيعة تلك القوى التي لها قدرة تدميرية كالبحر لدى هيجانه فالصراع بين بعل ويم هو صراع بين الخير والشر وتعبير عن تنظيم الطبيعة لمصلحة البشر)، وبعل هو الرزاق واهب المطر وصوته الرعد وعد الخصب، وهو المخلص الذي يحكم من جبل صافون (الأقرع) ويرد اسمه بصيغ عدة، (عليان بعل) القدير، (زبل بعل أرض) أمير بعل الأرض و(بعل عنت محرثت) بعل الأرض المحروثة،(إيل هدد) الإله ،أو (صغر هدد ) الصغير، ويوصف بعل بابن (دجن)، أما (عنات) فهي أخته.
من هذه الاسطورة أقتبس :
تهتف الالهة لبعل
ياراكب الغيوم ستسحق عدوك
ستقضي على غريمك
وتاخذ الملك الابدي
الهراوة تنطلق من يد بعل
كالصقر بين اصابعه
تضرب الامير يم على ام راسه
يكبو يم
ترتجف جوانبه
تنقبض ملامحه
يسقط على الارض
تضعف مفاصله
ينتحب وجهه
بعل يجر يم يسحق هامته
ويقطعه اربا
اجل مات يم
نعم سيسود بعل
الملك لراكب الغيوم
الملك بعل
ياراكب الغيوم ستسحق عدوك
ستقضي على غريمك
وتاخذ الملك الابدي
الهراوة تنطلق من يد بعل
كالصقر بين اصابعه
تضرب الامير يم على ام راسه
يكبو يم
ترتجف جوانبه
تنقبض ملامحه
يسقط على الارض
تضعف مفاصله
ينتحب وجهه
بعل يجر يم يسحق هامته
ويقطعه اربا
اجل مات يم
نعم سيسود بعل
الملك لراكب الغيوم
الملك بعل
بعد انتصاره في هذه المعركة يشرع بعل في تنظيم أمور العالم ، ويدعو الألهة عناة التي تمثل روح الخصوبة الكونية لتلتحق به في مقر حكمه في أعالي جبل صفون ( الأقرع )، ومن لقائهما تنتعش مظاهر الطبيعة والحياة الزراعية. يقول بعل لعناة حسب الأسطورة:
وإليّ فلتسرع قدماك اهرعي إليّ تحملك ساقاك فعندي كلمة أقولها لك عندي قصة أسردها عليك إنها كلمة الشجر ووشوشة الحجر همسة السماء إلى الأرض ونجوى البحار إلى النجوم فأنا عليم بالبرق الذي لاتدرك السماء كنهه وعندي من الأسرار ما لايفهمه البشر هلمي إلى فاكشف لك كل أسراري
استمرت عبادة( بعل هدّاد) في العهدين الإغريقي وروماني، واعتبر موازياً للإله (زفس جوبيتر) وانتشرت عبادته حتى وصلت روما نفسها.
بدايتها من سومر دموزي وانتهت بأدونيس باليونان:
دوموزي، هو الإله الراعي السومري المسكين, الذي اختارته إلهة الخصب أنانا زوجا لها مفضلة إياه على الإله المزارع إنكمدو.
تقوم أنانا تلك بالتضحية بنفسها و النزول إلى عالم الأموات لمدة ثلاثة أيام, ثم تقوم ببعث نفسها من جديد مجددة دورة الخصب الزراعية و مؤكدة قوتها الإخصابية الذاتية. و لكن صعودها مجددا كان مشروطا بإرسال شخص آخر لينوب عنها في العالم الأسفل.فتصعد مع عفاريت الأرض و تشير لهم بأخذ دوموزي الراعي. يحاول دوموزي الهرب ثلاث مرات بدون جدوى حيث أن العفاريت تحاصره آخر مرة في حظيرته و تقوم بقتله بطريقة تخلع الأفئدة:
و أنت يا عيني, تائهة في السهول فلتدمعي كعين أمي
و أنت يا عيني, تائهة في السهول فلتدمعي كعين أختي
بين الازاهير استلفى الراعي دوموزي
و بينما هو نائم بين الازاهير رأى حلما
فنهض من نومه مذعورا مما رأى
...
سأختبئ بين الأعشاب القصيرة
فلا تخبري أحدا بمكمني
سأختبئ بين الأعشاب الطويلة
فلا تخبري أحدا بمكمني
سأختبئ بين القنوات و الترع
فلا تخبري أحدا بمكمني
...
دخل الحظيرة العفريت الأول
و ضرب خدود دوموزي بمسمار طويل نفاذ
و تبعه إلى الحظيرة العفريت الثاني
فراح يضرب وجه دوموزي بعصى الراعي
...
..
و كسر الكوب. فدوموزي لم يعد بين الأحياء
و حظيرته قد راحت نهبا للرياح
و أنت يا عيني, تائهة في السهول فلتدمعي كعين أختي
بين الازاهير استلفى الراعي دوموزي
و بينما هو نائم بين الازاهير رأى حلما
فنهض من نومه مذعورا مما رأى
...
سأختبئ بين الأعشاب القصيرة
فلا تخبري أحدا بمكمني
سأختبئ بين الأعشاب الطويلة
فلا تخبري أحدا بمكمني
سأختبئ بين القنوات و الترع
فلا تخبري أحدا بمكمني
...
دخل الحظيرة العفريت الأول
و ضرب خدود دوموزي بمسمار طويل نفاذ
و تبعه إلى الحظيرة العفريت الثاني
فراح يضرب وجه دوموزي بعصى الراعي
...
..
و كسر الكوب. فدوموزي لم يعد بين الأحياء
و حظيرته قد راحت نهبا للرياح
تنتقل الأسطورة إلى بلاد بابل و يصبح دوموزي هو تموز و تعطى أنانا اسما أكاديا هو عشتار. أما عشتار هنا، فتقوم بالهبوط إلى عالم الأموات لتحرر حبيبها القتيل تموز، بعد أن كانت قد أرسلت به بنفسها في الأسطورة السومرية. تنجح في ذلك و تصعد به إلى السماء لتستمر دورة الخصب و الحياة.
إن موت الإلهة الأم لا يقل أهمية عن انبعاثها من جديد. و لجميع هذه الأساطير أعياد و احتفالات صاخبة و هستيرية جدا، فهي بكاء و نوح على تموز القتيل يتبعها فرح و احتفالات يشاركون بها عشتار لعودة حبيبها. و كانت تتخلها الممارسات الجنسية للإيحاء للأرض بالخصب و التجديد.
في سوريا، تختلف الأدوار قليلا, فدوموزي او تموز ما عاد ضحية مغلوبا على أمرها, لقد أصبح بعل ابن الإله داجون " دجن "، و أصبحت عشتار اسمها عناة. و هنا لا يتوقف الخصب على عناة فقط بل هو اتحاد بين إله المطر بعل و إلهة الخصب و الحب عناة. و هذا ليس بالمستغرب حيث أن الزراعة السورية تعتمد على الامطار أكثر مما كانت تعتمد عليه زراعة حوض الرافدين التي تسقى من دجلة و الفرات. في أسطورة بعل و عناة الاوغاريتية, يقوم بعل بالرضوخ للموت إله العالم الأسفل الجبارالذي كان لا بد من مواجهته لأنه يهدد الإنسان ويفسد النظام البعلي وينزل بعل عند رغبته فيسلم نفسه له مضحيا بذاته و السبب هو نفس السبب الذي دفع أنانا من قبله بالتضحية بذاتها ( تجديد دورة الخصوبة ). خاف بعل من الإله موت وقال له:
تحية لك ياموت، عبدك أنا سأكون
وبينما هو يستعد للرحلة، تأتيه تعليمات جديدة من موت:
عليك أن تأخذ معك غيومك ورياحك وعواصفك وأمطارك وتأخذ بدرية ابنة النور وطيلة ابنة المطر فارفع الجبل على يديك والتل على راحيتك واهبط الى أقاصي الارض العميقة حتى تصبح مع من غادر هذه الارض
نقل الرسل خبر موت بعل الى كبير الالهة إيل:
جئنا الى بعل فإذا هوساقط على الارض مات بعل العلي، هلك الامير سيد الارض
فقام إيل ثم تهاوى واقعاً على الارض ورش التراب على رأسه، ومرغ نفسه بالأديم ورفع صوته وصاح:
بعل مات ماذا سيحصل بالبشر
وعندما تراه عناة يصرخ و ينوح تعرف أن بعلها قد قضة نحبه ، وهي تعرف بأن زوجة إيل عشيرة سوف تفرح لموت بعل، لأن ذلك سوف يعطيها فرصة لتنصيب احد اولادها مكانه:
فلتفرح عشيرة ولتبتهج مع ابنائها لأن بعل العلي قدقضى لأن سيد الارض قد هلك
فنادى إيل عشيرة سيدة البحر:
عشيرة ياسيدة البحر استمعي إلي ادفعي إلي بأحد أولادك لأجعله ملكاً فأجابت عشيرة سيدة البحر: لنجعل على العرش ملكاً قادراً على الحكم
فتقوم عناة وتبحث عن بعل بكل أسى و تجد جثته في الحقول، وهي :
فرفعته على كتفها
و صعدت به أعالي جبل صفون " الأقرع "
و هناك بكت عليه و قامت بدفنه
و صعدت به أعالي جبل صفون " الأقرع "
و هناك بكت عليه و قامت بدفنه
و لكن أساها يتفاقم و تتحدى الإله موت و تطلب منه أن يعيد لها بعل و لكنه يرفض فتقرر مواجهته:
كقلب البقرة على عجلها
و كقلب الشاة على حملها
كذلك هو قلب عناة على بعل
لقد أمسكت بالإله موت
بالسيف تقطعه
و بالمذراة تذريه
و بالنار تشويه
و بالطاحون تطحنه
و في الحقول تدفنه
حتى لا تأكل لحمه الطيور
و لا تنهش جسمه الجوارح
و كقلب الشاة على حملها
كذلك هو قلب عناة على بعل
لقد أمسكت بالإله موت
بالسيف تقطعه
و بالمذراة تذريه
و بالنار تشويه
و بالطاحون تطحنه
و في الحقول تدفنه
حتى لا تأكل لحمه الطيور
و لا تنهش جسمه الجوارح
وبعدها تعثر على بعل حيا يقتص من باقي أعدائه، فيلتقيان و يقومان بفعل الحب باشتياق شديد... آلاف المرات... حسب ما يروي النص الأوغاريتي.
و لكن الحب لا يدوم، إذ بعد سبع سنوات يعود الإله موت لمصارعة الإله بعل. فأسطورة بعل ليست تراجيديا سنوية كما يحدث مع أنانا و عشتار، إنما هي سنين خصب تليها سنين قحط، كما هو مناخ سوريا.
و قد كان يسبق اسم بعل بكلمة آدون أي السيد. و قد ناب آدون أو آدوناي عن الاسم عند فينيقيي الجنوب في بيبلوس و قبرص. و أصبحت عناة هي عشتاروت. أما قصة آدوني عندهم فتختلف قليلا. فهو لا يموت على يد إله الموت، بل يفترسه خنزير بري أثناء تجواله في غابات لبنان للصيد، فيصبغ لون دمه الأحمر ورود شقاق النعمان إلى يومنا هذا!
حمل الفينيقيون معهم إلههم المحبب آدوني إلى اليونان و هناك أصبح اسمه أدونيس و أغرم به اليونانيون و زوجوه من الإلهة الإغريقية أفروديت.
و تتحور القصة قليلا و هي طويلة و لكن في نهايتها يُكتب لأدونيس أن يعيش حياته مقسمة إلى ثلاثة أقسام: فصلا مع برسيفوني إلهة العالم الأسفل. و فصلا مع أفروديت و فصلا مع ذاته. فكان يتكرر هبوطه إلى عالم الاموات كل ثمانية شهور لأربعة أشهر، إلى أن صرعه خنزير بري في إحدى الأيام. والغريب في الأمر ان الخنزير البري هو أحد تحولات الإلهة أفروديت، فكأنها هي التي قتلته و هي التي تحييه، تماما كما قتلت أنانا دوموزي في سومر وأنقذته لاحقا في بابل.
معظم هذه الديانات كانت تمارس عادة "شبيهة بالعشاء السري في المسيحية" حيث يؤتى بالحيوان الذي هو رمز الإله القتيل فيُقتل و يؤكل لحمه و يشرب دمه كنوع من إحياء ذكرى موته. وفي غير هذه المناسبة فإن قتل هذا الحيوان و أكله يحرم تحريما باتا. كما أنه يُعتقد أن هذا هو سبب تحريم أكل حيوان الخنزير المحرم لدى السوريين وكذلك المصريين . و قد تبنى اليهود هذا التحريم اقتداءا بأسيادهم المصريين و جيرانهم السوريين دونما سبب واضح. والإسلام أيضا قد استمر من بعدهم بهذا التحريم، بينما تخلت عنه المسيحية.
هل من شبه مع المسيح ؟
أبداً وليس اكثر من بعض السطحيات التي قد تتشابه في أي قصتين.
فالإله دموزي، تموز، بعل ، ادونيس ... إلخ تجليات لإله أسطوري واحد تقريباً يمثل الخصوبة في مجتمع يقوم أساساً على الزراعة، وهو في حالة صراع مع القوى المعادية للإنسان المزارع ( الطوفان والجفاف ) وهما ممثلان في الإلهين يم وموت على التوالي. يصرع بعل إله الطوفان وينظم الحياة الزراعية ولكنه يدخل في معركة موت وحياة متكررة في صراعه مع إله الجفاف .. تفسير ذلك بسيط جداً : ففي المجتمع الزراعي القديم لم تكن الحياة الزراعية لتنتظم إلا بعد أن سيطر الإنسان القديم على الموارد المائية وسخّرها لخدمة زراعته، ولكنه لم يستطع تسخير الجفاف ومواسم القحط لأنها خارجة عن سيطرته وقدراته ، وكما هو معروف من مناخ حوض المتوسط تتوالى دورات مناخية من الخصوبة إلى التجفاف ، وربما كانت واضحة في تلك الأيام بسبع سنوات خصب يليها سبع عجاف ( حتى هذا يرد في التوراة في حلم فرعون الذي فسره له يوسف ) ، ولهذا يدخل بعل في دورة حياة وموت متكررة ..
قصة الخنزير البري الذي قتله حسب التطور الذي أصاب الأسطورة بالتأثير اليوناني ، وقصة الخوف من إله الموت الذي تصوره الأسطورة فاتحاً فمه لابتلاعه : شفة في السماء وشفة في الأرض .. ورضوخ بعل له وقوله أنه عبد له ؟! وقصة الحب مع عشتار وممارسة الجنس بشدة وباستمرار بعد خروج بعل من الموت " فتكثر الخصوبة " ، وبأن عناة هي من ينتصر على إله الموت وتقتله وتقطعه وتحرقه لكي تخلص حبيبها البعل ، وقصة عشيرة زوجة إيل كبير الآلهة التي تفرح لموته وترسل احد أبنائها ليملك مكانه، وحزن إيل الشديد واعتقاده بأن بعل هلك ومات إلى غير رجعة ، وقصة إنانا السومرية التي ترسل حبيبها دموزاي بنفسها للموت وتقتله العفاريت شر قتلة ولا يقوم بعدها إلا على أيدي ومخيّلة البابليين ... إلخ
القصة كما هي واضحة امامكم : فأين هو التشابه " العجيب " بين حياة بعل وموته وبعثه حياً ، مع قصة يسوع المسيح وحياته وموته وقيامته ؟؟؟
لا يوجد شبه إلا بنقاط صغيرة اختصرها بالتالي:
- بعل هو إله الحياة ( الخصب يعني الحياة )
- بعل يجب أن يموت لكي تستمر الحياة
- بعل يموت طوعا
- بعل يقوم ولكن بعد أن تقتل حبيبته عشتار أو عناة إله الموت وتحرره من داخله.
إذا كان هذا هو التشابه المزعوم فيا سلام كم هو عجيب حقاً ...
يسوع الإله المتجسد ؟
لا شك أن فكرة موت الإله وقيامته ليست غريبة عن معتقدات الشعوب القديمة قبل المسيح ، والكنيسة الأرثوذكسية تحديداً تؤمن بوضوح وتذكر علناً أن الله هيّأ سرياً جميع الشعوب لقبول فكرة أنه سيأتي بالجسد وأنه سيموت لكي يخلص الناس ويعيد لهم المجد الذي أراده لهم، وهذه التهيئة أخذت أشكالاً متفاوتة بين شعوب وأخرى، ولاقت قبولاً متبايناً كذلك كما توضح الأساطير، وكانت أبرز تجلياتها وأوضح قبول لها هو لدى العبرانيين.
ولكن عقيدة التجسد والفداء والخلاص والقيامة في المسيحية لا علاقة لها بكل عقائد الخصب والحب والجنس الإلهي وصراع الآلهة ودورات الحياة الزراعية كما في العالم القديم .. هناك بلا شك فكرة ضبابية لدى الأمم قبل المسيح عن هذا الشيء ولكن لا يشبه الحقيقة المسيحية في شيء يذكر ..
ولا بد من الإشارة إلى أن تلك الفكرة التي سادت جميع البلاد السورية وعلى عدة ألفيات من السنين لا تجد صدىً ولا قبولاً في اليهودية ، ولا تذكر التوراة عنها شيئاً ولا تتبنى أياً من أفكارها مما جعل اليهودية تتميز عن كافة الديانات من حولها في بيئتها وزمنها.
وعلى العكس من ذلك حفلت التوراة بإشارات واضحة للإله المخلص الذي سيأتي، فهو نفسه " يهوه " الإله الوحد الذي لا إله آخر سواه - التوحيد - هو نفسه سيأتي للعالم ليخلص شعبه " ويأتي الفادي إلى صهيون وإلى التائبين عن المعصية في يعقوب يقول الرب" ( أشعيا ) و " أنا أنا الرب وليس غيري مخلص" ( أشعيا43: 11 ) و " الرب قد أخبر إلى أقصى الأرض قولوا لابنة صهيون: «هوذا مخلصك آت. ها أجرته معه وجزاؤه أمامه» " ( أشعيا ) .. وهذه الفكرة الخلاصية لا نراها في غير الأدب التوراتي وهي بعيدة عن صراعات الآلهة .
جاء المسيح وعلّم ومات طوعاً وقام بقوته الذاتية الأزلية ، لم يقيمه أحد ولم يبحث عنه احد ولم يقتل أحد إله الموت سواه - لو اعتبرنا أن للموت إلهاً - ونحن نقول أنه " قهر سلطة الموت على الإنسان بموته لأن الإنسان صار واثقاً بقيامته " . الإله في المسيحية ارتدى جسداً ليثبت لنا أن جسدنا سيقوم أيضاً، وليُجَرَّب في كل شيء كما أخوته حتى يعين المجرَّبين ( الرسالة إلى العبرانيين 2: 18 ). والخلاص في المسيحية لا علاقة له لا بحياة أرضية ولا بزراعة ولا بخصب، الخلاص في المسيحية هو عودة الإنسان الخاطيء إلى نقاء صورته وإلى خلوده المخلوق عليه منذ البدء والذي شوّهته الخطيئة ودمرته.
هناك بعض خفافيش الظلام تحاول إشاعة أن هناك شبهاً رهيباً بين " تموز - بعل - أدونيس " والمسيح يسوع ، في محاولة ساذجة للإيحاء أن يسوع ما هو إلى تطوّر آخر لتلك الأسطورة المتجولة من أعماق سومر إلى رحاب اليونان الإغريقية..
كذبة كبرى تفضحها كل المراجع العالمية المحايدة .. مشكلتنا أننا نقرأ لنستهلك ونجادل ونثرثر ولا نقرأ لنطّلع ونفهم
بعض المراجع :
- قصة الحضارة : للكاتب ويل ديورانت
- فراس السواح: جريدة الثورة الثقافي
- ويكيبيديا الموسوعة الحرة
- الموسوعة البريطانية Britannica
الموضوع منقول من شبكة القديس سيرافيم ساروفسكي الارثوذكسية
Comment