رد: يسوع والاسطورة
هل وجود المسيح حقيقة تاريخية؟
هل وجود المسيح حقيقة تاريخية؟
بقلم بول ل. ماير، استاذ التاريخ القديم على كرسي راسل سيبرت بجامعة ميشغان الغربية.
"لا لم يوجد البتة!" هكذا يدعي بعض المشككين. وهم يظنون أن هذا القول ما هو إلاّ رافعة تنتشل الناس من "اسطورة المسيحيّة." لكنّ هذه الرافعة تنهار لدى أوّل استخدام لها. فهناك بالحقيقة عدد أكبر من الأدلّة على أنّ يسوع الناصري عاش حقاً مقارنة بالأدلّة التي تؤيّد وجود معظم الشخصيات التاريخيّة الشهيرة الأخرى. وتنحصر هذه الأدلّة فى نوعين، الداخلي منها والخارجي؛ أو إذا شئنا، المقدس منها والعالمي. وفي كلا الحالتين فإنّ مجموع الأدلة قوي ومطلق لدرجة أن المفكّرين السطحيين فقط يتجرأون على رفض حقيقة وجود المسيح التاريخي. ومع ذلك ما يزال "مُلْحِدو القرية" والمعلّقين على الإنترنت مع بعض المنظمات مثل "مؤسسة التحرر من الدين" يرددون كالببغاء هذا الرفض السخيف.
الأدلة الداخلية
إذا استثنينا العديد من التوقّعات المسيحانية الموجودة في العهد القديم، فإنه لا يمكن لأي واحد من الأناجيل الأربعة ولا للمستندات الثلاثة والعشرين الباقية في العهد الجديد أن يكون لها ذرة واحدة من المعنى لو لم يكن المسيح قد عاش على الإطلاق. وهل يعقل أنّ الكمّ الكبير من الشخصيات التاريخيّة المعروفة جيدا في القرن الأوّل الميلادي والتي تفاعلت مع المسيح أن تكون تعاملت مع فراغ؟ هل يمكن أن يكون هيرودس الكبير قد حاول القضاء على شبح طفل؟ هل يمكن أن يكون رؤساء الكهنة حنان وقيافا قد استجوبا روحاً؟ ثمّ هل إنّ الحاكم الروماني بيلاطس البنطي حكم على شبح يوم الجمعة العظيمة، أم أنّ بولس كما الكثير من الرسل ضحّوا بحياتهم في سبيل خرافة لا حقيقة؟
وبما أنّ أحداً لا يشكّ بأن الأسماء أعلاه تُمَثّل شخصيّات معروفة تماماً في المصادر العالمية والمقدسة معاً كما في الأدلة الأثرية، فمن الواضح إنّ الأمر نفسه يصحّ على يسوع الناصري. ولكن، لماذا إذن لا يحق للمسيح الامتياز الذي يحق لغيره بأن يكون قد عاش حقاً كما عاش باقي هؤلاء. لماذا القياس بمقياسين؟
وهكذا فمن المنطلق الداخلي، من الأدلة الكتابية فقط، فإن وجود المسيح التاريخي حقيقة قطعية. ومع هذا فهنالك وفرة من الأدلة الإضافية الخارجة عن الكتاب المقدس فيما يتعلّق بهذا الموضوع.
الأدلة الخارجية: الدليل المسيحيّ
بإمكاننا تكريس مقطع طويل لكتابات آباء الكنيسة الأولين والذين كان للبعض منهم علاقة وثيقة مع شخصيّات العهد الجديد. فيوحنا تلميذ يسوع مثلاً غدا لاحقاً أسقف كنيسة أفسس. وواحد من تلاميذه كان يدعى بوليكاربس، وهو أسقف سميرنا، وبدوره كان له تلميذ يدعى إيريناوس من ليونز. وأما مركز كتابات هؤلاء جميعهم فهو يسوع المسيح.
وإذا استثنينا مثل هذه الروابط الشخصية للمسيح، فإن التفاصيل الزمنية والجغرافية تظهر في كتابات يوستنيانوس الشهيد. فقد ولد هذا الأخير من أبوين وثنيين حوالي سنة مائة ميلادية في مدينة نابلس (بين اليهودية والجليل) وحاول يوستنيانوس اعتناق مدارس فلسفية وتركها إذ وجد المسيحية كالتعليم الصحيح الأوحد. ولكونه من سكان الأراضي المقدسة الأصليين فقد ذكر يوستنيانوس المواقع الجغرافية المرتبطة بيسوع، مثل مغارة بيت لحم التي ولد فيها، حتى التفاصيل المختصة بعمل يسوع كنجّار في مشغل يوسف الذي قام بدور الأب، حيث إختصا في إنتاج المعدات الزراعية مثل أنيار الثيران والمحاريث.
الأدلة الخارجية: الدليل اليهودي
تذكر التقاليد الربّية اليهودية يسوع، وليس ذلك فقط لكنّها المصادر الوحيدة التي تعطي التهجئة الصحيحة لاسمه بالآراميّة، لغته الأم: يشوع هانوتزري، أي يشوع (يسوع) الناصري. هذا وإن بعض الشواهد عن اسم يسوع في التلمود مشوهة، ربما بسبب غوامض التقليد الشفوي، ولكن واحداً منها دقيق بشكل خاص بما أنه مرتكز على مصادر مكتوبة آتية من المشنا التي هي مجموعة الكتابات الأولى في التلمود. أضف إلى ذلك أن حادثة توقيف يسوع مذكورة وهي كما يلي:
"سوف يُرجَم بسبب ممارسته للسحر ولأنه أغوى إسرائيل في درب الارتداد. ويجب على كل من باستطاعته قول أي شيء لصالحه أن يتقدم إلى الأمام ويدافع عنه. وأي إنسان يعلم أين هو موجود عليه أن يعلن ذلك أمام المجمع العظيم في أورشليم.
توجد أربعة عناصر في هذا التصريح تدعم بشكل قوي صحة ما جاء فيه كملاحظة مكتوبة قبل توقيف المسيح: ١) استخدام زمن المستقبل في الأفعال؛ ٢) كان الرجم هو العقاب القانونيّ لمن يرتكب خطيئة التجديف عند اليهود عندما لا تتدخّل الحكومة الرومانية؛ ٣) لا يوجد مطلقاً ذكر للصلب؛ ٤) الادعاء بأن يسوع كان يمارس الشعوذة أمر هامّ - أي إبراز العمل الخارق أو المعجزي بشكل سلبيّ- وهذا لا يستحضر فقط ما يدعوه المؤرخون "مزية الإحراج،" التي تثبت ما هو متفق عليه، بل يتناغم تماماً مع طريقة تفسير أخصام يسوع لمعجزاته الشفائية: أي بنسبة إنجازها لبلعزبول (لوقا ١١׃١٨).
فضلاً عن ذلك فإن المؤرخ اليهودي يوسيفوس من القرن الأول يذكر مرتين "يسوع الذي يدعى المسيح" في مؤلفه "تاريخ اليهود القديم." وفي الذكر الثاني له يخبرنا عن موت يعقوب الصدّّيق أخي يسوع في أورشليم (٢٠׃٢٠٠). كما أنّه يتحدّث عن يسوع قبل فصلين من ذلك في مرجع يعتبر أطول ما قيل عن يسوع في القرن الأول خارج الكتاب المقدس. ففي منتصف حديثه عن بيلاطس البنطي والأحداث التي جرت أثناء إدارته للأمور يقول التالي:
خلال هذا الزمان ظهر رجل حكيم يدعى يسوع، وكانت سيرته حسنة، واشتهر بأنه ذو فضيلة. كما إنّ كثيرين من اليهود ومن الأمم الأخرى صاروا له تلاميذاً. وقد حكم عليه بيلاطس بالصلب والموت. لكن الذين تبعوه من تلاميذه لم يرفضوا تلمذته. وقد صرحوا بأنه ظهر لهم حيا بعد ثلاثة ايام من صلبه. وبالتالي، فإنه يمكن أن يكون المسيح، الذي قال عنه الانبياء اشياء عجيبة. أما جماعة المسيحيّين الذين لقبوا هكذا تبعا له فلم يزالوا في الوجود لغاية اليوم (١٨׃٦٣).
هذا هو النص الحديث، والغير الملعوب فيه، الذي حل محل النص التقليدي الذي صار عرضة للزيادات. ومن يرغب في التقييم المفصل ليوسيفوس ومراجعه عن المسيح، عليه قراءة مقالي المستقل عن يوسيفوس ضمن هذه السلسلة.
الأدلة الخارجية: الدليل العالميّ
كرنيليوس تاسيتوس هو أحد أكثر مؤرخي روما الموثوق بهم من القرن الأول. وقد كتب سنة بعد سنة في سرده السنوي لأحداث الإمبراطورية الرومانية تحت حكم القياصرة الأوائل. ومن أبرزها أنه يفيد في سنة ٦٤ ميلادية بحدوث الحريق العظيم لروما. لام الناس الإمبراطور نيرون على تسبيبه بما أنه وقع "تحت مراقبته، " ولكن نيرون، لكي ينقذ نفسه، أوقع اللوم على "المسيحيين،" وهي المرة الأولى التي يظهر فيها اسمهم في التاريخ العلماني.
ولكون تاسيتوس مؤرخاً حذراً فقد شرح من هم "المسيحيون" في ذلك الوقت: "لقد تعرض مؤسس الاسم، المسيح، لعقوبة الإعدام إبان حكم طيباريوس، نتبجة حكم المدعي العام بيلاطس البنطي" (٥٥׃٤٤). ثم تابع تقريره عن الأهوال التي كان المسيحيون يتعرضون لها فيما أصبح أول اضطهاد روماني لهم.
ومن الجدير بالذكر أن تاسيتوس لم يكن مؤرخاً مسيحياً يحاول أن يثبت أن يسوع المسيح قد عاش حقاً، وإنما كان وثنياً يحتقر المسيحيين معتبراً إياهم "مرضاً،" وهو تعبير يستخدمه لاحقاً في المقطع. فلو لم يوجد المسيح لكان هو أول من كشف ذلك الخيال المؤسف لأصحاب البدع الذين وضعوا ثقتهم فيه. ولو لم تتوفر أي إشارة أخرى إلى يسوع فإن هذا المقطع بمفرده يكفي لتثبيت تاريخيته. يدرك المشككون ذلك، ولهذا فإنهم يحاولون كل طريقة ممكنة لكي يشوهوا سمعته بلا جدوى.
لم تجد تحليلات المخطوطات ودراسات الحاسوب أي سبب للاستفسار عن هذه الجملة أو الى السؤال عن سياقها.
يسجل أيضاً غايس سوتانيوس ترانكيليوس أحداث القرن الأول في كتابه الشهير حياة القياصرة الاثني عشر. وقد اعتبر هو أيضاً المسيحيين بدعة "فيها تصريح عن إيمان دينيّ جديد وخبيثة " (نيرون ١٦) وقد سجّل كذلك اسم "كريستوس" (Christos) [كلوديوس ٢٥] متبعاً التهجئة (Chrestos) ولكن حرفي العلة "e " و " i" كثيراً ما كانا يستخدمان بالتبادل، وهذا ما يظهر باللفظ الفرنسي لكلمة "مسيحي " لهذا اليوم : Chretien.
كان بليني الأصغر حاكم بيثينية- وهي اليوم الجزء الشماليّ الغربي من تركيا- وقد كتب في حوالي سنة ١١٠ ميلادية للإمبراطور تراجان (٩٨–١١٧ م) يسأله ماذا يفعل بشأن المسيحيين، تلك "البدعة التعيسة" التي يذكرها ثماني مرات في رسالته. المسيح نفسه ذكر ثلاث مرات ، أشهروأهم إشارة إلى المسيحيين هي "الذين اجتمعوا في تاريخ محدد ليرنموا الآيات بالتناوب فيما بينهم لإكرام المسيح وكأنه إله" (الرسالة رقم ٩٦). ومن المثير للاهتمام أن ردّ تراجان يقترح بألا يُلاحَق المسيحيون. (المرجع نفسه ، رقم ٩٧). ولكن مرة أخرى ، لو كان المسيح مجرد شخصية أسطورية لكانت هذه المصادر المعادية أول من أشهر هذه الحقيقة وسخر بها.
تشهد أيضاً بعض المصادر العلمانية القديمة مثل ثيوداس ومارا بار سيرابيون على تاريخية يسوع. لكن أي دليل واضح ينجم عن تصنيف "الضرب على حصان خاسر" بحسب اعتقاد هذه المقالة.
في ضوء الإثبات القاطع بأن يسوع الناصري ليس أسطورة وإنما شخصية تاريخية بالتمام وقد عاش حقاً ، لا يوجد بعد ذلك ما هو أكثر أهمية. ويجب أن يركز المشككون بالحري على كون يسوع أو عدم كونه أكثر من إنسان. وهذا يمكن له على الأقل أن يثير النقاش المنطقي بين المتسائلين المنطقيين عوضاً عن المباحثات الفارغة مع أشخاص يعملون جهدهم ليرفضوا أموراً واضحة.
منقول للفائدة من موقع فور تروث
"لا لم يوجد البتة!" هكذا يدعي بعض المشككين. وهم يظنون أن هذا القول ما هو إلاّ رافعة تنتشل الناس من "اسطورة المسيحيّة." لكنّ هذه الرافعة تنهار لدى أوّل استخدام لها. فهناك بالحقيقة عدد أكبر من الأدلّة على أنّ يسوع الناصري عاش حقاً مقارنة بالأدلّة التي تؤيّد وجود معظم الشخصيات التاريخيّة الشهيرة الأخرى. وتنحصر هذه الأدلّة فى نوعين، الداخلي منها والخارجي؛ أو إذا شئنا، المقدس منها والعالمي. وفي كلا الحالتين فإنّ مجموع الأدلة قوي ومطلق لدرجة أن المفكّرين السطحيين فقط يتجرأون على رفض حقيقة وجود المسيح التاريخي. ومع ذلك ما يزال "مُلْحِدو القرية" والمعلّقين على الإنترنت مع بعض المنظمات مثل "مؤسسة التحرر من الدين" يرددون كالببغاء هذا الرفض السخيف.
الأدلة الداخلية
إذا استثنينا العديد من التوقّعات المسيحانية الموجودة في العهد القديم، فإنه لا يمكن لأي واحد من الأناجيل الأربعة ولا للمستندات الثلاثة والعشرين الباقية في العهد الجديد أن يكون لها ذرة واحدة من المعنى لو لم يكن المسيح قد عاش على الإطلاق. وهل يعقل أنّ الكمّ الكبير من الشخصيات التاريخيّة المعروفة جيدا في القرن الأوّل الميلادي والتي تفاعلت مع المسيح أن تكون تعاملت مع فراغ؟ هل يمكن أن يكون هيرودس الكبير قد حاول القضاء على شبح طفل؟ هل يمكن أن يكون رؤساء الكهنة حنان وقيافا قد استجوبا روحاً؟ ثمّ هل إنّ الحاكم الروماني بيلاطس البنطي حكم على شبح يوم الجمعة العظيمة، أم أنّ بولس كما الكثير من الرسل ضحّوا بحياتهم في سبيل خرافة لا حقيقة؟
وبما أنّ أحداً لا يشكّ بأن الأسماء أعلاه تُمَثّل شخصيّات معروفة تماماً في المصادر العالمية والمقدسة معاً كما في الأدلة الأثرية، فمن الواضح إنّ الأمر نفسه يصحّ على يسوع الناصري. ولكن، لماذا إذن لا يحق للمسيح الامتياز الذي يحق لغيره بأن يكون قد عاش حقاً كما عاش باقي هؤلاء. لماذا القياس بمقياسين؟
وهكذا فمن المنطلق الداخلي، من الأدلة الكتابية فقط، فإن وجود المسيح التاريخي حقيقة قطعية. ومع هذا فهنالك وفرة من الأدلة الإضافية الخارجة عن الكتاب المقدس فيما يتعلّق بهذا الموضوع.
الأدلة الخارجية: الدليل المسيحيّ
بإمكاننا تكريس مقطع طويل لكتابات آباء الكنيسة الأولين والذين كان للبعض منهم علاقة وثيقة مع شخصيّات العهد الجديد. فيوحنا تلميذ يسوع مثلاً غدا لاحقاً أسقف كنيسة أفسس. وواحد من تلاميذه كان يدعى بوليكاربس، وهو أسقف سميرنا، وبدوره كان له تلميذ يدعى إيريناوس من ليونز. وأما مركز كتابات هؤلاء جميعهم فهو يسوع المسيح.
وإذا استثنينا مثل هذه الروابط الشخصية للمسيح، فإن التفاصيل الزمنية والجغرافية تظهر في كتابات يوستنيانوس الشهيد. فقد ولد هذا الأخير من أبوين وثنيين حوالي سنة مائة ميلادية في مدينة نابلس (بين اليهودية والجليل) وحاول يوستنيانوس اعتناق مدارس فلسفية وتركها إذ وجد المسيحية كالتعليم الصحيح الأوحد. ولكونه من سكان الأراضي المقدسة الأصليين فقد ذكر يوستنيانوس المواقع الجغرافية المرتبطة بيسوع، مثل مغارة بيت لحم التي ولد فيها، حتى التفاصيل المختصة بعمل يسوع كنجّار في مشغل يوسف الذي قام بدور الأب، حيث إختصا في إنتاج المعدات الزراعية مثل أنيار الثيران والمحاريث.
الأدلة الخارجية: الدليل اليهودي
تذكر التقاليد الربّية اليهودية يسوع، وليس ذلك فقط لكنّها المصادر الوحيدة التي تعطي التهجئة الصحيحة لاسمه بالآراميّة، لغته الأم: يشوع هانوتزري، أي يشوع (يسوع) الناصري. هذا وإن بعض الشواهد عن اسم يسوع في التلمود مشوهة، ربما بسبب غوامض التقليد الشفوي، ولكن واحداً منها دقيق بشكل خاص بما أنه مرتكز على مصادر مكتوبة آتية من المشنا التي هي مجموعة الكتابات الأولى في التلمود. أضف إلى ذلك أن حادثة توقيف يسوع مذكورة وهي كما يلي:
"سوف يُرجَم بسبب ممارسته للسحر ولأنه أغوى إسرائيل في درب الارتداد. ويجب على كل من باستطاعته قول أي شيء لصالحه أن يتقدم إلى الأمام ويدافع عنه. وأي إنسان يعلم أين هو موجود عليه أن يعلن ذلك أمام المجمع العظيم في أورشليم.
توجد أربعة عناصر في هذا التصريح تدعم بشكل قوي صحة ما جاء فيه كملاحظة مكتوبة قبل توقيف المسيح: ١) استخدام زمن المستقبل في الأفعال؛ ٢) كان الرجم هو العقاب القانونيّ لمن يرتكب خطيئة التجديف عند اليهود عندما لا تتدخّل الحكومة الرومانية؛ ٣) لا يوجد مطلقاً ذكر للصلب؛ ٤) الادعاء بأن يسوع كان يمارس الشعوذة أمر هامّ - أي إبراز العمل الخارق أو المعجزي بشكل سلبيّ- وهذا لا يستحضر فقط ما يدعوه المؤرخون "مزية الإحراج،" التي تثبت ما هو متفق عليه، بل يتناغم تماماً مع طريقة تفسير أخصام يسوع لمعجزاته الشفائية: أي بنسبة إنجازها لبلعزبول (لوقا ١١׃١٨).
فضلاً عن ذلك فإن المؤرخ اليهودي يوسيفوس من القرن الأول يذكر مرتين "يسوع الذي يدعى المسيح" في مؤلفه "تاريخ اليهود القديم." وفي الذكر الثاني له يخبرنا عن موت يعقوب الصدّّيق أخي يسوع في أورشليم (٢٠׃٢٠٠). كما أنّه يتحدّث عن يسوع قبل فصلين من ذلك في مرجع يعتبر أطول ما قيل عن يسوع في القرن الأول خارج الكتاب المقدس. ففي منتصف حديثه عن بيلاطس البنطي والأحداث التي جرت أثناء إدارته للأمور يقول التالي:
خلال هذا الزمان ظهر رجل حكيم يدعى يسوع، وكانت سيرته حسنة، واشتهر بأنه ذو فضيلة. كما إنّ كثيرين من اليهود ومن الأمم الأخرى صاروا له تلاميذاً. وقد حكم عليه بيلاطس بالصلب والموت. لكن الذين تبعوه من تلاميذه لم يرفضوا تلمذته. وقد صرحوا بأنه ظهر لهم حيا بعد ثلاثة ايام من صلبه. وبالتالي، فإنه يمكن أن يكون المسيح، الذي قال عنه الانبياء اشياء عجيبة. أما جماعة المسيحيّين الذين لقبوا هكذا تبعا له فلم يزالوا في الوجود لغاية اليوم (١٨׃٦٣).
هذا هو النص الحديث، والغير الملعوب فيه، الذي حل محل النص التقليدي الذي صار عرضة للزيادات. ومن يرغب في التقييم المفصل ليوسيفوس ومراجعه عن المسيح، عليه قراءة مقالي المستقل عن يوسيفوس ضمن هذه السلسلة.
الأدلة الخارجية: الدليل العالميّ
كرنيليوس تاسيتوس هو أحد أكثر مؤرخي روما الموثوق بهم من القرن الأول. وقد كتب سنة بعد سنة في سرده السنوي لأحداث الإمبراطورية الرومانية تحت حكم القياصرة الأوائل. ومن أبرزها أنه يفيد في سنة ٦٤ ميلادية بحدوث الحريق العظيم لروما. لام الناس الإمبراطور نيرون على تسبيبه بما أنه وقع "تحت مراقبته، " ولكن نيرون، لكي ينقذ نفسه، أوقع اللوم على "المسيحيين،" وهي المرة الأولى التي يظهر فيها اسمهم في التاريخ العلماني.
ولكون تاسيتوس مؤرخاً حذراً فقد شرح من هم "المسيحيون" في ذلك الوقت: "لقد تعرض مؤسس الاسم، المسيح، لعقوبة الإعدام إبان حكم طيباريوس، نتبجة حكم المدعي العام بيلاطس البنطي" (٥٥׃٤٤). ثم تابع تقريره عن الأهوال التي كان المسيحيون يتعرضون لها فيما أصبح أول اضطهاد روماني لهم.
ومن الجدير بالذكر أن تاسيتوس لم يكن مؤرخاً مسيحياً يحاول أن يثبت أن يسوع المسيح قد عاش حقاً، وإنما كان وثنياً يحتقر المسيحيين معتبراً إياهم "مرضاً،" وهو تعبير يستخدمه لاحقاً في المقطع. فلو لم يوجد المسيح لكان هو أول من كشف ذلك الخيال المؤسف لأصحاب البدع الذين وضعوا ثقتهم فيه. ولو لم تتوفر أي إشارة أخرى إلى يسوع فإن هذا المقطع بمفرده يكفي لتثبيت تاريخيته. يدرك المشككون ذلك، ولهذا فإنهم يحاولون كل طريقة ممكنة لكي يشوهوا سمعته بلا جدوى.
لم تجد تحليلات المخطوطات ودراسات الحاسوب أي سبب للاستفسار عن هذه الجملة أو الى السؤال عن سياقها.
يسجل أيضاً غايس سوتانيوس ترانكيليوس أحداث القرن الأول في كتابه الشهير حياة القياصرة الاثني عشر. وقد اعتبر هو أيضاً المسيحيين بدعة "فيها تصريح عن إيمان دينيّ جديد وخبيثة " (نيرون ١٦) وقد سجّل كذلك اسم "كريستوس" (Christos) [كلوديوس ٢٥] متبعاً التهجئة (Chrestos) ولكن حرفي العلة "e " و " i" كثيراً ما كانا يستخدمان بالتبادل، وهذا ما يظهر باللفظ الفرنسي لكلمة "مسيحي " لهذا اليوم : Chretien.
كان بليني الأصغر حاكم بيثينية- وهي اليوم الجزء الشماليّ الغربي من تركيا- وقد كتب في حوالي سنة ١١٠ ميلادية للإمبراطور تراجان (٩٨–١١٧ م) يسأله ماذا يفعل بشأن المسيحيين، تلك "البدعة التعيسة" التي يذكرها ثماني مرات في رسالته. المسيح نفسه ذكر ثلاث مرات ، أشهروأهم إشارة إلى المسيحيين هي "الذين اجتمعوا في تاريخ محدد ليرنموا الآيات بالتناوب فيما بينهم لإكرام المسيح وكأنه إله" (الرسالة رقم ٩٦). ومن المثير للاهتمام أن ردّ تراجان يقترح بألا يُلاحَق المسيحيون. (المرجع نفسه ، رقم ٩٧). ولكن مرة أخرى ، لو كان المسيح مجرد شخصية أسطورية لكانت هذه المصادر المعادية أول من أشهر هذه الحقيقة وسخر بها.
تشهد أيضاً بعض المصادر العلمانية القديمة مثل ثيوداس ومارا بار سيرابيون على تاريخية يسوع. لكن أي دليل واضح ينجم عن تصنيف "الضرب على حصان خاسر" بحسب اعتقاد هذه المقالة.
في ضوء الإثبات القاطع بأن يسوع الناصري ليس أسطورة وإنما شخصية تاريخية بالتمام وقد عاش حقاً ، لا يوجد بعد ذلك ما هو أكثر أهمية. ويجب أن يركز المشككون بالحري على كون يسوع أو عدم كونه أكثر من إنسان. وهذا يمكن له على الأقل أن يثير النقاش المنطقي بين المتسائلين المنطقيين عوضاً عن المباحثات الفارغة مع أشخاص يعملون جهدهم ليرفضوا أموراً واضحة.
منقول للفائدة من موقع فور تروث
Comment