تروي الأساطير أن أورانوس ( اللتي هي السماء ) التقت بجايا ( الأرض ) .
أنجب اورانوس من جايا الكولكلوبيس , ثم أنجب منها التياتن .
ثار الكولكلوبيس ضد أبيهم الأورانوس , تمردوا عليه ... غضب اورانوس منهم فضربهم ضربة واحدة أطحات بهم الى تارتاروس .
مكان الظلمة الشديدة , البعيد عن عالم الأحياء , مكان بعيد .. بعيد جدا .. عميق جدا ... موقعه العالم السفلي .. يبعد عن الأرض بنفس المسافة التي يبعد بها سطح الأرض عن قبة السماء .
المسافة بعيدة جدا .. تستغرق بين سطح الأرض وقاع تارتاروس رحلة 9 أيام .
تخلص الوالد من أبنئه المتمردين وهم الكولكلوبيس .
الأم جايا حزنت لفراق أبنائها . فلذات كبدها .. هذه الأم الحنونة بكت .. لكنها لم تستطع معارضة زوجها اورانوس ولا تقدر على معصيته . ولم تجرؤ على مقاومته .. كما أنها لم تحرك ساكما لمساعدة ابنائها .
الا أن الأم .. كأي امرأة .. لجأت الى الخديعة !!
: الشر بالشر والبادئ أظلم .
قالت لنفسها :
- ان كان زوجي اورانوس قد تخلص من ثلاثة من أبنائي , فلا يستبعد أن يتخلص من الأبناء الاخرين ...
اوه .. ماذا أفعل ؟؟ ماذا أفعل قالت جايا.
ذهبت الأم خلسة الى أبنائها الاخرين , التياتن السبعة , فحرضتهم ضد أبيهم , بعد أن شكت لهم ظلمه وجبروته وحثهم على مهاجمة والدهم والقضاء عليه .
تحرك الأشقاء السبعة بقيادة كرونوس ( الزمن ) أصغرهم ...
جايا الأم زودت كرونوس بمنجل من حجر الصوان ؟..
فاجأ الأبناء السبعة أباهم اورانوس أثناء نومه , قيدوه وشلوا حركته , صحا من نومه مذعورا , حاول المقاومة ... ولكنهم كانوا سبعة ...
كرونوس قام بغرز المنجل من حجر الصوان في قلب الأب اورانوس ...
استولى الفزع على الإبن عندما شاهد ذلك المنظر المفزع ...
القى كرونوس بقلب اورانوس في البحر ومعه المنجل الحجري ...
وقد سقط القلب والمنجل بالقرب من قمة بحرية , درييانوم .
تساقطت بضع قطرات من دم اورانوس على الأرض الأم جايا .
انجبت الأم جايا الايرينيات الثلاث , تلك الأرواح النسائية , الثلاث اللائي ينتقمن ممن قتل أحد والديه .
الايرينيات الثلاث : الكتو , تسيفوني , ميجاريا هذه أسمائهن .
أيضا من بضع القطرات اللتي سقطت من اورانوس , ولدت حوريات شجرة الدردار اللائي عرفن بإسم الميلياي .
وبإنتصار التياتن السبعة على اورانوس , أسرعوا الى تارتاروس وأطلقوا سراح الكلوكلوبيس ..
احتفل الجميع بالنصر ..
منح الجميع . السلطة الى كرونوس الذي قادهم الى النصر وحقق رغبة الأم جايا والدتهم .
ولكن كرونوس سار وراء شهوة السلطة ...
ونسى من ساعده في المعركة ...
لقد تنصل منهم ...
أعاد الكلوكلوبيس مرة أخرى الى التارتاروس , الحق العمالقة ذات المائة يد بهم أيضا ..
واختار من بين شقيقاته زوجة له .. اختار ريا , واصبح حاكما على اليس .
عاش كرونوس حاكما مطلقا .. يأمر فيطاع .. في مملكته وبيته .
نشوة السلطة أنسته النبوءة من والدته , ووالده قبل موته .. أو أنه تناساهما ..
النبوءة تقول :
- سوف يأتي على كرونوس واحد من أبنائه .. يأخذ وينتزع العرض منه .
وضعت زوجته ريا طفلها الأول .. وهنا طرأت على ذهن كرونوس فكرة , اعتبرها رائعة ,,, حمل الطفل بين يديه , وتظاهر بمداعبته ... وفجأة ..
ابتلع الطفل !!!
نعم ابتلع طفله .. كرونوس ابتلع طفله .
حاولت أمه المسكينة ريا فعل شيء .. ولكنها لم تقدر سوى أن تخضع للأمر الواقع , لأنها لا تستطيع مقاومة زوجها .. ولا تريد عصيانه .
أنجبت ريا زوجته , طفل كل عام , وكرونوس يبتلع أولاده واحد تلو الاخر ..
أنجبت ريا هستيا .. ديميتر .. هيرا .. بوسيدون .
ابتلعهم كرونوس جميعا .
في يوم من الأيام .. وعندما أحست ريا أن الجنين يتحرك في أحشائها تذكرت أطفالها الذين ابتلعهم زوجها كرونوس الظالم ...
فكرت ريا .. وفكرت .. وقررت أن تفعل شيئا ..
وعندما أحست بألم المخاض , تسللت في جنح الظلام الى قمة جبل اوكاديوم في منطقة أركاديا .
ذهبت الى مكان لم تطأه قدم .. ولا يستطيع أحد الوصول اليه ..
هناك في ذلك المكان .. وضعت وليدها .. غسلت جسده في نهر نيدا .. المياه المقدسة .
سلمت ريا وليدها الى الربة جايا الأرض , فوعدتها جايا بحمايته ..
فحملته الى لوكتوس في جزيرة كريت .
هناك اختبأ الوليد زيوس ZEUS في رعاية أدراستيا , حورية الدردار وشقيقتها إيو .. وكلتاهما ابنتا اورانوس ..
تركته جايا الأم أيضا في رعاية أمالثيا , الحورية العنزة ..
لقد صنع مهد الوليد زيوس من الذهب الخالص .. كان معلقا بحبال من الذهب الخالص أيضا .
مهد الوليد زيوس لم يكن يمس الأرض .. ولم يكن مرتفعا الى السماء .
وكان بعيدا عن البحر وذلك كله لحماية الوليد من الوالد كرونوس .. كي لا يقوم بابتلاعه كأخوته .
وحول المهد الذهبي وقفت جماعة الكوريتيس المتدرعيين بالدروع المعدنية والحراب الغليظة .
جماعة الكوريتيس كانوا يطلقون صيحات عالية حتى تضيع صرخات زيوس zeus الوليد وسط تلك الضوضاء فلا يسمعه الوالد كرونوس .
فكر زيوس ZEUS كيف يرد جميل الحوريات الثلاث ؟
جعل زيوس من أمالثيا العنزة الحورية , نجمة في السماء , وأصبح لها برج يحمل رسمها ( برج الجدي ) .
عادت ريا الى زوجها القاسي كرونوس وقدمت اليه وليدها فاختطفه على الفور .. وابتلعه وهو يضحك بشراهة ..
الأم ريا لم تحزن ... بل كانت فرحة لأن ما قدمته لزوجها كرونوس لم يكن وليدها ...
لم يكن سوى قطعة من الحجر مغطاة بالثياب .
بعد فترة شك كرونوس بالأمر , وطفق يبحث عن الوليد , بعث بنظراه الثاقبة من أعلى نقطة في العالم ..
مسح الأرض بمن عليها بنظراته الثاقبة وكاد أن يعثر عليه ..
لولا أن زيوس zeus كان أذكى من والده .. فحول نفسه الى ثعبان .. وحول الحوريات الى دببة ..
عاش الطفل زيوس رغم أنف والده ..
عاش الوليد زيوس ZEUS تحت هذه الرعاية .. كبر .. صار شابا قويا .
كان ينتقل من كهف الى كهف .. وهناك قابل التنينة ميتيس ..
رحبت به .. عاونته .. وثق بها زيوس .
نصحته أن يذهب الى والدته ريا .
وبالفعل ذهب الى والدته .. قابلها خلسة .. لم تسع الدنيا هناء ريا لرؤية فلذة كبدها في أحسن حال ..
لكن سرعان ما انتابها الخوف .. والده .. لو راه لقتله على الفور ..
ولكن طمأنها ولدها .. لا تخافي .. لقد جئت اليك بفكرة يا أماه .
استمعت الام ريا الى الفكرة .. سوف تقدمه الى كرونوس ساقيا يعد له الشراب , فقط عليها مساعدته في تنفيذ خطته ..
فشرح لها ما نصحته به التنينة ميتيس .. وافقت الام ريا طائعة راضية .
قدمته الأم الى كرونوس ساقيا ,, انشرح كرونوس له .. وأمره بإداد الشراب , طلب زيوس zeus من والدته لأن تعد له كمية من الملح .. وأخرى من الخردل , كما نصحته ميتيس .
خلط الملح والخردل .. مزجهما بالشراب ثم قدم الكل في كأس لكرونوس ..
ظل كرونوس يشرب كالمجنون الكاس وراء الكأس ..
سيطر الشراب على عقله .. دارت الأرض به .. امتلأت معدته بالشراب , سرى الملح في جسده وأمعائه مع الخردل , تقلصت بطنه وأحس برغبة شديدة بالتقيأ .. تقيأ كرونوس الثمل , قذف بكل محتويات معدته الضخم خارجا .. ثم خرج بعد ذلك أخوة زيوس الواحد تلو الاخر .. خرجوا شبابا مكتملي النمو , هلل الجميع اذ خرجوا جميعا من غير سوء .. قدموا جميعا فروض الولاء الى شقيقهم الأصغر زيوس ZEUS ..
اختاروه قائدا عليهم في معركتهم ضد الوالد كرونوس , وضد حلفائه التياتن الأشرار , استمرت الحرب بين زيوس وكرونوس عشر سنوات , كانت الأم جايا تراقب الحرب وكانت تتمنى أن ينتصر زيوس واخوته .. ولذلك أطلقت نبوءة :
إن النصر سيكون من حليف زيوس . ولكن بشرط .. عليه أن يكسب الى جانبه أعداء كرونوس الذين ألقى بهم في السجن .. في تارتارس .
وهم كلوكلوبيس , والعمالقة ذوي المائة يد , ويتوجب على زيوس أن يطلق سراحهم .
ذهب زيوس خلسة الى كامبي العجوز الشرسة التي تحرس بوابات سجن تارتاروس , وتسلل بالخفاء وفاجأها بضربة قوية قاضية قتلتها على الفور .
إنتزع زيوس مفاتيح السجن من حزام العجوز , وعندما دخل فوجئ بأن الجميع , جميع المساجين لا يقدرون على الحركة .. كونهم منهكين من التعذيب والجوع والعطش .
قدم زيوس لهم الطعام , وبعد أن أكلوا وشربوا .. قويت أطرافهم واشتدت عضلاتهم , أخرجهم من السجن حيث انضموا اليه .
منح الكوكلوبيس , مخلصهم زيوس سلاحا فتاكا وهو " الصاعقة " وبذلك بإستطاعة زيوس zeus الان أن يبعث بالصواعق الحارقة المدمرة , صواعق تقضي على اعتى المخلوقات وتصرع أقوى المقاتلين .
كما منحوا شقيقه هاديس خوذة الظلام , التي متى ما وضعها . اختفى عن الأنظار , يرى الاخرين دون أن يرونه .
ومنحوا شقيقه الثاني بوسيدون " الشوكة الثلاثية " التي بواسطتها يثير البحار والمحيطات , بضربة واحدة منها .
عقد الجميع مجلس حرب , اتفقوا فيه على خطة محكمة للنصر ..
وضع هاديس خوذة الظلام على رأسه واختفى عن الأنظار ..
وأصبح يرى كل من حوله وهم لا يرونه .. تسلل الى حيث كان كرونوس .. اقترب منه ولم يفطن به , انقض هاديس على الأسلحة .. أسلحة كرونوس وسرقها كلها نقلها في خفية الى حلفائه .
بوسيدون بدوره لوح بالشوكة الضخمة في الهواء , وضرب بها ضربة واحدة الماء , هاجت كل البحار والمحيطات , ارتفعت الأمواج ..
استولت الدهشة على كرونوس , ولم ينتبه لزيوس وهو يهجم عليه , انطلق نحوه زيوس بشراسة , أطلق نحوه وابلا من الصواعق المتأججة , فأنهاه في الحال .
أما العمالقة ذوي المائة يد والبقية .. فقد تكفلوا بالباقي .. لقد هشموا رؤوس التياتن حلفاء كرونوس , بالصخور , هزموهم شر هزيمة .
ثم أصدروا احكامهم عليهم :
كرونوس ينفى بعيدا .
التياتن ينفونة الى جزر بعيدة , تحت حراسة العمالقة ..
وأخيرا تحققت النبوءة على كرونوس ..
وهنا تنتهي أسطورة كيف أصبح زيوس الاها ..
Comment