اساطيـر صــور
ترتبط الأساطير الصورية إرتباطا ً وثيقا ً بحركة إنتشار الشعب الصوري في أرجاء العالم وهي التعبير الشعبي ( الفينيقي والأغريقي ) عن توسعه الإستعماري ، وهي تظهر هذا التوسع راجعا ً إما إلى هجرة قدموس وصحبه خلال بحثهم عن الأميرة الصورية أوربا ، أو إلى جولات شفيع صور وإلهها الوطني ملقرت .
في هذه الأساطير يقدم لنا الصوري ألهته ويعتبرها موجدة لتجارته وصناعته وحضارته ، بل وكل ما يتعلق بالحياة على الإطلاق ، فهي التي إستنبطت النار وفن البناء وصهر المعادن ( سنكن ياطون ) وإليها يرجع الفضل في ربط الثيران إلى سكة الفلاحة وزراعة الأرض ، وهي التي علمته عصر العنب وجعله خمرا ً ( أخليس تاسيوس ) وبناء السفن ( نونوس ) وإستخراج الأرجوان من أصدافه ( بوللوكس ) .
وفي بلاد الأغريق وخاصة في ثيبا كانت هذه الأساطير إغريقية في شكلها الحالي ، فقد أخذها هؤلاء عن الصوريين عند تعلمهم الحرف على أيدي معلميهم من تجار مدينة ملقرت في القرن العاشر ق م .
وبعد فقدان الأصل الصوري لكل هذه الأساطير أصبحنا شاكرين للأغريق حفظهم تراثنا الأسطوري الثمين وتطويرهم له حسب مقتضيات شخصيتهم وإعتقاداتهم ، كما حفظ العرب فيما بعد التراث اليوناني وطوروه وأضفوا عليه الكثير من روحهم وشخصيتهم .
***
توله كبير الآلهة ولعا ً بأوربا إبنة آجنور ملك صور ، فأشار على رسوله هرمس بأن يسوق ماشية أبيها إلى أحد شواطىء الجزيرة المقدسة - صور - حيث كانت تلعب مع وصيفاتها وإنضم الإله إلى الماشية على صورة ثور ناصع البياض ، محلى بقرون تشابه الحجارة الكريمة .
وأعجبت الأميرة بجماله الفتان ، ولما رأته وديعا ً كالحمل إقتربت منه وأخذت تلاطفه ، ثم تغلبت على خوفها وصعدت على كتفه ، فأخذ يجري بحمولته الثمينة مبتعدا ً بها إلى وسط البحر ، بينما كانت الأميرة الحسناء تنظر إلى الشاطىء وراءها، ممتلئة رعبا ً .
وأرسل آجنور أبناءه للبحث عن شقيقتهم ، وسار كل منهم في جهة ، فذهب فونقس إلى الغرب وعبر ليبيا حتى وصل إلى قرطاجة فاطلق إسمه على سكانها ( الفونيين ) ثم رجع إلى كنعان بعد موت آجنور ، التي سميت فينيقيا تكريما ً له ، بينما حل كيلكس في الأرض التي تسمت بإسمه فيما بعد . أما تاسوس وأتباعه فقد ذهبوا أولا ً إلى أولمبيا في اليونان ، حيث نصبوا لهرقل الصوري تمثالا ً من البرونز ، ثم تابعوا سيرهم إلى الجزيرة التي حملت فيما بعد إسم تاسوس فجعلوها مستعمرة صورية وأخذوا يستغلون ذهب مناجمها .
وأبحر قدموس إلى رودس وأنشأ فيها هيكلا ً لإله البحر بوزايدون ، وأنشأ في ثيرا معبدا ً مماثلا ً وتابع طريقه حتى بلاد الايدوميين حيث إستقبل وجماعته بحفاوة وتابع من هناك سيره على الاقدام إلى دلفي فأمره الوحي الإلهي فيها بالكف عن البحث وأن يتبع بقرة ، وينشأ مدينة في المكان الذي تربض فيه .
وساق قدموس البقرة عبر البيوسي حيث توقفت إعياء ً وتعبا ً ، فبنى هناك ثيبا وأمر إبن صور رفاقه أن ينحروا البقرة ويقدموها قربانا ً لعشترت وأن يحضروا ماءًا من ينابيع آرس إله الحرب ، التي يحرسها ثعبان هائل . وكاد الثعبان يقضي على رجال قدموس لو لم يسرع هذا لنجدتهم محطما ً رأسه بصخرة .
وللتكفير عن قتل الثعبان فرضت الآلهة على قدموس أن يخدم آرس ثماني سنوات ، نال بعدها هرمونيا الأغريقية زوجة له .
وهذه الأسطورة التي ترمز إلى إنتشار الصوريين في اليونان وإستعمارهم لأماكن كثيرة منها كانت شعبية في صور إلى درجة أن المدينة ظلت – حتى القرن السادس بعد الميلاد – تحتفل بذكرى إختطاف أوربا ، ولم يستنبط الرحالة ملالاس قصته عن هذا الإحتفال عندما يروي أن " طاوروس ( الثور) ملك كريت غزا صور أثناء غياب آجنور وأبنائه عنها ، فإستولى على المدينة وأسر خلقا ً كثيرا ً بينهم أوربا . وهذا الحدث يحتفل به الصوريون سنويا ً في ذكرى " المساء الحزين " .
وسواء كانت أسطورة قدموس ترجع إلى حادثة وقعت فعلا ً ، أو كانت تعبيرا ً عن تغلغل التجار الصوريين – مواطني قدموس – في بلاد الإغريق، فإنها تعكس دورهم الحضاري الكبير في تلك البلاد .
ومايرويه ديودور الصقلي عن أعمال ملقرت – هرقل في بلاد الغرب وأفريقيا حيث يخضع البرابرة ويقضي على الطغاة ويخلص البلاد من الوحوش الكاسرة ، وينشر في كل مكان يمر فيه ، العلوم والفنون التي يحتاجها الإنسان في حياته وباقي معطيات الحضارة الفينيقية ، يشابه إلى حد بعيد المنجزات التي حققها قدموس ورفاقه أثناء بحثهم عن أوربا .
وأهم أعمال هرقل هي المآثر الأخيرة التي يأتي فيها البطل إلى خاتمة أعماله وهي قصة الحزام الذهبي وإختطاف قطيع جريون وتفاحات بنات المساء ، وتجري أحداثها في بلاد الغرب ، فالحملة ضد جريون كانت بلاد ترشيش مسرحا ً لها ، أي على مقربة من قادش المستعمرة الصورية على أبواب المحيط .
وبعد أن ترك الصوريون هرقل يذهب إلى قادش على الشاطىء الاسباني ، كان لابد لهم أن يأخذوه إلى ليكسوس ، المستعمرة الصورية على الجهة الثانية من المحيط ، على الشاطىء الأفريقي .
في أسطورة الحزام الذهبي يكلف هرقل بإحضار حزام كان إله الحرب قد أهداه إلى ملكة الأمازونيات ، فيبحر مع رهط من المتطوعين بتسع سفن على محاذاة البحر الأسود حتى يصلوا إلى هضبة قرب نهر ترمدون .
ولا تظهر الملكة أي ممانعة في إعطاء الحزام ، ولكن زوجة زفس التي تكره هرقل تتدخل وتشيع أن الغريب ينوي إختطاف الملكة ، فيضطر هرقل إلى الدخول مع شعبها في قتال عنيف ينتهي بقتل الملكة والإستيلاء على الحزام .
وفي هذه الرحلة يزور هرقل جزر باروس في مجموعة الكيكلاد ويعبر الهيلسبونت ( الدردنيل ) والبوسفو إلى طروادة ، ومنه يتابع سيره إلى جزيرة تاسوس .
وحملة هرقل هذه إلى نهر ترمدون وحروبه في تركيا الأوروبية تعكس تقدم التجارة الصورية في النصف الأخير من الالف الثاني ق م في منطقة البحر الأسود .
ويكلف هرقل بعدها بإحضار مواشي جريون ملك ترشيش ذات الجمال النادر، والتي كانت ترعى على جزيرة أريتيا ، في المحيط الأطلسي .
وفي طريقه يقضي على الكثير من الحيوانات الشرسة ، ويصل إلى المضيق حيث ينصب عمودين ، أحدهما في أوربا والآخر في أفريقيا . ويعتقد بعضهم أن القارتين كانتا حتى ذلك الوقت متصلتين وأن هرقل حفر قناة بينهما ، أو أنه أبعد القارتين عن بعض فنشأ المضيق ، وتعتقد جماعة ثانية أن المضيق كان أوسع بكثير عما هو عليه في أيامنا ، وأن هرقل أدنى طرفي القارتين إلى بعض ، حتى لاتدخل الحيتان والوحوش البحرية إلى المتوسط . ويقال أن الأسبانيين والليبيين كانوا يعتبرون أن أعمدة هرقل هما عمودا البرونز اللذان كانا ينتصبان أمام هيكل ملقرت الصوري في قادش .
ومن المضيق أبحر هرقل في كأس ذهبية إستعارها من هليوس ، أوصلته إلى أريتيا . وبعد قتال عنيف مع جريون وأبنائه إستطاع أن يحصل على المواشي ويقودها أمامه.
وأريتيا هي الجزيرة الصغيرة التي أسست عليها مدينة قادش ومعناها الحمراء وهذا الإسم يرجع إلى الصوريين الذين كانوا أول من أقام بها ، وذلك لأنهم إعتبروا قادمين من البحر الأحمر أو بسبب الاردية المصبوغة بالأرجوان التي كانوا يحملونها معهم.
وترتبط اسطورة جريون ارتباطا ً وثيقا ً بالاسطورة التي تتعلق ببناء مدينة قادش ، بعدما أمر وحي إلهي ملك صور بالبحث عن أعمدة هرقل وتشييد مدينة عندها .
ولسنا بحاجة لتفسير هذه الأسطورة بالنسبة للتوسع الصوري في إيبيريا ، وأكثر المصادر التاريخية تشيد به وتعزو غنى صور وعظمتها التجارية إليه : " ترشيش تلجرتك بكثرة كل غنى ، بالفضة والحديد والقصدير والنحاس "، " سفن ترشيش قوافلك بتجارتك ، فإمتلأت ةتمجدت بقلب البحار " .
وكان العمل الأخير إحضار ثلاث من ثمار التفاحة الذهبية هدية أمنا بالارض إلى هيرا زوجة زفس . زقد زرعت هيرا التفاحة في حدائقها الإلهية على سفوح جبال الاطلس وعهدت بحمايتها والسهر عليها إلى بنات أطلس اللواتي دعين " الهسبريد" أي بنات المساء وقد ذهب هرقا أولا ً إلى حوريات نهر البو فإستفهم منهن عن مكان بنات المساء ، ثم سار بعدها إلى ليبيا ، فقتل ملكها الظالم أنتيوس وعلم سكانها مبادىء الزراعة ، وجعلها ، بعنايته المتواصلة أسعد البلاد وأهدأها . ومضى إلى مصر وتغلب فيها على ملكها بوزيروس ، وزار فيها ضريح آمون وهناك طلب رؤية والده زفس ومخاطبته.
وتابع هرقل سيره جنوبا ً فشيد مدينة طيبه ، وذهب بعدها إلى بلاد الحبشة فحررها من الطاغية إيماتيون وعبر البحر إلى بلاد القفقاس ، فقتل النسر الذي كان يأكل من كبد برومتيوس الذي سرق النار من جبل الآلهة وجلبها إلى أبناء الإنسان ، وتابع السير إلى جبال الأطلس هدف رحلته .
وتروي الأسطورة أن الثعبان الهائل تيفون قتل هرقل في ليبيا ، ولكن صديقه ومرافقه يولاوس ( أسمون ) أعاده للحياة بأن شوى طائر السمن وأدناه إلى أنف الإله . وكانت صور تحتفل – منذ أيام حيرام الكبير- بعيد بعث ملقرت في شهر بريتيوس ، عند رجوع أسراب السمن من هجرتها إلى سيناء .
ويلفت الأنظار أن أسماء بنات المساء : " الحمراء " و" الأرجوانية " و " المشعة " تعبر كلها عن معنى مرادف لكلمة فينيقي !
مع تحياتييييييييييييييييي
عشتم وعاشا منتدانا العظيم
ترتبط الأساطير الصورية إرتباطا ً وثيقا ً بحركة إنتشار الشعب الصوري في أرجاء العالم وهي التعبير الشعبي ( الفينيقي والأغريقي ) عن توسعه الإستعماري ، وهي تظهر هذا التوسع راجعا ً إما إلى هجرة قدموس وصحبه خلال بحثهم عن الأميرة الصورية أوربا ، أو إلى جولات شفيع صور وإلهها الوطني ملقرت .
في هذه الأساطير يقدم لنا الصوري ألهته ويعتبرها موجدة لتجارته وصناعته وحضارته ، بل وكل ما يتعلق بالحياة على الإطلاق ، فهي التي إستنبطت النار وفن البناء وصهر المعادن ( سنكن ياطون ) وإليها يرجع الفضل في ربط الثيران إلى سكة الفلاحة وزراعة الأرض ، وهي التي علمته عصر العنب وجعله خمرا ً ( أخليس تاسيوس ) وبناء السفن ( نونوس ) وإستخراج الأرجوان من أصدافه ( بوللوكس ) .
وفي بلاد الأغريق وخاصة في ثيبا كانت هذه الأساطير إغريقية في شكلها الحالي ، فقد أخذها هؤلاء عن الصوريين عند تعلمهم الحرف على أيدي معلميهم من تجار مدينة ملقرت في القرن العاشر ق م .
وبعد فقدان الأصل الصوري لكل هذه الأساطير أصبحنا شاكرين للأغريق حفظهم تراثنا الأسطوري الثمين وتطويرهم له حسب مقتضيات شخصيتهم وإعتقاداتهم ، كما حفظ العرب فيما بعد التراث اليوناني وطوروه وأضفوا عليه الكثير من روحهم وشخصيتهم .
***
توله كبير الآلهة ولعا ً بأوربا إبنة آجنور ملك صور ، فأشار على رسوله هرمس بأن يسوق ماشية أبيها إلى أحد شواطىء الجزيرة المقدسة - صور - حيث كانت تلعب مع وصيفاتها وإنضم الإله إلى الماشية على صورة ثور ناصع البياض ، محلى بقرون تشابه الحجارة الكريمة .
وأعجبت الأميرة بجماله الفتان ، ولما رأته وديعا ً كالحمل إقتربت منه وأخذت تلاطفه ، ثم تغلبت على خوفها وصعدت على كتفه ، فأخذ يجري بحمولته الثمينة مبتعدا ً بها إلى وسط البحر ، بينما كانت الأميرة الحسناء تنظر إلى الشاطىء وراءها، ممتلئة رعبا ً .
وأرسل آجنور أبناءه للبحث عن شقيقتهم ، وسار كل منهم في جهة ، فذهب فونقس إلى الغرب وعبر ليبيا حتى وصل إلى قرطاجة فاطلق إسمه على سكانها ( الفونيين ) ثم رجع إلى كنعان بعد موت آجنور ، التي سميت فينيقيا تكريما ً له ، بينما حل كيلكس في الأرض التي تسمت بإسمه فيما بعد . أما تاسوس وأتباعه فقد ذهبوا أولا ً إلى أولمبيا في اليونان ، حيث نصبوا لهرقل الصوري تمثالا ً من البرونز ، ثم تابعوا سيرهم إلى الجزيرة التي حملت فيما بعد إسم تاسوس فجعلوها مستعمرة صورية وأخذوا يستغلون ذهب مناجمها .
وأبحر قدموس إلى رودس وأنشأ فيها هيكلا ً لإله البحر بوزايدون ، وأنشأ في ثيرا معبدا ً مماثلا ً وتابع طريقه حتى بلاد الايدوميين حيث إستقبل وجماعته بحفاوة وتابع من هناك سيره على الاقدام إلى دلفي فأمره الوحي الإلهي فيها بالكف عن البحث وأن يتبع بقرة ، وينشأ مدينة في المكان الذي تربض فيه .
وساق قدموس البقرة عبر البيوسي حيث توقفت إعياء ً وتعبا ً ، فبنى هناك ثيبا وأمر إبن صور رفاقه أن ينحروا البقرة ويقدموها قربانا ً لعشترت وأن يحضروا ماءًا من ينابيع آرس إله الحرب ، التي يحرسها ثعبان هائل . وكاد الثعبان يقضي على رجال قدموس لو لم يسرع هذا لنجدتهم محطما ً رأسه بصخرة .
وللتكفير عن قتل الثعبان فرضت الآلهة على قدموس أن يخدم آرس ثماني سنوات ، نال بعدها هرمونيا الأغريقية زوجة له .
وهذه الأسطورة التي ترمز إلى إنتشار الصوريين في اليونان وإستعمارهم لأماكن كثيرة منها كانت شعبية في صور إلى درجة أن المدينة ظلت – حتى القرن السادس بعد الميلاد – تحتفل بذكرى إختطاف أوربا ، ولم يستنبط الرحالة ملالاس قصته عن هذا الإحتفال عندما يروي أن " طاوروس ( الثور) ملك كريت غزا صور أثناء غياب آجنور وأبنائه عنها ، فإستولى على المدينة وأسر خلقا ً كثيرا ً بينهم أوربا . وهذا الحدث يحتفل به الصوريون سنويا ً في ذكرى " المساء الحزين " .
وسواء كانت أسطورة قدموس ترجع إلى حادثة وقعت فعلا ً ، أو كانت تعبيرا ً عن تغلغل التجار الصوريين – مواطني قدموس – في بلاد الإغريق، فإنها تعكس دورهم الحضاري الكبير في تلك البلاد .
ومايرويه ديودور الصقلي عن أعمال ملقرت – هرقل في بلاد الغرب وأفريقيا حيث يخضع البرابرة ويقضي على الطغاة ويخلص البلاد من الوحوش الكاسرة ، وينشر في كل مكان يمر فيه ، العلوم والفنون التي يحتاجها الإنسان في حياته وباقي معطيات الحضارة الفينيقية ، يشابه إلى حد بعيد المنجزات التي حققها قدموس ورفاقه أثناء بحثهم عن أوربا .
وأهم أعمال هرقل هي المآثر الأخيرة التي يأتي فيها البطل إلى خاتمة أعماله وهي قصة الحزام الذهبي وإختطاف قطيع جريون وتفاحات بنات المساء ، وتجري أحداثها في بلاد الغرب ، فالحملة ضد جريون كانت بلاد ترشيش مسرحا ً لها ، أي على مقربة من قادش المستعمرة الصورية على أبواب المحيط .
وبعد أن ترك الصوريون هرقل يذهب إلى قادش على الشاطىء الاسباني ، كان لابد لهم أن يأخذوه إلى ليكسوس ، المستعمرة الصورية على الجهة الثانية من المحيط ، على الشاطىء الأفريقي .
في أسطورة الحزام الذهبي يكلف هرقل بإحضار حزام كان إله الحرب قد أهداه إلى ملكة الأمازونيات ، فيبحر مع رهط من المتطوعين بتسع سفن على محاذاة البحر الأسود حتى يصلوا إلى هضبة قرب نهر ترمدون .
ولا تظهر الملكة أي ممانعة في إعطاء الحزام ، ولكن زوجة زفس التي تكره هرقل تتدخل وتشيع أن الغريب ينوي إختطاف الملكة ، فيضطر هرقل إلى الدخول مع شعبها في قتال عنيف ينتهي بقتل الملكة والإستيلاء على الحزام .
وفي هذه الرحلة يزور هرقل جزر باروس في مجموعة الكيكلاد ويعبر الهيلسبونت ( الدردنيل ) والبوسفو إلى طروادة ، ومنه يتابع سيره إلى جزيرة تاسوس .
وحملة هرقل هذه إلى نهر ترمدون وحروبه في تركيا الأوروبية تعكس تقدم التجارة الصورية في النصف الأخير من الالف الثاني ق م في منطقة البحر الأسود .
ويكلف هرقل بعدها بإحضار مواشي جريون ملك ترشيش ذات الجمال النادر، والتي كانت ترعى على جزيرة أريتيا ، في المحيط الأطلسي .
وفي طريقه يقضي على الكثير من الحيوانات الشرسة ، ويصل إلى المضيق حيث ينصب عمودين ، أحدهما في أوربا والآخر في أفريقيا . ويعتقد بعضهم أن القارتين كانتا حتى ذلك الوقت متصلتين وأن هرقل حفر قناة بينهما ، أو أنه أبعد القارتين عن بعض فنشأ المضيق ، وتعتقد جماعة ثانية أن المضيق كان أوسع بكثير عما هو عليه في أيامنا ، وأن هرقل أدنى طرفي القارتين إلى بعض ، حتى لاتدخل الحيتان والوحوش البحرية إلى المتوسط . ويقال أن الأسبانيين والليبيين كانوا يعتبرون أن أعمدة هرقل هما عمودا البرونز اللذان كانا ينتصبان أمام هيكل ملقرت الصوري في قادش .
ومن المضيق أبحر هرقل في كأس ذهبية إستعارها من هليوس ، أوصلته إلى أريتيا . وبعد قتال عنيف مع جريون وأبنائه إستطاع أن يحصل على المواشي ويقودها أمامه.
وأريتيا هي الجزيرة الصغيرة التي أسست عليها مدينة قادش ومعناها الحمراء وهذا الإسم يرجع إلى الصوريين الذين كانوا أول من أقام بها ، وذلك لأنهم إعتبروا قادمين من البحر الأحمر أو بسبب الاردية المصبوغة بالأرجوان التي كانوا يحملونها معهم.
وترتبط اسطورة جريون ارتباطا ً وثيقا ً بالاسطورة التي تتعلق ببناء مدينة قادش ، بعدما أمر وحي إلهي ملك صور بالبحث عن أعمدة هرقل وتشييد مدينة عندها .
ولسنا بحاجة لتفسير هذه الأسطورة بالنسبة للتوسع الصوري في إيبيريا ، وأكثر المصادر التاريخية تشيد به وتعزو غنى صور وعظمتها التجارية إليه : " ترشيش تلجرتك بكثرة كل غنى ، بالفضة والحديد والقصدير والنحاس "، " سفن ترشيش قوافلك بتجارتك ، فإمتلأت ةتمجدت بقلب البحار " .
وكان العمل الأخير إحضار ثلاث من ثمار التفاحة الذهبية هدية أمنا بالارض إلى هيرا زوجة زفس . زقد زرعت هيرا التفاحة في حدائقها الإلهية على سفوح جبال الاطلس وعهدت بحمايتها والسهر عليها إلى بنات أطلس اللواتي دعين " الهسبريد" أي بنات المساء وقد ذهب هرقا أولا ً إلى حوريات نهر البو فإستفهم منهن عن مكان بنات المساء ، ثم سار بعدها إلى ليبيا ، فقتل ملكها الظالم أنتيوس وعلم سكانها مبادىء الزراعة ، وجعلها ، بعنايته المتواصلة أسعد البلاد وأهدأها . ومضى إلى مصر وتغلب فيها على ملكها بوزيروس ، وزار فيها ضريح آمون وهناك طلب رؤية والده زفس ومخاطبته.
وتابع هرقل سيره جنوبا ً فشيد مدينة طيبه ، وذهب بعدها إلى بلاد الحبشة فحررها من الطاغية إيماتيون وعبر البحر إلى بلاد القفقاس ، فقتل النسر الذي كان يأكل من كبد برومتيوس الذي سرق النار من جبل الآلهة وجلبها إلى أبناء الإنسان ، وتابع السير إلى جبال الأطلس هدف رحلته .
وتروي الأسطورة أن الثعبان الهائل تيفون قتل هرقل في ليبيا ، ولكن صديقه ومرافقه يولاوس ( أسمون ) أعاده للحياة بأن شوى طائر السمن وأدناه إلى أنف الإله . وكانت صور تحتفل – منذ أيام حيرام الكبير- بعيد بعث ملقرت في شهر بريتيوس ، عند رجوع أسراب السمن من هجرتها إلى سيناء .
ويلفت الأنظار أن أسماء بنات المساء : " الحمراء " و" الأرجوانية " و " المشعة " تعبر كلها عن معنى مرادف لكلمة فينيقي !
مع تحياتييييييييييييييييي
عشتم وعاشا منتدانا العظيم
Comment