ورد سامحيني
كنت أخرج كل ليلة كي أمشي قليلا مدة نصف ساعة ثم اعود .. وفي خطا سيري يوميا كنت أشاهد طفلة تلاحق فراشات اجتمعت حول إحدى أنوار الإضاءة المعلقة في سور أحد المنازل ... لفت انتباهي شكلها وملابسها .. فكانت تلبس فستانا ممزقا ولا تنتعل حذاءً .. وكان شعرها طويلا وعيناها خضراوان .. كانت في البداية لا تلاحظ مروري .. ولكن مع مرور الأيام .. اصبحت تنظر إلي ثم تبتسم .
وفي احد الايام استوقفتها وسألتها عن اسمها فقالت ورد .. فسألتها أين منزلكم .. فأشارت الى غرفة خشبية بجانب سور أحد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا، أعيش فيه مع أمي وأخي .. وسألتها عن ابيها .. فقالت ابي كان يعمل سائقا في احدى الشركات الكبيرة .. ثم توفي في حادث مروري .. ثم انطلقت تجري عندما شاهدت أخاها يخرج راكضا الى الشارع .. فمضيت في حال سبيلي ..
ويوما بعد يوم .. كنت كلما مررت استوقفها لاجاذبها أطراف الحديث .. سالتها: ماذا تتمنين ؟
قالت كل صباح أخرج الى نهاية الشارع لاشاهد دخول الطالبات الى المدرسة .. اشاهدهم يدخلون الى هذا العالم الصغير .. مع باب صغير .. ويرتدون زيا موحدا ... ولا أعلم ماذا يفعلون خلف هذا السور ..
أمنيتي ان أصحو كل صباح .. لالبس زيهم .. واذهب وأدخل من هذا الباب لاعيش معهم وأتعلم القراءة والكتابة ..
لا أعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة .. قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لا أعلم حتى الان السبب ..
كنت كلما مررت مع هذا الشارع .. احضر لها شيئا معي .. حذاء .. ملابس .. ألعاب .. طعام .. وقالت لي في إحدى المرات .. بأن خادمة تعمل في احد البيوت القريبة منهم قد علمتها الحياكة والخياطة والتطريز .. وطلبت مني ان احضر لها قماشا وادوات خياطه ..
فاحضرت لها ما طلبت .. وطلبت مني في أحد الايام طلبا غريبا .. قالت لي : اريدك ان تعلمني كيف أكتب كلمة أحبك !
مباشرة جلست أنا وهي على الارض .. وبدأت اخط لها على الرمل كلمة أحبك .. على ضوء عمود إنارة في الشارع .. كانت تراقبني وتبتسم .. وهكذا كل ليلة كنت أكتب لها كلمة أحبك .. حتى أجادت كتابتها بشكل رائع .. ومرت عدة أعوام ...
وفي ليلة حضرت اليها .. وبعد أن تجاذبنا اطراف الحديث .. قالت لي أغمض عينيك .. ولا أعلم لماذا أصرت على ذلك .. فأغمضت عيني .. وفوجئت بها تقبلني على خدي ثم تجري راكضه .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية ..
وفي الغد حصل لي ظرف طارئ استوجب سفري خارج المدينة لاسبوعين متواصلين .. لم استطع ان أودعها .. فرحلت وكنت أعلم أنها تنتظرني كل ليلة .. وعند عودتي .. لم اشتاق لشي في مدينتي .. اكثر من شوقي لـ ورد .. في تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الإنارة الذي نجلس تحته لا يضيء !! .. كان الشارع هادئا .. احسست بشي غريب .. انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت أدراجي ..
وهكذا لمدة خمسة ايام .. كنت احضر كل ليلة فلا أجدها ..
عندها صممت على زيارة امها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضه .. استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب على استحياء.. فخرج بدر .. ثم خرجت امه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني .. يا إلهي .. لقد حضرت .. وقد وصفتك كما انت تماما .. ثم اجهشت في البكاء .. علمت حينها ان شيئا قد حصل .. ولكني لا أعلم ما هو ؟؟؟؟
عندما هدأت الام سالتها ماذا حصل ؟؟ اجيبيني ارجوك ..
قالت لي : لقد ماتت ورد .. وقبل وفاتها .. قالت لي سيحضر أحدهم للسؤال عني فاعطيه هذا وعندما سألتها من يكون .. قالت أعلم أنه سياتي .. سياتي لا محالة ليسأل عني ؟؟ أعطيه هذه القطعه ..
فسالت أمها ماذا حصل؟؟ فقالت لي توفيت ورد .. في احدى الليالي أحست ابنتي بحرارة واعياء شديدين .. فخرجت بها الى احد المستوصفات الخاصة القريبه .. فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه .. فتركتهم وذهبت الى احد المستشفيات العامة .. وكانت حالتها تزداد سوءا .. فرفضوا ادخالها .. فعدت الى المنزل .. لكي اضع لها الكمادات .. ولكنها كانت تحتضر .. بين يدي .. ثم اجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت ورد ..
لا أعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم استطع البكاء .. لم استطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا أعلم كيف اصف شعوري .. لا استطيع وصفه لا استطيع .. خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم أعد الى مسكني .. بل أخذت أذرع الشارع .. فجأة تذكرت الشي الذي اعطتني أياه أمها ..
فتحته .. فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة .. وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة أحبك .. وامتزجت بقطرات دم متخثرة ... يالهي .. لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة .. وعرفت الان لماذا كانت تخفي يديها في آخر لقاء ..
كانت أصابعها تعاني من وخز الابرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز .. كانت اصدق كلمة حب في حياتي .. لقد كتبتها بدمها .. بجروحها .. بألمها .. كانت تلك الليلة هي آخر ليلة لي في ذلك الشارع .. فلم ارغب في العودة اليه مرة اخرى .. فهو كما يحمل ذكريات جميلة .. يحمل ذكرى ألم وحزن ..
يحمل ذكرى ورد
احتفظت بقطعة القماش معي .. وكنت أحملها معي في كل مكان اذهب اليه .. وبعدها بشهر .. واثناء تواجدي في احدى الدول .. وعند ركوبي لاحد المراكب في البحر .. أخرجت قطعة القماش من جيبي .. وقررت ان أرميها في البحر ..
لا أعلم لماذا ؟؟ ولكن لانها تحمل اقسى ذكرى في حياتي .. وقبل غروب الشمس .. امتزجت دموعي بدم ورد بكلمة أحبك .. ورفعت يدي عاليا .. ورميتها في البحر ..
واخذت ارقبها وهي تختفي عن نظري شيئا فشيئا ..
ودموعي تسالني لماذا ؟؟
ولكنني كنت لا أملك جوابا ؟؟
سامحيني .. فلم أعد أحتمل الذكرى ؟؟
سامحيني .. فقد حمّلتني اكبر مما اتحمل؟؟
سامحيني فأنا لا استحق الكلمات التي نقشتيها ..
ورد سامحيني
وفي احد الايام استوقفتها وسألتها عن اسمها فقالت ورد .. فسألتها أين منزلكم .. فأشارت الى غرفة خشبية بجانب سور أحد المنازل .. وقالت هذا هو عالمنا، أعيش فيه مع أمي وأخي .. وسألتها عن ابيها .. فقالت ابي كان يعمل سائقا في احدى الشركات الكبيرة .. ثم توفي في حادث مروري .. ثم انطلقت تجري عندما شاهدت أخاها يخرج راكضا الى الشارع .. فمضيت في حال سبيلي ..
ويوما بعد يوم .. كنت كلما مررت استوقفها لاجاذبها أطراف الحديث .. سالتها: ماذا تتمنين ؟
قالت كل صباح أخرج الى نهاية الشارع لاشاهد دخول الطالبات الى المدرسة .. اشاهدهم يدخلون الى هذا العالم الصغير .. مع باب صغير .. ويرتدون زيا موحدا ... ولا أعلم ماذا يفعلون خلف هذا السور ..
أمنيتي ان أصحو كل صباح .. لالبس زيهم .. واذهب وأدخل من هذا الباب لاعيش معهم وأتعلم القراءة والكتابة ..
لا أعلم ماذا جذبني في هذه الطفلة الصغيرة .. قد يكون تماسكها رغم ظروفها الصعبة .. وقد تكون عينيها .. لا أعلم حتى الان السبب ..
كنت كلما مررت مع هذا الشارع .. احضر لها شيئا معي .. حذاء .. ملابس .. ألعاب .. طعام .. وقالت لي في إحدى المرات .. بأن خادمة تعمل في احد البيوت القريبة منهم قد علمتها الحياكة والخياطة والتطريز .. وطلبت مني ان احضر لها قماشا وادوات خياطه ..
فاحضرت لها ما طلبت .. وطلبت مني في أحد الايام طلبا غريبا .. قالت لي : اريدك ان تعلمني كيف أكتب كلمة أحبك !
مباشرة جلست أنا وهي على الارض .. وبدأت اخط لها على الرمل كلمة أحبك .. على ضوء عمود إنارة في الشارع .. كانت تراقبني وتبتسم .. وهكذا كل ليلة كنت أكتب لها كلمة أحبك .. حتى أجادت كتابتها بشكل رائع .. ومرت عدة أعوام ...
وفي ليلة حضرت اليها .. وبعد أن تجاذبنا اطراف الحديث .. قالت لي أغمض عينيك .. ولا أعلم لماذا أصرت على ذلك .. فأغمضت عيني .. وفوجئت بها تقبلني على خدي ثم تجري راكضه .. وتختفي داخل الغرفة الخشبية ..
وفي الغد حصل لي ظرف طارئ استوجب سفري خارج المدينة لاسبوعين متواصلين .. لم استطع ان أودعها .. فرحلت وكنت أعلم أنها تنتظرني كل ليلة .. وعند عودتي .. لم اشتاق لشي في مدينتي .. اكثر من شوقي لـ ورد .. في تلك الليلة خرجت مسرعا وقبل الموعد وصلت المكان وكان عمود الإنارة الذي نجلس تحته لا يضيء !! .. كان الشارع هادئا .. احسست بشي غريب .. انتظرت كثيرا فلم تحضر .. فعدت أدراجي ..
وهكذا لمدة خمسة ايام .. كنت احضر كل ليلة فلا أجدها ..
عندها صممت على زيارة امها لسؤالها عنها .. فقد تكون مريضه .. استجمعت قواي وذهبت للغرفة الخشبية .. طرقت الباب على استحياء.. فخرج بدر .. ثم خرجت امه من بعده .. وقالت عندما شاهدتني .. يا إلهي .. لقد حضرت .. وقد وصفتك كما انت تماما .. ثم اجهشت في البكاء .. علمت حينها ان شيئا قد حصل .. ولكني لا أعلم ما هو ؟؟؟؟
عندما هدأت الام سالتها ماذا حصل ؟؟ اجيبيني ارجوك ..
قالت لي : لقد ماتت ورد .. وقبل وفاتها .. قالت لي سيحضر أحدهم للسؤال عني فاعطيه هذا وعندما سألتها من يكون .. قالت أعلم أنه سياتي .. سياتي لا محالة ليسأل عني ؟؟ أعطيه هذه القطعه ..
فسالت أمها ماذا حصل؟؟ فقالت لي توفيت ورد .. في احدى الليالي أحست ابنتي بحرارة واعياء شديدين .. فخرجت بها الى احد المستوصفات الخاصة القريبه .. فطلبوا مني مبلغا ماليا كبيرا مقابل الكشف والعلاج لا أملكه .. فتركتهم وذهبت الى احد المستشفيات العامة .. وكانت حالتها تزداد سوءا .. فرفضوا ادخالها .. فعدت الى المنزل .. لكي اضع لها الكمادات .. ولكنها كانت تحتضر .. بين يدي .. ثم اجهشت في بكاء مرير .. لقد ماتت .. ماتت ورد ..
لا أعلم لماذا خانتني دموعي .. نعم لقد خانتني .. لاني لم استطع البكاء .. لم استطع التعبير بدموعي عن حالتي حينها .. لا أعلم كيف اصف شعوري .. لا استطيع وصفه لا استطيع .. خرجت مسرعا ولا أعلم لماذا لم أعد الى مسكني .. بل أخذت أذرع الشارع .. فجأة تذكرت الشي الذي اعطتني أياه أمها ..
فتحته .. فوجدت قطعة قماش صغيرة مربعة .. وقد نقش عليها بشكل رائع كلمة أحبك .. وامتزجت بقطرات دم متخثرة ... يالهي .. لقد عرفت سر رغبتها في كتابة هذه الكلمة .. وعرفت الان لماذا كانت تخفي يديها في آخر لقاء ..
كانت أصابعها تعاني من وخز الابرة التي كانت تستعملها للخياطة والتطريز .. كانت اصدق كلمة حب في حياتي .. لقد كتبتها بدمها .. بجروحها .. بألمها .. كانت تلك الليلة هي آخر ليلة لي في ذلك الشارع .. فلم ارغب في العودة اليه مرة اخرى .. فهو كما يحمل ذكريات جميلة .. يحمل ذكرى ألم وحزن ..
يحمل ذكرى ورد
احتفظت بقطعة القماش معي .. وكنت أحملها معي في كل مكان اذهب اليه .. وبعدها بشهر .. واثناء تواجدي في احدى الدول .. وعند ركوبي لاحد المراكب في البحر .. أخرجت قطعة القماش من جيبي .. وقررت ان أرميها في البحر ..
لا أعلم لماذا ؟؟ ولكن لانها تحمل اقسى ذكرى في حياتي .. وقبل غروب الشمس .. امتزجت دموعي بدم ورد بكلمة أحبك .. ورفعت يدي عاليا .. ورميتها في البحر ..
واخذت ارقبها وهي تختفي عن نظري شيئا فشيئا ..
ودموعي تسالني لماذا ؟؟
ولكنني كنت لا أملك جوابا ؟؟
سامحيني .. فلم أعد أحتمل الذكرى ؟؟
سامحيني .. فقد حمّلتني اكبر مما اتحمل؟؟
سامحيني فأنا لا استحق الكلمات التي نقشتيها ..
ورد سامحيني
منقول ...
Comment