• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس
... See more
See more
See less

ابتسام ابراهيم تريسي و بعض من قصصها القصيرة

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • ابتسام ابراهيم تريسي و بعض من قصصها القصيرة

    لاحظت انو بهالقسم ما في كتير اهتمام بكتاب و كاتبات القصة السوريين واللي هني فعلا كتار كتار....
    مشان هيك رح بلش اليوم بكاتبة سورية معاصرة ..منتعرف عليها وعلى شوي من مؤلفاتها اللي بتعجبني....
    القاصة والروائية ابتسام ابراهيم تريسي....من الكتاب المعاصرين في سوريا...
    حصلت على المركز الاول في جائزة دار سعاد الصباح عام 2001 لها مجموعة قصصية بعنوان جذور ميتة....
    و صدر لها مؤخرا جبل السماق......




    المعلومات و القصص من موقع القصة السورية.....
    ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
    jesus loves me

  • #2
    قصة رائعة جدا.....

    ستة ألوان
    لوجه مدينة منسيّة


    صباح الخميس 30/آذار/2000
    1 ـ رمادي ...
    استيقظت مذعورة ، كعادتي كل صباح ، عندما يخنق السعال طفلي بأصابعه الشرسة ، حملته بين ذراعيّ هززته قليلاً ، بللت فمه بقطرات من الماء محاولة مساعدته على طرد البلغم المتشبث بخلايا حنجرته ، امتدت الزرقة حول عينيه الجميلتين وفمه الصغير ، يرافقها صوت المؤذن في الجامع الكبير الملاصق لبيتنا : ــ (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) أخوكم المرحوم ياسين الحداد ، انتقل إلى رحمة الله تعالى . الصلاة على الجنازة الساعة السابعة .
    تشنجت يد طفلي الممتدة إلى أنفه في محاولة يائسة لدفع الهواء إليه . يتابع المؤذن :
    ـ (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )) ... الفاتحة .
    ارتديت ملابسي بسرعة ، وخرجت قاصدة طبيبة الحي ..
    2 ـ أبيض ...
    كان الصباح الربيعي يبسم في عيون الأطفال المتجهين إلى مدارسهم ، بقلوب تتقافز فرحاً وخطوات ترقص لمستقبل قادم من بعيد ، الشرائط الحمر والبيض في شعور الفتيات تضحك لزهرات المشمش الصغيرة في أوّل تفتحها .
    الصبيان يتراكضون في مرح مشاكس ، يسبقون الزمن المقيت ، وأنا أحث الخطى حاملة طفلي باتجاه الساحة التي تبدو مزدحمة على غير العادة في الصباح الباكر .
    عند بيت محمود السعيد كانت سلال الورد تقف في الطابور ، وابنه الشاب حسن يغسل السيارة ويلمعها استعداداً لزفة العروس هذا المساء ، أطلت أم حسن من النافذة ، نادت ابنها :
    ـ أريدك أن تذهب إلى السوق ، ما زال لدي الكثير من الأعمال . والتفتت إلى المستخدمة التي كانت تنظف النوافذ ، أعطتها ملحوظة صغيرة بصوت عال ورفيع .. ودلفت إلى البيت .
    3 ـ أخضر ...
    عندما وصلت إلى الساحة المتفرعة إلى أربع جهات ، كانت الزمامير تعلو صاخبة والأعلام الخضراء والحمراء تزين السيارات ، وأعواد الورد والغار في أيدي الصغار المحتشدين لاستقبال زائر بيت الله الحرام ، كان الحاج محمد بلحيته البيضاء ، وقامته المهيبة يتوسط مستقبليه ، بينما فرقة السيف تقوم باستعراض راقص على أنغام المزاهر والدفوف ، بإيقاع منتظم بسيط ...
    صوت قائد الفرقة ينادي : الفاتحة على روح النبي ، وعقبال العودة .
    سارت قافلة المستقبلين شرقاً ، تداخلت أصوات الراقصين الفرحة بعودة الحاج مع صوت نائح :
    ـ الفاتحة على روح المرحوم .
    وعلا صوت قائد الفرقة الذي أصبح بمحاذاة القافلة التي تشيع المرحوم باتجاه الغرب :
    ـ الفاتحة على روح النبي .
    4 ـ أصفر ...
    عركت الطبيبة هند عينيها من آثار النوم وتمطت ، أخذت الطفل من يدي ، فحصت الصدر بسماعتها و بكسل واضح ، نقلت خطوة متثاقلة باتجاه النافذة ، نظرت إلى البعيد ، لم يكن الطفل ولا أنا ما تنظر إليه :
    طفلك بحاجة إلى أوكسجين , الأفضل نقله إلى المشفى سأعطيه مهدئاً ، لا أستطيع عمل شيء له .
    قلبي ينتفض بين ضلوعي ، الصفرة تغطي وجه طفلي ، يداه الصغيرتان المرتعشتان استسلمتا ، وارتمتا بعيداً عن صدري ...
    5 ـ أحمر ...
    كانت أغرودة طويلة تمدّ عنقها الأفعواني من نافذة إحدى غرف المشفى ، تبعتها أخرى حلزونية منكمشة ، وثالثة كصافرة إنذار ..
    صالة الاستقبال متخمة بباقات الورد الملونة التي يرقص الربيع في أجفانها الناعسة ، وتضج البهجة في وجناتها ..
    استقبلتني الموظفة بابتسامة عريضة :
    ـ إنه أول مولود لمدير المنطقة جاءه بعد سبع سنوات ...
    ـ طفلي يعاني من تشنج في القصبات ، الزرقة تحتل وجهه وهو بحاجة لأوكسجين .
    ـ لم يأت الطبيب بعد !
    ـ الطبيب المقيم ؟
    ـ في الخارج ...
    أغرودة عالية تشق صدري .. سعال ، ضحكات ، تشنج صدر طفلي بقسوة ، اختلج بين يدي ، اجتاحه عرق بارد ... و ... تصرخ حنجرتي الذبيحة :
    ـ أرجوكم أوكسجين .
    ـ سيأتي الطبيب في التاسعة .
    طفلي يتمتم بصعوبة : ما ...
    6 ـ أسود ...
    أنكفئ على درجات المشفى محتضنة طفلي محاولة إرجاعه إلى رحمي .. ! أصوات تدق رأسي بمطرقة نحاسية عتيقة ، أحذية ملمعة .. دفوف .. مزاهر .. طبول .. أغاريد .. صوت المؤذن : الفاتحة على روح .... خطوات أنيقة تطرق البلاط الناعم :
    ـ ماذا تفعلين هنا أيتها السيدة ؟
    أغص بالكلمات فتخرج تمتمة مبهمة من بين شفتي .
    وجه الطبيب الشمعي المصقول يطالعني بابتسامة باردة مشيراً إلى الطفل : ما به ؟
    ـ طفلي كان ... بحاجة ... للأوكسجين .
    يمد يده المنشاة إلى شعره الأملس :
    ـ آ ... على كلٍ هدئي من روعك لا يوجد لدينا في المشفى سوى حاضنة ، شُغلت هذا الصباح بابن مدير المنطقة ..تعلمين ... المشفى ذو إمكانيات متواضعة .
    تستمر الدفوف .. دقات القلب تعلو .. تطرق أذني .. أعلام سوداء نساء متشحات بالسواد ... وباقات الورد في كل مكان !!
    ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
    jesus loves me

    Comment


    • #3
      تقبشيني ياسرسورة
      ويعطيكي العافية
      مشتقلك ياجورج وع بالي زورك
      الله يرحمك يا جورج
      بوعدك ماانساك شو ماصار
      ياأحلى ملاك
      تعبان ومتدايق وبدي ابكي
      ومادخل الرجولية بالدموع وإذا مااقتنعت مني ...
      أنا ماني رجال

      Comment


      • #4
        Originally posted by sarah View Post
        ستة ألوان

        لوجه مدينة منسيّة


        صباح الخميس 30/آذار/2000
        1 ـ رمادي ...
        استيقظت مذعورة ، كعادتي كل صباح ، عندما يخنق السعال طفلي بأصابعه الشرسة ، حملته بين ذراعيّ هززته قليلاً ، بللت فمه بقطرات من الماء محاولة مساعدته على طرد البلغم المتشبث بخلايا حنجرته ، امتدت الزرقة حول عينيه الجميلتين وفمه الصغير ، يرافقها صوت المؤذن في الجامع الكبير الملاصق لبيتنا : ــ (( كل من عليها فان ويبقى وجه ربك ذو الجلال والإكرام )) أخوكم المرحوم ياسين الحداد ، انتقل إلى رحمة الله تعالى . الصلاة على الجنازة الساعة السابعة .
        تشنجت يد طفلي الممتدة إلى أنفه في محاولة يائسة لدفع الهواء إليه . يتابع المؤذن :
        ـ (( كل نفس ذائقة الموت وإنما توفون أجوركم يوم القيامة )) ... الفاتحة .
        ارتديت ملابسي بسرعة ، وخرجت قاصدة طبيبة الحي ..
        2 ـ أبيض ...
        كان الصباح الربيعي يبسم في عيون الأطفال المتجهين إلى مدارسهم ، بقلوب تتقافز فرحاً وخطوات ترقص لمستقبل قادم من بعيد ، الشرائط الحمر والبيض في شعور الفتيات تضحك لزهرات المشمش الصغيرة في أوّل تفتحها .
        الصبيان يتراكضون في مرح مشاكس ، يسبقون الزمن المقيت ، وأنا أحث الخطى حاملة طفلي باتجاه الساحة التي تبدو مزدحمة على غير العادة في الصباح الباكر .
        عند بيت محمود السعيد كانت سلال الورد تقف في الطابور ، وابنه الشاب حسن يغسل السيارة ويلمعها استعداداً لزفة العروس هذا المساء ، أطلت أم حسن من النافذة ، نادت ابنها :
        ـ أريدك أن تذهب إلى السوق ، ما زال لدي الكثير من الأعمال . والتفتت إلى المستخدمة التي كانت تنظف النوافذ ، أعطتها ملحوظة صغيرة بصوت عال ورفيع .. ودلفت إلى البيت .
        3 ـ أخضر ...
        عندما وصلت إلى الساحة المتفرعة إلى أربع جهات ، كانت الزمامير تعلو صاخبة والأعلام الخضراء والحمراء تزين السيارات ، وأعواد الورد والغار في أيدي الصغار المحتشدين لاستقبال زائر بيت الله الحرام ، كان الحاج محمد بلحيته البيضاء ، وقامته المهيبة يتوسط مستقبليه ، بينما فرقة السيف تقوم باستعراض راقص على أنغام المزاهر والدفوف ، بإيقاع منتظم بسيط ...
        صوت قائد الفرقة ينادي : الفاتحة على روح النبي ، وعقبال العودة .
        سارت قافلة المستقبلين شرقاً ، تداخلت أصوات الراقصين الفرحة بعودة الحاج مع صوت نائح :
        ـ الفاتحة على روح المرحوم .
        وعلا صوت قائد الفرقة الذي أصبح بمحاذاة القافلة التي تشيع المرحوم باتجاه الغرب :
        ـ الفاتحة على روح النبي .
        4 ـ أصفر ...
        عركت الطبيبة هند عينيها من آثار النوم وتمطت ، أخذت الطفل من يدي ، فحصت الصدر بسماعتها و بكسل واضح ، نقلت خطوة متثاقلة باتجاه النافذة ، نظرت إلى البعيد ، لم يكن الطفل ولا أنا ما تنظر إليه :
        طفلك بحاجة إلى أوكسجين , الأفضل نقله إلى المشفى سأعطيه مهدئاً ، لا أستطيع عمل شيء له .
        قلبي ينتفض بين ضلوعي ، الصفرة تغطي وجه طفلي ، يداه الصغيرتان المرتعشتان استسلمتا ، وارتمتا بعيداً عن صدري ...
        5 ـ أحمر ...
        كانت أغرودة طويلة تمدّ عنقها الأفعواني من نافذة إحدى غرف المشفى ، تبعتها أخرى حلزونية منكمشة ، وثالثة كصافرة إنذار ..
        صالة الاستقبال متخمة بباقات الورد الملونة التي يرقص الربيع في أجفانها الناعسة ، وتضج البهجة في وجناتها ..
        استقبلتني الموظفة بابتسامة عريضة :
        ـ إنه أول مولود لمدير المنطقة جاءه بعد سبع سنوات ...
        ـ طفلي يعاني من تشنج في القصبات ، الزرقة تحتل وجهه وهو بحاجة لأوكسجين .
        ـ لم يأت الطبيب بعد !
        ـ الطبيب المقيم ؟
        ـ في الخارج ...
        أغرودة عالية تشق صدري .. سعال ، ضحكات ، تشنج صدر طفلي بقسوة ، اختلج بين يدي ، اجتاحه عرق بارد ... و ... تصرخ حنجرتي الذبيحة :
        ـ أرجوكم أوكسجين .
        ـ سيأتي الطبيب في التاسعة .
        طفلي يتمتم بصعوبة : ما ...
        6 ـ أسود ...
        أنكفئ على درجات المشفى محتضنة طفلي محاولة إرجاعه إلى رحمي .. ! أصوات تدق رأسي بمطرقة نحاسية عتيقة ، أحذية ملمعة .. دفوف .. مزاهر .. طبول .. أغاريد .. صوت المؤذن : الفاتحة على روح .... خطوات أنيقة تطرق البلاط الناعم :
        ـ ماذا تفعلين هنا أيتها السيدة ؟
        أغص بالكلمات فتخرج تمتمة مبهمة من بين شفتي .
        وجه الطبيب الشمعي المصقول يطالعني بابتسامة باردة مشيراً إلى الطفل : ما به ؟
        ـ طفلي كان ... بحاجة ... للأوكسجين .
        يمد يده المنشاة إلى شعره الأملس :
        ـ آ ... على كلٍ هدئي من روعك لا يوجد لدينا في المشفى سوى حاضنة ، شُغلت هذا الصباح بابن مدير المنطقة ..تعلمين ... المشفى ذو إمكانيات متواضعة .
        تستمر الدفوف .. دقات القلب تعلو .. تطرق أذني .. أعلام سوداء نساء متشحات بالسواد ... وباقات الورد في كل مكان !!
        حلوة حلوة
        ميرسي سارة
        سلطانة ٌ و الكل يعرفني

        ستُّ النساء ِ يغازلـُني المطرْ

        الشمس ُ في كفي تداعبني

        ومن السماء ِ يمازِحـُني القمرْ

        Comment


        • #5
          يسلم هالأيدين sarah وناطرينك بكل جديد دايماً

          Delight yourself also in the Lord, and He will give you the desires and secret petitions of your heart

          !! Brothers and will stay until death !!

          Comment


          • #6
            انا بالعادة ما بحب القصص كتير بس هي كتير حلوة ميرسي سارة
            بما أنّكِ جعلتِ اهتمامَكِ ملائمًا لتسميتِكِ أحرزتِ الإيمان القويم مسكناً،


            فلذلك يا لابسة الجهاد تفيضين الأشفية وتتشفعين من أجل نفوسنا


            يا باراسكيفي المطابقة لاسمِها.




            best friends
            Infinity and eternity


            Comment


            • #7
              ميرسي سارة


              يعطيكي العافيه


              Comment


              • #8
                ميرسي يا جماعة الكون كلكون ع مروركون واهتمامكون....و رح حاول انشالله حط قد ما بقدر للكاتبة...لانو عنجد اعمالها جديرة بالاهتمام....
                ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                jesus loves me

                Comment


                • #9

                  مواجهة


                  لم يتطلب اتخاذ القرار وقتا ،
                  طوال عمري كنت أتردد في اتخاذ القرارات المصيرية ، فيبادر أخوتي لاتخاذها عني . انكفأتْ نظرتي حاملة لون الرماد المترسب أسفل الأفق الخريفي ، وألماً مازال ينخر الضلوع .
                  في طريقي إلى بيت المحامي لم أكن أحملُ تصورا واضحا للقضية ، ولم يكن يهمني أن أكسبها ، إصراري على المواجهة هو ما كنت أتسلح به ، بعد دهر من الخنوع للآخرين .
                  ربّما لأنّ الموضوع ، ولأوّل مرّة يتعلق بحياةٍ أخرى ، وليس بحياتي . ( وهل هناك أغلى من حياة شكرية ؟ ) .
                  حاولت كتم انفعالي وأنا أشرح للمحامي تفاصيل القضية ، متجاهلة تلك الدهشة التي اعتقلت فكه الأسفل فتدلى في حركة بلهاء .
                  كانت شكرية خانم تبرز لي في التفاصيل الدقيقة للحادث ، فاردة ً شعرها الطويل مثار دهشة شبان البلدة ، وثغرها المفتر عن ابتسامة عذبة لا يني يشجعني على المضي في المواجهة .
                  منذ اليوم الأول لدخول شكرية خانم الصف فرضت نوعا من الذهول المحبب مصحوبا بتزاحم لتلبية طلباتها التي لم تنطق بها ، كلّ التلميذات تحلّقن حولها يرقبن تدفق اللون من فرشاتها على جسد الورق الأبيض ، وتناثُر الياسمين ثلجا بين أصابعها ، وتحوّل الدفلى إلى آلهة تسطو على نبضات القلوب الصغيرة ، وتأسر العيون بلونها الناري المشرق .
                  مضى زمن طويل ، لا أعرف كم من السنوات . لكنّ تأثير شكرية خانم ، بقي ماثلا في حياتي حتى بعد رحيلها إلى مدينتها . طريقة المشي والكلام وأسلوب رمي الفرشاة في إناء الرسم .
                  اقتنيت القماش والألوان ، وبقيت الدفلى تمدّ رأسها بعناد من لوحاتي زمنا طويلا .
                  عندما أحكموا حصارهم حول روحي واعتقلوا سنوات شبابي ، تراكم الغبار على لوحاتي ، وأطاح الزحف الأصفر بنار الدفلى فاستحالت رمادا .
                  أيقظني المحامي من ذهولي بتكرار السؤال :
                  ـ هل أنت على يقين أنك تريدين إقامة الدعوى ؟
                  تدفق سيل النار في أحشائي ، تزاحمت الكلمات على شفتي ، وخرجت بإصرار لم أعرفه يوما ، حتى أني تساءلت عن أنفاس شكرية خانم اللاهثة التي تصاعد بخارها قريبا من حلقي ، وسمعت صوت ضحكتها تلك، التي سمّرتني على المقعد لسنوات ، وهي تشرح لفتيات ريفيات يتسربلن بالخجل والجهل عن أمور أنثوية من المفروض ـ كما كانت تقول ـ أن يعرفنها في هذه السن الحساسة . احمرّ وجهي فجأة ، وكلمات شكرية خانم عن التصميم والإرادة والحرية ، والحقوق التي نالتها الفتاة في المدن ، تزعزع كياني ، وتزرع بذرة تمرد ما لبثت أنا ماتت عطشا .
                  كنت أسمع بوضوح صوت المذياع الدخيل على عالمنا ، مصحوبا بدندنة شكرية خانم وذهول الطالبات . تخيّلت للحظات أني حققت كلّ ما حلمت به على مقاعد الدراسة . لكنّ وجه المحامي المتفرس بملامحي ، جعلني أستدير محتضنة حلمي المعاق ، مصحوبا بحسراتي الحارقة .
                  لملمت الكثير من الحزن وخبّأته في معطفي الشتوي وأنا أعبر الزقاق القديم ، وأطلّ على مزار الطفولة ، وملاعب الصبا . تجاوزت قلقي وأنا أحتضن بقايا الجمر على رأس النارجيلة ، ولا أشعر بلسعاتها .
                  سرحت في البعيد، وبين صحوة الحلم وغفوة العين ، سرقني ماض قريب إلى شوارع واسعة ، وبيوت أنيقة ، حيث التقيت ضالتي للمرّة الأولى .
                  ما زلت أذكر لقائي الأول بشكرية ، كيف انحنيت لألمس بتردد ذلك الندى المضرج بحمرة خفيفة ، تسحب الروح مع تأوهات يصدرها النسيم العابر بطراوتها . أذكر كيف سرّحت بصري في انثناء العود الملتف بخجل على قامتها المعتدلة . وكم استجديت صديقتي القديمة التي تنازلت عنها بعد تردد ، ونظرات الحسد من صديقاتي اللواتي أذهلهن منظرها حين زرنني بعد عودتي من السفر .
                  نظرة واحدة كانت تنفث حقدها سموما وهي تتطلع إلى شكرية بحسد لا يوصف ، نظرة أم محمود . يومها بخّرتها ، ورششت المكان ، وكسرت جرّة وراء جارتي الجديدة التي تثقب عينها رأس الجمل .
                  لم أنم تلك الليلة حتى اطمأننت على شكرية ، تنهدت في الصباح عندما رأيتها سليمة لم تصب بأذى . بسملت حولها ، وجلست أشرب نارجيلتي بارتياح .
                  كان الخريف يدق الباب بعنف ، ورياح تشرين تتسلق الفتحات والشقوق ، تهاجم الشرفة بضراوة هازّة الأبواب الضعيفة لقلبي . كنت أعرف أنّ الجو في هذه المنطقة الباردة لا يناسب شكرية التي اعتادت دفء البحر والطقوس المدارية ، لكني تحايلت على الطقس بمزيد من الحطب والحرص على إغلاق النوافذ وأبواب الشرفة ، كي لا يتسرب الصقيع ليلا في غفلة مني إلى الجسد الطري فيقتله .
                  مرّ الشتاء ، وحمل الربيع إليّ تنهيدة الراحة ، لم أعد أهتم للنوافذ ، وسمحت لها بالتربع على الشرفة ، لكنّ أعين الجارات الحاسدة بقيت تنظر إلى تلك الغريبة الرائعة الجمال بحسد لا يوصف ، كانت أم محمود تتكئ على سور شرفتها العاري ، وتمدّ جسدها إلى الأمام دافعة بصدرها الضخم أمامها في حركة استفزازية ، وهي تصفر بإعجاب ، وتتساءل عن الطريقة التي جعلت شكرية تبدو بهذا الجمال والتألق بعد شتاء قارص . وسألتني وهي تغمز بعينها :
                  ـ صحيح ، لماذا أسميتها شكرية ؟ إنه اسم قديم وبشع .
                  ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                  jesus loves me

                  Comment


                  • #10
                    دمعت عينيّ خلسة حين تذكرت شكرية خانم بجمالها اللافت للنظر ، وحديثها ، ومرحها ، كانت روحا جديدة ، لم تلبث البلدة بعد رحيلها أن شعرت بالموت يغزو صدور بناتها ، فأغلقت الأبواب ، وأسدل حجاب العتمة والجهل من جديد .
                    بعد تراخي قبضة المشنقة عن عنقي بموت أبي وأمي ورحيل أخوتي إلى العاصمة ، قررت أن أجد تسلية لحياتي المقفرة من الأولاد والزوج ، فشرّعت النوافذ وكدّست الأحبة على سور الشرفة . كانت النسوة يتزاحمن في المساء الصيفي الرطب أمام أزهاري ، يدخن النارجيلة ، ويتجاذبن الأخبار ، ويستمتعن بغروب مختلف تكتسحه روائح الفل والياسمين وعطر الليل* الذي يخز صدر أم محمود المصابة بالربو فلا تستطيع احتمال رائحته فتنسحب قبل نهاية السهرة .

                    كنت دائما أخشى نظرة أم محمود ، الجارات يتهامسن :
                    ـ لقد نظرت إلى شجرة كرز باسقة فأصبحت رمادا بين ساعة وأخرى .
                    استيقظت هذا الصباح على يد من أثير تهزني بعنف ، اتجهت إلى الشرفة بحركة آلية ، شيء ما ناداني ، فوقع القلب بين قدميّ ، هي ، شكرية ... كانت منطرحة على الأرض ، وقد شحب لونها ، تطلعتُ إلى التربة ، لونٌ أسود ممزوج بقطرات حمراء صبغت البلاط الأبيض ، صرخت ، تتالت صرخاتي . الجارات اجتمعن ، إحداهن همست :
                    ـ هي أم محمود ، لا أحد يجرؤ على فعل ذلك غيرها ، نظرتها لا يقف عليها طبيب .
                    صرخت :
                    ـ بل قتلتها ، لقد قتلت حلمي ، لكن لا ، شكرية خانم لن تموت
                    نظرات الجارات أفصحت عن عدم فهم ، وتعاطف ، وتساؤل قلق ، ( هل جُننت ؟ ) .
                    لم يكن المحامي ـ الذي درس في فرنسا ـ يعتقد ذلك وهو يشرح للقاضي الأسباب التي جعلت موكلته تقيم الدعوى على جارتها ـ التي تصيب بالعين ـ لأنه وهو المثقف الذي لا يؤمن بالغيبيات رأى بأم عينه، كيف اختلّ اللون الأخضر لشكرية ، فتهاوت عن عرشها في الشرفة ويبست خلال ساعات وكأنّها لم تكن .
                    فاجأني القاضي بحكم لصالحي ، صرخة النصر تدوي في القاعة ، والجارات يحملنني على الأكتاف .


                    * * *
                    القيظ الذي سحب ماء الجسد ففار بالعطش، وتشقق اللسان ،جعلني أطلب جرعة الماء ، وأفتح عينيّ على منظر لن أنساه أبدا . كانت الزهور على شرفتي تحني هاماتها باتجاه الأرض ، والحرائق امتدت إلى الأخضر فتكرمش الورق بشكل أدمى قلبي ، لم تفلح قطرات الماء التي امتصتها التربة بشراهة في استعادة أحبائي ،
                    بقي سلطان الزهور محني الرأس ، تنفث أوراقه رائحة كريهة لاحتجاج صامت ، وزهر الجميل باهت اللون والحضور ، وأصيص شكرية الفارغ ينز سواده ارتعاشا لذكرى الخضرة البهية.
                    والشمس الحارقة تضحك بشماتة وسط سماء لا زرقة فيها .
                    ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                    jesus loves me

                    Comment


                    • #11
                      يعطيك العافية يا حلوة





                      السعادة الحقيقية تكون في قلبك
                      لا تبحث عنها خارجا
                      \/
                      \ /
                      \ /





                      Comment


                      • #12
                        حصاد العمر


                        احتضن سماعة الهاتف بدموعه .. هاجمته طفولة في الصوت لم تلامس أذنه ، كانت مقيمة هناك تحت جلده ، تنسم رائحة فل وحبق ، ورآه يركض في البرية القريبة حاملا قطا بريا قذرا ، وآثار دماء على كفيه ، ناداه بلهفة وفزع ،
                        ردّ عليه الصوت المحايد من سماعة الهاتف :
                        ـ لم تقل لي يا حاج كم نمرة قدمك ؟
                        الصوت المحايد يهمس بالطلب للمرة المئة ، للمرة الألف ، لم يعد يدري كم من المرات سمع هذا السؤال ، ربما منذ ثلاثين سنة يتكرر على مسمعه ، تطلع إلى قدميه ، حدّق مليا : يا لك من عجوز تقف عند حدود الأمس ولا تتطور ، ما زالت قدمك تحافظ على نفس النمرة . !!!
                        في كلّ مكالمة يسأله ذلك الصوت الذي لا ينتمي إلى حواسه نفس السؤال ، وفي كل مرة يردد نفس الإجابة المصحوبة بتنهيدة الزمن المر : لو أنها تتغير !!
                        عبرت الحرقة مشاعره الهرمة ، سالت الدموع مغطية لحيته البيضاء ، انتزعت ابنته السماعة من يده ، بلهفة سألته عن الزوجة التي لا تعرف إلى الآن ملامحها ، عن الأولاد ، عن .. وتوقف صوتها منصتا لتذمره ، كان صوته المحايد يسأل :
                        ـ أما زالت الطرقات عندنا مليئة بالحفر ؟ ، والماء من أين تحصلون عليه ؟ ، أيوجد عندكم سخان ؟ أما زلتم تقفون في الطابور لشراء الخبز ؟ أم أمك ما زالت تقف أمام التنور ؟ أنا قلق ، زوجتي تريد زيارة البلد ، و أخشى أن ...
                        كالعادة أسقط في يدها ، ماذا تقول ؟ كيف تفصّل مدينة جميلة على مقاس الزوجة الأسبانية المثقفة وزوجها الطبيب الذي لم يعد يذكر الخن والدجاج ، والبراري ، وخبز التنور ، والسير حافيا في الأزقة الموحلة ، ومطاردة الأرانب ، وجز الحشائش لتصنع أمه منها وجبة غداء ..!
                        أمه المقعدة بقيت في كرسيها بعيدا ، ترفض تناول السماعة والدموع تبلل صفحات القرآن في حضنها ، الصوت المحايد يهمس لأخته
                        ـ لا بأس اتركيها على راحتها .
                        يحضن سبحته وينزوي مع ذكرياته أمام الباب المتداعي ، يراه منحدرا من رأس الزقاق ، نفس الخطى المتعثرة الفرحة ، نفس الانطلاقة ، يلوّح بيده حاملا شيئا ما .. كان دائما يفرح بالأشياء البسيطة ، يرميها في حجر والده بفخر ، ويباهي رفاقه بها ، عشبة غريبة ، حطب يجمعه من البرية ، تنك فارغ ، وسحالي ، وسلحفاة غضة ! مازال وجهه ينضح بالعرق ، ولهاثه يعلو في الذاكرة ..
                        في المدرسة كان يباهي بأنّه الأوّل دائما رغم هزاله ! في الجامعة كان لا يراه إلا ليطلب المصاريف التي تؤمنها أخته المنكفئة على ماكينة الخياطة .. و ...!!
                        يقف أمامه فرحا ، يرفع إليه عينين ضعيفتي النظر ، يحاول تذكر ملامحه ، يبسم موزع البريد وهو يلوّح بما في يده :
                        ـ طرد لك يا حاج من بلاد الأجانب ، إنه من الغائب .
                        تسقط السبحة ، تنهض قامته المنحنية ، تشتدّ بفرحها ، يتناول الطرد بيد ٍ مرتعشة ، يهمس تلك الكلمات التي كررها الصوت المحايد في الهاتف : حذاء إيطالي ، جلد طبيعي ، مئة بالمئة ، مئة بالمئة ..! دخل البيت ، أخرج الهدية الغالية الثمن ، تساقط فرحه على رؤوس من في البيت ، تهلل وجه ابنته ، توقفت يد الحاجة عن عد حبات السبحة والأيام المنقضية ، جلد دافئ ناعم لونه بلون طين القرية ، بلون الشتاء البارد ، هذه المرة لم ينس النمرة .. لم ينس النمرة ..
                        وضع فردتي الحذاء أرضا ، كلاهما كانت للقدم اليسرى !
                        1/ 2 / 2003
                        ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                        jesus loves me

                        Comment


                        • #13
                          Originally posted by MIRA View Post
                          يعطيك العافية يا حلوة
                          ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                          jesus loves me

                          Comment


                          • #14
                            عن جد قصة معبرة
                            منين بتجيبيهن





                            السعادة الحقيقية تكون في قلبك
                            لا تبحث عنها خارجا
                            \/
                            \ /
                            \ /





                            Comment


                            • #15
                              لك يسلمو هالادين سرسورة

                              بس بدك مين يلاقي وقت ليقرا

                              ثانك يو
                              يـا نـبـع الـمـحـبـة وحـدك سـاكـن قـلبـي، لا تتخـلـى عنا عينـك ع وطـنـا بالايـام الـصـعـبـي

                              وينك يا يسـوع وطـنا موجوع، وطنا ياربـي نسيتو المحبة ويانبع المحبة وحدك ساكـن قلبـي

                              Comment


                              • #16
                                نورا الفجر
                                أنّت المساءات الموجعة في لحم ذاكرتي ، تجاوب مع أنينها قلبي ، تمطّت في حر آب اللاهب ، نفثت وجعها بخارا ساخنا في عروقي ...
                                أنظر إلى وجهي !
                                تهتز المرآة ، تسيل دموعها ، باردة تغسل سطحها الأملس ...
                                تسيل دموعي حارّة تغسل قلبي الصدئ ..
                                أتحسس أسفل العين بأناملي المتيبسة ... آه يا نورا ...(( آه يا نورا ، يا طلعة الفجر وحضورا )) وتمتدّ يد جدتي من عتمة الأمس البعيد ، تلمس بحنانها ودمعها خشب السرير ، تضغط سنديانه بقوة ، تهزه بقلق ، ينخفض صوتها تدريجيا في محاولة لجعلي أنام ،
                                آه يا نورا .. ويتلاشى في محاولة لخنق الدمع ..
                                تختلس يدها في سرعة عجيبة لمسة أسفل العين لتمسح الدمع المتراكم هناك في حفرة بنية اللون !
                                تترك السرير ، تسرح نظرتها بعيدا عبر النافذة ، مخترقة السهول ، تتنهد ، تزفر الحسرة ..
                                فأشدّ يدها العجفاء بعناد ، تعود لتهز السرير ، وتهمس بأغنيتها .. آه يا نورا ... كم تشبهين الفجر في حضوره ! وكم ! ..
                                وتغصّ بدمعها .. صوتها تبتلعه الدموع ، ويدها على بطنها . لم أكن أعرف وقتها لماذا كانت جدتي تبكي كلّما غنّت لي ، وكلما سرحت ببصرها عبر النافذة مختصرة السهول والغابات ، وهي تلمس السنديان بقوة ، وتقبض على بطنها متوجعة .. آه يا نورا
                                في طفولتي البعيدة تلك ، كنت أجلس بجانبها أمام الباب الخارجي في فسحة أمام الدار تحت فيء البيلسان ، تقبض على يدي الصغيرة وتدمع عينها ، تغبّ نفسا عميقا من سيجارتها اللف ، وتتنهد : آه يا نورا
                                المرآة الملساء تريني فسحة الدار الخلفية ، زوجي هناك يستلقي على خوان عتيق ، يتدثر ببطانية ، ويرقب أصص الزرع والدجاجات ! أحدّق في الخضرة الطافية في ماء العين ! كنت في الرابعة عشرة حين سمعت أول عبارة غزل فيهما ، وكانت الأخيرة !
                                تسمّر لحظة ، وقعت الناي من يده ، وشهق : يا إلهي حديقة زهور في عينيها !
                                قدماه مضت باتجاه الضيعة ، قدماي مشتا باتجاه الضياع .. اهتزّ شيء في أطرافي ، برد تخلل فيها ، نظرتي ذبلت ، وأصبت بالذهول ..
                                كانت جدتي تقف بقامتها القصيرة النحيلة ، وتقول :
                                ـ ابقي جالسة يا نورا .. الفجر لا ينهض من نومه إلا حين تدغدغه الشمس بدفئها ، وتتأوه .. تنحسر ابتسامتها عن أسنان متهالكة ، وتعيد نظرتها إلى الأفق .
                                جدتي في ذلك الزمان المغرق في عتمته كانت تعي نهوض جسدي من ترابه ، وتفهم ذهول نظراتي ، حتى أنها حدثتني ذات مساء :
                                ـ نورا ، سمعت بحكاية عمتك ؟
                                لم يكن أحد في بيتنا يذكر أنّ لي عمة .. أعرف أنّ جدتي لم تنجب غير الذكور ، وأنّ جدي رحمه الله تركها في عز صباها وذهب إلى الحرب ولم يعد ، وسافر أعمامي واحدا تلو الآخر ، وجدتي صامتة لا تتحدث عن أولادها ، لكنها في ذلك المساء الربيعي كسرت حاجز صمتها ، وتجاوزته إلى قلبي بسؤالها ، ارتعش الفضول في داخلي ، مجرد وجود عمة هذا يعني مأساة كبيرة في قلب جدتي التي همست :
                                ـ عمتك ، كانت تشبه الفجر بجماله ، بقامتها الطويلة وخضرة عينيها ، وتلك البشرة البيضاء التي تشفّ كبلور صاف . تطلعت ِ إلى وجهك في المرآة ؟ كانت تشبهك يا نورا .. ذات مطر ، كانت هناك في الحقول ، شدّها تفتح الأقحوان في شعرها ، وهمسات شقائق النعمان في شفتيها ، ذات أفق لازوردي ندهت الأرضُ قدميها ، فسارت إليها دون وعي ، سحبتها الغيمة من يدها ، وجرها النهر إلى مصبه .. كانت تعشق السباحة ضدّ التيار ، ذات دفء بكت على صدري ، نشجت بقوة ، ثم اقتلعتها قدماها من حضني إلى الأبد !
                                لم تكن حكاية جدتي تلك سوى ناقوس الخطر ، حاولت تجاهل شهقته ، صممت أذني عن نغمات نايه ، أغلقت نافذتي وبابي ، حاولت إغلاق القلب لكنه انفجر هازئا بي ، وسال نبضه على صدري ..
                                المرآة تبحث في أصابعي عن بقايا ليونة من عهد الشباب ، المشط يجمد في يدي ، أتطلع إلى زهرات الأقحوان في شعري ، أنزعها ، لمن يا نورا ؟ تمتد نظراتي إلى حيث تفتحت شقائق النعمان يوما ! .. في القلب يهتز أفق شاحب ، يناديني مصحوبا بنغمات ناي حزين ، تبسم جدتي (( آه يا نورا ، يا طلعة الفجر وحضورا )) .
                                منذ صغري عرفت بهذا الاسم ، نورا الفجر ، حتى أنهم سجلوه في وثيقة زواجي متناسين اسمي الأصلي ، كفاية ، فقد اكتفت أمي بي من نسل البنات ولم تخلف غيري أنثى ! لكنّ جدتي كانت ترى في ّ عمتي التي فرت ذات حب ، ولم تعد تعرف عنها شيئا . كانت تهدهدني بأغنيتها الحزينة التي جمعت كلماتها من أنين القلب ، وأرضعتني إياها صغيرة ومن أجل جدتي ، والمساءات الدافئة ، وشجرة البيلسان الصغيرة لم أستطع قول ( لا ) حين قالوا : (( ابن عمك عرق عينك هو أحقّ بك من الغريب )) القلب نزف ساعتها بشدّة ، القلب أغمي عليه ، لكنه حين أفاق وجد الجسد طريح فراش غريب ، يحتله رجل لا يمتّ إلى الروح بصلة .
                                ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                                jesus loves me

                                Comment


                                • #17
                                  واعتاد الجسد ، التقلبات المقززة ، الرائحة المنفرة ، اعتاد تغيراته وتقلباته مع كل حمل وإرضاع ودخول الفراش .. لكنّ القلب بقي على رفضه ، .. جامدا عند حدود الدمع والناي الحزين تنسكب نغماته شلال فل وحبق في المساء الدافئ ..
                                  المرآة تشاكسني .. ، فأحسّ بالكآبة والغضب ، أسحب شعري إلى أعلى لأربطه ككل يوم ، شعيراته البيضاء توجع قلبي ، وقبل أن تمتد يدي إلى غطائه الملون ، اتركه ينسدل مرة أخرى على كتفي ، تجوس أصابعي في عتمته ، ها هو الفجر يجتازه بخيوطه البيضاء ..آه يا نورا ، لم تعودي كالفجر في حضوره ، لا .. الشيب غزا القلب قبل شعرك ، الصبح بات قريبا ، العين كبت خضرتها ، وها هي الهالة البنية أسفل العين تذكرك بجدتك ، تنسلين من أفق المرآة بأكبر قدر من الهزائم ، تجلسين وضربات القلب تصل أذنيك عنيفة .. تبلل الدموع عروق اليدين ، هنا حيث قبلته .. كان عبد الله أحبهم إلى قلبي ، نعم أحبهم ، شدّ يدي حين ودعني :
                                  ـ لا تبكي يا أماه ، لن أتأخر عليك
                                  وهنا وضع شفتيه الحارتين ، على كفي .. ومضى ..
                                  أصغرهم مضى إلى الخليج ، قالوا له ، تستطيع أن تدفع بدلا ولا تخدم في الجيش ! وأكبرهم قال : ( لن أتأخر يا أمي ، أربع سنوات أختص وأعود إليك طبيبا تفخرين به ) سرقته الغربة ولم يعد ، كم مر من الزمن يا محمود ؟ ! وأوسطهم قال لي : زوجتي يا أمي لا يناسبها سكن الريف وأنا مضطر ، هل تريدين إحراجي أمام أهلها ؟
                                  لا ، لم أكن لأحرجك يا ماء العين ..
                                  هاهم يا نورا ذكورك الثلاثة تركوك ومضوا ، سحبتهم الحياة من حضنك بقسوة ، ها هم نسل هؤلاء الذين وضعوا متراسهم في وجهك وأطلقوا على طائرك فأردوه قتيلا ! لم يشعروا بحزنك ووحدتك ! .
                                  المرآة لا تكف تقول لي : انظري جيدا يا نورا ، حدقي في ذاك الفل الذي تضوع من جنبيك حتى ذبل ، حدّقي في ياسمينك الذي تراكم على شرفات الروح ، حتى يبس ، حدّقي ، الريح تنثره في بيدر بعيد ، حدّقي جيدا يا نورا ..
                                  ألمس بطني المتوجعة بأصابع معوقة يابسة ، آه يا جدتي ! كنت تخترقين السهول بنظراتك بحثا عن غائب لن يرجع ، ونظرتي لا تتجاوز سطح المرآة الأملس . الغائب حاضر في الوجدان ، الغائب ما زال يسكب شهقاته حدائق فل من ناي حزين .. النغمة تهزّ جسدي ، النغمة تسبح بالروح بعيدا ، الأطراف المثلجة تخذلني ، القلب الراعش يرسل دمه إلى وجهي فيصطبغ بالحمرة القانية .. آه يا نورا
                                  يناديني زوجي المستلقي على خوانه الخشبي ، متقوقعا حول عجزه ، أسير بآلية ٍ كئيبة إليه ، ينظر في وجهي تلك النظرة الغامضة المتسائلة ! نظرته تلك تهز كياني ، تزعزع روحي ، تكاد الدموع تنفر من عيني ، لكني أسنده كعادتي ، أتجاوز به فسحة الدار ، أعاونه على الاستلقاء في سريره ، أدثره .. وتمضي قدماي باتجاه المرآة .. لماذا يا نورا ؟
                                  أكان هذا المساء يشبه آخر في حياتك ؟
                                  نعم كان ذات مساء يقف بحزن نايه عند حدود قلبي ، يطرقه بشهقة بيضاء فيغمى علي ، وكنت أغوص في الحناء ، يداي مربوطتان ، كلانا اختلس نظرة ، كلانا تراجع خائفا ..
                                  كلانا سارت قدماه باتجاه قدره ! مساء يشبه هذا ، دخلت هذه الغرفة مخفورة بالألم والاضطراب ، مساء يشبه هذا وقفت أمام المرآة للمرة الأولى ، سطحها الأملس كان متوهجا .
                                  أمد يدي ، المرآة تسيل دموعها الصدئة ، ترسم خطوطا ، طويلة ، بقعا بنية ، تشققات غريبة ، كم مر من الزمن ! ؟ لعلها عشرون ، لا ، بل سبع ٌوعشرون مرت كأنها سحابة صيف ، مسرعة الخطى ورمتني في حضن الوحدة ..
                                  كبر الصغار ورحلوا ، تركوا لي الفراغ والخواء ، والوحدة ، وزوج ، كان رجلا حين وقف صارخا :
                                  ـ سأقف في طريقها ، والرجل يتقدم .
                                  أمام سلاح القبلية تهاوى الرجال ، أمام سلاح الحيار ، تراجع كل ٌ إلى خنه وبقيت ذبيحة بين الأقدام ، الشهوة في العيون ، الجوع في الأمعاء ،
                                  والوجبة حارة طازجة .. ! خارت الضحية أرضا ، تضرجت بدمائها .. وخرج القاتل مزهوا بنصره ! السنوات تمضي ، وأنا أذوي في قفص ضيق تطبق قضبانه على قلبي ، تعصره ، فينزف صديدا أسودا ..
                                  عشرون مرت منذ أتوا به محمولا ، خلعت الريح الباردة أوتاد قلبي ، ابتسم نيسان ساخرا ، أسقط برده في عظامي ، مددت يدين عاجزتين لأحضن كتفي ، لا ، البرد هناك ، حيث وطء الخريف أشجاري قبل الأوان ، البرد هناك حيث الفراش الخاوي والغرف المغلقة !
                                  تحرك قلبي من جموده ، خفق مذكرا بالحياة ، تسارعت دقاته ... ثم انتظمت ، الحقيقة كانت دائما مرة ، الوهم سكن تحت جلدي ، حاولت طرد تلك الحقائق التي يفاجئني بها زمني ، أولاد يرحلون وزوج عاجز نزق ، ونظرات متسائلة ! آه يا قلبي ها أنت تدخل الجحيم الحقيقي ، صراخ وشتائم ، صراخ ودعاء ، صمت ، ونظرة غامضة تحمل في طياتها شك وريبة !هاهي عشرون مرت ولم يتعب ، عشرون مرت وصراخه بات شرنقة تنسج خيوطها العنكبوتية حول روحي .
                                  عشرون مرت ، أدور في مجرتي ، متعبة تائهة ، وأنت أيها الجسد متى ستخرج من مستنقع الركود ؟ وأنت أيتها الروح متى تمزقين شرنقتك ؟
                                  المرآة الصدئة تقول : مدي أصابعك ، انزعي الحناء المقيت ، وانظري تحت العروق الزرقاء .
                                  أحدق جيدا .. أصابعي مثلجة .. روحي تشتعل .. وجهي ! الحناء ! الدماء ..
                                  أرمي المشط .. أترك شعري للريح الثقيلة في هذا المساء الحار ...
                                  قدماي تقوداني ، تمشيان إلى حيث ترك الناي يرتعش وهو يلامس الأرض الباردة ..
                                  تشدني النغمات من أذني إلى حيث غاصت عيناه في خضرة عيني ، وشهق تاركا نايه يتحطم عند قدمي .
                                  ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                                  jesus loves me

                                  Comment


                                  • #18
                                    Originally posted by MIRA View Post
                                    عن جد قصة معبرة
                                    منين بتجيبيهن
                                    الكتابة اسلوبها كتير بيلامس الروح....كتير بسيط و حلو.....
                                    شكرا لمتابعتك ميرا

                                    Originally posted by MAJD View Post
                                    لك يسلمو هالادين سرسورة

                                    بس بدك مين يلاقي وقت ليقرا

                                    ثانك يو
                                    هلا يا هلا....شدلنا همتك ولاقي شوية وقت....عنجد بيستاهلو....
                                    شكرا لمرورك
                                    ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                                    jesus loves me

                                    Comment


                                    • #19
                                      يعطيكي العافية سرسوووووورة
                                      miss you all

                                      Comment


                                      • #20
                                        Originally posted by rolla View Post
                                        يعطيكي العافية سرسوووووورة
                                        ويعافيكي ام الرور الغالية....
                                        ربوعُ الشّـآمِ بـروجُ العَـلا ... تُحاكي السّـماءَ بعـالي السَّـنا
                                        jesus loves me

                                        Comment

                                        Working...
                                        X