• If this is your first visit, be sure to check out the FAQ by clicking the link above. You may have to register before you can post: click the register link above to proceed. To start viewing messages, select the forum that you want to visit from the selection below.

Announcement

Collapse

قوانين المنتدى " التعديل الاخير 17/03/2018 "

فيكم تضلو على تواصل معنا عن طريق اللينك: www.ch-g.org

قواعد المنتدى:
التسجيل في هذا المنتدى مجاني , نحن نصر على إلتزامك بالقواعد والسياسات المفصلة أدناه.
إن مشرفي وإداريي منتدى الشباب المسيحي - سوريا بالرغم من محاولتهم منع جميع المشاركات المخالفة ، فإنه ليس بوسعهم استعراض جميع المشاركات.
وجميع المواضيع تعبر عن وجهة نظر كاتبها ولا يتحمل أي من إدارة منتدى الشباب المسيحي - سوريا أي مسؤولية عن مضامين المشاركات.
عند التسجيل بالمنتدى فإنك بحكم الموافق على عدم نشر أي مشاركة تخالف قوانين المنتدى فإن هذه القوانين وضعت لراحتكم ولصالح المنتدى، فمالكي منتدى الشباب المسيحي - سوريا لديهم حق حذف ، أو مسح ، أو تعديل ، أو إغلاق أي موضوع لأي سبب يرونه، وليسوا ملزمين بإعلانه على العام فلا يحق لك الملاحقة القانونية أو المسائلة القضائية.


المواضيع:
- تجنب استخدام حجم خط كبير (أكبر من 4) او صغير (أصغر من 2) او اختيار نوع خط رديء (سيء للقراءة).
- يمنع وضع عدد كبير من المواضيع بنفس القسم بفترة زمنية قصيرة.
- التأكد من ان الموضوع غير موجود مسبقا قبل اعتماده بالقسم و هالشي عن طريق محرك بحث المنتدى او عن طريق محرك بحث Google الخاص بالمنتدى والموجود بأسفل كل صفحة و التأكد من القسم المناسب للموضوع.
- إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع و ذكر المصدر بنهاية الموضوع.
- مو المهم وضع 100 موضوع باليوم و انما المهم اعتماد مواضيع ذات قيمة و تجذب بقية الاعضاء و الابتعاد عن مواضيع العاب العد متل "اللي بيوصل للرقم 10 بياخد بوسة" لأنو مخالفة و رح تنحزف.
- ممنوع وضع الاعلانات التجارية من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- ممنوع وضع روابط دعائية لمواقع تانية كمان من دون موافقة الادارة "خارج قسم الاعلانات".
- لما بتشوفو موضوع بغير قسمو او فيو شي مو منيح او شي مو طبيعي , لا تردو عالموضوع او تحاورو صاحب الموضوع او تقتبسو شي من الموضوع لأنو رح يتعدل او ينحزف و انما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.
- لما بتشوفو موضوع بقسم الشكاوي و الاقتراحات لا تردو على الموضوع الا اذا كنتو واثقين من انكم بتعرفو الحل "اذا كان الموضوع عبارة عن استفسار" , اما اذا كان الموضوع "شكوى" مافي داعي تردو لأنو ممكن تعبرو عن وجهة نظركم اللي ممكن تكون مختلفة عن توجه المنتدى مشان هيك نحن منرد.
- ممنوع وضع برامج الاختراق او المساعدة بعمليات السرقة وبشكل عام الـ "Hacking Programs".
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات مخالفة للكتاب المقدس " الانجيل " وبمعنى تاني مخالفة للايمان المسيحي.
- ممنوع طرح مواضيع او مشاركات تمس الطوائف المسيحية بأي شكل من الاشكال "مدح او ذم" والابتعاد بشكل كامل عن فتح اي نقاش يحمل صبغة طائفية.
- ضمن منتدى " تعرفون الحق و الحق يحرركم " بالامكان طرح الاسئلة بصيغة السؤال والجواب فقط ويمنع فتح باب النقاش والحوار بما يؤدي لمهاترات وافتراض اجوبة مسبقة.


عناوين المواضيع:
- عنوان الموضوع لازم يعبر عن محتوى الموضوع و يفي بالمحتوى و ما لازم يكون متل هيك "الكل يفوت , تعوا بسرعة , جديد جديد , صور حلوة , الخ ....".
- لازم العنوان يكون مكتوب بطريقة واضحة بدون اي اضافات او حركات متل "(((((((((العنوان)))))))))))) , $$$$$$$$$ العنوان $$$$$$$$$".
- عنوان الموضوع ما لازم يحتوي على اي مدات متل "الــعــنـــوان" و انما لازم يكون هيك "العنوان".


المشاركات:
- ممنوع تغيير مسار الموضوع لما بكون موضوع جدي من نقاش او حوار.
- ممنوع فتح احاديث جانبية ضمن المواضيع وانما هالشي بتم عالبرايفت او بالدردشة.
- ممنوع استخدام الفاظ سوقية من سب او شتم او تجريح او اي الفاظ خارجة عن الزوق العام.
- ممنوع المساس بالرموز و الشخصيات الدينية او السياسية او العقائدية.
- استخدام زر "thanks" باسفل الموضوع اذا كنتو بدكم تكتبو بالمشاركة كلمة شكر فقط.
- لما بتشوفو مشاركة سيئة او مكررة او مو بمحلها او فيا شي مو منيح , لا تردو عليها او تحاورو صاحب المشاركة او تقتبسو من المشاركة لأنو رح تنحزف او تتعدل , وانما كبسو على "التقرير بمشاركة سيئة" و نحن منتصرف.


العضوية:
- ممنوع استخدام اكتر من عضوية "ممنوع التسجيل بأكتر من اسم".
- ممنوع اضافة حركات او رموز لاسم العضوية متل " # , $ , () " و انما يجب استخدام حروف اللغة الانكليزية فقط.
- ممنوع اضافة المدات لاسم العضوية "الـعـضـويـة" و انما لازم تكون بهل شكل "العضوية".
- ممنوع استخدام اسماء عضويات تحتوي على الفاظ سوقية او الفاظ بزيئة.
- ممنوع وضع صورة رمزية او صورة ملف شخصي او صور الالبوم خادشة للحياء او الزوق العام.
- التواقيع لازم تكون باللغة العربية او الانكليزية حصرا و يمنع وضع اي عبارة بلغة اخرى.
- ما لازم يحتوي التوقيع على خطوط كتيرة او فواصل او المبالغة بحجم خط التوقيع و السمايليات او المبالغة بمقدار الانتقال الشاقولي في التوقيع "يعني عدم ترك سطور فاضية بالتوقيع و عدم تجاوز 5 سطور بحجم خط 3".
- ما لازم يحتوي التوقيع على لينكات "روابط " دعائية , او لمواقع تانية او لينك لصورة او موضوع بمنتدى اخر او ايميل او اي نوع من اللينكات , ما عدا لينكات مواضيع المنتدى.
- تعبئة كامل حقول الملف الشخصي و هالشي بساعد بقية الاعضاء على معرفة بعض اكتر و التقرب من بعض اكتر "ما لم يكن هناك سبب وجيه لمنع ذلك".
- فيكم تطلبو تغيير اسم العضوية لمرة واحدة فقط وبعد ستة اشهر على تسجيلكم بالمنتدى , او يكون صار عندكم 1000 مشاركة , ومن شروط تغيير الاسم انو ما يكون مخالف لشروط التسجيل "قوانين المنتدى" و انو الاسم الجديد ما يكون مأخود من قبل عضو تاني , و انو تحطو بتوقيعكم لمدة اسبوع على الاقل "فلان سابقا".
- يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.


الرسائل الخاصة:
الرسائل الخاصة مراقبة مع احترام خصوصيتا وذلك بعدم نشرها على العام في حال وصلكم رسالة خاصة سيئة فيكم تكبسو على زر "تقرير برسالة خاصة" ولا يتم طرح الشكوى عالعام "متل انو توصلكم رسالة خاصة تحتوي على روابط دعائية لمنتجات او مواقع او منتديات او بتحتوي على الفاظ نابية من سب او شتم او تجريح".
لما بتوصلكم رسائل خاصة مزعجة و انما ما فيها لا سب ولا شتم ولا تجريح ولا روابط دعائية و انما عم يدايقكم شي عضو من كترة رسائلو الخاصة فيكم تحطو العضو على قائمة التجاهل و هيك ما بتوصل اي رسالة خاصة من هالعضو.
و تزكرو انو الهدف من الرسائل الخاصة هو تسهيل عملية التواصل بين الاعضاء.


السياسة:
عدم التطرق إلى سياسة الدولة الخارجية أو الداخلية أو حتى المساس بسياسات الدول الصديقة فالموقع لا يمت للسياسة بصلة ويرجى التفرقة بين سياسات الدول وسياسات الأفراد والمجتمعات وعدم التجريح أو المساس بها فالمنتدى ليس حكر على فئة معينة بل يستقبل فئات عدة.
عدم اعتماد مواضيع أو مشاركات تهدف لزعزعة سياسة الجمهورية العربية السورية أو تحاول أن تضعف الشعور القومي أو تنتقص من هيبة الدولة ومكانتها أو أن يساهم بشكل مباشر أو غير مباشر بزعزعة الأمن والاستقرار في الجمهورية العربية السورية فيحق للادارة حذف الموضوع مع ايقاف عضوية صاحب الموضوع.


المخالفات:
بسبب تنوع المخالفات و عدم امكانية حصر هالمخالفات بجدول محدد , منتبع اسلوب مخالفات بما يراه المشرف مناسب من عدد نقط و مدة المخالفة بيتراوح عدد النقط بين 1-100 نقطة , لما توصلو لل 100 بتم الحظر الاوتوماتيكي للعضو ممكن تاخدو تنبيه بـ 5 نقط مثلا على شي مخالفة , و ممكن تاخد 25 نقطة على نفس المخالفة و ممكن يوصلو لل 50 نقطة كمان و هالشي بيرجع لعدد تكرارك للمخالفة او غير مخالفة خلال فترة زمنية قصيرة.
عند تلقيك مخالفة بيظهر تحت عدد المشاركات خانة جديدة " المخالفات :" و بيوصلك رسالة خاصة عن سبب المخالفة و عدد النقط و المدة طبعا هالشي بيظهر عندكم فقط.


الهدف:
- أسرة شبابية سورية وعربية مسيحية ملؤها المحبة.
- توعية وتثقيف الشباب المسيحي.
- مناقشة مشاكل وهموم وأفكار شبابنا السوري العربي المسيحي.
- نشر التعاليم المسيحية الصحيحة وعدم الإنحياز بشكل مذهبي نحو طائفة معينة بغية النقد السيء فقط.
في بعض الأحيان كان من الممكن أن ينحني عن مسار أهدافه ليكون مشابه لغيره من المنتديات فكان العمل على عدم جعله منتدى ديني متخصص كحوار بين الطوائف , فنتيجة التجربة وعلى عدة مواقع تبين وبالشكل الأكبر عدم المنفعة المرجوة بهذا الفكر والمنحى , نعم قد نشير ونوضح لكن بغية ورغبة الفائدة لنا جميعا وبتعاون الجميع وليس بغية بدء محاورات كانت تنتهي دوما بالتجريح ومن الطرفين فضبط النفس صعب بهذه المواقف.



رح نكتب شوية ملاحظات عامة يا ريت الكل يتقيد فيها:
• ابحث عن المنتدى المناسب لك و تصفح أقسامه ومواضيعه جيداً واستوعب مضمونه وهدفه قبل ان تبادر بالمشاركة به , فهناك الكثير من المنتديات غير اللائقة على الإنترنت .وهناك منتديات متخصصة بمجالات معينة قد لا تناسبك وهناك منتديات خاصة بأناس محددين.
• إقرأ شروط التسجيل والمشاركة في المنتدى قبل التسجيل به واستوعبها جيدأ واحترمها و اتبعها حتى لا تخل بها فتقع في مشاكل مع الأعضاء ومشرفي المنتديات.
• اختر اسم مستعار يليق بك وبصفاتك الشخصية ويحمل معاني إيجابية ، وابتعد عن الأسماء السيئة والمفردات البذيئة ، فأنت في المنتدى تمثل نفسك وأخلاقك وثقافتك وبلدك ، كما أن الاسم المستعار يعطي صفاته ودلالته لصاحبه مع الوقت حيث يتأثر الإنسان به بشكل غير مباشر ودون ان يدرك ذلك.
• استخدم رمز لشخصيتك " وهو الصورة المستخدمة تحت الاسم المستعار في المنتدى " يليق بك و يعبر عن شخصيتك واحرص على ان يكون أبعاده مناسبة.
• عند اختيارك لتوقيعك احرص على اختصاره ، وأن يكون مضمونه مناسباً لشخصيتك وثقافتك.
• استخدم اللغة العربية الفصحى وابتعد عن اللهجات المحكية " اللهجة السورية مستثناة لكثرة المسلسلات السورية " لانها قد تكون مفهومة لبعض الجنسيات وغير مفهومة لجنسيات أخرى كما قد تكون لكلمة في لهجتك المحكية معنى عادي ولها معنى منافي للأخلاق أو مسيء لجنسية أخرى . كذلك فإن استخدامك للغة العربية الفصحى يسمح لزوار المنتدى وأعضائه بالعثور على المعلومات باستخدام ميزة البحث.
• استخدم المصحح اللغوي وراعي قواعد اللغة عند كتابتك في المنتديات حتى تظهر بالمظهر اللائق التي تتمناه.
• أعطي انطباع جيد عن نفسك .. فكن مهذباً لبقاً واختر كلماتك بحكمة.
• لا تكتب في المنتديات أي معلومات شخصية عنك أو عن أسرتك ، فالمنتديات مفتوحة وقد يطلع عليها الغرباء.
• أظهر مشاعرك وعواطفك باستخدام ايقونات التعبير عن المشاعر Emotion Icon's عند كتابة مواضيعك وردودك يجب ان توضح مشاعرك أثناء كتابتها ، هل سيرسلها مرحة بقصد الضحك ؟ او جادة أو حزينه ؟ فعليك توضيح مشاعرك باستخدام Emotion Icon's ،لأنك عندما تتكلم في الواقع مع احد وجها لوجه فانه يرى تعابير وجهك وحركة جسمك ويسمع نبرة صوتك فيعرف ما تقصد ان كنت تتحدث معه على سبيل المزاح أم الجد. لكن لا تفرط في استخدام أيقونات المشاعر و الخطوط الملونة و المتغيرة الحجم ، فما زاد عن حده نقص.
• إن ما تكتبه في المنتديات يبقى ما بقي الموقع على الإنترنت ، فاحرص على كل كلمة تكتبها ، فمن الممكن ان يراها معارفك وأصدقائك وأساتذتك حتى وبعد مرور فترات زمنية طويلة.
• حاول اختصار رسالتك قدر الإمكان :بحيث تكون قصيرة و مختصرة ومباشرة وواضحة وفي صلب مضمون قسم المنتدى.
• كن عالمياً : واعلم أن هناك مستخدمين للإنترنت يستخدمون برامج تصفح مختلفة وكذلك برامج بريد الكتروني متعددة ، لذا عليك ألا تستخدم خطوط غريبة بل استخدم الخطوط المعتاد استخدامها ، لأنه قد لا يتمكن القراء من قراءتها فتظهر لهم برموز وحروف غريبة.
• قم بتقديم ردود الشكر والتقدير لكل من أضاف رداً على موضوعك وأجب على أسئلتهم وتجاوب معهم بسعة صدر وترحيب.
• استخدم ميزة البحث في المنتديات لمحاولة الحصول على الإجابة قبل السؤال عن أمر معين أو طلب المساعدة من بقية الأعضاء حتى لا تكرر الأسئلة والاستفسارات والاقتراحات التى تم الإجابة عنها قبل ذلك.
• تأكد من أنك تطرح الموضوع في المنتدى المخصص له: حيث تقسم المنتديات عادة إلى عدة منتديات تشمل جميع الموضوعات التي يمكن طرحها ومناقشتها هنا، وهذا من شأنه أن يرفع من كفاءة المنتديات ويسهل عملية تصنيف وتبويب الموضوعات، ويفضل قراءة الوصف العام لكل منتدى تحت اسمه في فهرس المنتديات للتأكد من أن مشاركتك تأخذ مكانها الصحيح.
• استخدم عنوان مناسب ومميِّز لمشاركتك في حقل الموضوع. يفضل عدم استخدام عبارات عامة مثل "يرجى المساعدة" أو "طلب عاجل" أو "أنا في ورطة" الخ، ويكون ذلك بكتابة عناوين مميِّزة للموضوعات مثل "كيف استخدم أمر كذا في برنامج كذا" أو "تصدير ملفات كذا إلى كذا".
• إحترم قوانين الملكية الفكرية للأعضاء والمواقع والشركات، وعليك أن تذكر في نهاية مشاركتك عبارة "منقول عن..." إذا قمت بنقل خبر أو مشاركة معينة من أحد المواقع أو المجلات أو المنتديات المنتشرة على الإنترنت.
• إن أغلب المنتديات تكون موجهه لجمهور عام ولمناقشة قضايا تثقيفية وتعليمية . لذلك يجب ان تكون مشاركتك بطريقة تحترم مشاعر الآخرين وعدم الهجوم في النقاشات والحوارات. وأي نشر لصور أو نصوص أو وصلات مسيئة، خادشة للحياء أو خارج سياق النهج العام للموقع.
• المنتدى لم يوجد من أجل نشر الإعلانات لذا يجب عدم نشر الإعلانات أو الوصلات التي تشير إلى مواقع إعلانية لأي منتج دون إذن او إشارة إلى موقعك أو مدونتك إذا كنت تمتلك ذلك.
• عدم نشر أي مواد أو وصلات لبرامج تعرض أمن الموقع أو أمن أجهزة الأعضاء الآخرين لخطر الفيروسات أو الدودات أو أحصنة طروادة.
•ليس المهم أن تشارك بألف موضوع فى المنتدى لكن المهم أن تشارك بموضوع يقرأه الألوف،فالعبرة بالنوع وليس بالكم.
• عدم الإساءة إلى الأديان أو للشخصيات الدينية.
•عند رغبتك بإضافة صور لموضوعك في المنتدى ، احرص على ألا يكون حجمها كبير حتى لا تستغرق وقتاً طويلاً لتحميلها وأن تكون في سياق الموضوع لا خارجه عنه.
•الالتزام بالموضوع في الردود بحيث يكون النقاش في حدود الموضوع المطروح لا الشخص، وعدم التفرع لغيره أو الخروج عنه أو الدخول في موضوعات أخرى حتى لا يخرج النقاش عن طوره.
• البعد عن الجدال العقيم والحوار الغير مجدي والإساءة إلى أي من المشاركين ، والردود التي تخل بأصول اللياقة والاحترام.
• احترم الرأي الآخر وقدر الخلاف في الرأي بين البشر واتبع آداب الخلاف وتقبله، وأن الخلاف في الرأي لا يفسد للود قضية.
• التروي وعدم الاستعجال في الردود ، وعدم إلقاء الأقوال على عواهلها ودون تثبت، وأن تكون التعليقات بعد تفكير وتأمل في مضمون المداخله، فضلاً عن التراجع عن الخطأ؛ فالرجوع إلى الحق فضيلة. علاوة على حسن الاستماع لأقوال الطرف الآخر ، وتفهمها تفهما صحيحا.
• إياك و تجريح الجماعات أو الأفراد أو الهيئات أو الطعن فيهم شخصياً أو مهنياً أو أخلاقياً، أو استخدام أي وسيلة من وسائل التخويف أو التهديد او الردع ضد أي شخص بأي شكل من الأشكال.
• يمنع انتحال شخصيات الآخرين أو مناصبهم من خلال الأسماء أو الصور الرمزية أو الصور الشخصية أو ضمن محتوى التوقيع أو عن طريق الرسائل الخاصة فهذا يعتبر وسيلة من وسائل الإحتيال.
• إذا لاحظت وجود خلل في صفحة أو رابط ما أو إساءة من أحد الأعضاء فيجب إخطار مدير الموقع أو المشرف المختص على الفور لأخذ التدابير اللازمة وذلك بإرسال رسالة خاصة له.
• فريق الإشراف يعمل على مراقبة المواضيع وتطوير الموقع بشكل يومي، لذا يجب على المشاركين عدم التصرف "كمشرفين" في حال ملاحظتهم لخلل أو إساءة في الموقع وتنبيه أحد أعضاء فريق الإشراف فوراً.
See more
See less

الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

Collapse
X
 
  • Filter
  • Time
  • Show
Clear All
new posts

  • الأصابع المتحركة أجاثا كريستي



    الفصل الأول

    فك الأطباء الجـصعـنـي أخـيـراً , ونـظـروا إلـي بـشـفـقـة , وحـاولـت الممرضات استدراجي إلى تحريكأطرافي بحذر , وقد ضايقني حديثهن معي كما لو كـنت طفلاً رضيعاً , وقال ماركوس إننييجب أن أعيش في الريف .
    هواء نظيف , حياة هادئة , الامتناع عن فعل أي شيء ـ هذاهو علاجك . وسوف تعتني بك أختك , فكل ما عليك هو أن تأكل وتنام وتقلد مملكةالنباتات قدر الإمكان.
    لم أسأله ما إذا كنت سأستطيع الطيران مرة أخرى أم لا . فهناك أسئلة يخشى المرء من طرحها خوفاً من الإجابة . لذلك , لم أسأله في الأشهرالخمسة الأخيرة ما إذا كان قد حُكم علي أن أعيش طريح الفراش للأبد . كنت خائفاً منعبارات الطمأنينة البراقة التي تفوح منها رائحة النفاق كقول الممرضة لي : " ما هذاالسؤال الذي تطرحه ؟ إننا لا نسمح لمرضانا بالتحدث بهذه الطريقة أبداً ! "
    لذا , لم أسأل ـ وسارت الأمور على ما يرام . فلم يكن مقدراً لي أن أظل عاجزاً إلى الأبد . حيث أستطيع تحريك ساقيّ , والوقوف عليهما , وأخيراً أستطيع المشي لبضع خطوات ـ وإنكنت أشعر بأنني طفل مغامر يتعلم المشي , بركبتين مرتعشتين ولفائف من القطن والصوفتلتف حول قدمي ـ حسناً , إن هذا مجرد ضعف سرعان ما سيزول . وقد أجاب الدكتور ماركوسكِنت ـ وهو طبيب قدير ـ عما أطرحه من أسئلة .
    قال : " سوف تتعافى تماماً . لمنكن متأكدين من ذلك حتى الثلاثاء الماضي عندما أجرينا لك ذلك الفحص , ولكن بوسعيإخباري بذلك الآن وأنا مطمئن ـ غير أن ذلك سيستغرق وقتاً طويلاً . ستكون رحلة طويلة , وإن جاز لي القول , فستكون شاقة بعض الشيء . فعندما يتعلق الأمر بشفاء الأعصابوالعضلات , فيجب أن يقوم العقل بمساعدة الجسم . وأي استعجال سوف يتسبب في انتكاسة , وأياً ما كنت تمارسه من قبل , فعليك التوقف عنه الآن , حاول أن تساعد نفسك علىالشفاء بسرعة . إذا فعلت أي شيء من هذا القبيل , ستعود إلى دار الرعاية مجدداً . يجب عليك مراعاة البطء والتمهل . فليس جسدك وحده هو الذي يحتاج إلى شفاء , بل إنأعصابك أيضاً أصابها الضعف نتيجة لإخضاعك للأدوية لفترة من الزمن .
    لذا , أنصحكبالعيش في الريف , استأجر منزلاً , واهتم بالسياسة المحلية , وبالفضائح المحلية , وبالقيل والقال في القرية , اهتم بجيرانك بشكل فضولي , وإذا كان لي أن أقترحاقتراحاً , فاذهب إلى جزء من العالم ليس لك فيه أصدقاء . "
    أومأت برأسي قائلاً : " هذا ما فكرت فيه بالفعل . "
    لا أعتقد أن ثمة شيئاً أفضع من زيارات الأصدقاءوالأقارب , وإبداء تعاطفهم , والتحدث عن شؤونهم الشخصية .
    سيقولون : " ولكنجيري يبدو رائعاً ـ أليس كذلك ؟ يجب أن أخبرك يا صديقي ـ خمن ما الذي فعله باستر ؟ "
    كلا , لا أريد شيئاً كهذا يحدث معي . إن الكلاب تتمتع بالحكمة , فهي تنزويبعيداً في أحد الأركان الهادئة وتلعق جراحها , ولا تعود للعالم من حولها حتى تبرأتماماً مرة أخرى .
    لذا فقد قمت أنا وجوانا ـ بـعـد طـول بحث من خلال وكلاءالعقارات في جميع أنحاء بريطانيا ـ باختيار " ليتـل فـيـرز " بقريـة لايـمـسـتـوك , كأحد المنازل التـي يـمـكـن رؤيتها . وخاصة أننا لم نذهب إلى لايمستوك أبداً ولانعرف أي أحد هناك .
    وعندما رأت جوانا ليتل فيرز قررت أنه المنزل الذي نبحث عنه .
    إنه يقع على نصف ميل تقريباً عن لايمستوك على الطريق المؤدي إلى المستنقعات . وهو منزل أنيق أبيض غير مرتفع , به شرفة على الطراز الفيكتوري , بلون أخضر باهت , ويطل على منحدر مغطى بنبات الخلج .
    ويمتلك البيت أسرة تتكون من سيدات عوانس , منعائلة بارتون , واللاتي لم يبق منهن إلا واحدة فقط , وهي أصغرهن , الآنسة إيميليبارتون .
    كانت الآنسة إيميلي سيدة ضئيلة الجسم , كبيرة السن وكانت تتناغم معمنزلها بشكل غريب . شرحت لجوانا بصوت ناعم وبه رنة أسف أنها لم تترك المنزل من قبل , ولم تفكر في ذلك أصلاً . قالت : " ولكنك ترين يا عزيزتي , فإن الظروف قد تغيرتهذه الأيام ـ الضرائب . بالطبع , وهناك أسهمي الآمنة , كما كنت أتخيل دائما , والتيقد أوصاني مدير البنك نفسه بشرائها , ولكن يبدو أنها لا تدر عائداً هذه الأيام ـ ماأقوله لا علاقة له بموضوعنا , بالطبع ! صارت الأمور صعبة جداً . إن المرء لا يحبفكرة ترك المرء لبيته للغرباء ـ ولكن يجب فعل شيء ما , وبعدما رأيتكما , فإننيسعيدة بوجودكما هنا ـ إن المنزل بحاجة لوجود شباب . ويجب أن أعترف بأنني أتجنب فكرةوجود رجال هنا ! "
    عند هذه النقطة , كان على جوانا أن تخبرها بحالتي .وكان ردفعل الآنسة إيميلي رقيقاً .
    "
    أوه يا عزيزتي , لقد فهمت . حادث طيران ؟ إن هؤلاءالشباب يتمتعون بقدر هائل من الشجاعة .ولكن هل سيبقى شقيقك عاجز عملياً ؟ "
    يبدوأن الفكرة هدأت السيدة الرقيقة . فمن الواضح أنني لن أستطيع ممارسة تلك الأنشطةالذكورية التي تخشاها إيميلي بارتون وسألَت باستيحاء عما إذا كنت أدخن .
    أجابتهاجوانا : " كالمدخنة . " ثم أوضحت قائلة : " ولكنني أنا أيضاً أدخن . "
    "
    بالطبع , بالطبع , يا لغبائي . أخشى أنني لم أتغير مع الزمن . فقد كانت شقيقاتي أكبر منيسناً , وقد عاشت أمي العزيزة حتى وصلت التاسعة والسبعون ـ تخيلوا ـ وكانت صارمة إلىأبعد الحدود . نعم , نعم , إن الجميع يدخنون هنا بَيد أنه لا توجد منفضة للتدخين فيهذا البيت. "
    قالت جوانا أننا سوف نحضر الكثير منها , وأضافت ابتسامة : " لننقوم بإطفاء السجائر في الأثاث الفخم .لا شيء يضايقني بقدر رؤية بعض الناس يفعلونذلك
    . "
    وهكذا تمت تسوية الأمر واستأجرنا ليتل فيرز لستة أشهر , مع إمكانية مدهالثلاة أشهر أخرى , وأوضحت إيميلي بارتون أنها تشعر بالراحة لأنها ستقيم عند خادمتناالعجوز المخلصة فلورنسا , والتي توجت بعد أن قضت معنا خمسة عشر عاماً . قالت إيميلي : " إنها فتاة لطيفة , وزوجها يعمل في مجال العقارات . إن لديهما منزل جميل في منزلهاي ستريت وحجرتين جميلتين بالطابق العلوي , حيث سأكون أكثر راحة هناك , وستسرفلورنسا بوجودي معها . "
    إذاً , يبدو أن كل شيء يسير على ما يرام , فقد تم توقيعالعقد , ووصلنا أنا وجوانا في الوقت المناسب , ورحبت بارتريدج ـ خادمة إيميليبارتون ـ بفكرة بقائها معنا . كما يتم الاعتناء بشؤونها بفضل " فتاة " كانت تأتي كلصباح والتي كان ذكاؤها محدوداً ولكنها لطيفة .
    كانت بارتريدج سيدة في منتصفالعمر نحيلة وقاسية الملامح ـ تجيد الطهي , وعلى الرغم من رفضها تأخير موعد العشاء ( كان من عادة إيميلي أن تتناول عشاء خفيفاً يتكون من بيض مسلوق ) إلا أنها كيفتنفسها على أسلوبنا , حتى أنها اعترفت بأنني يجب أن أستعيد قوتي ...
    بعدما استقربنا الحال وأقمنا في ليتل فيرز أسبوعاً , جاءت الآنسة إيميلي بارتون وتركت بعضالبطاقات , وهكذا فعلت السيدة سيمنجتون . زوجة المحامي , والآنسة جريفيث , أختالطبيب , والسيد باي " رئيس برايرز إند " .
    لقد ترك ذلك انطباعاً جميلاً في نفسجوانا .
    قالت جوانا بصوت يعبر عن انبهارها : " لك أكن أن هؤلاء الناس مهووسونفعلاً ـ بالبطاقات . "
    قلت : " هذا يا عزيزتي لأنك لا تعرفين شيئاً عن الريف . "
    "
    هراء . لقد قضيت من عطلات نهاية الأسبوع في الريف . "
    إنني أكبر من جوانابخمس سنوات , وأتذكر ذلك البيت المطلي باللون الأبيض الباهت , وغير المتهالكوالمنظم الذي كنا نعيش فيه أيام طفولتي , حيث كانت تمتد الحقول حتى النهر . وبوسعيتذكر قيامي بالزحف تحت أشجار التوت دون أن يراني البستاني , ورائحة التراب الأبيضفي الإسطبل , وقطة برتقالية تعبره , وسماع صوت حوافر الحصان وهي تضرب الأرض فيالإسطبل .
    ولكن عندما بلغت السابعة وكانت جوانا في الثانية, ذهبنا للعيش في لندنمع عمتي, ومنذ ذلك الحين ونحن نقضي جميع العطلات و الأعياد في دور السينما والمسرح, حيث كنا نخرج للتنزه في حديقة كنجستون جاردنز ونركب القوارب , ثم مؤخراً أصبحنانمارس رياضة التزلج . وفي شهر أغسطس كنا نحجز غرفة في أحد الفنادق المطلة على البحر .
    وبينما كنت أشرد بذهني هكذا , قلت لجوانا متأملاً , وبإحساس من وخر الضميروبعد أن أدركت كم أصبحت عاجزاً وأنانياً في نفس الوقت .
    "
    أنا آسف , سيكون ذلكفضيعاً بالنسبة لك . سوف تفتقدين كل شيء . "
    قلت ذلك لأن جوانا جميلة جداًومليئة بالحيوية , وتحب الرقص والحفلات وقيادة السيارات بسرعة جنونية .
    ضحكتجوانا وقالت أنها لا تبالي بذلك إطلاقاً .
    "
    في الحقيقة , أنا سعيدة بالابتعادعن ذلك كله . فقد مللت من الزحام , وعلى الرغم من أنك لن تبدي تعاطفك , فقد تأثرتكثيراً لفراق باول , وسيستغرق الأمر مني وقتاً طويلاً حتى أتناساه يا جيري . "
    كنت أشك في هذا , فقصص الحب الخاصة بجوانا دائماً ما تسير على هذا النحو . فهيتفتتن بشاب ضعيف الشخصية , وتعتقد أنه عبقري لا يستطيع الناس فهمه , وتنصت إلىشكواه التي لا تنتهي وتفعل أي شيء لتحوز تقديره , وعندما يجحد مجهوداتها , فإنهاتتأثر بشدة وتقول أن قلبها قد جرح ـ حتى يأتي شاب آخر , وعادة ما يأتي بعد ثلاثةأسابيع !
    لذا لم آخذ مسألة جرح قلب جوانا على محمل الجد . ولكن بدا لي أن العيشفي الريف لعبة جديدة لشقيقتي الجذابة .
    قالت : " على كل حال , فإن مظهري جيد , أليس كذلك ؟ "
    تفحصتها بنظرة كلها نقد ولم أستطع الاتفاق معها .
    كانت جواناترتدي ملابس رياضية , كانت ترتدي تنورة قصيرة وضيقة , وعلى نصفها العلوي كانت ترتديقميصاً قصيراً يدعو للسخرية . كانت تلبس جوربين من الحرير الشفاف , وحذاء لا غبارعليه , وكله يعد من علامات الموضة .
    قلت : " كلا , إن مظهرك ليس مناسباً علىالإطلاق , بل وبه الكثير من الأخطاء , ينبغي أن ترتدي تنورة ذات لون أخضر أو بنيباهت , وحري بك ارتداك سترة من الكشمير تناسبها , وربما معطف صوفي , ويمكنك أنتلبسي قبعة من اللباد وجوربين من قماش سميك وحذاء قديم . فقط , عندئذ , يمكنك السيرعبر شارع هاي ستريت بلايمستوك دون أن تبدي شاذة عن الآخرين كما أنت الآن.وبالمناسبة , فإن وجهك كله أخطاء أيضاً . "
    "
    ما الخطأ فيه ؟ لقد وضعت مساحيق من الدرجةالثانية تناسب الريف . "
    "
    نعم , إذا أردت العيش في لايمستوك , فلا تضعي إلاالقليل من المساحيق حتى لا تلفتي النظر إلى أنفك , وربما يجب عليك وضع القليل منأحمر الشفاه ـ مع عدم توخي الدقة الشديدة ـ وعليك وضع كل رموشك تقريباً بدلاً منربعها . "
    صاحت جوانا وبدت أنها وجدت المزيد من ضروب التسلية .
    قالت : " أتعتقد أنهم سيضنونني فظيعة ؟ "
    قلت : " كلا , بل شاذة . "
    استأنفت جواناقراءتها للبطاقات التي تركها زوارنا . زوجة رجل الدين هي الوحيدة التي أسعدها , أوربما ساءها الحظ بأن تستضيف جوانا في منزلها .
    تمتمت جوانا قائلة : " تبدوالأسر هنا سعيدة , أليس كذلك ؟ فهذه زوجة محامٍ , وتلك أخت طبيب ... الخ " ثم أضافتبحماس : " أعتقد أن هذا المكان لطيف يا جيري ! عالم قديم جميل جداً . لا يمكنكالتفكير بأن شيئاً شريراً سيحدث هنا , أليس كذلك ؟ "
    وعلى الرغم من أنني أعرف أنما تقوله محض هراء , إلا أنني وافقتها الرأي . ففي مكان مثل لايمستوك لا يمكن أنيحدث شيء شرير , والغريب أننا تلقينا أولى خطاباتنا بعد أسبوع واحد فقط .
    2
    أعرف أنني بدأت بشكل سيء , فلم أعط وصفاً لقرية لايمستوك , وبدون فهمأوصاف لايمستوك لا يمكن فهم قصتي .
    بادئ ذي بدء , فإن لايمستوك لها جذور ضاربةفي الماضي . ففي أيام الغزو النورماندي , كانت لايمستوك على قدر كبير من الأهمية , وتنبع أهميتها من كونها مركزاً دينياً حينذاك . فقد كان في لايمستوك دير للرهبانوتعاقب عليه الكثير من الرهبان الطموحين وذي النفوذ . وكان اللوردات والباروناتالذين يعيشون في الريف المحيط به يتركون جزءاً من أراضيهم تحت تصرف الدير . وازدادثراء وأهمية الدير واكتسب نفوذاً لقرون عدة . بيد أنه بمرور الزمن قام هنري الثامنبإلغاء كل تلك الامتيازات ولحق بالدير ما لحق بأقرانه . ومنذ ذلك الحين هيمنت قلعةالبلدة . كانت لا تزال مهمة وآلت لها الحقوق والميزات والثروات .
    وثم , فيحوالي القرن الثامن عشر , جاء المد التقدمي ليطيح بنفوذ لايمستوك ويتركها في غياهبالتخلف . حيث انهارت القلعة , ولم يتم إنشاء شوارع رئيسية ولا سكك حديدية بالقرب منلايمستوك , التي تحولت إلى سوق محلي غير ذي أهمية تمتد بها المستنقعات والمزارعوتحيط بها الحقول الهادئة .
    كان يقامبها سوق مرة كل أسبوع , وفي ذلك اليوميصادف المرء قطعان الماشية في الأزقة والطرقات . وكا يقام بها سباق للخيل مرتين فيالسنة لا يتبارى فيه إلا الخيول الضعيفة .
    وكان بها شارع رئيسي خلاب , تصطف علىجانبيه المنازل التي تقف بشموخ , والتي كانت تبدو غريبة بعض الشيء بنوافذهاالمتواجدة في الطابق الأرضي والتي كان دائماً ما يوجد عليها الفطائر أو الفاكهة أوالخضروات . وكان بالشارع أيضاً متجر ضخم لتجارة الألبسة والجوخ يمتد على نحو مستقمع الشارع , وهناك أيضاً تجد متجراً هائلاً للحدادة , ومكتباً للبريد له أهمية فيهذا المكان .
    وكذلك هناك في ذات الشارع مجموعة من المتاجر والمحال المتنوعة , فهناك متجران يتنافسان لبيع اللحوم , وكان بالشارع لافتة لعيادة طبيب ومؤسسةقانونية يديرها السيدان جالبرث والسيد سيمنجتون , وكان بالشارع أيضاً إحدى دورالعبادة والتي يرجع تاريخها إلى عام 1420 م , ولا يزال يفوح منها رائحة العصرالساكسوني . وهناك أيضاً مدرسة أنشئت حديثاً وحانتين .
    هذه هي لايمستوك , وبدافعإيميلي بارتون , حضر جميع من في البلدة لكي يتعرفوا علينا , ومن أجل هذا اضطرتجوانا لأن تبتاع زوجاً من القفازات وقلنسوة مخملية , بدلاً من ملابسها التي تفتقرإلى الذوق , حتى تتمكن من رد زيارتهم .
    بالنسبة لنا كان كل شيئاً جديداً ومسلياً , فنحن لم نذهب إلى هناك للإقامة الدائمة . لقد كانت بالنسبة لنا شيئاً مؤقتاً . وقد استعددت لإطاعة تعليمات طبيبي والاتهمام بجيراني .
    لقد وجدت أنا وأختيجوانا الأمر ممتعاً للغاية .
    أعتقد أنني تذكرت تعليمات ماركوس كِنت بالاستمتاعبالفضائح المحلية . بالقطع كنت أشك في كيفية معرفتي بهذه الفضائح .
    والشيءالغريب أن مجيء ذلك الخطاب كان ممتعاً ومسلياً لنا أكثر من أي شيء .
    أذكر أنهوصل بينما نحن نتناول الإفطار . قلبته في يدي , بتلك الطريقة الكسولة التي يتبعهاالمرء عندما يمر الوقت ببطء ويجب الغوص في كل حدث حتى نهايته . لقد كان مرسلاً منداخل البلدة وقد كتب عنوانه على آلة كاتبة .
    فتحته قبل الخطابين الآخرين اللذانيحملان طوابع بريد لندن , حيث إن أحدهم كان يحوي فاتورة والآخر كان من أحد أبناءعمومتي المضجرين .
    وبداخله كانت هناك كلمات و حروف مطبوعة , وقد لصقت على ورقةبيضاء . أخذت أحدق لدقيقة أو دقيقتين إلى الكلمات دون أن أستوعبها , ثم شهقت .
    نظرت إلي جوانا , التي كانت تطالع بعض الفواتير مقطبة جبينها .
    وقالت : " مرحباً , ما هذا ؟ تبدو مروعاً . "
    لقد عبر الخطاب , الذي يستخدم مصطلحات بذيئة , عن رأي الكاتب بأنني أنا وجوانا لسنا أخوين .
    قلت لجوانا : " إنه خطاب قذر منمجهول . "
    كنت لا أزال أعاني من آثار الصدمة . فلم أتوقع مثل ذلك الشيء في منطقةهادئة مثل لايمستوك .
    وفجأة , أبدت جوانا اهتمامها , وقالت : " حقاً ؟ ماذايقول ؟ "
    كنت قد قرأت في الروايات أن الخطابات البذيئة والمثيرة للاشمئزاز لاينبغي أن تطلع عليها النساء , ما أمكن ذلك . حيث يجب تجنيب المرأة الصدمة التي قديتعرض لها الجهاز العصبي الحساس .
    ويؤسفني القول إنه لم يتراء لي أن أُطلعجوانا على الخطاب , لذا سلمته لها فوراً .
    قالت : " يا له من خطاب قذر ! لقدسمعت كثيراً عن الخطابات المجهولة , لكنني لم يسبق لي أن رأيت أحدها . هل هي دائماًهكذا ؟ "
    قلت : " لا أستطيع الجزم بذلك . فهذه أول مرة أشاهد فيها خطاباً مثلهذا . "
    شرعت جوانا في الضحك .
    "
    لابد أنك كنت محقاً فيما يخص مساحيقالتجميل التي كنت أضعها يا جيري . أعتقد أنهم يحسبونني فتاة هاربة من أهلها . "
    قلت : " إضافة إلى حقيقة أن ابانا كان رجلاً طويلاً ذا فكين طويلين أسودينوأمنا كانت امرأة شقراء الشعر زرقاء العينين قصيرة القامة , وقد ورثت أنا صفات أبي , أما أنت فقد ورثت صفات أمي . "
    أومأت جوانا برأسها مفكرة .
    "
    نعم , نحنلسنا متشابهين إلى حد ما , ولن يظن المرء أننا أخوان . "
    قلت : " لابد أن أحدهملاحظ ذلك . "
    قالت جوانا إنها تعتقد أن الأمر ممتع .
    أمسكت الخطاب من إحدىزواياه وتركته يتدلى , ثم سألتني عما ينبغي فعله به .
    قلت: " أعتقد أن الإجراءالصحيح هو إلقاءه في النار مع إطلاق صيحة اشمئزاز ."
    نفذت ما قلته عملياً , وصفقت جوانا بيديها .
    أضافت : " لقد فعلتها بشكل جميل , كان ينبغي أن تكونممثلاً . من حسن حظنا أن النار متقدة , أليس كذلك ؟ "
    وافقتها , قائلاً : " عندئذ كانت سلة المهملات ستصبح حلاً أقل إثارة . كان بوسعي بالطبع أن أشعله بعودثقاب وأستمتع به وهو يحترق ببطء . "
    قالت جوانا : " إن الأشياء لا تحترق عندماتريدها أن تحترق , بل إنها تسلم من النيران , وربما كان عليك إشعال عود ثقاب بعدآخر . "
    نهضت واتجهت نحو النافذة , وعندما وصلت إلى هناك التفتت فجأة , وقالت : " إنني أتساءل , من الذي قام بكتابته ؟ "
    قلت : " لن نعرف أبداً على الأرجح . "
    "
    نعم ـ لا أعتقد أننا قد نتمكن من ذلك . " صمتت لبرهة , ثم قالت : " يراودنيإحساس أحياناً بأن الأمر ليس ممتعاً . أتعلم ؟ لقد حسبت ـ حسبت أنهم أحبونا هنا ."
    أظن ذلك ؟ أوه ـ إنه عمل شرير ! "
    عندما خرجت لتستمتع بالشمس المشرقة , فكرت بيني وبين نفسي أثناء تدخيني لسيجارتي بأنها كانت محقة تماماً . إنه عمل شرير . لقد استاء أحدهم من مجيئنا إلى هنا , وكان مستاءً من جمال جوانا الخاطف , لقدأراد إيذاءنا . ربما كانت مقابلة مثل هذا الأمر بالضحك أفضل طريقة ـ ولكن في أعماقنفوسنا لم يكن ممتعاً أبداً...
    جاء الدكتور جريفيث هذا الصباح . لقد اتفقت معهعلى إجراء فحص أسبوعي . وقد أحببت أوين جريفيث , لقد كان ذا بشرة سمراء , ضئيلالجسم . يتحرك في رشاقة وخفة , ويداه ماهرتان في الفحص , وكان يتلعثم في حديثهقليلاً , وكان خجولاً إلى حد كبير .
    أشار إلى تقدمي في العلاج كي يشجعني , ثمقال : " إنك تشعر بالتحسن , أليس كذلك ؟ يبدو أنك متعكر المزاج هذا الصباح , أم هذاوهم مني ؟ "
    قلت : " فعلاً , لقد تسلمت هذا الصباح خطاباً بذيئاً من مجهول , وقدشعرت ببعض الضيق والمرارة بعد قراءته . "
    ألقى حقيبته على الأرض , واعترى وجههالنحيف الأسمر شعور بالإثارة .
    "
    هل تعني أنك تسلمت واحداً منها ؟ "
    شعرتبالاهتمام والإثارة . فقلت : " فإنه أمر شائع إذاً ؟ "
    "
    منذ فترة من الوقت . "
    قلت: " أوه , فهمت . لقد حسبت أن وجودنا في هذا المكان أمر غير مرغوب فيه ."
    "
    كلا , كلا , الأمر لا علاقة له بذلك . إنه مجرد ـ " توقف عن الكلام ثمسألني : " ماذا كان محتوى الخطاب ؟ على الأقل ـ " احمر وجهه وشعر بالحرج : " ربمالم يكن لي أن أسأل مثل هذا السؤال . "
    قلت : " سأخبرك بكل سرور , بقد قال إنالفتاة التي أحضرتها معي ليست أختي ـ ويمكنني القول بأن هذا ملخصاً لمحتوى الخطاببعد تنقيحه من البذاءات . "
    احمر وجهه غضباً. وقال : " اللعنة , لعل أختك ـ إنهاليست مستاءة, أليس كذلك ؟"
    قلت : " إن جوانا تبدو كملاك طاهر , ولكنها فتاةعصرية وصلبة جداً . لقد وجدِت أن الأمر مسلٍ للغاية . فهي لم تصادف مثل هذه الأشياءمن قبل . "
    قال جريفيث بحرارة : " أتمنى لو لم تصادفها في الحقيقة . "
    قلتبحزم : " على أية حال , فإن هذا هو الأسلوب الأنسب لمواجهة مثل هذه السخافات على ماأعتقد . "
    قال أوين جريفيث : " نعم , لكن ــ "
    توقف عن الحديث , فسارعتقائلاً : " ولكن ماذا , ماذا تقصد ؟ "
    قال : " المشكلة أن مثل هذه الأفعال إذاما بدأت, فإنها تتفشى وتنتشر بشكل كبير ."
    "
    علي أن أتوقع هذا . "
    "
    إنهاحالة مرضية بالطبع . "
    أومأت برأسي ثم سألته : " ولكن هل من ثمة فكرة عمن يكونوراء إرسال مثل هذه الخطابات ؟ "
    قال : " ليتني كنت أعرف . أتدري إن الخطاباتالمجهولة نوعان ؟ إما أنها خاصة, أي إنها موجهة لشخص بعينه , أو مجموعة من الأشخاص , أي تستطيع أن تقول إن هناك دافعاً لذلك , حيث إن الشخص الذي يرسل الرسائل يحملضغينة ( أو يعتقد أنه كذلك ) ضد أحد الأشخاص , ثم يختار أسلوباً قذراً ومنحطاًليعبر عن كراهيته , إنه أسلوب دنيء , ويثير الاشمئزاز ولكنه لا ينم عن جنون صاحبه , وفي تلك الحالة يكون من السهل معرفة ما وراء الخطاب المرسل ــ خادمة تم طردها ــامرأة غيورة ــ وهكذا . ولكن إذا كانت عامة وليست خاصة , فإنها تمسي أكثر خطورة . حيث ترسل الخطابات دونما تفرقة وبطريقة عشوائية , وتؤدي الغرض بالتنفيس عن إحباط مافي ذهن الكاتب . وكما قلت فإنه أمر مرضي . وتزداد إصابة الشخص بالجنون . وفيالنهاية تتعقب الشخص محل الشبهة ــ غالباً ما يكون شخصاً مكروهاً من الجميع , وهذاكل ما في الأمر . لقد حدث شيء مثل هذا على الجانب الآخر من المقاطعة في العامالماضي ــ وتبين أن رئيسة قسم القبعات بمؤسسة كبيرة للملابس هي من تقف وراء ذلك . كانت امرأة رقيقة جداً ــ عملت هناك لسنوات . أذكر أن ذلك حصل في آخر سنة لي هناكعندما كنت أقضي فترة التكليف ــ ولكن تبين أن ضغينة شخصية هي السبب . وكما أقولفإنني رأيت شيئاً من هذا القبيل , وبصراحة فإنه يخيفني ! "
    سألته : " هل يحدثذلك منذ فترة طويلة ؟ "
    "
    لا أعتقد , وإن كان يصعب الجزم بذلك , بالطبع , لأن منيتلقون هذه الرسائل لا يعلنون عنها , وإنما يكتفون بإحراقها ... " توقف للحظة . ثمأكمل : " لقد تلقيت واحدة منها , كما أن سيمنجتون , المحامي , تلقى واحدة , وكذلكاثنان من مرضاي المساكين أخبراني بتلقيهما رسائل من هذا النوع . "
    "
    كلها من نفسالعينة ؟ "
    "
    أوه , نعم , كلها تعزف على وتر الجنس . هذه هي الخاصية الرئيسيةالمشتركة بينها . " ثم ابتسم وأضاف : " لقد اتهم سيمنجتون بإقامة علاقة غير شرعيةمع كاتبته ـ السيدة جنش المسكينة , التي تبلغ من العمر بضعة وأربعين عاماً تقريباً , وترتدي نظارة سميكة وأسنانها تشبه أسنان الأرنب . ولقد أخذ سيمنجتون الرسالةوتوجه بها إلى الشرطة . أما الرسائل التي تلقيتها أنا , فإنها تتهمني بانتهاك آدابالمهنة مع مرضاي من النساء . لقد كتبت بأسلوب طفولي وسخيف , ولكنها سامة للغاية . " تغير وجهه , وبدت عليه أمارات الحزن وهو يقول : " ولكن مع ذلك أشعرب بالخوف , فهذهالأشياء يمكن أن تكون في غاية الخطورة , كما تعلم . "
    "
    أعتقد ذلك . "
    "
    لعلكترى أنه على الرغم من تفاهة وسخافة هذه النكات , فإن إحدى هذه الرسائل ستصيب الهدفعاجلاً أو آجلاً . والله وحده يعلم ما سيحصل حينذاك ! إنني خائف أيضاً من تأثيرهاعلى أصحاب العقول الضعيفة الشكاكة الخالية من الثقافة والعلم . فإذا ما رأى أحدهمشيئاً مكتوباً , فسوف يعتقد بصحته , وعندئذ قد تظهر كل أنواع العقد . "
    قلتمتأملاً : " إنها تنم عن جهل كاتبها , إذ يبدو لي أنه شخص أمي . "
    قال أوين : " أهي كذلك فعلاً ؟ " ثم خرج ...
    بينما كنت أفكر فيها فيما بعد وجدت أن عبارة " أهي كذلك فعلاً ؟ " محيرة لي


    تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

    درع الأسد لبيك يا أسدنا
    من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
    ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

  • #2
    رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

    الفصل الثاني

    لن أدعي أن الرسالةالتي وصلتنا خالية من التوقيع لم تترك طعماً مراً في الفم .فهذا هو ما حدث بالفعلولكن في الوقت نفسه نسيت أمرها سريعاً , ولم آخذها حتى هذه النقطة على محمل الجد . وأعتقد أنني أتذكر ما كنت أقوله بأن هذه الأشياء تحدث كثيراً في القرى النائية . لابد أن امرأة مخبولة تريد تسلية نفسها هي التي تقف وراءها . على أية حال , ما دامتالرسائل هذه مكتوبة بأسلوب طفولي كمثل التي تلقيناها , فإنه لا ضرر منها علىالإطلاق .
    كانت الحادثة التالية ـ إذا جاز لي القول ـ بعد أسبوع , عندما أخبرتنيبارتريدج وهي تزم على شفتيها أن بياترس , الخادمة اليومية , لن تأتي اليوم .
    قالت بارتريدج : " أحسب يا سيدي أن الفتاة مستاءة . "
    لم أكن متأكداًتماماً مما تعنيه بارتريدج بكلامها هذا , ولكني خمنت ( خطأ ) أن بياترس تعاني منبعض المتاعب في معدتها ولا تستطيع بارتريدج الإشارة إلى ذلك بشكل مباشر , لذا عبرتلها عن أسفي وتمنيت لها الشفاء العاجل .
    قالت بارتريدج : " إن صحة الفتاة علىما يرام يا سيدي , إن مشاعرها هي المعتلة . "
    قلت متشككاً : " أوه . "
    واصلتبارتريدج قائلة : " بسبب رسالة تلقتها . وأحسب أنها تعرض بها . "
    كانت نظرةالاشمئزاز في عيني بارتريدج , إضافة إلى تشديدها على كلمة
    (
    تعرض ) قد جعلنيأدرك أن ذلك التعريض له علاقة بي . وحيث إنني ما كنت لأميز بياترس بصعوبة لوقابلتها في البلدة , فإنني لم أدرك مغزى تشديدها على هذه الكلمة ـ فقد شعرت بأنهاستياء غير مبرر . كما أن رجلاً يمشي على عكازين ليس من شأنه أن يفتن بنات القرية . لذا قلت بتوتر : " يا لهذه السخافات ! "
    قالت بارتريدج : " هذا ما قلته بالحرفلأمها يا سيدي , فقد قالت لها : " لم ولن يحدث شيء من هذا القبيل في هذا المنزل مادمت أنا المسؤولة عنه . " وبالنسبة لبياترس , فقد قلت لها : " إن الفتيات مختلفاتهذا الزمان ولا أعرف شيئاً عما يحدث بالخارج . " , ولكن الحقيقة يا سيدي أن صديقبياترس الذي يعمل في المرآب قد تلقى رسائل شريرة أيضاً وهو لا يتصرف بحكمة علىالإطلاق . "
    قلت بغضب : " لم أسمع أبداً شيئاً بهذه الوقاحة . "
    قالت : " فيرأيي أن نتخلص من هذه الفتاة , فما كانت لتستاء هكذا بشدة , وتسلك هذا السلوك. لولم يكن هناك شيء تخشى افتضاحه.لا دخان بدون نار.هذا قولي . "
    لم يكن لدي فكرةعما ستسببه هذه الكلمة لي من متاعب .

    2
    اعتزمت هذا الصباح ـ على سبيلالمغامرة ـ التجول عبر شوارع القرية . ( كنت أنا وجوانا نطلق عليها دائماً اسمالقرية , وان كان اسما خاطئ علمياً , وكان من شأن سكان لايمستوك أن ينزعجوا إذاسمعونا نقول هذا ) .
    كانت الشمس ساطعة , والهواء رائع تتخلله نسمات الربيعالحلوة . اتكأت على عكازي وبدأت السير رافضاً بحزم مراقة جوانا لي .
    قلت : " كلا , لن أصطحب حارساً يسير الهويني بجواري ويمطرني بعبارات التشجيع , وتذكري أنالرجل الأسرع هو من يسير بمفرده . كما أن لدي الكثير من الأعمال التي أريد قضاءها , فسوف أذهب إلى جالبريث وسيمنجتون , وأوقع عقد تحويل الأسهم , وسوف أذهب إلى الخبازوأشكو له من رغيف الزبيب , ثم سأعيد ذلك الكتاب الذي استعرته . ويجب أن أذهب إلىالبنك أيضاً . دعيني بمفردي يا جوانا , فهذا الصباح قصير جداً . "
    اتفقنا على أنتصطحبني جوانا بالسيارة وتعود لتعيدني وقت الغداء .
    قالت جوانا : " إن هذا سيتيحلك الفرصة لقضاء بعض الوقت في لايمستوك . "
    قلت : " لا أشك في أنه كان ينبغي عليرؤية كل شخص ذي شأن منذ مجيئنا . "
    كان الصباح في الشارع الرئيسي يعتبر مكاناًلتلاقي المولعين بالتسوق وتبادل الأخبار . وعلى أية حال , لم أسر دون صحبة , فماكدت أسير لمائتي ياردة حتى سمعت صوت جرس دراجة يرن خلفي , ثم صوت احتكاك , ثم ميجانهنتر وهي تسقط عند قدمي .
    قالت : " مرحباً . " وهي تلهث بينما تنهض من علىالأرض وتنفض عن نفسها التراب . لقد كنت أحب ميجان , وكنت أشعر بالأسف لما أصابها . كانت ابنة السيدة سيمنجتون من زوجها السابق . لم يتحدث أحد كثيراً عن السيد هنتر , وعلمت أنه كان يعتبر من الأفضل تناسيه . ويقال إنه كان يعامل السيدة سيمنجتون بشكلبالغ السوء . وقد طلقها بعد عام أو عامين من زواجهما . لقد كانت لديها مواردهاالمالية الخاصة وسكنت لايمستوك لكي تنسى , وفي النهاية تزوجت مـن الأعـزب الـوحـيـدالمؤهل في القرية , ريتشارد سيمنجتون . وقد أثمر الزواج الثاني عن ولدين , وقد كرسوالدهما نفسيهما لرعايتهما , وأعتقد بأن ميجان تشعر بأنها شاذة في هذه الأسرة , فهيلم تكن تشبه أمها , والتي كانت ضئيلة الحجم , وذات جمال باهت وتتحدث بصوت ضعيفتكسوه نبرة كآبة بسبب متاعب الخدم وصحتها المعتلة .

    أما ميجان فكانت فتاةطويلة القامة , خجولة بعض الشيء . وعلى الرغم من أنها فعلية في العشرين من عمرها , فقد بدت مثل فتاة في السادسة عشر من عمرها لا تزال في المدرسة . كان شعرها البنيغير مصفف أبداً , وعيناها ذات أخضر بندقي , وكان وجهها نحيفاً بارز العظام , وابتسامتها خلابة بشكل غير متوقع . وكانت ملابسها قذرة وغير جذابة , وتلبس عادةجوربين بهما ثقوب .
    لقد بدت , كما تراءى لي هذا الصباح , أشبه بحصان أكثر منهاإنسان . في الواقع , كان بإمكانها أن تكون حصاناً جميلاً جداً ببعض التهذيب .
    وكعادتها كانت تتكلم باندفاع . قالت : " لقد كنت متوجهة إلى المزرعة ـ مزرعةلاشر كما تعلم ـ لأرى ما إذا كان لديهم بيض بط . فلديهم عدد كبير من الخراف الصغيرةالجميلة . إنها لطيفة ! هل تحب الخراف ؟ أنا أحبها , حتى إنني أحب رائحتها . "
    قلت : " إن الخراف التي تتم رعايتها رعاية جيدة لا تكون رائحتها سيئة . "
    "
    أليس كذلك ؟ إنها في كل مكان هنا . هل أنت ذاهب للبلدة ؟ لقد رأيتك وحدك , لذا فكرتفي التوقف والسير معك , غير أنني توقفت فجأة . "
    قلت " لقد مزقت جواربك . "
    نظرت ميجان بحزن إلى رجلها اليمنى . ثم قالت : " نعم , ولكن كان به ثقوببالفعل , لذا فإنه لا يهم كثيراً , أليس كذلك ؟ "
    "
    هل أصلحت جواربك من قبل , ميجان ؟ "
    "
    أحياناً , عندما تلاحظها أمي , ولكنها لا تهتم كثيراً بما أفعله ـوهذا من حسن حظي , أليس كذلك ؟ "
    قلت : " يبدو أنكي لم تدركي أنك كبرت . "
    "
    أتعني أنني يجب أن أشبه الدمية مثل أختك ؟ "
    شعرت بالاستياء لوصف جوانا بهذاالشكل ... قلت : " إنها تبدو نظيفة , وأنيقة , ورؤيتها محببة للعين . "
    قالتميجان : " إنها جميلة جداً . إنها لا تشبهك كثيراً , أليس كذلك ؟ ما السبب في عدمتشابهكما ؟ "
    "
    لا يشترط أن يكون الإخوة متشابهين دائماً . "
    "
    نعم , بالطبع , فأنا لا أشبه كولين وبريان , كما أن بريان لا يشبه كولين . " توقفت للحظة ثم قالت : " إنه لأمر عجيب , أليس كذلك ؟ "
    "
    ما هو ؟ "
    أجابت ميجان باختصار قائلة : " الأسر . "
    قلت متأملاً : " أعتقد ذلك . "
    تساءلت عما يدور في ذهنها . سرنافي صمت لدقيقة أو دقيقتين , ثم قالت ميجان بخجل : " أنت طيار , أليس كذلك ؟ "
    "
    بلى . "
    "
    وهذا هو سبب إصابتك ؟ "
    "
    نعم , لقد تحطمت طائرتي . "
    قالت : " لا أحد يمارس الطيران هنا . "
    قلت : " كلا , لا أعتقد ذلك . هل تحبين الطيران ياميجان ؟ "
    بدت وكأنها فوجئت , فقالت : " أنا ؟ يا إلهي ! كلا , سأصاب بالدوار , إنني أصاب بالدوار حتى عند ركوب القطار . "
    توقفت لبرهة , ثم سألت بطريقة مباشرةكالأطفال : " هل ستستطيع الطيران مرة أخرى , أم ستظل عاجزاً للأبد ؟ "
    "
    يقولطبيبي أنني سوف أتعافى وأسترد صحتي . "
    "
    نعم , ولكن هل هو من نوعية الرجالالكذابين ؟ "
    أجبت : " لا أعتقد ذلك . في الحقيقة , أنا متأكد من ذلك تماماً , إنني أثق فيه . "
    "
    إذا كان الأمر كذلك فلا بأس , ولكن الكثير من الناس يكذبون . "
    تقبلت هذه العبارة التي لا يمكن إنكارها بصمت .
    قالت ميجان بطريقة حكيمة : " إنني سعيدة , كنت أخشى أن تكون غاضباً بسبب عجزك ـ ولكن إن كان ذلك طبيعياً , إلاإنه مختلف . "
    قلت ببرود : إنني لست غاضباً . "
    أنت سريع الانفعال إذاً ؟ "
    "
    أنا سريع الانفعال لأنني أتعجل لاشفاء مرة أخرى ـ وهذه الأشياء لا يمكناستعجالها."
    "
    إذن , لماذا أنت قلق ؟ "
    بدأت أضحك . ثم قلت : " عزيزتي , ألمتتعجلي حدوث شيء أبداً ؟ "
    فكرت ميجان في السؤال ثم قالت : " كلا , وما الذييدعوني لذلك ؟ ليس هناك شيء يدعوني للعجلة . فلا شيء يحدث أبداً . "
    صدمت بنبرةاليأس في كلامها , فقلت بلطف : " ماذا تفعلين هنا ؟ " هوت كتفاها .
    قالت : " ماالذي يمكن فعله هنا ؟ "
    "
    أليس لديك أية هوايات ؟ أتمارسين ألعاباً ؟ ألديكأصدقاء هنا ؟ "
    "
    إنني غبية في الألعاب , ولا أحبها كثيراً , ولا يوجد الكثير منالفتيات هنا , الفتيات الموجودات لا أحبهن . فهن يحسبنني فظيعة . "
    "
    هراء ! لماذا يعتقدون ذلك ؟ "
    هزت ميجان رأسها . فقلت : " ألم تذهبي إلى المدرسةإطلاقاً ؟ "
    "
    بلا , ولقد عدت منها قبل عام . "
    "
    هل استمتعت بالمدرسة ؟ "
    لم تكن سيئة , وإن كانوا قد علموني الأشياء بطريقة سخيفة للغاية . "
    "
    ماذاتعنين ؟ "
    "
    حسناً ـ مجرد قشور من هنا وهناك . ينحتون ويغيرون من شيء لآخر . لقدكانت مدرسة رخيصة , كما تعلم , ولم يكن المدرسون على درجة عالية من الكفاءة , فلميكن بوسعهم الإجابة عن الأسئلة بشكل لائق . "
    قلت : " القليل من المدرسين منيستطيع ذلك . "
    "
    لِم لا ؟ من المفترض أن يكونوا أكفاء . "
    وافقتها . فقالت : " بالطبع , أنا غبية جداً . ومثل هذه الأشياء تبدو لي متعفنة . التاريخ مثلاً , لماذا يختلف باختلاف الكتب ؟ "
    قلت : " لأن كتابها مختلفون . "
    واصلت ميجانحديثها قائلة : " والقواعد اللغوية , وموضوعات الإنشاء التافهة , وكل هذه السخافاتالتي كتبها شيلي متغزلاً في القبرات , ووردس ورث الذي أذهب شعره على نباتات النرجسالبري . وشكسبير . "
    تساءلت باهتمام : " وما العيب في شكسبير ؟ "
    "
    إنهيتحذلق ويتحاذق ليقول أشياء في غاية الصعوبة , بحيث لا تستطيع فهم ما يعنيه, ومعذلك فإنني أحب بعض أعماله . "
    قلت : " إنني متأكد من أن ذلك يسعده كثيراً . "
    يبدو أن ميجان لم تشك بنبرة السخرية التي تكسو كلامي , حيث قالت متهللة
    الأسارير : " فأنا أحب مثلاً شخصيتي جونريل وريجان . "
    "
    لماذا هاتان بالذات؟ "
    "
    أوه , لا أدري , إنهما تشعراني بالرضا إلى حد ما . لماذا كانتا كذلك فيرأيك ؟ "
    "
    ماذا كانتا ؟ "
    "
    كانتا كما هما , شريرتين في الرواية . أعنيأنهما لابد أن هناك شيء جعلهما كذلك ؟ "
    لأول مرة يطرح علي هذا السؤال , فقدكانت مستقرة دائماً في وجداني فكرة أن ابنتي الملك لير فتاتان شريرتان , وهذا ماارتضيته لنفسي , ولكن تساؤل ميجان عن الأمر جعلني أهتم .
    قلت : " سأفكر في ذلك . "
    "
    أوه , إن الموضوع ليس ذا أهمية , وإنما كنت أتساءل فقط . فهذا هو الأدبالإنجليزي على أية حال , أليس كذلك ؟ "
    "
    تماماً , تماماً , ألم تعجبك أي مادةأخرى ؟ "
    "
    الرياضيات فقط . "
    تساءلت مندهشاً : " الرياضيات ؟ "
    تهللتأسارير ميجان . وقالت : " لقد أحببت الرياضيات , ولكنها لم تُدرس على الوجه الأمثل , لكم تمنيت لو تعلمتها بشكل جيد حقاً , إنها مادة ساحرة . أعتقد أن الأرقام فيهانوع من السحر , أليس كذلك ؟ "
    قلت بصدق : " لم أشعر بذلك مطلقاً . "
    كنا الآنعلى وشك دخول شارع هاي ستريت . قالت ميجان بحدة : " هاهي الآنسة جريفيث . يا لها منامرأة كريهة . "
    "
    ألا تحبينها ؟ "
    "
    إنني أمقتها . فهي تلح علي دائماً حتىأنضم إلى جماعتها من فريق الكشافة المثيرات للاشمئزاز . إنني أكره فتيات الكشافة . ما الذي يدفع الواحدة منا إلى ارتداء أزياء خاصة والسير في مجموعات ووضع شارات علىملابسها من أجل شيء لم تتعلم فعله بطريقة صحيحة ؟ أعتقد أنه مجرد هراء . "
    كنتبصفة عامة متفق مع ميجان , غير أن السيدة جريفيث هبطت علينا قبل أصارحها بموقفي .
    كانت أخت الطبيب التي تحمل اسم إيمي جريفيث تتمتع بقدر من الثقة بنفسها يفوقما يتمتع به شقيقها . وقد كانت امرأة جميلة , ذات وجه أشهب نتيجة التعرض للشمس , وكان صوتها عميقاً ويحمل نبرة ودودة .
    أشارت إلينا قائلة : " مرحباً بكما , إنهصباح لطيف , أليس كذلك ؟ ميجان عي من أردت رؤيته . أريد مساعدتك في كتابة عناوينالمظاريفإلى جمعية المحافظين ."
    تمتمت ميجان بشيء مراوغ , ثم ألقت بدراجتها علىحافة الطريق , واختفت بطريقة عمدية داخل المتجر الدولي .
    قالت الآنسة جريفيث : " طفلة غريبة , إنها كسولة للغاية . فهي تقضي وقتها بالتسكع . لابد أنها تمثل مشكلةللسيدة المسكينة سيمنجتون . أعرف أن أمها حاولت أكثر من مرة تشجيعها على امتهانمهنة ما ـ الكتابة على الآلة الكاتبة , أو الطهي , أو تربية الأرانب . إنها بحاجةلشيئ تهتم به في الحياة . "
    كنت أعتقد أن ذلك صحيح إلى حد بعيد , غير أنني شعرتلو أنني مكان ميجان لرفضت بحزم مقترحات الآنسة جريفيث وما ذلك إلا بسبب شخصيتهاالعدوانية التي كانت لتحول حياتي إلى جحيم ...

    تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

    درع الأسد لبيك يا أسدنا
    من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
    ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

    Comment


    • #3
      رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

      الفصل الثالث

      في عصر ذلك اليوم ذهبنا لتناول الشاي معالسيد باي .
      كان السيد باي رجل في غاية البدانة , ذا منثوي أنثوي , وكان يقضي كلوقته في العناية بمقتنياته من الأثاث البرجوازي الطراز , وتماثيل راعيات الأغنامومجموعة أخرى من التحف . وكان يعيش في منزل برايولودج والذي كان يقع في أرض كانت فيالماضي تابعة لدار عبادة قديمة .
      وبكل تأكيد كان لطبيعة السيد باي في الاهتمامبالمنزل بكل رعاية أثرها في إضفاء جمال عليه , فقد كان هذا المنزل منزلاً في غايةالروعة , وكانت كل قطعة أثاث فيه تبدو لامعة و براقة وموضوعة في المكان الذييناسبها تماماً . وكانت الستائر تتناغم تناغماً لونياً بديعياً مع الأثاث الذي كانيكسوه أغلى أنواع الحرير .
      ولقد كان من المستحيل تصديق أن هذا المنزل يسكن فيهرجل بمفرده , فلقد أصابتني الدهشة لأنني وجدت أن من يعيش في هذا المنزل سوف يكونكمن يعيش في متحف . وكانت متعة السيد باي الكبرى هي أن يجول بضيوفه في أرجاء المنزل . وعندها لن يكون بوسع أي أحد أن يهرب من هذه الجولة , حتى أولئك الذين يدركون قيمةما في المنزل من أثاث فخم وتحف ثمينة . فحتى لو كان مفهومك متطلبات المعيشة يقتصرعلى الأشياء الأساسية والتي هي المذياع والمائدة والمغطس والفراش وما يحيط بهذهالأشياء من الجدران , فلن يألو السيد باي جهداً في أن يدلّك على أشياء أفضل .
      وكانت يداه الصغيرتان المكتنزتان ترتعشان عندما كان يصف لنا ثرواته ، وكان صوتهيرتفع بحدة عندما كان يروي لنا الملابسات التي استطاع من خلالها إحضار هيكل فراشةالإيطالي هذا من فيرونا .
      ولأنني وأختي كنا نعشق التحف والأثاث ذات الطرازالعتيقفقد لقينا استحساناً لديه.
      وقال السيد باي : " إنني لسعيد أيما سعادة بصحبتكماهذه . إن هؤلاء الناس الأعزاء الذين يعيشون حولنا - كما تعلمون - هم بكل أسف مجموعةمن القرويين السذج - لا أريد أن أقول إنهم أجلاف . إنهم لا يدركوا أي شيء . ما همإلا مجموعة من الجهلة - جهلة تماماً ! والوضع في داخل منازلهم قد يدفعك للبكاء ياسيدتي العزيزة ، أأكد لك أنه سيدفعك للبكاء , أو ربما قد تكونين بكيتي بالفعل إذارأيت منازلهم . " ، ولكن جوانا قالت إن الأمر لم يصل معها إلى هذا الحد .
      تذمرالسيد باي , وارتجف قليلاً ثم غمغم في حزن : " إلا أنك تتفهمين ما أقول , أليس كذلك؟ إنهم يضعون الأشياء المتنافرة بجانب بعضها البعض بشكل مريع ! لقد رأيت ذلك بأمعيني . قطعة أثاث من طراز شيراتون ـ قطعة في غاية الجمال ـ لابد أنهم اشتروها منجامع تحف بلاستيك , ورأيت بجانبها مائدة مناسبات فيكتورية الطراز , أو لعلها كانتمصنوعة من خشب البلوط المدخن الذي يستخدم في صنع حافظات الكتب ـ نعم بلوطمدخن . "
      ثم استطرد قائلاً : " لماذا يتصف الناس بهذا القدر من الجهل ؟ إنكم توافقونني . أنا واثق من أنكم توافقونني على أن الجمال هو الشيء الوحيد الذي يستحق أن نحيا منأجله . "
      أجابته جوانا وهي مأخوذة بمدى صراحته : " نعم , نعم كما تقول . " فتساءل السيد باي : " إذاً فلماذا يملأ الناس حياتهم بالقبح ؟ "
      قالت جوانا : " إن هذا شيء غريب . "
      صاح السيد باي : " شيء غريب ؟ إنها جريمة نكراء ! إن هذا هوما أسميه بالجريمة النكراء ! فلا يستطيع هؤلاء أن يسوقوا إلى مبررات لما يفعلون إلاأن يقولوا إن هذا يشعرهم بالارتياح . أو إنه جذاب وفريد من نوعه , فريد من نوعه ياله من قول فظيع ! "
      ثم استطرد السيد باي قائلاً : " إن ذلك المنزل الذي أخذتماه , هو منزل الآنسة إيميلي بارتون . وهو أمر رائع , فهي تمتلك بعض التحف الجميلة , إنها رائعة للغاية . ولعل واحدة أو اثنتين من هذه التحف هي تحف من الدرجة الأولى . ولديها أيضاً حس جمالي عال ـ على الرغم من أنني حالياً لست على يقين من هذا كما كنتفي السابق . فأحياناً يراودني إحساس بأن سبب هذا هو الألفة لا أكثر . أنها تحب أنتحتفظ بهذه الأشياء على الصورة التي كانت دائماً عليها , ولكنها لا تفعل هذا للدافعالصحيح ـ إنها لا تحافظ على تناسق هذه القطع بدافع من حسها الجمالي , وإنما لأنأمها تعودت أن تضع هذه التحف على هذا النسق . "
      ثم تحول باهتمامه إلي وتغيرتنبرة صوته . من نبرة صوت فنان حالم إلى نبرة أب ناصح : " إنكما لم تتعرفا على أحدمن أفراد العائلة , أليس كذلك ؟ نعم , بالقطع تعرفتما عليهما عن طريق السماسرة . ولكن يا أعزائي عليكما أن تتعرفا على أفراد العائلة ! عندما حضرت إلى هذا المكانلأول مرة كانت الأم الكبيرة لا تزال على قيد الحياة . لقد كانت إنسانة فوق العادةبكل ما تحمل الكلمة من معان ! لقد كانت وحساً إذا كنتما تدركان ما أقول , وحش بكلتأكيد . كانت تشبه وحشاً كلاسيكياً من العصر الفيكتوري وهي تلتهم صغارها . نعم هذاهو ما أقصده . لقد كانت إنسانة عتيقة الطراز ـ لقد كان لها ثقل ومكانة , وكانتبناتها الخمس يدرن في فلكها . كانت دائماً تشير إليهن بكلمة " البنات " ! في حين أنكبراهن كانت قد تجاوزت الستين من عمرها في ذلك الحين . وأحياناً كانت تناديهنبالبنات الحمقاوات . كنَّ كالإماء , وكنَّ دائماً يطعنها , ويحضرن لها ما تريدويحملن لها ما تشاء . وكان عليهن أن يخلدن للنوم مع دقات الساعة العاشرة مساءً , ولم يكن يسمح لهن بأن يوقدن ناراً في مخادعهن , ولم تكن إحداهن تجرؤ على أن تدعوصديقة لها بالمنزل . تعلمون أنها قد حرمتهن من الزواج , وقامت بتخطيط حياتهة بشكللا يتمكن به عملياً من مقابلة أي إنسان . أعتقد أن إيميلي , قد دخلت في علاقة قصيرةالأجل مع أحد رعاة الأبرشية . ولكن عائلته لم تكن عريقة بما فيه الكفاية , وسرعانما وضعت الأم حداً لهذه العلاقة . "
      قالت جوانا : " إن هذا يبدو ككلام الروايات . "
      قال السيد باي :" نعم عزيزتي , هذا صحيح . ثم حدث أن ماتت تلك السيدةالمسنة, ولكن بالطبع بعد أن فات الأوان كثيراً . لقد ظلت البنات يعشن في ذات المكان , ويتكلمن بأصوات هامسة عما كانت ستتمناه الأم المسكينة . حتى أنهن لم يجرؤن علىتغيير أوراق الحائط في غرفة نومهن . إلا أنهن مع هذا استطعن أن ينلن بعض التسلية فيالأبرشية بوسيلة أو بأخرى ... إلا أنه سرعان ما توفيت إحداهن تلو الأخرى لأنهن لميستطعن مواصلة الحياة من دون أمهن . فماتت إيديث بمرض الإنفلونزا , وماتت ميني منعملية جراحية لم تتعافى منها , أما مايبل المسكينة فأصيبت بسكتة دماغية ـ وتولتإيميلي رعايتها بكل إخلاص وتفان . وبالفعل لم تفعل تلك المرأة المسكينة في العشرسنوات الماضية إلا رعاية أختها . يا لها من إنسانة رائعة , ألا توافقانني ؟ إنهاتشبه تحفة ثمينة . إنه لشيء مؤسف أن تعاني من تلك الأزمات المالية . إلا أنه منالمعروف أن جميع الاستثمارات قد عانت من هذا الكساد . "
      قالت جوانا : " إننانشعر بالضيق لأننا سوف نسكن في منزلها . "
      قال السيد باي وهو ينحني بعض الشيء : " كلا , كلا يا عزيزتي . عليكي ألا تفكري بهذه الطريقة . لقد أخبرتني صديقتهاالعزيزة فلورنسا ـ والتي تقوم على خدمتها ـ بأنها في غاية السعادة لأنها حظيتبمستأجرين على هذا القدر من اللطف مثلكما , لقد رأت هذا من يمن طالعها . "
      قلت : " إن ذلك المنزل يتمتع بجو باعث على الاسترخاء . " وعندئذٍ نظر إلي باي نظرة خاطفةوقال : " حقاً ؟ هل تشعر بذلك حقاً ؟ إن هذا شيء مشوق . لقد كنت أتعجب كما تعلمان , نعم لقد كنت أتعجب . "
      سألت جوانا : " ماذا تعني يا سيد باي ؟ "
      قال السيدباي وهو يفرق كفيه المكتنزتين : " لا شيء . لا شيء . إن الإنسان ليعجب أحياناً , هذا هو كل مافي الأمر . إنني أؤمن بفكرة الجو المحيط هذه . إنني أؤمن بأن أفكارالناس هذه وأحاسيسهم تنطبع على الأثاث والجدران . "
      ولم أنبس بعدها بكلمة لدقيقةأو دقيقتين . كنت أنظر في المكان من حولي وأتساءل كيف يمكنني أن أصف جو منزلبرايولودج . لقد كان أكثر ما لفت انتباهي أنه منزل ليس به أثر لأي روح ! لقد كانشيئاً عجيباً بالفعل .
      لقد استولت علي هذه الفكرة تماماً لدرجة أنني لم أسمعحرفاً من المحادثة الدائرة بين جوانا ومضيفها. إلا أنني انتبهت لنفسي عندما سمعتجوانا تقول بعض العبارات التي تدل على مغادرتنا , فاستيقظت من أحلام اليقظة وأدليتبدلوي في هذه العبارات .
      وخرجنا جميعاً إلى الردهة . وعندما وصلنا إلى بابالمنزل , وجدنا أن هناك خطاباً كن قد وصل عبر البريد , وكان ساقطاً على ممسحةالأقدام أمام الباب .
      غمغم السيد باي وهو يلتقط الخطاب : " بريد بعد الظهيرة . والآن يا أعزائي , إنكما سوف تكررا الزيارة , أليس كذلك ؟ لقد حظيت بسعادة بالغةلصحبة شخصين مثلكما ذوي عقول متفتحة , عقول تقدر الفن بالفعل , فأنتما تعلمان أن كلهؤلاء الناس الذين يعيشون في هذه المنطقة لا يمتلكون أي حس فني على الإطلاق , فمثلاً إذا ما ذكرت أمامهم كلمة باليه فكل ما تعنيه هذه الكلمة لديهم هو الرقص علىأصابع الأقدام , والتنورات الحريرية والسادة المهذبين ذوي عوينات الأوبرا الزجاجيةالذين تبلغ أعمارهم تسعين عاماً . هذا بالفعل هو كل ما تعنيه الكلمة لهم . إننيأراهم أناس يتخلفون عن وقتنا هذا بنصف قرن على الأقل . إن إنجلترا لبلد بديع , وبهكما تعلمان مناطق المعزولة . وبلدة لايمستوك هي واحدة من تلك المناطق المعزولة . إنني من خبرتي كجامع للتحف أراها بلدة مثيرة للاهتمام ـ فعندما أكون هنا أشعر كمالو أنني في داخل واجهة زجاجية ينظر الناس من خلالها . إنني أشعر كما لو أنني أعيشفي مياه راكدة , حيث لا شيء يكسر نمط الحياة الرتيب . "
      وبعد أنا صافحنا السيدباي مرتين , ساعدني بعناية بليغة على الصعود إلى العربة , واتخذت جوانا مكانها خلفعجلة القيادة , ودارت بحرص حول مساحة من الأرض مغطاة بعشب مشذب , ثم مضت في خطمستقيم , ورفعت يدها ملوحة لمضيفنا الذي وقف عند درجات مدخل البيت . وملت بجسديللأمام مودعاً إياه أنا أيضاً بدوري .
      إلا أنه لم يلاحظ إشاراتنا المودعة تلك . فقد كان مستغرقاً في قراءة الخطاب الذي وصله للتو .
      كانت جوانا قد وصفته ذاتمرة بأنه ملاك مكتنز وردي اللون . لقد كان ما يزال في هذه اللحظة مكتنزاً , ولكنهكان يبدو أبعد ما يكون عن شكل الملاك . فلقد انقلب وجهه الملائكي إلى وجه تكسوهالحمرة من فرط الغضب وشدة الصدمة .
      وفي هذه اللحظة , لاحظت أن مظهر الخطاب يبدومألوفاً . لم أكن قد لاحظت هذا مسبقاً ـ لقد كان هذا من الأشياء التي تشعر بأنهامألوفة حينما تقع عليها عيناك دون أن تدرك أنك قد فعلتها من قبل , ولكن أين ومتى لاتعلم .
      قالت جوانا : " يا إلهي , ما الذي أزعج ذلك المسكين ؟ "
      قلت : " إننيأتعجب أنا أيضاً , ترى هل هي الأيدي الخفية مرة أخرى ؟ ط
      نظرت لي بدهشة , فانحرفت السيارة عن مسارها . قلت لها : " احترسي يا فتاة . "
      عادت جوانا تنتبهللطريق . وقالت لي بوجه متجهم : " أتعني أن ذلك الخطاب مثل الذي تلقيته أنت ؟ "
      قلت لها : " هذا ما أظن . "
      تساءلت جوانا : " ما هذا المكان ؟ إنه يبدوكأكثر مكان هادئ في إنجلترا . "
      قاطعتها قائلاً وكما قال السيد باي , لا شيءيكسر نمط الحياة الرتيب . لقد اختار الوقت الأسوأ لهذا القول , فهناك شيء قد كسرنمط الحياة الرتيب .
      قالت جوانا : " ولكن من الذي يكتب مثل هذه الخطابات ياجيري ؟ "؟
      هززت كتفيّ قائلاً : " وكيف لي أن أعرف يا عزيزتي ؟ لا بد أنه أحدالقرويون ذوي العقول غير الناضجة . "
      قالت : " ولكن لماذا ؟ إن هذا لتصرف فيغاية الحماقة . "
      قلت : " إذا قرأت لفريود أو لـ يونج فستجدين إجابة على سؤالك , أو يمكنك أن تسألي الدكتور أوين . " هزت جوانا رأسها قائلة : " إنني لا أروق له . "
      قلت لها : " ولكنه لم يرك إلا قليلاً . "
      قالت : " لكن من الواضح أنه رآنيبدرجة تكفي لأن يغير طريقه إذا صادف وأن رآني قادمة من نفس الطريق . "
      قلت لهابتعاطف : " إنه رد فعل غير اعتيادي , ولا يبدو أنك معتادة عليه . ط
      عبست جوانامرة أخرى وقالت : " كلا , ولكن حقاً لماذا يكتب الناس رسائل مجهولة كالتي تصلنا ؟ "
      قلت لها : " كما قلت لك , لأن عقولهم غير ناضجة . أعتقد أن هذا يعوض نقصاً فينفوسهم . فمثلاً إذا كنت مهملة أو محبطة أو منبوذة , وتشعرين بالسؤم والخواء , فسوفتحسين ببعض القوة عندما تطعنين الآخرين في الظلام , هؤلاء الآخرون الذين يحييون فيسعادة ورفاهية . "
      ارتجفت جوانا قائلة : " إن هذا ليس جميلاً على الإطلاق , هكذايكون علي أن أتخيل أناس هذه القرية كأناس بدائيينيقومون بتصرفات شاذة , أعتقد أنمن قام بهذا شخص أمي , أعتقد أنه لو كان متعلماً لـ ... ط
      توقفت جوانا ولم تكملجملتها , ولم أعلق أنا بكلمة . فلم أكن قادراً أبداً على أن أتقبل الاعتقاد الذييقول بأن التعليم هو دواء لكل داء .
      وبينما كانت السيارة تنطلق باتجاه طريقمرتفع , وقبل أن نمضي صاعدين ذلك الطريق الرئيسي , أخذت أختلس النظر بفضول إلىمعالم الطريق السريع . ورأيت إحدى النساء الريفيات ذوات الأجسام الممشوقة القواموكانت عيناها تحملان الكثير من لاحقد والخبث , وربما كانت تخطط للمزيد من التصرفاتالحاقدة .
      ولكنني مع هذا لم أستطع أخذها على محمل الجد ...
      2
      بعد انقضاءيومين , ذهبنا إلى إحدى الحفلات التي كان يقيمها آل سيمنجتون .
      لقد كان هذا فيعصر يوم سبت ـ فآل سيمنجتون دائماً ما يقيمون احتفالاتهم يوم السبت, لأنهم في هذااليوم يغلقون مكاتبهم .
      لقد كانت هناك طاولتان للعب الورق , وكان اللاعبون هم آلسيمنجتون , ونحن , والآنسة جريفيث , والسيد باي والآنسة بارتون , والكولونيل أبلتونوالذي لم نكن قد التقيناه من قبل , والذي كا يعيش في بلدة كومبياكر وهي بلدة تبعدعن بلدتنا حوالي سبعة أميال . لقد كان نموذجاً للشخص الساذج شديد المحافظة في نظرتهإلى شؤون البلاد العامة , وكان في الستينيات من عمره , وكان يحب أن يلعب بأسلوبيسمى " اللعب الهجومي . " ( والذي كان دائماً ما ينتهي بإحراز خصمه لمكاسب كبيرةعلى حسابه ) ولقد كان معجباً للغاية بجوانا , لدرجة أنه لم يرفع عنها عينه طوالالأمسية .
      ولهذا السبب كنت مظطراً لأن أوافقه على أن أختي هي أكثر شيء جذاب شوهدفي لايمستوك منذ زمن بعيد .
      وعندما وصلنا إلى الحفل كانت إليسي هولاند مربيةالأطفال تحاول تجميع ألعاب الورق وإحراز المزيد من النقاط , وكانت تقوم باللعب علىمنضدة مزينة بأسلوب جذاب . كانت تختال في رشاقة وخفة , بنفس الطريقة البديعةالخلابة التي رأيتها تسير بها لأول مرة . ولكن لم أشعر بنفس تأثير سحرها , كما شعرتبه من قبل ـ وهذا ما يبعث على الحنق والغيظ ـ لقد كانت آية في الرشاقة والجمال , ولكنني لاحظت لها أسناناً بيضاء عريضة بشكل غير طبيعي , وكانت عندما تضحك وتظهرلثتها تبدو كإحدى الفتيات الثرثارات .
      وسمعتها تقول : " هل هذه هي أوراق اللعبالصحيحة يا سيدة سيمنجتون؟ إنني دائما أكون على قدر من الحماقة . بحيث لا أذكر أبداأين وضعتها . إنه خطئي . لقد كانت في يدي آخر مرة عندما نادى علي برايان قائلا أنمحرك سيارته قد أصابه عطب , فهرعت إليه وانشغلت معه , ولا بد أنني ألقيت بها في أيمكان بحماقه . وهذه الأوراق ليست هي الأوراق الصحيحة , لقد أدركت هذ الآن , إنهاتميل إلى الآصفرار بعض الشيء عند حوافها . هل علي أن أخبر آجنس بأن ميعاد تانولالشاي في الساعة الخامسة ؟ سوف أصطحب الأطفال إلى لونج بارو حتى لا يسببوا الضوضاء . "
      يا لها من فتاة لطيفة وحنونة وذات شخصية براقة . والتقت عيناي بعيني جوانا . لقد كانت تضحك , نظرت اليها ببرود , فقد كانت جوانا على الدوام تستطيع أن تعرف مايجول في ذهني .عليها اللعنة .
      ثم جلسنا امام طاولة اللعب , وبدأت أتعرف علىقدرات أهل لايمستوك في لعب الورق . فالسيدة سيمنجتون كانت على قدر كبير من البراعةفي اللعب , وكانت توجه كامل اهتمامها للعبة . وكانت كباقي النساء الغير متعلمات لاتنقصها الفطنة والفراسة . وكانت حادة الطباع بعض الشيء . وكان زوجها كذلك لاعباماهرا إلا أنه كان مبالغا في حذره . أما السيد باي فقد كان مبهراً في طريقة لعبه , لقد كان تأثيره النفسي على الحاظرين طاغيا . ولما كان هذا الحفل على شرفنا . فقدلعبنا على ذات الطاولة مع السيدة سيمنجتون والسيد باي . لقد كان السيد سيمنجتونيضطلع بمهمة تهدئة المنافسة إذا ما حمى وطيسها بين اللاعبين , وأن يصفي أي خلافاتقد تنشب بينهم وهم على الطاولة . وكما ذكرت سابقا كان الكولونيل أبلتون مولعاًبالأسلوب الهجومي في اللعبة . ولقد كانت السيدة بارتون بكل تأكيد أسوأ لاعبة رأيتهافي حياتي . إلا أنها كانت تستمتع باللعب كثيرا , ولقد استطاعت أن تحفظ دروسا فياللعبة , إلا أنها لم تستطع أن تفهم كيفية إحراز النقاط في هذه اللعبة . وكانتدائما ما تختلط عليها الأوراق فلم تلق بورقة صحيحة واحدة طوال مدة اللعبة . أما عنأسلوب لعب إيمي جريفيث فيمكن تلخيصه في كلماتها التي قالتها عن نفسها : " إنني أفضلعلب الورق عندما لا يتخلل اللعبة الكثير من الهراء , فأنا لا أحب تلك الطرقالمخادعة بتمرير المعلومات خلسة إلى شركاء اللعب . وإنني أعني ما أقول , وكذلك لاأحب أن ننخرط في تحليل ونقد اللعبة بعد انتهائها . ففي نهاية الأمر ما هي إلا مجردلعبة ! " وهو الأمر الذي لم يجعل من مهمة السيدة سيمنجتون مهمة يسيرة .
      وهكذابدأ اللعب , وقد نسي الكولونيل أبلتون أن يلعب دوره عدة مرات لانشغاله بالنظر إلىجوانا .
      ثم تم تقديم الشاي , وقد وُضع على طاولة كبيرة مستديرة . وبعد أنانتهينا من اللعب , دلف إلى الغرفة طفلان صغيران وقامت السيدة سيمنجتون بتقديمهماإلينا وهي في غاية الفخر , وكذلك كان والدهما .
      وبينما نحن نستعد للرحيل , لاحلي ظل أثار انتباهي فنظرت وإذا بميجان واقفة عند الشرفة .
      قالت الأم : " أوه , ميجان . "
      كانت نبرة صوتها تحمل قدراً من المفاجأة وقد بدا أنها نسيت وجود ميجان . ودلفت الفتاة إلى المنزل , وصافحتنا بأسلوب خالٍ من أي لباقة .
      قالت السيدةسيمنجتون بصوت يحمل نبرة اعتذار : " أخشى أنني نسيت أن أعد لك الشاي يا عزيزتي , فقد أخذت الآنسة هولاند قدح الشاي الخاص بها معها وكذلك فعل الأولاد , ولم يتبق شيءمن ساي الأطفال اليوم ,لقد نسيت تماماً أنك لم تذهبي معهم ."
      أومأت ميجان برأسهاقائلة " لا بأس , سوف أذهب إلى المطبخ . "
      ثم خرجت من الغرفة وهي تمشي الهويني . وكانت كعادتها مهلهلة الملابس , وترتدي الجوارب المثقوبة عند الكعبين .
      قالتالسيدة سيمنجتون وهي تضحك بطريقة تنم عن الاعتذار : " يا لميجان المسكينة , إنهاالآن تمر بتلك السن الحرجة كما تعلمون , تلك السن التي تكون الفتيات فيها خجولاتومرتبكات لأنهن قد تركن المدرسة قبل أن يتم نضجهن ويصبح سيدات بحق . "
      نظرت إلىجوانا , فوجدتها تميل برأسها إلى الوراء وهي بادرة عنف وأعرفها جيداً , وقالت : " ولكن ميجان في العشرين من عمرها , أليس كذلك ؟ "
      "
      بلى بالفعل , ولكنها متأخرةذهنياً عن سنها الفعلي , فهي لا تزال طفلة , إنه لشيء لطيف ألا يكبر أطفالنا بسرعة . " ثم ضحكت مرة أخرى وقالت : " أراهن على أن كل الأمهات يجببن أن يضل أطفالهنرضعاً . "
      قالت جوانا : " لا أستطيع أن أدرك السبب في هذا , فلا بد أن أمر مخزٍأن يكون العمر العقلي للإنسان لا يتجاوز السادسة , بينما جسده جسد شخص في العشرينمن عمره . "
      قالت السيدة سيمنجتون : " هذه الأمور لا تؤخذ على علاتاها يا آنسةبيرتون . "
      أحسست في تلك اللحظة أنني لا أميل كثيراً للآنسة سيمنجتون . لقدأحسست أن خلف هيأتها النحيفة ذات الجمال الباهت تلك طبيعة أنانية مسيطرة . ثم بدأتتتكلم كلاماً زاد من كراهيتي لها . " يا لميجان المسكينة , إنها لطفلة صعبة المراس , لقد كنت أبحث لها عن أمر تنشغل به ـ أعتقد أن هناك أشياء كثيرة يمكن للمرء أنيتعلمها من خلال المراسلة . كتصميم وتفصيل الثياب ـ أو يمكنها أن تتعلم الكتابةالاختزالية . "
      وكان لا يزال تطل من عيني جوانا نظرة حنق . وقالت عندما جلستاثانية قبالة طاولة اللعب : " أعتقد أنها تستطيع أن تحضر بعض الحفلات وما شابه ذلك . ألا تفكرين فس إقامة حفل راقص على شرفها ؟ "
      قالت السيدة سيمنجتون بمنتهى الدهشة : " حفلة راقصة ؟ كلا بالطبع , إننا لم نعتد القيام بمثل هذه الأمور هنا . "
      "
      فهمت , إنكم لا تقيمون إلا حفلات التنس أو ما شابه ذلك . "
      "
      إن ملعب التنس ـالخاص بنا لم يمارس أحد اللعب عليه منذ سنين . وإنني لا أمارس التنس ولا ريتشاردأيضاً . ولكن ربما عندما يشب الولدان ـ سوف تجد ميجان الكثير من الأمور لكي تفعلها . إنها الآن تجد سعادتها في التجول في الأنحاء القريبة . ترى هل نسيت أن أوزع الورق؟ "
      بينما كنا في طريق عودتنا بسيارتنا , قالت جوانا وهي تظغط على دواسة البنزينبقوة جعلت السيارة تندفع بسرعة " إنني أرثى لحالة هذه الفتاة بشدة . "
      "
      أتعنينميجان ؟ "
      "
      نعم , إن أمها لا تحبها . "
      "
      لا يا جوانا , الأمر ليس بهذاالسوء . "
      "
      بل هو بهذا السوء , هناك الكثير من الأمهات لا يحببن أطفالهن . إننيأستطيع أن أتخيل هذا الأمر : فميجان هي مصدر للإحراج في هذه العائلة . إنها تفسدالصورة المثالية لعائلة سيمنجتون , فبدونها تبدو العائلة كياناً متكاملاً لا يعبهشيء ـ وهذا الأمر يسبب لهذه المخلوقة الحساسة ضرراً لا يفوقه أي ضرر . "
      قلت لها : " نعم , إنني أراها إنسانة حساسة للغاية . "
      ران علينا الصمت لحظة .
      قالجوانا : " إن الحظ لم يحالفك مع مربية الأطفال تلك . "
      قلت لها بكبرياء : " لاأدري ماذا تعنين . "
      "
      كفاك من هذا الهراء , إنك تعلم جيداً ما أعني , لقد كساوجهك حنق ذو طابع ذكوري عندما كنت تنظر إليها , إنني أوافقك أنها ساخرة . "
      "
      لاأعرف عم تتحدثين . "
      "
      إلا أنني مع هذا سعيدة . إنها إشارة جيدة على أنك عدت إلىالحياة من جديد . لقد كنت في المصحة , فهناك لم تكن حتى لم تلق بالاً لتلك الممرضةالحسناء التي كانت تقوم على رعايتك , رغم أنها كانت آية في الحسن . "
      "
      إنني أجدفي كلامك ابتذالاً يا جوانا . "
      إلا أنها واصلت حديثها كأنها لم تسمعني وقالت : " ولهذا شعرت براحة كبيرة عندما رأيتك تبدي اهتماماً بفتاة حسناء . إنها بالفعلحسناء ولكن الغريب أنها ليست جذابة . هناك شيء لا أعرفه يجعل بعض الفتيات جذاباتوالبعض لا . ما الذي يجعل الرجال يفتنون ببعض النساء حتى وإن لم يقلن إلا عادياًعلى شاكلة : " يا لهذا الطقس السيء ."وهناك نساء يملكن وجوهاً آية في الحسن والجمال (أفروديت) ولكنهن غير جذابات على الإطلاق . وتجد أن النساء الأقل جمالاً يمتلكن هذاالسحر وهو الأمر الذي يقود الفتيات الأخريات إلى الجنون , ويقلن : لا أعرف ماذا يرىالرجال في تلك المرأة , إنها غير جميلة على الإطلاق . "
      "
      هل انتهيتي يا جوانا ؟ "
      "
      ألا توافقني الرأي ؟ "
      ابتسمت قليلاً وقلت : " أعترف بأنني أصبت بشيء منخيبة الأمل . "
      "
      وإني لا أرى لك بديلاً غيرها وقد تضطر إلى أن تحول اهتمامك إلىإيمي جريفيث . "
      قلت لنفسي : " لا سمح الله . "
      قالت جوانا : " إنها فتاةحسناء كما تعلم . "
      "
      إنها تبدو لي كواحدة من مقاتلات الأمازون . "
      قالتجوانا : " يبدو لي أنها تستمتع بحياتها جيداً . وهي طيبة القلب أيضاً . إنني لنأندهش لو علمت أنها تستحم بماء بارد كل صباح . "
      سألتها : " وماذا أنت فاعلة فينفسك ؟ "
      "
      في نفسي ؟ "
      "
      نعم , إنك تحتاجين لأن تشغلي نفسك بأمر ما , فأناأعرفك جيداً . "
      تنهدت جوانا بعمق وقالت : " من لاذي يتحدث بابتذال الآن ؟ وغيرهذا أنك نسيت بول . "
      "
      إنني لن أنساه بأسرع مما تنسيه أنت , إنك خلال عشرة أيامسوف تقولين : بول؟ بول من ؟ إنني لا أعرف أحداً يدعى بول . "
      قالت جوانا : " إنكتظنني امرأة متقلبة المزاج . ط
      "
      عندما يتعلق الأمر بأناس مثل بول فإنني أكونسعيداً لتقلب مزاجك هذا . "
      "
      إنك لم تحبه يوماً , إلا أنه كان على درجة شديدةمن العبقرية . "
      "
      ربما , مع أنني أشك في هذا . على أي حال سمعت أن العباقرةأناس لا يطاقون . والجيد في الأمر أنك لن تستطيعي أن تجدي عبقرياً هنا . "
      فكرتجوانا بعض الوقت وهي تحني رأسها ثم قالت بنبرة نادمة : " أخشى أن يكون هذا صحيحاًيا جيري . "
      قلت لها : " على أية حال ليس لديك إلا أوين جريفيث . إنه هو الأعزبالوحيد في هذه البلدة . إلا إذا كنت تفكرين في الكولونيل أبلتون ؛ فلقد كان ينظرإليك كالكلب الجائع طوال جلستنا . "
      ضحكت جوانا قائلة : " نعم لقد كان يحدق إليبشدة , أليس كذلك ؟ لقد كان هذا الأمر محرجاً للغاية . "
      "
      كفِّي عن التظاهر , إنك لم تشعري بالإحراج للحظة . "
      مضت جوانا في القيادة وتجاوزت البوابة إلىالمرآب . ثم ثالت : " ربما تكون محقاً إلى حد ما في فكرتك تلك . "
      "
      أية فكرة ؟ "
      "
      لا أفهم لماذا يقدم رجل ما على أن يغير من طريقه لكي يتجنبني , إن هذا لتصرفوقح ـ بصرف النظر عن أي شيء . "
      قلت لها : " فهمت , إنك تريدي اصطياد الرجل بدمبارد . "
      "
      إنني لا أحب أن يتجنبني أحد . "
      خرجت من السيارة بحذر , وتوكأتعلى عكازي ثم قدمت لأختي نصيحة ..
      "
      دعيني أقول لك هذا يا فتاة . أوين جريفيثليس كأي من رفاقك الخاملين ذوي الطبيعة المحبة للفن . وإذا لم تأخذي حذرك سوف تفتحيعش الدبابير . إنه لرجل خطير . "
      قالت جوانا وبدا أنها تستمتع بهذا الأمر : " هلتعتقد هذا ؟ "
      قلت لها بإصرار : " هلا تركت ذلك الرجل لحاله ؟ "
      "
      كيف يجرؤعلى تغيير طريقه ليتجنبني ؟ "
      "
      إن النساء لهن ذات الطبع . كلكن تعزفن على نفسالنغمة . وإذا لم أكن مخطئاً فسوف تجدين أخته إيمي تشتكي منك . "
      قالت جوانا : " إنها من البداية تكرهني . " كانت تتحدث وهي في حالة من التأمل ولكن بشيء من الرضا .
      قلت لها مصراً : " إننا قد جئنا لهذا المكان طلباً للهدوء وراحة البال , وإننيحريص على أن أجدهما . "
      إلا أن الهدوء وراحة البال كانا أبعد ما يكونا عنا .


      تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

      درع الأسد لبيك يا أسدنا
      من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
      ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

      Comment


      • #4
        رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

        الفصل الرابع

        كان قد مضى أسبوع عندما أخبرتني بارتريدج أنالسيدة بيكر تريد التحدث إلي قليلاً .
        لم يبد لي اسم السيد بيكر مألوفاً علىالإطلاق .
        تساءلت في تحير : " من الآنسة بيكر , ألا يمكنها التحدث مع الآنسةجوانا ؟ "
        ولكن علمت أنها لا تريد أن تتحدث معي أنا بالذات , ثم علمت فيما بعدأن السيدة بيكر هي والدة الفتاة بياترس .
        كانت بياترس قد غابت عن ذهني تماماً , ولم أنتبه لهذا إلا عندما رأيت تلك المرأة التي تجاوزت الأربعين عاماً , ونال الشيبمن بعض خصلات شعرها , والتي كانت جاثية على ركبتيها تغسل أرضية الحمام والسلالموالردهات . ولقد أدركت أنها الخادمة الجديدة . ولولا تلك المرأة لما خطرت بياترسبذهني أبداً .
        ولم أستطع أن أرفض مقابلة والدة بياترس , خاصة بعد أن علمت بأنجوانا ليست موجودة في المنزل , ولكنني أعترف بأنني كنت أشعر ببعض الضيق حيال هذاالأمر.
        ولقد كنت آمل بشدة ألا أتهم بالتلاعب بعواطف بياترس .
        وأخذت ألعن فيداخلي تلك التصرفات السخيفة التي يقوم بها كاتب هذه الرسائل المجهولة , ولكنني لمأفعل شيئاً إلا أن أطلب من بارتريدج أن تحضر والدة بياترس لمقابلتي .
        كانتالسيدة بيكر ضخمة الجثة طويلة القامة , وكانت تتحدث بسرعة شديدة . ولكنني شعرتبالكثير من الراحة عندما لم ألمح في صوتها أي نبرة غضب أو اتهام . بدأت السيدة بيكرالحديث ما أن انغلق باب الغرفة خلف بارتريدج قائلة : " أرجو يا سيدي أن تغفر ليجرأتي في طلب مقابلتك . ولكنني ظننت يا سيدي أنك الشخص المناسب الذي ينبغي أن آتيإليه ، ولسوف أكون شاكرة إذا ما كنت ستنصحني بما ينبغي عمله في ظل هذه الظروفالراهنة ، لأنه في رأيي يا سيدي لا بد من القيام بشيء ما في هذا الصدد ، وإنني لستمن هؤلاء الناس الذين يتركون الأمور تتفاقم ، وما أقوله هنا هو أنه لا فائدة منالشكوى والتذمر ، وإنما لا بد من ترك الكلام والبدء في الفعل كما قال رجل الدينالأسبوع قبل الماضي . "
        شعرت ببعض الحيرة لأنني أحست كأن هناك شيئاً أساسياًفاتني أن أفهمه في هذه المحادثة .
        قلت لها : " بكل سرور , ألن تتفضلي بالجلوسيا سيدة بيكر ؟ إنني سوف أسعد بتقديم العون لك . "
        ثم صمت للحظة منتظراً منها أنتجلس .
        وجلست السيدة بيكر على حافة مقعدها بعد أن قالت : " أشكرك يا سيدي , إنهذا تصرف في غاية الكرم من جانبك يا سيدي . وإنني في غاية السعادة لأنني أتيتلمقابلتك , ولقد قلت هذا لـ بياترس عندما كانت تبكي في فراشها , لقد قلت لها إنالسيد بيرتون سوف يعرف ما ينبغي عمله , فهو سيد مهذب قادم من لندن . ولا بد بالفعلمن عمل شيء ما , ما بال هؤلاء الشباب المندفعين الذين لا يصغون إلى صوت العقل , ولايصغون إلىأي كلمة تقولها فتاة ؟ وعلى كل حال لقد قلت لبياترس إنني لو كنت مكانهالفعلت كا ما في وسعي لكي أنتقم منه , وماذا عن تلك التاة في الطاحونة ؟ "
        ازدادتحيرتي مع كلامها , فقلت : " معذرة , ولكنني لا أفهم , ما الذي حدث ؟ "
        "
        إنهاالخطابات يا سيدي , خطابات بذيئة . وغير لائقة كذلك . وبها كلمات سيئة ومثيرللاشمئزاز بشدة . "
        وهنا استرجعت شريط الأحداث في ذهني وتكشفت لي الأمور ؛ فقلتلها بيأس : " هل تلقت ابنتك المزيد من الرسائل ؟ "
        ليست هي يا سيدي , هي لم تتلقإلا رسالة واحدة . تلك الرسالة التي كانت سبب رحيلها من هذا المنزل . "
        قلت لها : " لم يكن هناك ما يدعو لأن ــ ! " , إلا أن السيدة بيكر قاطعتني بأسلوب حازمولكنه مهذب وقالت : " لا داعي لأن تكمل يا سيدي , إن كل ما جاء في هذه الخطابات لايعدو أن يكون بعض الأكاذيب الدنيئة . إنك يا سيدي لست من هذا النوع من الرجال , لقدأكدت الآنسة بارتريدج هذا ـ ولقد لمست هذا بنفسي . ما هي إلا أكاذيب حقيرة , ولكنيقلت إنه من الأفضل أن تغادر بياترس المنزل لأنك تعرف جيداً ما يقال يا سيدي , إنالناس سيقولون لا دخان بلا نار , ولقد انزعجت الفتاة بشدة , لقد وافقت بياترس عندمارفضت المجيء إلى هنا ثانية , رغمم أن كلينا قد شعر بالأسف للارتباك الذي سببناه لكمبهذا . "
        توقفت السيدة بيكر قليلاً وأخذت نفساً عميقاً ثم قالت بعد جهد : " ولقدكنت آمل أن يوقف هذا التصرف هذه الشائعات الحقيرة . ولكن جورج عامل الممرآب , وهوخطيب بياترس , قد تلقى واحدة من هذه الرسائل التي تفتري على ابنتي بياترس افتراءًفظيعاً , وكيف أنها على علاقة آثمة مع توم ابن فريد ليد بيترز ... وأؤكد لك يا سيديأن ابنتي لم تقترف أبداً شيئاً ينافي الذوق والأخلاق . "
        وهنا بدأ رأسي يطن ،فلقد زاد الأمر تعقيداً بظهور قصة توم ليد بيترز هذا .
        قلت لها امنحيني فرصة لكيأستوعب هذا الأمر جيداً ، لقد تلقى خطيب بياترس رسالة مجهولة المصدر تتهم بياترسبتورطها في علاقة مع شاب آخر، أليس كذلك؟
        "
        هذا صحيح يا سيدي – ولقد كانت رسالةبعيدة كل البعد عن التهذيب ، ولقد كانت مليئة بألفاظ بذيئة أثارت جنون جورج ، فجاءمسرعاً إلى بياترس وقال لها إنه لا يقبل أبداً هذا التصرف من جانبها ، ويرفض بأنتواعد رجالاً آخرين من وراء ظهره ... وعندما أخبرته أن هذا كذب حقير ، قال لها : " لا دخان بلا نار ." ، واندفع خارجاً من المنزل في غاية الغضب ، وبدت التعاسة علىبياترس المسكينة . وعندها قلت لها إني سوف أرتدي قبعتي وأذهب لمقابلتك يا سيدي ... "
        صمتت السيدة بيكر متوقعة مني أن أرد عليها تماماً كما يتوقع الكلب الحصول علىجائزة بعد أن يؤدي حركة جيدة . ولكنني سألتها : " ولكن لماذا لماذا أتيتي إلي أنابالذات ؟ "
        "
        لقد علمت يا سيدي أنك تلقيت واحدة من هذه الرسائل الدنيئة , ولقدفكرت في أنك تعرف ـ وأنت القادم من لندن ـ ما الذي يتوجب فعله لعلاج هذا الأمر ؟ "
        قلت لها : " لو كنت مكانكي لذهبت إلى الشرطة ؛ فلابد من وضع حد لهذا الأمر . "
        نظرت لي السيدة بيكر وعلى وجهها أمارات الصدمة وقالت : " كلا يا سيدي , لاأستطيع أن أذهب للشرطة . "
        "
        ولِم لا ؟ "
        "
        لم يسبق لي أن تعاملت مع الشرطة , ولا أي أحد من عائلتي كذلك . "
        "
        قد يكون هذا صحيحاً , ولكن الشرطة فقط هي منتستطيع أن تضع حداً لهذا الأمر , فهم موكلون بهذا . "
        "
        هل أذهب إلى بيرت راندل؟ "
        كنت قد علمت أن بيرت راندل هو أحد رجال الشرطة .
        "
        لابد أن هناك رقيباًأو مفتشاً في قسم الشرطة . "
        "
        أنا أذهب إلى قسم الشرطة . "
        قالتها السيدةبيكر بصوت خافت جعلني أشعر بالضيق " هذه هي النصيحة الوحيدة التي يمكنني أن أسديهالك . ط
        صمتت السيدة بيكر وكان واضحاً أنها لم تقتنع بكلامي . ثم قالت بحزموصرامة : " لابد لهذه الرسائل أن تتوقف يا سيدي , يجب أن تتوقف , وإلا سوف تحدثمصيبة عاجلاً أم آجلاً . "
        قلت لها : " أعتقد أن المصيبة قد وقعت بالفعل ؟ "
        "
        إنني أعني العنف يا سيدي , هؤلاء الشباب تنتابهم المشاعر العنيفة ـ وكذلكالرجال الكبار . "
        سألتها : " هل هناك الكثير من هذه الرسائل وصلت إلى الناس فيهذه البلدة ؟ "
        أومأت السيدة بيكر بالإيجاب , وقالت : " إن الأمر يزداد سوءاًعلى سوء يا سيدي . فمثلاً , السيد بيدل وزوجته , اللذان كانا يعيشان في سعادة وهناءفي منطقة بلوبور ـ والآن بعد أن تلقى السيد بيدل هذه الرسائل بدأ يفكر في أمور سيئةيا سيدي . "
        ملت بجسدي للأمام وقلت لها : " سيدة بيكر هل لديك أية فكرة عن هويةكاتب هذه الرسائل المجهولة ؟ "
        ولدهشتي الشديدة كالت برأسها للأمام . قالت : " كلنا لديه فكرة يا سيدي , كلنا يعرف بالظبط من يفعل هذا , من هو ذلك الآثم ؟ "
        فكرت أنها تتردد في ذكر اسم معين , ولكنها أجابت بصراحة : " إنها السيدة كليتـ هذا هو ما نحن جميعاً متأكدون منه ـ إنها كليت ولا شك . "
        لقد سمعت الكثير منالأسماء الغريبة هذا الصباح .
        ولقد اكتشفت أن السيدة كليت زوجة لرجل كهل يعملبستانياً . وكانت تعيش في كوخ على طريق الطاحونة . إلا أنني لم أجد أي إجابات مرضيةعنها . ولما سألتها لماذا تقدم السيدة كليت على فعل هذا أجابتني قائلة : " لأن هذاهو من صفاتها الشخصية . "
        وفي النهاية تركتها تذهب بعد أن كررت لها نصيحتيبالذهاب للشرطة , والتي كنت متأكداً من أنها لن تأخذ بها . ولقد تركتني وأنا اشعربأنني خذلتها بشكل ما .
        وفكرت ملياً فيما قالته . فرغم غموض هذا الدليل الذيساقته السيدة بيكر , أحسست بقبول فكرة أنه إذا ما اتفقت القرية كلها على أن السيدةكليت هي كاتبة هذه الخطابات فلابد أنهم محقون : وقررت أن أستشير جريفيث في هذاالأمر . فلابد أنه يعرف هذه المرأة المدعوة كليت , وإذا قبل نصيحتي فسأستطيع أنا أوهو أن نخبر الشرطة بأن هذه المرأة هي سبب كل الإزعاج الذي نشعر به .
        وذهبت إلىجريفيث في الوقت الذي افترضت فيه أنه سيكون قد انتهى من عملياته الجراحية . وعندماخرج المريض الأخير من عنده , دلفت على غرفة الجراحة .
        "
        مرحباً , أهذا أنت يابيرتون ؟ "
        "
        نعم , أريد أن أتحدث إليك . "
        لخصت له محادثتي مع السيدة بيكرإلى أن انتيهيت إلى اتهامها للسيدة كليت بأنها السبب في هذا الأمر .
        إلا أننيأصبت بالإحباط عندما هز جريفيث رأسه قائلاً : " ليس الأمر بهذه البساطة . "
        "
        ألا تظن أن تلك المرأة المدعوة كليت هي السبب في هذا كله ؟ "
        "
        ربما كانت بالفعل , ولكنني أستبعد هذا الاحتمال . "
        "
        إذن لماذا يتهمها الجميع بهذا ؟ "
        ابتسمقائلاً : " إنك لا تفهم . إن السيدة كليت تعتبر الساحرة الشريرة في القرية . "
        صحت متعجباً : " يا إلهي الرحيم ! "
        "
        نعم , هذا الكلام يبدو غريباً فيوقتنا هذا , إلا أن هذا هو الواقع بالفعل . هناك اعتقادات راسخة تقول أن هناك بعضالأشخاص الذين ليس من الحكمة أن تهينهم . إن السيدة كليت تنتمي إلى أسرة من (( النساء الحكيمات )) , ولقد بذلت جهداً كبيراً كي تنشر هذه الأسطورة وتنميها . إنهاامرأة شاذة الطباع وذات روح دعابة عالية . إنها قد لا تظهر أي قدر من التعاطف إذاما حدث على سبيل المثال أن قطع طفل إصبعه أو سقط بشدة على الأرض أو أصيب بداءالنكاف , فكل ما قد تفعله هو أن تهز رأسها قائلة : " هذا أفضل , فقد سرق تفاحاتيالأسبوع الماضي . " أو " لقد جذب ذيل قطتي . " . ومع الوقت بدأت الأمهات تبعدنأطفالهن عنها , وبعضهن بدأن في إهداءها العسل والكعك حتى يأمن ألا تتمنى المرضلأطفالهن . إنه لأمر خرافي وسخيف ولكنه حقيقي . ولذا فمن الطبيعي أن يعتقد أنها سببكل هذا . "
        "
        ولكن أليست هي كذلك ؟ "
        "
        كلا ـ إنها ليست من هذا النوع ... ليسالأمر بهذه البساطة . "
        نظرت له بفضول وقلت له : " أليس لديك أية فكرة ؟ "
        أخذ يهز رأسه ولكن عيناه كانتا شاردتين وقال : " كلا ليس لدي أي فكرة , ولكنهذا الأمر لا يروقني يا بيرتون ــ هناك سوء كبير سوف ينجم عن هذا الأمر . "
        2
        عندما عدت إلى المنزل وجدت ميجان جالسة على درجات الشرفة ، وكانت تسندذقنها إلى ركبتيها .
        حيتني بدون حرارة كالمعتاد قائلة : " مرحباً ، هل تعتقد أنهيمكنني أن آتي إلى مأدبة الغداء ؟ " .
        قلت لها : " بكل تأكيد " .
        "
        إذا كانالغداء هو أضلاع اللحم أو أي شيء معقد آخر ولن يكفي , فقط أخبرني . " , صاحت ميجانبهذا بينما كنت ذاهباً لأخبر بارتريدج بأن ثلاثة أشخاص سيكونون على الغداء اليوم .
        واندهشت عندما رأيت ردة فعل بارتريدج . لقد أبدت لي دون أن تنبس ببنت شفة أنهالا تبالي على الإطلاق بالآنسة ميجان .
        وعدت إلى الشرفة مرة أخرى .
        سألتنيميجان بقلق : " هل كل شيء على ما يرام ؟ " .
        قلت لها : " نعم ، كل شيء على مايرام ، سيكون غداؤنا اليخنة الأيرلندية " .
        "
        حسناً إنها لا تختلف كثيراً عنغذاء الكلاب ، أليس كذلك ؟ أعني أنها لا تزيد على البطاطس والدقيق ."
        قلت لها : " نعم ، بالضبط . "
        أخرجت علبة سجائري ، ومددت يدي بها إلى ميجان إلا أن الحمرةكست وجهها وقالت : " لكم كان هذا لطيفاً منك . "
        "
        ألن تأخذي واحدة ؟ "
        "
        كلا، لا أدخن ، ولكنني أراه تصرفاً غاية في اللطف أن أتعرض على هذا – تماماً كما لوأنني كنت شخصاً حقيقياً . "
        قلت لها بتعجب : " ألست شخصاً حقيقياً ؟ "
        هزترأسها وحاولت تغيير الموضوع بأن مدت ساقها الطويلة التي يغطيها التراب أمام ناظريوقالت بفخر : " لقد قمت برتق جواربي " .
        أنا لا أعلم الكثير عن رتق الجوارب , إلا أنني حدثت نفسي أن حياكة بعض قطع الصوف المفتوحة ليس بإنجاز يستحق المرء أنيفخر به .
        قالت ميجان : " ولكنني أشعر بأن جواربيكانت مريحة أكثر عندما كانتمثقوبة ."
        قلت لها : نعم هذا ما يبدو . "
        "
        هل أختك بارعة في رتق الجوارب ؟ "
        حاولت أن أتذكر إذا ما كانت جوانا لها أي خبرة في مجال الأعمال اليدوية من هذاالنوع .
        واضطررت إلى أن أقر لها قائلاً : " لا أدري ! "
        "
        ولكن ماذا تفعل إذاثُقب أحد جواربها ؟ "
        قلت متردداً : " أعتقد أنها تتخلص منه وتبتاع زوجاً جديداً . "
        قالت ميجان : " هذا شيء جميل , ولكن لا يمكنني أن أفعل هذا . فإن كل مصروفجيبي الذي أحصل عليه لا يتعدى الأربعين جنيهاً سنوياً . وهو مبلغ لا يستطيع المرءأن يفعل به الكثير . "
        وافقتها على ذلك . فقالت بحزن : " لو أنني أمتلك جواربسوداء , لكان بإمكاني أن أطلي قدمي باللون الأسود لكي لا تظهر الثقوب . وهذا هو ماكنت أفعله أيام المدرسة . فقد كانت الآنسة باتورثي ناظرة المدرسة , والتي كانت تولياهتمامها لمظهرنا العام , كانت تماماً مثل اسمها كالخفاش الأعمى . وكنا نستغل هذابشكل كبير . "
        قلت لها : " لابد أنها كانت كذلك بالفعل . "
        ران علينا الصمتكنت أدخن غليوني . لقد كان صمتاً مطبقاً . ولكن سرعان ما كسرت ميجان حاجز الصمت هذاقائلة فجأة وبحدة : " لابد أنك تعتقدني إنسانة فظيعة كما يعتقدني الآخرون . "
        أجفلت بشدة , لدرجة أن غليوني سقط من فمي , لقد كان مصنوعاً من الميرشوم وكانتألوانه جميلة . فقلت لميجان وأنا غاضب : " انظري ماذا فعلت . "
        إلا أنها تصرفتتماماً كالأطفال الذين لا يمكن التنبؤ بردود أفعالهم وقالت وهي تبتسم : " إنك تروقلي بالفعل . "
        كانت عبارتها تلك عبارة في غاية الدفء , عبارة قد يقولها كلبك إذااستطاع التحدث . لقد خطر لي أن ميجان ما هي إلا مجرد جواد يتخذ وضعية كلب . إنها لمتكن بشرية كاملة بكل تأكيد .
        سألتها وأنا أجمع شظايا غليوني المكسور بحذر : " ماذا كنت تقولين قبل أن يسقط غليوني ؟ "
        قالت : " لقد قلت أنك ربما تعتبرنيإنسانة فظيعة . " ’ إلا أنها لم تنطق عذع العبارة بنفس اللهجة التي قالتها بهاالمرة السابقة .
        "
        ولماذا قد اعتقد هذا ؟ "
        قالت ميجان بكآبة : " لأنني كذلكبالفعل . "
        قلت : " لا تكوني حمقاء . "
        هزت ميجان رأسها وقالت : " إن هذا هوالواقع , أنا لست حمقاء , إن الناس يعتقدون هذا , وهم لا يعلمون أنني أعلم حقيقتهم , وأنني أكرههم . "
        "
        تكرهينهم ؟ "
        قالت ميجان : " نعم أكرههم . "
        نظرتبعينيها الكئيبتين اللتين لا يمتان بصلة إلى مظهرها الطفولي إلى عيني مباشرة , دونأن ترمش ولو لمرة واحدة . لقد كانت نظرة طويلة كئيبة .
        وقالت : " لقد كنت لتكرهالناس لو كنت مكاني , إذا كنت منبوذاً . "
        قلت لها : " ألا تظنين أنكي تبالغينفي هذا الأمر قليلاً ؟ "
        قالت ميجان : " نعم , هذا ما يقوله الناس دائماً عندماتخبرهم بالحقيقة . وهذه هي الحقيقة . إنني غير مرغوب فيّ ولا أدري لماذا ! لعلنيأذكرها بأبي والذي كان قاسياً جداً عليها , وكان في غاية الفظاظة كما سمعت . إلا أنالأمهات لا يمكنهن أن يصرحن بأنهن يكرهن أطفالهن , أو أن يتخلصن منهن . إن القططتأكل ما لا يروقها من صغارها , إن هذا أمر عقلاني , ولكن بشكل فظيع , فهو يسبب فوضىأو أذى . ولكن الأمهات من البشر لا يمكنهن ذلك , فعليهن أن يحفظن صغارهن وأن يعتنينبهم . ولكن الحقيقة أن أمي لا تريد سوى أن تعيش بمفردها هي وزوجها والأولاد . "
        قلت لها بتمهل : " ما زلت أراك تهولين في الأمر يا ميجان , ولكن إذا ما كانكلامك صحيحاً , فلماذا لا تغادري هذا المنزل وتستلقي حياتك ؟ "
        ابتسمت ابتسامةطفولية وقالت : " أتعني أن أحصل على عمل , وأكسب قوتي بنفسي ؟ "
        "
        نعم . "
        "
        وأي عمل هذا ؟ "
        "
        أعتقد أنك يمكنك أن تتدربي على عمل ما , كأن تكوني كاتبةاختزال مثلاً , أو تكوني مسئولة حسابات . "
        "
        لا أعتقد أنه بإمكاني فعل هذا . فأنا خرقاء للغاية في هذه الأمور . وبالإضافة إلى هذا ــــ "
        "
        ماذا هناك ؟ "
        أشاحت بوجهها عني , ثم أدراته ببطء ناحيتي من جديد . وكان وجهها مربداً , وترقرقت بعض الدموع في عينيها . وأخذت تتحدث وفي صوتها نبرة طفولية للغاية وقالت : " لماذا يجب علي أن أرحل ؟ وأن أُجبر على الرحيل ؟ إنهم لا يريدونني ولكنني سأبقى . سأبقى وسأسبب لهم التعاسة . سوف أجعلهم يشعرون بالضيق والتعاسة . يا لهم من خنازيرحقودة ! إنني أكره كل من في لايمستوك . إنهم جميعاً يرونني حمقاء وقبيحة . لسوفأريهم . لسوف أريهم . لسوف ــــ "
        لقد كانت ثورة غضبها طفولية مثيرة للشفقة بشكلغريب . سمعت وقع أقدام على الأرضة المفروشة بالحصى التي تحيط بالمنزل , فقلت لهابغلظة : " انهضي واذهبي إلى الطابق الأول , حيث الحمام في نهاية الممر كي تغسليوجهك , هيا أسرعي . "
        قفزت ونظرت إلي بحرج وارتباك , واندفعت نحو النافذة عندماظهرت جوانا بجواري وقالت : " يا إلهي , إنني أشعر بالحر الشديد , إنني أمقت هذهالأحذية الأيرلندية اللعينة . لقد مشيت بها لأميال , إن المرء لا يجدر به أن يجعلهذه الأحذية تثقب , فالحصى بنفذ من خلالها إلى القدم , وأعتقد يا جيري أننا نحتاجلأن نقتني كلباً . "
        قلت لها :" وأنا كذلك أعتقد هذا . بالمناسبة , إن ميجانستتناول الغداء معنا اليوم ."
        "
        حقاً , عظيم ! "
        سألتها : " هل تروق لك ؟ "
        قالت جوانا : " أعتقد أنها طفلة , طفلة كالتي في تلك الخرافة تقول , إنالجنيات يستبدلن بعض الأطفال بأطفال آخرين , إنه من الممتع أن يلتقي المرء بإحدىالأطفال الآخرين . إيه ــ علي أن أذهب وأغتسل . "
        قلت لها : " ليس الآن ؛ فميجانتغتسل الآن في الحمام . "
        "
        لقد تلطخت قدماها بالوحل مرة أخرى , أليس كذلك ؟ "
        ثم أخرجت جوانا مرآتها وأخذت تنظر إلى وجهها باهتمام وقالت : " لا أعتقد أننيأحب أحمر الشفاة هذا . "
        وهنا دلفت ميجان من الباب , وكانت مهندمة الثياب ونظيفة , ولم تبد عليها أي من آثار ثورتها السابقة . وأخذت تنظر إلى جوانا بريبة .
        قالت لها جوانا وهي لا تزال منشغلة بالنظر إلى وجهها : " مرحباً , لقد سعدتتماماً عندما سنعت أنك ستتناولين طعام الغداء معنا اليوم . يا إلهي ! إن هناك نمشاًعلى أنفي , لابد أن أفعل شيئاً حيال ذلك . إن النمش هو شيء خطير . ذو طابعاسكوتلاندي . "
        وهنا أتت بارتريدج وأخبرتنا أن الطعام قد أُعد .
        قالت جوانا : " هيا , إنني أتضور جوعاً . "
        وتأبطت ذراع ميجان ورافقتها إلى المنزل .


        تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

        درع الأسد لبيك يا أسدنا
        من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
        ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

        Comment


        • #5
          رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

          الفصل الخامس

          أعلم أن هناك شيئا مفقودا ً في قصتي هذه . فحتى الآن لم أذكر شيئا عن السيدة دين كالثروب ، وكذلك عن رجل الدين كاليب دينكالثروب .
          والشيء الغريب أن رجل الدين هذا وزوجته كانا ذوي شخصيتين مختلفتينتماماً .
          كان دين كالثروب أكثر من رأيتهم زهداً في الحياة الدنيوية على الإطلاق . وكانت حياته كلها تدور في نطاق كتبه ودراسته وعلمه الغزير بالتاريخ الديني . ولكنعلى النقيض من هذا ، كانت زوجته إنسانة اجتماعية بشكل مبالغ فيه . إنني ربما أغفلتذكرها لأنني كنت أخشاها بعض الشيء . لقد كانت امرأة ذات شخصية متميزة ، وذات علمغزير . لم تبد لي مناسبة لأن تكون زوجة لرجل الدين – ولكنني عندما فكرت في الأمرقليلاً ، سألت نفسي ما الذي أعرفه أنا عن زوجات رجال الدين ؟
          فالإنسانة الوحيدةالتي كنت أعرفها وكانت لزوج رجل الدين , كانت السيدة عادية لا يميزها شيء ، وكانتفي غاية الإخلاص لزوجها الذي كان ضخم الحجم قوي الشكيمة ، له طريقة ساحرة في اجتذابالآخرين إليه .
          وقد كانت متشددة الفكر بحيث لا يمكن للمرء أن يكمل محادثة معها .
          وغير هذا منت أستمد رؤيتي لزوجات رجال الدين من تلك الصورة الهزلية التي كانتتصورهن نسوة فضوليات يدسسن أنوفهن في كل شيء , ويتلفظن بالتفاهات . إلا أنني أشك أنهذه الصورة حقيقية .
          فالسيدة دين كالثروب لم تدس أنفها يوماً في اي شيء , إلاأنه كانت لديها قدرة فير قابلة للتفسير على الإحاطة بكل الأمور علماً , وسرعان مااكتشفت أن كل من في القرية يخشونها . مع إنها لم تكن تتدخل فيما لا يعنيها ولم تكنكذلك تسدي النصح لأي كائن من كان , ومع ذلك كانت بالنسبة لهؤلاء الذين يخشونهاسيفاً مسلطاً على رقابهم .
          لم أر في حياتي امرأة لا تبالي بالطبيعة حولها مثلهذه المرأة . في الأيام التي يكون الطقس فيها حاراً , كانت ترتدي تنورة من الصوف , أما في الأيام التي تهطل فيها الأمطار كنت أراها تسير شاردة الذهن وهي ترتدي ثوباًقطنياً أو قميصاً خفيفاً زاهي الألوان . لقد كان لها وجه نحيف يشبه وجوه كلاب الجريهاوند وكان لها أسلوب في الكلام مبالغاً في الصراحة .
          في ذلك اليوم الذي أتت فيهميجان لتناول الغداء معنا , قابلتني السيدة دين كالثروب في الشارع الرئيسي وأوقفتنيلتتحدث معي , ولقد شعرت بالدهشة كالعادة لأن طريقة مشي السيدة دين كالثروب كانتأقرب إلى الركض منها إلى السير , وكانت دائماً ما تثبت عينيها على الأفق البعيدفتشعر وكأنها تسعى لهدف على بعد الميل ونصف الميل .
          قالت : " أوه , سيد بيرتون ! "
          قالتها بانتصار وكأنما نجحت في حل أحجية عويصة , قلت لها إنني بالفعل السيدبيرتون , فتوقفت السيدة دين كالثروب وهي تنظر إلى الأفق البعيد , وكانت تتظاهربأنها تنظر إلى .
          "
          والآن ما الذي كنت أريدك بشأنه ؟ "
          لم يكن باستطاعتيمساعدتها , فوقفت وهي متجهمة ومرتبكة للغاية . قالت : " إنه لشيء بغيض . "
          قلتلها وأنا مذهول : " إني آسف لهذا . "
          صاحت السيدة دين كالثروب : " آه , إنني أرىهذه القصة شيئاً بغيضاً , ما هذه القصة التي أحضرتها إلى البلدة, أعني قصة الخطاباتهذه ؟ تلك الخطابات مجهولة الهوية ؟"
          قلت لها : " لم أحضرها , لقد كانت موجودةقبل حضوري . "
          قالت لي وفي صوتها نبرة اتهام : " لم يتلق أي أحد خطاباً قبلحضورك . "
          قلت لها : " بلا , لقد كان بالفعل هناك من تلقى مثل هذه الخطابات ياسيدة دين كالثروب , لقد كانت المشكلة موجودة منذ فترة . "
          قالت السيدة دينكالثروب : " يا إلهي , إن هذا لا يروق لي . "
          وظلت واقفة تشخص بنظرها ثم قالت : " لا أستطيع إلا أن أشعر بأن هذا الأمر كله سيء . إننا لسنا معتادين على هذا , لسنامعتادين على الأحقاد والضغائن , وكل أنواع الخطايا الصغيرة تلك . ولكنني لا أستطيعأن أفكر في شخص ما يمكنه أن يأتي بمثل هذا العمل ـ كلا , لا أستطيع . وهذا مايزعجني ويسبب لي الضيق , لأنني كما تعلم ينبغي لي أن اعرف . "
          وهنا تحولتعيناها عن الأفق البعيد وتركزت على عيني وكانت هاتين العينين قلقتين قلقاً طفولياً .
          "
          إنني دائماً ما أعرف , فلطالما ظننت أن هذه هي مهمتي في الحياة , إن كاليببارع في إلقاء المواعظ وإسداء النصح وهذا هو دور رجل الدين , ولكن إذا ما كان هناكشيء يسمى الزواج من رجل دين فستكون مهمة الزوجة هي أن تعرف ما يفكر به الناس حتىوإن كانت لا تستطيع فعل شيء إزاء هذا الأمر , ولكنني لا توجد لدي أدنى فكرة عمنيكون قد ... "
          قطعت حديثها لفترة ثم قالت : " هناك بعض الخطابات السخيفة الأخرى . "
          "
          هل تلقيت أي رسائل من هذا النوع ؟ "
          كنت أشعر ببعض الحرج عندما سألتهاهذا السؤال , إلا أنها أجابت بكل تلقائية وعيناها متسعتان : " نعم , إثنتان منها , بل ثلاث , لكنني نسيت ما كان مكتوباً فيها بالظبط . ولكنه شيء سخيف عن علاقة كاليببإحدى المدرسات , كما أذكر أنه شيء في غاية العبث , لكن كاليب هو أزهد الناس فيالنساء , ولم يكن يوماً لديه الرغبة فيهن . من حسن حظه أن أصبح رجل دين . "
          قلتلها : " هذا صحيح تماماً . "
          قالت : " لقد كان كاليب غارقاً دائماً في طلب العلم . "
          لم أجد في نفسي الصلاحية لكي أرد على هذا النقد , وعلى أي حال مضت السيدةكالثروب في التحدث تارة عن زوجها , وتارة أخرى عن تلك الخطابات , حتى أنها أصابتنيبالارتباك .
          "
          الغريب في الأمر هو أن هناك العديد من الأمور التي يمكن أن تفصحعنها هذه الرسائل , إلا أنها لا تفعل هذا , وهذا هو الأمر المحير . "
          قلت لهابضيق : " لا أعتقد أن هذه الرسائل تركت حداً للتهذيب والأخلاق ولم تتجاوزه . "
          قالت : " ولكن كتّاب هذه الرسائل يبدو أنهم لا يعرفون شيئاً . إن أي شيءيذكرونه لا يمت للحقيقة بصلة على الإطلاق . "
          "
          ماذا تعنين ؟ "
          ومن جديدتلاقت عيناها الغامضتين بعيني وقالت : " إن هذه البلدة متخمة بالفساد الخلقي , وكلشيء آخر , كل الأسرار تتواجد في هذه البلدة . لماذا لا يكتب مرسل هذه الخطابات عنها؟ "
          توقفت للحظة عن الحديث ثم سألتني : " ماذا كان فحوى رسالتك ؟ "
          "
          لقدزعموا بأن أختي ليست أختي في الحقيقة . "
          سألتني السيدة دين كالثروب دون أدنىحرج : " وهل هي أختك بالفعل ؟ "
          "
          بالتأكيد جوانا هي أختي . "
          أومأت السيدةدين كالثروب برأسها وقالت : " هذا هو ما أعنيه , وإنني لأجرؤ على القول بأن هناكأموراً أخرى أيضاً ــــ "
          ثم أخذت تحدق إلي بعينيها الضافيتين الشاردتين , وفجأةأحسست بأنني أفهم لماذا يخشى كل سكان لايمستوك السيدة دين كالثروب .
          دفي حياة كلمنا مواقف وأشياء خفية نريد ألا يكتشفها أحد . ولقد شعرت بأن السيدة دين كالثروبتعلم هذه الأشياء الخفية .
          وللمرة الأولى في حياتي شعرت بالسرور عندما سمعت صوتإيمي جريفيث يشق السكون قائلاً : " مرحباً يا مود , إنني سعيدة لأنني قابلتك . كنتأريد أن أقترح عليك تأخير موعد المزاد , صباح الخير يا سيد بيرتون . "
          ثم أكملتقائلة : " علي أن أذهب إلى محل البقال وأوصيهم بإعداد طلب لي , ثم سأذهب إلى المعهدمباشرة , إذا كان هذا يناسبك . "

          قالت السيدة دين كالثروب : " حسناً , حسناً , هذا يناسبني تماماً . "
          وذهبت إيمي جريفيث إلى محلات (( إنترناشونال ستورز )) .
          قالت السيدة دين كالثروب : " يا لها من مسكينة . "
          أصابتني دهشة عظيمة , إذلم أكن أعرف لماذا تشفق هي على إيمي جريفيث .
          إلا أنها تابعت قائلة : " كما تعلميا سيد بيرتون أنني أخشى أن ـــ "
          "
          هل تعنين هذه الخطابات ؟ "
          "
          نعم , كماترى , إنها تعني ــ لابد أنها تعني ـــ "
          صمتت في حيرة لبعض الوقت وزاغت عيناها . ثم قالت بلهجة من حل لغزاً : " الكراهية العمياء ... نعم الكراهية العمياء . ولكنحتى الرجل الأعمى قد يطعن في القلب عن طريق الصدفة البحتة ... وماذا سيحدث بعد ياسيد بيرتون ؟ "
          ولقد كان لنا أن نعلم هذا قبل انقضاء يوم آخر ."
          2
          لقدكانت بارتريدج هي من حملت لنا خبر الكارثة . وبارتريدج تحب الكوارث . ودائماً ماكان أنفها يختلج في نشوة عندما تكون حاملة لأية أخبار سيئة .
          فقد دخلت غرفةجوانا وأنفها آخذ في الاختلاج , وعيناها تلمعان , وشفتاها ممطوطتان تتصنعان الحزن . قالت وهي تزيح ستائر الغرفة : " هناك أخبار مفزعة هذا الصباح يا آنستي . "
          وكانتجوانا تمتلك تلك العادة في أن تستغرق دقيقة أو دقيقتين لكي تستعيد وعيها بعد أنتستيقظ في الصباح . ولهذا فكل ما قالته هو : " أوه . " ثم تقلبت في فراشها دون أدنىاهتمام .
          وضعت بارتريدج قدح شاي الصباح بجوارها , ثم بدأت تتحدث من جديد قائلة : " أخبار رهيبة , صدمة لم أستطع أن أصدقها حين سمعتها في البداية . "
          قال جواناوهي تجاهد لتستعيد وعيها : " أية أخبار مفزعة تلك ؟ "
          قالت بارتريدج : " السيدةسيمنجتون المسكينة . "
          ثم صمتت للحظة بشكل درامي ثم أردفت : " ماتت . "
          ثمانتفضت جوانا في فراشها قائلة : " ماتت ؟ "
          "
          نعم يا آنسة جوانا , لقد حدث هذاالبارحة بعد الظهيرة , وأسوأ ما في الأمر أنها انتحرت . "
          "
          يا إلهي ! مستحيل يابارتريدج . "
          كانت جوانا مصدومة للغاية , فالسيدة سيمنجتون لم تكن من نوعيةالفتيات التي تصيبهم المآسي .
          "
          نعم يا آنسة . لقد تعمدت قتل نفسها . ولكن هذالم يكن ليحدث لو لم يكن هناك ما يدفعها لاقتراف ذلك . يا لها من مسكينة . "
          قالتجوانا : " يدفعها شيء ما ؟ "
          فأومأت بارتريدج برأسها موافقة وقالت : " هذا صحيحيا آنستي , بسبب واحد من تلك الخطابات البغيضة . "
          "
          وماذا جاء في هذا الخطاب ؟ "
          ولكن هذا ما عجزت بارتريدج عن معرفته وهو الأمر الذي جعل بارتريدج في غايةالأسف .
          قالت جوانا : " إنها تصرفات دنيئة , ولكن مع هذا لا أفهم ما الذي في هذهالخطابات يمكنه أن يجعل المرء يقتل نفسه ؟ "
          أخذت بارتريدج نفساً عميقاً ثم قالت : " قد تفعل فقط إذا ما كانت حقيقية . "
          قالت جوانا : " يا إلهي . "
          تناولتجوانا قدح الشاي بعد أن غادرت بارتريدج الغرفة ـ ثم ارتدت معطفها وأتت إلي لكيتبلغني هذه الأخبار .
          أخذت أتفكر فيما قاله أوين جريفيث . لقد قال إن عاجلاً أوآجلاً ستنطلق الرصاصة ولا ندري من ستصيب . ويبدو أنها أصابت السيدة سيمنجتون . إنهالم تكن تبدو من طراز هؤلاء النساء اللاتي يحملن أسراراً خفية في ماضيهن ... لقد كانإحساسي صحيحاً , لقد كنت أرى وراء شراستها الشديدة تلك امرأة هشة ضعيفة . لقد كانتمن طراز النسوة الضعيفات اللاتي يعتمدن على الآخرين واللاتي ينهرن بسهولة .
          وكزتني جوانا بذراعها وسألتني عما أظنه بشأن هذا الأمر .
          فكررت لها ما قالهأوين جريفيث , فقالت : " بالطبع , لابد أنه يعرف كل شيء على الموضوع . فهذا الرجليعرف كل شيء . "
          قلت : " إنه بارع . "
          قالت جوانا : " بل هو متغطرس , متغطرسللغاية . "
          ثم صمتت لدقيقة أو اثنتين وقالت : " يا له من أمر فظيع لزوجهاولابنتها . ترى ما هو شعور ميجان الآن ؟ "
          لم يكن لدي أدنى فكرة , وأعلنت لهاذلك بصراحة , لقد كان من العجيب أنه لا يستطيع أحد أن يخمن ما تشعر به ميجان الآنأو بماذا تفكر .
          أومأت جوانا برأسها قائلة : " لا يستطيع أحد أن يعرف ماذا يدوربخلد تلك الطفلة ربيبة الجنيات . "
          ثم صمتت للحظة وقالت : " هل تعتقد ـ إذا ماكنت توافق على هذا ـ أنها قد تحب أن تأتي وتمكث معنا ليوم أو يومين ؟ لقد تلقت هذهالفتاة صدمة شديدة . "
          قلت لها موافقاً : " يمكننا أن نقترح عليها هذا . "
          قالت جوانا : " أعتقد أن الأولاد سيكونون بخير , فلديهم مربية الأطفال تلك . ولكن أعتقد أن تلك المرأة يمكنها أن تقود ميجان إلى الجنون . "
          فكرت أن هذامحتمل للغاية , فقد كان يمكنني أن أتخيل تلك المرأة وهي تستمر بالتفوه بتلكالتفاهات , ولا تنفك تعرض عليها احتساء المزيد من أقداح الشاي . إنها مخلوقة طيبةالسريرة ولكنني لا أظنها مناسبة لإنسانة حساسة كميجان .
          لقد كنت أفكر بالفعل بأنتبتعد ميجان عن منزلها في هذه الفترة العصيبة . ولقد سعدت عندما علمت أن جوانا تفكرفي نفس الشيء بشكل عفوي دون إيعاز مني . وبعدما انتهينا من تناول الإفطار ذهبنا إلىبيت آل سيمنجتون .
          وكن منزعجين بعض الشيء , فقد كان قدومنا يبدو تطفلاً شديداً . ولكن لحسن الحظ قابلنا أوين جريفيث وهو خارج من بوابة القصر . وقد بدا قلقاًومنشغلاً .
          إلا أنه حياني بشيء من الحرارة وقال : " مرحباً يا بيرتون , إننيمسرور لرؤيتك. إن ما كنت أخشى أن يقع عاجلاً أو آجلاً قد وقع بالفعل . إنه لأمرلعين . "
          قالت جوانا بصوت لا تستخدمه إلا عندما تتحدث مع إحدى عماتنا الصم : " صباح الخير دكتور جريفيث . "
          فوجئ جريفيث وكست وجهه الحمرة وقال : " أو ـ صباحالخير يا آنسة بيرتون . "
          قالت جوانا : " لقد ظننت أنك ربما لم تلاحظ وجودي . "
          ازداد وجه جريفيث احمراراً , وكاد يذوب خجلاً . قال : " إنني في غاية الأسف , لقد كنت منشغلاً بأمر ما , فلم أنتبه . "
          إلا أن جوانا تابعت كلامها دون رحمةوشفقة : " مع أنني في ذات حجم البشر الأسوياء ويمكن لأي أحد أن ينتبه لوجودي . "
          انتحيت بها جانباً وقلت لها : " على رسلك أينها الشرسة . "
          تابعت حديثي معجريفيث قائلاً : " لقد كنت وأختي نتساءل يا جريفيث إذا ما كانت فكرة جيدة أن تمكثالفتاة معنا ليوم أو يومين . ما رأيك ؟ إنني لا أريد أن أدس أنفي في الموضوع ـ ولكنلابد أن الموقف عصيب للغاية على تلك الطفلة المسكينة, فماذا تظن رأي سيمنجتون فيالأمر ؟ "
          أخذ جريفيث يقلب الفكرة في رأسه لدقيقة أو اثنتين , ثم قال في النهاية : " أعتقد أن هذه الفكرة ممتازة , فهي فتاة عصبية , تقلبة المزاج , وسوف يكون منمصلحتنا أن تبتعد تماماً عن هذا الأمر . صحيح أن الآنسة هولاند تفعل العجائب معالأولاد والسيد سيمنجتون نفسه , ولكن هذا يكفينا . فالسيد سيمنجتون مفطور القلب ـمشتت التفكير . "
          سألته بتردد : " هل كانت المسألة انتحاراً ؟ "
          أومأ جريفيثبرأسه قائلاً : " نعم بالفعل , لا يوجد احتمال في أن يكون الأمر حادثة . لقد كتبترسالة قبل أن تموت قالت فيها : " لا يمكنني أن أستمر . " لابد أن البريد وصل فيالظهيرة بالبارحة . لقد كان المظروف على الأرض بالقرب من مقعدها بينما كان الخطابنفسه مكوراً ومرمياً في المدفأة . "
          "
          ماذا كان ـــ "
          ثم توقفت عن الكلاموأنا منزعج من نفسي .
          ثم اعتذرت قائلاً : " أستميحك عذراً . "
          ابتسم جريفيثابتسامة خاطفة وحزينة وقال : " لا تخجل من سؤالك , لابد وأن يقرأ الخطاب في أثناءسير التحقيقات . إن هذا الأمر حتمي مع أنه فظيع . لقد كانت واحدة من تلك الرسائلالتي تعرفها ـ بذات الأسلوب البذيء . ولقد كان الاتهام هذه المرة بأن الصبي الأصغركولين ليس من صلب سيمنجتون . "
          سألته وأنا أكاد لا أصدق : " وهل تظن هذا صحيحاً؟ "
          هز جريفيث كتفيه وقال : " لا أستطيع أن أقطع برأي في هذا الأمر . إنني أعيشفي هذه البلدة منذ خمس سنوات فقط , ولم أعرف عن الزوجين سيمنجتون سوى أنهما زوجينسعيدين في حياتهما الزوجية ومخلصان لعلاقتهما ولأطفالهما . صحيح أن ذلك الولد لايشبه والديه تماماً ـ فهو ذو شعر أحمر لامع ـ لكن الأطفال غالباً ما يشبهون أجدادهموجداتهم . "
          "
          لعل عدم التشابه هذا قد يكون هو ما أدى إلى هذه الشائعات , إنهاتهام شرير ولا يستند إلى دليل . "
          "
          إنه من المحتمل جداً لأن أصحاب هذه الأقلامالمسمومة لا يكونون ذوي معرفة كبيرة بهؤلاء الناس , لأنهم يتحركون بدافع حقد أعمى . "
          قال جوانا : " ولكن يبدو أن هذا الاتهام قد نكأ جرحاً غائراً , وإلا لم تكنلتقتل نفسها , أليس كذلك ؟ "
          قال جريفيث في تشكك : " أشك في هذا , لقد كانتالسيدة سيمنجتون تعاني من بعض المتاعب الصحية لبعض الوقت , ولقد كانت تمر بنوباتعصبية وهستيرية , لقد كنت أعالجها من حالتها العصبية المظطربة تلك . من المحتمل أنالصدمة التي نتجت عن تلقيها هذه الرسالة قد وضعتها في تلك الحالة مرة أخرى , وأصابتها بنوبة فزع دفعتها للانتحار , ولعلها خشيت ألا يصدقها زوجها إذا ما أنكرتهذه القصة , أو لعله اعتراها شعور بالخزي والاشمئزاز مما جعلها تتخذ هذا القرار غيرالمتزن . "
          قالت جوانا : " إذن فهو انتحار ناتج عن حالة عقلية مضطربة ؟ "
          قالجريفيث : " بالضبط , وأعتقد أنه سيقابل ذلك بتفهم كبير أثناء التحقيقات . "
          قالتجوانا : " هذا صحيح . "
          كان هناك شيء في نبرة صوتها جعل جريفيث يقول بصوت غاضب : " نعم سوف تلقى تفهماً , ألا تتفقين معي يا آنسة بيرتون . "
          قالت جوانا : " بلأتفق معك تماماً , وكنت لأفعل نفس الشيء لو كنت مكانك . "
          نظر لها أوين بشك , ثمسار مبتعداً عنا , ودلفت أنا وجوانا إلى داخل المنزل . كان باب المنزل مفتوحاً , ولقد رأينا أن ندخل مباشرة بدلاً من قرع الجرس , خاصة وقد سمعنا صوت إلسي هولانديدوي من داخل المنزل . كانت تخاطب السيد سيمنجتون الذي كان يجلس على أحد المقاعد , وكان في حالة إعياء شديدة . قالت له : " إنك لم تتناول طعام الإفطار , وكذلك لمتأكل شيئاً من الليلة الماضية , ناهيك عن الصدمة التي تلقيتها . إنك بهذا الشكل سوفتضر صحتك , وأنت في هذه المرحلة تحتاج لكل قواك . هذا ما قاله الطبيب قبل أن ينصرف . "
          قال سيمنجتون بصوت لا حياة فيه : " إنك عطوفة للغاية يا آنسة هولاند , لكنـــ "
          قالت الآنسة هولاند : " إليك قدح الشاي هذا . " قالتها وهي تدفع إليهالقدح بحزم .
          كنت أفضل شخصياً أن تعطيه بعض الصودا أو العصائر . فقد بدا بحاجةإليها بالفعل , إلا أنه تناول منها الشاي وقال وهو ينظر إليها : " لا أستطيع شكركبما يكفي يا آنسة هولاند , إنك إنسانة رائعة . "
          فاحمر وجه الفتاة خجلاً وبدتمسرورة لهذا الإطراء . ثم قالت : " ولطيف منك أن تقول هذا يا سيد سيمنجتون , ولكنعليك أن تدعني أفعل ما بوسعي لأساعدك . ولا تقلق بشأن الأولاد ـ إنني سوف أعتني بهم , ولقد استطعت أن أسيطر على الخدم وأهدأ من روعهم , وإذا كان بإمكاني أن أفعل أيشيء يمكنني فعله كأن أكتب خطاباً لأحد ما , أو أن أتصل بأحد ما , فرجاء لا تتردد فيطلب ذلك مني . "
          كرر السيد سيمنجتون : " إنك عطوفة للغاية . "
          وبينما كانتإلسي هولاند تستدير لتمضي إلى شأنها , لمحتنا فهرعت إلينا في بهو المنزل , وقالتبصوت هامس : " أليس هذا أمراً فظيعاً ؟ "
          وبينما كنت أنظر إليها : " خطر لي أنهافتاة لطيفة للغاية ؛ فهي عطوفة , وذات كفاءة , وعملية جداً في وقت الأزمات . كانتعيناها الواسعتان الزرقاوان تحيط بهما هالتان ورديتان مما يدل على أنها رقيقة القلبللغاية لكي تذرف الدمع لوفاة مستخدمتها .
          قالت لها جوانا : " هل يمكننا أننحادثك قليلاً , فنحن لا نريد أن نزعج السيد سيمنجتون . "
          أومأت إلسي هولاندبرأسها وقادتنا نحو غرفة الطعام في الجانب الآخر من البهو , وقالت : " لقد كانأمراً فوق احتماله , يا لها من صدمة . من كان يظن أن شيئاً مثل هذا قد يحدث ؟ولكنني الآن أدرك بالطبع أنها أحياناً كانت غريبة الأطوار . أحياناً كانت تنتابهانوبات عصبية , وكانت تبكي بشكل غريب . كنت أظن أنها مريضة , رغم أن الدكتور جريفيثكان يؤكد دائماً أنها سليمة ولا شيء بها . ولكنها كانت عدوانية وسريعة الغضبوأحياناً لم نكن نستطيع التعامل معها . "
          قالت جوانا : " لقد أتينا اليوم لكينسأل إذا كان من الممكن أن نصطحب ميجان لكي تمكث معنا لأيام قليلة ـ إذا كانت هيتريد هذا . "
          قالت في شيء من الدهشة : " ميجان ؟ لا أدري . إن هذا لطف منكما , ولكنها فتاة غريبة الأطوار , ولا أحد يمكنه أن يعلم بماذا تفكر أو بماذا تشعر . "
          قالت جوانا بغموض : " إننا نعتقد أننا بهذا نقدم بعض المساعدة . "
          "
          بالتأكيد , إنكما بهذا سوف تساعدانني كثيراً . فإنني أعتني بالوالدين , فهما الآنمع الطاهية وكذلك السيد سيمنجتون المسكين ـ إنه بالفعل بحاجة للرعاية كأي أحد آخر , وهناك العديد من الأشياء الأخرى علي القيام بها . وإنني بالقطع ليس لدي أي وقتلأعتني بميجان . أعتقد أنها في الطابق العلوي في غرفة الأطفال القديمة التي في أعلىالمنزل . لا أدري إذا ــ "
          نظرت لي جوانا بسرعة , فهرعت إلى الغرفة في الطابقالعلوي .
          كانت غرفة الأطفال القديمة في أعلى المنزل . فتحت الباب ودلفت , كانتالغرفة التي تحتها تطل على الحديقة ولم تكن ستائرها قد أسدلت بعد . أما الغرفة التيكانت تطل على الطريق فقد كانت ستائرها مسدلة .
          رأيت ميجان من خلال ضوء الغرفةالخافت . كانت تجلس على أريكة في مقابل الجدار , وذكري مشهدها هذا بالحيواناتالمذعورة التي تختبئ من مفترسيها . لقد كانت في غاية الخوف .
          ناديتها قائلاً : " ميجان . "
          تقدمت إليها ودون وعي مني اكتسب صوتي نبرة من يهدئ حيواناً مذعوراً . ولقد شعرت بأنني أمد لها يدي بجزرة أو بقطعة سكر . أخذت تحدق إلي دون أن تتحرك قيدأنملة , أو يتغير الترتيب الذي كان مرتسماً على وجهها .
          قلت لها مرة أخرى : " ميجان , لقد أتيت أنا وجوانا لنسألك إذا كنت تحبين أن تأتي معنا لتقضي معنا أياماًقليلة . "
          قالت بصوت خاو من وراء الضوء الخافت : " أمكث معكما ؟ في منزلكما ؟ "
          "
          نعم . "
          "
          أتعني أنكما سوف تأخذاني من هنا ؟ "
          "
          نعم يا عزيزتي . "
          فجأة بدأت ترتجف من رأسها حتى أخمص قدميها , لقد كانت ترتعب بقوة وبشكل مرعب .
          "
          نعم , خذاني من هنا أرجوكما,إنه لشيء فظيع أن أبقى هنا وأشعر بأنني شريرة. "
          تقدمت لها فأمسَكَت بكم معطفي وتشبثت به بقوة , واستطردت : " إنني جبانةوحقيرة , لم أكن أعرف أنني جبانة إلى هذا الحد . "
          قلت لها :" لا عليك يا طفلتيالعزيزة . إن الأمور مختلطة بعض الشيء , هيا بنا ."
          "
          هل يمكننا أن نذهب الآن ؟دون أن نمكث هنا لدقيقة ؟ "
          "
          أعتقد أنك عليك أن تحزمي بعض أغراضك . "
          "
          أيةأغراض ؟ لماذا ؟ "
          "
          يا طفلتي العزيزة , إننا سنوفر لك فراشاً وحماماً وأشياءأخرى , ولكنني لا أستطيع أن أعيرك فرشاة أسناني مثلاً . "
          ضحكت ضحكة خفيفة مرهقةوقالت : " فهمت , أعتقد أنني حمقاء بعض الشيء اليوم : لا تبال بي . سوف أذهب لكيأحزم بعض الأغراض . وأنت ـ أنت لن تذهب ؟ سوف تنتظرني ؟ "
          "
          سوف أنتظرك علىالباب . "
          "
          أشكرك . أشكرك شكراً جزيلاً , أنا آسفة للغاية . ولكنك تعرف أنالوضع يكون خطيراً عندما تموت أمك . "
          قلت لها : " أنا أعرف . "
          وربت علىكتفها بعطف , فنظرت لي بامتنان ثم توارت في غرفة النوم . وذهبت أنا نازلاً الدرجوقلت لإلسي هولاند : " لقد قابلت ميجان , وستأتي معنا . "
          قالت إلسي هولاند : " هذا شيء طيب , إن هذا سوف ينسيها حزنها , إنها لفتاة عصبية كما تعلم , إنها صعبةالمراس . إنني سوف أرتاح جداً عندما أخرجها من دائرة الأشياء التي يجب أن أقلقبشأنها. وهذا لطف منك أنت أيضاً يا آنسة بيرتون. أرجو ألا تسبب لك إزعاجاً . ياإلهي , إن جرس الهاتف يدق , لابد أن أرد عليه . إن السيد سيمنجتون لا يستطيع أن يردعليه . "
          قالتها وأسرعت تغادر الغرفة , فقالت جوانا : " يا لها من ملاك متفانٍ . "
          قلت لها : " إنك تسخرين منها , مع أنها فتاة لطيفة و عطوفة , وتؤدي عملهابكفاءة إلى حد ما . "
          "
          إلى حد ما , وهي تعرف هذا . "
          قلت لها : " هذا لايليق بك يا جوانا . "
          "
          أعني لماذا لا تستطيع الفتاة أن تُعنى بنفسها . "
          "
          فعلاً . "
          قالت جوانا : " إنني لا أطيق هؤلاء الناس الذين يختالون بأنفسهم , فهذا يثير طباعي السيئة . كيف وجدت ميجان . "
          "
          وجدتها في غرفة مظلمة جالسة علىأريكة كظبي شارد . "
          "
          يا للطفلة المسكينة , هل رحبت بالفكرة ؟ "
          "
          لقد كانتتتوق لذلك بشدة . "
          وسمعنا صوت ميجان , وهي تدحرج حقيبتها في طريقها إلينا , فذهبت إليها وأخذت منها الحقيبة . وقالت جوانا : " هيا , فلدي أقداح شاي كثيرة عليأن أتناولها . "
          ذهبنا إلى السيارة , وضايقني أنه تعين على جوانا أن تدخلالحقيبة بنفسها في السيارة . لقد كنت أستطيع في هذا الوقت أن أمشي بعكاز واحد , إلاأنني لم أكن أستطيع القيام بأي حركات رياضية .
          قلت لميجان : " هيا ادخلي السيارة . "
          استقللنا السيارة , فأدارت جوانا المحرك , ومضينا في طريقنا . وصلنا إلىليتل فيرز وجلسنا في غرفة الرسم .
          تهاوت ميجان على مقعدها وانفجرت باكية . أخذتتنتحب بشكل طفولي ـ غادرت الغرفة طلباً للراحة . وأعتقد أن جوانا وقفت هناك عاجزةعن فعل شيء .
          ثم سمعت ميجان تقول بصوت مخنوق : " أنا آسفة لأنني أفعل هذا , هذايبدو تصرفاً أحمق . "
          قالت جوانا : " لا , لا عليك , إليك منديل آخر . "
          أعتقد أنها قامت بالتصرف السليم . دلفت الغرفة وقدمت لميجان كوباً من العصير .
          "
          ما هذا ؟ "
          قلت لها : " بعض العصير الطازج . "
          قالت ميجان وقد جفتدموعها بسرعة : " حقاً ؟ أشكرك بشدة . "
          ارتشفت ميجان شرابها باستمتاع , ثم أشرقوجهها بابتسامة , ثم أعادت رأسها إلى أسفل وازدرت شرابها حتى الثمالة . ثم قالت : " إنه لذيذ , هل يمكنني أن أحصل على كوب آخر . "
          قلت لها : " لا . "
          "
          لماذا ؟ "
          "
          حتى لا تفقدي شهيتك للطعام . "
          "
          يا إلهي . "
          ثم حولت ميجان اهتمامهاإلى جوانا قائلة : " إنني في غاية الأسف لأنني أحدثت هذه الضوضاء , عندما أخذت أبكيوأنتحب بهذا الشكل . ولا أدري لماذا , لقد كان هذا سخيفاً جداً خاصة أنني في غايةالسعادة لوجودي هنا . "
          قالت جوانا : " هذا صحيح , نحن في غاية السرور لأنك معنا . "
          "
          لا يمكن أن تكونا سعداء لوجودي . إنه عطفكما ورقتكما , ولكنني ممتنة لكما . "
          قالت جوانا : " لا أريدك أن تتفوهي بهذه الكلمات , إن هذا يحرجني للغاية . إنني صادقة للغاية عندما أقول إننا سعداء لوجودك معنا . فأنا وجيري قد تحدثنا في كلالموضوعات الممكنة , ولا يمكننا أن نجد أي شيء آخ يمكننا أن نقوله لبعضنا البعض . "
          قلت : " ولكن الآن , سوف نستطيع أن نتحدث عن جونريل وريجان وأشياء من هذاالقبيل . "
          تهللت أسارير ميجان وقالت : " لقد كنت أفكر في هذا الأمر , أعتقدأنني أعرف لماذا . إن هذا لأن والدهما المسن البغيض هذا كان يريدهما دائماً أنيتملقاه . فعندما يضطر المرء لأن يقول دائماً شكراً , وهذا عطف منك , فسوف ينتهي بهالأمر لأن يصبح غريب الأطوار وفاسد الأخلاق , لأنه سوف يتوق لأن يكون سريراً علىسبيل التغيير ـ وعندما ينال الفرصة , سوف يتمادى في الأمر ويغالي فيه . إن العجوزلير كان بغيضاً للغاية , أليس كذلك ؟ إنه يستحق ذلك الازدراء الذي عاملته بهكورديليا . "
          قلت : " أرى أننا سوف نحظى بمناقشات شقية عن شكسبير . "
          قالتجوانا : " أرى أنكما سوف تكثران من التحذلق .
          فإنني دائماً ما أرى شكسبير فيغاية الملل , حيث هذه الفصول المسرحية الطويلة التي يكون فيها الجميع مخمورينويحاولون أن يبدوا مضحكين . "
          قالت لميجان : " كيف حالك الآن ؟ "
          "
          بخيرشكراً لك . "
          "
          ألا تشعرين بالدوار , ألا ترين اثنين من جوانا , أو أي شيء منهذا القبيل . "
          "
          كلا , كل ما هنالك هو أنني أشعر بأنني أريد أن أتحدث كثيراً . "
          قلت لها : " ستكونين بخير يا صغيرتي , والآن عليك الذهاب لتأخذي قسطاً منالراحة . "
          صحبتها جوانا للطابق العلوي لتخرج الأشياء من حقيبتها . وأتتبارتريدج وقد بدت متكدرة , وقالت أنها لم تصنع إلا موبين من الكاسترد فقط من أجلالغداء , ولا تدري ما العمل .

          تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

          درع الأسد لبيك يا أسدنا
          من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
          ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

          Comment


          • #6
            رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

            الفصل السادس



            بدأ التحقيق بعد الحادث بثلاثة أيام . لقد تمكل شيء على شكل لائق قدر الإمكان , إلا أن الحضور كان كبيراً , وكما لاحظت جواناكان هناك العديد من النسوة .
            تم تحديد الوقت الذي توفيت فيه السيدة سيمنجتون وقدكان بين الثالثة والرابعة ظهراً , لقد كانت بمفردها في المنزل ؛ فقد كان السيدسيمنجتون في مكتبه , وكانت الخادمات في إجازة , وإلسي هولاند والأطفال في الخارج . وميجان كانت في نزهة على الدراجة .
            لابد أن الخطاب وصل في بريد بعد الظهيرة , ولابد أن السيدة سيمنجتون أخرجته من الصندوق , وقرأته ـ ثم لابد وأنها في ثورةغضبها ذهبت إلى خزانة المطبخ وأخرجت منها بعض السيانيد الذي كان ملفوفاً هناك لكييوضع في شبكة صيد الدبابير , ثم أذابت بعض الماء في تجرعته بعد أن كتبت هذه الكلماتالأخيرة " لا أستطيع أن أستمر . "
            وأدلى أوين جريفيث بشهادته الطبية , وشدد علىوجهة نظره التي أوضحها لنا بخصوص الحالة العصبية للسيدة سيمنجتون وضعف قدرتها علىالتحمل . كان المحقق لطيفاً وحكيماً , فقد تحدث بمرارة عن إدانته لهؤلاء الذينيكتبون هذه الأشياء الحقيرة , الرسائل المجهولة . وقال أياً كان كاتب هذه الرسائلالشريرة الكاذبة فهو مسئول أخلاقياً عن جريمة القتل . وقد تمنى أن تكشف الشرطةالمجرم سريعاً وتتخذ الإجراءات اللازمة ضده أو ضدها , فعمل قذر كهذا تفوح منه رائحةالحقد الأعمى يستحق أقسى عقوبة يفرضها القانون . وبناء على توجيهاته , نطق القضاةبالحكم النهائي , ألا وهو , انتحار أثناء جنون مؤقت .
            لقد بذل المحقق ما بوسعه , وكذلك أوين جريفيث أيضاً , ولكنني سمعت فيما بعد من نساء القرية نفس الهمساتالكريهة والتي بدأت ~أعرفها جيداً . " لا دخان بلا نار . هذا رأيي ! لابد أن هناكشيئاً , وإلا ما كات لتقدم على هذه الفعلة ... "
            كرهت لايمستوك وحدودها الضيقةونساءها النمامات الهامسات .
            2
            من الصعب تذكر الأشياء بترتيبها الزمني الصحيح . بالطبع , كانت زيارة المفتش ناش ثاني أهم المعالم . ولكني أعتقد بعد ذلك أنناتلقينا زيارات من أشخاص مختلفين بالقرية , وكانت كل زيارة مهمة في حد ذاتها , وقدألقت بعض الضوء على على بعض الشخصيات وصفاتهم .
            جاءت إيمي جريفيث في الصباح بعدالاستجواب , كانت تبدو كعادتها وافرة الصحة والنشاط ونجحت كعادتها أيضاً في مضايقتيعلى الفور . وبما أن ميجان وجوانا كانتا بالخارج فقد قمت أنا بواجبات الضيافة .
            قالت الآنسة جريفيث : " صباح الخير , ل4قد سمعت أنكما تستضيفان ميجان هنا ."
            "
            أجل . "
            "
            هذا تصرف كريم من جانبكم , أنا متأكدة من ذلك , ولكن أخشى أنيسبب لكم بعض الإزعاج . وقد جئت لأقول إنه بإمكانها المجيء إلينا إذا كنتما تريدانذلك . يمكنني القول بأنه بوسعي جعلها مفيدة في البيت . "
            نظرت إلى إيمي جريفيثباستياء شديد . ثم قلت : " يا لعطفك الشديد , ولكننا سعداء بوجودها . إنها تقضيوقتاً طيباً هنا معنا . "
            "
            لا يمكنني القول بأن تلك الطفة مغرمة بالتسكع , وأظنها لا تستطيع فعل شيء سوى ذلك , فهي ذات ذكاء محدود للغاية . "
            قلت : " أعتقد أنها فتاة غاية في الذكاء . "
            حدقت إلي جريفيث بقسوة , ثم غلقت قائلة : " لأول مرة أسمع شخصاً يقول هذا عنها . فعندما تتحدث إليها تنظر إليك كما لو أنها لاتفهم ما تقوله . "
            قلت : " ربما كانت لا تهتم بما يقال , وهذا كل ما في الأمر . "
            قالت إيمي جريفيث : " إذا كان الأمر كذلك , فهي تتسم بالوقاحة . "
            قلت : " ربما , ولكنها ليست ذات ذكاء محدود . "
            أعلنت الآنسة جريفيث بحدة : : إنها شاردةالذهن غافلة , على أفضل تقدير إن ما تحتاج إليه ميجان هو العمل الجاد ـ شيء يجعلهاتهتم بالحياة . لا تتصور مدى الفارق الذي يشكله هذا بالنسبة لفتاة . إنني أعرفالكثير عن الفتيات . حتى أنه ليدهشك مدى الاختلاف الذي يحدثه كون الفتاة عضواً فيفريق الكشافة . إن ميجان أكبر من أن تقضي وقتها في التسكع والبطالة . "
            قلت : " إن من الصعب عليها فعل أي شيء الآن , فيبدو أن السيدة سيمنجتون كانت تعتبرها فيالثانية عشر من عمرها . "
            تنهدت الآنسة جريفيث بحنق : " أعرف , ولم أكن أطيقموقفها ذاك . لقد رحلت الآن , لذا لا أريد قول المزيد , ولكنها كانت مثالاً لماأطلق عليه ربة منزل ليست ذكية , لا تهتم إلا بلعب الورق والقيل والقال والاهتمامبشؤون أطفالها ـ حتى الأطفال كانت الفتاة تعتني بهم . أخشى أنني لم أكن معجبةبالسيدة سيمنجتون , على الرغم من ذلك فلم أشك بالحقيقة أبداً . "
            قلت محتداً : " الحقيقة ؟ "
            احمر وجه الآنسة جريفيث , وقالت : " لقد أسفت بشدة على ديك سيمنجتونلنشر كل تلك الأشياء في الاستجواب , لقد كان ذلك شيئاً فظيعاً بالنسبة له . "
            "
            ولكنك بالتأكيد سمعته يقول أن ما ورد بالخطاب لا أساس له من الصحة على الإطلاق ـلقد كان متأكداً من ذلك تماماً . "
            "
            لقد قال ذلك بالطبع , وهذا صحيح , فالرجللابد أن يدافع عن زوجته , هذا ما كان ليفعله ديك . "
            لقد عرفت ديك سيمنجتون منذوقت طويل . "
            اندهشت بعض الشيء .
            قلت : " حقاً ! لقد علمت من أخيك أنه اشترىهذه العيادة منذ بضع سنوات قليلة . "
            "
            أوه ,نعم , ولكن ديك سيمنجتون قد اعتادعلى المجيء والإقامة عندنا في الشمال. لقد عرفته منذ سنوات . "
            إن النساء يتوصلنإلى نتائج لا يتوصل إليها الرجال . إلا أن النعومة المفاجئة التي طرأت على إيميجريفيث جعلت ـ على حد وصف خادمتنا العجوز ـ بعض الأفكار تدور في رأسي .
            نظرتإلى إيمي بفضول , بينما واصلت هي حديثها بنفس النبرة الناعمة : " أعرف ديك حقالمعرفة ... إنه رجل يعتز بكبريائه ومتحفظ جداً , ولكنه مع ذلك غيور جداً . "
            قلت متعمداً : " وهذا يفسر سبب خشية السيدة سيمنجتون من أن تريه الرسالة أو أنتخبره بما ورد فيها . فلعلعا كانت تخشى ألا يصدق إنكارها لما ورد بها , وذلك بسببغيرته . "
            نظرت إلي الآنسة جريفيث نظرة تنم عن الحنق والاحتقار .
            "
            يا إلهي , أتعتقد أن امرأة يمكن أن تقدم على ابتلاع سيانيد البوتاسيوم بسبب اتنهام كاذب . "
            "
            يبدو أن المحقق اعتقد أن ذلك ممكن . كما أن أخاك أيضاً ـــ "
            قاطعتنيإيمي : " أنتم معرش الرجال تفكرون بنفس الطريقة . فكلكم تريدون المحافظة على الآدابالعامة . ولكنني لا أصدق هذا الشخف , فإن تلقت امرأة بريئة رسالة حقيرة منمجهول,فإنها تضحك أو تلقيها في سلة المهملات.وهذا ما فعلته ــ" توقفت فجأة , ثمأنهت كلامها قائلة : " ما كنت لأفعله . "
            ولكنني لاحظت مقاطعتها هذه , كنتمتأكداً تقريباً من أنها كانت بصدد قول : " فعلته . "
            قررت أن أنقل المعركة إلىساحة العدو .
            قلت ضاحكاً : " إذن , هل تلقيت أنت أيضاً واحدة من هذه الرسائل ؟ " . كانت إيمي جريفيث من النساء اللواتي يحتقرن الكذب . صمتت لبرهة ـ واحمر وجهها , ثم قالت : " نعم , ولكنني لم أدعها تقلقني . "
            سألتها بتعاطف : " أكاذيب بذيئة ؟ "
            "
            بالطبع , فهذه الأشياء بذيئة دائماً . إنها هذيان شخص مخبول . لقد قرأتكلمات قليلة منها , فأدركت فحواها فألقيتها في سلة المهملات بلا تردد . "
            "
            ألمتفكري في إبلاغ الشرطة . "
            "
            كلا , فكثرة الكلام تزيد المشاكل سوءاً ـ هذا هو مافكرت فيه عندئذ . "
            ألح علي هاجس أن أقول لها : " ا دخان بدون نار ! " ولكنيمنعت نفسي , ولكي أتجنب هذا الإغراء غيرت مجرى الحديث إلى ميجان . فسألتها : " ألديك فكرة عن وضع ميجان المالي ؟ إنه ليس نوعاً من الفضول , وإنما أريد أن أعرفإذا ما كان يتحتم عليها العمل لكسب قوتها . "
            "
            لا أعتقد أنه يتحتم عليها بمعنىالكلمة , فقد تركت لها جدتها لأبيها مصدراً صغيراً للدخل على ما أظن , وعلى أي حال , فإن ديك سيمنجتون كان يوفر لها السكن ويتكفل بها حتى لو لم تترك لها أمها شيئاً . غير أنها مسألة مبدأ . "
            "
            أي مبدأ ؟ "
            "
            العمل يا سيد بيرتون , فليس هناكشيء أهم من العمل بالنسبة للرجل والمرأة . فالكسل ذنب لا يغتفر . "
            قلت : " لقدفصل السيد إدوارد جيري , الذي أصبح وزيراً للخارجية فيما بعد , من جامعة أكسفوردبسبب كسله الفظيع . كما أن الدوق ويلنتجون ـ على حد علمي ـ كان كسولاً وغير مهتمبكتبه . ثم , ألم يخطر ببالك يا آنسة جريفيث أنك لم تكوني لتستطيعي استقلال القطارإلى لندن لو أن جورج ستيفنسون كان قد خرج مع أقرانه من الشباب للعمل بدلاً منالتسكع في مطبخ أمه شاعراً بالملل حتى انتبه عقله الكسول إلى الحركة الرتيبة لغطاءغلاية الشاي ؟ "
            لم تقل إيمي شيئاً سوى أن تنهدت بحنق .
            فقلت معضداً فكرتي : " إنها نظريتي الخاصة . إذ أرى أننا ندين للكسل ـ سواءً كان اختيارياً أو جبرياً ـبمعظم ابتكاراتنا وإنجازاتنا العظيمة . فالعقل البشري يفضل أن يتغذى على أفكارالآخرين دون بذل جهد يذكر , ولكن إذا حرم من تلك الرفاهية , فسوف يبدأ التفكيرلنفسه ـ وتذكري أن مثل هذا التفكير الخلاق وربما يؤدي إلى نتائج قيمة . "
            واصلتحديثي قبل أن تتاح لإيمي فرصة لإطلاق تنهيدة حانقة أخرى : " فضلاً عن ذلك , فإنالكسل به جانب فني . "
            نهضت وأخذت من على مكتبي صورة طالما لازمتني , إنها صورتيالصينية المفضلة , وهي تصور رجلاً عجوزاً جالساً تحت شجرة يلعب تشبيك الخيوط بأطرافأصابع يديه .
            قلت : " كانت في المعرض الصيني وقد أعجبتني , اسمحي لي بأن أريكإياها . إنها تدعى " رجل عجوز يستمتع بالكسل . "
            لم تعجب إيمي بصورتي الجميلة , فقالت : " أوه , حسناً , إننا جميعاً نعرف طباع الصينيين . "
            سألتها : " ألاتروق لك ؟ "
            "
            بصراحة كلا , فأنا لا أهتم بالفن كثيراً , كما أن طريقة تفكيرك ياسيد بيرتون لا تختلف عن طريقة تفكير معظم الرجال . فأنتم تكرهون عمل المرأة ــــومنافستها لكم ــــ "
            أصابتني الدهشة , فهاأنذا قد أصبحت عدواً للحركة النسائية . استمرت إيمي في دفاعها وقد احمرت وجنتاها .
            "
            إنه لا تروق لك فكرة خروجالمرأة من لميدان العمل , تماماً كوالدي . فقد كنت مهتمة بدراسة الطب ولكنهما لميكونا مهتمين بدفع مصاريف الدراسة , ومع ذلك فقد كانا مستعدين لدفعها لأوين . لقدكان بإمكاني أن أصبح طبيبة أفضل من أخي ."
            قلت : " أنا آسف لما حدث معك , فلابدأنه كان شيئاً قاسياً عليك . فحينما يريد المرء فعل شيء ــ "
            واصلت كلامها بسرعة : " أوه , لقد تغلبت على هذا الآن , لفدي إرادة شديدة لا تقهر , وحياتي مشحونةبالأنشطة المختلفة . إنني واحدة من أسعد الناس في لايمستوك , ولدي الكثير لأفعله . ولكنني أسعى لهدم الفكرة البالية القائلة بأن مكان المرأة هو بيتها . "
            قلت : " آسف إن كنت قد آلمتك . وهذه لم تكن وجهة نظري حقاً , وأنا لا أتصور أن ميجان يمكنأن تصبح ربة منزل تقليدية . "
            "
            كلا , إنها طفلى مسكينة , ولكنني أخشى لا تصلحلأي شيء . " هدأت إيمي وعادت لتتكلم بطريقتها المعتادة مرة أخرى قائلة : " إن أباها , كما تعرف ـــ "
            توقفت , فقلت مغتاظاً : " لا أعرف , فالجميع هنا يقولون (( إنأباها )) ثم يخفضون أصواتهم , ثم لا شيء . ماذا فعل ذلك الرجل ؟ ألا يزال حياً ؟ "
            "
            في الحقيقة , لا أعرف , وأخشى أنه غامض بالنسبة لي شخصياً , ولكنه كان بلاريب سيئاً . أعتقد أنه من أرباب السجون , وشخصية غريبة الأطوار إلى حد كبير , لذلكلن أُدهش إذا كانت ميجان مختلفة بعض الشيء . "
            قلت : " إن ميجان في كامل قواهاالعقلية , وكما قلت من قبل , فإنني أعتبرها فتاة ذكية . وأختي تعتبرها كذلك أيضاً , إن جوانا تحبها كثيراً . "
            قالت إيمي : " أخشى أن أختك تجد الحياة مملة هنابالتأكيد . "
            ما أن قالتها , حتى عرفت شيئاً آخر , إن إيمي جريفيث تكره أختي , فلقد بدا ذلك واضحاً في نبرة صوتها .
            "
            لقد تساءلنا جميعاً كيف يمكنكما العيشهنا في هذه البقعة النائية . "
            لقد أجبت عن هذا السؤال سابقاً .
            صمتُّ لبرهةثم أضفت قائلاً : " إنها أوامر الأطباء , أن أذهب إلى مكان هادئ جداً لا يحدث فيهشيء مزعج . ولكن هذا لا ينطبق على لايمستوك في الوقت الراهن ."
            "
            كلا , كلا , أنت محق . "
            بدت قلقة ثم نهضت وهي تهم بالمغادرة , وقالت عندئذ : " يجب وضع حدلكل هذه الوحشية ! فنحن لا نستطيع استمرار تحمل هذا الوضع . "
            "
            ألا تفعل الشرطةشيئاً ؟ "
            "
            من المفترض أن يفعلوا , ولكنني أعتقد أنه يجب أن نتعامل مع هذهالسخافات بأنفسنا . "
            "
            إننا لا نمتلك ما يملكونه من أسلحة . "
            "
            هراء ! ربماكنا أكثر منهم حنكة وذكاء . ولا ينقصنا سوى القليل من العزيمة . "
            ثم ودعتنيبسرعة وذهبت . وعندما عادت جوانا وميجان قدمت صورتي الصينية لميجان , فتهللتأساريرها وقالت : " إنها رائعة , أليس كذلك ؟ "
            "
            هذا هو رأيي . "
            قطبتجبينها بالطريقة التي أعرفها جيداً .
            "
            ولكنه أمر صعب حقاً , أليس كذلك ؟ "
            "
            أن يكون الأمر كسولاً ؟ "
            "
            لا , ليس أن يكون كسولاً ـ بل أن يستمتع به , لابد أنه عجوز جداً ــ "
            توقفت عن الكلام , فقلت : " إنه رجل عجوز بالفعل . "
            "
            لا أقصد أن يكون عجوزاً بهذا المعنى . بل أقصد أن يكون عجوزاً بـ ... "
            قلت : " تقصدين أن على المرء أن يرقى إلى درجة عالية من التحضر حتى تظهر لهالأمور على هذا النحو ـ إنها وجهة نظر معقدة ؟ أعتقد أنه يجب أن تكملي تعليمك ياميجان عن طريق قراءة مائة قصيدة مترجمة عن الصينية . "
            3
            قابلت سيمنجون فيوقت متأخر من اليوم .
            سألته : " هل تمانع في أن تبقى ميجان معنا لبعض الوقت ؟ إنجوانا سعيدة بها ـ فهي تشعر بالوحدة أحياناً لعدم وجود أحد من أصدقاءها . "
            "
            أوه ـ من ـ ميجان ؟ أوه , هذا كرم بالغ منك . "
            كرهت سيمنجتون منذ ذلك الحينكراهية لم أتمكن من التغلب عليها . فقد بدا واضحاً أنه نسي كل شيء يمت بصلة لميجان . لم أكن لأبالي بو أنه كره الفتاة ـ فالرجل أحياناً يغار من أطفال الرجل السابق ـبيد أنه لم يكن يكرهها , بل إنه لم يكن يلاحظ وجودها من الأساس . فمثل سيمنجتونوميجان مثل رجل لا يهتم بالكلاب وكان هناك كلب بمنزله , فلا ينتبه لوجوده إلا عندمايصطدم به فيوبخه , وأحياناً يربت عليه شذراً عندما يأتي ويتمسح به . لقد ضايقتنياللامبالاة التي أبداها سيمنجتون تجاه ابنة زوجته .
            قلت : " ما خططك بشأنها ؟ "
            بدا وكأنه فوجئ بسؤالي , فقال : " بشأن ميجان ؟ حسناً , سوف تعيش كما كانت فيالمنزل . أقصد بالطبع , أنه منزلها . "
            كانت جدتي التي أحببتها كثيراً , تغنيأغاني قديمة على الجيتار الخاص بها . وأذكر أن نهاية إحدى هذه الأغاني كانت كالتالي :
            ((
            أوه يا عزيزتي , أن لست هنا
            ليس لي مكان أو بيت ,
            لم يعد لي مأوى , في البحر أو على الشط ,
            فمكاني الوحيد في قلبك . ))
            ظللت أرددها وأنا في طريقالمنزل .
            4
            جاءت إيميلي بارتون بعد أنم انتهينا من تناول الشاي مباشرة . كانتتريد الحديث عن الحديقة , فأخذنا نتحدث ونحن نتجول هناك لمدة نصف ساعة تقريباً . ثمعدنا أدراجنا إلى المنزل .
            وعندئذ أخفضت صوتها , وتمتمت قائلة : " أتمنى ألاتكون هذه الطفلة ـ مستاءة من هذا الحدث المروع . "
            "
            أتقصدين موت أمها ؟ "
            "
            نعم , بالطبع , ولكني في الحقيقة قصدت الإساءة المختلفة عنه . "
            اعتراني الفضول , فأردت أن أعرف ردة فعل الآنسة بارتون .
            "
            ما رأيك في تلك الإساءات ؟ أكانتحقيقية ؟ "
            "
            كلا , كلا , بالتأكيد لم يكن بها شيء من الحقيقة . فأنا متأكدةتماماً أن السيدة سيمنجتون لم تكن ـ لم أعني أنه لم يكن."احمر وجه الآنسة بارتونورتبكت ــــ " أقصد أن تلك الإساءات ليست حقيقية على الإطلاق ـ على الرغم من أنهاقد تكون بمثابة حكم . "
            قلت محدقاً إليها : " حكم ؟ "
            ازداد احمرار وجهإيميلي بارتون وارتعشت شفتاها .
            "
            لا أستطيع منع نفسي من الشعور بأن هذهالخطابات المروعة , وكل الحزن والألم الذي سببته , ربما يتم إرسالها لغرض ما . "
            قلت مقطباً جبيني : " لقد أرسلت لغرض ما بكل تأكيد . "
            "
            كلا , كلا يا سيدبيرتون , لقد أسأت فهمي . إنني لا أتحدث عن هذا المخلوق الضال الذي كتبها ـ فلابدأنه شخص منبوذ تماماً . وإنما أعني أن الله قد ابتلانا بها ليوقظ ضميرنا وينبهناإلى أخطائنا ."
            قلت : " إن الله لا يجبر الإنسان على فعل الشر , فالإنسان هوالذي يوعز إلينا بالشرور . "
            "
            ما لا أستطيع فهمه أبداً هو ما الذي يدفع أيإنسان إلى فعل شيء كهذا ؟ "
            هززت كتفي قائلاً : " عقلية مريضة . "
            "
            يبدو أنهإنسان تعيس جداً . "
            "
            لا يبدو لي أنه تعيس , وإنما هو ملعون , وأنا لست نادماًعلى هذا الوصف , بل أعنيه تماماً . "
            اختفت الحمرة عن وجنتا الآنسة بارتونوأصبحتا شاحبتين .
            "
            ولكن لماذا يا سيد بيرتون , لماذا؟أية سعادة يحصل عليهاالمرء من شيء كهذا؟ "
            "
            لا أستطيع أنا ولا أنتي فهم ذلك , وهذا من فضل اللهعلينا . "
            أخفضت إيميلي بارتون صوتها قائلة : " يقولون أنها السيدة كليت ـولكنني لا أستطيع تصديق هذا . "
            هززت رأسي , بينما واصلت حديثها مهتاجة : " لميحدث شيئ كهذا من قبل , على أن أذكر أنه قد كان مجتمعاً صغيراً يعيش في سعادة . ترىماذا كانت أمي العزيزة لتقوله عما يحدث الآن ؟ حسناً , إنني أحمد الله لأنها ماتتقبل أن ترى مثل هذه الأشياء . "
            من خلال ما عرفته عن السيدة بارتون الراحلةفإنها كانت صلبة بما فيه الكفاية لتحمل أي شيء , بل وربما كانت لتستمتع بهذا الحديثالمثير .
            واصلت إيميلي حديثها : " إنها تحزنني كثيراً . "
            "
            ألم ـ ألم تتلقرسالة من هذه الرسائل المجهولة ؟ "
            احمر وجهها وقالت : " أوه , لا ـ أوه , لا , حقاً . أوه ! هذا الشيء كان ليصيبني بالرعب . "
            اعتذرت بسرعة , ولكنها غادرتمستاءة .
            دخلت إلى المنزل ,كانت جوانا تقف في حجرة الرسم بجوار النار التيأشعلتها للتو, حيث كان الجو بارداً الليلة .
            "
            جيري ! لقد وجدت هذا في صندوقالخطابات , مرسلاً باليد . حيث تقول بداية الخطاب : " أنت أيتها الساقطة . "
            "
            ماذا بها أيضاً غير ذلك ؟ "
            "
            قطبت جوانا جبينها قائلة : " نفس السخافات السابقة . "
            ألقتها في النار , فقفزت قفزة سرعت آلمت ظهري والتقطتها قبل أن تلمسها النار .
            قلت : " كلا , قد نحتاج إليها . "
            "
            نحتاج إليها ؟ "
            "
            لتقديمها للشرطة . "
            5
            في صباح اليوم التالي جاء المفتش ناش لرؤيتي . منذ اللحظة الأولى التيرأيته فيها أعجبت به , فقد كان نموذجاً مثالياً لرجل الشرطة , كان طويل القامة , ذامظهر عسكري , وعيناه تنمان عن الذكاء والفطنة .
            قال : " صباح الخير يا سيدبيرتون , أعتقد أنك تعرف سبب مجيئي إليك . "
            "
            نعم , أعتقد أنها مسألة الرسائل . "
            أومأ برأسه قائلاً : " أظن أنك تلقيت واحدة منها . "
            "
            نعم , بعد وصولناهنا مباشرة . "
            "
            ما فحواها بالضبط ؟ "
            فكرت قليلاً ثم ذكرت له كلمات الرسالةبأكبر قدر ممكن من الدقة .
            استمع مفتش الشرطة بوجه خال من التعبيرات , وعندماأنهيت كلامي قال : " إذن لم تحتفظوا بالرسالة سيد بيرتون ؟ "
            "
            آسف , لمنفعل.فقد كنت أظنه مجرد نوعاً من النكاية في وافدين جدد في القرية. "
            أحنى مفتشالشرطة رأسه متفكراً . ثم قال في اقتضاب : " يا للأسف . "
            قلت : " ومع ذلك فقدتلقت أختي واحدة في الأمس . وأنقذتها بصعوبة بعدما ألقتها في النار . "
            "
            شكراًلك يا سيد بيرتون , فقد كان هذا جميلاً منك . "
            ذهبت إلى مكتبي وفتحت الدرج الذيوضعتها فيه , فقد فكرت أنه ليس من المناسب أن تراها بارتريدج.أخذتها وأعطيتهالناش.فنظر إليها بسرعة , قم نظر إلي وقال: "
            هل لها نفس مظهر الرسالة السابقة ؟ "
            "
            أعتقد ذلك , إن لم تخني الذاكرة . "
            "
            نفس الفارق بين المظروف ونصالرسالة . "
            قلت : " نعم , فقد كان المظروف مطبوعاً على آلة كاتبة , أما الرسالةنفسها فقد كانت عبارة عن كلمات مأخوذة من كتاب وملصقة على ورقة بيضاء . "
            أومأناش ووضعها في محفظته , ثم قال : " إنني أتساءل يا سيد بيرتون إن كنت تمانع فيمرافقتي إلى قسم الشرطة ؟ حيث نستطيع هناك التحاور مع أفراد آخرين ونوفر على أنفسناالكثير من الوقت والتداخل . "
            قلت : " بالطبع , هل يمكن أن آتي الآن ؟ "
            "
            إنلم يكن لديك مانع . "
            كانت سيارة الشرطة تنتظر أمام الباب , فاستقللنا السيارةمتوجهين نحو قسم الشرطة .
            قلت : " أتظن أنك ستصل إلى نتيجة بخصوص هذه المشكلة ؟ "
            أومأ ناش بثقة واضحة .
            "
            أوه , نعم , سوف نصل إلى الفاعل بسهولة . إنهامسألة وقت وروتين , فهذه القضايا تسير ببطء , ولكن حلها أمر مؤكد . إنها مسألةتضييق الاحتمالات . "
            قلت : " أتعني التركيز على أسماء بعينها واستثناء الأخرى ؟ "
            "
            نعم , بالإضافة إلى بعض المهام الروتينية . "
            "
            أتقصد مراقبة صناديقالبريد , وفحص الآلات الكاتبة , والبصمات , وما إلى ذلك ؟ "
            ابتسم قائلاً : " تماماً , كما تقول . "
            في قسم الشرطة وجدنا سيمنجتون وجريفيث هناك وعرفني ناشعلى رجل ذي ذقن بارز وطويل يرتدي ملابس مدنية , وقال لي إنه المفتش جريفز .
            شرحناش قائلاً : " لقد جاء المفتش جريفز من لندن لمساعدتنا . إنه خبير في الرسائلمجهولة المصادر . "
            ابتسم المفتش جريفز ابتسامة كئيبة . فتراءى لي على الفور أنالحياة التي يمضيها صاحبها في اقتفاء أثر كاتبي الرسائل المجهولة لابد وأن تصيبهبالاكتئاب . ومع ذلك فقد أظهر المفتش جريفز حماساً به مسحة من الكآبة .
            قال بصوتعميق حزين أشبه بكلب بوليسي محبط : " إن هذه القضايا متشابهة إلى حد كبير . فقدتدهش من مدى تشابه كلمات وصياغة هذه الرسائل . "
            قال ناش : " لقد قابلنا قضيةمشابهة قبل سنتين وساعدنا المفتش حينئذ . "
            رأيت بعض الرسائل على الطاولة أمامجريفز , لابد وأنه كان يتفحصها .
            قال ناش : " من الصعب الحصول على رسائل من هذاالنوعية , وذلك لأن الناس إما يحرقونها أو أنهم لا يعترفون بتلقيها من الأساس. فالناس هنا ـ كما رأيت بنفسك ـ أغبياء, ويخشون التعامل مع الشرطة , فهم متخلفون إلىحد كبير . "
            قال جريفز : " غير أننا تلقينا عدداً من هذه الرسائل يكفي لبدأالتحري وكشف الجاني . " في تلك الأثناء أخرج ناش من جيبه الرسالة التي أعطيته إياهاوسلمها لجريفز .
            ألقى الأخير نظرة سريعة عليها , ثم وضعها بجانب الرسائل الأخرىوقال في سعادة ورضى : " رائع جداً ـ رائع جداً . "
            لم أكن أظن أن هذه الرسائلالبذيئة قد تبث السعادة في نفس أحد , غير أنه يبدو أن للخبراء وجهة نظر خاصة في هذاالصدد .
            قال المفتش جريفز : " أعتقد أننا حصلنا على عدد كاف من الرسائل للبدء فيالعمل , وسوف أطلب منكم أيها السادة , إذا تلقيتم المزيد منها , أن تبلغونا علىالفور ؛ وكذلك إذا سمعتم أن أحداً تلقى رسالة مجهولة المصدر ـ وبخاصة أنت , أيهاالطبيب بين مرضاك , فابذلوا ما بوسعكم لإقناعه بالمجيء إلينا وإبلاغنا عنها . لديناـ " قلب الرسائل بأطراف أصابعه , مستطرداً : " واحدة للسيد سيمنجتون تلقاها منذشهرين , وواحدة للسيد جريفيث , وواحدة للآنسة " جينش " , وأخرى لجينيفر كلارك , النادلة بمطعم " ثري كراونز " , والرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون , وأخيراًتلك التي تسلمتها الآنسة بيرتون . أوه , نعم , ورسالة بعثها لنا مدير البنك . "
            قلت : " إنها مجموعة تمثل جميع الشرائح . "
            "
            ولا تختلف عن القضاياالمماثلة ! فهي شديدة الشبه بتلك الرسائل التي كانت تكتبها تلك المرأة المخبولة , كما أنها صورة طبق الأصل من تلك الرسائل التي واجهناها في نوثرمبلاند ـ والتيكتبتها إحدى الطالبات بالمدرسة . بوسعي أن أعلن لكم أيها السادة أنني أود رؤية شيءمختلف . "
            قلت متمتماً : " لا جديد تحت الشمس . "
            "
            بالضبط يا سيدي . ولو كنتتعمل في نفس مهنتنا لتبين لك صدق هذه المقولة . "
            تنهد ناش قائلاً : " نعم , بالفعل . "
            سأل سيمنجتون : " هل توصلتم إلى رأي محدد بشأن كاتب هذه الرسائل ؟ "
            "
            هناك أوجه شبه مشتركة بين كل هذه الرسائل . وسوف أوضحها لكم أيها السادةلعلها توحي لكم بشيء يساعدنا . إن نص الرسائل يتألف من كلمات مصنوعة من أحرف منفصلةقطعت من كتاب مطبوع , إنه كتاب قديم وأظنه طبع عام 1830 . ومن الواضح أن هذا النهجقد اتُبع لتجنب خطر التعرف على الكاتب من خلال خط يده والذي يعتبر أمراً في غايةالسهولة . كما يعرف الجميع الآن .... وما يسمى استخدام اليد الخفية في الكتابة أصبحأمراً غير ذي جدوى إن واجهه خبير محنك . وليس هناك بصمات على الرسائل , كما أنالمظاريف لها أشكال مختلفة , وقد تعامل معها رجال البريد , والمرسل إليهم , وهناكرسائل أخرى عليها بصمات غير واضحة , ولكن لا يجمعها شيء واحد , مما يشير إلى أنالراسل كان حريصاً على أن يرتدي قفازات , وقد تمت كتابة العناوين على المظاريف بآلةكاتبة مهترئة من طراز وندسور 7 بها حرفا الألف والتاء خارجان على الخط المستقيم . وقد أُرسل معظمها من البريد المحلي أو وضعت باليد في صندوق الرسائل المنزلي . وقدكتبتها امرأة , وأنا أعتقد أنها امرأة في متوسط العمر أو أكبر ,وربما كانت غيرمتزوجة,على الرغم من أني غير متأكد. "
            استمعنا بإنصات لدقيقة أو اثنتين دون أننقاطعه , ثم قلت : " إنك تراهن على الآلة الكاتبة , أليس كذلك ؟ فلابد أنه من السهلالوصول إليها في قرية صغيرة كهذه. "
            هز المفتش جريفز رأسه بحزن وقال : " إنكمخطئ في هذا يا سيدي
            . "
            قال مراقب الشرطة ناش : " الآلة الكاتبة , للأسف , يسهلالوصول إليها . فهي آلة قديمة من مكتب السيد سيمنجتون , وقد تبرع بها لصالح جمعيةالمرأة , وأعتقد أنه من السهل الوصول إليها , حيث يذهب الكثير من السيدات هنا إلىالجمعية . "
            "
            ألا تستطيع تحديد شيء معين من اللمسة الفنية , كما تطلقون عليها ؟ "
            أومأ جريفز مرة أخرى .
            "
            نعم , هذا ممكن بالطبع ـ غير أن المظاريف قدطُبعت كلها بواسطة شخص يستخدم إصبعاً واحداً . "
            هو إذن شخص غير بارع في استخدامالآلة الكاتبة ؟ "
            "
            كلا , أنا لا أعني ذلك . بل أعني أنه شخص يجيد استخدامالآلة الكاتبة ولكنه لا يريدنا أن نتعرف على حقيقته . "
            "
            أياً كان كاتب هذهالأشياء فلابد أنه ماكر . "
            قال جريفز : " إنها يا سيدي تستخدم كل الحيل الممكنة . "
            قلت : " لم أكن أظن أن هؤلاء النسوة القرويات لديهن هذه العقول . "
            سعلجريفز , قائلاً : " أخشى أنني لم أكن واضحاً , ولكن هذه الرسائل كتبت على يد امرأةمثقفة . "
            "
            ماذا ؟ أتعني أنها " ليدي " ؟ "
            خرجت مني الكلمة عفوياً . فلمأستخدم هذه الكلمة منذ سنوات . ولكنها الآن جاءت على شفتي تلقائياً , بعد مضي أيامطوال منذ أن عرفتها , منذ أن كانت جدتي تقول بصوت تفوح منه رائحة العجرفة التلقائية : " بالطبع إنها ليست ليدي يا عزيزي . "
            فهم ناش ما أقصده على الفور , فقد كانتكلمة ليدي لا تزال تعني شيئاً له .
            قال : " ليس بالضرورة أن تكون ليدي , ولكنهابالتأكيد ليست امرأة قروية . فمعظمهن أميات هنا لا يستطعن هجاء الكلمات , وقطعاً لايستطعن التعبير بطلاقة . "
            لذت بالصمت بعدما صدمت بهذه التعقيدات . إذ إنالمجتمع هنا صغير للغاية . وقد تخيلت في اللاوعي أن كاتبة الرسائل هي السيدة كليتوأضرابها من النساء , فهي امرأة ماكرة .
            صاغ سيمنجتون أفكاري بكلمات , حيث قالبحدة : " ولكن هذا يضيق نطاق البحث إلى ست أو اثنتي عشر امرأة على الأكثر ! "
            "
            هذا صحيح . "
            "
            لا أصدق ! "
            عندئذ قال سيمنجتون بصوت تكسوه المرارة , وكأنهيخرج الكلمات بصعوبة : " لقد سمعت ما ذكرته في الاستجواب . وإذا ما كنت تعتقد أنتلك الشهادة كانت بناء على رغبة مني لحماية ذكرى زوجتي , فإنني أود أن أكرر الآنأنني مقتنع تمام الاقتناع بأن كل ما ورد في الرسالة التي تسلمتها زوجتي كان محضافتراءات . لقد كانت زوجتي حساسة ورقيقة للغاية , وربما يمكنكم اعتبارها عصبية . ومثل هذه الرسالة من شأنها أن تسبب لها صدمة نفسية عنيفة , بالإضافة إلى أنها كانتمعتلة الصحة . "
            رد جريفز على الفور : " هذا صحيح إلى حد كبير يا سيدي , فهذهالرسائل لا تشير إلى أن كاتبها واثق من معلوماته . إنها مجرد اتهامات عمياء . ولميكن هناك ابتزاز . ولا يبدو أن بها أي تحيز ديني ــ كما يحدث في بعض الأحيان . إنهافقط مليئة بالجنس والبغضاء ! وهذا يعطينا مؤشراً جيداً للتعرف على الكاتب . "
            نهض سيمنجتون , وقال بشفتين مرتعشتين : " أتمنى أن تجد الشيطانة التي كتبت هذهالرسائل اللعينة سريعاً . لقد قتلت زوجتي كما لو أنها غرست سكيناً في قلبها . " صمتقليلاً ثم أضاف : " إنني أتساءل , ما شعورها الآن ؟ " . خرج تاركاً السؤال بدونإجابة.
            سألت : " ما شعورها الآن يا جريفيث ؟ " وبدا لي أن الإجابة في نطاقاختصاصه .
            "
            الله أعلم . ومن جانب آخر , فقد تكون مستمتعة بقوتها . فلابد أن موتالسيدة سيمنجتون قد أشبع جنونها . "
            قلت برعشة خفيفة : " لا أتمنى ذلك . لأنهاإن كانت كذلك , فسوف ــ "
            ترددت فيما أنهى ناش عبارتي قائلاً : " فسوف تحاول مرةأخرى ؟ إن هذا ما نتمنى حدوثه يا سيد بيرتون . وتذكر أن الضمآن يذهب إلى البئركثيراً . "
            صحت قائلاً : " سوف تكون مجنونة إن واصلت عملها هذا . "
            قال جريفز : " سوف تواصل . فهذا النوع دائماً ما يفعل . إنه شيء يجري في دمائهم ولا يستطيعونالتخلص منه . "
            هززت رأسي وأنما أرتعد . ثم سألتهم إن كانوا يحتاجون إلي في شيءآخر , فقد كنت أريد الخروج في الهواء , حيث بدا الجو هنا مفعماً بالشر .
            قال ناش : " لا يوجد لدينا المزيد يا سيد بيرتون كل ما عليك هو أن تبقي عينيك مفتوحتين , وتبذل ما بوسعك للدعاية ـ كأن تحث الجميع على إبلاغنا بأي رسالة يتلقونها من هذاالنوع . "
            أومأت برأسي قائلاً : " أعتقد أنه ما من أحد هنا إلا وتلقى رسالة منهذا النوع . "
            قال جريفز : " هل تعرف أحداً , على وجه التحديد , لم يتلق رسالة ؟ "
            "
            يا له من سؤال غريب ! فليس من المتوقع أن يبوح كل السكان بأسرارهم . "
            "
            كلا , كلا يا سيد بيرتون , إنني لم أقصد ذلك , فقط أردت أن أتساءل إن كنت تعرف أيشخص وتثق تماماً أنه لم يتلق رسالة مجهولة ؟ "
            ترددت ثم قلت : " حسناً , أعرفإلى حد ما . "
            ثم ذكرت له الحوار الذي دار بيني وبين إيميلي بارتون وما قالته لي .
            تلقى جريفز المعلومة بوجه جامد خال من التعبير , ثم قال : " حسناً , قد يأتيهذا بفائدة. سوف أسجله . "
            خرجت في شمس ما بعد الظهيرة مع أوين جريفيث . وما أنوطأت الشارع حتى صحت بأعلى صوتي : " ما هذا المكان الذي جئت إليه من أجل الاسترخاءوالاستمتاع بدفء الشمس والاستشفاء ؟ إنه مكان مليء بالسموم الفتاكة , على الرغم منأنه يبدو ظاهرياً مكاناً آمناً وجميلاً كجنة على الأرض . "
            قال جريفيث بطريقةجافة : " حتى أفضل الأماكن بها شياطين . "
            "
            أخلصت إلى شيء يا جريفيث ؟ هل خرجتمنهم بأي فكرة عن الموضوع . "
            "
            لا أدري , فالشرطة لديها أساليبها الخاصة . حيثيبدون صرحاء معك , ولكنهم لا يخبرونك بشيء . "
            "
            نعم , إن ناش شرطي لطيف . "
            "
            كما أنه قدير كذلك . "
            قلت بنبرة اتهام : " إن كان هناك معتوه في البلدة , فيجب أن تعرفه . "
            هز جريفيث رأسه , وبدا محبطاً , ولكنه كان أكثر من ذلك ـلقد كان قلقاً . فتساءلت إن كان لديه فكرة من نوع ما .
            أخذنا نسير عبر الشارعالرئيسي , ثم توقفت عند باب وكلاء العقارات .
            "
            أعتقد أن الدفعة الثانية منالإيجار قد حان وقتها . لقد فكرت في دفعها , ثم الرحيل مباشرة أنا وجوانا . "
            قال أوين : " لا تفعل . "
            "
            لم لا ؟ "
            لم يجب لكنه قال ببطء بعد دقيقةأو دقيقتين : " على كل ـــ أعتقد أنك محق . فلم تعد لايمستوك مكاناً صحياً . بلربما كانت ضارة عليك أنت وأختك . "
            قلت : " لا شيء يضر جوانا , فهي صلبة , ولكنني أنا الضعيف . فهذه الأحداث تؤثر على حالتي بشدة . "
            قال أوين : " تؤثرعلى حالتك ؟ "
            دفعت باب الوكلاء ففتحته نصف فتحة .
            قلت : " ولكنني لن أذهب . فالفضول أقوى عندي من الألم . إنني أريد معرفة الحل . "
            دلفت إلى الداخل .
            نهضت امرأة كانت تكتب على الآلة الكاتبة , وتقدمت نحوي . كان شعرها متجعداًوابتسامتها متكلفة , ولكنني وجدتها أكثر ذكاء من تلك الفتاة ذات النظارات والتيكانت تتمايل في المكتب الخارجي .
            بعد دقيقة خطر ببالي شيء مألوف فقلت : " إنهاالآنسة جينش , التي أصبحت فيما بعد كاتبة لدى سيمنجتون . " ثم علقت على هذه الحقيقةقائلاً : " لقد كنت تعملين بمكتب " جالبرث سيمنجتون . " أليس كذلك . "
            "
            بلى , بلى , حقاً . ولكنني كنت أعتقد أنه من الأفضل أن أترك ذلك المكان . فهذه وظيفة جيدة ,وإن كان مرتبها ليس كبيراً.ولكن هناك أشياء أهم من المال , أليس كذلك؟ "
            قلت : " بلا شك . "
            تنهدت الآنسة : " تلك الرسائل الرهيبة , لقد تلقيت واحدة منها , تتحدث عني وأنا وسيمنجتون ـ أوه , لقد كانت فظيعة , وكل ما بها كان مرعباً . لقدعرفت واجبي وأخذتها إلى الشرطة , على الرغم من أنها لم تكن لطيفة أبداً , أليس كذلك؟ "
            "
            بلى , بلى , إنها رسائل وقحة . "
            "
            ولكنهم شكروني وقالوا إنني فعلتالصواب . ولكنني شعرت بعد ذلك بأنه من المؤكد أن الناس في البلدة كانوا يتحدثون عنيــ ولابد أنهم كانوا يفعلون , وإلا من أين حصل كاتب الرسالة على الفكرة ؟ يجب عليتجنب الشائعات , على الرغم من أنه لم هناك أي شيء بيني وبين السيد سيمنجتون . "
            شعرت بالحرج الشديد .
            "
            بلى , بلى , بالطبع لم يكن بينك وبينه شيئ . "
            "
            ولكن عقول الناس مليئة بالشر , نعم إنها عقول شريرة . "
            على الرغم منالمحاولات المضنية , إلا أن عيني التقت بعينيها واكتشفت شيئاً فظيعاً .
            فقد كانتالآنسة جينش مستمتعة بما حدث .
            ها قد وجدت اليوم شخصاً يتفاعل بسعادة مع الرسائلالمجهولة . لقد كان مفتش الشرطة جريفز حماساً مهيناً . أما استمتاع الآنسة جينش فقدتراءى لي موحياً بشيء وكريهاً في الوقت ذاته .
            ولمعت فكرة في ذهني المشوش .
            هل الآنسة جينش هي من يكتب الرسائل ؟


            تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

            درع الأسد لبيك يا أسدنا
            من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
            ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

            Comment


            • #7
              رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

              الفصل السابع

              عدت إلى البيت فوجدتالسيدة دين كالثروب جالسة تتحدث مع جوانا . بدت لي كئيبة ومريضة . قالت : " لقدكانت هذه صدمة مروعة لي يا سيد بيرتون , مسكينة , مسكينة . "
              قلت : " نعم , إنهلشيء مروع أن تفكري في يقوده أحدهم إلى الإنتحار . "
              "
              أوه , أتقصد السيدةسيمنجتون ؟ "
              "
              ألا ترين أنت ذلك ؟ "
              هزت السيد كالثروب رأسها قائلة : " بالطبع إن المرء ليأسف عليها , ولكن ذلك كان سيحدث على أية حال , أليس كذلك ؟ "
              قالت جوانا بجفاء : " سيحدث ؟ "
              التفتت دين كالثروب إلى جوانا .
              "
              أوه , أعتقد ذلك يا عزيزتي . إذا كان اانتحار وسيلة لهروبك من المشاكل فلا يهم كثيراًنوعية المشكلة التي أدت إلى ذلك . فلو أنها واجهت صدمة كبيرة , لارتكبت نفس الفعلة . إذن فالمهم أنها كانت من هذه النوعية من النساء اللاتي يبغضهن الجميع , فقد كانتأنانية وغبية ومتشبثة بالحياة . يخيل لمن يراها أنها ليست من النوع الذي يحزنالإنسان من أجله ـ ولكنني بدأت أدرك كم كنت لا أعرف الكثير عن الآخرين . "
              قلتمعلقاً : " ولكنني ما زلت أشعر بالفضول لمعرغة من تقصدين بقولك (( مسكينة )) . "
              أخذت تحدق إلي ثم قالت : " إنها المرأة التي تكتب الرسائل بالطبع . "
              قلتبجفاء : " لا أعتقد أن مثل هذه المرأة تستحق أي تعاطف . "
              مالت السيدة دينكالثروب للأمام . ووضعت يدها على كبتها قائلة : " لكن ألا تفهم ـ ألا تشعر ؟ استخدمخيالك . فكر في مدى الإحباط والتعاسة التي يعاني منها قطعاً كل من يكتب هذه الأشياء . كم هي وحيدة ومنعزلة عن الآخرين ! تتجرع السموم واحداً تلو الآخر ولا تجد متنفساًلها إلا بهذه الطريقة . لذا فإنني أشعر بتأنيب الضمير , لأن في هذه البلدة من يعيشفي كل هذه التعاسة , ولا أعرف عنه شيئاً كان لابد أن أعرفه . يمكنك تغيير مجرىالأحداث , لا أفعل ذلك أبداً . ولكن الشعور بالتعاسة أشبه بذراع متعفنة , انتفختوأسود لونها . ولو أحدثت فيها ثقباً وتركت السم يتدفق لتخلص من كل سمومها دون أنيصيبها بأذى . نعم , إنها مسكينة , مسكينة . "
              نهضت وهمت بالمغادرة .
              لم أكنمتفقاً معها في الرأي . فلم أستطع أن أكن أي نوع من التعاطف مع كاتب رسائلناالمجهولة أياً كان ما به , ولكنني سألت بفضول : " سيدة كالثرب , ألديك أية فكرة عنهوية كاتبة الرسائل ؟ "
              نظرت إلي بعينيها الصغيرتين المرتبكتين قائلة : " حسناً , أستطيع أن أخمن . لكنني قد أكون مخطئة , أليس كذلك ؟ "
              وفيما كانت عند البابمستعدة للخروج , استدارت لتسأل : " أخبرني , لماذا لم تتزوج إلى الآن يا سيد بيرتون؟ "
              لو أن شخصاً آخر هو من طرح هذا السؤال لقلت أنه وقح . ولكنك تشعر بأن الفكرةقد طرأت فجأة على ذهنها وأنا أرادت حقاً أن تعرف .
              قلت مستجمعاً قواي : " هليمكن القول أنني لم أقابل المرأة المناسبة ؟ "
              قالت السيدة كالثروب : " يمكنناقول ذلك , ولكنها ليست بالإجابة السديدة , لأنه من الواضح أن الكثير من الرجالتزوجوا من نساء غير مناسبات ؟ "
              في هذه المرة غادرت بالفعل .
              قالت جوانا : " إنني أظن أنها مجنونة حقاً , ولكنني أحبها , إن الناس في القرية هنا يخشونها. "
              "
              وهكذا أنا , إلى حد ما
              . "
              "
              ألأنك لا تستطيع توقع تصرفاتها ؟ "
              "
              نعم , بالإضافة إلى تخميناتها الغريبة . "
              قالت جوانا ببطء : " هل تعتقد أن كاتب هذهالرسائل تعيس حقاً ؟ "
              "
              لا أعرف ما الذي تفكر فيه أو تشعر به هذه الشيطانةاللعينة . فهذا لا يعنيني شيئاً . ولكن ضحاياها هم الذين آسف عليهم . "
              بدا ليغريباً الآن أن تحليلنا لعقلية صاحب القلم المسموم أهمل أوضح الجوانب . فقد تصورتجريفيث أنه ربما تكون مبتهجة , بيسنما تخيلتها أنا نادمة ـ مذعورة مما جنت يداها . أما السيدة كالثروب فترى أنها تشعر بمعاناة شديدة .
              غير أن رد الفعل الحتميوالواضح الذي نفكر فيه ـ أو بالأحرى لم أفكر أنا فيه ـ هو الخوف .
              فبعد موتالسيدة سيمنجتون , انتقلت الرسائل من فئة إلى أخرى . لا أعرف الموقف القانونيبالضبط ـ وإن كنت أعتقد أن سيمنجتون يعرف , ولكن من الواضح أنه مع موت شخص بفعل أحدهذه الرسائل , فقد أصبح موقف كاتبة الرسائل أكثر خطورة . فما لا شك فيه أنه إذا ماتم اكتشاف هوية كاتبة الرسائل المجهولة فلن يؤخذ الأمر على أنه مجرد هزل . وقد نشطتالشرطة وتم استدعاء خبير من سكوتلانديارد . وعلى هذا أصبح من الضروري على كاتبةالرسائل المجهولة أن تظل مجهولة .
              ومع التسليم بأن الخوف هو الرد الأساسي , فإنثمة أشياء قد تترتب عليه . ومع أنني أجهل ماهية هذه الأشياء , إلا أنني واثق منأنها ستحدث .
              2
              نزلت أنا وجوانا لتناول الإفطار في وقت متأخر من صباح اليومالتالي , وذلك التأخير لا يتناسب مع عادات سكان لايمستوك . فقد كانت الساعة التاسعةصباحاً , وحينما كنا في لندن كانت جوانا في تلك الساعة تفتح عينيها بالكاد , بينماأكون أنا لا أزال غارقاً في النوم . ومع ذلك فحينما قالت بارتريدج : " موعد الإفطارفي الساعة الثامنة والنصف , أم التاسعة ؟ " لم أقو أنا ولا جوانا على اقتراح تأخيرهساعة أخرى .
              وقد شعرت بالضيق حينما رأيت إيمي تتحدث مع مجان عند عتبة الباب .
              وكعادتها أطلقت للسانها العنان عند رؤيتنا .
              "
              مرحباً أيها الكسالى ! لقداستيقظت منذ ساعات . "
              لقد كان هذا بالطبع شأنها وحدها . فعلى الطبيب أن يتناولإفطاره مبكراً , وعلى الأخت الوفية أن تصب له الشاي , أو القهوة . ولكن لا عذر لهافي المجيء وإزعاج الجيران النائمين , فالتاسعة والنصف ليست بالموعد المناسبللزيارات الصباحية .
              عادت ميجان إلى غرفة الطعام لإكمال إفطارها الذي ـ حسبماأعتقد ـ قطعته عليها إيمي .
              قالت إيمي جريفيث : " من المناسب ألا أدخل . " ـ علىالرغم من أنني لا أدري ما الذي يجعل إجبار الناس على المجيء والتحدث معهم على عتبةالباب أكثر ميزة من التحدث معهم داخل البيت . واصلت حديثها : " لقد أردت فقط أنأطلب من الآنسة بيرتون إذا كان لديها أية خضروات فائضة أن ترسلها إلى جمعية (( ردستول )) على الطريق الرئيسي . إن كان الأمر كذلك , فسأبلغ أوين ليأخذها بسيارته . "
              قلت : " لقد استيقظتِ مبكراً , وتتجولين مبكراً . "
              قالت أيمي : " البركةفي البكور كما يقولون . كما أن فرصتي أكبر في إيجاد الاس في هذا اليوم . سوف أذهبإلى السيد باي , ثم إلى برينتون عصر اليوم . "
              قلت : " إن نشاطك يشعرني بأننيمتعب جداً . " وفي تلك اللحظة دق جرس الهاتف فعدت للردهة للرد عليه , تاركاً جواناتتمتم بشك على البازلاء والفاصوليا الفرنسية مظهرة جهلها بخضروات الحديقة .
              قلتفي الهاتف : " مرحباً . "
              جاءني صوت مرتبك .
              على الطرف الآخر من الخط كانهناك من يلتقط أنفاسه بارتباك ثم سمعت صوتاً أنثوياً يبدو عليه التشكك : " أوه ! "
              قلت مرة أخرى مشجعاً : " مرحباً . "
              قال الصوت مرة أخرى : " أوه ! " ثمتساءلت بارتباك : " هل هذا ـ أقصد ـ هل هذا منزل ليتل فيرز ؟ "
              "
              نعم , هو ليتلفيرز . "
              "
              أوه . " بدا لي أن هذه الكلمة لابد أن تأتي في افتتاحية كل جملة . تساءل الصوت بحذر : " أيمكنني محادثة الآنسة بارتريدج لدقيقة واحدة فقط ؟ "
              قلت : " بكل تأكيد , أقول لها من ؟ "
              "
              أوه , قل لها آجنس وودل . "
              "
              آجنس وودل ؟ "
              "
              نعم . "
              مقاوماً إغراء أن أقول : " دونالد دك يتحدث معك . " وضعت سماعةالهاتف وصحت منادياً على بارتريدج في الطابق الثاني حيث كنت أسمع تحركاتها فيالطابق الثاني .
              "
              بارتريدج ! بارتريدج ! "
              ظهرت بارتريدج أعلى السلم وبيدهاممسحة طويلة وفي عينيها نظرة تقول : " ما الأمر الآن ؟ " ؛ تلك النظرة التي تطل منخلف أسلوبها المهذب .
              "
              نعم , سيدي . "
              "
              آجنس وودل تريد الحديث معك علىالهاتف . "
              "
              معذرة يا سيدي . "
              رفعت صوتي قائلاً : " آجنس وودل . "
              "
              آجنس وودل ـ ماذا تريد الآن ؟ "
              متخلية عن هدوئها , ألقت بارتريدج الممسحةوهرولت على السلم , حتى أن رداءها كان يُسمع له صوت لشدة اهتياجها .
              ولكي لاأتطفل عليها عدت إلى غرفة الطعام , حيث وجدت ميجان تتناول إفطارها بنهم . وعلىالعكس من إيمي جريفيث فلم تكن ميجان تبدي " وجهاً صبوحاً مشرقاً" , حتى أنها ردتعلي تحية الصباح بتجهم , ثم تناولت طعامها في صمت .
              فتحت جريدة الصباح وبعددقيقتين أو ثلاثة دخلت جوانا وهي تبدو مشتتةً بعض الشيء .
              قالت : " ووه ! لقدتعبت . أعتقد أنني كشفت عن جهلي التام بزراعة الخضراوات . ألا توجد فاصوليا في هذاالوقت من العام ؟ "
              قالت ميجان : " في أغسطس . "
              قالت جوانا : " حسناً , إنالمرء يتطسع في لندن أكلها في أي وقت . "
              قلت : " إنها معلبة , يا جميلتيالحمقاء , وجاءت لنا مجمدة على سفن من أقصى البلاد . "
              سألت جوانا : " مثل العاجوالأبنوس والطواويس ؟ "
              ثم قالت متفكرة : " لكم أحب أن يكون لدي طواويس . "
              قالت ميجان : " أما أن فأحب أن يكون لدي قرد . "
              قالت جوانا وهي تقشربرتقالة : " إنني أتساءل كيف يكون شعوري لو كنت مثل إيمي جريفيث المفعمة بالصحةوالحيوية والاستمتاع بالحياة . أتعتقدون أنها شعرت من قبل بالتعب , أو الاكتئاب ـأو الحزن ؟ "
              قلت إنني متأكدة من أن إيمي جريفيث لم تحزن يوماً , ولحقت بميجانعند الشرفة .
              بينما أنا واقف أدخن غليوني سمعت بارتريدج تدخل حجرة الطعام قادمةمن الردهة وسمعتها تقول بتجهم : " أمكن أن أتحدث معك لدقيقة يا سيدتي ؟ "
              تمنيتألا تبدي بارتريدج ملحوظة بأن إيميلي بارتون ستتضايق منا إذا فعلنا كذا وكذا .
              واصلت بارتريدج حديثها : " يجب أن أعتذر يا سيدتي عن اتصال أحدهم بي هنا . أقصد أن الفتاة الصغيرة كان ينبغي أن تنتهج سلوكاً أفضل , فأنا لم أعتد على استخدامالهاتف ولم أسمح لإحدى صديقاتي بالاتصال بي هنا . وأنا آسفة جداً أن تصادف وتلقىسيدتي المكالمة . " قالت جوانا مهدئة إياها : " لماذا ؟ لا بأس بذلك إطلاقاً , لماذا ينبغي على صديقاتك ألا يتصلون بك إذا أرادوا محادثتك ؟ "
              شعرت بأن وجهبارتريدج ـ وإن كنت لا أراه ـ قد أصبح أكثر صرامة وهي تقول : " إن مثل تلك الفعلةلم تحدث إطلاقاً في هذا البيت . ولم تكن الآنسة إيميلي بارتون لتسمح بذلك أبداً . وكما قلت فإنني آسفة على حدوثه , ولكن آجنس وودل التي فعلت هذه الفعلة كانت قلقةوهي صغيرة جداً أيضاً ولا تعرف السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
              قلت بينيوبين نفسي سعيداً : " هذه ضربة يا جوانا . "
              واصلت بارتريدج : " إن المتصلة تدعىآجنس , يا سيدتي , وقد اعتادت على العمل هنا تحت إشرافي . كانت تبلغ 16 عاماًعندئذٍ , وقد جاءت إلى هنا من الملجأ مباشرة . ولأنه لم يكن لديها بيت , أو أم , أوأي من الأقارب يقدم لها النصيحة , فقد اعتادت اللجوء إلي لأقدم إليها النصائح . "
              قالت جوانا : " ثم ماذا ؟ " قد كان واضح أن هناك المزيد من الكلام .
              "
              لذافإنني أتشجع لأسألك ما إذا كان من الممكن أن تسمحي لآجنس بأن تأتي إلى هنا وتتناولالشاي معي بعد الظهر في المطبخ . فاليوم هو عطلتنا , وكما ترين فهناك شيء يقلقهاتريد استشارتي فيه , ولم أكن لأجرؤ على طلب شيء كهذا في الأحوال العادية ."
              قالتجوانا مرتبكة : " ولكن لماذا ينبغي ألا يأتي أي أحد لتناول الشاي معك ؟ "
              انتصبتبارتريدج عندئذٍ , هذا ما قالته جوانا فيما بعد , وبدت متحفزة وهي ترد قائلة : " لمنعتد على ذلك في هذا البيت يا سيدتي , فلم تسمح السيدة بارتون أبداً بقدوم زوار إلىالمطبخ , فيما عدا يوم إجازتنا , وفي ذلك الوقت كانيُسمح لنا بقضاء بعض الوقت معالأصدقاء بدلاً من الخروج , ولكن بخلاف ذلك , في الأيام العادية , لم يكن يُسمحباستقبال أي زوار . وتحافظ الآنسة إيميلي على هذه القواعد القديمة . "
              إن جوانامتلطفة جداً مع الخدم ومعظمهم يحبونها ولكنها لم تستطع إذابة الجليد بينها وبينبارتريدج .
              قلتُ عندما ذهبت بارتريدج وانصممت لجوانا بالخارج : " لا فائدة ياعزيزتي , فإن عاطفتك ولينك لم يقابلا بالتقدير . فالقواعد القديمة المتكلفة تتناسبمع بارتريدج ولابد من اتباع السلوكيات اللائقة في بيوت السادة . "
              "
              لم أسمع عنمثل هذه الغطرسة من قبل , كيف لا يسمحون لهم برؤية أصدقائهم ؟ حسناً يا جيري , ولكنهم لا يمكن أن يحبوا معاملتهم كالعبيد . "
              قلت : " من الواضح أنهم يجبون هذهالمعاملة , على الأقل بارتريدج . "
              "
              لا يمكنني تخيل سبب بغضها لي , بينما معظمالناس يحبونني . "
              "
              ربما تبغضك لأنك ربة منزل غير قديرة , فأنت لا تمررين يديكعلى الأرفف لتعرفي إن كان بها بقايا أتربة عالقة كما أنك لا تنظرين تحت السجاد , ولا تسألين عما حدث لبقايا كعكة الشيكولاتة , ولا تطلبين أبداً كريم الخبز اللذيذ . "
              قالت جوانا : " أوه ! "
              ثم استطردت بحزن : " لقد فشلت في كل شيء اليوم , فقد احتقرتني إيميلي جريفيث لجهلي بمملكة الخضروات , وازدرتني بارتريدج لمعاملتيلها بإنسانية . يجب أن أذهب الآن إلى الحديقة وآكل الدود . "
              قلت : " إن ميجانهناك بالفعل . "
              كانت ميجان تتجول هناك منذ بضع دقائق , وهي الآن تقف بلا هدفوسط العشب مثل طائر متأمل ينتظر طعامه .
              غير أنها جاءت إلينا وقالت بعصبية : " أعتقد أنني يجب أن أعود إلى المنزل اليوم . "
              قلت مستاءً : " ماذا ؟ "
              واصلتكلامها بوجه تكسوه الحمرة , ولكنها كانت تتحدث بعزم وتصميم : " لقد كنتم في غايةالكرم معي وأعتقد أنني كنت مصدر إزعاج لكما , لكنني استمتعت برفقتكما كثيراً , وعليأن أغادر الآن , لأنه منزلي على أية حال ولا يستطيع المرء أن يبتعد عن منزله للأبد , لذا أعتقد أنني سأغادر هذا الصباح . "
              حاولت أنا وجوانا إثناءها عن رأيها , ولكنها كانت مصرة , وأخيراً أخرجت جوانا السيارة وصعدت ميجان للطابق العلوي,وهطتبعد بضع دقائق وهي تحمل متعلقاتها .
              كانت بارتريدج الشخص الوحيد الذي بدا سعيداً , فقد كانت ترسم ابتسامة على وجهها المتجهم , حيث إنها لم تحب ميجان أبداً .
              كنتأقف في وسط العشب عندما عادت جوانا .
              سألتني إذا كنت أعتقد أنني ساعة شمسية .
              "
              لماذا ؟ "
              "
              لأنك تقف مثل تمثال الحديقة , غير أننا لا نستطيع أن نضععليك المؤشر الذي يحدد الساعات الشمسية . لقد كنت متعكر المزاج . "
              "
              إنني فيحالة مزاجية سيئة . فقد استيقظنا على صوت إيمي جريفيث . " تمتمت جوانا : " يا إلهي ! أكان علي أن أتحدث عن تلك الخضروات ! " . وأضفت : " ثم غادرتنا ميجان , وقد كنتأنوي التريض بصحبتها حتى ليج بوتر . "
              قالت جوانا : أعتقد أنك كنت ستأخذ معكطوقاً وحبلاً . "
              "
              لماذا ؟ "
              كررت جوانا جملتها بصووت مرتفع بينما استدارتنحو ركن المنزل متجهة إلى حديقة المطبخ : " لقد قلت : ( أعتقد أنك ستأخذ معك حبلاًوطوقاً ؟ ) لقد فقد السيد كلبه , وهذا ما يضايقك . "
              3
              يجب أن أعترف بأننيتضايقت من الطريقة التي غادرتنا بها ميجان . ربما ملت منا فجأة . فعلى كل حال , لمتكن حياتنا مسلية لفتاة في مثل سنها . أما في منزلها فهناك طفلان وإلسي هولاند .
              سمعت وقع خطوات جوانا فتحركت بسرعة حتى لا تمطرني بمزيد من تعليقاتها الوقحةعن الساعة الشمسية .
              جاء أوين جريفيث بسيارته قبل الغداء بوقت قصير , وقد كانالبستاني في انتظاره بخضروات الحديقة .
              وبينما كان آدمز العجوز يضع الخضرات فيالسيارة , دعوت أوين للدخول معي إلى البيت لتناول بعض العصير . ولم يكن مقرراً أنيبقى معنا إلى الغداء .
              وعندما دخلت بالشراب وجدت جوانا قد نصبت شباكها .
              لميكن هناك أي مؤشرات للعداء حتى الآن . فقد كانت متكومة في ركن الأريكة وهي تطرح علىأوين أسئلة عن عمله ؛ ما إذا كان يحب عمله كممارس عام , وما إذا كان يحب التخصص فيناحية معينة . وقد كانت ترى مهنة الطب واحدة من أروع الأشياء في العالم .
              يمكنكأن تقول عنها ما تشاء , ولكن جوانا مستمعة رائعة . وبعد استماعها للكثير ممن يدّعونالعبقرية والذين يخبرونها بمدى التجاهل الذي يلقونه وعدم تقدير عبقريتهم , فإناستماعها لأوين جريفيث أمر في غاية اليسر . ولم يمض الكثير من الوقت حتى كان أوينيخبرها ببعض التفاعلات والأمراض الغامضة مستخدماً تلك المصطلحات الطبية التي لايمكن لأحد أن يفهمها إلا إذا كان طبيباً .
              كانت جوانا تتظاهر بالذكاء والاهتمامالبالغ .
              شعرت للحظة بتأنيب الضمير . فلم يكن يجدر بجوانا أن تتلاعب بأوينجريفيث ذلك الرجل الطيب .
              إن النساء ماكرات حقاً ...
              ثم أخذت أدقق النظر إلىالجزءالجانبي من وجه أوين جريفيث , ورأيت لحيته الطويلة وشفتيه المتجهمتين , فشككتفي قدرة جوانا على نَيْل مرادها . وعلى أية حال ينبغي على الرجل ألا يجعل نفسه دميةفي يد امرأة تتلاعب به كيفما تشاء . وإن فعل فليحتمل العواقب .
              وعندئذٍ قالتجوانا : " غير رأيك يا سيد جريفيث وابق معنا إلى الغداء . " , فاحمر وجه جريفيث , وقال إنه كان يتمنى ذلك إلا أن أخته تنتظر عودتها .
              قالت جوانا بسرعة : " سوفنتصل بها ونشرح لها الأمر . " , ثم خرجت إلى الردهة ونفذت ما قالت .
              أعتقد أنجريفيث كان مضطرباً بعض الشيء , وخطر ببالي أن كان يخشى أخته .
              عادت جوانامبتسمة وقالت أن الأمور على ما يرام .
              ومكث معنا أوين جريفيث حتى موعد الغداء , وبدا لي أنه مستمتع . تحدثنا عن الكتب وعن السياسة وألاعيبها , كما تحدثنا عنالموسيقى والرسم وفن العمارة الحديثة .
              لم نتحدث مطلقاً عن لايمستوك أو الرسائلالمجهولة , أو انتحار السيدة سيمنجتون .
              وأحسب أن أوين جريفيث كان سعيداًبحديثنا ؛ فقد أشرق وجهه الأسود الحزين , وكشف عن عقلية المشوقة .
              عندما غادرقلت لجوانا : " إنه رجل طيب ولا يستحق منك التلاعب . "
              قالت جوانا : " هذا ماتقوله أنت ! فأنتم معشر الرجال تشدون أزر بعضكم البعض ! "
              "
              لماذا تحاولينالإيقاع به يا جوانا ؟ أهو كبرياؤك المجروح ؟ "
              قالت أختي : " ربما . "
              4
              كان من المقرر اليوم أن نذهب عصر اليوم لتناول الشاي مع إيميلي بارتون فيغرفتها التي تقيم بها في القرية . ذهبنا سيراً على الأقدام , وذلك لأنني شعرتبالقوة الكافية لصعود التل في طريق عودتنا .
              ولابد أننا أخطأنا في تقدير الوقتاللازم لقطع الطريق فوصلنا مبكراً , وقد فتحت لنا الباب امرأة طويلة قاسية الملامحوأخبرتنا أن الآنسة إيميلي بارتون لم تعد بعد .
              "
              ولكني أعرف أنها تنتظركما , لذا تفضلا بالدخول وانتظراها من فضلكما . "
              كان من الواضح أن هذه المرأة هيالمخلصة فلورنسا .
              تبعناها صاعدين الدرج حتى فتحت لنا باباً وأدخلتنا في غرفةجلوس مريحة جداً , وإن بدت مكتظة بالأثاث إلى حد ما . وشككت أن بعض هذا الأثاث أتىمن ليتل فيرز .
              كان من الواضح أن المرأة فخورة بحجرتها . فقالت : " إنها غرفةجميلة , أليس كذلك ؟ "
              قالت جوانا بحماس : " جميلة جداً . "
              "
              أعمل علىراحتها قدر الإمكان , وإن كنت لا أست\يع خدمتها كما ينبغي . فقد كان ينبغي أن تكونفي منزلها , فهذا ما يليق بها , لا أن تعيش في حجرتين . "
              كانت فلورنسا تنظر إليأنا وجوانا نظرة تنم عن التوبيخ . فشعرت أن هذا ليس يوم حظنا , فقد تعرضت جواناللتقريع على يد كل من إيمي جريفيث وبارتريدج , وها نحن نتعرض للتقريع من فلورنساسليطة اللسان .
              أضافت قائلة : " لقد عملت هناك مديرة للمنزل لمدة خمسة عشرعاماً . "
              قالت جوانا وهي تشعر بالقهر : " حسناً , لقد ارتضت الآنسة بارتون تركالمنزل , وتركته تحت تصرف وكلاء العقار . "
              قالت فلورنسا : " لقد أجبِرَت علىذلك , وهي تعيش حياة مقتصدة وحريصة , ومع ذلك لم تتركها الحكومة وشأنها ! فكانعليها أن تدفع الكثير من الضرائب . "
              هززت أسي بحزن .
              قالت فلورنسا : " لقدكان هناك الكثير من الأموال في أيام السيدة العجوز , ثم مات الجميع واحدة بعدالأخرى , آه يا عزيزاتي المساكين . وقد كانت الآنسة إيميلي تمرضهن واحدة بعد الأخرى . وقد أفنت زهرة شبابها وهي صابرة دون أن تتذمر أو تشكو . ولكن ذلك أثر عليها , ولميقتصر الأمر على هذا وحسب , بل كان ينقصها القلاقل والأزمات المالية أيضاً لتضاعفأحزانها ! فلم تعد الأسهم تدر عليها عوائد كالعادة , ولكن لماذا لم تعد تدر عوائد ؟أريد أن أعرف . كان عليهم أن يخجلوا من أنفسهم وهم يخدعون سيدة مثلها لم يعد ذهنهاقادراً على التعامل مع الأرقام ولا تستطيع مسايرة حيلهم . "
              قلت : " ولكن الجميعتعرضوا لهذه المشاكل . " , ولكت فلورنسا لم تلن أو تهدأ .
              "
              لا بأس بذلك لمنلديهم القدرة على الاعتناء بأنفسهم , أما بالنسبة لها هي فالأمرمختلف . إنها تحتاجإلى رعاية , وما دامت معي ففلن أسمح لأحد بأن يقتلها أو يضايقها بأي كل من الأشكال . إنني مستعدة لفعل أي شيء من أجل الآنسة إيميلي . "
              وحدقت إلينا لبضع لحظات حتىتتأكد من أننا فهمنا المقصود من هذه العبارة , ثم تركتنا فلورنسا القاسية وأغلقتالباب وراءها بحرص .
              تساءلت جوانا : " ألا تشعر بأنك مصاص دماء يا جيري ؟ لأنهذا ما أشعر به . ما هذا الذي يحدث لنا ؟ "
              قلت : " يبدو أننا لا نحظى بالقبول , فقد ملّت منا ميجان , ووبختك بارتريدج , وهاهي المخلصة فلورنسا توبخنا نحن الاثنان . "
              تمتمت جوانا : " إنني أتساءل , لماذا غادرتنا ميجان ؟ "
              "
              لابد أنها شعرتبالملل في صحبتنا . "
              "
              لا أعتقد ذلك على الإطلاق . هل تعتقد أن إيمي جريفيثأخبرتها بشيء كان السبب في رحيلها ؟"
              "
              تقصدين هذا الصباح , عندما كانتا تتحدثانعند عتبة الباب ؟ "
              "
              نعم , لم تبقيا معاً لفترة طويلة , بالطبع , ولكن ـــ "
              قاطعتها مكملاً جملتها : " ولكن وطأة تلك المرأة قوية ربما ـــ "
              فُتحالباب ودخلت الآنسة إيميلي بارتون . كان وجهها محمراً بعض الشيء , وبدت مرهقةومتقطعة الأنفاس لحد ما . كانت عيناها الزرقاوان تلمعان .
              حيتنا بطريقة توحيبشرودها الذهني .
              "
              أوه , يا أعزائي , آسفة لتأخيري . فقد كنت أقوم بجولة تسوقيةفي البلدة , ولم يرق لي الكعك في مخبز البلو روز , حيث بدا أنه غير طازج , لذا ذهبتإلى مخبز السيدة ليجون . إنني أحب دئماً شراء الكعك في نهاية جولتي التسوقية حتىأحصل عليه طازجاً بعد خروجه من الفرن مباشرة , بدلاً من شراء كعك اليوم السابق . ولكنني مستاءة من ترككما تنتظران ـ إن هذا الأمر لا يغتفر حقاً ـ "
              قاطعتهاجوانا قائلة : " إنه خطأنا نحن يا سيدة بارتون . فقد جئنا سيراً على الأقدام وأصبحجيري يقفز بسرعة الآن , لذا وصلنا قبل موعدنا . "
              "
              كلا , لا تقولي هذا ياعزيزتي , فالمرء لا يمل أبداً من الصحبة الجميلة . "
              ربتت السيدة العجوز على كتفجوانا بحنان .
              تهللت أسارير جوانا ؛ فأخيراً بدا أنها أحرزت نجاحاً . ثم شملتنيإيميلي بارتون بابتسامتها , ولكن بمسحة من التحفظ , تماماً كما يقترب المرء من نمرضمن للحظة أنه لن يؤذيه .
              "
              كم هو لطيف منك يا سيد بيرتون أن تحضر مناسبة نسائيةمثل تناول الشاي . "
              أعتقد أن إيميلي بارتون لديها صورة ذهنية عن الرجال تظهرهمكأناس يتناولون الكحوليات ويدخنون السجائر , وفي أوقات الاستراحة يخرجون لإغواءفتيات القرية وتكوين علاقات غرامية مع النساء المتزوجات .
              عندما قلت ذلك لجوانالاحقاً , ردت بأن إيميلي بارتون ربما كانت تفكر باللاوعي أن يقابلها رجل من هذهالنوعية , ولكن ـ من أسفها ـ لم يحدث ذلك أبداً .
              في هذه الأثناء كانت الآنسةإيميلي بارتون تضع أمامي أنا وجوانا مناضد صغيرة , وتضع عليها بعضاً من منافضالسجائر بحذر , وبعد دقيقة فُتح الباب ودلفت فلورنسا حاملة صينية شاي عليها أكوابفاخرة خمنت أن إيميلي بارتون قد أحضرتها معها . كان الشاي صينياً ولذيذاً وكانتهناك شطائر رقيقة من الخبز والزبدة وبعض الكعك .
              كانت فلورنسا متهللة الأساريرالآن , ونظرت إلى إيميلي كما تنظر الأم إلى طفلها الحبيب وهو يستمتع بدُمى حفلةالشاي .
              أكلت أنا وجوانا أكثر مما كنا نريد , حيث كانت مضيفتنا تظغط علينابإلحاح لتناول المزيد . كان من الواضح أن السيدة الصغيرة مستمتعة بحفلة الشاي التيأعدتها , وأدركت أنني وجوانا نُعتبر بالنسبة لإيميلي بارتون مغامرة كبرى , شخصين منعالم لندن الغامض والمعقد .
              وبالطبع تطرق حديثنا إلى الأوضاع المحلية . تحدثتالآنسة بيرتون عن الطبيب جريفيث بحماس وعن شخصيته اللطيفة وعن مهاراتهكبيب . وكذلكالسيد سيمنجتون , إنه محام بارع جداً وساعد السيدة بيرتون على استرداد بعض المال منضرائب الدخل التي لولاه ما كانت لتعرف عنها شيئاً . كما أنه لطيف جداً مع أطفالهويكرس نفسه لهم ولزوجته ـ قاطعت نفسها قائلة : " إنها مسكينة السيدة سيمنجتون , إنهلأم فظيع أن يُترك هؤلاء الأطفال أيتام الأم . ربما لم تكن أماً قوية قط ـ كما أنصحتها كانت معتلة مؤخراً . لابد أنها كانت نوبة عصبية . لقد قرأت عن مثل هذهالأشياء في الجرائد , حيث لا يشعر المرء بما يصدر منه من أفعال في مثل هذه الظروف. ولابد أنها لم تكن تعرف ما تفعل وإلا لتذكرت السيد سيمنجتون وأطفالها . "
              قالتجوانا : " لابد أن تلك الرسالة المجهولة قد صدمتها صدمة عنيفة . "
              احمر وجهالسيدة بارتون , وقالت بنبرة من التوبيخ في صوتها : " أعتقد أنه لا يجدر بنا الخوضفي هذا الموضوع غير اللطيف , أليس كذلك ؟ أعرف أن هناك رسائل , ولكننا لن نتحدثعنها , فهي أشياء مثيرة للاشمئزاز . لذا أعتقد أنه من الأفضل تجاهلها . "
              حسناً , ربما كانت السيدة إيميلي بارتون قادرة على تجاهلها , ولكن بالنسبة لمعظم الناس لميكن هذا بالأمر السهل . ومع ذلك فقد غيرت مجرى الحديث وتحدثنا عن إيمي جريفيث .
              قالت إيميلي بارتون : " يا لها من فتاة رائعة , رائعة جداً . إن حيويتهاوقدرتها التنظيمية كبيرة حقاً . كما أنها لطيفة مع الفتيات أيضاً , وهي عمليةللغاية وعصرية في جميع المجالات . إنها تدير هذا المكان حقاً , بالإضافة إلىتكريسها حياتها لأخيها . إنه لأمر رائع أن ترى هذا الإخلاص بين أخ وأخته . "
              سألت جوانا : " ألا يشعر بأنها تتحكم في حياته إلى حد ما ؟ "
              حدقت إليهاإيميلي بارتون بشيء من الفزع . وقالت لها بنبرة تنم عن التوبيخ : " لقد ضحت بالكثيرمن أجله . "
              رأيت عيني جوانا تشيران بعلامات السخرية . فسارعت بتغيير دفة الحديثإلى السيد باي .
              كانت إيميلي بارتون مرتبكة بعض الشيء عندما تحدثنا عن السيد باي .
              فكل ما قالته عنه , وكررته بنبرة تشكك , أنه لطيف جداً ـ نعم لطيف جداً , وأنهطيب وكريم أيضاً . وأنه أحياناً يأتيه زوار غرباء جداً , ولكن هذا طبيعياً لأنه كانيسافر كثيراً .
              اتفقنا معها على أن السفر لا يعمل على توسيع أفق المرء فحسب , بلإنه أيضاً يؤدي إلى تكوين معارف غريبة .
              قالت إيميلي بارتون بحزن : " لكم تمنيتالخروج في رحلة بحرية . فأنا أقرأ الكثير عن هذه الرحلات في الصحف وهي تبدو جذابة . "
              سألتها جوانا : " لِم لا تخرجين في رحلة كهذه ؟ "
              يبدو أن محاولة تحويل هذاالحلم إلى حقيقة قد دق جرس الإنذار عند إيميلي بارتون , فقالت : " أوه , لا , لا , هذا مستحيل . "
              "
              ولكن لماذا ؟ إنها رخيصة جداً . "
              "
              أوه , ليست التكلفةوحسب هي السبب , ولكنني لا أحب السفر وحدي , فهذا يبدو لي وضعاً شاذاً جداً , أليسكذلك ؟ "
              قالت جوانا : " كلا . "
              نظرت إليها الآنسة إيميلي بتشكك .
              "
              ولاأعرف كيف أتعامل مع أمتعتي ـ والوقوف على أرصفة الموانئ الأجنبية ـ وكل تلك العملاتالمختلفة ـ "
              بدا لي أن عدداً من القبعات لا يحصى قد ظهرت أمام السيدة الصغيرةالخائفة , فأسرعت جوانا بتهدئتها عن طريق سؤالها عن مهرجان الحدائق ومعرض المشغولاتاليدوية . وقد قادنا هذا تلقائياً إلى السيدة دين كالثروب .
              بدت مسحة خفيفة منالتشنج على وجه السيدة إيميلي بارتون .
              قالت : " إنها امرأة غريبة حقاً ياعزيزتي , وخاصة تلك الأشياء التي تقولها أحياناً . "
              سألتها عن هذه الأشياء .
              "
              أوه , لا أعرف بالضبط , إنها أشياء غير متوقعة تماماً . والطريقة التي تنظرإليك بها , كما لو كنت ليس موجوداً هناك بل شخصاً آخر ـ إنني أعبر عن ذلك بطريقةسيئة ولكن من الصعب توصيل الانطباع الذي أقصده . ثم إنها لن , حسناً , لن تتدخلأبداً . فهناك الكثير من القضايا التي تستطيع زوجة رجل الدين تقديم النصح بشأنها . ويمكنهم تقويم الناس وجعلهم يصلحون حياتهم . ولأن الناس يصغون إليها , فأنا متأكدةمن أنهم سيهابونها . ولكنها تصر على الانعزال والابتعاد , ولديها تلك العادةالغريبة بالشعور بالأسف على أناس لا يستحقون أي أسف على الإطلاق . "
              تبادلت نظرةسريعة مع جوانا , قائلاً : " هذا مثير حقاً . "
              "
              ومع ذلك فهي امرأة كريمة النسب , فهي سليلة أسرة فارواي من بيلباث , وهي أسرة عريقة ولكن تلك الأسر العريقة تكونغريبة الأطوار أحياناً , ولكنها تكرس حياتها لزوجها , ذلك الرجل الحاد الذكاء ـوالذي أخشى أنه ضيع هذا الذكاء في تلك البلدة . إنه رجل طيب ونقي , ولكني دائماًأجد عباراته اللاتينية مربكة . "
              قلت بحماس موجهاً كلامي لجوانا : " اسمعي , اسمعي . "
              قالت جوانا : " لقد تلقى جيري تعليمه في مدرسة عامة مرتفعة التكاليف , لذا فإنه لا يفهم اللاتينية . "
              وقد جعل هذا إيميلي بارتون تتطرق إلى موضوع جديد . قالت : " إن مديرة المدرسة هنا شابة كريهة جداً . أخشى أنها شيوعية حتى النخاع . " , وقد أخفضت صوتها عند نطق كلمة " شيوعية " . وأثناء صعودنا التل في طريق عودتنا , قالت لي جوانا : " إنها امرأة لطيفة . "
              5
              على العشاء في تلك الليلة , قالتجوانا لبارتريدج إنها تتمنى أن تكون حفلة الشاي التي أ4قامتها قد نجحت .
              احمروجه بارتريدج وزادت صلابتها .
              "
              شكراً لك يا سيدتي , ولكن آجنس وودل لن تحضر علىأية حال . "
              "
              أوه , آسفة . "
              قالت بارتريدج : " إن الأمر لم يكن يهمني منالأساس . "
              كانت مستاءة إلى الحد الذي جعلها تتنازل وتفضي لنا بضيقها .
              "
              لمأكن أنا التي فكرت في طلبها ! بل هي التي اتصلت وقالت أن هناك شيئاً يقلقها , وطلبتالمجيء إلى هنا , على أساس أنه يوم إجازتها . وقلت لها أنني لا أوافق إذا سمحت أنتبذلك , وقد سمحت لي . وبعد ذلك لم أسمع أو أرى منها شيئاً ! ولم تكلف نفسها وتعتذرعن عدم المجيء , وإن كنت أتمنى أن أتلقى منها رسالة اعتذار صباح الغد . إن هؤلاءالفتيات لا يعرفن حدودهن وليست لديهن فكرة عن السلوكيات اللائقة . "
              حاولت جواناتضميد مشاعر بارتريدج الجريحة .
              "
              ربما داهمتها بعض النتاعب الصحية , ألم تتصليبها لتستكشفي الأمر ؟ "
              انتصبت بارتريدج مرة أخرى .
              "
              كلا , لم أفعل يا سيدتي . إن كانت آجنس تحب التصرف بوقاحة فهذا من شأنها , ولكنني سأوبخها عندما نتقابل . "
              خرجت بارتريدج من الغرفة وهي لا تزال متصلبة الملامح وضحكنا أنا وجوانا .
              قلت : " ربما كانت إحدى حالات " عمود نصائح العمة نانسي ( إن مشاعر خطيبيباردة جداً تجاهي , ما الذي ينبغي علي فعله حيال هذا الأمر ؟ ) ومع فشل العمة نانسي , كان عليها اللجوء إلى بارتريدج لطلب النصيحة , بيْد أنه تم حل المشكلة وأتوقع فيهذه اللحظة أن آجنس وخطيبها يتنزهان معاً وهم في غاية السعادة . "
              ضحكت جواناوقالت إنها توقعت الأمر نفسه .
              بدأنا نتحدث عن الرسائل المجهولة وتساءلنا عمايمكن أن يكون قد توصل إليه ناش وجريفز الكئيب : " لقد مضى أسبوع بالتمام منذ أنانتحرت السيدة سيمنجتون . ولابد أنهم قد توصلا إلى شيء ما الآن . بصمات الأصابع أوخط اليد أو شيء ما . "
              أجبتها وأنا شارد الذهن , ففي عقلي الباطن كان هناك شيءلا يريحني وآخذ في التنامي , وكان يرتبط على نحو ما بعبارة " أسبوع التمام " التياستخدمتها جوانا .
              أجرؤ على القول أنه كان يتوجب علي التوصل إلى هذه الحقيقةمسبقاً .فربما كان عقلي متشككاً بالفعل .
              على أية حال فإن الخميرة تعمل الآن , والقلق آخذ في التزايد , حتى بلغ مبلغه .
              لاحظت جوانا فجأة أنني لم أكن أنصتإليها .
              "
              ما الخطب يا جيري ؟ "
              لم أرد عليها لأن ذهني كان مشغولاً بترتيبالأشياء . انتحار السيدة سيمنجتون ... وجودها بمفردها عصر ذلك اليوم ... بمفردها فيالمنزل , وذلك لأن الخادمات كن في يوم إجازتهن .. منذ أسبوع بالتمام .
              "
              جيري , ماذا ـ "
              قاطعتها : " جوانا , إن الخادمات يأخذن عطلات مرة واحدة في الأسبوع , أليس كذلك ؟ "
              قالت جوانا : " نعم ويتناوبن أيام الأحد , ما الذي ــ "
              "
              لاعليك بأيام الأحد , هل يخرجن في نفس اليوم طوال الأسبوع ؟ "
              "
              نعم , هذا هوالمعتاد . "
              كانت جوانا تتحدث إلي بفضول , فلم يلتقط عقلها الخيط الذي التقطتهأنا .
              وقفت وقمت بدق الجرس , فجاءت بارتريدج .
              قلت : " أخبريني عن آجنس وودلهذه , هل تعمل خادمة ؟ "
              "
              نعم يا سيدي , في بيت السيدة سيمنجتون , أو حرى بيالآن أن أقول بيت السيد سيمنجتون . "
              أخذت نفساً عميقاً ونظرت إلى الساعة . فوجدتها تشير إل العاشرة والنصف .
              "
              هل تعتقدين أنها عادت إلى المنزل الآن ؟ "
              كانت بارتريدج تنظر إلى باستهجان .
              "
              أجل سيدي , إن الخادمات يجب أن يكنَّهناك قبل العاشرة . إنهن يتبعن التقاليد القديمة . "
              قلت : " سوف أجري مكالمةهاتفية . "
              خرجت إلى الردهة وتبعتني جوانا وبارتريدج . كانت بارتريدج مغتاظةجداً , بينما كانت جوانا متحيرة , فقالت بينما كنت أطلب الرقم : " ماذا تفعل ياجيري ؟ "
              "
              أود التأكد من الفتاة قد عادت بسلام . "
              تنهدت بارتريدج , مجردتنهيدة لا أكثر . ولكنني لا أبالي إطلاقاً بتنهيدت بارتريدج .
              ردت إلسي هولاندعلى الهاتف .
              قلت : " آسف على الاتصال . معك جيري بيرتون . هل ـ أجاءت ـ خادمتكمآجنس إلى البيت ؟ " لم أشعر بالحماقة إلا بعدما قلت ما قلت . لأنه إذا ما كانتالفتاة في البيت ولم يمسها سوء , فكيف سأبرر اتصالي وسؤالي عنها .
              كان من الأفضلأن أدع جوانا تطرح هذا السؤال , وإن كان هذا أيضاً يحتاج لمبرر . لقد تنبأت بموجةجديدة من النميمة في لايمستوك تدور حولي أنا وآجنس وودل المجهولة .
              بدت إلسيهولاند مندهشة .
              "
              آجنس ! أوه بالتأكيد غنها هنا الآن . "
              شعرت بالحماقة وولكنني واصلت : " هلا تأكدت من وجودها يا آنسة هولاند ؟ "
              هناك شيء لابد من قولهعن كياسة المربيات , إنهن معتادات على فعل ما يؤمن به دون أن يسألن عن السبب ! وضعتإلسي السماعة وذهبت طائعة .
              بعد دقيقتين سمعت صوتها .
              "
              هل لا تزال على الخطيا سيد بيرتون ؟ "
              "
              نعم . "
              "
              لم تصل آجنس بعد , وقد تأكدت من ذلك . "
              عرفت عندئذٍ أن حدسي كان في محله . سمعت ضوضاء على الطرف الآخر من الخط , ثمتحدث إلي السيد سيمنجتون نفسه : " مرحباً سيد بيرتون و ما الخطب ؟ "
              "
              لم ترجعخادمتك آجنس بعد ؟ "
              "
              كلا , لقد تأكدت الآنسة هولاند تواً من ذلك . ما الخطب ؟لم يقع لها حادث , أليس كذلك ؟ "
              "
              لا , ليس حادثاً . "
              "
              أتعني بأن لديكسبباً للاعتقاد بأن ثمة شيئاً قد حدث للفتاة ؟ "
              قلت متجهماً : " لن أندهش إنحدث لها شيء . "

              تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

              درع الأسد لبيك يا أسدنا
              من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
              ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

              Comment


              • #8
                رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

                الفصل الثامن

                لم أهنأ بالنوم تلك الليلة . فقد كانتأجزاء اللغز تسبح أمام ذهني . وأعتقد أنني لو فكرت فيها بإمعان , لكن قد توصلت إلىحل اللغز بأكمله عندئذٍ وأنا مستلقي على فراش , وإلا فلماذا تلح هذه الأجزاء علىمخيلتي بهذا الشكل ؟
                ما مقدار ما نعرفه في أي وقت ؟أعتقد أننا نعرف أكثر مما ندرك معرفتنا به ! ولكننا لا نستطيع النفاذ إلى تلكالمعرفة الخفية . إنها هناك , ولكننا لا نستطيع الوصول إليها .
                استلقيت على سريري وأخذت أتقلب متململاً , ولميطرأ على ذهني سوى أجزاء غامضة من اللغز , الأمر الذي عذبني طوال الليل.
                كان هناك نمط منتظم في إرسال هذه الخطابات , فقطلو استطعت لإمساك بهذا الخيط . كان يجب أن أعرف كاتب هذه الرسائل اللعينة : هناك فيمكان ما , فقط لو استطعت تتبعه
                ...
                حينما أغمضت عينيلأنام , تراقصت الكلمات أمام ذهني المشوش دونما ترتيب .
                "
                لا دخان بلا نار . " لا دخان بدون نار . دخان .... دخان ؟ الساتر الدخاني .... لا , كان ذلك في الحرب ـ عبارة حربية. حرب ... قصاصة ورق ... مجرد قصاصة ورق . بلجيكا ـ ألمانيا.
                رحت في نوم عميق , وحلمت بأننيآخذ السيدة دين كالثروب , للتنزه بعد أن تحولت إلى كلب صيد في عنقه طوق أمسكه بحبل .
                2
                استيقظت فجأة علىرنين هاتف , رنين متصل ملح . جلست في الفراش ونظرت إلى ساعتي . كانت الساعة السابعةوالنصف . لم ينادني أحد . كان الهاتف يدق في الطابق الأسفل في الردهة .
                قفزت من على الفراش , وارتديت ملابس النوم , وهرعتللأسفل . سبقت بارتريدج التي كانت قادمة عبر الباب الخلفي للمطبخ . رفعت السماعة .
                "
                مرحباً . "
                "
                أوهـ كا بالصوت نبرة استغاثة ـ أهذا أنت ؟ "
                إنه صوتميجان . بدا صوتها مذعوراً ؟ " أوه , من فضلك تعال ـ تعال . أوه أرجوك تعال . هلستأتي ؟ "
                "
                سآتي فوراً . هل تسمعيني ؟ فوراً ؟ "
                صعدت السلم درجتين درجتين وهرعت إلى جوانا .
                "
                جوانا , إنني ذاهب إلى منزل سيمنجتون . "
                رفعت جوانا شعرها الأشقر من على الوسادة وفركتعينيها كطفلة صغيرة .
                "
                لماذا ـ ماذاحدث ؟ :"
                "
                لا أعرف , إنها تلك الطفلة ــ ميجان . لقد بدتمذعورة ! "
                "
                ما الذي حدث في اعتقادك ؟ "
                "
                إنها الفتاة آجنس , إن لم أكن مخطئاً . "
                "
                انتظر , سوف آتي معك لأوصلك بالسيارة . "
                "
                لا داعي لذلك , سأقودها بنفسي . "
                "
                إنك لا تستطيع قيادة السيارة . "
                "
                بل , أستطيع . "
                وقد قدتها فعلاً . وقد آلمتني ساقي ولكن ليس كثيراً . اغتسلت وحلقت ذهنيوارتديت ملابسي , وأخرجت السيارة وقدتها متوجهاً إلى بيت سيمنجتون حتى وصلت هناكخلال نصف ساعة من تلقي مكالمة ميجان الهاتفية . وهذه فترة لا بأس بها .
                لابد أن ميجان كانت ترقب وصولي , فقد خرجت منالمنزل بسرعة واحتضنتني . كان وجهها الصغير ممتقعاً ومرتعشاً .
                "
                أوه , ها قد أتيت ـ ها قد أتيت . "
                قلت : " تماسكي يا عزيزتي , نعم لقد أتيت , والآنما الأمر ؟ "
                بدأت ترتجف , فوضعت ذراعي حولها .
                "
                لقد ـ لقد وجدتها . "
                "
                وجدت آجني ؟ أين ؟ "
                زادت حدة الارتعاش .
                "
                أسفل الدرج , هناك خزانة تحته , بها طعم الصيدوأدوات الجولف وأشياء أخرى كما تعرف . "
                أومأت , إنها تلك الخزانات المعتادة .
                "
                كانت هناك , ملقاة و ... وباردة ـ باردة جداً . لقد كانت ـ كانت ميتة . يا له من أمر فضيع ! "
                سألتها بفضول : " ما الذي جعلك تنظرين هناك ؟ "
                "
                لا ـ لا أعرف , بعدما اتصلت بنا ليلة الأمس , بدأنا نتساءل عن مكان آجنس . وقد انتظرنا لبعض الوقت , ولكنها لم تأت . وأخيراًذهبنا إلى لننام . لم أنم جيداً واستيقظت مبكراً ولم يكن هناك سوى روز ( الطاهية , كما تعرف ) . كانت غاضبة جداً لعدم عودة آجنس . وقالت إنها كانت من قبل في أحدالبيوت عندما هربت فتاة بمثل هذه الطريقة . ثم تناولت بعض الخبز واللبن والجبن فيالمطبخ , وفجأة دخلت علي روز وهي تبدو غريبة , وقالت إن ملابس الخروج الخاصة بآجنسلا تزال في حجرتها . لقد كانت أفضل ملابسها التي ترتديها عند الخروج . فبدأت أتساءلما إذا كانت قد تركت المنزل من الأساس , وبدأت البحث عنها ثم فتحت الخزانة الواقعةتحت السلم . و ــ ووجدتها هناك . "
                "
                هل اتصل أحدكمبالشرطة ؟ "
                نعم , إنهم هناك الآن . لقد اتصل زوجأمي على الفور . وعندئذٍ شعرت ـ شعرت بأنني لا أستطيع تحمل الموقف فاتصلت بك . هللديك مانع ؟ "
                قلت : " كلا , لا مانع لدي علىالإطلاق . "
                نظرت إليها بفضول.
                "
                هل أعطاك أحدهم شاياً أو عصيراً أو قهوة بعدما ـبعدما وجدتها ؟
                "
                هزت ميجان رأسها بالنفي .
                صببت اللعنات على كل أهل بيت سيمنجتون . ذلكالمغرور لم يفكر سوى بالإتصال بالشرطة . ويبدو أنه لا إلسي هولاند ولا الطاهيةفكرتا بتأثير ما حدث على تلك الطفلة الصغيرة الحساسة التي اكتشفت أمر الجثة . "
                قلت : " تعالي يا عزيزتي , سوف نذهب إلى المطبخ . "
                درنا حول البيت ودخلنا إلى المطبخ من الباب الخلفي . كانت روز ـ تلك المرأة البدينة ذات الوجه المنتفخ بجوار المدفأة . حيتنا بسيلدافق من الكلام ويدها على قلبها .
                قالت لي أنها قدفزعت وأصيبت بصدمة عنيفة عند اكتشافها هذا الأمر الرهيب ! فقط فكر في الأمر , كانيمكن أن تكون هي , كان يمكن أن يكون أي واحد منهم , مقتولاً على الفراش .
                قلت : " صبي قدحاً من الشاي للآنسة ميجان , فهي منتلقت الصدمة كما تعرفين . تذكري أنها من اكتشفت أمر الجثة . "
                مجرد ذكر الجثة أصيبت روز بالفزع مرة أخرى , ولكنني رمقتها بنظرة حادة فصبت كوياً من الشاي الثقيل .
                قلت لميجان:" اشربي هذا يا فتاتي العزيزة.أعتقد أنك لم تشربي أي عصير , أليسكذلك يا روز؟ "
                قالت روز بتشكك إن هناك بعض عصيرالبرتقال منذ البارحة .
                قلت : " هذا يفي بالغرض . " ثم صبت كوباً من العصير لميجان . رأيت في عيني روز استحسان تلك الفكرة .
                قلت : " هل أستطيع الاعتماد عليك للاعتناء بالآنسةميجان ؟ " ردت روز بطريقة مطمئنة : " أوه, نعم سيدي . "
                ودلفت إلى الغرفة . ومن خلال معرفتي بنوعية الشخصيات المشابهة لشخصية روزكنت متأكداً من أنها ستجد أنها عليها أن تتناول القليل من الطعام لكي تحافظ علىقواها , وهذا أمر جيد بالنسبة لميجان أيضاً . يا لهؤلاء الجاحدين , لماذا لا يعتمونبتلك الطفلة ؟
                وتوجهت إلى إلسي هولاند بالردهة وأناأكاد أنفجر من شدة الغيظ والغضب . لم تبد عليها المفاجأة لرؤيتي . أعتقد أن الإثارةالشديدة الناتجة عن اكتشاف أمر الجثة , جعلت أهل المنزل لا يبالون بمن يأتي ويذهب . كان المفتش , بيرت روندل , يقف عند الباب الأمامي . تنهدت إلسي هولاند قائلة : " أوه , سيد بيرتون و أليس هذا رهيباً ؟ من ذا الذي يستطيع ارتكاب هذا الشيء الفظيع ؟ "
                "
                هي جريمة قتل إذن ؟ "
                "
                أوه , نعم , لقد ضربها أحدهم على مؤخرة رأسها . إنها مغطاة بالدم والشعر ـأوه ياله من أمر رهيب ـ وتم حشرها داخل تلك الخزانة . من ذا الذييستطيع الإقدام علىفعل هذا الأمر الشرير ؟ ولماذا ؟ مسكينة آجنس , أنا متأكدة أنها لم تؤذ أحداً . "
                قلت : " كلا , لابد أن أحدهم رأى أن التخلص منهاأمراً ضرورياً . "
                حدقت إلي , أدركت أنها ليست ذكيةولكنها قوية الأعصاب . كان مزاجها عادياً ولكنها كانت تشعر ببعض الاهتمام والإثارة , حتى أنه قد هيئ لي أنها تستمتع بهذه الأحداث الدرامية بطريقة ما , على الرغم منرقة قلبها .
                قالت معتذرة : " علي أن أذهب لأعتنيبالأطفال , فالسيد سيمنجتون حريص جداً على عدم إصابتهم بالصدمة . إنه يريدني أن ~أبقيهم بعيداً . "
                قلت : " لقد سمعت أن ميجان هي مناكتشف أمر الجثة , هل اعتنى أحد بها ؟ "
                للحق بدتإلسي هولاند متألمة الضمير .
                قالت : " أوه , ياعزيزتي , لقد نسيتها تماماً . أتمنى أن تكون بخير . لقد كنت مرتبكة , كما تعرف , بالإضافة إلى وجود الشرطة وما إلى ذلك ـ ولكن كان هذا خطأ مني . يا للفتاة المسكينة , لابد أنها منهارة الآن . سوف أذهب وألقي نظرة عليها . "
                شعرت ببعض الارتياح , وقلت : " إنها بخير , وروز تعتني بها . يمكن أن تذهبيإلى الأطفال . "
                شكرتني , فابتسمت وكشفت عن صف منالأسنان البيضاء , وهرعت صاعدة الدرج .
                فعلى كل حال , فإن مهمتها رعاية الطفلين , وليست ميجان ـ ميجان ليست مهمة أحد . لقد عينت إلسيللاعتناء بأبناء سيمنجتون , ومن ثم لا يستطيع المرء لومها على ذلك .
                بينما كانت عند منحنى الدرج , حبست أنفاسي . حيثلمحت في عينيها بريق الانتصار , فبدت أقرب إلى امرأة قوية وجميلة منها إلى مربيةحية الضمير .
                عندئذ فتح الباب ودخل المفتش ناش إلىالردهة والسيد سيمنجتون خلفه .
                قال : " أوه , سيدبيرتون , كنت على وشك الاتصال بك . إنني سعيد لرؤيتك . "
                لم يسألني عن سبب مجيئي الآن .
                "
                سأستخدم هذهالحجرة إذا سمحت . "
                كانت حجرة صغيرة بها نافذة تطلعلى الجانب الأمامي من المنزل .
                "
                بالطبع يمكنك ذلكسيدي . "
                كان سيمنجتون رابط الجأش , ولكن بدا عليهالإرهاق الشديد .
                قال المفتش ناش بلطف : " لو كنتمكانك لتناولت بعض الطعام يا سيد سيمنجتون . فسوف تشعر أنت والسيدة هولاند وميجانبتحسن كبير إذا تناولتم بعض القهوة والبيض واللحم . فمن الصعب مواجهة جريمة قتلبمعدة خاوية . "
                كان يتحدث بطريقة ودية كما لو كانطبيب الأسرة .
                ابتسم سيمنجتون ابتسامة واهنة وقال : " شكراً لك أيها المفتش , سوف آخذ بنصيحتك . "
                تبعثناش إلى الحجرة الصغيرة , حيث أغلق الباب , وقال : " لقد جئت إلى هنا بسرعة , كيفعرفت بالخبر ؟ "
                أخبرته بأن ميجان حادثتني . وشعرتبالود تجاه ناش , فهو لم ينس أيضاً أن ميجان في حاجة لتناول إفطار .
                "
                سمعت أنك اتصلت ليلة أمس يا سيد بيرتون لتسأل عنالفتاة , فما الأمر ؟ "
                أعتقد أن هذا كان غريباً . فأخبرته باتصال آجنس ببارتريدج ثم عدم مجيئها , فقال : " نعم , أفهم ... "
                قالها ببطء وتمعن وكان يحك ذقنه ثم تنهد , قائلاً : " حسناً , إنها جريمة قتل الآن وهذا الأمر واضح لنا ؛ اعتداء بدني مباشر . السؤالالذي يطرح نفسه الآن : ما الذي كانت تعرفه هذه الفتاة ؟ هل قالت أي شيئ لبارتريدج ؟أي شيء محدد ؟ "
                "
                لا أعتقد هذا , ولكن يمكن سؤالبارتريدج عن هذا . "
                "
                نعم , سوف آتي إليكم وأسألهاحالما أنتهي من هنا . "
                سألته : " ما الذي حدثبالضبط ؟ أم أنك لم تعرف بعد ؟ "
                "
                لقد كان يوم عطلةالخادمتين ـ "
                "
                كلتاهما ؟ "
                "
                نعم , يبدو أنه كانت هناك شقيقتان تعملان هنا , وقد طلبتا أخذ عطلتهما فييوم واحد معاً , وقد وافقت السيدة سيمنجتون على ذلك . ثم عندما جاءت هاتانالخادمتان أبقيتا على نفس النظام . وقد اعتادتا على ترك العشاء بارداً في حجرةالطعام , فيما تقوم السيدة هولاند بإعداد الشاي . "
                "
                نعم . "
                "
                الأمر واضح حتى هذه النقطة . إذإن أسرة روز الطاهية تعيش في " نيزر ميكفورد " ولكي تصل هناك في يوم عطلتها , يجبعليها ركوب حافلة الثانية والنصف . لذا فإن آجنس تضط إلى تجهيز الغداء تماماً . وقددأبت روز على مكافأتها بغسل صحون العشاء . "
                "
                وهذاما حدث في الأمس ؛ حيث خرجت روز للحاق بحافلة الثانية والنصف إلا خمس دقائق , وخرجسيمنجتون إلى مكتبه في الساعة الثانية والنصف وخمس دقائق . وخرجت إلسي هولاندوالطفلان في الثالثة إلا ربع , وخرجت ميجان هنتر على دراجتها بعد خمس دقائق تقريباً . ويفترض أن تكون آجنس وحدها بالمنزل عندئذٍ وعلى حد علمي , فإنها اعتادت مغادرةالمنزل بين الثالثة والثالثة والنصف . "
                "
                أتعني أنالمنزل لم يكن به أحد عندئذٍ ؟ "
                "
                أوه , إنهم لايهتمون بذلك هنا . فالناس في هذه البلدة لا يحرصون على إغلاق بيوتهم . وكما قلت , ففي الساعة الثالثة إلا عشر دقائق كانت آجنس وحدها في البيت . ومن الواضح أنها لمتغادره أبداً , لأنها كانت ما تزال ترتدي قبعتها وملابس العمل عندما وجدنا جثتها . "
                "
                هل عرفتم موعد وفاتها على وجه الدقة ؟ "
                "
                لم يقطع الدكتور جريفيث بموعد محدد لوفاتها . وقد قال في تقريره أنه توفيت بين الثانية والرابعة والنصف . "
                "
                كيف قتلت ؟ "
                "
                ضُربت أولاً بشيء ثقيل على مؤخرة رأسها . وبعد ذلك تم إدخال سيخ المطبخ ـ ذي الرأسالحاد ـ في قاعدة الجمجمة , مما أدى إلى الوفاة الفورية . "
                أشعلت سيجارة , فلم تكن الصورة الوصفية جميلة .
                قلت : " جريمة بدم بارد . "
                "
                أوه , نعم , هذا ما أشرنا إليه . "
                أخذت نفساً عميقاً ثم قلت : " من الذي فعلها ؟ ولماذا ؟ :"
                قال ناش ببطء : " لاأعتقد أننا سنعرف السبب تحديداً , ولكننا نستطيع التخمين . "
                "
                أكانت تعرف شيئاً ؟ "
                "
                كانت تعرف شيئاً . "
                "
                ألم تلمح لأحد هناأو تعطيه فكرة عما يحدث ؟ "
                "
                كلا , على حد علمي . لقد كانت قلقة , منذ وفاة السيدة سيمنجتون , هكذا قالت روز . ووفقاً لأقوال هذهالطاهية فإن قلها كان يتزايد أكثر وأكثر,وظلت تقول أنها لا تعرف ما يجب عليهافعله"
                أخرج تنهيدة غيظ , قائلاً : " إنها نفسالطريقة دائماً ؛ فهم لا يأتون إلينا أدباً . لقد استقر في النفوس كراهية (( التورطمع الشرطة )) . لو جاءت إلينا وأخبرتنا بما كان يُقلقها , لربما كانت حية الآن . "
                "
                ألم تلمح لأي امرأة أخرى بأي شيء ؟ "
                "
                كلا , على حسب قول روز , وأنا أميل لتصديقها . لأنها لو كانت أخبرتها بشيء , لسارعت بإخبارنا به مع إضافة كم لا بأس به من الزركشةمن خيالها الخصب . "
                "
                ولكن لا نزال نستطيع التخمينيا سيد بيرتون . إن نقطة البداية غير محددة , لابد أن يكون هناك شيء يلح على مخيلتكحتى يزداد قلقك . أتفهم ما أعنيه ؟ "
                "
                نعم . "
                "
                في الحقيقة , فإنني أعلم ما كنت تفكر به . "
                نظرت إليه باحترام .
                عمل جيد أيها المفتش ناش . "
                حسناً يا سيدبيرتون , إنني أعرف شيئاً لا تعرفه أنت . في عصر اليوم الذي انتحرت فيه السيدةسيمنجتون , كان يفترض أن تكون الخادمتان بالخارج . فقد كان يوم إجازتهما . ولكنآجنس عادت إلى المنزل . "
                "
                أمتأكد من ذلك ؟ "
                "
                نعم , آجنس لديها صديق ـ ذلك الشاب الذي يدعىريندل الذي يعمل في متجر السمك . حيث يغلق المتجر مبكراً يوم الأربعاء ويأتيلمقابلة آجنس ويذهبان للتنزه , أو يذهبان للمتحف إذا كان الجو مطيراً . وفي ذلكاليوم الأربعاء تشاجرا بمجرد تقابلهما . وقد كانت صاحتنا كاتبة الرسائل تمارسنشاطها , وأوحت إلى ريندل بأن آجنس علاقة مع شاب آخر فاغتاظ ريندل وتشاجرا مشاجرةعنيفة وعادت آجنس أدراجها إلى المنزل , وقالت إنها لن تخرج مع فريد ريندل حتى يأتيويعتذر لها . "
                "
                وبعد ؟ "
                "
                حساً , يا سيد بيرتون , المطبخ يواجه الجانب الخلفي للمنزل , ولكن حجرةالخازن تطل على الجهة التي نطل عليها نحن الآن . ولا يوجد إلا بوابة واحدة للدخولفتمر بها إما للصعود إلى الباب الأمامي , أو السير عبر الممر الواقع بجانب المنزلحتى تصل إلى الباب الخلفي . "
                سكت قليلاً , ثم أضاف : " والآن لأخبرك بشيء . تلك الرسالة التي تلقتها السيدة سيمنجتون عبر لابريد لمترسل عبر البريد , بل كان عليها طابع بريد مستعمل وختم مزيف باستخدام سخام مصباح , وذلك حتى تبدو وكأن رجل البريد قد ألقاها مع رسائل ما بعد الظهيرة . ولكنها فيالحقيقة لم تُرسل عبر البريد . أتفهم ما يعنيه ذلك ؟ "
                قلت ببطء : " يعني أنها ألقيت باليد داخل صندوق الرسائل قبل مجيء بريد العضر , بحيث تكون بين الرسائل الأخرى . "
                "
                تماماً , إنبريد العصر يأتي في الساعة الرابعة إلا ربع تقريباً . وأنا أرى أن الفتاة كانتجالسة في حجرة الخزين تنظل من النافذة ( لقد كانت مغطاة بالشجيرات ولكن يمكن الرؤيةمن خلالها ) مترقبة مجيء صديقها والاعتذار إليها . "
                قلت : ورأت من ألقى تلك الرسائل ؟ "
                "
                هذا ماأظنه يا سيد بيرتون , وقد أكون مخطئاً بالطبع . "
                "
                ولا أظنك مخطئاً ... إن الفكرة بسيطو ـ ومقنعة ـ وتعني أن آجنس عرفت هوية كاتبالرسائل المجهولة . "
                "
                نعم . "
                "
                ولكن لماذا لم ـ "
                سكتُّ مقطباً جبيني . فقال ناش بسرعة : " يهيأ لي أن الفتاة لم تعي ما رأته , في البداية على الأقل . وقد ترك أحدهم رسالة بالمنزل , نعم ـ لكن ذلك الشخص لميكن شخصاً تحلم بأن يكون له صلة بالرسائل المجهولة . لقد كان من تلك الشخصيات التييُطلق عليها : " فوق مستوى الشبهات " ولكن كلما فكرت في الأمر أكثر ازداد قلقها . ربما كان عليها إخبار أحدهم بالأمر , في خضم ارتباكها وحيراتها فكرت في بارتريدجخادمة السيدة بيرتون التي أعتقد أنها شخصية مسيطرة وتقبل آجنس حكمها على الأمور دونتردد . فقررت أن تسأل بارتريدج عما يجب عليها أن تفعله . "
                قلت متفكراً : " نعم , إن هذا منطقي للغاية . وقد اكتشفت صاحبة القلمالمسموم ذلك بطريقة ما , ولكن كيف اكتشفته أيها المفتش ؟ "
                "
                إنك لم تعتد العيش في الريف يا سيد بيرتون . فالأخبار تنتشر هنا بطريقةسريعة . أولاً , هناك المكالمة الهاتفية . من الذي سمعها من الطرف الآخر ؟ "
                فكرت ثم قلت : " لقد كنتُ أنا من أجاب على الهاتففي البداية ثم ناديت على بارتريدج التي كانت في الطابق العلوي . "
                "
                هل ذكرت اسم الفتاة ؟ "
                "
                نعم , نعم , ذكرته . "
                "
                هل سمعك أحد آخروأنت تذكره ؟ "
                "
                أختي والآنسة جريفيث سمعاني أيضاً . "
                "
                آه , الآنسة جريفيث ؟ ماذا كانت تفعل ؟ "
                شرحت له ما جاءت لأجله .
                "
                هل عادت إلى القرية ؟ "
                "
                ذهبَت إلى السيدباي أولاً . "
                تنهد المفتش ناش .
                "
                إذا هناك طريقتانيمكن من خلالهما انتشار الخبر . "
                نظرت إليه غير مصدق .
                "
                هل تعني أن أياً من الآنسة جريفيث أو السيد باي يأبه بنقل معلومة تافهةكهذه ؟ "
                "
                أي شيء يعتبر خبراً في بلدة كهذه . فإذاظهر ورم في قدم أم الخياطة فسوف يعرف الجميع بالخبر ! ثم عندنا من كانوا في الجانبالأول من الخط : السيدة هولاند وروز ـ ربما تكونا قد سمعتا ما قالته آجنس . وهناكفريد ريندل . فربما انتشر خبر رجوع آجنس إلى المنزل عصر ذلك اليوم من خلاله . "
                ارتعدت بينما كنت أنظر إلى النافذة وأمامي قطعةمربعة من العشب والممر وبوابة قصيرة .
                فتحت إحداهنالبوابة , وسارت مطمئنة نحو المنزل , ثم ألقت الرسالة في صندوق الرسائل . ورأيت فيخيالي صورة غائمة لتلك المرأة . الوجه خالٍ من أية مامح ـ ولكن لابد وأنه وجه أعرفه ...
                كان المفتش ناش يقول : " وهذا يحدد نطاق البحثأكثر , وهكذا نستطيع الإمساك بالفاعل في النهاية . الثبات والصبر , فليس هناكالكثير من المشكوك فيهم الآن . "
                "
                أتعني ـ ؟ "
                "
                أعني أن نستثني أي امرأة عاملة كانت في عملهاعصر ذلك اليوم . ويستثنى كذلك مديرة المدرسة , فقد كانت في مدرستها , وأيضاًالممرضة , فأنا أعرف أين كانت بالأمس , على الرغم من أنني لم أشك فيها منذ البداية , ولكننا الآن متأكدون . وكما ترى يا سيد بيرتون , فإن لدينا الآن وقتان يجب أننركز عليهما ـ عصر الأمس , والأسبوع السابق . في يوم وفاة السيدة سيمنجتون , لنقلمن الساعة الثالثة والربع ( أول وقت يمكن أن تكون آجنس قد عادت فيه إلى المنزل بعدشجارها مع صديقها ) ولكنني أستطيع أن أعرف الموعد بدقة من ساعي البريد . والأمس منالثالثة إلا عشر دقائق ( عندما تركت الآنسة ميجان هنتر المنزل ) وحتى الثالثةوالنصف أو ربما الثالثة والربع بما أن آجنس لم تغير ملابسها . "
                "
                ما الذي حدث بالأمس في رأيك ؟ "
                مط ناش شفتيه , قائلاً : " أعتقد أن هناك سيدة ماسارت حتى الباب الأمامي , ودقت الجرس , وهي هادئة تماماً ومبتسمة , متظاهرة بأنهاتحمل بطاقات دعوة ... ربما سألت عن السيدة هولاند , أو ربما أحضرت معها طرداً . علىأية حال ذهبت إليها آجنس لتأخذ بطاقة الدعوة أو الطرد , ثم ضربتها صاحبتنا علىمؤخرة رأسها . "
                "
                بأي شيء ضربتها ؟ "
                قال ناش : " النساء هنا يحملن حقائب ذات حجم كبيريمكن أن تتسع لأي شيء يخطر ببالك . "
                "
                ثم طعنتها فيمؤخرة عنقها ووضعتها في الخزانة , أليس هذا أمراً صعباً على امرأة ؟ "
                نظر إلي المفتش ناش باستغراب , قائلاً : " المرأةالتي نطاردها ليست امرأة عادية ـ ليست عادية إلى حد بعيد ـ وتلك النوعية من النساءالمختلات عقلياً يمتلكن قوة مدهشة , كما أن آجنس لم تكن فتاة قوية البنيان . "
                صمت برهة , ثم سأل : " ما الذي جعل ميجان هنترتفكر في النظر بداخل الخزانة ؟ "
                قلت : " إنهاالغريزة المحضة . "
                ثم سألته : " لماذا تم سحب آجنسإلى الخزانة ؟ ما الذي دعاها إلى ذلك ؟ "
                "
                لأنهكلما طالت مدة اكتشاف الجثة , زادت صعوبة تحديد موعد الوفاة بدقة . أما لو عثرتالسيدة هولاند , مثلاً , على الجثة بمجرد دخولها إلى المنزل لاستطعنا تحديد موعدالوفاة بدقة تبلغ عشر دقائق أو ما يقرب من ذلك ـ وهو الأمر الذي كان من شأنه أنيحرج صاحبتنا . "
                قلت متجهماً : " لكن لو كانت آجنستشك في هذه المرأة ـ "
                "
                لم تكن تشك . ليس حد الشكالقاطع . كل ما فكرت فيه أن أمرها غريب . وأعتقد أنها لم تكن فتاة حادة الذكاء , وكان كل ما يدور في مخيلتها شكوك غامضة مصحوبة بسعور بأن ثمة خطأ ما . وبالتأكيد لمتشك بأنها تواجه امرأة يمكن أن تقتل . "
                "
                هل شككتأنت في ذلك ؟ "
                "
                كان علي أن اعرف . فمسألة الانتحاركما ترى ! قد أخافت صاحبة القلم المسموم . قد وقع يا سيد بيرتون ما لم يكن فيحسبانها . "
                "
                نعم و الخوف , هذا كل ما ينبغي عليناالتنبؤ به . الخوف ـ في عقل مختل ... "
                قال الفت ناش : " كما ترى , فإننا نطارد امرأة تحظى بالاحترام والتقدير ـ امرأة ذات مكانةاجتماعية مرموقة ! " . وقد جعلني كلامك أشعر بمدى فظاعة الموقف !
                3
                قال ناش عندئذأنه سوف يستجوب روز مرة أخرى . فسألته ما إذا كان من الممكن أن آتي معه إن لم يكنفي الأمر إحراج له . ولدهشتي رحب بعرضي .
                "
                إننيمسرور جدتً بتعاونك يا سيد بيرتون . "
                قلت : " يبدوهذا مثيراً للشك , ففي القصص البوليسية عندما يرحب المحقق بمساعدة شخص ما , فعادةما يكون هذا الشخص هو الجاني "
                ضحك ناش وقال : " منالمستبعد أن تكون من تلك النوعية التي تجلس وتكتب الرسائل المجهولة , يا سيد بيرتون . "
                ثم أضاف : " بصراحة , يمكن أن تفيدنا كثيراً . "
                "
                يسرني ذلك , ولكنني لا أعرف كيف يمكن أن أكونمصدر عون ؟ "
                "
                هذا لأنك غريب هنا , وليس لديك أفكارمسبقة عن الأهالي هنا , ولكنك في الوقت ذاته لديك الفرصة لمعرفة الأمور بالأسلوبالذي أطلق عليه الذكاء الاجتماعي . "
                تمتمت قائلاً : " الجاني شخص له مكانة اجتماعية . "
                "
                تماماً . "
                "
                أيعني ذلك أن أكون جاسوساً لكم ؟ "
                "
                ألديك اعتراض ؟ "
                فكرت في الأم , ثم قلت : " كلا , بصراحة ليس لدي اعتراض . فإذا كانت هناكامرأة مختلة تقود سيدة مسالمة إلى الانتحار وتقتل خادمة صغيرة بدم بارد , فليس لدياعتراض على عمل شيء قذر كالتجسس بهدف القبض على تلك المختلة . "
                "
                ها لطف منك , سيدي . واسمح لي بأن أقول لك أنالمرأة التي نطاردها خطيرة , فهي كأشد العابين فتكاً . "
                ارتعدت ثم قلت : " في الحقيقة , علينا أن نسرع . "
                "
                هذا صحيح , لا تظن أن الشرطة متكاسلة , فنحن نعمل على عدة خطوط . "
                قالها بتجهم .
                كنتأتخيل شبكة عنكبوتية واسعة تهدف إلى اصطياد الجاني ...
                أوضح لي نا أنه يريد سماع قصة روز مرة أخرى لأنها أخبرته بروايتين مختلفتين , وكلما زاد عدد رواياتها , زادت احتمالات تجميع نقاط الحقيقة معاً .
                وجدنا روز تغسل صحون الإفطار , ثم توقفت فجأةوأدارت عينيها ووضعت يدها على قلبها وهي تقص علينا مرة أخرى كيف اطلعت على هذاالأمر الرهيب هذا الصباح .
                كان ناش صبوراً معها ولكنحازماً , وأخبرني بأنه كان يحاول تهدئتها في المرة الأولى , وكان حاسماً في المرةالثانية . أما الآن , فهو يعاملها بمزيج من الأسلوبين .
                أخذت روز تقص تفاصيل الأسبوع الماصي بسعادة , وروت كيف أن آجنس كانت في غايةالخوف , ثم ارتعدت عندما حثتها روز على قول ما الذي كان يخيفها , وقالت : " لاتسأليني . " فلو أخبرتني لكنت أنا أيضاً ميتة الآن " كان هذا هو كل ما قالته روز , منهية حديثها وهي تقلب النظر إلينا بسعادة .
                "
                ألمتلمح آجنس بما كان يخيفها ؟ "
                "
                كلا , فيما عدا أنهاكانت خائفة . "
                تنهد المفتش ناش وابتعد عن هذاالموضوع , وأخذ يسأل روز عن أنشطتها في اليوم السابق .
                روت روز ذلك بصراحة , حيث قالت أنه استقلت حافلة الثانية والنصف وقضت فترةالعصر والمساء مع أسرتها , ثم عادت في الثامنة والنصف من نيذر ميكفورد . وقد تعقدتروايتها بفعل ما قالته عن الاحساس الغريب الذي راودها بأن ثمة شراً يحدث عصر الأمسوكيف علقت أختها على ذلك وكيف أنها لم تستطع لمس قطعة واحدة من كعكة البذور.
                تركنا المطبخ بحثاً عن إلسي هولاند , التي كانتتصحح دروس الطفلين , وكعادتها كانت إلسي هولاند متعاونة . رفعت رأسها وقالت : " والآن يا كولين أنت وبراين سوف تحلان هذه المسائل الثلاث إلى أن أعود
                . "
                ثم قادتنا إلى حجرتها . " أليس ذلك أفضل ؟ فأناأعتقد أنه من الأفضل ألا نتحدث أمام الطفلين . "
                "
                شكراً لك يا آنسة هولاند . فقط أخبريني مرة أخرى ؛ هل أنت متأكدة من أن آجنس لمتخبرك بقلقها بخصوص أي شيء , أقصد منذ وفاة السيدة سيمنجتون ؟ "
                "
                كلا , لم تقل أي شيء . لقد كانت فتاة هادئة جداً , كما تعرف , ولم تكن تتحدث كثيراً . "
                "
                على عسالخادمة الأخرى إذا ؟ "
                "
                نعم , فروز تتحدث كثيراً . وعلي أن أخبرها بأن تكف عن وقاحتها تلك بعض الأحيان .
                "
                والآن , هلا أخبرتني بما حدث بالضبط عصر أمس ؟؟ كل شئ تتذكرينه ."
                "
                حسنا , لقد تناولنا غداءنا كالعاده ، بعدهابساعه خرجنا لنزهه , فأنا لا أدع الطفلان يملان أبداً . دعني أتذكر . لقد عاد السيدسيمنجتون الى مكتبه أو ساعدت آجنس في إعداد المائده ـ بينما كان الطفلان يلعبان فيالحديقة ريثما أتجهز للخروج معهما . "
                "
                أين ذهبتم ؟ "
                "
                إلى كومبي آكر , فقد أراد الطقلان صيد الأسماك , ولكني نسيت الطعم لذا عدت إحضاره . "
                "
                متى كان ذلك؟ "
                "
                دعني أتذر , لقد خرجنا حوالي لساعة الثالة إلاالثلث ـ أو بعدها بقليل , وكام من المقرر أن تأتي ميجان معنا ولكنها غيرت رأيها , وقررت أن تخرج للتنزه على دراجتها , فهي تعشق ركوب الدراجات . "
                "
                أقصد متى عدت لإحضار الطعم ؟ هل دخلت المنزل ؟ "
                "
                لا , لقد تركتها في السقيفة خلف المنزل . ولاأعرف بالضبط كم كان الوقت حينئذ ـ حوالي الثالثة إلا عشر دقائق تقريباً . "
                "
                هل رأيت ميجان أو آجنس ؟ "
                "
                أعتقد أن ميجان كانت قد غادرت . أما آجنس فلمأراها . لم أر أي أحد . "
                "
                وبعدها ذهبتم للصيد ؟ "
                "
                نعم لقد ذهبنا للجدول . ولم نصطد شيئاً , فنحنلا نصطاد شيئاً تقريباً , ولكن الطفلين يستمتعان بذلك . وقد بلل براين ملابسه . كانيجب أن أغير ملابسه عندما عدنا . "
                "
                هل تقومينبإعداد الشاي كل يوم أربعاء من كل أسبوع ؟ "
                "
                نعم , فالشاي يكون معداً في غرفة الاستقبال من أجل السيد سيمنجتون . إنني أعد الشاي فقطعندما يحضر إلى المنزل . أما أنا والطفلان فنتناوله في حجرة الدراسة . فلدي أدواتالشاي والأدوات الأخرى في الخزانة الموجودة أعلى هناك . "
                "
                ومتى عدت ؟ "
                "
                في حوالي الخامسة إلا عشردقائق . أخذت الطفلين إلى الطابق العلوي وبدأت فس إعداد الشاي . ثم عندما عاد السيدسيمنجتون ونزلت لأقدم له الشاي , ولكنه قال إنه سيتناوله معنا في غرفة الدراسة . وقد فرح الطفلان لذلك , ولعبنا معاً , يبدو لي الأمر فضيعاً الآن عندما أفكر فيه ـحيث كانت تلك الفتاة المسكينة مقتولة في الخزانة في ذلك الحين . "
                "
                هل يذهب أحد إلى تلك الخزانة في العادة ؟ "
                "
                أوه كلا , إنها لا تستخدم إلا لحفظ الأشياءالبالية , أما القبعات والمعاطف فنعلقها في الحجرة الصغيرة الواقعة على يمين البابالأمامي عند الدخول . ولم يذهب أحد إلى الخزانة الأخرى منذ شهور . "
                "
                حسناً , ولكن ألم تلاحظي شيئاً غريباً عندماعدتِ ؟ "
                اتسعت عيناها الزرقاوان , قائلة : " أوه , كلاأيها المفتش لم ألحظ أي شيء على الإطلاق . كان كل شيء كالمعتاد , وهذا هو الرهيبفي الأمر . "
                "
                وفي الأسبوع السابق ؟ "
                "
                أتقصد اليوم الذي انتحرت فيه السيدة سيمنتون ؟ "
                "
                نعم . "
                "
                أوه , كان ذلك فظيعاً , فظيعاً . "
                "
                نعم , نعم , أعرف , هل كنت في الخارج أيضاً عصر ذلك اليوم ؟ "
                "
                أوه نعم , فدائماً ما أخرج وآخذ الطفلين بعد الظهر ـ إذا كان الطقس مناسباً . حيث أعطيهماالدروس في الصباح . وفي ذلك اليوم ـ على ما أذكر ـ ذهبنا إلى ناحية المستنقعات ـومشينا كثيراً , حتى أنني كنت أخشى أننا تأخرنا في العودة لأنني عندما دخلت منالباب رأيت السيد سيمنجتون عائداً من مكتبه ولم أكن حتى وضعت إناء الشاي على النار , ولكنها كانت الساعة الخامسة إلا عشر دقائق . "
                "
                ألم تذهبي للسيدة سيمنجتون في غرفتها ؟ "
                "
                أوه , كلا , فأنا لم أفعل ذلك أبداً , فهي دائماً ما تأخذ قسطاً من الراحة بعد الغداءبسبب النوبات العصبيى التي تعاني منها ـ وعادة ما كانت تداهمها بعد تناول الوجبات . وقد أعطاها الدكتور جريفيث بعض المهدئات , واعتادت الاستلقاء على الفراش ومحاولةالنوم . "
                قال ناش بصوت خفيض : " إذن ألا يأخذ لهاأحد البريد ؟ "
                "
                بريد العصر ؟ كلا , إنني أنظر داخلصندوق البريد وأضع الرسائل على المائدة في الردهة عندما أدخل . ولكن غالباً ماتأخذها السيدة سيمنجتون بنفسها . فهي لم تكن تنام طوال فترة العصر , بل عادة ماكانت تستيقظ قبيل الساعة الرابعة . "
                "
                ألم تعتقديأن شيئاً مريباً حدث لأنها لم تستيقظ عصر ذلك اليوم ؟ "
                "
                أوه كلا , إنني لم أتصور حدوث شيء كهذا . لقد كان السيد سيمنجتون يعلقمعطفه في الردهة , وقلت له : " الشاي ليس جاهزاً بعد , ولكنني على وشك الانتهاء منإعداده . "
                فأومأ برأسه ونادى على السيدة سيمنجتون وقائلاً : " مونا , مونا ! " ـ وعندما لم ترد عليه صعد إلى الطابق العلوي متوجهاًنحو غرفة نومها , ولابد أنها كانت أفضع صدمة تعرض لها . وقد نادى علي , وعندما جئته , قال لي : " أبق الأولاد بعيداً . " ثم اتصل بالدكتور جريفيث ونسينا أمر إناءالشاي حتى احترق الجزء السفلي بالكامل ! آه يا عزيزتي ! لقد كان أمراً رهيباً , فقدكانت السيدة سيمنجتون سعيدة ومبتهجة على الغداء . "
                قال ناش بسرعة : " ما رأيك في تلك الرسالة التي تلقيتها يا آنسة هولاند ؟ "
                قالت إلسي هولاند بشيء من الغضب : " أوه , أعتقدأنها عمل شرير ـ شرير ! "
                "
                نعم , نعم , لم أقصد ذلك . هل كنت تعتقدين أنها حقيقة ؟ "
                قالت إلسي هولاندبحزم : " كلا , في الحقيقة لا أعتقد ذلك , لقد كانت السيدة سيمنجتون شديدة الحساسيةفي الحقيقة . كانت تضطر إلى أخذ جميع المهدئات العصبية المتوافرة , كما كانت محافظةللغاية , وأي عمل حقير كهذا من شأنه أن يسبب لها صدمة . "
                صمت ناش للحظة , ثم سألها : " ألم تتلقي أياً من هذه الرسائل يا آنسة هولاند؟ "
                "
                كلا , كلا , لا أتلق أياً منها . "
                "
                هل أنت على ثقة من ذلك ؟ من فضلك " ـ ثم رفع يدهـ " لا تتسرعي الإجابة , أعرف أنها أشياء بغيضة , ولا يحب الناس أحياناً الاعترافباستلام واحدة منها . ولكن من المهم جداً في هذه القضية أن نعرف الحقيقة , ونحننعلم تماماً أن كل ما يَرِد بها محض أكاذيب , لذا لا داعي للشعور بالحرج . "
                "
                لكني لم أتلق سشيئاً فعلاً أيها المفتش ؟ لمأتلق شيئاً من هذا القبيل على الإطلاق . "
                كانتساخطة وأوشكت على البكاء , وبدا إنكارها صادقاً . "
                عندما عادت إلى الطفلين , وقف ناش ونظر من النافذة . قال : " حسناً ’ إنهاتدعي أنها لم تتلق أياً من هذه الرسائل , ويبدو أنها صادقة فيما تقول . "
                "
                بالقطع , أنا على ثقة من ذلك . "
                همهم ناش , ثم قال : " ما أريد معرفته إذن هولماذا لم يقع عليها اختيار تلك الشيطانة كاتبة الرسائل المجهولة ؟ "
                واصل كلامه دونما صبر , بينما كنت أحدق إليه .
                " "
                إنها جميلة , أليس كذلك ؟ "
                "
                أكثر من مجرد جميلة . "
                "
                بالضبط , وهي حسنة المظهر بشكل غير عادي , وفي سن الشباب في الحقيقة إنهامطمع لأي كاتب رسائل مجهولة . إذن لماذا استثنيت ؟ "
                هززت رأسي .
                "
                إنها مسألة مثيرة , ويجب أنأذككر لجريفيث هذلك , فقد طلب مني أن أخبره عن أي شخص لم يتلق رسائل مجهولة . "
                قلت : " إنها المرأة الثانية , تذكر أن هناكإيميلي بارتون أيضاً . "
                ضحك ناش ضحكة باهتة .
                "
                لا تصدق كل ما يقال يا سيد بيرتون , فقد تلقتالسيدة بارتون واحدة بالفعل ـ بل أكثر من واحدة . "
                "
                كيف عرفت ؟ "
                "
                تلك المخلصة سليطة اللسانالتي تعيش معها خادمتها أو طاهيتها السابقة فلورنسا إلفرود . لقد كانت ساخطة جداًبسبب تلك الرسالة , وكانت تود أن تقطع صاحبتها إرباً . "
                "
                لكن لماذا قالت إيميلي بارتون إنها لم تتلق أي رسالة من هذا النوع ؟ "
                "
                إنها الرقة ؛ فلغة هذه الرسائل ليست لطيفة . والسيدة بارتون الصغيرة قضت حياتها وهي تتجنب كل ما هو بذيء وغير مهذب . "
                "
                وماذا قالت الرسالة ؟ "
                "
                الكلام المعتاد , وإن كان يبعث على الضحك فيحالتها . وقد لمحت الرسالةإلى أنها وضعت السم لأمها العجوز ومعظم شقيقاتها . "
                قلت غير مصدق : " أتقصد أن هذه المرأة المجنونة الخطرة ستظل طليقة ولننستطيع التعرف عليها وإيقافها عند حدها ؟ "
                قال ناشبصوت كئيب : " حسناً , سوف نكشفها , فسوف تكتب الكثير من الرسائل الأخرى ."
                "
                ولكنها لن تكتب المزيد من الرسائل , على الأقلالآن . "
                نظر إلي قائلاً : " بلى , ستفعل . فهي لاتستطيع التوقف الآن , فهذا نوع من الأمراض المستعصية . والرسائل ستستمر , لا شك فيذلك . "

                النهاية ....
                تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

                درع الأسد لبيك يا أسدنا
                من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
                ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

                Comment


                • #9
                  رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

                  انو ساعتين عم اقرأ وآخر شي ما في حل
                  للقضية

                  ليشششش
                  يا زكواااااان

                  تعو نتوقع المجرمة انا بقول مرة الكاهن

                  "سلامي امنحكم, سلامي اعطيكم, لا كما يعطي العالم اعطيكم أنا."
                  "ثقوا لقد غلبت العالم"
                  ======================================

                  Comment


                  • #10
                    رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

                    تنشيط
                    تعذبت كثيرا عندما لم يفهموني ,تعذبت أكثر عندما فهموني

                    درع الأسد لبيك يا أسدنا
                    من أقوال السيد الرئيس بشار الأسد
                    ونبقى نحن أصحاب و عشاق هذه الأرض,نعيش عليها,ونقدس ترابها,ونورث حبها الأبدي للأجيال جيلا ً بعد جيل

                    Comment


                    • #11
                      رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

                      مرحبا يا أخ
                      لو سمحت اذا فيك تخبرني كيف بشارك بموضوع
                      من وين وكيف
                      ثانيا انا احترمتك لانك مع الوطن والاسد
                      ان الذين لا يذكرون الماضي مكتوب عليهم ان يجربوه مرة أخرى

                      Comment


                      • #12
                        رد: الأصابع المتحركة أجاثا كريستي

                        مشـــــــــــكور يس وليييييييييي شو طويلة ضبيت ساعة عم أقرأ فيا بس بتستاهل الواحد يقضي ساعة عليها
                        فـي جـمـيـع الأوطـان..
                        الـتـراب يـُـداس.. إلا فـي وطـنـي فهو يـُـقـبـل حـبـة حـبـة..







                        Comment

                        Working...
                        X