الزائر الغريب
هذة رواية الزائرالغريب لأغاثا كريستى وهى قصة قصيرة أرجو أن تحوذ على اعجابكم
الزائرالغريب
وقفت بباب مكتب جيمس هاكر سمسار العقارات بمدينة ايفى كورنرز سيارة فخمة
تدل لوحتها المعدنية على أنها من نيويورك
ولم يكن هاركر بحاجة الى النظر فىلوحة السيارة كى يعلم أن صاحبها ليس من أهل المدينة
فقد كانت السيارة حمراءفارهة لا مثيل لها فى ايفى كورنرز وكان صاحبها قصير القامة
بدينا لم يسبق لهاركرأن رآة.
وغادر الشخص سيارتة ووقف على افريز الشارع يتأمل الافتة الكبيرة التىوضعها
هاركر على باب مكتبة .
قال السمسار يحدث سكرتيرتة التى كانت وقتئذ فىشغل بقرائة احدى القصص.
،، تظاهرى بالأستغراق فى العمل يا هيلين فقد أقبل زبون،،
فأخفت هيلين القصة فى أحد الأدراج ووضعت ورقة بيضاء فى الآلةالكاتبة
وسألت السمسار:
- ماذا أكتب يا مستر هاكر؟
- أى شىء .. أىشىء
وفتح الرجل الباب ودخل وراح ينقل بصرة بين السكرتيرة والسمسار،
ثم احنىرأسة لهذا الأخير محييا وقال متسائلا :
- هل أنت مستر هاكر ؟
-نعم يا سيدىفماذا أستطيع ان افعل من أجلك ؟
فلوح بصحيفة فى يدة وقال :
- لقد قرأت اعلاناعن مكتبك فى هذة الصحيفة
- نحن ننشر هذا الأعلان فى التايمز مرة كل أسبوع لأنالكثيرين من أهل المدينة الكبراء يتوقون
الى شراء بيوت فى المدن الصغيرةالهادئة يخيل الى أنك من نيويورك يا مستر ...
فقال :
- بيرى ..أدكاربيرى
وأخرج من جيبة منديلا جفف بة عرقة وقال :
- إن الطقس حار اليوم ؟
- هذة موجة طارئة لن تستمر طويلا فأن الجو فى هذة المدينة معتدل بصورة عامة،لأنها
تقع على ضفة بحيرة كبيرة لا شك انك مررت بها وأنت فى طريقك إلينا ،
ألاتتفضل بالجلوس يا مستر بيرى ؟
-شكرا .
وتهالك على أحد المقاعد، وتنهد بارتياح
- لقد طفت بارجاء المدينة قبل قدومى اليك وهى فى الحقيقة مدينة صغيرةهادئة.
- انها كذلك هل لك فى لفافة تبغ يا مستر بيرى؟
كلا .. شكرا ثم أن وقتىضيق فهل أستطيع التحدث فورا فيما أتيت بخصوصة؟
ثم وجة حديثة الى الفتاة قائلا :
- هلا كففت عن الكتابة الأن يا هيلين ؟ ان ضوضاء الألة الكاتبة لا يحتمل.
- حسنا يا مستر هاكر.
-والأن يا مستر بيرى .. هل وقع اختيارك على منزل معين تريدشرائة ؟
- الواقع أننى رأيت منزلا على مشارف المدينة وأريد أن أعرف شيئا عنة،
انة منزل قديم يخيل الى أنة مهجور؟
- هل هو قائم على أعمدة وتحيط بة حديقةواسعة؟
- نعم وقد رأيت علية لوحة تدل على أنة معروض للبيع .
فهز هاركر رأسةفى حزن وقال:
- هذا المنزل غير جدير باهتمامك يا سيدى.
فسألة مستر بيرى :
- لماذا
فقدم الية هاركر قائمة بالمنازل المعروضة للبيع وقال :
- اقراءما كتب عنة فى هذة القائمة.
وقرأ مستر بيرى:
منزل قديم يتألف من ثمانى غرفوحمامين وتحيط بة حديقة كبيرة..
وموقعة قريب من السوق والمدارس، الثمن 75 الفدولار
قال هاركر:
- الا يزال يهمك شرائة؟
- ولم لا؟ هل ثمة ما يمنعنى منشرائة؟
فحك هاركر راسة وقال :
اذا كانت هذة المدينة قد أعجبتك حقا.. وكان فىنيتك الأقامة بها فاءننى أستطيع
أن اعرض عليك بيوتا أفضل من هذا بكثير.
فقالمستر بيرى:
- صبرا لحظة لقد جئتك للأستفسار عن هذا المنزل بعينة فهل تريد أنتبيعنى اياة أو لا تريد
فارتسمت على شفتى هاركر ابتسامة ساخرة وقال:
- دعنىاوضح لك الأمر يا مستر بيرى ... منذ خمس سنوات جاءتنى السيدة فلورنس غريم عقب وفاةابنها
وطلبت الى التوسط فى بيع منزلها ولكن قلت لها فى صراحة أن الثمن الذىتطلبة
مبالغ فية كثيرا وان المنزل لا يساوى اكثر من عشرة آلاف دولار.
ولميستطع مستر بيرى اخفاء دهشتة، وصاح
- كيف تطلب اذا 75 الف دولار ثمنا لمنزل لايساوى اكثر من عشرة آلاف دولار
- أرجوألا تسألنى عن ذلك ان المنزل قديم فعلاويكاد أن يكون أثريا ،
ولكن بعض اعمدتة توشك أن تنهار وقبوة ملىء بالماء، وطابقةالعلوى
مائل نحو خمسة عشر سنتيمترا!
فسألة مستر بيرى:
- اذا لماذا تطلبهذا المبلغ الباهظ ثمنا لمنزل متداع ؟
فهز هاكر كتفية وقال :
- لعلها تفعلذلك لأسباب عاطفية فالمنزل مملوك لأسرتها منذ حرب الأستقلال.
فأطرق مستر بيرىرأسة وغمغم قائلا كمن يحدث نفسة:
- هذا امر يؤسف لة!
وارتسمت على شفتيةابتسامة باهتة...
وقال يحدث مستر هاكر:
- لا أكتمك أن المنزل أعجبنى لحسنموقعة وكنت أفكر فية باعتبارة
المكان الذى طالما حلمت بالأقامة فى مثلة.
- الواقع انة صفقة طيبة بمبلغ عشرة ألاف دولار أما أن يدفع المشترى خمسة وسبعينالفا...
وقلب شفتية وضحك ثم استطرد قائلا:
-اننى أفهم وجهة نظر صاحبتة وأعرفطريقة تفكيرها.. ان ايرادها ضئيلل
وكان ابنها يساعدها بالمال منذ كان يعملفىنيويورك ويربح كثيرا ثم مات الأبن
ووجدت المرأة أن من الأوفق أن تبيع المنزل،ولكنها لم تستطع اقناع نفسها بالتخلى عنة ..
بعد أن عاشت فية هى وأسرتها أكثر منقرن من الزمان ولهذا حددت لة ثمنا باهظا
لا يقبلة أحد.. وبذلك أرضت ضميرها.
- ان بعض الناس ينحون فى تفكيرهم نحوا عجيبا.
فقال مستر بيرى وهو مستغرق فى التفكي :
- نعم هذا صحيح
ثم نهض واقفا وقال :
- لقد خطر لى خاطر يا مستر هاكر ،لماذا لا تدعنى اتصل بمسز غريم وأتفاوض معها
فربما استطعت اقناعها بخفضالثمن.
فتمتم هاكر :
- سوف تضيع وقتك سدى يا مستر بيررى ... اننى أحاول ذلكمنذ خمسة أعوام
- من يدرى ؟ ربما اذا حاول ذلك أحد سواك.
-جرب حظك اذا وأناعلى استعداد لمعاونتك .
فقال مستر بيرى :
- حسنا .. سأتصل بها تليفونيا علىالفور لأنبئها بقدومك .
واجتاز مستر بيرى شوارع المدينة الصغيرة الهادئة بسيارتةالحمراء الكبيرة...
ووصل إلى منزل أحلامة دون أن يلتقى فى طريقة بأية سيارةأخرى.
ودق باب المنزل، ففتحتة سيدة قصيرة القامة بدينة الجسم وقد خط الشيب شعرها، وأحدثت السنون
فى وجهها أخاديد عميقة تلتقى كلها عند ذقن تنم عن العناد وقوةالأرادة.
قالت:
- لابد أنك مستر بيرى .. لقد اتصل بى مستر هاكر وأنبأنىبقدومك.
فأجاب بيرى وهو يضع على شفتية أعذب ابتسامة :
- نعم يا سيدتى .. هلتسمحين لى بالدخول ؟ إن الحر لا يطاق
- أعلم ذلك ، ولقد أعددت لك قدحا من عصيرالليمون المثلج ، تفضل بالدخول يا سيدى ،
ولكن لا تتوقع الدخول معى فى مساومات، فاننى لست ممن يساومون.
فرد فى أدب :
- أعلم ذلك يا سيدتى.
وتبعها إلىالداخل
وكان المنزل مظلما رطبا فقادتة السيدة الى قاعة استقبال فسيحةتبعثرت
فى أرجائها قطع من الأثاث لا طراز لها ولا لون.
وجلست المرأة على أحدالمقاعد ، وعقدت ساعديها فوق صدرها بحزم وقالت :
- اذا كان لديك ما تريد قولة يامستر بيرى فقلة على الفور.
فتنحنح بيرى ليجلو صوتة ، وقال فى رقة ودعة :
- لقد تحدثت الى السمسار بشأن هذا :
فقاطعتة قائلة :
- اعلم كل ذلك ، ولكن هاكركان مغفلا حين شجعك على القدوم لمساومتى ، ومحاولة اقناعى بخفض
ثمن المنزل ،فليس من اليسب على من كانت فى مثل سنى أن تتزحزح عن رأيها .
فقال بيرى متلعثما :
- الواقع يا سيدتى ، أن هذة لم تكن نيتى ، انما كنت أريد أن أتجاذب معك أطرافالحديث !
فتراخت المرأة فى مقعدها وقالت :
- الكلام مباح فقل ما بدا لك .
فقال بيرى وهو يجفف عرقة :
- سأوضح لك الموقف بأيجاز.. اننى رجل أعمال ،وأعزب.. وقد كافحت طويلا
وجمعت ثروة لا بأس بها ، وآن لى أن استريح واقضى بقيةحياتى فى مكان هاىءن ولقد اعجبتنى
هذة المدينة .. وأذكر اننى مررت بها فى احدىجولاتى وقلت لنفسى :
حبذا لو أجد بيتا يصلح لاقامتى ؟
- وقد اتيت اليوم الىهذة المدينة ، ورأيت هذا المنزل، وخيلالى انة ضالتى المنشودة.
- أنا ايضا أحبهذا المنزل يا مستر بيرى، والثمن الذى ذكرة لك مستر هاكر معتدل كثيرا.
- خمسةوسبعون الفا ليست مبلغا معتدلا يا مسز غرين، ان بيتا كهذا لا يكلف هذةالأيام
أكثر من ..
فقاطعتة المرأة صائحة :
- كفى .. كفى يا مستر بيرى ... قلت لك اننى لست على استعداد للمساومة ،
فاذا لم تكن على استعداد لدفع الثمنالذى طلبتة ، فأرجو أن تعتبر الموضوع منتهيا .
- ولكن..
- طاب يومك يا مستربيرى.
ونهضت واقفة ، كأنما لتوحى الية بالأنصراف..
ولكنة لم يبرح مكانة وهتفقائلا :
- صبرا لحظة يا سيدتى ، صبرا لحظة ، انة ثمن خيالى ، ولكن.. ولكن لا بأس، سأدفع ما تطلبين.
فرمقتة بنظرة فاحصة طويلة ، ثم قالت ببطء :
- هل أنت واثقمن ذلك يا مستر بيرى ؟
- كل الوثوق .. عندى مال كثير ، وما دامت هذة إرادتكفليكن ما تريدين !
فقالت وعلى شفتيها ابتسامة غامضة :
- لابد أن يكون عصيرالليمون قد اثلج الأن .. سآتيك بقدح منة ، ومن ثم أحدثك عن المنزل
وجفف بيرىعرقة وتناول قدح العصير المثلج الذى جاءت بة المرأة
على صفحة صغيرة ، وتجرعالشراب بشراهة.
وقالت العجوز وهى تسترخى فى مقعدها :
- لقد امتلكت أسرتى هذاالمنزل منذ سنة 1802 وكان قد بنى قبل ذلك بنحو خمسة عشر عاما
وجميع أفراد الأسرةفيما عدا ابنى ميشبل قد ولدوا فى غرفة النوم بالطابق الثانى
أنا الوحيدة التىشذذت عن أمهات الأسرة ، فقد وضعت ميشيل فى أحد المستشفيات.
ولمعت عيناهاالضيقتان واستطردت قائلة :
- أنا أعلم أنة ليس أفضل منزلفى المدينة ، ومنذبضعةاعوام امتلاء قبوة بالماء ،
ولم يجف تماما منذ ذلك الوقت ..
ولقد توفى زوجىولم يبلغ ميشبل التاسعة من عمرة ، وضاق بنا الحال حتى اضررت
إلى مزاولة الحياكةوالتطريز وأشغال الأبرة ، وكان أبى قد ترك لى ايرادا
صغيرا وهو الذى أعيش بةالأن ..وافتقد ميشيل أباة ، ونشأ غلاما ثائرا
متمردا ، طموحا كغيرة من الشباب ،فما أن تخرج من الجامعة ، حتى
رحل الى نيويورك رغم ارادتى ، ولا بد أنة نجح فىعملة هناك ، لأنة
كان يرسل لى نقودا بانتظام ، ولكنى لم ارة طيلة تسعة أعوام !
واغرورقت عيناها بالدمو ومضت تقول :
- لقد آلمنى فراقة .. ولكن ألمى كانأشد حين عاد ، لأنة كان فى مأزق ..
ولم أعرف تماما ما هى متاعبة ، فقد اقبل فىمنتصف الليل ..
كان شديد الهزال والنحول ، ويبدو أكبر سنا مما هو حقيقة، ولم يكن
يحمل من المتاع سوى حقيبة صغيرة سوداء ، وحينما حاولت فتح الحقيبة ،
رفع يدةوهم بأن يضربنى .. نعم هم بأن يضربنى ، أنا أمة.
ووضعتة فى الفراش كما كنت أفعلوهو طفل ، ولكن لك يغمض لة جفن ، وظل يبكى طوال الليل.
وفى الصباح .. طلب الى أنأغادر المنزل لبضع ساعات ، وقال انة يريد أن يفعل شيئا ،
ولم يوضح لى طبيعة ذلكالشىء ، ولكنى لا حظت حين عدت فى المساء أن الحقيبة اختفت .
وهنا افرغ مستر بيرىفى جوفة ما تبقى فى القدح من عصير الليمون وسأل :
- وكيف تفسرين ذلك ؟
- لمأعرف على الفور ، ولكنى عرفت كل شىء فى المساء ، فقد اقبل
شخص الى المنزل فىالمساء ، ولا أعلم كيف دخل ، ولكنى علمت بوجودة
حين سمعت صوتة فى غرفة ميشيل،فألصقت اذنى بباب الغرفة ،
وحاولت أن أنصت الى حديثهما لأعرف نوع المتاعب التىتقلق ميشيل وتؤرقة،
ولكننى لم اسمع سوى صيحات الغضب وعبارات التهديد ، وفجأة ..
وصمتت العجوز لحظة ، وغاص رأسها فوق صدرها كما لو كانت الذكريات تثقلكاهلها.
ثم عادت الى الحديث :
- وفجأة ، دوى طلق نارى ، فاقتحمت الغرفة ،ورأيت احدى النوافذ مفتوحة ،
وقد اختفى الزائر المجهول ، اما ميشيل فكان ممدداعلى الأرض جثة هامدة.
وصمتت المرأة مرة أخرى .. ثم عادت الى سرد قصتها .
- كان ذلك منذ خمس سنوات ، خمس سنوات طوال ، وقد انقضى بعض الوقت ..
قبل أن أعرفالحقائق كلها من رجال البوليس .
ويبدو مما قالة رجال البوليس ، ومما حدث فى ذلكاليوم المشؤوم
أن ميشيل والشخص الآخر اشتركا فى السطو على أحد البنوك ،وسرقا
بضعة آلاف من الدولارات ، وأن ميشيل اراد الأحتفاظ بالمبلغ كلة لنفسة
فجاء بة فى الحقيبة ، وطلب منى مغادرة المنزل ليتسنى لة
اخفاؤة فى مكان ما، وحين اقبل شريكة فى مساء اليوم التالى
للمطالبة بنصية ، ولم يجد المال .. اطلق رصاصة على ميشيل صرعتة على الفور .
وحملقت المرأة فى وجة مستر بيرىواستطردت قائلة :
- وهذا هو السبب فى أننى حددت ثمن هذا المنزل بخمسة وسبعين ألفدولار ..
كنت أعلم أن قاتل ولدى سيعود يوما ما وسيحاول شراء هذا المنزل بأى ثمن،
للبحث فية عن الحقيبة .. وأصبحت كل مهمتى ان أنتظر بفروغ صبر ..
حتى يأتىالشخص الذى يبدى أستعدادة لشراء هذا المنزل المتداعى بالثمن الباهظ الذىحددتة.
قالت ذلك ونظرت إلى مستر بيرى وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة ماكرة ؟
وكانبيرى يترنح فى مقعدة وقد زاغ بصرة ، وحين حاول إعادة القدح الى مكانة
فى الصفحة، لم يستطع ذلك .. وسقط القدح من يدة
وسمعته المرأة يغمغم بصوت متقطع :
- ياألهى ! ما أشد مرارة هذا العصير !وكانت تلك آخر كلمة نطق بها مستر بيرى قبل أنيقتلة الشراب المسموم .
الزائرالغريب
وقفت بباب مكتب جيمس هاكر سمسار العقارات بمدينة ايفى كورنرز سيارة فخمة
تدل لوحتها المعدنية على أنها من نيويورك
ولم يكن هاركر بحاجة الى النظر فىلوحة السيارة كى يعلم أن صاحبها ليس من أهل المدينة
فقد كانت السيارة حمراءفارهة لا مثيل لها فى ايفى كورنرز وكان صاحبها قصير القامة
بدينا لم يسبق لهاركرأن رآة.
وغادر الشخص سيارتة ووقف على افريز الشارع يتأمل الافتة الكبيرة التىوضعها
هاركر على باب مكتبة .
قال السمسار يحدث سكرتيرتة التى كانت وقتئذ فىشغل بقرائة احدى القصص.
،، تظاهرى بالأستغراق فى العمل يا هيلين فقد أقبل زبون،،
فأخفت هيلين القصة فى أحد الأدراج ووضعت ورقة بيضاء فى الآلةالكاتبة
وسألت السمسار:
- ماذا أكتب يا مستر هاكر؟
- أى شىء .. أىشىء
وفتح الرجل الباب ودخل وراح ينقل بصرة بين السكرتيرة والسمسار،
ثم احنىرأسة لهذا الأخير محييا وقال متسائلا :
- هل أنت مستر هاكر ؟
-نعم يا سيدىفماذا أستطيع ان افعل من أجلك ؟
فلوح بصحيفة فى يدة وقال :
- لقد قرأت اعلاناعن مكتبك فى هذة الصحيفة
- نحن ننشر هذا الأعلان فى التايمز مرة كل أسبوع لأنالكثيرين من أهل المدينة الكبراء يتوقون
الى شراء بيوت فى المدن الصغيرةالهادئة يخيل الى أنك من نيويورك يا مستر ...
فقال :
- بيرى ..أدكاربيرى
وأخرج من جيبة منديلا جفف بة عرقة وقال :
- إن الطقس حار اليوم ؟
- هذة موجة طارئة لن تستمر طويلا فأن الجو فى هذة المدينة معتدل بصورة عامة،لأنها
تقع على ضفة بحيرة كبيرة لا شك انك مررت بها وأنت فى طريقك إلينا ،
ألاتتفضل بالجلوس يا مستر بيرى ؟
-شكرا .
وتهالك على أحد المقاعد، وتنهد بارتياح
- لقد طفت بارجاء المدينة قبل قدومى اليك وهى فى الحقيقة مدينة صغيرةهادئة.
- انها كذلك هل لك فى لفافة تبغ يا مستر بيرى؟
كلا .. شكرا ثم أن وقتىضيق فهل أستطيع التحدث فورا فيما أتيت بخصوصة؟
ثم وجة حديثة الى الفتاة قائلا :
- هلا كففت عن الكتابة الأن يا هيلين ؟ ان ضوضاء الألة الكاتبة لا يحتمل.
- حسنا يا مستر هاكر.
-والأن يا مستر بيرى .. هل وقع اختيارك على منزل معين تريدشرائة ؟
- الواقع أننى رأيت منزلا على مشارف المدينة وأريد أن أعرف شيئا عنة،
انة منزل قديم يخيل الى أنة مهجور؟
- هل هو قائم على أعمدة وتحيط بة حديقةواسعة؟
- نعم وقد رأيت علية لوحة تدل على أنة معروض للبيع .
فهز هاركر رأسةفى حزن وقال:
- هذا المنزل غير جدير باهتمامك يا سيدى.
فسألة مستر بيرى :
- لماذا
فقدم الية هاركر قائمة بالمنازل المعروضة للبيع وقال :
- اقراءما كتب عنة فى هذة القائمة.
وقرأ مستر بيرى:
منزل قديم يتألف من ثمانى غرفوحمامين وتحيط بة حديقة كبيرة..
وموقعة قريب من السوق والمدارس، الثمن 75 الفدولار
قال هاركر:
- الا يزال يهمك شرائة؟
- ولم لا؟ هل ثمة ما يمنعنى منشرائة؟
فحك هاركر راسة وقال :
اذا كانت هذة المدينة قد أعجبتك حقا.. وكان فىنيتك الأقامة بها فاءننى أستطيع
أن اعرض عليك بيوتا أفضل من هذا بكثير.
فقالمستر بيرى:
- صبرا لحظة لقد جئتك للأستفسار عن هذا المنزل بعينة فهل تريد أنتبيعنى اياة أو لا تريد
فارتسمت على شفتى هاركر ابتسامة ساخرة وقال:
- دعنىاوضح لك الأمر يا مستر بيرى ... منذ خمس سنوات جاءتنى السيدة فلورنس غريم عقب وفاةابنها
وطلبت الى التوسط فى بيع منزلها ولكن قلت لها فى صراحة أن الثمن الذىتطلبة
مبالغ فية كثيرا وان المنزل لا يساوى اكثر من عشرة آلاف دولار.
ولميستطع مستر بيرى اخفاء دهشتة، وصاح
- كيف تطلب اذا 75 الف دولار ثمنا لمنزل لايساوى اكثر من عشرة آلاف دولار
- أرجوألا تسألنى عن ذلك ان المنزل قديم فعلاويكاد أن يكون أثريا ،
ولكن بعض اعمدتة توشك أن تنهار وقبوة ملىء بالماء، وطابقةالعلوى
مائل نحو خمسة عشر سنتيمترا!
فسألة مستر بيرى:
- اذا لماذا تطلبهذا المبلغ الباهظ ثمنا لمنزل متداع ؟
فهز هاكر كتفية وقال :
- لعلها تفعلذلك لأسباب عاطفية فالمنزل مملوك لأسرتها منذ حرب الأستقلال.
فأطرق مستر بيرىرأسة وغمغم قائلا كمن يحدث نفسة:
- هذا امر يؤسف لة!
وارتسمت على شفتيةابتسامة باهتة...
وقال يحدث مستر هاكر:
- لا أكتمك أن المنزل أعجبنى لحسنموقعة وكنت أفكر فية باعتبارة
المكان الذى طالما حلمت بالأقامة فى مثلة.
- الواقع انة صفقة طيبة بمبلغ عشرة ألاف دولار أما أن يدفع المشترى خمسة وسبعينالفا...
وقلب شفتية وضحك ثم استطرد قائلا:
-اننى أفهم وجهة نظر صاحبتة وأعرفطريقة تفكيرها.. ان ايرادها ضئيلل
وكان ابنها يساعدها بالمال منذ كان يعملفىنيويورك ويربح كثيرا ثم مات الأبن
ووجدت المرأة أن من الأوفق أن تبيع المنزل،ولكنها لم تستطع اقناع نفسها بالتخلى عنة ..
بعد أن عاشت فية هى وأسرتها أكثر منقرن من الزمان ولهذا حددت لة ثمنا باهظا
لا يقبلة أحد.. وبذلك أرضت ضميرها.
- ان بعض الناس ينحون فى تفكيرهم نحوا عجيبا.
فقال مستر بيرى وهو مستغرق فى التفكي :
- نعم هذا صحيح
ثم نهض واقفا وقال :
- لقد خطر لى خاطر يا مستر هاكر ،لماذا لا تدعنى اتصل بمسز غريم وأتفاوض معها
فربما استطعت اقناعها بخفضالثمن.
فتمتم هاكر :
- سوف تضيع وقتك سدى يا مستر بيررى ... اننى أحاول ذلكمنذ خمسة أعوام
- من يدرى ؟ ربما اذا حاول ذلك أحد سواك.
-جرب حظك اذا وأناعلى استعداد لمعاونتك .
فقال مستر بيرى :
- حسنا .. سأتصل بها تليفونيا علىالفور لأنبئها بقدومك .
واجتاز مستر بيرى شوارع المدينة الصغيرة الهادئة بسيارتةالحمراء الكبيرة...
ووصل إلى منزل أحلامة دون أن يلتقى فى طريقة بأية سيارةأخرى.
ودق باب المنزل، ففتحتة سيدة قصيرة القامة بدينة الجسم وقد خط الشيب شعرها، وأحدثت السنون
فى وجهها أخاديد عميقة تلتقى كلها عند ذقن تنم عن العناد وقوةالأرادة.
قالت:
- لابد أنك مستر بيرى .. لقد اتصل بى مستر هاكر وأنبأنىبقدومك.
فأجاب بيرى وهو يضع على شفتية أعذب ابتسامة :
- نعم يا سيدتى .. هلتسمحين لى بالدخول ؟ إن الحر لا يطاق
- أعلم ذلك ، ولقد أعددت لك قدحا من عصيرالليمون المثلج ، تفضل بالدخول يا سيدى ،
ولكن لا تتوقع الدخول معى فى مساومات، فاننى لست ممن يساومون.
فرد فى أدب :
- أعلم ذلك يا سيدتى.
وتبعها إلىالداخل
وكان المنزل مظلما رطبا فقادتة السيدة الى قاعة استقبال فسيحةتبعثرت
فى أرجائها قطع من الأثاث لا طراز لها ولا لون.
وجلست المرأة على أحدالمقاعد ، وعقدت ساعديها فوق صدرها بحزم وقالت :
- اذا كان لديك ما تريد قولة يامستر بيرى فقلة على الفور.
فتنحنح بيرى ليجلو صوتة ، وقال فى رقة ودعة :
- لقد تحدثت الى السمسار بشأن هذا :
فقاطعتة قائلة :
- اعلم كل ذلك ، ولكن هاكركان مغفلا حين شجعك على القدوم لمساومتى ، ومحاولة اقناعى بخفض
ثمن المنزل ،فليس من اليسب على من كانت فى مثل سنى أن تتزحزح عن رأيها .
فقال بيرى متلعثما :
- الواقع يا سيدتى ، أن هذة لم تكن نيتى ، انما كنت أريد أن أتجاذب معك أطرافالحديث !
فتراخت المرأة فى مقعدها وقالت :
- الكلام مباح فقل ما بدا لك .
فقال بيرى وهو يجفف عرقة :
- سأوضح لك الموقف بأيجاز.. اننى رجل أعمال ،وأعزب.. وقد كافحت طويلا
وجمعت ثروة لا بأس بها ، وآن لى أن استريح واقضى بقيةحياتى فى مكان هاىءن ولقد اعجبتنى
هذة المدينة .. وأذكر اننى مررت بها فى احدىجولاتى وقلت لنفسى :
حبذا لو أجد بيتا يصلح لاقامتى ؟
- وقد اتيت اليوم الىهذة المدينة ، ورأيت هذا المنزل، وخيلالى انة ضالتى المنشودة.
- أنا ايضا أحبهذا المنزل يا مستر بيرى، والثمن الذى ذكرة لك مستر هاكر معتدل كثيرا.
- خمسةوسبعون الفا ليست مبلغا معتدلا يا مسز غرين، ان بيتا كهذا لا يكلف هذةالأيام
أكثر من ..
فقاطعتة المرأة صائحة :
- كفى .. كفى يا مستر بيرى ... قلت لك اننى لست على استعداد للمساومة ،
فاذا لم تكن على استعداد لدفع الثمنالذى طلبتة ، فأرجو أن تعتبر الموضوع منتهيا .
- ولكن..
- طاب يومك يا مستربيرى.
ونهضت واقفة ، كأنما لتوحى الية بالأنصراف..
ولكنة لم يبرح مكانة وهتفقائلا :
- صبرا لحظة يا سيدتى ، صبرا لحظة ، انة ثمن خيالى ، ولكن.. ولكن لا بأس، سأدفع ما تطلبين.
فرمقتة بنظرة فاحصة طويلة ، ثم قالت ببطء :
- هل أنت واثقمن ذلك يا مستر بيرى ؟
- كل الوثوق .. عندى مال كثير ، وما دامت هذة إرادتكفليكن ما تريدين !
فقالت وعلى شفتيها ابتسامة غامضة :
- لابد أن يكون عصيرالليمون قد اثلج الأن .. سآتيك بقدح منة ، ومن ثم أحدثك عن المنزل
وجفف بيرىعرقة وتناول قدح العصير المثلج الذى جاءت بة المرأة
على صفحة صغيرة ، وتجرعالشراب بشراهة.
وقالت العجوز وهى تسترخى فى مقعدها :
- لقد امتلكت أسرتى هذاالمنزل منذ سنة 1802 وكان قد بنى قبل ذلك بنحو خمسة عشر عاما
وجميع أفراد الأسرةفيما عدا ابنى ميشبل قد ولدوا فى غرفة النوم بالطابق الثانى
أنا الوحيدة التىشذذت عن أمهات الأسرة ، فقد وضعت ميشيل فى أحد المستشفيات.
ولمعت عيناهاالضيقتان واستطردت قائلة :
- أنا أعلم أنة ليس أفضل منزلفى المدينة ، ومنذبضعةاعوام امتلاء قبوة بالماء ،
ولم يجف تماما منذ ذلك الوقت ..
ولقد توفى زوجىولم يبلغ ميشبل التاسعة من عمرة ، وضاق بنا الحال حتى اضررت
إلى مزاولة الحياكةوالتطريز وأشغال الأبرة ، وكان أبى قد ترك لى ايرادا
صغيرا وهو الذى أعيش بةالأن ..وافتقد ميشيل أباة ، ونشأ غلاما ثائرا
متمردا ، طموحا كغيرة من الشباب ،فما أن تخرج من الجامعة ، حتى
رحل الى نيويورك رغم ارادتى ، ولا بد أنة نجح فىعملة هناك ، لأنة
كان يرسل لى نقودا بانتظام ، ولكنى لم ارة طيلة تسعة أعوام !
واغرورقت عيناها بالدمو ومضت تقول :
- لقد آلمنى فراقة .. ولكن ألمى كانأشد حين عاد ، لأنة كان فى مأزق ..
ولم أعرف تماما ما هى متاعبة ، فقد اقبل فىمنتصف الليل ..
كان شديد الهزال والنحول ، ويبدو أكبر سنا مما هو حقيقة، ولم يكن
يحمل من المتاع سوى حقيبة صغيرة سوداء ، وحينما حاولت فتح الحقيبة ،
رفع يدةوهم بأن يضربنى .. نعم هم بأن يضربنى ، أنا أمة.
ووضعتة فى الفراش كما كنت أفعلوهو طفل ، ولكن لك يغمض لة جفن ، وظل يبكى طوال الليل.
وفى الصباح .. طلب الى أنأغادر المنزل لبضع ساعات ، وقال انة يريد أن يفعل شيئا ،
ولم يوضح لى طبيعة ذلكالشىء ، ولكنى لا حظت حين عدت فى المساء أن الحقيبة اختفت .
وهنا افرغ مستر بيرىفى جوفة ما تبقى فى القدح من عصير الليمون وسأل :
- وكيف تفسرين ذلك ؟
- لمأعرف على الفور ، ولكنى عرفت كل شىء فى المساء ، فقد اقبل
شخص الى المنزل فىالمساء ، ولا أعلم كيف دخل ، ولكنى علمت بوجودة
حين سمعت صوتة فى غرفة ميشيل،فألصقت اذنى بباب الغرفة ،
وحاولت أن أنصت الى حديثهما لأعرف نوع المتاعب التىتقلق ميشيل وتؤرقة،
ولكننى لم اسمع سوى صيحات الغضب وعبارات التهديد ، وفجأة ..
وصمتت العجوز لحظة ، وغاص رأسها فوق صدرها كما لو كانت الذكريات تثقلكاهلها.
ثم عادت الى الحديث :
- وفجأة ، دوى طلق نارى ، فاقتحمت الغرفة ،ورأيت احدى النوافذ مفتوحة ،
وقد اختفى الزائر المجهول ، اما ميشيل فكان ممدداعلى الأرض جثة هامدة.
وصمتت المرأة مرة أخرى .. ثم عادت الى سرد قصتها .
- كان ذلك منذ خمس سنوات ، خمس سنوات طوال ، وقد انقضى بعض الوقت ..
قبل أن أعرفالحقائق كلها من رجال البوليس .
ويبدو مما قالة رجال البوليس ، ومما حدث فى ذلكاليوم المشؤوم
أن ميشيل والشخص الآخر اشتركا فى السطو على أحد البنوك ،وسرقا
بضعة آلاف من الدولارات ، وأن ميشيل اراد الأحتفاظ بالمبلغ كلة لنفسة
فجاء بة فى الحقيبة ، وطلب منى مغادرة المنزل ليتسنى لة
اخفاؤة فى مكان ما، وحين اقبل شريكة فى مساء اليوم التالى
للمطالبة بنصية ، ولم يجد المال .. اطلق رصاصة على ميشيل صرعتة على الفور .
وحملقت المرأة فى وجة مستر بيرىواستطردت قائلة :
- وهذا هو السبب فى أننى حددت ثمن هذا المنزل بخمسة وسبعين ألفدولار ..
كنت أعلم أن قاتل ولدى سيعود يوما ما وسيحاول شراء هذا المنزل بأى ثمن،
للبحث فية عن الحقيبة .. وأصبحت كل مهمتى ان أنتظر بفروغ صبر ..
حتى يأتىالشخص الذى يبدى أستعدادة لشراء هذا المنزل المتداعى بالثمن الباهظ الذىحددتة.
قالت ذلك ونظرت إلى مستر بيرى وعلى شفتيها ابتسامة ساخرة ماكرة ؟
وكانبيرى يترنح فى مقعدة وقد زاغ بصرة ، وحين حاول إعادة القدح الى مكانة
فى الصفحة، لم يستطع ذلك .. وسقط القدح من يدة
وسمعته المرأة يغمغم بصوت متقطع :
- ياألهى ! ما أشد مرارة هذا العصير !وكانت تلك آخر كلمة نطق بها مستر بيرى قبل أنيقتلة الشراب المسموم .
Comment