هو صحيح القصة طويلة شوي وبعرف مالكم خلق تفرو بس بنصح الصبايا يقروهاااا ويستفيدو
صباح الخير يا انسة مروة "... لم تكد مروة تسمع تلك العبارة الصباحية المعتادة... وهى تتجه نحو مدرج المحاضرات الرئيسى حتى زفرت فى شىء من التوتر ...وغمغمت دون ان تلتفت الى صاحبها : صباح الخير يا استاذ احمد... ضحكت زميلتها غادة ولكزتها بمرفقها خفية... وهى تهمس فى اذنها : استاذ احمد؟!... انك تتحدثين اليه باسلوب رسمى جدا... قالت فى حدة هامسة : هو ايضا يتعامل معى باسلوب رسمى جدا... انه الوحيد من زملاء الصف الذى يخاطبنى بلقب الانسة مروة هذا ...همست غادة : انه يحترمك جدا فى الواقع... توقفت مروة بغتة ...وارتفع صوتها دون ان تدرى... وهى تلتفت الى غادة هاتفة فى استنكار : يحترمنى؟!... التفت كل طلاب المدرج اليها فى دهشة وتساؤل... واحمر وجه غادة خجلا... وهى تهمس فى توتر : مروة ...تمالكى اعصابك... شعرت مروة بالحنق... لان اعصابها قد افلتت منها على هذا النحو السافر ...وانعقد حاجباها فى غضب حقيقى... وعندما رأت احمد يتطلع اليها فى قلق حائر ...فغمغمت فى توتر شديد: اريد ان الطمه على وجهه... فقالتها واتخذت مقعدها داخل المدرج ...وحافظت على انعقادة حاجبيها الغاضبة ...حتى انتهت المحاضرة... فاندفعت تسابق زملاءها للخروج ...عندما فوجئت به امامها... يسالها بكل قلق الدنيا : انسة مروة... أأنت بخير ؟!...وجدت نفسها تهتف فى وجهه بحدة : اتركنى وشانى... وساكون بخير حال... تراجع بدهشة مذعورة ...وهو يحدق فى وجهها بشىء من الارتياع... ضاعف من حنقها... فاندفعت مبتعدة عنه... وهى تهمهم بكلمات ساخطة ...فلحقت بها زميلتها غادة وهتفت لاهثة : لماذا فعلت ذلك ؟!... لقد احرجته امام الجميع ...قالت مروة فى حدة : انه يستحق هذا ...هتفت بها غادة : لماذا ؟!...توقفت دفعة واحدة... وازداد انعقاد حاجبيها... وعقلها يبحث عن الجواب فى اعماقها... نعم... لماذا ؟!...لماذا تضيق باهتمام احمد بها الى هذا الحد؟!... لماذا تحنقها ونثير سخطها ملاحقته لها؟!... انه شاب شديد التهذيب... ما من شك فى هذا ...شاب جاد ..رصين.. عاقل.. هادىء.. متزن ..وربما لهذا تضيق به... انه يبدو بالنسبة لها اشبه بصورة من منتصف القرن العشرين... تقحم نفسها عنوة فى عالم القرن الحادى والعشرين... لا يشبه ايا من زملائها الاخرين على الاطلاق..." ان شخصيته سخيفة" هتفت بالعبارة فى حنق شديد... جعل غادة تتطلع اليها فى دهشة قائلة : الى هذا الحد ؟!...جلست على احد مقاعد الفناء وقالت فى عصبية : انه شاب مختلف... ابتسمت غادة وهى تجلس الى جوارها قائلة : مروة ربما لا تميلين الى احمد ...ولكن لا داعى للتعنت بشانه... لوحت مروة بيدها قائلة فى حنق : هل رايت ما يرتديه؟! قميص ابيض وسروال اسود... تماما كابطال افلام الخمسينات... حتى تصفيفة شعره تقليدية جدا... انه لا يستمع الى الاغنيات الحديثة... ولا يشارك فى حفلات الكلية و....قاطعتها غادة ضاحكة : أهذا سبب ضيقك منه؟!... هتفت وقد احنقتها ضحكة صديقتها اكثر : الا تكفيك كل هذاه الاسباب؟!... هزت غادة راسها نفيا فى بطء... وقالت وهى تنهض : كلا.. لا تكفينى... عقدت مروة ساعديها امام صدرها هاتفة : هذا شانك... تنهدت غادة قائلة : بالتاكيد ...وصمتت لحظة وكانها تبحث عما تقول قبل ان تندفع قائلة : الواقع ان كل مايضايقك منه مجرد تفاهات... صدمتها الكلمة فغمغمت ذاهلة : تفاهات؟!... اجابتها غادة فى حزم : نعم.. تفاهات.. فموضة الثياب.. وتصفيفة الشعر.. كلها امور سخيفة لا يبالى بها الا فارغ العقل... قالت مروة فى حدة : الاهتمام بالمظهر ليس فراغ عقل... اجابتها فى حزم اكبر : بالتاكيد.. عندما لا يكون هو الاهتمام الرئيسى... حدقت فيها مروة لحظة قبل ان تبتسم فى خبث قائلة : اه.. فهمت... سالتها غادة فى عصبية : فهمت ماذا ؟!...اجابتها مروة بلهجة هجومية : انت تحبين احمد... كانت تتوقع ان يصدم هجومها غادة... وان تسارع هذه الاخيرة بانكار الامر واستنكاره... لذا فقد فاجأها ان اعتدلت غادة ومسحت شعرها بيدها فى حركة عصبية قبل ان تجيب فى حزم : نعم.. انا احبه... حدقت مروة فيها مرة اخرى قبل ان تقول فى لهجة حادة ...حملت نبرة غيرة واضحة : ولما لا تخبرينه بهذا؟!... اجابتها غادة قى اسى: لانه يحبك انت... رددت مروة وكأنما باغتها الامر : يحبنى انا؟!... أجابتها غادة بكل مرارة الدنيا وهى تمسح شعرها بيدها مرة اخرى : وماذا كنت تظنين؟!... نطقتها وانصرفت فى صمت تاركة مروة خلفها وعقلها يموج بلجة من الافكار... غادة تحبه.. نعم.. هذا هو التفسير الوحيد لحماستها الشديدة له... واهتمامها البالغ به... ولكنه لا يستحق.. من المؤكد انه لا يستحق... انه منفصل عن زمنه ...هذا رايها فيه ولن يتغير ابدا... لم يمض وقت طويل حتى طرحت الامر كله عن راسها... واسرعت تندمج مع شلتها المعتادة... وتتبادل مع شبانها وفتياتها احاديثهم التقليدية عن الموضة والاغنيات الجديدة واحدث السيارات ونغمات الهواتف المحمولة... ولم يشغلها الامر فى الايام التالية ايضا... كل ما لاحظته هو ان احمد لم يعد يقترب منها او يتحدث اليها او حتى يلقى عليها تحية الصباح كالمعتاد ...ولقد اراحها هذا كثيرا ...ومع مرور الوقت لاحظت تقاربه مع غادة وكثرة حديثهما وضحكاتهما... التى لم تلبث ان تحولت الى همسات باسمة فى فترات ما بين المحاضرات... ولقد ظل احمد كما هو... رصينا.. هادئا.. وقورا ..ومع نهاية سنوات الكلية... تحولت علاقة احمد وغادة الى رباط رسمى وثيق فى حفل هادىء بسيط ...سخرت منه مروة كثيرا... ووصفته بانه اشبه بجلسة توقيع معاهدة ديبلوماسية... ثم تفرقت بهم السبل... اربع سنوات كاملة بعد التخرج... لم تلتق خلالها مروة بزميلتها غادة او خطيبها احمد مرة واحدة... ولم تحاول حتى معرفة اخبارهما... وخلال تلك السنوات الاربع التقت بــ وائل... شاب وسيم.. بالغ الاناقة دوما.. يمتلك سيارة رياضية حمراء مبهرة.. ويحمل دوما اغلى الهواتف المحمولة واحدثها... ومع وائل قضت مروة احلى ايامها... وافضل سنواتها ..واسعد لحظاتها.. الا انه لم يتقدم لخطبتها ابدا... بل ولم يحاول حتى ان يفعل... فى البداية.. كانت كرامتها تمنعها من مفاتحته بالامر... الا ان شعورها بمضى العمر جعلها تتجاوز حاجز الكرامة هذا... وتساله مباشرة : وائل.. متى ستتقدم لخطبتى؟!... استدار اليها بعينيه العابثتين المستهترتين وهو يقول : خطبتك؟!.. من وضع فى راسك هذه الفكرة المضحكة ؟!...صعقها جوابه.. حتى انها قاومت دموعها فى صعوبة... وسيطرت على مشاعرها وصوتها بصعوبة... وهى تقول مستنكرة متالمة : خطبتك لى فكرة مضحكة ؟! ...لوح بيده قائلا فى سخرية : لك او لغيرك.. فكرة الخطبة والارتباط الابدى فى حد ذاتها فكرة مضحكة ..وسخيفة ايضا... الزواج نفسه نظام فاشل... يحرم الانسان من حريته وانطلاقه... ويسجنه داخل اسوار عالية من الالتزامات والمسئوليات والمعوقات... بدت لها مقاومة دموعها عسيرة ..وهى تقول بصوت مبحوح حاولت ان تحافظ فيه على بقايا كرامتها الجريحة : انها سنة الحياة ...هتف فى سخرية مستنكرة : اية سنة واية حياة ؟!... ثم مال نحوها وبدت عيناه عابثتين مستهترتين كعهدهما وهو يقول : الحياة نعيشها مرة واحدة... لنستمتع ونفرح ونمرح ...وليس لنخنق انفسنا بالزواج والارتباط... وجدت نفسها تبذل جهدا عنيفا هذه المرة... لتغمغم فى مرارة وبصوت بلغ انخفاضه حد الهمس خشية ان تنفجر معه مشاعرها ودموعها : لماذا كان ارتباطنا اذن؟! ...تراجع هاتفا فى حماسة : لنمرح ..ونلعب.. ونحب ..ونستمتع ..ثم غمز بعينه مضيفا فى سخرية : وليس لنتزوج... حاولت ان تعترض على منطقه المقلوب هذا ...حاولت ان تقول شيئا.. اى شئ ...ولكن دموعها ونزيف كرامتها وعواطفها وتلك الغصة المؤلمة فى حلقها... كلها منعتها من النطق بحرف واحد... فقط انسلخت من جواره... واسرعت الخطى مبتعدة ..ودموعها التى طالت حبستها تنفجر لتغرق وجهها كله.. وفى منزلها بكت.. وبكت.. وبكت... يالها من تجربة مريرة!... تجربة مزقت مشاعرها ..وجندلت كرامتها.. وسحقت كبرياءها.. بلا رحمة او هوادة... سنوات من عمرها اضاعتها مع تافه مستهتر.. عديم القيم.. لا يبالى بالعواطف او يحترم المشاعر ...هى منحته حبها وهو لم يمنحها سوى العذاب والخزى والهوان ...كل شىء فى اعماقها تمزق فى عنف وتوتر.. وضاع وغرق فى بئر من الضياع والمرارة ..كل شىء... ولايام وايام لم تستطع ابتلاع حزنها... لايام وايام لم يندمل ابدا جرحها ..ثم فجاة... وجدت نفسها تتذكر احمد... تتذكره برجولته ورصانته ووقاره الهادىء و.....وحبه ...كم تحتاج اليوم الى قلب كقلبه... الى رجل مثله ...لقد كانت غادة على حق... مثله فقط ..يمكن ان يمنح الفتاة ذلك الشعور بانوثتها... ودون وعى منها... راح احمد يحتل فى كل دقيقة تمضى مساحة اكبر من عقلها.. وقلبها.. ومشاعرها... ولم يمض يومان ..حتى ضبطت نفسها تسترجع كل لحظة معه ..حديثه الهادىء.. حبه الرصين.. مشاعره الغضة... وتحية الصباح التى كان يحرص على القائها عليها... والتى كانت تضجرها وتحنقها.. كم تمنت اليوم ان تسمعها منه... كم تمنت ان تراه ولو لحظة واحدة... ولكن فجاة.. اقتحمت ذاكرتها صورة انخلع لها قلبها... صورة تلك المشاعر التى ارتسمت على وجهه عندما صاحت فيه فى الكلية... وعادت تبكى.. وتبكى.. وتبكى... وفى الصباح التالى قررت ان تستعيد احمد.. وباى ثمن.. حتى ولو كان الثمن هو غادة نفسها... انه يحبها هى.. غادة اعترفت لها بهذا ..وستعترف به مرة اخرى.. انها واثقة من هذا... الرجل عندما يحب ينسى كل شىء اخر.. ما عدا من يحب ...وبكل حماستها ارتدت افضل ثيابها.. وتانقت.. ووضعت زينتها وافضل عطورها... ثم ذهبت اليه مسلحة بفتنتها واغرءاتها ...كانت تعلم انه قد تعين معيدا فى كليتها... وربما هذا هو الامر الوحيد الذى تعلمه عنه... ولقد فوجىء احمد بمراها بحق.. فوجىء بها تدلف الى حجرة مكتبه.. ساحرة.. فاتنة.. اكثر جمالا الف مرة مما كانت عليه فى ايام الكلية... وقد قرات هى الانبهار فى عينيه.. وامتقاعه.. وارتجافة اصابعه وهو يصافحها.. وارتعادة صوته.. وهو يدعوها للجلوس... وادركت انها قد انتصرت.. صحيح انه قد ظل رصينا.. هادئا.. وقورا كعهدها به ..الا انها كانت واثقة من انتصارها الساحق فى معركة استعادته... وكم احبت وقاره ورصانته وهدوءه هذه المرة... كم عشقت فيه كل هذا... لقد بدا لها رجل ناضجا.. واثقا.. قويا ..على نحو داعب كل ذرة من كيانها وانوثتها.. باسلوب لم تعهده فى نفسها قط ...وفى طريق عودتها الى منزلها كان قلبها يرقص طربا بين ضلوعها... من الواضح انها تحبه منذ البداية.. بل تعشقه... ربما لم تدرك هذا قديما ..عندما كان ذهنها منشغلا بتفاهات... لم تعد تجذب ادنى اهتمام منها الان.. ولكنها نضجت.. وارتطمت بالحياة ..وتحطمت على صخرة الواقع.. والان تراه بصورة مختلفة تماما و..... قاطعها رنين جرس الباب.. فخفق معه قلبها.. واندفعت بتلقائية نحو الباب وفتحته و.... وتجمدت كل مشاعرها دفعة واحدة وهى تحدق فى تلك الفتاة التى تقف امامها...غادة.. كانت تطلع اليها بابتسامة هادئة.. واثقة.. وهى تقول : اهلا يامروة.. تصورت انك قد نسيتنا... اختنق صوتها فى حلقها بضع لحظات قبل ان تغمغم بصوت متحشرج : غادة ؟!..ما الذى.... قبل ان تتم عبارتها ازاحتها غادة جانبا وهى تدلف الى المكان قائلة : الم تدعيننى للدخول؟!... شعرت بتوتر لم يسبق له مثيل يسرى فى كيانها كله... فاستدارت الى حيث جلست غادة وقالت فى عصبية : ما سر هذه الزيارة المفاجئة بعد كل هذه السنوات ؟!...رفعت غادة احد حاجبيها وقالت : عجبا انه نفس السؤال الذى جئت اسالك اياه ...غمغمت مروة فى دهشة : نفس السؤال؟!... استدارت غادة بجسدها كله اليها قائلة فى صرامة : نعم يامروة نفس السؤال... ثم نهضت مستطردة فى حزم اكثر : احمد اخبرنى بكل شئ... ارتجفت كل ذرة فى كيان مروة وهى تردد : احمد؟!!... اومأت غادة برأسها ايجابا وهى تقول : نعم يامروة ..احمد الذى حاولت ان ترمى عليه شباكك اليوم بعد ان تخلى عنك وائل ...فى حالتها الطبيعية كانت مروة ستثور.. وتغضب.. وتحتد.. ولكن العجيب انها فى هذه اللحظه لم تنبس ببنت شفة... وهى تحدق فى وجه غادة التى تابعت : تصرف غير شريف يامروة ..وغير منطقى ايضا ..صحيح ان احمد كان غارقا فى حبك فيما مضى ..ولم يكن يشعر حتى بوجودى.. ولكن انت أهديته الى.. بغرورك وغطرستك وسخافتك وقصر نظرك... انتزعت مروة نفسها من حالتها هذه وهتفت فى حدة : اه.. تعترفين اذن انه حبيبى انا.. ابتسمت غادة وهى تهز نفسها قائلة : احمد لم يكن ابدا حبيبك يامروة.. ربما كنت انت حبيبته ذات يوم.. ولكنه حبيبى انا منذ الازل... توقفت والتقطت نفسا عميقا لتسيطر على مشاعرها قبل ان تتابع : لقد احبك انت وتمزق قلبى لهذا ..لاننى احبه واحبك.. وقررت ان اضحى بقلبى من اجلكما ..وكنت صادقة تماما فى هذا ..ولكنك كنت جافة قاسية وقحة مع احمد.. حتى اننى لم احتمل ما يصيبه على يديك ...والتقطت نفسا عميقا اخر.. ثم رفعت راسها فى اعتداد مكملة : وقررت ان امنحه حبى.. وحياتى كلها... قالت مروة فى غضب : تقصدين انك قررت سرقته منى... هزت غادة راسها نفيا وقالت : لا احد يسرق الحب يامروة.. الحب مثل زهرة جميلة يانعة.. اما ان نرويها بعواطفنا ومشاعرنا.. او تذبل و تموت.. ويمنحى عطرها من قلوبنا ...ثم مالت نحوها متابعة فى خفوت : انت اهملت زهرة حبك يامروة.. ومحوت عطرها كله.. اما انا فقد رويتها بكل كيانى وكل عواطفى ومشاعرى وحبى.. رويتها حتى ازهرت وفاحت بعطر اخر لا يمكن ان ينمحى منها ابدا ..عطر اقوى من كل عطر اخر فى الوجود ..وابقى من كل زهور الارض... واعتدلت وعيناها تتالقان مستطردة فى حزم وثقة : عطر دائم ..يربط بين قلبى.. وقلبه..قلب احمد... قالتها واتجهت وحدها الى الباب وغادرت المنزل كله بمنتهى الحزم والحسم.. تاركة مروة خلفها كزهرة ذابلة... فقدت كل عطرها... زهرة ادركت.. فى رمقها الاخير انها قد خسرت كل ما تمناه قلبها.. خسرت قلبه... الى الابد.
صباح الخير يا انسة مروة "... لم تكد مروة تسمع تلك العبارة الصباحية المعتادة... وهى تتجه نحو مدرج المحاضرات الرئيسى حتى زفرت فى شىء من التوتر ...وغمغمت دون ان تلتفت الى صاحبها : صباح الخير يا استاذ احمد... ضحكت زميلتها غادة ولكزتها بمرفقها خفية... وهى تهمس فى اذنها : استاذ احمد؟!... انك تتحدثين اليه باسلوب رسمى جدا... قالت فى حدة هامسة : هو ايضا يتعامل معى باسلوب رسمى جدا... انه الوحيد من زملاء الصف الذى يخاطبنى بلقب الانسة مروة هذا ...همست غادة : انه يحترمك جدا فى الواقع... توقفت مروة بغتة ...وارتفع صوتها دون ان تدرى... وهى تلتفت الى غادة هاتفة فى استنكار : يحترمنى؟!... التفت كل طلاب المدرج اليها فى دهشة وتساؤل... واحمر وجه غادة خجلا... وهى تهمس فى توتر : مروة ...تمالكى اعصابك... شعرت مروة بالحنق... لان اعصابها قد افلتت منها على هذا النحو السافر ...وانعقد حاجباها فى غضب حقيقى... وعندما رأت احمد يتطلع اليها فى قلق حائر ...فغمغمت فى توتر شديد: اريد ان الطمه على وجهه... فقالتها واتخذت مقعدها داخل المدرج ...وحافظت على انعقادة حاجبيها الغاضبة ...حتى انتهت المحاضرة... فاندفعت تسابق زملاءها للخروج ...عندما فوجئت به امامها... يسالها بكل قلق الدنيا : انسة مروة... أأنت بخير ؟!...وجدت نفسها تهتف فى وجهه بحدة : اتركنى وشانى... وساكون بخير حال... تراجع بدهشة مذعورة ...وهو يحدق فى وجهها بشىء من الارتياع... ضاعف من حنقها... فاندفعت مبتعدة عنه... وهى تهمهم بكلمات ساخطة ...فلحقت بها زميلتها غادة وهتفت لاهثة : لماذا فعلت ذلك ؟!... لقد احرجته امام الجميع ...قالت مروة فى حدة : انه يستحق هذا ...هتفت بها غادة : لماذا ؟!...توقفت دفعة واحدة... وازداد انعقاد حاجبيها... وعقلها يبحث عن الجواب فى اعماقها... نعم... لماذا ؟!...لماذا تضيق باهتمام احمد بها الى هذا الحد؟!... لماذا تحنقها ونثير سخطها ملاحقته لها؟!... انه شاب شديد التهذيب... ما من شك فى هذا ...شاب جاد ..رصين.. عاقل.. هادىء.. متزن ..وربما لهذا تضيق به... انه يبدو بالنسبة لها اشبه بصورة من منتصف القرن العشرين... تقحم نفسها عنوة فى عالم القرن الحادى والعشرين... لا يشبه ايا من زملائها الاخرين على الاطلاق..." ان شخصيته سخيفة" هتفت بالعبارة فى حنق شديد... جعل غادة تتطلع اليها فى دهشة قائلة : الى هذا الحد ؟!...جلست على احد مقاعد الفناء وقالت فى عصبية : انه شاب مختلف... ابتسمت غادة وهى تجلس الى جوارها قائلة : مروة ربما لا تميلين الى احمد ...ولكن لا داعى للتعنت بشانه... لوحت مروة بيدها قائلة فى حنق : هل رايت ما يرتديه؟! قميص ابيض وسروال اسود... تماما كابطال افلام الخمسينات... حتى تصفيفة شعره تقليدية جدا... انه لا يستمع الى الاغنيات الحديثة... ولا يشارك فى حفلات الكلية و....قاطعتها غادة ضاحكة : أهذا سبب ضيقك منه؟!... هتفت وقد احنقتها ضحكة صديقتها اكثر : الا تكفيك كل هذاه الاسباب؟!... هزت غادة راسها نفيا فى بطء... وقالت وهى تنهض : كلا.. لا تكفينى... عقدت مروة ساعديها امام صدرها هاتفة : هذا شانك... تنهدت غادة قائلة : بالتاكيد ...وصمتت لحظة وكانها تبحث عما تقول قبل ان تندفع قائلة : الواقع ان كل مايضايقك منه مجرد تفاهات... صدمتها الكلمة فغمغمت ذاهلة : تفاهات؟!... اجابتها غادة فى حزم : نعم.. تفاهات.. فموضة الثياب.. وتصفيفة الشعر.. كلها امور سخيفة لا يبالى بها الا فارغ العقل... قالت مروة فى حدة : الاهتمام بالمظهر ليس فراغ عقل... اجابتها فى حزم اكبر : بالتاكيد.. عندما لا يكون هو الاهتمام الرئيسى... حدقت فيها مروة لحظة قبل ان تبتسم فى خبث قائلة : اه.. فهمت... سالتها غادة فى عصبية : فهمت ماذا ؟!...اجابتها مروة بلهجة هجومية : انت تحبين احمد... كانت تتوقع ان يصدم هجومها غادة... وان تسارع هذه الاخيرة بانكار الامر واستنكاره... لذا فقد فاجأها ان اعتدلت غادة ومسحت شعرها بيدها فى حركة عصبية قبل ان تجيب فى حزم : نعم.. انا احبه... حدقت مروة فيها مرة اخرى قبل ان تقول فى لهجة حادة ...حملت نبرة غيرة واضحة : ولما لا تخبرينه بهذا؟!... اجابتها غادة قى اسى: لانه يحبك انت... رددت مروة وكأنما باغتها الامر : يحبنى انا؟!... أجابتها غادة بكل مرارة الدنيا وهى تمسح شعرها بيدها مرة اخرى : وماذا كنت تظنين؟!... نطقتها وانصرفت فى صمت تاركة مروة خلفها وعقلها يموج بلجة من الافكار... غادة تحبه.. نعم.. هذا هو التفسير الوحيد لحماستها الشديدة له... واهتمامها البالغ به... ولكنه لا يستحق.. من المؤكد انه لا يستحق... انه منفصل عن زمنه ...هذا رايها فيه ولن يتغير ابدا... لم يمض وقت طويل حتى طرحت الامر كله عن راسها... واسرعت تندمج مع شلتها المعتادة... وتتبادل مع شبانها وفتياتها احاديثهم التقليدية عن الموضة والاغنيات الجديدة واحدث السيارات ونغمات الهواتف المحمولة... ولم يشغلها الامر فى الايام التالية ايضا... كل ما لاحظته هو ان احمد لم يعد يقترب منها او يتحدث اليها او حتى يلقى عليها تحية الصباح كالمعتاد ...ولقد اراحها هذا كثيرا ...ومع مرور الوقت لاحظت تقاربه مع غادة وكثرة حديثهما وضحكاتهما... التى لم تلبث ان تحولت الى همسات باسمة فى فترات ما بين المحاضرات... ولقد ظل احمد كما هو... رصينا.. هادئا.. وقورا ..ومع نهاية سنوات الكلية... تحولت علاقة احمد وغادة الى رباط رسمى وثيق فى حفل هادىء بسيط ...سخرت منه مروة كثيرا... ووصفته بانه اشبه بجلسة توقيع معاهدة ديبلوماسية... ثم تفرقت بهم السبل... اربع سنوات كاملة بعد التخرج... لم تلتق خلالها مروة بزميلتها غادة او خطيبها احمد مرة واحدة... ولم تحاول حتى معرفة اخبارهما... وخلال تلك السنوات الاربع التقت بــ وائل... شاب وسيم.. بالغ الاناقة دوما.. يمتلك سيارة رياضية حمراء مبهرة.. ويحمل دوما اغلى الهواتف المحمولة واحدثها... ومع وائل قضت مروة احلى ايامها... وافضل سنواتها ..واسعد لحظاتها.. الا انه لم يتقدم لخطبتها ابدا... بل ولم يحاول حتى ان يفعل... فى البداية.. كانت كرامتها تمنعها من مفاتحته بالامر... الا ان شعورها بمضى العمر جعلها تتجاوز حاجز الكرامة هذا... وتساله مباشرة : وائل.. متى ستتقدم لخطبتى؟!... استدار اليها بعينيه العابثتين المستهترتين وهو يقول : خطبتك؟!.. من وضع فى راسك هذه الفكرة المضحكة ؟!...صعقها جوابه.. حتى انها قاومت دموعها فى صعوبة... وسيطرت على مشاعرها وصوتها بصعوبة... وهى تقول مستنكرة متالمة : خطبتك لى فكرة مضحكة ؟! ...لوح بيده قائلا فى سخرية : لك او لغيرك.. فكرة الخطبة والارتباط الابدى فى حد ذاتها فكرة مضحكة ..وسخيفة ايضا... الزواج نفسه نظام فاشل... يحرم الانسان من حريته وانطلاقه... ويسجنه داخل اسوار عالية من الالتزامات والمسئوليات والمعوقات... بدت لها مقاومة دموعها عسيرة ..وهى تقول بصوت مبحوح حاولت ان تحافظ فيه على بقايا كرامتها الجريحة : انها سنة الحياة ...هتف فى سخرية مستنكرة : اية سنة واية حياة ؟!... ثم مال نحوها وبدت عيناه عابثتين مستهترتين كعهدهما وهو يقول : الحياة نعيشها مرة واحدة... لنستمتع ونفرح ونمرح ...وليس لنخنق انفسنا بالزواج والارتباط... وجدت نفسها تبذل جهدا عنيفا هذه المرة... لتغمغم فى مرارة وبصوت بلغ انخفاضه حد الهمس خشية ان تنفجر معه مشاعرها ودموعها : لماذا كان ارتباطنا اذن؟! ...تراجع هاتفا فى حماسة : لنمرح ..ونلعب.. ونحب ..ونستمتع ..ثم غمز بعينه مضيفا فى سخرية : وليس لنتزوج... حاولت ان تعترض على منطقه المقلوب هذا ...حاولت ان تقول شيئا.. اى شئ ...ولكن دموعها ونزيف كرامتها وعواطفها وتلك الغصة المؤلمة فى حلقها... كلها منعتها من النطق بحرف واحد... فقط انسلخت من جواره... واسرعت الخطى مبتعدة ..ودموعها التى طالت حبستها تنفجر لتغرق وجهها كله.. وفى منزلها بكت.. وبكت.. وبكت... يالها من تجربة مريرة!... تجربة مزقت مشاعرها ..وجندلت كرامتها.. وسحقت كبرياءها.. بلا رحمة او هوادة... سنوات من عمرها اضاعتها مع تافه مستهتر.. عديم القيم.. لا يبالى بالعواطف او يحترم المشاعر ...هى منحته حبها وهو لم يمنحها سوى العذاب والخزى والهوان ...كل شىء فى اعماقها تمزق فى عنف وتوتر.. وضاع وغرق فى بئر من الضياع والمرارة ..كل شىء... ولايام وايام لم تستطع ابتلاع حزنها... لايام وايام لم يندمل ابدا جرحها ..ثم فجاة... وجدت نفسها تتذكر احمد... تتذكره برجولته ورصانته ووقاره الهادىء و.....وحبه ...كم تحتاج اليوم الى قلب كقلبه... الى رجل مثله ...لقد كانت غادة على حق... مثله فقط ..يمكن ان يمنح الفتاة ذلك الشعور بانوثتها... ودون وعى منها... راح احمد يحتل فى كل دقيقة تمضى مساحة اكبر من عقلها.. وقلبها.. ومشاعرها... ولم يمض يومان ..حتى ضبطت نفسها تسترجع كل لحظة معه ..حديثه الهادىء.. حبه الرصين.. مشاعره الغضة... وتحية الصباح التى كان يحرص على القائها عليها... والتى كانت تضجرها وتحنقها.. كم تمنت اليوم ان تسمعها منه... كم تمنت ان تراه ولو لحظة واحدة... ولكن فجاة.. اقتحمت ذاكرتها صورة انخلع لها قلبها... صورة تلك المشاعر التى ارتسمت على وجهه عندما صاحت فيه فى الكلية... وعادت تبكى.. وتبكى.. وتبكى... وفى الصباح التالى قررت ان تستعيد احمد.. وباى ثمن.. حتى ولو كان الثمن هو غادة نفسها... انه يحبها هى.. غادة اعترفت لها بهذا ..وستعترف به مرة اخرى.. انها واثقة من هذا... الرجل عندما يحب ينسى كل شىء اخر.. ما عدا من يحب ...وبكل حماستها ارتدت افضل ثيابها.. وتانقت.. ووضعت زينتها وافضل عطورها... ثم ذهبت اليه مسلحة بفتنتها واغرءاتها ...كانت تعلم انه قد تعين معيدا فى كليتها... وربما هذا هو الامر الوحيد الذى تعلمه عنه... ولقد فوجىء احمد بمراها بحق.. فوجىء بها تدلف الى حجرة مكتبه.. ساحرة.. فاتنة.. اكثر جمالا الف مرة مما كانت عليه فى ايام الكلية... وقد قرات هى الانبهار فى عينيه.. وامتقاعه.. وارتجافة اصابعه وهو يصافحها.. وارتعادة صوته.. وهو يدعوها للجلوس... وادركت انها قد انتصرت.. صحيح انه قد ظل رصينا.. هادئا.. وقورا كعهدها به ..الا انها كانت واثقة من انتصارها الساحق فى معركة استعادته... وكم احبت وقاره ورصانته وهدوءه هذه المرة... كم عشقت فيه كل هذا... لقد بدا لها رجل ناضجا.. واثقا.. قويا ..على نحو داعب كل ذرة من كيانها وانوثتها.. باسلوب لم تعهده فى نفسها قط ...وفى طريق عودتها الى منزلها كان قلبها يرقص طربا بين ضلوعها... من الواضح انها تحبه منذ البداية.. بل تعشقه... ربما لم تدرك هذا قديما ..عندما كان ذهنها منشغلا بتفاهات... لم تعد تجذب ادنى اهتمام منها الان.. ولكنها نضجت.. وارتطمت بالحياة ..وتحطمت على صخرة الواقع.. والان تراه بصورة مختلفة تماما و..... قاطعها رنين جرس الباب.. فخفق معه قلبها.. واندفعت بتلقائية نحو الباب وفتحته و.... وتجمدت كل مشاعرها دفعة واحدة وهى تحدق فى تلك الفتاة التى تقف امامها...غادة.. كانت تطلع اليها بابتسامة هادئة.. واثقة.. وهى تقول : اهلا يامروة.. تصورت انك قد نسيتنا... اختنق صوتها فى حلقها بضع لحظات قبل ان تغمغم بصوت متحشرج : غادة ؟!..ما الذى.... قبل ان تتم عبارتها ازاحتها غادة جانبا وهى تدلف الى المكان قائلة : الم تدعيننى للدخول؟!... شعرت بتوتر لم يسبق له مثيل يسرى فى كيانها كله... فاستدارت الى حيث جلست غادة وقالت فى عصبية : ما سر هذه الزيارة المفاجئة بعد كل هذه السنوات ؟!...رفعت غادة احد حاجبيها وقالت : عجبا انه نفس السؤال الذى جئت اسالك اياه ...غمغمت مروة فى دهشة : نفس السؤال؟!... استدارت غادة بجسدها كله اليها قائلة فى صرامة : نعم يامروة نفس السؤال... ثم نهضت مستطردة فى حزم اكثر : احمد اخبرنى بكل شئ... ارتجفت كل ذرة فى كيان مروة وهى تردد : احمد؟!!... اومأت غادة برأسها ايجابا وهى تقول : نعم يامروة ..احمد الذى حاولت ان ترمى عليه شباكك اليوم بعد ان تخلى عنك وائل ...فى حالتها الطبيعية كانت مروة ستثور.. وتغضب.. وتحتد.. ولكن العجيب انها فى هذه اللحظه لم تنبس ببنت شفة... وهى تحدق فى وجه غادة التى تابعت : تصرف غير شريف يامروة ..وغير منطقى ايضا ..صحيح ان احمد كان غارقا فى حبك فيما مضى ..ولم يكن يشعر حتى بوجودى.. ولكن انت أهديته الى.. بغرورك وغطرستك وسخافتك وقصر نظرك... انتزعت مروة نفسها من حالتها هذه وهتفت فى حدة : اه.. تعترفين اذن انه حبيبى انا.. ابتسمت غادة وهى تهز نفسها قائلة : احمد لم يكن ابدا حبيبك يامروة.. ربما كنت انت حبيبته ذات يوم.. ولكنه حبيبى انا منذ الازل... توقفت والتقطت نفسا عميقا لتسيطر على مشاعرها قبل ان تتابع : لقد احبك انت وتمزق قلبى لهذا ..لاننى احبه واحبك.. وقررت ان اضحى بقلبى من اجلكما ..وكنت صادقة تماما فى هذا ..ولكنك كنت جافة قاسية وقحة مع احمد.. حتى اننى لم احتمل ما يصيبه على يديك ...والتقطت نفسا عميقا اخر.. ثم رفعت راسها فى اعتداد مكملة : وقررت ان امنحه حبى.. وحياتى كلها... قالت مروة فى غضب : تقصدين انك قررت سرقته منى... هزت غادة راسها نفيا وقالت : لا احد يسرق الحب يامروة.. الحب مثل زهرة جميلة يانعة.. اما ان نرويها بعواطفنا ومشاعرنا.. او تذبل و تموت.. ويمنحى عطرها من قلوبنا ...ثم مالت نحوها متابعة فى خفوت : انت اهملت زهرة حبك يامروة.. ومحوت عطرها كله.. اما انا فقد رويتها بكل كيانى وكل عواطفى ومشاعرى وحبى.. رويتها حتى ازهرت وفاحت بعطر اخر لا يمكن ان ينمحى منها ابدا ..عطر اقوى من كل عطر اخر فى الوجود ..وابقى من كل زهور الارض... واعتدلت وعيناها تتالقان مستطردة فى حزم وثقة : عطر دائم ..يربط بين قلبى.. وقلبه..قلب احمد... قالتها واتجهت وحدها الى الباب وغادرت المنزل كله بمنتهى الحزم والحسم.. تاركة مروة خلفها كزهرة ذابلة... فقدت كل عطرها... زهرة ادركت.. فى رمقها الاخير انها قد خسرت كل ما تمناه قلبها.. خسرت قلبه... الى الابد.
Comment