الخوف هو الشعور بوجود خطر خارجي أو داخلي.
فالخوف يولّد انفعال عاطفي مقابل هذا الخطر.
هذا الخوف يجتاح الجسد بكليّته، فيتعّرق الإنسان ويجف لسانه.
ويشعر بضيق في التنفس وتسرّع في دقات القلب وشلل في الأرجل الخ. هناك أيضاً الخوف من «شيء، حيوان، إنسان...» والخوف على « وأخاف على أهلي، أخي، صديقي الخ».
فالخوف هو عبارة عن قلق انتقل من ساحة اللاوعي إلى الوعي وإذا تم كبته قد يصبح قلق.
بمعنى آخر الخوف هو قلق تحوّل إلى خوف من موضوع معيّن، بينما موضوع القلق يبقى مجهول.
القلق هو إذن شعور بالاضطراب أمام خطر داخلي مجهول. فجهل موضوع القلق يجعل كل من القلق وموضوعه أمر لا واعي. مثلا الإنسان المثالي يشعر بالقلق دون أن يعلم لماذا.
فالمثالي يكبت كل ما هو غير مثالي في داخله ويحاول أن يخرجه خارجاً عنه من هنا يأتي الصراع بين الوعي واللاوعي لدى الإنسان المثالي. والقلق كالخوف مرتبط أيضا ببوادر جسدية.
أحيانا هناك قلق ضمن الخوف.
مثلاً: أب يضرب زوجته ممّا فيولد خوف لدى الطفل أكبر من حجم الموضوع.
هنا يلد لدى الطفل خوف من قتل الأم من قبل الأب، ولكن تُكبت هذه الفكرة المخيفة.
ويولد لديه في نفس الوقت رغبة في قتل الأب ولكن هذه الفكرة تعتبر مخيفة أيضاً بالنسبة للطفل فيكبتها. بالمقابل يخاف الطفل من ردة فعل الأب عليه في حال حاول قتل الأب فيحدث هنا أيضا كبت ثالث. وفي حال لسبب ما شعر الطفل أمام هذا الأمر بالذنب فيتمنى أن يكون مكان الأم وهنا أيضا لدينا كبت رابع. هذا الكبت المتعدد يزيد من شدة وقوة القلق.
أنواع الخوف: هناك خوف من شخص معين وهناك خوف من الجماعة وهناك خوف من الذات.
الخوف من شخص: مثلا هناك من يخاف من الله لأنه تربى على الخوف منه: «الله بيقتلك، بيزعل منك بيقطع لسانك الخ».
للأسف كثيرا ما نستعمل الله لكي نخيف الآخرين ونسيطر عليهم خاصة الأطفال.
وهناك خوف من الرجل لدى الفتاة وبشكل خاص على الصعيد الجنسي.
بالمقابل وخلافا لما نعتقد هناك العديد من الرجال الذين يخافون من المرأة، ويخجلون منها بالإضافة إلى الخوف من الجنس.
الخوف من الجماعة أو المجتمع: هناك ما يمكن أن نسميه بعين الجماعة التي تراقب « تصرفاتنا» ونخاف منها.
هذا الأمر نعيشه بشكل لاواع. أن لا نكون على مستوى ما تتوقعه منّا هذه العين، خاصة عندما نكون في حالة ضعف مثلاً أو فشل أو فقر أو نقص ما.
من هنا يأتي الخوف من نظرة وحكم الآخرين علينا.
ولكن وراء هذا الخوف هناك خوف أعمق: الخوف من أن نجد أنفسنا وحيدين وقد تخلى عنّا الآخرون، فيتولد شعور بالعزلة والظلم وبالتالي خوف من الموت.
هناك خمسة مواقف ممكنة أمام هذا الخوف:
1- شعور بأننا خسرنا كل شيء ممّا يؤدي إلى عدوانية عامة ضد الآخرين.
2- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيداً.
فالنتيجة شعور بالكآبة، شعور بالحزن وفي الحالات المرضية قد يؤدي إلى الانتحار.
3- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيدين. هنا نعيش نوع من التراجع باتجاه الطفولة: نمرض لجذب اهتمام الآخرين بنا. أو دخول في « الكنيسة، الحياة الرهبانية» والتي ترمز إلى حضن الأم، حيث لا وجود للنقص بتاتاً، أو إقامة علاقات جنسية متكررة وعابرة دون إمكانية التسلط عليها ....».
4- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيدين. إذن سنقوم بالمستحيل لكي نرضي الآخرين. فنتكيف معهم ومع مطالب المجتمع ونصبح في تساؤل شبه مستمر حول إمكانية الخروج من الخطأ.
هذه الأنواع الأربعة ممكن أن نصفها على أنها خوف على الذات من الآخرين أو من المجتمع.
5- بسبب التربية وفي مرحلة تعليم القيم الأخلاقية والدينية للطفل تصبح «عين المجتمع» داخلية، جزء من كياننا (لاوعي) وبالتالي نحكم على ذاتنا بشكل قاس، نحتقر ذاتنا وهذا يولد لدينا خوف وقلق كبيرين جدا لأنه لم يبق شيء.
الخوف والقلق كعنصر طبيعي: أثناء مسيرة نموه ينتقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى. وكل انتقال يتطلب التخلي عن المرحلة السابقة لكي يتم الدخول بالمرحلة القادمة. هذا الانتقال وذاك التخلي هو مصدر قلق لدى الطفل: قلق التخلي. ثم هناك أنواع أخرى من القلق الطبيعي وهي:
قلق الحمل: هل سيولد الطفل طبيعي أم مشوّه، هل سيكون جميلاً أم لا، قلق الولادة، قلق الثدي: أكل الأم، الأم تحاول أكل الابن.
هذا نراه في الحكايات الشعبية حيث يتم التحدث عن الذئب الذي يأكل الطفل؛ قلق غياب الأم لفترة طويلة إلى حد ما، قلق الظلام، قلق الفطام، قلق الخصاء، قلق من الأنا العليا أي من المقاييس الاجتماعية: إذا قدمت هذه المقاييس بشكل قاس فإنه سيصبح قاس جدا مع ذاته خاصة في حالات الفشل.
خوف من العبور إذن ولهذا السبب على الأهل أن يبينوا للطفل بأن العبور من مرحلة إلى أخرى هو أمر جيد جيدا : الفطام نُفهم الطفل بأنه قد أصبح كبيراً وقادراً على أن يأكل كالكبار مثلاً؛ المشي: لم تعد بحاجة إلى الإنسان البالغ لكي تتنقل من مكان إلى آخر، إنك أصبحت مستقلاً لكن هناك خوف من الاستقلالية في بعض الحالات.
فإذا كانت الأم لا تشجع الاستقلالية سيخاف الطفل منها خوفا على مشاعر الأم.
إذا كان العبور جيد فالقلق يكون طبيعي وإيجابي وبالتالي خلاّق. من هنا تتأتي أهمية التربية السليمة.
التربية الغير سليمة: التربية في مجتمعنا غير سليمة بشكل عام لأنها لا تشجع على الاستقلالية وبالتالي تولد الخوف والقلق. مثال: أب ينتظر من الابن أن يكون مثالياً ممّا يولد الخوف لديه من الأهل، خوف من عدم تحقيق أماني الأهل، خوف أمام المجتمع الذي يمثل إن صح التعبير الأهل. هنا التربية اجتماعية أكثر من أن تكون نفسية. في هذه الحالة الخوف متبادل بين الأب وابنه: الأب يريد أن يغنج ابنه لكي لا يشعر بالنقص: أنا سأعطيه وسأؤمن له كل ما يريده.
بالمقابل الابن يحاول أن يكون مثالي ويرضي الأب وهذا يولد قلق كبير لدى الطفل. ليس المهم كيف سيكون هذا الطفل، بل المهم من سيكون هذا الطفل.
المهم أن لا يكون مجرد انعكاس للأب ولهذا السبب على الأب أن يحترم خصوصية الابن، وإلا سيكون هذا الأخير قاس جدا مع ذاته وسيسعى بشتى الوسائل لإرضاء الأهل والله. هذا الموقف لا يخلو من العدوانية لدى الطفل اتجاه أهله ويعيش خوفاً من هذه العدوانية. لذلك يسعى لمراعاتهم وتحقيق إرادتهم والحصول عللا رضاهم.
ولكن لا يمكن للابن أن يستمر في هذه المثالية القاتلة فالأساليب التربوية غير السليمة تركز كثيرا على التأنيب والتذنيب: «أنا زعلان منك، أنا كتير كويس معك وأنت بالعكس، ضيعان ماربينا الخ..» كلها تولد شعور بالذنب قد يكون قاتل.
«أنا زعلان منك وإنشاء الله بيصير لي شيء من وراك».
والمشكلة الكبرة والخطيرة جداً هي في حال حدث شيء ما من هذا النوع (موت الأب مثلا ).
الولد يشعر بعدوانية اتجاه الأهل بسبب شعوره بالظلم ولكنه يخاف من ردة فعل الأب فيتولد لديه ما نسميه بالخوف من الخصي أو عقدة الخصي.
كما أن الخوف من عدوانية الطفل اتجاه الأب تولد لدى الطفل الشعور بالذنب: «البابا كتير منيح معي...» هذا الخوف المكبوت والقلق على صعيد الوعي يؤدي إلى شيء من المثالية :« سأكون كما تريد يا أبي»، فالمثالية في أغلب الأحيان هي عبارة عن ستار للخوف والقلق.
أو فجأة يتحول الولد إلى ولد كسول. فالكسل هو عدوانية ضد الأهل، عقاب للأهل، لكن في النهاية يعاقب ذاته من حيث لا يدري.
هذا الأمر قد يصل إلى حلقة مفرغة تؤدي إلى المرض أو الجنون لدى كل من الأب والابن. قد نقول بأن هذه التربية قديمة ولكننا ننسى بأننا نستعملها نحن أيضا مع بعضنا البعض: مثلا «أنا زعلان منك». بهذه الجملة أستعمل الآخر الذي لا يريد أو لا يناسبه أن أكون زعلان منه وكل استعمال للآخر هو بطريقة أو بأخرى قتل له.
أما ردة الفعل السليمة فهي أن أقول «اتركه يزعل شو بدي أعمله» إنما في أغلب الأحيان أخاف أن يحصل له شيء. أحيانا أمام هذه الجملة أخاف من ردة فعلي: «خلي يموت»، هذا يؤدي إلى خوف وكبت وبالتالي إلى القلق. خوف من شيء أحبه، خوف من رغبتي في قتل الأب، خوف من عدوانيتي فأسعى لإرضائه قائلا أنني أحبه كثيرا .
عندما يقول لي الآخر «أنا زعلان منك» أسعى لإرضائه خوفا من شعوره بالعزلة، هذا الشعور يذكرني بذاتي مع شعوري بأنني إنسان متروك.
فأرى نفسي به. مثلا : فتاة مبسوطة من الشاب الذي يهتم بها ثم تغار من عمله. ولكن لديها خوف من أن يتركها وخوف من تركها له لأنه سيصبح متروك وترى ذاتها به.
لذلك لديها خوف كبير فتعيش بالتالي علاقة تملكية معه.
علاقة ثنائية كما هي الحال بين الطفل والأم.
الخوف والعدوانية: الخوف يأتي من الخطر والخطر من العدوانية: عدوانيتي وعدوانية الآخر. فما العمل؟ عدوانيتي : أشعر بعدوانية فأعبر عنها، هذه الحالة سليمة تماما. ولكن بشكل عام أنا أحوّل هذه العدوانية باتجاه شخص آخر باتجاه الأب باتجاه الأم أو باتجاه الزوجة الخ أو إلى حيوان.
مثل: شخص لديه عدوانية ضد الأب فيحولها ضد الحصان.
ما ذا يحصل عندما تكبت العدوانية؟ قد تتوجه إلى الذات أو قد تتوجه، بالطبع بشكل لاواع، إلى الخارج مثل القاضي، الشرطي الخ أو تبقى مكبوتة.
مثل: عدوانية ضد الأب مقابلها عدوانية من الأب باتجاه الابن مما هذا الموقف يولد حب مبالغ باتجاه الأب، وهذه المبالغة هي بمثابة تعويض ولكنها تولد في نفس الوقت قلق قهري لأنني أخاف من أن تكشف الحقيقة. أو أضع هذه العدوانية بالآخر: أسقط عدوانيتي على الأب. فأدخل في حلقة مفرغة وصعبة على النحو التالي: اسقط عدوانيتي على الأب فيصبح هذا الأخير بنظري، عدواني ضدي دون أن تُلغى عدوانيتي ضده بالإضافة إلى عدوانيتي ضد الأب في الأب ضدي. هذا يتحول إلى مرض اتجاه عدوانيتي في الآخر ضدي أر رعب ضد الآخر الذي وضعت عدوانيتي فيه.
خوفي من عدوانية الآخر: أمام هذا الخوف من عدوانية الآخر قد أهرب منه وأعبر عنها. أو أخاف منها وأسقطها على موضوع آخر: الحصان.
الخوف المرضي: الرهاب.، الرعب.( Phobie).
الرهاب هو خوف شديد غير منطقي وقهري من شخص معين أو من شيء ما. واقترابي منه يولد لدي خوف شديد لا سيطرة لي عليه. أرتعب من لمس الآخر لي مثلا. أرتعب أذا قبلني (الأم وبنتها). وغالبا أمام الحيوان ومن الظلام. فما هو السبب؟ هذه الظاهرة تشير إلى وجود أزمة داخلية، شعور عدواني خطر، كالجنس أو غيره.... فأرمي هذه المشاعر إلى الخارج لكي أرتاح، لأن التهديد الداخلي يبقى مجهول وبالتالي مخيف أكثر. أما الخوف من الشارع، من الحيوان مثلا، فيمكن السيطرة عليه بسهولة أكثر أقله عن طريق تفادي وجوده. بهذه الطريقة يصبح الخوف موضوعي أكثر؛ وبتحديد الموضوع يتحول من قلق إلى خوف أقله ظاهريا.
مثل: شاب عدواني ضد الأب مقابل خوف الابن من الخصاء (ضرب، تعذيب..). فيسقط عدوانيته ضد الأب على الحصان. فيصبح الخوف، خوف من عدوانية الأب ومن عدوانيته ضد الأب فينتهي بالخوف من أن الحصان سيعضه، تعبير رمزي عن الخصاء، فيتجنب الحصان الذي يشعر أمامه بالرعب. لماذا هذه الشدة في الرعب؟ لأن الأب لا يمكن أن يكون أبا، فإسقاط الأمر على الحصان يعطي راحة أكبر من عدوانية الأب ضد ابنه.
مثل: هانس الصغير(حالة تكلم عنها فرويد) يخاف من الشارع خوفا من الحصان. يسقط عدوانتيه على الأب فتصبح عدوانية الأب مضاعفة. على صعيد الوعي هناك خوف شديد من عدوانية الأب. أما على صعيد اللاوعي فالخوف الشديد هو من عدوانيته هو (الابن). فيتم اسقاط الاثنين معا على الحصان الذي يمثل الأب والابن من هنا تأتي شدة الرعب.
مثال: فتاة تخاف من الشارع خوفاً من شعورها بنزوات جنسية فتأخذ معها ابنها أو ابنتها الخ.. تخاف من مشاعرها الجنسية ولكنها تكبتها لأنها ممنوعة أخلاقياً، وسيئة النتائج (ايدز الخ). الأنا العليا تقول بأن الشارع ممنوع إذن هناك خوف من الشارع وبالتالي وجود شخص آخر إلى جانبها يعطيها ضمان. أو تسقط هذا الخوف على حيوان ما بدلاً من الشارع.
مثال: شخص متزوج وزوجته تسافر لأسباب ما وهو يذهب إلى بيت أخيه من أجل ابنه الصغير. هذا الرجل يميل إلى زوجة أخيه ولكنه يكبت هذه الفكرة لأنه يرفضها تماما. وبما أن الولد هو السبب في ذلك فيتولد لديه خوف من ابنه وبالتالي خوف من الغريب ليصل إلى الخوف من كل شيء. فيسقط رغباته الجنسية على ابنه فيخاف من الابن لأنه يعيش قبلة الابن له على أنها قبلة زوجة أخيه له.
الأب رامي الياس اليسوعي
فالخوف يولّد انفعال عاطفي مقابل هذا الخطر.
هذا الخوف يجتاح الجسد بكليّته، فيتعّرق الإنسان ويجف لسانه.
ويشعر بضيق في التنفس وتسرّع في دقات القلب وشلل في الأرجل الخ. هناك أيضاً الخوف من «شيء، حيوان، إنسان...» والخوف على « وأخاف على أهلي، أخي، صديقي الخ».
فالخوف هو عبارة عن قلق انتقل من ساحة اللاوعي إلى الوعي وإذا تم كبته قد يصبح قلق.
بمعنى آخر الخوف هو قلق تحوّل إلى خوف من موضوع معيّن، بينما موضوع القلق يبقى مجهول.
القلق هو إذن شعور بالاضطراب أمام خطر داخلي مجهول. فجهل موضوع القلق يجعل كل من القلق وموضوعه أمر لا واعي. مثلا الإنسان المثالي يشعر بالقلق دون أن يعلم لماذا.
فالمثالي يكبت كل ما هو غير مثالي في داخله ويحاول أن يخرجه خارجاً عنه من هنا يأتي الصراع بين الوعي واللاوعي لدى الإنسان المثالي. والقلق كالخوف مرتبط أيضا ببوادر جسدية.
أحيانا هناك قلق ضمن الخوف.
مثلاً: أب يضرب زوجته ممّا فيولد خوف لدى الطفل أكبر من حجم الموضوع.
هنا يلد لدى الطفل خوف من قتل الأم من قبل الأب، ولكن تُكبت هذه الفكرة المخيفة.
ويولد لديه في نفس الوقت رغبة في قتل الأب ولكن هذه الفكرة تعتبر مخيفة أيضاً بالنسبة للطفل فيكبتها. بالمقابل يخاف الطفل من ردة فعل الأب عليه في حال حاول قتل الأب فيحدث هنا أيضا كبت ثالث. وفي حال لسبب ما شعر الطفل أمام هذا الأمر بالذنب فيتمنى أن يكون مكان الأم وهنا أيضا لدينا كبت رابع. هذا الكبت المتعدد يزيد من شدة وقوة القلق.
أنواع الخوف: هناك خوف من شخص معين وهناك خوف من الجماعة وهناك خوف من الذات.
الخوف من شخص: مثلا هناك من يخاف من الله لأنه تربى على الخوف منه: «الله بيقتلك، بيزعل منك بيقطع لسانك الخ».
للأسف كثيرا ما نستعمل الله لكي نخيف الآخرين ونسيطر عليهم خاصة الأطفال.
وهناك خوف من الرجل لدى الفتاة وبشكل خاص على الصعيد الجنسي.
بالمقابل وخلافا لما نعتقد هناك العديد من الرجال الذين يخافون من المرأة، ويخجلون منها بالإضافة إلى الخوف من الجنس.
الخوف من الجماعة أو المجتمع: هناك ما يمكن أن نسميه بعين الجماعة التي تراقب « تصرفاتنا» ونخاف منها.
هذا الأمر نعيشه بشكل لاواع. أن لا نكون على مستوى ما تتوقعه منّا هذه العين، خاصة عندما نكون في حالة ضعف مثلاً أو فشل أو فقر أو نقص ما.
من هنا يأتي الخوف من نظرة وحكم الآخرين علينا.
ولكن وراء هذا الخوف هناك خوف أعمق: الخوف من أن نجد أنفسنا وحيدين وقد تخلى عنّا الآخرون، فيتولد شعور بالعزلة والظلم وبالتالي خوف من الموت.
هناك خمسة مواقف ممكنة أمام هذا الخوف:
1- شعور بأننا خسرنا كل شيء ممّا يؤدي إلى عدوانية عامة ضد الآخرين.
2- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيداً.
فالنتيجة شعور بالكآبة، شعور بالحزن وفي الحالات المرضية قد يؤدي إلى الانتحار.
3- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيدين. هنا نعيش نوع من التراجع باتجاه الطفولة: نمرض لجذب اهتمام الآخرين بنا. أو دخول في « الكنيسة، الحياة الرهبانية» والتي ترمز إلى حضن الأم، حيث لا وجود للنقص بتاتاً، أو إقامة علاقات جنسية متكررة وعابرة دون إمكانية التسلط عليها ....».
4- شعور بأن الآخرين تخلوا عنّا، تركونا وحيدين. إذن سنقوم بالمستحيل لكي نرضي الآخرين. فنتكيف معهم ومع مطالب المجتمع ونصبح في تساؤل شبه مستمر حول إمكانية الخروج من الخطأ.
هذه الأنواع الأربعة ممكن أن نصفها على أنها خوف على الذات من الآخرين أو من المجتمع.
5- بسبب التربية وفي مرحلة تعليم القيم الأخلاقية والدينية للطفل تصبح «عين المجتمع» داخلية، جزء من كياننا (لاوعي) وبالتالي نحكم على ذاتنا بشكل قاس، نحتقر ذاتنا وهذا يولد لدينا خوف وقلق كبيرين جدا لأنه لم يبق شيء.
الخوف والقلق كعنصر طبيعي: أثناء مسيرة نموه ينتقل الإنسان من مرحلة إلى أخرى. وكل انتقال يتطلب التخلي عن المرحلة السابقة لكي يتم الدخول بالمرحلة القادمة. هذا الانتقال وذاك التخلي هو مصدر قلق لدى الطفل: قلق التخلي. ثم هناك أنواع أخرى من القلق الطبيعي وهي:
قلق الحمل: هل سيولد الطفل طبيعي أم مشوّه، هل سيكون جميلاً أم لا، قلق الولادة، قلق الثدي: أكل الأم، الأم تحاول أكل الابن.
هذا نراه في الحكايات الشعبية حيث يتم التحدث عن الذئب الذي يأكل الطفل؛ قلق غياب الأم لفترة طويلة إلى حد ما، قلق الظلام، قلق الفطام، قلق الخصاء، قلق من الأنا العليا أي من المقاييس الاجتماعية: إذا قدمت هذه المقاييس بشكل قاس فإنه سيصبح قاس جدا مع ذاته خاصة في حالات الفشل.
خوف من العبور إذن ولهذا السبب على الأهل أن يبينوا للطفل بأن العبور من مرحلة إلى أخرى هو أمر جيد جيدا : الفطام نُفهم الطفل بأنه قد أصبح كبيراً وقادراً على أن يأكل كالكبار مثلاً؛ المشي: لم تعد بحاجة إلى الإنسان البالغ لكي تتنقل من مكان إلى آخر، إنك أصبحت مستقلاً لكن هناك خوف من الاستقلالية في بعض الحالات.
فإذا كانت الأم لا تشجع الاستقلالية سيخاف الطفل منها خوفا على مشاعر الأم.
إذا كان العبور جيد فالقلق يكون طبيعي وإيجابي وبالتالي خلاّق. من هنا تتأتي أهمية التربية السليمة.
التربية الغير سليمة: التربية في مجتمعنا غير سليمة بشكل عام لأنها لا تشجع على الاستقلالية وبالتالي تولد الخوف والقلق. مثال: أب ينتظر من الابن أن يكون مثالياً ممّا يولد الخوف لديه من الأهل، خوف من عدم تحقيق أماني الأهل، خوف أمام المجتمع الذي يمثل إن صح التعبير الأهل. هنا التربية اجتماعية أكثر من أن تكون نفسية. في هذه الحالة الخوف متبادل بين الأب وابنه: الأب يريد أن يغنج ابنه لكي لا يشعر بالنقص: أنا سأعطيه وسأؤمن له كل ما يريده.
بالمقابل الابن يحاول أن يكون مثالي ويرضي الأب وهذا يولد قلق كبير لدى الطفل. ليس المهم كيف سيكون هذا الطفل، بل المهم من سيكون هذا الطفل.
المهم أن لا يكون مجرد انعكاس للأب ولهذا السبب على الأب أن يحترم خصوصية الابن، وإلا سيكون هذا الأخير قاس جدا مع ذاته وسيسعى بشتى الوسائل لإرضاء الأهل والله. هذا الموقف لا يخلو من العدوانية لدى الطفل اتجاه أهله ويعيش خوفاً من هذه العدوانية. لذلك يسعى لمراعاتهم وتحقيق إرادتهم والحصول عللا رضاهم.
ولكن لا يمكن للابن أن يستمر في هذه المثالية القاتلة فالأساليب التربوية غير السليمة تركز كثيرا على التأنيب والتذنيب: «أنا زعلان منك، أنا كتير كويس معك وأنت بالعكس، ضيعان ماربينا الخ..» كلها تولد شعور بالذنب قد يكون قاتل.
«أنا زعلان منك وإنشاء الله بيصير لي شيء من وراك».
والمشكلة الكبرة والخطيرة جداً هي في حال حدث شيء ما من هذا النوع (موت الأب مثلا ).
الولد يشعر بعدوانية اتجاه الأهل بسبب شعوره بالظلم ولكنه يخاف من ردة فعل الأب فيتولد لديه ما نسميه بالخوف من الخصي أو عقدة الخصي.
كما أن الخوف من عدوانية الطفل اتجاه الأب تولد لدى الطفل الشعور بالذنب: «البابا كتير منيح معي...» هذا الخوف المكبوت والقلق على صعيد الوعي يؤدي إلى شيء من المثالية :« سأكون كما تريد يا أبي»، فالمثالية في أغلب الأحيان هي عبارة عن ستار للخوف والقلق.
أو فجأة يتحول الولد إلى ولد كسول. فالكسل هو عدوانية ضد الأهل، عقاب للأهل، لكن في النهاية يعاقب ذاته من حيث لا يدري.
هذا الأمر قد يصل إلى حلقة مفرغة تؤدي إلى المرض أو الجنون لدى كل من الأب والابن. قد نقول بأن هذه التربية قديمة ولكننا ننسى بأننا نستعملها نحن أيضا مع بعضنا البعض: مثلا «أنا زعلان منك». بهذه الجملة أستعمل الآخر الذي لا يريد أو لا يناسبه أن أكون زعلان منه وكل استعمال للآخر هو بطريقة أو بأخرى قتل له.
أما ردة الفعل السليمة فهي أن أقول «اتركه يزعل شو بدي أعمله» إنما في أغلب الأحيان أخاف أن يحصل له شيء. أحيانا أمام هذه الجملة أخاف من ردة فعلي: «خلي يموت»، هذا يؤدي إلى خوف وكبت وبالتالي إلى القلق. خوف من شيء أحبه، خوف من رغبتي في قتل الأب، خوف من عدوانيتي فأسعى لإرضائه قائلا أنني أحبه كثيرا .
عندما يقول لي الآخر «أنا زعلان منك» أسعى لإرضائه خوفا من شعوره بالعزلة، هذا الشعور يذكرني بذاتي مع شعوري بأنني إنسان متروك.
فأرى نفسي به. مثلا : فتاة مبسوطة من الشاب الذي يهتم بها ثم تغار من عمله. ولكن لديها خوف من أن يتركها وخوف من تركها له لأنه سيصبح متروك وترى ذاتها به.
لذلك لديها خوف كبير فتعيش بالتالي علاقة تملكية معه.
علاقة ثنائية كما هي الحال بين الطفل والأم.
الخوف والعدوانية: الخوف يأتي من الخطر والخطر من العدوانية: عدوانيتي وعدوانية الآخر. فما العمل؟ عدوانيتي : أشعر بعدوانية فأعبر عنها، هذه الحالة سليمة تماما. ولكن بشكل عام أنا أحوّل هذه العدوانية باتجاه شخص آخر باتجاه الأب باتجاه الأم أو باتجاه الزوجة الخ أو إلى حيوان.
مثل: شخص لديه عدوانية ضد الأب فيحولها ضد الحصان.
ما ذا يحصل عندما تكبت العدوانية؟ قد تتوجه إلى الذات أو قد تتوجه، بالطبع بشكل لاواع، إلى الخارج مثل القاضي، الشرطي الخ أو تبقى مكبوتة.
مثل: عدوانية ضد الأب مقابلها عدوانية من الأب باتجاه الابن مما هذا الموقف يولد حب مبالغ باتجاه الأب، وهذه المبالغة هي بمثابة تعويض ولكنها تولد في نفس الوقت قلق قهري لأنني أخاف من أن تكشف الحقيقة. أو أضع هذه العدوانية بالآخر: أسقط عدوانيتي على الأب. فأدخل في حلقة مفرغة وصعبة على النحو التالي: اسقط عدوانيتي على الأب فيصبح هذا الأخير بنظري، عدواني ضدي دون أن تُلغى عدوانيتي ضده بالإضافة إلى عدوانيتي ضد الأب في الأب ضدي. هذا يتحول إلى مرض اتجاه عدوانيتي في الآخر ضدي أر رعب ضد الآخر الذي وضعت عدوانيتي فيه.
خوفي من عدوانية الآخر: أمام هذا الخوف من عدوانية الآخر قد أهرب منه وأعبر عنها. أو أخاف منها وأسقطها على موضوع آخر: الحصان.
الخوف المرضي: الرهاب.، الرعب.( Phobie).
الرهاب هو خوف شديد غير منطقي وقهري من شخص معين أو من شيء ما. واقترابي منه يولد لدي خوف شديد لا سيطرة لي عليه. أرتعب من لمس الآخر لي مثلا. أرتعب أذا قبلني (الأم وبنتها). وغالبا أمام الحيوان ومن الظلام. فما هو السبب؟ هذه الظاهرة تشير إلى وجود أزمة داخلية، شعور عدواني خطر، كالجنس أو غيره.... فأرمي هذه المشاعر إلى الخارج لكي أرتاح، لأن التهديد الداخلي يبقى مجهول وبالتالي مخيف أكثر. أما الخوف من الشارع، من الحيوان مثلا، فيمكن السيطرة عليه بسهولة أكثر أقله عن طريق تفادي وجوده. بهذه الطريقة يصبح الخوف موضوعي أكثر؛ وبتحديد الموضوع يتحول من قلق إلى خوف أقله ظاهريا.
مثل: شاب عدواني ضد الأب مقابل خوف الابن من الخصاء (ضرب، تعذيب..). فيسقط عدوانيته ضد الأب على الحصان. فيصبح الخوف، خوف من عدوانية الأب ومن عدوانيته ضد الأب فينتهي بالخوف من أن الحصان سيعضه، تعبير رمزي عن الخصاء، فيتجنب الحصان الذي يشعر أمامه بالرعب. لماذا هذه الشدة في الرعب؟ لأن الأب لا يمكن أن يكون أبا، فإسقاط الأمر على الحصان يعطي راحة أكبر من عدوانية الأب ضد ابنه.
مثل: هانس الصغير(حالة تكلم عنها فرويد) يخاف من الشارع خوفا من الحصان. يسقط عدوانتيه على الأب فتصبح عدوانية الأب مضاعفة. على صعيد الوعي هناك خوف شديد من عدوانية الأب. أما على صعيد اللاوعي فالخوف الشديد هو من عدوانيته هو (الابن). فيتم اسقاط الاثنين معا على الحصان الذي يمثل الأب والابن من هنا تأتي شدة الرعب.
مثال: فتاة تخاف من الشارع خوفاً من شعورها بنزوات جنسية فتأخذ معها ابنها أو ابنتها الخ.. تخاف من مشاعرها الجنسية ولكنها تكبتها لأنها ممنوعة أخلاقياً، وسيئة النتائج (ايدز الخ). الأنا العليا تقول بأن الشارع ممنوع إذن هناك خوف من الشارع وبالتالي وجود شخص آخر إلى جانبها يعطيها ضمان. أو تسقط هذا الخوف على حيوان ما بدلاً من الشارع.
مثال: شخص متزوج وزوجته تسافر لأسباب ما وهو يذهب إلى بيت أخيه من أجل ابنه الصغير. هذا الرجل يميل إلى زوجة أخيه ولكنه يكبت هذه الفكرة لأنه يرفضها تماما. وبما أن الولد هو السبب في ذلك فيتولد لديه خوف من ابنه وبالتالي خوف من الغريب ليصل إلى الخوف من كل شيء. فيسقط رغباته الجنسية على ابنه فيخاف من الابن لأنه يعيش قبلة الابن له على أنها قبلة زوجة أخيه له.
الأب رامي الياس اليسوعي
Comment