أصدقائي قرأت هذه المقالة و أعجبتني و أحببت أن نتشارك معاً بالفائدة.
صدى الصوت:
مصطلح ومفهوم شخصي أصف به عقلية موجودة لدى كثير منا في تعاملهم مع الكلمات والمفردات من حولهم، بمختلف المستويات ومرات التكرار، وأضع هنا سؤالا تمهيدا للفكرة: هل سبق وجلست بين أناس في حوار عام وشعرت بأنك لا تفهمهم أو لا تنتمي لعالمهم؟ فإن كان لديك صوت فلا يعني ذلك أنك ضمن دوائر صداه، فما هو صدى الصوت؟
صوت الصدى
قبل أن نتحدث عن “صدى الصوت” دعونا نتساءل: أيهما كان أولاً في عالمنا الشخصي وحياة كل منا: الصوت أم الصدى؟ وهل كان صوتنا أم صوت غيرنا؟ فهل نسميه حينها صوتا أم صدى؟ قد يقاطع البعض هذا التساؤل بسؤال مباشر: هل فكرته محمودة أم مذمومة؟ وهل يعنيني معرفته وقبل كل ذلك هل هو فيَّ؟
ولعل بالمثال يتضح المقال: ألا ترى من حولك شخصين يبدوان متفاهمين ومنسجمين ويتحدثان بنفس الكلمات والأفكار طالت علاقتهما أو قصرت، ثم يجدان بعد قليل من النقاش والتعمق في الأفكار أنهما مختلفان وأن ترديد أحدهما لكلام الآخر لم يعدُ كونه صوتا وصدى!
وكي أكون صادقا فإن أصل المفهوم نشأ لوصف صورة غير حميدة في المجتمع، لأناس شكل لهم صدى الصوت مانعا عن فهم الأشياء من حيثياتها ومنطقها، وحاجزا لآذانهم عن فهم الكلام وفحصه والتدقيق فيه، لسان حالهم ومقالهم: خذ الأشياء هكذا كما هي. وحين تسأل: كيف؟ لماذا؟ ما المعنى والمقصود؟ أو على أي أساس كانت؟ تكون الإجابة فراغا كبيرا وإن حوى صوتا.
مراحل متقدمة
ودع كل صوتٍ غيرَ صوتي فإنني ...... أنا الطائر المحكي والآخر الصدى
المتنبي
قد يعجب الإنسان بكلامه، وبنات أفكاره، فيبني بها وعليها، ويقبع فيها ويتبناها، فيحكي عنها دوما، وهناك من يردد كلماته حتما، فيعلو صدى الصوت حتى يظن هو ومن حوله أنهم غالبية سائدة وذلك لأنهم وببساطة لا يسمعون سوى أنفسهم. فمن هنا ترسخت أصواتهم في خيالهم وعشعشت في مخيلتهم، حتى بنت أسوارا ووظفت حُجّابا عليها، كل تلك القيود والموانع عن سماع الآخرين والانفتاح لم تكن إلا في عقولهم، أولئك الذين يتيهون في حلقات مفرغة من صدى الصوت، يضعون على آذانهم سدادات من مسبق الفهم وخيال الوهم. فهل ينطبق عليهم قول المتنبي: لكل امرئٍ من دهره ما تعودا!.
بعض أولاء لا يدرك أن ما يقوله سيلقى قبولا ويلقي تأثيره على من حوله، فيتجاذب كلماتهم أناس وينجذب إلى دائرتهم أشخاص، كيف لا والإنسان اجتماعي بفطرته، لذلك لا يريد الكثير أن يبقى خارج دائرة الصدى التي تناسبه، وكي يبدو من أهلها فعليه إجادة المحاكاة والترديد، سبب آخر لهذا الانجذاب هو عدم تفعيل أدوات التمييز لدى كل منهم عقلا وقلبا وذوقا، فهل هو الكسل والهروب من التفكير السليم، أم هو فكر وطبع سقيم، وهنا أقول: إن لفظ الفكرة الخاطئة أصعب من رفضها.
أطوار كاملة
هناك من يصنع دائرة الصدى، يملؤها ويحشوها ثم يصنع أخرى ليبقى في ريادة السبق، إن كانت دوائر سيئة فهذا خطر، وإن كانت نتاج فكر وعلم وأدب فهذا المسير والأثر، وعلامة التمييز بين الحالين واضحة جلية:
•فالأول:
يحرص على أن تبقى الدائرة منغلقة على من فيها، مغلقة على من هم خارجها، كي تبقى تدور وتدور حول نفسها، فلا يأتي الفطن النبيه ويميز لهم الصوت من الصدى، أو يأتي من على شاكلته فيأخذ دفة القيادة عنه. وأما انفتاح من فيها -إن تنبهوا يوما- فهو انفتاح على دائرة صدى أخرى، وانغلاق عن عوالم أوسع وأوسع.
•والثاني: يبحث عمن يباريه لا مجرد أن يجاريه، من يزيده بحثا وفهما، من يشحذ همته ويرفع وتيرته صدقا وسبقا، أمثال هؤلاء لا تعنيهم دائرة واسمها بل معناها وفحواها، الحكمة ضالتهم، والمعرفة مبتاغهم.
لك أن تتأمل في ثلاث مشاهد:
1.الحلقة المفرغة:
من يعيد كلامه وعباراته ويرددها سنوات وسنوات دون تغيير أو تطوير، وكأنه يدور حول نفسه، حتى لا يعرف من أين ابتدأ وإلى أين سينتهي.
2.العلم والمعرفة:
قال الحافظ السيوطي عن شيخه الإمام الكافيجي 879هـ : لزمته 14 سنة، فما جئت من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك.
لنا أن نتخيل رجلا لا يعيد أفكاره ومعلوماته المعرفية، بشهادة تلميذه الحافظ المتبحر في العلوم، وبين من يكرر ذات العنوان والمضمون طوال السنون. من أين إلى أين!
3.الصدى والمدى:
حين يحكم أشخاص على أشخاص آخرين أو أشياء، ويتخذون مواقفا بناء على الأصداء، وهم لم يسمعوا الصوت مباشرة من مصدره، وحين تسأل: هل سمعته قالها؟ فتكون الإجابة: لا ولكن هذه الحقيقة المعلومة للكل!!
ومشهد مشابه: حين يقولون إن شخصا ما قال كلاما نصه كذا وكذا، فتتعجب وتطلب التأكد من النص، فيقولون لك ما قالوه آنفا. وحين تصر على البحث والتدقيق، تجد ما قاله مختلفا تماما عما نقلوه. فأين الصوت وأين صداه، وأين تشكلت رؤياهم في عقولهم أم في الخيال.
صدى الخيال.. خيال الصوت
هل تساءلت يوما عن الحوار الذي يدور بين ذاتك ونفسك، أهو صوت أم صدى؟ خيال أم واقع ملموس؟ ماذا عن حين نسترجع أصوات من عرفناهم وحواراتهم معنا، وأحيانا نبتكر حوارات جديدة والأغرب ابتكار شخصيات جديدة بأصوات متوافقة معها، ولكن الأعجب هو أثر هذا الحوار متعة وألما، فرحا وحزنا على أنفسنا، فأين الصوت وأين الصدى؟
لذلك من غابوا عنا وفقدناهم لم نعدمهم، فهم في كوامننا يستثير وجودهم ويستعيد حواراتهم مواقف وأصوات شبيهة بهم، وربما من هنا يهيج البعض نوح الحمام، وصوت المطر والرعد، وخرير الماء، أو كلمات وعبارات، ونغمة أصوات ونبرتها.
“صدى الصوت” نراه وندركه بيننا في المنزل والأسرة، في العمل والمجتمع، بمختلف أحواله سلبا وإيجابا، عوالم مغلقة أو منغلقة، قد نصنعها لنختبئ فيها، وربما نختبئ فيها لتصنعنا، إدراكنا الواعي لها يدفعنا نحو الانفتاح والإنصات، لمعرفة الأشياء كما هي من حيث هي، أمرٌ عزيز شأنه قليل أصحابه، بدايته وقفة صادقة للمراجعة والبحث، حتى نصل لصوت سمعناه يوما ما، و لعل مبتدأ هذا البحث ذات الإنسان.
وهنا أقتبس عبارة لجلال الدين الرومي: أصغ السمع قليلا.. هل تسمع تلاطم الأمواج بداخلك !
الكاتب: محمد السقاف
أتمنى أن تعم الفائدة على الجميع
صدى الصوت:
مصطلح ومفهوم شخصي أصف به عقلية موجودة لدى كثير منا في تعاملهم مع الكلمات والمفردات من حولهم، بمختلف المستويات ومرات التكرار، وأضع هنا سؤالا تمهيدا للفكرة: هل سبق وجلست بين أناس في حوار عام وشعرت بأنك لا تفهمهم أو لا تنتمي لعالمهم؟ فإن كان لديك صوت فلا يعني ذلك أنك ضمن دوائر صداه، فما هو صدى الصوت؟
صوت الصدى
قبل أن نتحدث عن “صدى الصوت” دعونا نتساءل: أيهما كان أولاً في عالمنا الشخصي وحياة كل منا: الصوت أم الصدى؟ وهل كان صوتنا أم صوت غيرنا؟ فهل نسميه حينها صوتا أم صدى؟ قد يقاطع البعض هذا التساؤل بسؤال مباشر: هل فكرته محمودة أم مذمومة؟ وهل يعنيني معرفته وقبل كل ذلك هل هو فيَّ؟
ولعل بالمثال يتضح المقال: ألا ترى من حولك شخصين يبدوان متفاهمين ومنسجمين ويتحدثان بنفس الكلمات والأفكار طالت علاقتهما أو قصرت، ثم يجدان بعد قليل من النقاش والتعمق في الأفكار أنهما مختلفان وأن ترديد أحدهما لكلام الآخر لم يعدُ كونه صوتا وصدى!
وكي أكون صادقا فإن أصل المفهوم نشأ لوصف صورة غير حميدة في المجتمع، لأناس شكل لهم صدى الصوت مانعا عن فهم الأشياء من حيثياتها ومنطقها، وحاجزا لآذانهم عن فهم الكلام وفحصه والتدقيق فيه، لسان حالهم ومقالهم: خذ الأشياء هكذا كما هي. وحين تسأل: كيف؟ لماذا؟ ما المعنى والمقصود؟ أو على أي أساس كانت؟ تكون الإجابة فراغا كبيرا وإن حوى صوتا.
مراحل متقدمة
ودع كل صوتٍ غيرَ صوتي فإنني ...... أنا الطائر المحكي والآخر الصدى
المتنبي
قد يعجب الإنسان بكلامه، وبنات أفكاره، فيبني بها وعليها، ويقبع فيها ويتبناها، فيحكي عنها دوما، وهناك من يردد كلماته حتما، فيعلو صدى الصوت حتى يظن هو ومن حوله أنهم غالبية سائدة وذلك لأنهم وببساطة لا يسمعون سوى أنفسهم. فمن هنا ترسخت أصواتهم في خيالهم وعشعشت في مخيلتهم، حتى بنت أسوارا ووظفت حُجّابا عليها، كل تلك القيود والموانع عن سماع الآخرين والانفتاح لم تكن إلا في عقولهم، أولئك الذين يتيهون في حلقات مفرغة من صدى الصوت، يضعون على آذانهم سدادات من مسبق الفهم وخيال الوهم. فهل ينطبق عليهم قول المتنبي: لكل امرئٍ من دهره ما تعودا!.
بعض أولاء لا يدرك أن ما يقوله سيلقى قبولا ويلقي تأثيره على من حوله، فيتجاذب كلماتهم أناس وينجذب إلى دائرتهم أشخاص، كيف لا والإنسان اجتماعي بفطرته، لذلك لا يريد الكثير أن يبقى خارج دائرة الصدى التي تناسبه، وكي يبدو من أهلها فعليه إجادة المحاكاة والترديد، سبب آخر لهذا الانجذاب هو عدم تفعيل أدوات التمييز لدى كل منهم عقلا وقلبا وذوقا، فهل هو الكسل والهروب من التفكير السليم، أم هو فكر وطبع سقيم، وهنا أقول: إن لفظ الفكرة الخاطئة أصعب من رفضها.
أطوار كاملة
هناك من يصنع دائرة الصدى، يملؤها ويحشوها ثم يصنع أخرى ليبقى في ريادة السبق، إن كانت دوائر سيئة فهذا خطر، وإن كانت نتاج فكر وعلم وأدب فهذا المسير والأثر، وعلامة التمييز بين الحالين واضحة جلية:
•فالأول:
يحرص على أن تبقى الدائرة منغلقة على من فيها، مغلقة على من هم خارجها، كي تبقى تدور وتدور حول نفسها، فلا يأتي الفطن النبيه ويميز لهم الصوت من الصدى، أو يأتي من على شاكلته فيأخذ دفة القيادة عنه. وأما انفتاح من فيها -إن تنبهوا يوما- فهو انفتاح على دائرة صدى أخرى، وانغلاق عن عوالم أوسع وأوسع.
•والثاني: يبحث عمن يباريه لا مجرد أن يجاريه، من يزيده بحثا وفهما، من يشحذ همته ويرفع وتيرته صدقا وسبقا، أمثال هؤلاء لا تعنيهم دائرة واسمها بل معناها وفحواها، الحكمة ضالتهم، والمعرفة مبتاغهم.
لك أن تتأمل في ثلاث مشاهد:
1.الحلقة المفرغة:
من يعيد كلامه وعباراته ويرددها سنوات وسنوات دون تغيير أو تطوير، وكأنه يدور حول نفسه، حتى لا يعرف من أين ابتدأ وإلى أين سينتهي.
2.العلم والمعرفة:
قال الحافظ السيوطي عن شيخه الإمام الكافيجي 879هـ : لزمته 14 سنة، فما جئت من مرة إلا وسمعت منه من التحقيقات والعجائب ما لم أسمعه قبل ذلك.
لنا أن نتخيل رجلا لا يعيد أفكاره ومعلوماته المعرفية، بشهادة تلميذه الحافظ المتبحر في العلوم، وبين من يكرر ذات العنوان والمضمون طوال السنون. من أين إلى أين!
3.الصدى والمدى:
حين يحكم أشخاص على أشخاص آخرين أو أشياء، ويتخذون مواقفا بناء على الأصداء، وهم لم يسمعوا الصوت مباشرة من مصدره، وحين تسأل: هل سمعته قالها؟ فتكون الإجابة: لا ولكن هذه الحقيقة المعلومة للكل!!
ومشهد مشابه: حين يقولون إن شخصا ما قال كلاما نصه كذا وكذا، فتتعجب وتطلب التأكد من النص، فيقولون لك ما قالوه آنفا. وحين تصر على البحث والتدقيق، تجد ما قاله مختلفا تماما عما نقلوه. فأين الصوت وأين صداه، وأين تشكلت رؤياهم في عقولهم أم في الخيال.
صدى الخيال.. خيال الصوت
هل تساءلت يوما عن الحوار الذي يدور بين ذاتك ونفسك، أهو صوت أم صدى؟ خيال أم واقع ملموس؟ ماذا عن حين نسترجع أصوات من عرفناهم وحواراتهم معنا، وأحيانا نبتكر حوارات جديدة والأغرب ابتكار شخصيات جديدة بأصوات متوافقة معها، ولكن الأعجب هو أثر هذا الحوار متعة وألما، فرحا وحزنا على أنفسنا، فأين الصوت وأين الصدى؟
لذلك من غابوا عنا وفقدناهم لم نعدمهم، فهم في كوامننا يستثير وجودهم ويستعيد حواراتهم مواقف وأصوات شبيهة بهم، وربما من هنا يهيج البعض نوح الحمام، وصوت المطر والرعد، وخرير الماء، أو كلمات وعبارات، ونغمة أصوات ونبرتها.
“صدى الصوت” نراه وندركه بيننا في المنزل والأسرة، في العمل والمجتمع، بمختلف أحواله سلبا وإيجابا، عوالم مغلقة أو منغلقة، قد نصنعها لنختبئ فيها، وربما نختبئ فيها لتصنعنا، إدراكنا الواعي لها يدفعنا نحو الانفتاح والإنصات، لمعرفة الأشياء كما هي من حيث هي، أمرٌ عزيز شأنه قليل أصحابه، بدايته وقفة صادقة للمراجعة والبحث، حتى نصل لصوت سمعناه يوما ما، و لعل مبتدأ هذا البحث ذات الإنسان.
وهنا أقتبس عبارة لجلال الدين الرومي: أصغ السمع قليلا.. هل تسمع تلاطم الأمواج بداخلك !
الكاتب: محمد السقاف
أتمنى أن تعم الفائدة على الجميع
Comment