"العلاقة الحقيقة مع الآخر".. محاضرة للأب فرانس فاندرلخت اليسوعي
بقلم: عبير كلش
بقلم: عبير كلش
قُدّمت هذه المحاضرة مساء الأربعاء 19 تشرين الثاني 2008 ضمن البرنامج الثقافي لكنيسة القديسة تريزيا
العلاقة الحقيقيّة هي علاقة ديناميكية أي علاقة فيها مسيرة من الغير صحيح إلى الصحيح, ربما قد لا نصل للصحيح ولكن هنالك جدلية بين الصحة وعدم الصحة على أمل الوصول إلى الصحيح.
ولكن إذا أردنا التحدث عن العلاقة المثالية فسوف نطرح بعض الأسئلة:
كيف يمكنني أن انتقل من علاقة مثالية (وهي في الحقيقة علاقة غير موجودة فلا وجود للمثالي) إلى علاقة واقعية؟
كيف أستطيع أن أكتشف خطئي؟
إن لم اكتشف الخطأ فلا يوجد علاقة حقيقة؟
ما هو موقفي من الخطأ في حال اكتشافه، وهل يوجد قبول لهذا الخطأ أم لا؟ وهل سيولِّد ذاك الاكتشاف والقبول مسيرة أم لا؟
أولاً، نستطيع القول أن الشخص المثالي هو شخص مولع بنفسه كثيراً وغارق بها، مثل قصة نرجس الذي من كثرة إعجابه بنفسه نراه لا يشبع من النظر إلى صورته على سطح الماء حتى يكاد يقع في هذه البحيرة غارقاً بها.. وهذا الشخص يشبه الفريسي الذي تحدث عنه المسيح في الإنجيل في مثل الفريسي والعشار حيث أن هذا الفريسي نراه من خلال صلاته يتكلم فقط مع نفسه وعن نفسه، فالآخر غائب في هذه العلاقة سواء كان هذا الآخر هو القريب أو الله نفسه.
شخص كهذا كيف نستطيع أن نساعده على الخروج من حالته و ما الذي ينقصه حتى يكشف عن ضعفه و يتخلى عن مثاليته ؟؟؟
ما نستطيع قوله هو الحاجة إلى الحب, والرحمة باسم هذا الحب. هنا يجب أن نميز بين الرحمة والشفقة. فأنا حين أشفق على شخص ما، لا أرى إلا نقصه وألمه، ولكن لا أراه كآخر؛ هنا لا وجود للحب إنما مجرد شفقة فقط, أما حين أرحم الآخر فلأني أحبه وأراه كآخر، فيه ضعف وقوة، ولكن حبي له يجعلني أرى الضعف، وأتقبله وأسامحه عليه بحب, هذا هو الحب الرحيم.
الشخص المثالي، ربما هو شخص يعيش منذ طفولته حالة من الخوف, خوف من أن يخطئ حتى لا تنكسر هذه الصورة المثالية التي يحيط بها نفسه أو التي ألبسه إياها أهله ومجتمعه، إذاَ، برأيه لا يجب أن يخطئ حتى يبقى محبوباً، لذلك فشخص كهذا عاش في طفولته حالة من عدم التسامح مع الذات والأخطاء، بل على العكس عاش حالة خوف وعدم رحمة وبالتالي نقص في الحب.
وهو بذلك شخص بأمس الحاجة إلى حب رحيم يستوعبه ويساعده على اكتشاف مثاليته وخطئه ضمن جو من الحب والرحمة التي تساعده على الإحساس أنه سوف يبقى محبوبا بالرغم من أخطائه.
الفريسي مثلا في الإنجيل عاش في محيط مثالي, طبعاً لا يوجد شخص مثالي، ففي هذه الحالة هو يعيش حالة من كبت عدم المثالي في داخله.. أين سيذهب هذا المكبوت؟.. عندها لا طريق للمتنفس إلا أن يقوم بإسقاط هذا المكبوت على الآخرين، فيرى نفسه الشخص الجيد فقط وكل من هم حوله خاطئين وأشرار. فهو في هذه الحالة يُسقط الشر الموجود داخله على الآخرين، ربما هو شخص خاطئ وشرير ولكن مثاليته، في اللاوعي طبعاً، تأبى الاعتراف بهذه الحقيقة! هكذا يتم كبت هذه الأمور وإسقاطها على الآخرين من حوله، فيحتقر نفسه في الآخر, إنه في الحقيقة لا يرى الآخر، فالآخر غير موجود في حياته، الأنا المثالي هو الموجود فقط. تبدأ مسيرته من التماهي في الأنا المثالي، ثم كبت ما هو غير مثالي وإسقاط هذا المكبوت على الآخر.
شخص كهذا كيف نستطيع التعامل معه إذا قابلناه؟ وماذا نفعل معه فهو لا يعرف ماذا يتصرف؟.. كيف نساعده ونريه أنه يكذب على نفسه ويسقط كبته على الآخرين؟.. إذا تصرفنا معه بعنف ورفضنا مثاليته، فهو بذلك يعود إلى نفسه الضعيفة والمرفوضة من قبل الناس، لأنه في نظره إذا لم يكن شخصاً مثالياً يكون مرفوضاً.
إذا في تعاملنا مع شخص كهذا لا يحب أن نبدأ بالمهاجمة الفورية والحكم عليه لأننا عندها لا نستطيع إن نضعه في موضع التساؤل.. إذا كيف أتصرف؟
يجب أن يكون هناك حب لواقعه ورحمة لأخطائه لأن هذا ما كان ينقصه في طفولته التي كانت تتطلب منه المثالية مع رفض لأخطائه إذا فهو بحاجة ملحة إلى حب ورحمة.
في كل علاقة حقيقة من الضروري الخروج من المثاليات ووضع النفس موضع التساؤل واكتشاف وجود خطأ ولكن ماذا نفعل بهذا الخطأ وخاصة إن "الأنا المثالي" هو أنا قاسي مع النقص فإذا بدون رحمة وحب فهذا الخطأ عقيم.
اكتشفت خطئي واكتشفت وجود رحمة وحب من الآخر لي ( أنت خاطئ لا مشكلة ولكن مع ذلك لديك ما هو جميل وأنا احبك لأجله، ولأن محبوب كما أنت.... ) .
الأنا الإلهي يحبك بكل ما فيك ويرحمك بضعفك وخطئك ولكن باسم الحب، فالإنسان لا يستطيع أن يتخطى خطأه إذا لم يعرف أن لديه ما هو جميل في حياته إذا فاكتشاف الحب الرحيم مهم جدا ً للخروج من الخطأ، وهنا نصل في نص الإنجيل إلى العشار. وهي مرحلة من العلاقة كان من الممكن إن يقوم بها الفريسي إذا أراد أن يدخل في علاقة ديناميكية حقيقة.
يوجد بعض الناس يعترف بخطئه ولكن ليس ببساطة مثل العشار ... ما هو مطلوب من هذا الإنسان هو الانفتاح على الآخر واستقبال الحب الرحيم حتى يستطيع الانطلاق من جديد.
في كرسي الاعتراف مثلا، ليس فقط المطلوب مني أن أبوح بأخطائي، ولكن الأهم هو الانفتاح على الحب الذي يتقبل هذه الأخطاء وهذا الضعف.
فالفريسي ليس لديه علاقة مع الآخر ولا مع الله يوجد فقط أنا مثالية وخوف من عدم المثالية..
أما العشار فيقول: "ارحمني يا الله أنا الخاطئ".. فهو إذا يخرج من خطئه بقوله "ارحمني"، وهي كلمة غنية، خاصة في اللغة العربية أكثر من باقي اللغات, أي أدخلني في رحمة رحمك حتى أولد من جديد، ويذوب خطئي في هذه الرحم وأولد من جديد. إذاً، حب برحمة لهذا الخاطئ (أحبك وأرحمك بخطئك..)
الفريسي يستطيع أن يولد من جديد للعلاقة (ارحمني....) , العشار لديه علاقة مع رحمة وحب الله. يوجد ولادة جديدة عند الاعتراف بالخطأ , وقد وجد العشار الرحمة التي تستوعبه.
ولكن ما العمل إن ظهر الخطأ المكبوت في الشخص المثالي؟.. كيف يتم التصالح مع الذات؟ الشخص المثالي أصلا ليس لديه ذات، أي لا يوجد اهتمام بقيمة الذات، وبالتالي فلا يوجد ثقة بالنفس, فكيف يستطيع هذا الشخص أن يجد قيمة لذاته؟
يحس الشخص بقيمته عندما يحس أن كلامه مهم.. الإنسان يحب أن يجد من يصغي إلى كلامه حتى يحس بقيمته.. من المهم أن يتكلم هذا الشخص ليعبر عن ذاته وأن يجد أحداً يصغي له، هذا ما يجعله يحس بقيمته. والاهم هو أن هذا الشخص يجب أن يبدأ بالولادة من جديد اعتباراً من واقعه وحاضره الخاص فيه، عندها يبدأ بالإصغاء. فهو لا يحس بقيمته فقط عندما يصغي احد ما إلى كلامه، بل يجب أن يتعلم كيف يصمت ويصغي إلى كلام الآخر, ويمكن أن يكون الآخر هو الله، عندها يحس بقيمته، ويكتشف أن الروح موجود فيه ويختبر اللقاء روحي، ربما لم يكن قد وجده من قبل، لأن المثاليات التي كان يعيش فيها تقتل الروح فهي لا تهتم بالروحانيات إنما فقط بالمثاليات الاجتماعية. هنا تبدأ علاقة روحية جديدة, ولكن يجب أن أولد من جديد ليس بالكلام والإصغاء وحسب بل بالعمل.
هذا مهمٌّ أيضاً في الحياة الزوجية إذ هي ليست فقط حياة مثالية، لأنًّ الحياة المثالية لا حياة فيها!.. الحياة الحقيقية تبدأ عندما أستطيع العيش مع الآخر ومن دون الآخر أيضا على حدّ سواء. فلا يجب أن يصل مدى تعلقي بالآخر إلى الحد الذي يجعلني أذوب فيه وألغي شخصيتي, فأنا لدي شخصية مستقلة وأستطيع العيش من دون الآخر حتى لو كنت أحبه.
يجب على المرأة، في الزواج مثلا، أن تكون كيانا مستقلاً، وأن تهتم بنفسها، وليس فقط بزوجها، لأن اهتمامها المفرط بزوجها، ربما على حساب نفسها أحيانا، سيجعله يشعر بالمثالية الموجودة فيها وهذا ما سيجعله يهرب إلى امرأة أكثر واقعية يشعر معها بالحياة لأن المثالية تقتل الحياة .
يجب على المرأة والرجل أن يبني كل منهما كيانا مستقلا لنفسه, ويحاول أن ينمي ما هو موجود داخله حتى يحس بقيمته، ومن خلال ذلك يشعر الآخر بهذه القيمة, ولا يشعر فقط أن أمامه كيان منصهر فيه، فالكيان المنصهر الذائب في الآخر يجعل هذا الآخر ينفر من الحب، فكيف سأحب شخصاً ذائباً لا كيان له؟!...
إذا عندما أقدم للآخر شيئا ما من عملي فهذه ولادة جديدة في حياة الشخص، فمن الممكن عندها أن يقول الرجل إن امرأتي غنية ولديها ما تقدمه لي فهي إذا جديرة بالحب أكثر، لأنها منطلقة وجذابة، لأنها تعيش من ذاتها ومن قيمتها، فيجب أن تحافظ المرأة وكذلك الرجل على ذاتهما بعد الزواج لضمان استمرار الحب والعلاقة الديناميكية.
العلاقة الحقيقيّة تفهم الآخر: أنا استطيع العيش مع هذا الآخر بدون أن أمتلكه، وأستطيع، بالتالي، العيش بدونه.. لي كيان مستقل وليس لدي رغبة في التملك، حتى ولا في الفكر والمخيلة، إذ أمتلكه الآخر بتفكيري المستمر فيه خوفا من أن أفقده فأفقد بذلك ذاتي المنصهرة فيه، فلا أرى نفسي إلا من خلاله، ما يجعله أحياناً يهرب من هذه الحب المتملك.
عندما يستقبل الإنسان الرحمة حقّاً يتغير. فما من أحد يستطيع أن يلمس الحب الإلهي مثلاً بدون أن يلمسه من الداخل ويساهم فيه على التغيير كردة فعل على عمق و صدق هذه الحب، كما حصل مع زكا العشار فهو لم يتغير إلا عندما أحس بحب المسيح له، وعندما أحس هذا الحب من خلال زيارة المسيح له في بيته رغم احتمال تذمر الناس من هذه الزيارة، دخل الحب قلبه، فقرر التغيير، وعندها أخرج النقود من جيبه ووعد بالإصلاح.
المثالية لا يجب أن تقتل الواقعية إنما يجب أن أنطلق من واقعي ولكن بحثاً عن حياة أكثر مثالية.
نقلاُ عن موقع كنيسة القديسة تيريزيا بحلب
ولكن إذا أردنا التحدث عن العلاقة المثالية فسوف نطرح بعض الأسئلة:
كيف يمكنني أن انتقل من علاقة مثالية (وهي في الحقيقة علاقة غير موجودة فلا وجود للمثالي) إلى علاقة واقعية؟
كيف أستطيع أن أكتشف خطئي؟
إن لم اكتشف الخطأ فلا يوجد علاقة حقيقة؟
ما هو موقفي من الخطأ في حال اكتشافه، وهل يوجد قبول لهذا الخطأ أم لا؟ وهل سيولِّد ذاك الاكتشاف والقبول مسيرة أم لا؟
أولاً، نستطيع القول أن الشخص المثالي هو شخص مولع بنفسه كثيراً وغارق بها، مثل قصة نرجس الذي من كثرة إعجابه بنفسه نراه لا يشبع من النظر إلى صورته على سطح الماء حتى يكاد يقع في هذه البحيرة غارقاً بها.. وهذا الشخص يشبه الفريسي الذي تحدث عنه المسيح في الإنجيل في مثل الفريسي والعشار حيث أن هذا الفريسي نراه من خلال صلاته يتكلم فقط مع نفسه وعن نفسه، فالآخر غائب في هذه العلاقة سواء كان هذا الآخر هو القريب أو الله نفسه.
شخص كهذا كيف نستطيع أن نساعده على الخروج من حالته و ما الذي ينقصه حتى يكشف عن ضعفه و يتخلى عن مثاليته ؟؟؟
ما نستطيع قوله هو الحاجة إلى الحب, والرحمة باسم هذا الحب. هنا يجب أن نميز بين الرحمة والشفقة. فأنا حين أشفق على شخص ما، لا أرى إلا نقصه وألمه، ولكن لا أراه كآخر؛ هنا لا وجود للحب إنما مجرد شفقة فقط, أما حين أرحم الآخر فلأني أحبه وأراه كآخر، فيه ضعف وقوة، ولكن حبي له يجعلني أرى الضعف، وأتقبله وأسامحه عليه بحب, هذا هو الحب الرحيم.
الشخص المثالي، ربما هو شخص يعيش منذ طفولته حالة من الخوف, خوف من أن يخطئ حتى لا تنكسر هذه الصورة المثالية التي يحيط بها نفسه أو التي ألبسه إياها أهله ومجتمعه، إذاَ، برأيه لا يجب أن يخطئ حتى يبقى محبوباً، لذلك فشخص كهذا عاش في طفولته حالة من عدم التسامح مع الذات والأخطاء، بل على العكس عاش حالة خوف وعدم رحمة وبالتالي نقص في الحب.
وهو بذلك شخص بأمس الحاجة إلى حب رحيم يستوعبه ويساعده على اكتشاف مثاليته وخطئه ضمن جو من الحب والرحمة التي تساعده على الإحساس أنه سوف يبقى محبوبا بالرغم من أخطائه.
الفريسي مثلا في الإنجيل عاش في محيط مثالي, طبعاً لا يوجد شخص مثالي، ففي هذه الحالة هو يعيش حالة من كبت عدم المثالي في داخله.. أين سيذهب هذا المكبوت؟.. عندها لا طريق للمتنفس إلا أن يقوم بإسقاط هذا المكبوت على الآخرين، فيرى نفسه الشخص الجيد فقط وكل من هم حوله خاطئين وأشرار. فهو في هذه الحالة يُسقط الشر الموجود داخله على الآخرين، ربما هو شخص خاطئ وشرير ولكن مثاليته، في اللاوعي طبعاً، تأبى الاعتراف بهذه الحقيقة! هكذا يتم كبت هذه الأمور وإسقاطها على الآخرين من حوله، فيحتقر نفسه في الآخر, إنه في الحقيقة لا يرى الآخر، فالآخر غير موجود في حياته، الأنا المثالي هو الموجود فقط. تبدأ مسيرته من التماهي في الأنا المثالي، ثم كبت ما هو غير مثالي وإسقاط هذا المكبوت على الآخر.
شخص كهذا كيف نستطيع التعامل معه إذا قابلناه؟ وماذا نفعل معه فهو لا يعرف ماذا يتصرف؟.. كيف نساعده ونريه أنه يكذب على نفسه ويسقط كبته على الآخرين؟.. إذا تصرفنا معه بعنف ورفضنا مثاليته، فهو بذلك يعود إلى نفسه الضعيفة والمرفوضة من قبل الناس، لأنه في نظره إذا لم يكن شخصاً مثالياً يكون مرفوضاً.
إذا في تعاملنا مع شخص كهذا لا يحب أن نبدأ بالمهاجمة الفورية والحكم عليه لأننا عندها لا نستطيع إن نضعه في موضع التساؤل.. إذا كيف أتصرف؟
يجب أن يكون هناك حب لواقعه ورحمة لأخطائه لأن هذا ما كان ينقصه في طفولته التي كانت تتطلب منه المثالية مع رفض لأخطائه إذا فهو بحاجة ملحة إلى حب ورحمة.
في كل علاقة حقيقة من الضروري الخروج من المثاليات ووضع النفس موضع التساؤل واكتشاف وجود خطأ ولكن ماذا نفعل بهذا الخطأ وخاصة إن "الأنا المثالي" هو أنا قاسي مع النقص فإذا بدون رحمة وحب فهذا الخطأ عقيم.
اكتشفت خطئي واكتشفت وجود رحمة وحب من الآخر لي ( أنت خاطئ لا مشكلة ولكن مع ذلك لديك ما هو جميل وأنا احبك لأجله، ولأن محبوب كما أنت.... ) .
الأنا الإلهي يحبك بكل ما فيك ويرحمك بضعفك وخطئك ولكن باسم الحب، فالإنسان لا يستطيع أن يتخطى خطأه إذا لم يعرف أن لديه ما هو جميل في حياته إذا فاكتشاف الحب الرحيم مهم جدا ً للخروج من الخطأ، وهنا نصل في نص الإنجيل إلى العشار. وهي مرحلة من العلاقة كان من الممكن إن يقوم بها الفريسي إذا أراد أن يدخل في علاقة ديناميكية حقيقة.
يوجد بعض الناس يعترف بخطئه ولكن ليس ببساطة مثل العشار ... ما هو مطلوب من هذا الإنسان هو الانفتاح على الآخر واستقبال الحب الرحيم حتى يستطيع الانطلاق من جديد.
في كرسي الاعتراف مثلا، ليس فقط المطلوب مني أن أبوح بأخطائي، ولكن الأهم هو الانفتاح على الحب الذي يتقبل هذه الأخطاء وهذا الضعف.
فالفريسي ليس لديه علاقة مع الآخر ولا مع الله يوجد فقط أنا مثالية وخوف من عدم المثالية..
أما العشار فيقول: "ارحمني يا الله أنا الخاطئ".. فهو إذا يخرج من خطئه بقوله "ارحمني"، وهي كلمة غنية، خاصة في اللغة العربية أكثر من باقي اللغات, أي أدخلني في رحمة رحمك حتى أولد من جديد، ويذوب خطئي في هذه الرحم وأولد من جديد. إذاً، حب برحمة لهذا الخاطئ (أحبك وأرحمك بخطئك..)
الفريسي يستطيع أن يولد من جديد للعلاقة (ارحمني....) , العشار لديه علاقة مع رحمة وحب الله. يوجد ولادة جديدة عند الاعتراف بالخطأ , وقد وجد العشار الرحمة التي تستوعبه.
ولكن ما العمل إن ظهر الخطأ المكبوت في الشخص المثالي؟.. كيف يتم التصالح مع الذات؟ الشخص المثالي أصلا ليس لديه ذات، أي لا يوجد اهتمام بقيمة الذات، وبالتالي فلا يوجد ثقة بالنفس, فكيف يستطيع هذا الشخص أن يجد قيمة لذاته؟
يحس الشخص بقيمته عندما يحس أن كلامه مهم.. الإنسان يحب أن يجد من يصغي إلى كلامه حتى يحس بقيمته.. من المهم أن يتكلم هذا الشخص ليعبر عن ذاته وأن يجد أحداً يصغي له، هذا ما يجعله يحس بقيمته. والاهم هو أن هذا الشخص يجب أن يبدأ بالولادة من جديد اعتباراً من واقعه وحاضره الخاص فيه، عندها يبدأ بالإصغاء. فهو لا يحس بقيمته فقط عندما يصغي احد ما إلى كلامه، بل يجب أن يتعلم كيف يصمت ويصغي إلى كلام الآخر, ويمكن أن يكون الآخر هو الله، عندها يحس بقيمته، ويكتشف أن الروح موجود فيه ويختبر اللقاء روحي، ربما لم يكن قد وجده من قبل، لأن المثاليات التي كان يعيش فيها تقتل الروح فهي لا تهتم بالروحانيات إنما فقط بالمثاليات الاجتماعية. هنا تبدأ علاقة روحية جديدة, ولكن يجب أن أولد من جديد ليس بالكلام والإصغاء وحسب بل بالعمل.
هذا مهمٌّ أيضاً في الحياة الزوجية إذ هي ليست فقط حياة مثالية، لأنًّ الحياة المثالية لا حياة فيها!.. الحياة الحقيقية تبدأ عندما أستطيع العيش مع الآخر ومن دون الآخر أيضا على حدّ سواء. فلا يجب أن يصل مدى تعلقي بالآخر إلى الحد الذي يجعلني أذوب فيه وألغي شخصيتي, فأنا لدي شخصية مستقلة وأستطيع العيش من دون الآخر حتى لو كنت أحبه.
يجب على المرأة، في الزواج مثلا، أن تكون كيانا مستقلاً، وأن تهتم بنفسها، وليس فقط بزوجها، لأن اهتمامها المفرط بزوجها، ربما على حساب نفسها أحيانا، سيجعله يشعر بالمثالية الموجودة فيها وهذا ما سيجعله يهرب إلى امرأة أكثر واقعية يشعر معها بالحياة لأن المثالية تقتل الحياة .
يجب على المرأة والرجل أن يبني كل منهما كيانا مستقلا لنفسه, ويحاول أن ينمي ما هو موجود داخله حتى يحس بقيمته، ومن خلال ذلك يشعر الآخر بهذه القيمة, ولا يشعر فقط أن أمامه كيان منصهر فيه، فالكيان المنصهر الذائب في الآخر يجعل هذا الآخر ينفر من الحب، فكيف سأحب شخصاً ذائباً لا كيان له؟!...
إذا عندما أقدم للآخر شيئا ما من عملي فهذه ولادة جديدة في حياة الشخص، فمن الممكن عندها أن يقول الرجل إن امرأتي غنية ولديها ما تقدمه لي فهي إذا جديرة بالحب أكثر، لأنها منطلقة وجذابة، لأنها تعيش من ذاتها ومن قيمتها، فيجب أن تحافظ المرأة وكذلك الرجل على ذاتهما بعد الزواج لضمان استمرار الحب والعلاقة الديناميكية.
العلاقة الحقيقيّة تفهم الآخر: أنا استطيع العيش مع هذا الآخر بدون أن أمتلكه، وأستطيع، بالتالي، العيش بدونه.. لي كيان مستقل وليس لدي رغبة في التملك، حتى ولا في الفكر والمخيلة، إذ أمتلكه الآخر بتفكيري المستمر فيه خوفا من أن أفقده فأفقد بذلك ذاتي المنصهرة فيه، فلا أرى نفسي إلا من خلاله، ما يجعله أحياناً يهرب من هذه الحب المتملك.
عندما يستقبل الإنسان الرحمة حقّاً يتغير. فما من أحد يستطيع أن يلمس الحب الإلهي مثلاً بدون أن يلمسه من الداخل ويساهم فيه على التغيير كردة فعل على عمق و صدق هذه الحب، كما حصل مع زكا العشار فهو لم يتغير إلا عندما أحس بحب المسيح له، وعندما أحس هذا الحب من خلال زيارة المسيح له في بيته رغم احتمال تذمر الناس من هذه الزيارة، دخل الحب قلبه، فقرر التغيير، وعندها أخرج النقود من جيبه ووعد بالإصلاح.
المثالية لا يجب أن تقتل الواقعية إنما يجب أن أنطلق من واقعي ولكن بحثاً عن حياة أكثر مثالية.
نقلاُ عن موقع كنيسة القديسة تيريزيا بحلب
Comment