اعترافات السلطات والصحف التركية في السنوات من (1918-1921)
بالإبادة الأرمنية والمحاكمات العسكرية التركية
بحث بقلم آرا سركيس أشجيان
بالإبادة الأرمنية والمحاكمات العسكرية التركية
بحث بقلم آرا سركيس أشجيان
في بداية تشرين الثاني-نوفمبر 1918، وبعد سقوط حكومة الاتحاد والترقي، كشف رئيس وزراء تركيا الجديد الداماد فريد باشا النقاب عن (الزوايا المظلمة لمخطط الإبادة الذي وضعه ونفذه حزب الاتحاد والترقي ضد الأرمن)، وقال : "إن ما أعلنته حكومة الأتراك الفتيان في (الكتاب الأحمر) الذي أصدرته عن عدم إخلاص الأرمن للدولة العثمانية (خلال تلك الفترة، آ . س) هو شيء مضلل و يتنافى تماماً مع الحقيقة"[1].
وفي 28 كانون الثاني-يناير1919، كتب علي كمال بك، الذي أصبح في عام 1920 وزيراً لداخلية تركيا، في جريدة (صباح) التركية قائلاً: "إنها لحقيقة ثابتة، أن إبادة الأرمن قد خطط لها وأقرت من قبل مقر حزب الاتحاد والترقي". ووصف هذه المذابح بأنها جريمة لم يسبق لها مثيل في التاريخ وهزت العالم[2] .
وفي حديث لسلطان تركيا في اسطنبول، قال: "إن اشتراك تركيا في الحرب من الحوادث المضرة، وان قلة نظر الحكومة التركية في ذلك الزمان أدت إلى هذه المصيبة، فلو كان متبؤاً العرش لم تكن تقع هذه الحادثة المحزنة، وان مذابح الأرمن فتتت قلبه وقد أمر حالاً عند تبوئه العرش أن تجرى التحقيقات حتى يعاقب مثيرو هذه الفتنة عقاباً شديداً، وقد حالت دون تنفيذ أمره حوائل مختلفة، أما الآن فالأمر جار على حكمه.."[3].
وقد نشرت الصحف التركية الصادرة في أسطنبول في شهري تشرين الثاني وكانون الأول 1918 العديد من المقالات والشهادات التي توضح ما حدث. فقد نشرت هذه الصحف نص رسائل وتوجيهات طلعت، وبهاء الدين شاكر، وناظم ضد الأرمن. ونشرت صحيفة جاماناك (الوقت) الصادرة في أسطنبول في 11 كانون الأول-ديسمبر 1918 نص توجيه زعماء الاتحاد والترقي الآتي: "نفذوا أولاً بأول الأوامر الصادرة لكم بقتل الأرمن"[4].
وقد ذكرت الصحف آنذاك أن عدد ضحايا الأرمن في مذابح عام 1915، بناء على التحقيقات التي أُجريت، بلغ مليوناً ونصف المليون، وان المذابح كانت منظمة. فقد ذكرت صحيفتا العرب البغدادية والموصل الموصلية الآتي: "علمت جريدة البتي باريزيان من الأستانة أن التحقيق فتح في مذابح الأرمن فأسفر هذا التحقيق عن أن عدد الذين قتلوا بلغ مليوناً ونصف مليون وأن أكبر المسؤولين عن هذه المذابح هم أنور باشا وطلعت باشا وجمال باشا والجنرال ليمان فون سندرس وان نصف الشعب الأرمني ذبح لأن المذابح نظمت تنظيماً علمياً بواسطة الألمان. وبين الفظائع التي ارتكبت والتي تقشعر منها الأبدان حرق ألفي امرأة وقد قتلوا في مكان آخر سبعة آلاف ولد. قال المكاتب ولا يجوز أن تلقى تبعة ما جرى على صغار الضباط والموظفين لأن التبعة كلها تقع على رأس الوزراء والقواد الذين تقدم ذكرهم"[5].
كما ذكرت صحيفة الموصل: "أخبرت برقية من باريس ما معناه: على إثر التحقيقات التي أجريت في مسألة ذبح الأرمن يستدل أن الشعب الأرمني فقد من أفراده نحو مليون ونصف أعني تقريباً فقد خمسين في المئة. وأن دولة ألمانيا هي التي رتبت هذه المذابح والفظائع وأن المسؤولين عن ذلك هم (ليمان فون سندريس باشا) وأنور وطلعت باشا وجمال باشا وقد حدث في هذه المذابح آثام مهولة وجرائم عديدة منها أن الأكراد رشوا زيت البترول على ألفي امرأة أرمنية وأحرقوهن ليستطلعوا منهن على موضع الجواهر وكانوا يظنون فيهن أنهن قد ابتلعنه. قتل في مكان واحد سبعة آلاف صبي وكثير من الأطفال دفنوا وهم أحياء في ولاية أرضروم"[6].
وبأمر سلطاني صادر عام 1918، شكلت الحكومة التركية لجنة تحقيقية كلفت بمهمة جمع الوثائق الحكومية عن قتل الأرمن. وقد ترأس اللجنة مظهر بك الحاكم السابق لأنقرة والذي اعفي من منصبه في حزيران 1915، وذلك لعدم تنفيذه أوامر طلعت باشا بتهجير الأرمن. وقد تمكن مظهر بك بعد جهد جهيد من جمع عدد كبير جداً من الوثائق الحكومية والشهادات التحريرية، والتي وضعت تحت تصرف المحكمة العسكرية التركية[7].
ونقلت جريدة (الوقت) التركية في 21 تشرين الأول-أكتوبر 1918 عن الشخصية السياسية والشاعرة خالدة أديب قولها: "لقد عملنا في تلك الأيام، حينما كنا أقوياء، على إبادة المسيحيين، ولاسيما الأرمن، بأساليب القرون الوسطى. أننا نعيش اليوم الأيام الأكثر حزناً وسوداوية في حياتنا الوطنية. فالولايات المتحدة وإنكلترا تعتبران تركيا دولة قتلت رعاياها وأولادها الأبرياء. وأعلنت الحكومة (التركية) الحالية أنه يتوجب إعادة الأرمن إلى مناطقهم"[8].
وبعد شهرين، وفي جريدة (يني كيون) التركية، دانت خالدة أديب حزب وحكومة تركيا الفتاة للجرائم التي ارتكبها أعضاؤهما بحق الأرمن، وخلصت للقول: "إن الأتراك ثبتوا أنهم غير قادرين على تشكيل حكومة متحضرة"[9] .
وبعد الهدنة التي عقدت في 30 تشرين الأول-أكتوبر 1918 مباشرة، أصبح موضوع مجازر الأرمن من أهم المواضيع التي ناقشها البرلمان العثماني. وقد تم نشر مناقشات البرلمان هذه في (تقويمه وقائعي)، وهي الصحيفة الرسمية للمجلس العرفي التركي ( المحكمة العسكرية)، والتي نشرت فيما بعد محاضر جلسات المحكمة العسكرية التركية الخاصة بمحاكمة المتهمين بمجازر الأرمن، فضلاً عن الصحف التركية[10].
وقد نشرت صحيفة العرب البغدادية حديث أحد مراسلي الصحف البريطانية مع الأميرعبد المجيد ولي عهد تركيا والنجل الثاني للسلطان عبد العزيز، جاء فيه:
"إن دور الاتحاديين الذي قضيناه هو دور استبداد ابتدأ فينا وأبتدأ معه السلب والنهب والتخريب والإتلاف. أما مسألة الأرمن التي أثارت علينا الخواطر فأنها قد وصمت قوميتنا وتركيتنا وصمة خالدة وليست إلا عمل أنور وطلعت وأني شعرت بهذه المسألة فسارعت إلى الأستانة ولقيت أنور وسألته عن حقيقة ما قيل من إعادة هذه المذابح التي ما زالت عاراً علينا منذ زمن عبد الحميد عند جميع العالم فكان جوابه قد تم القرار وادخل في المنهاج. فذهبت إلى السلطان والتمسته أن يحول دون هذا العمل باسم الإنسانية والدين فوعدني أن يكلم أنور. ولكنه لم ينجح في مسعاه. وقد أصابني بلاء آخر لما كنت أعمل الفكرة في شرف امتنا. كان لدي طبيب أرمني. فظنوا أنه يحرضني على تقديم الشكاوي فاعدموه وقد كان بوسع ألمانيا أن تصد تلك الفئة عن المذابح التي لوثت شرف امتنا"[11].
وفي بداية عام 1919، أصدرت الحكومة التركية منشوراً باللغة الإنكليزية بعنوان (القضية التركية–الأرمنية، وجهة نظر الأتراك)[12] اعترفت فيه بارتكاب الفظائع وأعمال القتل والإبادة المخطط لها من قبل زعماء حزب الاتحاد والترقي ضد الأرمن، والتي وصفتها بـ(القاسية) و(عديمة الضمير). ووعدت الأرمن الذين عانوا من هذه السياسة بالتعويضات في (الوقت المناسب). وتابع المنشور القول بأن جميع المسؤولين والموظفين الذين أسهموا في وضع وتنفيذ مخطط إبادة الأرمن وسلبهم قد اعتقلوا وسيحاكمون. وقال المنشور أن الأتراك قاموا فعلاً بقتل الأرمن، وتنظيم المذابح، وسلب وتدمير مساكن الأرمن[13].
وكان هذا اعترافا صريحاً من السلطات التركية في أسطنبول خلال الأعوام من 1918-1921 بتنظيم مذابح الأرمن. إلا أن موقف هذه السلطات تغير فيما بعد إلى إنكار حدوث مجازر إبادة الأرمن، وتستمر سياسة الإنكار هذه حتى الوقت الحاضر.
وقد نشرت صحيفة العرب البغدادية عام 1919 أنباء عن اعتقال مسؤولين وموظفين حكوميين سابقين ساهموا في مجازر الأرمن لمحاكمتهم، نذكر منها:
"آثينا: ذكرت برقية من الأستانة أنه القي القبض على كامل باشا قائد الجيش الثالث. وقد أتهم بذبح الروم والأرمن.."[14].
وذكرت أيضاً: "الأستانة في 6 شباط: تألف ديوان عرفي لمحاكمة الزمرة الأولى من الذين أُغروا على ذبح الأرمن. وبين هذه الزمرة كمال بك والي (بوغازليان) السابق وتوفيق قائد الجندرمة السابق في (يوزغاد) وفناز علي موظف في يوزغاد. وقد بين المدعي العمومي أنه يجب معاقبة مثيري هذه الجنايات التي أرعبت البشرية جمعاء، وأورد محام أرمني أدلة يتبين منها أن عدد الذين ذهبوا ضحية المذبحة 3,700 بينهم نساء وأولاد"[15].
كما ذكرت صحيفة العرب: "الأستانة: أُكتشف مكان رشيد بك والي (ديار بكر) السابق المتهم بمذابح الأرمن الذي فر مؤخراً من محل اعتقاله فأحاط به البوليس التركي وفي أثناء ذلك انتحر"[16].
وذكرت صحيفة العرب أيضاً: "قبل أن ينفض مجلس النواب العثماني قدم مبعوث الديوانية فوآد بك تقريراً في غاية الأهمية وقد كلًف به سوق وزارتي سعيد حليم وطلعت للمحاكمة أمام الديوان العالي.. وقدم أيضاً بعض مبعوثي الأرمن تقريراً يسألون فيه عن قتل مليون أرمني وإجلاء 25 ألف رومي مع مصادرة أموالهم ومقتنياتهم وعن إفناء 550 ألف رومي ومصادرة أموالهم وأملاكهم أيضاً وعن إلغاء التجارة الحرة وحصرها بالمحسوبين والمقربين وعن قتل زهراب ووارتكس[17] وعن معاملة العرب الكرام تلك المعاملة الشائنة التي أنتجت النتائج الوخيمة في الحجاز وسورية والعراق وغير ذلك مما سنراه أثناء المفاوضة الصلحية وعن تأليف طوابير العملة بحجة النفير العام وإتلاف 250 ألف نفس من الجوع والبؤس وعن خوض غمار الحرب ومنح بلغاريا قسماً من المملكة لنيل ذلك الشرف المشؤوم"[18].
كذلك ذكرت صحيفة العرب: "الأستانة في 18 نيسان: يبذل الباب العالي أقصى جهده لإعادة اعتباره في نظر الأمم الغربية لأنه ما زال يؤمل أنه يتمكن من التأثير على مؤتمر الصلح ليحظى منه بالعطف على تركية. فقد حصر أعماله الآن في إلقاء القبض على الموظفين في عهد الاتحاديين الذين اشتركوا في مذابح الأرمن والروم وقد قبض في البضعة الأيام الماضية على عدة أشخاص كبار بينهم عباس حليم باشا وزير النافعة السابق وإسماعيل كمال بك والي سيواس وسيحاكمان في المجلس العرفي"[19].
كما ذكرت صحيفة العرب: "أجاب المستر (هرمسورث) في مجلس العوام على سؤال أحد النواب فقال إن الحلفاء عازمون أن لا يتركوا سبيلاً للموظفين الألمان والأتراك الذين تقع عليهم تبعة المذابح الأرمنية أن يتخلصوا من العقاب. فقد قبض على كثيرين منهم ويدور البحث الآن في باريس عن التدابير التي ينبغي اتخاذها لمعاقبتهم على حسب ما يستحقون"[20].
وذكرت صحيفة العرب أيضاً: "وصل (مالطة) 66 أسير تركي يخفرهم خفر عسكري أما أسماؤهم فهي مكتومة لكنه علم أنهم جميع المسؤولين عن المذابح الأرمنية والنفي وعن الجنايات والدسائس الأخرى"[21].
وذكرت صحيفة الموصل الموصلية: "مالته في 3 حزيران: وصل مالته 66 أسير تركي تحت الحفظ وهؤلاء هم الأشخاص المسؤولون عن مذابح الأرمن وحوادث السلب والنهب وغير ذلك من الجرائم"[22].
وذكرت صحيفة العراق البغدادية: "جاء من الأستانة إلى جريدة الطان أن عدداً من الأتراك الذين كانوا قد اعتقلوا في مالطة أُعيدوا إلى الأستانة في أواخر تموز وسجنوا هناك إلى أن يمتثلوا أمام المجلس العرفي"[23].
أما صحيفة الموصل الموصلية، فذكرت: "نشر الكوكب عن المذابح التي جرت في تركيا ما نصه: جاء تلغراف من باريس يقول: إن الأمر صدر بمحاكمة الجنرال ليمان فون سندرس لأنه أمر بذبح الأرمن والسوريين في أثناء الحرب وسيحاكم ثلاثة من كبار الموظفين الترك في مجلس عسكري في الأستانة لأنهم نظموا المذابح وقد أمر بهذه المحاكمات فرنشه دسبري بعد دخوله الأستانة في يوم السبت الماضي وستعقبها محاكمات أخرى"[24].
وذكرت صحيفة الموصل أيضاً: "جاء في المقطم نقلاً عن التيمس أنه بوشر في محاكمة زعماء الاتحاديين في الأستانة وعددهم الآن 12 شخصاً بينهم سعيد حليم باشا وخليل بك وعاطف بك وإبراهيم بك وطلعت بك الصغير ومدحت شكري بك وجواد بك وضياء كجك بك وكمال بك وأحمد شكري بك ورضا بك. أما كبار الزعماء الفارين فسيحكمون غياباً وكما بدئ باستجواب سعيد حليم باشا وأعضاء وزارته الاستجواب الابتدائي أبوا أن يردوا على الأسئلة التي طرحت عليهم. أما أمس فاقتصروا على ذكر أسمائهم وأعمارهم ومناصبهم وعارض المحامي عن سعيد حليم باشا في اختصاص المحكمة بمحاكمة الوزراء السابقين. أما التهمة التي وجهت إلى المتهمين وتليت في الجلسة فتهمة شديدة على لجنة الاتحاد والترقي وورقة الاتهام طويلة تتضمن كثيراً من الأسماء والجرائم والفظائع المؤيدة بالأوراق والوثائق الرسمية وهي تتهم أنور وطلعت وجمالا وسواهم من الفارين بذبح الأرمن وتغريبهم ويستنتج العارفون من صيغة ورقة الاتهام أن المجلس العسكري سيحكم بالإعدام على الدكاترة بهاء الدين شاكر وناظم وعلي عاطف ورضا وجواد وعزيز من الحاضرين وعلى أنور وجمال وطلعت من الغائبين وأما الباقون فيرجح أن يكون الحكم عليهم بالسجن مع الأشغال الشاقة لمدد مختلفة. وقد ورد في الأنباء الخيرة أن جاويد بك تمكن من الفرار بمساعدة ثلاثة من أعيان بك أوغلي"[25].
يتبع ...
Comment