الـمـذبـحـة الأرمـنـيّـة
التسلسل التاريخي للأحداث في الامبراطورية العثمانية من انحدارها إلى المذبحة الأرمنية مروراً بالحرب العالمية الأولى
المذبحة الأرمنية، أول مذبحة في القرن الـ 20، وقعت أحداثها في تركيا حيثُ هُجِّرَ مليوني أرمني من بيوتهم وأراضيهم التي عاشوا فيها لقرون عديدة من خلال الترحيل القسري والمذبحة التي تمّت بين 1915 – 1918
- أرمينيا القديمة:
منذ ثلاث آلافِ سنة، ازدهر المجتمع الأرمني الذي انتشر في منطقة الشرق الأوسط محدوداً بالبحار: الأسود، المتوسط وقزوين. المنطقة الآن تُسمّى بالأناضول وتشكّل نقطة التقاء بين القارات أوروبا، آسيا وأفريقيا. قوى عظمى نشأت ثم سقطت بعد قرون عديدة، ، توالت على حكم وطن الأرمن في أيام ضعفه قوى عديدة كالفارسيين، اليونان، الرومان، البيزنطيين، العرب والمغول.
بالرغم من الغزوات العديدة، لكن كبرياء الأرمن وهويّتهم الحضارية لم تضعف او تترتعش أبداً. فالقمة المكسوة بالثلج لجبل أراراد شكّل نقطة مركزية لكبرياء شعب أرمني يعود تاريخ مملكته لـ 600 سنة قبل الميلاد.
وقد سيطرت اللغة الأرمنية التي تنتمي إلى الفرع الشرقي من اللغات الهندو أوربية. وتأئرت، بدورها ، على مر العصور باللغات اليونانية السريانية والفارسية .
وبعد أن تولى الأرمن زمان مملكة أورارتو وصدوا التوسع الآشوري، وواجهوا خطراً جديداً هو الغزو الفارسي من الجنوبي الشرقي. فخضعوا لسيطرة الشعوب الإيرانية، إلى ان تغلَّب الإسكندر الكبير على الفرس 331 ق.م ، فاستعادت المملكة الأرمنية سيادتها وعرفت ازدهاراً كبيراً تحت تأثيرالثقافة اليونانية. وكان أوج سلطتها في عهد الملك ديكران الكبير(55-95 ق.م) الذي وصل إلى سورية وأنشأ على حدودها مدينة على اسمه "ديكرانكيرد" المعروفة اليوم باسم دياربكر في تركيا .
وامتدت المملكة الأرمنية من حدودها الحالية مع روسيا وحتى اليونان غربا وجنوباً إلى حدود سوريا الجنوبية سمّيت بمملكة كيليكيا حيث كانت عاصمتها كيليكيا التي تقع في منتصف إقليم كيليكيا شمال خليج اسكندرون، الآن جنوب تركيا.
إن العهد القديم يولي أرمينيا مكاناً مرموقاً فقد وضع في حدودها جنة عدن،وجعل سفينة نوح ترسو على جبل أرارات.وذكر على ألسنة الأنبياء نداءات الاستنجاد بشعوب أرارات أو أوراتو.
لا يوجد ذكر لأرمينيا في العهد الجديد، ولكن ثمة إنجيلاً منحولاً يسمى بإنجيل الطفولة الأرمني،لأن الأصل فُقِد وبقيت الترجمة الأرمنية،تذكر فيه أسماء المجوس الذين زاروا المسيح الطفل في مغارة بيت لحم وهم: كسبار ملكون وبغده صار. وهذه الأسماء لا تزال انتشاراً بين الأرمن(كسباريان – ملكونيان - بغده صاريان)
- أول دولة مسيحية:
باتباعهم للمسيحية، أصبح الأرمن أول أمّة و قومية تعتنق المسيحية كديانة رسمية للدولة في عام 301. تبعها بعد ذلك عصر ذهبي وازدهار حيث شهدت اكتشاف الأحرف الأبجدية، مما أدّى إلى تطوّر في الادب، الفن، التجارة والأسلوب المميز للعمران. في القرن العاشر، أسس الأرمن عاصمة جديدة هي " آني " والتي سمّيت بمدينة الآلف ومئة كنيسة.
- تحت الحكم الإسلامي:
في القرن الحادي عشر، حدث أول غزو تركي للأراضي الأرمنية. وهكذا توالت آلاف السنين من الحكم التركي الإسلامي. عند اقتراب القرن السادس عشر، أصبحت الحضارة لأرمنية مُهمَّشة تحت حكم الامبراطورية العثمانية المتسعة القوى التي أخذت في الاتساع لتشمل الكثير من جنوب أوروبا وشمال افرايقيا وأغلب الشرق الأوسط.
ومع حلول الألف وثمانينات، الامبراطورية العثمانية القوية أخذت في الانحدار. حيث إنها ازدرت ولقرون عديدة التطور التكنولوجي والاقتصادي، بينما الدول الأوروبية أخذت باحتضان الاختراعات وتشجيعها وأمست قوة صناعية عملاقة. كان الجيش التركي في وقت من الأوقات لا يقهر ، ولكنه وبعد انحدار الدولة وجد نفسه يخسر المعركة تلو الأخرى أمام الجيوش الأوروبية ذات الأسلحة المتطورة.
وبعد تفسُّخ الامبراطورية وانهيارها تماماً، حصلت الشعوب الخاضعة لها كاليونان والصرب والرومان على استقلالها المننتظر. فقط الأرمن وعرب الشرق الاوسط بقوا عالقين في هذا المستنقع المتخلف والرجعي للامبراطورية، تحت الحكم الاستدبدادي للسلطان عبد الحميد.
- الحركة العثمانية للحقوق المدنية:
في الاعوام التي تلت 1980 بدأ الشباب الأرمني الذي يدرس في الجامعات الأوروبية ، المطالبة بإصلاحات سياسية في الامبراطورية العثمانية تتضمن دولة دستورية، والحق بالانتخاب ووقف الممارسات العنصرية كفرض ضرائب إضافية على من يتبعون الديانة المسيحية. واجه السلطان التركي الاستبدادي مطالبهم باعتقالات ومذابح وحشية.
بين الأعوام 1894 و 1896 أكثر من 100,000 قرية أرمنية ذُبِح سكّانها، من خلال مجزرة منظّمة وواسعة الانتشار بقيادة القوات الخاصة للسلطان.
ولكن أيام السطان كانت معدودة، ففي شهر تمّوز من عام 1809 قام الحزب الاصلاحي القومي "حزب تركيا الفتاة" بإجبار السطان على السماح بحكومة دستورية تضمن الحقوق المدنية. كان أعضاء حزب تركيا الفتاة ضباطا شباباً في الجيش التركي، حيث كانوا يطمحون إلى الوقوف بدولتهم من جديد من بعد انحدارها. وكان الأرمن في تركيا مسرورين بالتغيّر المفاجئ للأحداث وما تحمل لهم من آمال مشرقة.
- نهوض القومية التركية:
ومع كل هذه الآمال لكلا الطرفين من الأرمن والأتراك، تحطمت جميع أحلامهم عندما استولى ثلاثٌ من حزب تركيا الفتاة على جميع مقاليد الحكم للدولة عبر انقلاب تم في 1913. هذه الحكومية الثلاثية برئاسة محمد طلعت Mehmed Talaat ، اسماعيل انفر Ismail Enver و أحمد جمال Ahmad Djemal مسكت البلاد بدكتاتورية مطلقة ، تقودها طموحات قادتها الخاصة ومخططاتهم نحو مستقبل تركيا.
كانوا يهدفون إلى توحيد كل الأقوام والأعراق التي تخضع لتركيا في المنطقة كاملة وتوسيع الحدود مروراً بالقوقاز ووصولاً إلى وسط آسيا. وهذا سيخلق امبراطورية تركية جديدة، "وطن عظيم وأبدي" بلغة وديانة واحدة وتسمّى توران Turan
وكل هذه الامبراطورية ستقوم على حساب الشعب الأرمني الذي تقع أرضه تاريخياً وقبل مجيء العثمانيين على اليمين وفي طريق مخططات تركيا الفتاة للتوسع شرقاً. وعلى هذه الأرض الأرمنية يعيش عدد كبير جداً من المسيحيين الذين يصل تعددادهم إلى المليونين، ويشكّلون عشرة بالمئة من سكان الامبراطورية.
الاكتشاف الجديد لتركيا الفتاة، ألا وهو "Turanism"، صاحبه تصاعد مفاجئ للإسلاميين المتعصبين الذين قاموا بتحريض الأتراك. ووصِمَ الأرمن المسيحيون من جديد بوصمة الكفر. وفي بعض الأحيان قام الإسلاميون بالتحريض على استخدام العنف مع الأرمن.
وخلال أحداث 1909، سُلِبت حوالي 200 قرية وأكثر من 30,000 شخص ذُبِحوا في إقليم كيليكيا على ساحل المتوسط حيث تسكن فيه غالبية أرمنية. استمرَّت هذه الحملات ضد الأرمن في جميع أرجاء تركيا لسنوات عدّة وليس هناك من رقيب على هذه الممارسات.
سبب تغذية الكره تجاه الأرمن في تركيا كان الاختلاف الحضاري الكبير بين الأرمن والأتراك. بالرغم من أن غالبية الأرمن الذين يقطنون تركيا كانوا من الفقراء، ولكن كان هناك أقلية تفوقت في كثير من الخدمات كالحرفيين، ورجال الأعمال، المحاميين، الأطباء، الفنانين، المهندسين المعماريين.
والأرمن كانوا أيضا على ثقافة عالية مقارنةً مع نظرائهم الأتراك الذيك كانوا فلاحين ومزارعين أميين وصغار تجار، والمسؤولون في الامبراطورية العثمانية لم يولوا أهمية للتعليم ولم يقوموا ببناء معاهد للدراسات العليا.
حاول حزب تركيا الفتاة التعظيم من الطبقة الفلاحية التركية على حساب الأرمن ليتمكّنوا من الحصول على ولائهم. استغلّوا الاختلاف الديني، الحضاري، الاقتصادي والسياسي بين الأتراك والأرمن، وهكذا دفعوا الأتراك من الطبقة الوسطى على النظر للأرمن كغرباء بينهم.
- اندلاع الحرب:
عندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914، مسؤولوا النظام في تركيا الفتاة تحالفوا مع القوى المركزية (ألمانيا و نمسا المجرية). نشوب الحرب أعطاهم الفرصة المناسبة ليلحلّوا مشكلة "القضيّة الأرمنية" وقضايا أخرى بالنسبة لتركيا الفتاة، فأن أنظار العالم أجمع متّجهة إلى ساحة القتال في فرنسا وبلجيكا حيث أن الشباب الأوروبي كانوا يسقطون قتلى بالألاف. وأخيراً، الجبهة الشرقية تتضمنت الحدود بين تركيا وروسيا، وفي حالة الحرب، هناك بعض التدابير الغير اعتيادية التي تنطوي على توريط السكان المدنيين وهذا الشي ليس بأمر خارج عن المألوف أو استثنائي.
وكمقدمة للأحداث القادمة، نزع الأتراك السلاح من جميع المواطنين الأرمن بذريعة أنه لديهم تعاطف طبيعي مع روسيا المسيحية. صودِرت آخر بندقية ومسدس بالقوة، مع عقاب شديد لكل من لم يجدوا لديه سلاحاً بحجة أنه يقوم بتخبئته.
- وبدأت المذبحة:
في هذه الأثناء، حوالي أربعين ألف أرمني كانوا يخدمون في الجيش التركي. وفي خريف وشتاء 1914، صودرت جميع أسلحتهم ووضعوا للعمل كعبيد (السخرة) لحفر الطرق للكتائب أو لحمل الأغراض. وارتفع معدل الوفيات بينهم بسبب ما عانوه تحت ظل ظروف العمل القاسية، ومن نجا منهم تم قتله بعد ذلك. كان الوقت قد حان للتحرك ضد الأرمن.
قرار إبادة جميع المواطنين الأرمن أتى مباشرة من القيادة الثلاثية للحكومة المتطرفة "تركيا الفتاة". أوامر الإبادة كانت تنقل بالبرقيات المشفّرة لجميع حكام الأقاليم. بدأت الملاحقات المسلّحة في 24 نيسان 1915، و 300 أرمني من القادة السياسيين، المثقفين، الكتّاب، رجال الدين، وأعيان القشطنطينية (الآن اسطنبول) أُخذوا من بيوتهم، باختصار سُجِنوا ، عُذِّبو ومن ثم شُنِقوا أو تم رميهم بالرصاص.
وتبع ذلك اعتقالات جماعية للأرمن بجميع أنحاء تركيا على يد الجنود الأتراك، وموظفوا الشرطة، وفرق من المتطوعين الأتراك. الرجال الأرمن كانوا يربطون بحبال في مجموعات صغيرة ويتم أخذهم إلى ضواحي المدينة ليقتلوا رمياً بالرصاص أو يطعنوا من قبل مجموعات اجرامية. وكان الأتراك المحليّون والأكراد أيضا يشاركون في عمليات القتل.
ثم يأتي دور النساء الأرمن، الأطفال والشيوخ. كانوا قد أعلموهم بأن يحزموا أمتعتهم وأن يستعدوا لترك بيوتهم، تحت ذريعة أنّه سيتم ترحيلهم إلى منطقة غير عسكرية لسلامتهم الشخصية. ولكن في الحقيقة كانوا يسيرون في طريقهم إلى الموت جنوباً نحو الصحراء السورية.
أعلن الأتراك فوراً ملكيتهم لجميع منازل وقرى الأرمن التي تركوها خلفهم. وفي بعض الحالات، أخذ الأتراك المحليون الأرمن الصغار أكرهوهم على ترك المسيحية واعتناق الإسلام، وأُعطوا أسماء تركية جديدة. وبالنسبة للأرمن الذكور فقد كان هذا التحول يعني لهم أن يتحملوا الآلام الشديدة للختان كما هو منصوص في التقاليد الإسلامية.
رافق الجندرمة (الدرك) الأتراك قوافل انفرادية كل منها تضم آلاف من الأرمن الرحل. وقد سمح هؤلاء الحراس للمجموعات المتجوّلة التي تحتوي الآلاف من المجرمين ويعرفون باسم "النتظيمات الخاصة" بمهاجمة الناس العُزَّل، ويقتلون من يشاؤون. كما أنهم شجّعواالقطاع الطرق الأكراد أن يهجموا على القوافل ويسرقوا ما يريدونه. بالإضافة إلى ذلك، وقعت حينها أعداد هائلة من حالات الاغتصاب للفتيات والنساء على يد التنظيمات الخاصة والاكراد ومعظم الفتيات اللواتي يملكن قدرا من الجمال تم خطفهم للعمل كرقيق.
مسير الموت خلال المذبحة الأرمنية شمل أكثر من مليوني أرمني، غطت آلاف الأميال وطالت لشهور عدة و تم انتقاء الطرق الغير مباشرة عبر الجبال والمساحات البريّة عمداً لكي يكثروا من المشقات ويدعوا القوافل الأرمنية بعيدا عن القرى التركية.
نفذت مؤونة الطعام التي حملوها معهم وحُرِموا من الطعام والماء، وكل من يقف ليستريح قليلاً أو يتخلّف عن القافلة كان يتم ضربه بلا رحمة كي يعود وينضم للمسير. وفي حال لم يعد بإمكانهم متابعة السير، كان يتم رميهم بالرصاص. ومن الممارسات الشائعة كان إجبار الناس على نزع ملابسهم ومتابعة السير عراةً تحت أشعة الشمس اللاذعة إلى أن يقعوا منهكي القوى على جانب الطريق ويصيبهم الجفاف.
مات في هذا المسير، 75 بالمية من الأرمن على أقل تقدير، خصوصاً الأطفال والشيوخ. ومن بقي على قيد الحياة ونجا من المشقّات قاسى صعوبة البقاء في الصحراء بدون نقطة ماءٍ، أو تم رميهم من فوق جرفٍ أو دُفِنوا أحياء أو حتى أُغرِقوا في الأنهار.
خلال المجزرة الأرمنية، كًسًت الجثث المتعفنّة الاراضي التركية. فكان رد طلعت باشا أن أرسل رسالة مشفّرة إلى جميع حكام الاقطاعيات: "لقد أُعلِمتَ بأنه في بعض المناطق توجد جثث غير مدفونة ماتزال حتى الآن بالإمكان رؤيتها. اسألكم أن تصدروا أوامر شديدة بأن يتم دفن هذه الجثث وأنقاضها في جميع القرى".
ولكن هذه التعليمات تم تجاهلها وهؤلاء الذين توّرطوا في المجزرة الجماعية، لم يظهروا ولو القليل من الاهتمام بان يقفوا ليحفروا المادفن لتلك الجثث. كانت الجثث الملقاة على الطريق وأجسام المرحَّلين الهزولة قد أصابت الأجانب الذين يعملون في تركيا بالصدمة. شهود عيان من الحكومة الألمانية، مبشرون أمريكيون، ودبلوماسيين من الولايات المتحدة المتمركزين في البلاد.
- الرد الغربي:
خلال فترة المذبحة الأرمنية، كانت الإرساليات التبشيرية تُهّدَّد بالموت ولم يكن بمقدورهم مساعدة الناس. سفير الولايات المتحدة في تركيا، "هنري مورغنثاو" (Henry Morgenthau) بعث بتقريرٍ إلى واشنطن يقول فيه: "عندما أعطت الحكومة التركية الأمر بالترحيل، ببساطة هم كانوا يطلقون قراراً بالإبادة لعرق بكامله".
قوى الحلفاء (بريطانيا العظمى، فرنسا، روسيا) استجابت لأنباء المذبحة بأن أعطت إنذاراً لتركيا تقول فيه: "حكومات الحلفاء يبلّغون علانيةً: بأنهم سوف يلقون القبض على كل أعضاء الحكومة العثمانية، وعلى وجه الخصوص كل من تورّط ومسؤول شخصياً عن قضايا المذبحة"
التهديد لم يلقَ أي أذن صاغية. والصحف الغربية بما فيها النيويورك تايمز "New York Times" نشرت تقريراً عن الترحيلات المستمرة معنونة بـ "الأرمن يُرسلون إلى الهلاك في الصحراء" ، "تركيا متّهمة بالتخطيط لإبادة شعب كامل ، آب 18، 1915" ، "مليون أرمني قتلوا أو في المنفى" ، "لجنة الشؤون الاجتماعية الأمريكية تقول ضحايا الأتراك بتزايد منتظم" ، "سياسة الإبادة كانون الثاني، 15، 1915"
- دفاع الأرمن عن أنفسهم:
أصاب الأرمن ارتياح مؤقت عندما علموا بان كتائب روسية هاجمت الجبهة الشرقية وأكملت طريقها لوسط تركيا. ولكن هذه الكتائب انسحبت إثر قيام الثورة الروسية في 1917 و انسحب معها بعض الأرمن الناجين واستقرّوا مع الأرمن الذين كانوا يعيشون من قبل في مقاطعات من الامبراطورية الروسية السابقة. كان يصل عدد الأرمن مجتمعين في هذه المنطقة إلى حوالي 500,000 أرمني.
وفي عام 1918 هاجم الجيش التركي هذه المنطقة لتحقيق هدفهم في توسيع رقعة تركيا شرقاً إلى القوقاز ولإلكمال مهمتهم في إبادة الشعب الأرمني. وقع ما يصل إلى 100,000 أرمني ضحية تقدّم المجموعات العسكرية التركية.
وفي هذه الأثناء، حاول الأرمن تدبير امرهم بأن تمكّنوا من الحصول على الأسلحة وقاوموا الغزو التركي وردّوهم في معركة "سارداراباد" (Sardarabad)، وهكذا تمكّنوا من الحفاظ على باقي العرق من الفناء من دون أي تدخل من دول الخارج. تبع هذا الانتصار، إعلان القادة الأرمن تأسيس جمهورية أرمينيا المستقلّة في جزء صغير من موطنهم الأصلي في القوقاز.
وبعد توقف الحرب وفوز قوات الحلفاء، حضر ممثلون من جمهورية أرمينيا مؤتمر السّلام الذي انعقد في باريس على أمل أن يعيد لهم الحفاء المنتصرون وطنهم الأصلي الذي استولى عليه الاتراك. وافق الحلفاء لمطلبهم والتمسوا من الولايات المتحدة أن تفرض الوصاية على الجمهورية الجديدة.
رفض الكونغرس الأمريكي في أيار 1920 محاولة الرئيس وودرو ويلسون "Woodroo Wilson" لجعل أرمينيا محمية رسمية للولايات المتحدة. ولكن ويلسون لم يتخلى عن مشروعه في أرمينيا. ونتيجة لجهوده، وقِّعَت معاهدة سيفرس "Treaty of Sevres" في آب 10 1920 من قبل الحلفاء، الجمهورية الأرمنية والقادة المعتدلون في تركيا. أقرّت المعاهدة استقلال دولة أرمينيا في المناطق التي تشمل وطنهم الأصلي السابق بكامل حدوده وأراضيه.
- إنكار الحقيقة:
مرة أخرى قامت القومية التركية، وتم إبعاد القادة الأتراك المعتدلون الذين وقّعوا على معاهدة سيفرس على يد القادة القوميين الجدد، مصطفى كمال أتاتورك "Mustafa Kemal" الذي رفض وببساطة قبول المعاهدة، حتّى أنه أعاد احتلال الأراضي المتنازع عليها وطرد الأرمن الناجين من بينهم الآلاف من الأيتام.
لم تأتي أي قوة حليفة لمساعدة الجمهورية الأرمنية التي انهارت بعدها. وفقط أجزاء قليلة شرقية من الأراضي الأرمنية الأصلية نجت والتي أصبحت فيما بعد جزءاً من الاتحاد السوفيتي.
بعد نجاح المحاولة التركية في طمس أي أثر للأرمن في أراضيهم الأصلية أثناء المذبحة الأرمنية، دمّر الأتراك آثار الإرث الحضاري الأرمني بما فيها التحف العمرانية القديمة الثمينة وجميع سجلاتهم القديمة.
كما هدم الأتراك كل المدن الأرمنية وخصوصاً تلك عم فيها الازدهار، كـ خاربيت "Kharpet" و فان "Van" والعاصمة القديمة آني "Ani" والهدف من ذلك هو محي أثر ثلاثة آلاف سنة من الحضارة.
بالإشارة إلى المذبحة الأرمنية، تحدّث السياسي الألماني الشاب أدولف هتلر "Adolf Hitler" عن الرد الفعل الفاتر للقوى العظمى في العالم تجاه الحالة الأرمنية. فبعد حصول هتلر على القوة المطلقة المطلقة في ألمانيا ، قرر في عام 1939 أن يغزو بولندا، وقال لجنرالاته: الآن وفي الوقت الحالي قد قمت بإرسال "فرقة جماجم الموت" (Death’s Head Units) مع اوامر بقتل كل إنسان بدون رحمة أو شفقة ، كل رجل أو امرأة أو طفل من العرق البولندي أو يتكلّم اللغة البولندية. فقط بهذه الطريقة سنتمكن من الفوز بحيزنا الحيوي الذي نحتاجه. في أيامنا الحالية، من الذي مازال يتكلّم عن المجزرة الأرمنية؟"
تمت ترجمة هذا المقال من النص الأصلي
United Human Rights Council
مع الاستعانة ببعض المراجع الأخرى
ترجمة: تامار دونو
يرجى النقل مع ذكر المصدرالأصلي و اسم المترجم
United Human Rights Council
مع الاستعانة ببعض المراجع الأخرى
ترجمة: تامار دونو
يرجى النقل مع ذكر المصدرالأصلي و اسم المترجم
Comment